ابو اسلام
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
الاشتياق إلى النبي صلى الله عليه وسلم الشيخ محمد المنجد
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد ..
فإن محمداً -صلى الله عليه وسلم- آخر الأنبياء، وأحبهم إلى الله، ائتمنه الله على وحيه، وأرسله إلى خلقه، بعثه هادياً وبشيرا ونذيراً وداعياً إلى سبيله بإذن ربه، صلى الله عليه وعلى آله .
اشتياق الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم
محبة المؤمنين لربهم عظيمة، ومحبتهم لنبيه -صلى الله عليه وسلم- من محبتهم لربهم، لأن الله يحبه، ولأن الله أرسله، ولأن الله أوجب علينا حبه، وقال لنا في كتابه { النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ }(الأحزاب: من الآية6) . بذل لنا النصيحة، كان أرأف وأشفق بنا من آبائنا وأمهاتنا، هو أعظم من منزلة الوالد، رحيم رؤوف بالمؤمنين، عزيز عليه ما شق علينا، فلا يسع المؤمن إلا أن يحبه لأن الله يحبه، ولأنه خليل الله، وأحب خلق الله إلى الله، ولأن الله بعثه ولأنه قدوتنا ولأن له من الشمائل والصفات والآداب والأخلاق وعظيم الطباع وجميل السجايا، ما يحب لأجل ذلك، ويحمد عليه، فهو محمد وهو أحمد وهو الماحي الذي يمحي الله به الكفر، وهو الحاشر الذي يحشر الله الناس على عقبه، وهو مصطفى من البشر خيرهم عند الله، وقد وعى الصحابة هذا فأحبوه لذلك، وحكموه في أنفسهم، وأموالهم وقالوا هذه أرواحنا بين يديك، لو استعرضت بنا البحر لخضناه، وهذه أموالنا يبن يديك فاقسمها كيف شئت ستجدنا من خلفك وعن يمينك وعن شمالك،
أبرُّ بني الدنيا وأعظمُ من شكرْ وأكرم مخلوقٍ على سائر البشرْ
به الله قد أهدى إلى الناس رحمةً وبه ضياءُ الحق في الكون قد ظهر
وقد اشتاق الصحابة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- في حياته وبعد مماته، وأحبوه حباً لم يعرف التاريخ مثله، حتى قال أنس : ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقْبِلُ وَمَا عَلَى الْأَرْضِ شَخْصٌ أَحَبَّ إِلَيْنَا مِنْهُ ) أحمد (12117) ، وإسناده صحيح.
وقال علي رضي الله عنه : كان والله أحب إلينا من أموالنا وأولادنا وآبائنا وأمهاتنا ومن الماء البارد على الظمأ. الشفاء بتعريف حقوق المصطفى (2/22).
"وَلَوْ سُئِلْتُ أَنْ أَصِفَهُ مَا أَطَقْتُ" كما يقول عمرو بن العاص رضي الله عنه : لِأَنِّي لَمْ أَكُنْ أَمْلَأُ عَيْنَيَّ مِنْهُ . [مسلم: 121]
كُلُّ القلوب إلى الحبيب تميلُ ومعي بهذا شاهدٌ ودليـــلُ
أما الدليلُ إذا ذكرت محـمداً صارت دموعُ العارفين تسيلُ
وقال عدوه: ما رأيت من الناس أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمد محمداً". السيرة النبوية الصحيحة (2/400) سيرة ابن هشام (3/160)، الروض الأنف (6/166) الشفا (2/23).
وهكذا تغلغل حبه في قلوبهم، فوصل إلى الحشايا وتعمق في نفوسهم، فكان أحب إليهم من أموالهم وأولادهم ووالديهم والناس أجمعين، كما قال لهم وعلّمهم : (( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ, لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين)) البخاري (6632).
ولو لم يكن في القلب حبُّ محمدٍ لعمّت بك البلوى و دام الضلالُ
بل كل من صدقت محبته للنبي -صلى الله عليه وسلم- أحبه أكثر من نفسه، ولذلك كان أحدهم يقول : نحري دون نحرك.
وقال عمر للعباس : يا عباس والله لَإسلامك يوم أسلمت أحبَّ إليّ من إسلام الخطاب - يعني أباه - لو أسلم، وما بي إلا أني قد عرفت أن إسلامك كان أحبَّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من إسلام الخطاب لو أسلم". الطبراني (7264) بإسناد حسن (الصحيحة / 3341)
عمر رضي الله عنه لم تمنعه قوة شخصيته ولا غضبه في الحق أن يكون صاحب مشاعر حساسة وقلب مرهف تجاه النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقد فرض لأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ ثَلَاثَةِ آلَافٍ وَخَمْسِ مِائَةٍ، وَفَرَضَ لابنه ثَلَاثَةِ آلَافٍ، فسأله ابنه عن ذلك فقال: لأَنَّ زَيْدًا كَانَ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَبِيكَ، وَأُسَامَةُ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْكَ، فَآثَرْتُ حُبَّ رَسُولِ اللَّهِ. الترمذي (3813) وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
وقد حكى التاريخ حبهم له، حتى أن الملوك لا يُفعل معها كما يفعل معه، لا من باب الذل والعبودية، ولكن من باب التوقير ، وَاللَّهِ إِنْ رَأَيْتُ مَلِكًا قَطُّ – يعني ما رأيت ملكاً قط - يُعَظِّمُهُ أَصْحَابُهُ مَا يُعَظِّمُ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَمَّدًا, وَاللَّهِ إِنْ تَنَخَّمَ نُخَامَةً إِلَّا وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ, وَإِذَا أَمَرَهُمْ ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ, وَإِذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ, وَإِذَا تَكَلَّمَ خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ, وَمَا يُحِدُّونَ إِلَيْهِ النَّظَرَ تَعْظِيمًا لَهُ ). البخاري (2734).
كانت محبته في قلوبهم أصيلة، كان شوقهم إليه عظيماً، هذا ثوبان مولاه كان قليل الصبر عنه، يشتاق إليه كل يوم، جاءه يوماً وقد رأى في وجه تغيراً فقال: ((ما غير لونك)) ؟
فقال: يا رسول الله ما بي من مرض ولا وجع غير أني إِذا لم أرك اشْتقت إِلَيْك وَاسْتَوْحَشْت وَحْشَة شَدِيدَة حَتَّى أَلْقَاك، ووالله إنك لأحب إلي من نفسي وأهلي وولدي، وإني لأكون في البيت، فأذكرك فما أصبر حتى آتيك، فأنظر إليك، وإذا ذكرت الآخرة عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين، وإني إذا دخلت الجنة خشيت أن لا أراك !
فنزل قوله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا}( النساء :69 ) الطبراني في الأوسط (477). وقال الألباني: صحيح بشواهده. فقه السيرة.
ولما قَدِمَ الْأَشْعَرِيُّونَ وقَرُبُوا مِنْ الْمَدِينَةِ جَعَلُوا يَرْتَجِزُونَ ويَقُولُونَ:
غَدًا نَلْقَى الْأَحِبَّةَ مُحَمَّدًا وَحِزْبَهُ
[أحمد: 12921، وصححه الألباني والأرناؤوط]
وكان بلال يرددها قبل أن يموت، وكان خالد بن معدان لا يأوي إلى فراشه إلا ويذكر شوقه إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومن مضى من أصحابه وآله ويقول : هم أصلي وفصلي، وإليهم يحنّ قلبي، طال شوقي إليهم.
وهكذا كانت العجائز في بيوتها إذا نفشت الصوف تتذكر محمداً -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه الأخيار، وكيف كان بكاؤهم بالأسحار، وتقول إحداهن :
يا ليت شعري والمنايا أطوارْ هل تجمعَنِّي وحبيبي الدار
ولما قال النبي -عليه الصلاة والسلام- لواحد من الصحابة : ((أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ))
قَالَ أَنَسٌ: فَمَا فَرِحْنَا بِشَيْءٍ فَرَحَنَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك. البخاري (3688) ومسلم.
كيف لا وهو سبب منع العذاب عنهم، لأن الله قال في كتابه : {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ}(الأنفال: من الآية33).
كيف لا وهو مصدر الوحي، يأتيهم عبره، كيف لا وهو قدوتهم، {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}(الأحزاب: من الآية21).
ذو البجادين تربى في حجر عمه، فنازعته نفسه إلى الإسلام، فقال: يا عم كنت أنتظر سلامتك بإسلامك فلا أراك تريد محمداً فائذن لي في الإسلام.
فقال: والله لئن أسلمت لأنتزعن كل ما أعطيتك حتى ثوبيك!
فصاح لسان عزيمته: نظرة من محمد عليه الصلاة والسلام أحب إلي من الدنيا وما فيها.
فجرده عمُه من كل شيء حتى الثياب، فناولته أمه بجادًا لها، فقطعه نصفين، فاتزر نصفًا وارتدى نصفًا. وأتى رسول الله، فقال: ما اسمك ؟ قال: عبد العزى.
فقال: بل عبد الله ذو البجادين". اللطائف (1/8) صفة الصفوة (1/678) وحلية الأولياء (1/365).
وهكذا زيد رضي الله عنه يقول للكفار : والله ما أحب أن محمداً الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة وإني جالس في أهلي! الطبراني في الكبير (5284).
إني لأُرْخِصُ دون عرضِك مهجتي روحٌ تروحُ ولا يُمسُّ حماكا
روحي وأبنائي وأهلي كلهــم وجميع ما حوت الحياةُ فداكَ
وكذلك فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد فدي في أحد، وقالت المرأة لما استقبلت بابنها وجثث أبيها وزوجها وأخيها : ما فعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- . قالوا : خيراً، هو بحمد الله كما تحبين.
قالت: أرونيه حتى أنظر إليه.
فأُشير لها إليه حتى إذا رأته, قالت: (كل مصيبة بعدك جلل). الروض الأُنُف (6/25)، الشفا(2/22).
هكذا كان الواحد منهم يقول : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ". الطبراني في الأوسط (7499) .
لما مات أظلمت المدينة، لما مات أنكر الصحابة قلوبهم، لما مات كانوا يتذكرونه صباح مساء، وقدم عمر الشام وفيها بلال وكان بلال لا يؤذن، فسأله المسلمون أن يسأل بلالاً أن يؤذن، فسأله فأذن يوماً، فلم يُرَ يومٌ كان أكثر باكياً من يومئذ، ذكراً منهم للنبي صلى الله عليه وسلم. سير أعلام النبلاء (1/357).
اشتياق التابعين ومن بعدهم للنبي صلى الله عليه وسلم
وقيل لعبيد السلماني إن عندنا من شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً من قِبل أنس بن مالك.
فقال: لئن يكون عندي منه شعرة أحب إلي من كل صفراء وبيضاء -يعني من الذهب والفضة - على ظهر الأرض.
الآن لم يبقى من آثار النبي -عليه الصلاة والسلام- شيء، لا سيف ولا عصى ولا ثوب ولا شعره، وما في المتاحف كذب ولم يثبت، ولكن بقيت سنته، بقي القرآن الذي نزل عليه قبل ذلك، وبقي لنا هذان الوحَيان وآثار أصحابه، وشروح التابعين، وبقي لنا الإيمان به والشوق إليه، وهو الذي قال: ((وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ فِي يَدِهِ لَيَأْتِيَنَّ عَلَى أَحَدِكُمْ يَوْمٌ وَلَا يَرَانِي، ثُمَّ لَأَنْ يَرَانِي أَحَبُّ إِلَيْهِ مَنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ مَعَهُمْ)) مسلم (2364).
قال العراقي في طرح التثريب " أي: (( يَأْتِي عَلَى أَحَدِكُمْ يَوْمٌ لأَنْ يَرَانِي فِيهِ لَحْظَةً ثُمَّ لَا يَرَانِي بَعْدَهَا أَحَبُّ إلَيْهِ مِنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ جَمِيعًا )). شرح مسلم. طرح التثريب (7/387).
فماذا تكون مشاعر الإمام البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه وأبي داود وأحمد والبيهقي وأهل الحديث كافة وهم يكتبون الحديث عنه ويجولون في البلاد لجمعه، ويسهرون الليل لكتابته، ويدرسون علل الأساليب، ماذا كان شوقهم، وكيف كانت حالتهم، وأهل الإيمان يتمنى الواحد منهم أنه رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- لحظة ليحظى بأجر الصحبة،
فَيَبكي إِن نَأَوا شَوقاً إِليهِمُ وَيَبكي إِن دَنَوا خَوفَ الفِراقِ
وقال -عليه الصلاة والسلام- : (( مِنْ أَشَدِّ أُمَّتِي لِي حُبًّا نَاسٌ يَكُونُونَ بَعْدِي يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ رَآنِي بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ )) مسلم (2832).
فالمؤمن الصادق يتمنى حقيقة أن يكون قد عاش في عهده أو رآه، يتمنى رؤيته ولو لحظة ،
نسينا في ودادك كلَّ غال فأنتَ اليومَ أغلى ما لدينا
نلامُ على محبتكم ويكفي لنا شرفٌ نلام وما علينا
ولما نلقكم لكن شوقاً يذكرنا فكيف إذا التقينا
تسلّى الناس بالدنيا وإنا لعمر الله بعدك ما سلينا
خرج الركب العراقي حاجّاً في سنة 394هـ ، فلما فرغوا من الحج عزم أميرهم على العود سريعاً إلى بغداد وأن لا يقصدوا المدينة النبوية خوفاً من سرّاق الحجيج، فقام شابان قارئان على جادة الطريق التي منها يُعدل إلى المدينة النبوية – عند المفرق - ، وقرآ :{مَا كَانَ لأَهْلِ المَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُوا عَن رَّسُولِ اللَّهِ وَلاَ يَرْغَبُوا بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ}(التوبة : 120).
فضج الناس بالبكاء، وأمالت النوق أعناقها نحوهما، فمال الناس بأجمعهم والأمير إلى المدينة فزاروا وعادوا سالمين إلى بلادهم» تاريخ ابن كثير (11/334) والمنتظم (15/44).
لم يكن الشوق ولم تكن المحبة ولم يكن الميل من البشر إليه فقط، أراد الجن أن يلتقوا به، أي الصالحين والمؤمنين منهم فالتقوا به أكثر من مرة، وخَطَبَ يَقُومُ إِلَى جِذْعٍ، فَلَمَّا صُنِعَ لَهُ الْمِنْبَرُ وَكَانَ عَلَيْهِ سَمِعْنَا لِذَلِكَ الْجِذْعِ صَوْتًا كَصَوْتِ الْعِشَارِ [وفي رِوَايَة: فَصَاحَتْ النَّخْلَة صِيَاح الصَّبِيّ] [فَسَمِعُوا مِنْ حَنِينهَا حَتَّى كَثُرَ بُكَاؤُهُمْ ]
حَتَّى جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا فَسَكَنَتْ". البخاري (3583) وهو عِنْد أَبِي نُعَيْم.
وقال-عليه الصلاة والسلام- عن الجذع: ((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ أَلْتَزِمهُ لَمَا زَالَ هَكَذَا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة)). أبو عَوَانَة وَابْن خُزَيْمَةَ وَأَبو نُعَيْم.
وَالجِذعُ حَنَّ إِلَيهِ عِندَ فِراقِه شَوقاً حَنينَ الهائِمِ الوَلهانِ
وكَانَ الْحَسَن البصري إِذَا حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيث بكى وقال: يَا مَعْشَر الْمُسْلِمِينَ الْخَشَبَة تَحِنّ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَوْقًا إِلَى لِقَائِهِ فَأَنْتُمْ أَحَقّ أَنْ تَشْتَاقُوا إِلَيْهِ. الشفا (1/304)، صحيح الجامع (2256). وفتح الباري.
كان حجر بمكة يسلم على النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث . رواه مسلم .
والشجرة أعلمته باجتماع الجن له، وأخبرته ذراع الشاة المسمومة بما فيها.
وكَانَ أَهْلُ بَيْتٍ مِنْ الْأَنْصَارِ لَهُمْ جَمَلٌ يسقون عَلَيْهِ، وَإِنَّ الْجَمَلَ اسْتُصْعِبَ عَلَيْهِمْ فَمَنَعَهُمْ ظَهْرَهُ، فجَاءُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبروه -مساكين محتاجين لهذا-، فَقَام معهم حتى أتى الجمل، فَقَالَتْ الْأَنْصَارُ: إِنَّا نَخَافُ عَلَيْكَ صَوْلَتَهُ، فَقَالَ: ((لَيْسَ عَلَيَّ مِنْهُ بَأْسٌ)).
فَلَمَّا نَظَرَ الْجَمَلُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَلَ نَحْوَهُ حَتَّى خَرَّ سَاجِدًا بَيْنَ يَدَيْهِ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَاصِيَتِهِ أَذَلَّ مَا كَانَتْ قَطُّ حَتَّى أَدْخَلَهُ فِي الْعَمَلِ). أحمد (12203) قال ابن كثير في البداية والنهاية (6/155) : إسناده جيد .
أنتَ الذي حنَّ الجمادُ لعطفهِ وشكا لك الحيوانُ يومَ رآكا
والجِذعُ يُسْمَعُ بالحنين أنينُه وبكاؤُه شوقًا إلى لُقياكا
قال مالك:« حجّ [أيوب السختياني] حجتين، فكنت أرمقه، ولا أسمع منه، غير أنه كان إذا ذُكر النبي صلى الله عليه وسلم، بكى حتى أرحمه ، فلما رأيت منه ما رأيت ، وإجلاله للنبي صلى الله عليه وسلم كتبت عنه ». سير أعلام النبلاء (6/17).
وقال مصعب بن عبد الله :
« كان مالك إذا ذُكر النبي صلى الله عليه وسلم يتغير لونه وينحني حتى يصعب ذلك على جلسائه ، فقيل له يوماً في ذلك ، فقال : لو رأيتم ما رأيت –يعني من شوق من قبلي- لما أنكرتم عليَّ ما ترون »
وكان جعفر بن محمد كثير الدعابة والتبسم فإذا ذُكر عنده النبي صلى الله عليه وسلم اصفرَّ لونه ، وكان عبد الرحمن بن القاسم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم فينظر إلى لونه كأنه نزف منه الدم، وقد جف لسانه في فمه هيبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكان عامر بن عبد الله بن الزبير إذا ذكر عنده النبي صلى الله عليه وسلم بكى حتى لا يبقى في عينيه دموع:
نزف البكاء دموع عينك فاستعر عيناً لغيرك دمعها مدرارُ
وكان الزهري مِنْ أهنأ الناس وأقربهم فإذا ذُكر عنده النبي صلى الله عليه وسلم فكأنه ما عرفك ولا عرفته.
كان صفوان بن سليم إذا ذُكر النبي صلى الله عليه وسلم بكى، فلا يزال يبكي حتى يقوم الناس عنه ويتركوه. الشفا بتعريف حقوق المصطفى ، للقاضي عياض 598.
محبته تقتضي طاعته ومعرفة سنته وعدم الغلو فيه
أين نحن من هؤلاء، ما حالنا في حالهم، وما أثر الحب علينا، أين المحبون، تباعد الزمان، وقلّ الأعوان في نشر السنة والخير والحق بالميزان، فصارت السنة عند الكثيرين مجهولة، فاتت السنة الكثيرة، فأين الاقتداء به -عليه الصلاة والسلام- في صلاته في العبادات في خشيته في بكائه في ذكره لربه، في توبته، في مشيته، في أكله وشربه ولبسه وهديه حتى في الخلاء، أين الاقتداء بالنبي -صلى الله عليه وسلم- في المحن والسراء والضراء، أين الآية الدالة على المحبة والشوق إليه، أين التنفيذ لقوله تعالى : {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}(آل عمران: من الآية31).
أين طاعته أين الاقتداء بهديه،
شرطُ المحبةِ أن توافقَ من تحبُّ على محبتِه بلا عصيان
فإذا ادّعيتَ له المحبةَ مع خلافِك ما يحب فأنت ذو بهتان
أين الاقتداء به في سنن الفطرة، اللحية وقص الشارب ونتف الإبط وحلق العانة وقص الأظافر، الاستنشاق غسل البراجم، والأشاجع، معاقد الأصابع، أين الاقتداء به -عليه الصلاة والسلام- في قراءة حديثه ومعرفة معاني سنته، والدفاع عنها وكبت البدعة والرد على أهل البدعة والمنحرفين والغلاة ما هي علامات السنة، ماذا فعل الصحابة،
ثوى في قريش بضع عشرة حج يذكر لو يلقى حبيبا مؤاتيا
ويعرض في أهل المواسم نفسه فلم ير من يؤوي ولم ير داعيا
فلما أتانا واستقرت به النوى وأصبح مسرورا بطيبة راضيا
بذلنا له الأموال من حل مالنا وأنفسنا عند الوغى والتآسيا
نعادي الذي عادى من الناس كلهم جميعا وإن كان الحبيب المصافيا
ونعلم أن الله لا رب غيره وأن رسول الله أصبح هاديا
وهكذا قاموا معه وهكذا صار يأتمرون بأمره، وهكذا كانوا يصلون معه ولا يتخلفون عنه في جهاد، هكذا كانوا ينفذون أمره ويحرصون على مرضاته ويضحون من أجله، ويكرمون أضيافه، ويهدونه في بيوته، وهكذا كانوا يشتاقون إليه، فيصلون عليه ويجعلون أذكاراً وأوراداً من الأدعية كلها صلاة عليه -صلى الله عليه وسلم-، إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَيْكَ فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِي ؟
فَقَالَ: ((مَا شِئْتَ))
قُلْتُ: أَجْعَلُ لَكَ صَلَاتِي كُلَّهَا ؟
قَالَ: ((إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ)). الترمذي (2457) وصححه الألباني.
فليس من محبته -عليه الصلاة والسلام- الغلو فيه، ولا رفع فوق منزلته التي أنزله الله إياها، ليس من محبته الإشراك به مع الله، ليس من محبته أن يُسأل في قبره ويستغاث به بعد موته، ليس من محبته أن تصرف له أنواع من العبادات، ليس من محبته أن تجعل له علوم الدنيا والآخرة وعلم اللوح المحفوظ وعلم الغيب، ليس من محبته هذا الغلو، ليس من محبته التوسل به بعد موته، وليس من محبته التمسح بقبره ولا بشباك القبر وحديد القبر وقفص القبر، ليس من محبته أن تقوم هذه الموالد البدعية بما فيها من الرقص والدف والطبول والقصائد المشتملة على الشركيات والغلو بالنبي -عليه الصلاة والسلام- ، ليس من محبته أن يؤتى في هذه الموالد بالرقص والمنكرات، وأن تشبع البطون من الحلاوة والبقلاوة والأغنياء يتخمون بطونهم، والفقراء يخرجون من المولد بلا حمّص، ليس هذا من محبته بشيء، ليس هذا من اتباع السنة في شيء، أين الدفاع عنه، أين الذب عن سنته، أين التمسك بهديه، أين قراءة الصحيحين والكتب الأخرى التي فيها الأحاديث ومعرفة معانيها، أين الإتباع أين ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) أين ((خذوا عني مناسككم)) أين التعامل بهديه مع الزوجات وهديه مع الأبناء والأحفاد وهديه مع الأقارب والأباعد والصغار والجيران والخدم والدواب، أين التعامل بهديه مع النساء ومع كبار السن، وهديه في التعامل مع ذوي العاهات، حتى الدواب والبهائم، أين هديه في التعامل مع الأعداء والمنافقين، أين هديه في التعامل مع الأغنياء والفقراء وأهل المصائب والمسلمين الجدد، والمتخاصمين وحتى الأعراب وذوي الطباع الصعبة، أين هديه في التعامل مع العصاة والمذنبين والشباب والسفراء والوفود وغير المسلمين، حتى هديه في التعامل -صلى الله عليه وسلم- مع الناس كافة .
عِرضي فِدَا عرضِ الحبيبِ محمدِ وفداه مهجة خافقي وجناني
وفداهُ كل صغيرِنا و كبيرنا وفداهُ ما نظرت له العينانِ
وفداه مُلكُ السابقين ومن مضوا وفداه ما سمعت به الأذنانِ
وفـداه كلُّ الحاضرين و مُلْكُهم و فداه روح المُغرَمِ الوَلْهانِ
وفداه ملك القادمين ومن أَتَوا أرواحُنا تفديه كل أوانِ
صلى عليه الرب في عليائه إذ زانه بالصدق والإيمانِ
اللهم صل وسلم على عبدك ونبيك محمد، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه وأزواجه وذريته، اللهم اجعلنا من أتباعه، واحشرنا في زمرته، واسقنا من حوضه، وارزقنا شفاعته، واجعله أحب إلينا من أولادنا، وأموالنا وأزواجنا، اللهم ارزقنا اتباع سنته، والتأسي بهديه، أحينا مسلمين، وتوفنا مؤمنين، وألحقنا بنبينا مع الرفيق الأعلى يا كريم، احشرنا في لوائه، واجعلنا معه في جنات النعيم, أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية :
الحمد لله وسبحان الله، الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم، ملك يوم الدين، أشهد إن لا إله إلا هو رب الأولين والآخرين، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله الأمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .
عباد الله ترك النبي -صلى الله عليه وسلم- لنا أرثاً عظيماً، بلغنا الكتاب، وشرح الكتاب وهي السنة، وترك لنا هذين الثقلين والوحيين، وأوصانا بأهل بيت خيراً، أوصانا بعترته الشريفة، فنحب أقاربه وآله -عليه الصلاة والسلام- المسلمين مرتين، مرة لإسلامهم ومره لقرابتهم من النبي -عليه الصلاة والسلام- ، وهذا دعاء المسلمين في العالم في كل صلاة له ولآله، يصلون عليه وعلى آله، ويسألون الله البركة عليه وعلى آله .
المصائب سببها الذنوب وليست الطبيعة
وفيما علمنا يا عباد الله أن ما يصيبنا من المصائب إنما هو بسبب ذنوبنا، ولا زال المنافقون حتى هذه اللحظة وأهل الجهل والغباء يصرون على أن تعزى كل كارثةٍ في الأرض ومصيبة إلى الطبيعة، الطبيعة فعلت والطبيعة وهبت والطبيعة أخذت والطبيعة منعت والطبيعة زلزلت، وهكذا فلا يذكر الله في كلامهم، والآيات التي نصت والأدلة على أن ما يصيب العباد من المصائب سببها ذنوبهم لا يعترفون بها، ويقولون هذا التيار الديني يقدم تفسيراً للأحداث تفسيراً دينياً يقوم على السذاجة، ماذا تسمي الآيات والأحاديث الواردة في ذلك، تسميها سذاجة، قال الله تعالى : {مَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ}(النساء: من الآية79).
قال الله تعالى : {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ}(الشورى: من الآية30). ما أصابكم هذا أسلوب عموم، {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} (الشورى:30).
ما هي المصائب ؟ أوجاع أسقام قحط غلاء غرق صواعق زلازل كما قال أهل التفسير كالخازن رحمه الله .
ثلاثة : {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا}(الروم: من الآية41)
فما هو الفساد في البر والبحر ؟ فساد الزروع والثمار، فساد الهواء والتلوث، نقص الثمرات القحط قلة البركة الزلازل الأوبئة الأنفلونزا بأنواعها، يا جماعة الآيات واضحة، { ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا } الباء للسببية يا من يعقل ! { بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ } .
قال الله تعالى : {فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا}(العنكبوت: من الآية40).
قال الله تعالى في كتابه العزيز : {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً}(الأنفال: من الآية25) فتعّم .
وهكذا نرى حديث النبي -عليه الصلاة والسلام- : (( إذا ظهر السوء في الأرض أنزل الله بأهل الأرض بأسه)) ،قالت عائشة: وفيهم أهل طاعة الله عز وجل ؟
قال: ((نعم ثم يصيرون إلى رحمة الله تعالى )) وصححه الألباني في الصحيحة (3156).
الذي يمنع نزول العذاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهؤلاء أهل المنكرات يستعلنون بها اليوم تبرجاً واختلاطاً وسفوراً وأنواع المحرمات التي يريدون نشرها، وكذلك الحرب على دين الله وحكمه والاستهزاء بأوليائه وأهل العلم والقضاء والشريعة، ولا يذرون شيئاً ولا يريدون أمراً بالمعروف ولا نهياً عن منكر ولا حسبة، ثم نقول لهؤلاء، يقول ربنا {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً}(الإسراء: من الآية59). وأنتم تريدون أن لا يخاف الناس، وتقولون طبيعية لا أحد يفزع، لا داعي للفزع، طبيعية، فإذا زلزلت الأرض من تحت أقدامهم وقذفتهم فوهة بركانٍ فما هي الطبيعية التي ستنفعهم حينئذٍ، الله -عز وجل- يخوف العباد ويستعتبهم، النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول : ((إذا ظهر الزنا والربا في قرية، فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله)) أخرجه الطبراني في الكبير وصححه الألباني في صحيح الجامع (679).
النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول : ((إِنَّ الرَّجُلَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ)). ابن ماجه (4022). وضعفه الألباني ، وحسنه العراقي والبوصيري وابن حجر .
ويقول : ((لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلَّا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا،وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ, وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ, وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنْ السَّمَاءِ, وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا)) ابن ماجه (4019). وصححه الألباني في صحيح الجامع, رقم:(7978).. وجاء في النصوص القحط السنة أن تمطر ولا تنبت الأرض .
يريدون عزوها للظواهر الطبيعية ولا يريدون أن تربط بالنصوص الشرعية لا بالقرآن ولا بالسنة ولا بكلام العلماء .
النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول : ((أُمَّتِي هَذِهِ أُمَّةٌ مَرْحُومَةٌ لَيْسَ عَلَيْهَا عَذَابٌ فِي الْآخِرَةِ، عَذَابُهَا فِي الدُّنْيَا: الْفِتَنُ وَالزَّلَازِلُ وَالْقَتْلُ )). رواه أبو داود (4278) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة .
فذكر ونصّ على أنه من العذاب، ثم يقال بعد ذلك كل شيء طبيعي، لا تربطوها بالتفسيرات الدينية، وهكذا قال العلماء : الرزايا والمصائب في الدنيا هي مجازاة عن الذنوب . وقال شيخ الإسلام : " فما أصابه من الحسنات هي نعم الله فتقتضي شكرا، و ما أصابه من المصائب فبذنوبه تقتضى تذكرا لذنوبه يوجب توبة و استغفارا". مجموع الفتاوى (16 / 187)
وقال ابن القيم : " فكل نقص وبلاء وشر في الدنيا والآخرة فسببه الذنوب ومخالفة أوامر الرب، فليس في العالم شر قط إلا الذنوب وموجباتها ، وآثار الحسنات والسيئات في القلوب والأبدان والأموال : أمر مشهود في العالم لا ينكره ذو عقل سليم ". مدارج السالكين (1 / 424)
وقال : " عقوبات الدنيا العامة وبلاؤها من آثار غضبه, فإذا استمر غضبه استمر ذلك البلاء, فإذا رضي وزال غضبه, زال البلاء وخلفته الرحمة ". شفاء العليل (1/263).
قال الله تعالى : {أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ }(النساء: من الآية79)
قال الله تعالى : { وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ }(الروم: من الآية36)
وقال : {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ}(الشورى: من الآية30).
هذا الكلام واضح جداً في الآيات والأحاديث، وبعد ذلك يصّرون، الله -عز وجل- قال : {فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ }(الأنعام: من الآية43).
لا فائدة، ستستمر مقالات المنافقين ليصروا على أن القضية قضية طبيعية عادية لا تستحق أي التفات في القلب ولا تأثر ديني، ولا أن تُنسب إلى شيء، فما الذي زلزل الأرض ؟ احتباسات غازات، فمن الذي أمرها أن تحتبس ؟ حركة الصفائح، فمن الذي أمر الصفائح أن تتحرك ؟ الجاذبية، فمن الذي أمر الجاذبية أن تعمل ؟ فمن الذي أمر الجاذبية أن تتحرك ؟ المياه ، والمياه أن تعمل ؟ الرياح، والرياح أن تعمل ؟ الفضاء، سننتهي إلى أين ؟ ألا يوجد رب يأمر، ألا يوجد رب يخلق، أين قوله تعالى {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (النحل:40) .
عباد الله المسلم صاحب قلب حي، والمنافق قلبه ميت، مهما فعلت لا يمكن إيقاظه إلا إن يشاء الله، والدين عزيز أيها الأخوة، الدين عزيز وينبغي أن يبقى الدين عزيزاً، ولا نريد أن نهين الدين، ولا أن ننزل من قدر الدين، ولو أراد العالم ذلك لا يستطيعون، تبقى التصرفات هي التي تدنو والدين عالياً، وليس الدين قصيدة ينشدها مغني، أو أنه يعتز بذلك ثم تصرف الأموال إلى قنوات الفسق، ويقول : أغني نصف القصيدة لا كل القصيدة وتفعل وأين الريع وتذهب، الدين عزيز أعز من ذلك، والنزول إلى المستويات الهزلية فيه يضر صاحبه ولا يضر الدين شيئاً، يبقى دين الله عزيزاً، ويجب أن يصان الدين ويجب أن يتعامل مع الناس على أساس الدين ولو دغدغوا عواطفنا بتصريحاتهم، فما هو ؟ ((أسلم تسلم))، هذا الذي يقال لكل من تكلم ((أسلم تسلم، فإن توليت فإنما عليك إثم الأريسيين))، كما قال -عليه الصلاة والسلام- لهرقل وكسرى، يعني رعايك وأتباعك فهذا هو الخطاب ((أسلم تسلم))، هذا الذي ينجي .
عباد الله إن المسلم يسأل ربه أن يثبته بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، نسأل الله تعالى أن يثبتنا حتى نلقاه، وأن يجعلنا من الذاكرين له الشاكرين، ومن الصابرين العابدين، ومن القانتين المستغفرين، اللهم إنا نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين، وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين، اللهم آمن روعاتنا واستر عوراتنا، واحفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا، وعن أيماننا وشمائلنا ومن فوقنا، ونعوذ بعظمتك أن نغتال من تحتنا، نسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة، نسألك العفو والعافية في ديننا ودنيانا، اللهم اقض ديوننا واستر عيوبنا وارحم موتانا واشف مرضانا واهد ضالنا، اللهم ثبتنا حتى نلقاك على الدين وأحسن خاتمتنا وأصلح نياتنا وذرياتنا يا كريم، آمنا في الأوطان والدور، وأصلح الأئمة وولاة الأمور، واجعل بلدنا هذا آمنا مطمئنا، وأشغل من أراده بسوءٍ يا رب العالمين .
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد ..
فإن محمداً -صلى الله عليه وسلم- آخر الأنبياء، وأحبهم إلى الله، ائتمنه الله على وحيه، وأرسله إلى خلقه، بعثه هادياً وبشيرا ونذيراً وداعياً إلى سبيله بإذن ربه، صلى الله عليه وعلى آله .
اشتياق الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم
محبة المؤمنين لربهم عظيمة، ومحبتهم لنبيه -صلى الله عليه وسلم- من محبتهم لربهم، لأن الله يحبه، ولأن الله أرسله، ولأن الله أوجب علينا حبه، وقال لنا في كتابه { النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ }(الأحزاب: من الآية6) . بذل لنا النصيحة، كان أرأف وأشفق بنا من آبائنا وأمهاتنا، هو أعظم من منزلة الوالد، رحيم رؤوف بالمؤمنين، عزيز عليه ما شق علينا، فلا يسع المؤمن إلا أن يحبه لأن الله يحبه، ولأنه خليل الله، وأحب خلق الله إلى الله، ولأن الله بعثه ولأنه قدوتنا ولأن له من الشمائل والصفات والآداب والأخلاق وعظيم الطباع وجميل السجايا، ما يحب لأجل ذلك، ويحمد عليه، فهو محمد وهو أحمد وهو الماحي الذي يمحي الله به الكفر، وهو الحاشر الذي يحشر الله الناس على عقبه، وهو مصطفى من البشر خيرهم عند الله، وقد وعى الصحابة هذا فأحبوه لذلك، وحكموه في أنفسهم، وأموالهم وقالوا هذه أرواحنا بين يديك، لو استعرضت بنا البحر لخضناه، وهذه أموالنا يبن يديك فاقسمها كيف شئت ستجدنا من خلفك وعن يمينك وعن شمالك،
أبرُّ بني الدنيا وأعظمُ من شكرْ وأكرم مخلوقٍ على سائر البشرْ
به الله قد أهدى إلى الناس رحمةً وبه ضياءُ الحق في الكون قد ظهر
وقد اشتاق الصحابة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- في حياته وبعد مماته، وأحبوه حباً لم يعرف التاريخ مثله، حتى قال أنس : ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقْبِلُ وَمَا عَلَى الْأَرْضِ شَخْصٌ أَحَبَّ إِلَيْنَا مِنْهُ ) أحمد (12117) ، وإسناده صحيح.
وقال علي رضي الله عنه : كان والله أحب إلينا من أموالنا وأولادنا وآبائنا وأمهاتنا ومن الماء البارد على الظمأ. الشفاء بتعريف حقوق المصطفى (2/22).
"وَلَوْ سُئِلْتُ أَنْ أَصِفَهُ مَا أَطَقْتُ" كما يقول عمرو بن العاص رضي الله عنه : لِأَنِّي لَمْ أَكُنْ أَمْلَأُ عَيْنَيَّ مِنْهُ . [مسلم: 121]
كُلُّ القلوب إلى الحبيب تميلُ ومعي بهذا شاهدٌ ودليـــلُ
أما الدليلُ إذا ذكرت محـمداً صارت دموعُ العارفين تسيلُ
وقال عدوه: ما رأيت من الناس أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمد محمداً". السيرة النبوية الصحيحة (2/400) سيرة ابن هشام (3/160)، الروض الأنف (6/166) الشفا (2/23).
وهكذا تغلغل حبه في قلوبهم، فوصل إلى الحشايا وتعمق في نفوسهم، فكان أحب إليهم من أموالهم وأولادهم ووالديهم والناس أجمعين، كما قال لهم وعلّمهم : (( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ, لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين)) البخاري (6632).
ولو لم يكن في القلب حبُّ محمدٍ لعمّت بك البلوى و دام الضلالُ
بل كل من صدقت محبته للنبي -صلى الله عليه وسلم- أحبه أكثر من نفسه، ولذلك كان أحدهم يقول : نحري دون نحرك.
وقال عمر للعباس : يا عباس والله لَإسلامك يوم أسلمت أحبَّ إليّ من إسلام الخطاب - يعني أباه - لو أسلم، وما بي إلا أني قد عرفت أن إسلامك كان أحبَّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من إسلام الخطاب لو أسلم". الطبراني (7264) بإسناد حسن (الصحيحة / 3341)
عمر رضي الله عنه لم تمنعه قوة شخصيته ولا غضبه في الحق أن يكون صاحب مشاعر حساسة وقلب مرهف تجاه النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقد فرض لأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ ثَلَاثَةِ آلَافٍ وَخَمْسِ مِائَةٍ، وَفَرَضَ لابنه ثَلَاثَةِ آلَافٍ، فسأله ابنه عن ذلك فقال: لأَنَّ زَيْدًا كَانَ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَبِيكَ، وَأُسَامَةُ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْكَ، فَآثَرْتُ حُبَّ رَسُولِ اللَّهِ. الترمذي (3813) وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
وقد حكى التاريخ حبهم له، حتى أن الملوك لا يُفعل معها كما يفعل معه، لا من باب الذل والعبودية، ولكن من باب التوقير ، وَاللَّهِ إِنْ رَأَيْتُ مَلِكًا قَطُّ – يعني ما رأيت ملكاً قط - يُعَظِّمُهُ أَصْحَابُهُ مَا يُعَظِّمُ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَمَّدًا, وَاللَّهِ إِنْ تَنَخَّمَ نُخَامَةً إِلَّا وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ, وَإِذَا أَمَرَهُمْ ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ, وَإِذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ, وَإِذَا تَكَلَّمَ خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ, وَمَا يُحِدُّونَ إِلَيْهِ النَّظَرَ تَعْظِيمًا لَهُ ). البخاري (2734).
كانت محبته في قلوبهم أصيلة، كان شوقهم إليه عظيماً، هذا ثوبان مولاه كان قليل الصبر عنه، يشتاق إليه كل يوم، جاءه يوماً وقد رأى في وجه تغيراً فقال: ((ما غير لونك)) ؟
فقال: يا رسول الله ما بي من مرض ولا وجع غير أني إِذا لم أرك اشْتقت إِلَيْك وَاسْتَوْحَشْت وَحْشَة شَدِيدَة حَتَّى أَلْقَاك، ووالله إنك لأحب إلي من نفسي وأهلي وولدي، وإني لأكون في البيت، فأذكرك فما أصبر حتى آتيك، فأنظر إليك، وإذا ذكرت الآخرة عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين، وإني إذا دخلت الجنة خشيت أن لا أراك !
فنزل قوله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا}( النساء :69 ) الطبراني في الأوسط (477). وقال الألباني: صحيح بشواهده. فقه السيرة.
ولما قَدِمَ الْأَشْعَرِيُّونَ وقَرُبُوا مِنْ الْمَدِينَةِ جَعَلُوا يَرْتَجِزُونَ ويَقُولُونَ:
غَدًا نَلْقَى الْأَحِبَّةَ مُحَمَّدًا وَحِزْبَهُ
[أحمد: 12921، وصححه الألباني والأرناؤوط]
وكان بلال يرددها قبل أن يموت، وكان خالد بن معدان لا يأوي إلى فراشه إلا ويذكر شوقه إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومن مضى من أصحابه وآله ويقول : هم أصلي وفصلي، وإليهم يحنّ قلبي، طال شوقي إليهم.
وهكذا كانت العجائز في بيوتها إذا نفشت الصوف تتذكر محمداً -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه الأخيار، وكيف كان بكاؤهم بالأسحار، وتقول إحداهن :
يا ليت شعري والمنايا أطوارْ هل تجمعَنِّي وحبيبي الدار
ولما قال النبي -عليه الصلاة والسلام- لواحد من الصحابة : ((أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ))
قَالَ أَنَسٌ: فَمَا فَرِحْنَا بِشَيْءٍ فَرَحَنَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك. البخاري (3688) ومسلم.
كيف لا وهو سبب منع العذاب عنهم، لأن الله قال في كتابه : {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ}(الأنفال: من الآية33).
كيف لا وهو مصدر الوحي، يأتيهم عبره، كيف لا وهو قدوتهم، {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}(الأحزاب: من الآية21).
ذو البجادين تربى في حجر عمه، فنازعته نفسه إلى الإسلام، فقال: يا عم كنت أنتظر سلامتك بإسلامك فلا أراك تريد محمداً فائذن لي في الإسلام.
فقال: والله لئن أسلمت لأنتزعن كل ما أعطيتك حتى ثوبيك!
فصاح لسان عزيمته: نظرة من محمد عليه الصلاة والسلام أحب إلي من الدنيا وما فيها.
فجرده عمُه من كل شيء حتى الثياب، فناولته أمه بجادًا لها، فقطعه نصفين، فاتزر نصفًا وارتدى نصفًا. وأتى رسول الله، فقال: ما اسمك ؟ قال: عبد العزى.
فقال: بل عبد الله ذو البجادين". اللطائف (1/8) صفة الصفوة (1/678) وحلية الأولياء (1/365).
وهكذا زيد رضي الله عنه يقول للكفار : والله ما أحب أن محمداً الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة وإني جالس في أهلي! الطبراني في الكبير (5284).
إني لأُرْخِصُ دون عرضِك مهجتي روحٌ تروحُ ولا يُمسُّ حماكا
روحي وأبنائي وأهلي كلهــم وجميع ما حوت الحياةُ فداكَ
وكذلك فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد فدي في أحد، وقالت المرأة لما استقبلت بابنها وجثث أبيها وزوجها وأخيها : ما فعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- . قالوا : خيراً، هو بحمد الله كما تحبين.
قالت: أرونيه حتى أنظر إليه.
فأُشير لها إليه حتى إذا رأته, قالت: (كل مصيبة بعدك جلل). الروض الأُنُف (6/25)، الشفا(2/22).
هكذا كان الواحد منهم يقول : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ". الطبراني في الأوسط (7499) .
لما مات أظلمت المدينة، لما مات أنكر الصحابة قلوبهم، لما مات كانوا يتذكرونه صباح مساء، وقدم عمر الشام وفيها بلال وكان بلال لا يؤذن، فسأله المسلمون أن يسأل بلالاً أن يؤذن، فسأله فأذن يوماً، فلم يُرَ يومٌ كان أكثر باكياً من يومئذ، ذكراً منهم للنبي صلى الله عليه وسلم. سير أعلام النبلاء (1/357).
اشتياق التابعين ومن بعدهم للنبي صلى الله عليه وسلم
وقيل لعبيد السلماني إن عندنا من شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً من قِبل أنس بن مالك.
فقال: لئن يكون عندي منه شعرة أحب إلي من كل صفراء وبيضاء -يعني من الذهب والفضة - على ظهر الأرض.
الآن لم يبقى من آثار النبي -عليه الصلاة والسلام- شيء، لا سيف ولا عصى ولا ثوب ولا شعره، وما في المتاحف كذب ولم يثبت، ولكن بقيت سنته، بقي القرآن الذي نزل عليه قبل ذلك، وبقي لنا هذان الوحَيان وآثار أصحابه، وشروح التابعين، وبقي لنا الإيمان به والشوق إليه، وهو الذي قال: ((وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ فِي يَدِهِ لَيَأْتِيَنَّ عَلَى أَحَدِكُمْ يَوْمٌ وَلَا يَرَانِي، ثُمَّ لَأَنْ يَرَانِي أَحَبُّ إِلَيْهِ مَنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ مَعَهُمْ)) مسلم (2364).
قال العراقي في طرح التثريب " أي: (( يَأْتِي عَلَى أَحَدِكُمْ يَوْمٌ لأَنْ يَرَانِي فِيهِ لَحْظَةً ثُمَّ لَا يَرَانِي بَعْدَهَا أَحَبُّ إلَيْهِ مِنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ جَمِيعًا )). شرح مسلم. طرح التثريب (7/387).
فماذا تكون مشاعر الإمام البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه وأبي داود وأحمد والبيهقي وأهل الحديث كافة وهم يكتبون الحديث عنه ويجولون في البلاد لجمعه، ويسهرون الليل لكتابته، ويدرسون علل الأساليب، ماذا كان شوقهم، وكيف كانت حالتهم، وأهل الإيمان يتمنى الواحد منهم أنه رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- لحظة ليحظى بأجر الصحبة،
فَيَبكي إِن نَأَوا شَوقاً إِليهِمُ وَيَبكي إِن دَنَوا خَوفَ الفِراقِ
وقال -عليه الصلاة والسلام- : (( مِنْ أَشَدِّ أُمَّتِي لِي حُبًّا نَاسٌ يَكُونُونَ بَعْدِي يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ رَآنِي بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ )) مسلم (2832).
فالمؤمن الصادق يتمنى حقيقة أن يكون قد عاش في عهده أو رآه، يتمنى رؤيته ولو لحظة ،
نسينا في ودادك كلَّ غال فأنتَ اليومَ أغلى ما لدينا
نلامُ على محبتكم ويكفي لنا شرفٌ نلام وما علينا
ولما نلقكم لكن شوقاً يذكرنا فكيف إذا التقينا
تسلّى الناس بالدنيا وإنا لعمر الله بعدك ما سلينا
خرج الركب العراقي حاجّاً في سنة 394هـ ، فلما فرغوا من الحج عزم أميرهم على العود سريعاً إلى بغداد وأن لا يقصدوا المدينة النبوية خوفاً من سرّاق الحجيج، فقام شابان قارئان على جادة الطريق التي منها يُعدل إلى المدينة النبوية – عند المفرق - ، وقرآ :{مَا كَانَ لأَهْلِ المَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُوا عَن رَّسُولِ اللَّهِ وَلاَ يَرْغَبُوا بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ}(التوبة : 120).
فضج الناس بالبكاء، وأمالت النوق أعناقها نحوهما، فمال الناس بأجمعهم والأمير إلى المدينة فزاروا وعادوا سالمين إلى بلادهم» تاريخ ابن كثير (11/334) والمنتظم (15/44).
لم يكن الشوق ولم تكن المحبة ولم يكن الميل من البشر إليه فقط، أراد الجن أن يلتقوا به، أي الصالحين والمؤمنين منهم فالتقوا به أكثر من مرة، وخَطَبَ يَقُومُ إِلَى جِذْعٍ، فَلَمَّا صُنِعَ لَهُ الْمِنْبَرُ وَكَانَ عَلَيْهِ سَمِعْنَا لِذَلِكَ الْجِذْعِ صَوْتًا كَصَوْتِ الْعِشَارِ [وفي رِوَايَة: فَصَاحَتْ النَّخْلَة صِيَاح الصَّبِيّ] [فَسَمِعُوا مِنْ حَنِينهَا حَتَّى كَثُرَ بُكَاؤُهُمْ ]
حَتَّى جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا فَسَكَنَتْ". البخاري (3583) وهو عِنْد أَبِي نُعَيْم.
وقال-عليه الصلاة والسلام- عن الجذع: ((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ أَلْتَزِمهُ لَمَا زَالَ هَكَذَا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة)). أبو عَوَانَة وَابْن خُزَيْمَةَ وَأَبو نُعَيْم.
وَالجِذعُ حَنَّ إِلَيهِ عِندَ فِراقِه شَوقاً حَنينَ الهائِمِ الوَلهانِ
وكَانَ الْحَسَن البصري إِذَا حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيث بكى وقال: يَا مَعْشَر الْمُسْلِمِينَ الْخَشَبَة تَحِنّ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَوْقًا إِلَى لِقَائِهِ فَأَنْتُمْ أَحَقّ أَنْ تَشْتَاقُوا إِلَيْهِ. الشفا (1/304)، صحيح الجامع (2256). وفتح الباري.
كان حجر بمكة يسلم على النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث . رواه مسلم .
والشجرة أعلمته باجتماع الجن له، وأخبرته ذراع الشاة المسمومة بما فيها.
وكَانَ أَهْلُ بَيْتٍ مِنْ الْأَنْصَارِ لَهُمْ جَمَلٌ يسقون عَلَيْهِ، وَإِنَّ الْجَمَلَ اسْتُصْعِبَ عَلَيْهِمْ فَمَنَعَهُمْ ظَهْرَهُ، فجَاءُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبروه -مساكين محتاجين لهذا-، فَقَام معهم حتى أتى الجمل، فَقَالَتْ الْأَنْصَارُ: إِنَّا نَخَافُ عَلَيْكَ صَوْلَتَهُ، فَقَالَ: ((لَيْسَ عَلَيَّ مِنْهُ بَأْسٌ)).
فَلَمَّا نَظَرَ الْجَمَلُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَلَ نَحْوَهُ حَتَّى خَرَّ سَاجِدًا بَيْنَ يَدَيْهِ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَاصِيَتِهِ أَذَلَّ مَا كَانَتْ قَطُّ حَتَّى أَدْخَلَهُ فِي الْعَمَلِ). أحمد (12203) قال ابن كثير في البداية والنهاية (6/155) : إسناده جيد .
أنتَ الذي حنَّ الجمادُ لعطفهِ وشكا لك الحيوانُ يومَ رآكا
والجِذعُ يُسْمَعُ بالحنين أنينُه وبكاؤُه شوقًا إلى لُقياكا
قال مالك:« حجّ [أيوب السختياني] حجتين، فكنت أرمقه، ولا أسمع منه، غير أنه كان إذا ذُكر النبي صلى الله عليه وسلم، بكى حتى أرحمه ، فلما رأيت منه ما رأيت ، وإجلاله للنبي صلى الله عليه وسلم كتبت عنه ». سير أعلام النبلاء (6/17).
وقال مصعب بن عبد الله :
« كان مالك إذا ذُكر النبي صلى الله عليه وسلم يتغير لونه وينحني حتى يصعب ذلك على جلسائه ، فقيل له يوماً في ذلك ، فقال : لو رأيتم ما رأيت –يعني من شوق من قبلي- لما أنكرتم عليَّ ما ترون »
وكان جعفر بن محمد كثير الدعابة والتبسم فإذا ذُكر عنده النبي صلى الله عليه وسلم اصفرَّ لونه ، وكان عبد الرحمن بن القاسم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم فينظر إلى لونه كأنه نزف منه الدم، وقد جف لسانه في فمه هيبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكان عامر بن عبد الله بن الزبير إذا ذكر عنده النبي صلى الله عليه وسلم بكى حتى لا يبقى في عينيه دموع:
نزف البكاء دموع عينك فاستعر عيناً لغيرك دمعها مدرارُ
وكان الزهري مِنْ أهنأ الناس وأقربهم فإذا ذُكر عنده النبي صلى الله عليه وسلم فكأنه ما عرفك ولا عرفته.
كان صفوان بن سليم إذا ذُكر النبي صلى الله عليه وسلم بكى، فلا يزال يبكي حتى يقوم الناس عنه ويتركوه. الشفا بتعريف حقوق المصطفى ، للقاضي عياض 598.
محبته تقتضي طاعته ومعرفة سنته وعدم الغلو فيه
أين نحن من هؤلاء، ما حالنا في حالهم، وما أثر الحب علينا، أين المحبون، تباعد الزمان، وقلّ الأعوان في نشر السنة والخير والحق بالميزان، فصارت السنة عند الكثيرين مجهولة، فاتت السنة الكثيرة، فأين الاقتداء به -عليه الصلاة والسلام- في صلاته في العبادات في خشيته في بكائه في ذكره لربه، في توبته، في مشيته، في أكله وشربه ولبسه وهديه حتى في الخلاء، أين الاقتداء بالنبي -صلى الله عليه وسلم- في المحن والسراء والضراء، أين الآية الدالة على المحبة والشوق إليه، أين التنفيذ لقوله تعالى : {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}(آل عمران: من الآية31).
أين طاعته أين الاقتداء بهديه،
شرطُ المحبةِ أن توافقَ من تحبُّ على محبتِه بلا عصيان
فإذا ادّعيتَ له المحبةَ مع خلافِك ما يحب فأنت ذو بهتان
أين الاقتداء به في سنن الفطرة، اللحية وقص الشارب ونتف الإبط وحلق العانة وقص الأظافر، الاستنشاق غسل البراجم، والأشاجع، معاقد الأصابع، أين الاقتداء به -عليه الصلاة والسلام- في قراءة حديثه ومعرفة معاني سنته، والدفاع عنها وكبت البدعة والرد على أهل البدعة والمنحرفين والغلاة ما هي علامات السنة، ماذا فعل الصحابة،
ثوى في قريش بضع عشرة حج يذكر لو يلقى حبيبا مؤاتيا
ويعرض في أهل المواسم نفسه فلم ير من يؤوي ولم ير داعيا
فلما أتانا واستقرت به النوى وأصبح مسرورا بطيبة راضيا
بذلنا له الأموال من حل مالنا وأنفسنا عند الوغى والتآسيا
نعادي الذي عادى من الناس كلهم جميعا وإن كان الحبيب المصافيا
ونعلم أن الله لا رب غيره وأن رسول الله أصبح هاديا
وهكذا قاموا معه وهكذا صار يأتمرون بأمره، وهكذا كانوا يصلون معه ولا يتخلفون عنه في جهاد، هكذا كانوا ينفذون أمره ويحرصون على مرضاته ويضحون من أجله، ويكرمون أضيافه، ويهدونه في بيوته، وهكذا كانوا يشتاقون إليه، فيصلون عليه ويجعلون أذكاراً وأوراداً من الأدعية كلها صلاة عليه -صلى الله عليه وسلم-، إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَيْكَ فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِي ؟
فَقَالَ: ((مَا شِئْتَ))
قُلْتُ: أَجْعَلُ لَكَ صَلَاتِي كُلَّهَا ؟
قَالَ: ((إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ)). الترمذي (2457) وصححه الألباني.
فليس من محبته -عليه الصلاة والسلام- الغلو فيه، ولا رفع فوق منزلته التي أنزله الله إياها، ليس من محبته الإشراك به مع الله، ليس من محبته أن يُسأل في قبره ويستغاث به بعد موته، ليس من محبته أن تصرف له أنواع من العبادات، ليس من محبته أن تجعل له علوم الدنيا والآخرة وعلم اللوح المحفوظ وعلم الغيب، ليس من محبته هذا الغلو، ليس من محبته التوسل به بعد موته، وليس من محبته التمسح بقبره ولا بشباك القبر وحديد القبر وقفص القبر، ليس من محبته أن تقوم هذه الموالد البدعية بما فيها من الرقص والدف والطبول والقصائد المشتملة على الشركيات والغلو بالنبي -عليه الصلاة والسلام- ، ليس من محبته أن يؤتى في هذه الموالد بالرقص والمنكرات، وأن تشبع البطون من الحلاوة والبقلاوة والأغنياء يتخمون بطونهم، والفقراء يخرجون من المولد بلا حمّص، ليس هذا من محبته بشيء، ليس هذا من اتباع السنة في شيء، أين الدفاع عنه، أين الذب عن سنته، أين التمسك بهديه، أين قراءة الصحيحين والكتب الأخرى التي فيها الأحاديث ومعرفة معانيها، أين الإتباع أين ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) أين ((خذوا عني مناسككم)) أين التعامل بهديه مع الزوجات وهديه مع الأبناء والأحفاد وهديه مع الأقارب والأباعد والصغار والجيران والخدم والدواب، أين التعامل بهديه مع النساء ومع كبار السن، وهديه في التعامل مع ذوي العاهات، حتى الدواب والبهائم، أين هديه في التعامل مع الأعداء والمنافقين، أين هديه في التعامل مع الأغنياء والفقراء وأهل المصائب والمسلمين الجدد، والمتخاصمين وحتى الأعراب وذوي الطباع الصعبة، أين هديه في التعامل مع العصاة والمذنبين والشباب والسفراء والوفود وغير المسلمين، حتى هديه في التعامل -صلى الله عليه وسلم- مع الناس كافة .
عِرضي فِدَا عرضِ الحبيبِ محمدِ وفداه مهجة خافقي وجناني
وفداهُ كل صغيرِنا و كبيرنا وفداهُ ما نظرت له العينانِ
وفداه مُلكُ السابقين ومن مضوا وفداه ما سمعت به الأذنانِ
وفـداه كلُّ الحاضرين و مُلْكُهم و فداه روح المُغرَمِ الوَلْهانِ
وفداه ملك القادمين ومن أَتَوا أرواحُنا تفديه كل أوانِ
صلى عليه الرب في عليائه إذ زانه بالصدق والإيمانِ
اللهم صل وسلم على عبدك ونبيك محمد، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه وأزواجه وذريته، اللهم اجعلنا من أتباعه، واحشرنا في زمرته، واسقنا من حوضه، وارزقنا شفاعته، واجعله أحب إلينا من أولادنا، وأموالنا وأزواجنا، اللهم ارزقنا اتباع سنته، والتأسي بهديه، أحينا مسلمين، وتوفنا مؤمنين، وألحقنا بنبينا مع الرفيق الأعلى يا كريم، احشرنا في لوائه، واجعلنا معه في جنات النعيم, أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية :
الحمد لله وسبحان الله، الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم، ملك يوم الدين، أشهد إن لا إله إلا هو رب الأولين والآخرين، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله الأمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .
عباد الله ترك النبي -صلى الله عليه وسلم- لنا أرثاً عظيماً، بلغنا الكتاب، وشرح الكتاب وهي السنة، وترك لنا هذين الثقلين والوحيين، وأوصانا بأهل بيت خيراً، أوصانا بعترته الشريفة، فنحب أقاربه وآله -عليه الصلاة والسلام- المسلمين مرتين، مرة لإسلامهم ومره لقرابتهم من النبي -عليه الصلاة والسلام- ، وهذا دعاء المسلمين في العالم في كل صلاة له ولآله، يصلون عليه وعلى آله، ويسألون الله البركة عليه وعلى آله .
المصائب سببها الذنوب وليست الطبيعة
وفيما علمنا يا عباد الله أن ما يصيبنا من المصائب إنما هو بسبب ذنوبنا، ولا زال المنافقون حتى هذه اللحظة وأهل الجهل والغباء يصرون على أن تعزى كل كارثةٍ في الأرض ومصيبة إلى الطبيعة، الطبيعة فعلت والطبيعة وهبت والطبيعة أخذت والطبيعة منعت والطبيعة زلزلت، وهكذا فلا يذكر الله في كلامهم، والآيات التي نصت والأدلة على أن ما يصيب العباد من المصائب سببها ذنوبهم لا يعترفون بها، ويقولون هذا التيار الديني يقدم تفسيراً للأحداث تفسيراً دينياً يقوم على السذاجة، ماذا تسمي الآيات والأحاديث الواردة في ذلك، تسميها سذاجة، قال الله تعالى : {مَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ}(النساء: من الآية79).
قال الله تعالى : {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ}(الشورى: من الآية30). ما أصابكم هذا أسلوب عموم، {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} (الشورى:30).
ما هي المصائب ؟ أوجاع أسقام قحط غلاء غرق صواعق زلازل كما قال أهل التفسير كالخازن رحمه الله .
ثلاثة : {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا}(الروم: من الآية41)
فما هو الفساد في البر والبحر ؟ فساد الزروع والثمار، فساد الهواء والتلوث، نقص الثمرات القحط قلة البركة الزلازل الأوبئة الأنفلونزا بأنواعها، يا جماعة الآيات واضحة، { ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا } الباء للسببية يا من يعقل ! { بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ } .
قال الله تعالى : {فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا}(العنكبوت: من الآية40).
قال الله تعالى في كتابه العزيز : {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً}(الأنفال: من الآية25) فتعّم .
وهكذا نرى حديث النبي -عليه الصلاة والسلام- : (( إذا ظهر السوء في الأرض أنزل الله بأهل الأرض بأسه)) ،قالت عائشة: وفيهم أهل طاعة الله عز وجل ؟
قال: ((نعم ثم يصيرون إلى رحمة الله تعالى )) وصححه الألباني في الصحيحة (3156).
الذي يمنع نزول العذاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهؤلاء أهل المنكرات يستعلنون بها اليوم تبرجاً واختلاطاً وسفوراً وأنواع المحرمات التي يريدون نشرها، وكذلك الحرب على دين الله وحكمه والاستهزاء بأوليائه وأهل العلم والقضاء والشريعة، ولا يذرون شيئاً ولا يريدون أمراً بالمعروف ولا نهياً عن منكر ولا حسبة، ثم نقول لهؤلاء، يقول ربنا {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً}(الإسراء: من الآية59). وأنتم تريدون أن لا يخاف الناس، وتقولون طبيعية لا أحد يفزع، لا داعي للفزع، طبيعية، فإذا زلزلت الأرض من تحت أقدامهم وقذفتهم فوهة بركانٍ فما هي الطبيعية التي ستنفعهم حينئذٍ، الله -عز وجل- يخوف العباد ويستعتبهم، النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول : ((إذا ظهر الزنا والربا في قرية، فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله)) أخرجه الطبراني في الكبير وصححه الألباني في صحيح الجامع (679).
النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول : ((إِنَّ الرَّجُلَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ)). ابن ماجه (4022). وضعفه الألباني ، وحسنه العراقي والبوصيري وابن حجر .
ويقول : ((لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلَّا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا،وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ, وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ, وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنْ السَّمَاءِ, وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا)) ابن ماجه (4019). وصححه الألباني في صحيح الجامع, رقم:(7978).. وجاء في النصوص القحط السنة أن تمطر ولا تنبت الأرض .
يريدون عزوها للظواهر الطبيعية ولا يريدون أن تربط بالنصوص الشرعية لا بالقرآن ولا بالسنة ولا بكلام العلماء .
النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول : ((أُمَّتِي هَذِهِ أُمَّةٌ مَرْحُومَةٌ لَيْسَ عَلَيْهَا عَذَابٌ فِي الْآخِرَةِ، عَذَابُهَا فِي الدُّنْيَا: الْفِتَنُ وَالزَّلَازِلُ وَالْقَتْلُ )). رواه أبو داود (4278) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة .
فذكر ونصّ على أنه من العذاب، ثم يقال بعد ذلك كل شيء طبيعي، لا تربطوها بالتفسيرات الدينية، وهكذا قال العلماء : الرزايا والمصائب في الدنيا هي مجازاة عن الذنوب . وقال شيخ الإسلام : " فما أصابه من الحسنات هي نعم الله فتقتضي شكرا، و ما أصابه من المصائب فبذنوبه تقتضى تذكرا لذنوبه يوجب توبة و استغفارا". مجموع الفتاوى (16 / 187)
وقال ابن القيم : " فكل نقص وبلاء وشر في الدنيا والآخرة فسببه الذنوب ومخالفة أوامر الرب، فليس في العالم شر قط إلا الذنوب وموجباتها ، وآثار الحسنات والسيئات في القلوب والأبدان والأموال : أمر مشهود في العالم لا ينكره ذو عقل سليم ". مدارج السالكين (1 / 424)
وقال : " عقوبات الدنيا العامة وبلاؤها من آثار غضبه, فإذا استمر غضبه استمر ذلك البلاء, فإذا رضي وزال غضبه, زال البلاء وخلفته الرحمة ". شفاء العليل (1/263).
قال الله تعالى : {أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ }(النساء: من الآية79)
قال الله تعالى : { وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ }(الروم: من الآية36)
وقال : {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ}(الشورى: من الآية30).
هذا الكلام واضح جداً في الآيات والأحاديث، وبعد ذلك يصّرون، الله -عز وجل- قال : {فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ }(الأنعام: من الآية43).
لا فائدة، ستستمر مقالات المنافقين ليصروا على أن القضية قضية طبيعية عادية لا تستحق أي التفات في القلب ولا تأثر ديني، ولا أن تُنسب إلى شيء، فما الذي زلزل الأرض ؟ احتباسات غازات، فمن الذي أمرها أن تحتبس ؟ حركة الصفائح، فمن الذي أمر الصفائح أن تتحرك ؟ الجاذبية، فمن الذي أمر الجاذبية أن تعمل ؟ فمن الذي أمر الجاذبية أن تتحرك ؟ المياه ، والمياه أن تعمل ؟ الرياح، والرياح أن تعمل ؟ الفضاء، سننتهي إلى أين ؟ ألا يوجد رب يأمر، ألا يوجد رب يخلق، أين قوله تعالى {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (النحل:40) .
عباد الله المسلم صاحب قلب حي، والمنافق قلبه ميت، مهما فعلت لا يمكن إيقاظه إلا إن يشاء الله، والدين عزيز أيها الأخوة، الدين عزيز وينبغي أن يبقى الدين عزيزاً، ولا نريد أن نهين الدين، ولا أن ننزل من قدر الدين، ولو أراد العالم ذلك لا يستطيعون، تبقى التصرفات هي التي تدنو والدين عالياً، وليس الدين قصيدة ينشدها مغني، أو أنه يعتز بذلك ثم تصرف الأموال إلى قنوات الفسق، ويقول : أغني نصف القصيدة لا كل القصيدة وتفعل وأين الريع وتذهب، الدين عزيز أعز من ذلك، والنزول إلى المستويات الهزلية فيه يضر صاحبه ولا يضر الدين شيئاً، يبقى دين الله عزيزاً، ويجب أن يصان الدين ويجب أن يتعامل مع الناس على أساس الدين ولو دغدغوا عواطفنا بتصريحاتهم، فما هو ؟ ((أسلم تسلم))، هذا الذي يقال لكل من تكلم ((أسلم تسلم، فإن توليت فإنما عليك إثم الأريسيين))، كما قال -عليه الصلاة والسلام- لهرقل وكسرى، يعني رعايك وأتباعك فهذا هو الخطاب ((أسلم تسلم))، هذا الذي ينجي .
عباد الله إن المسلم يسأل ربه أن يثبته بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، نسأل الله تعالى أن يثبتنا حتى نلقاه، وأن يجعلنا من الذاكرين له الشاكرين، ومن الصابرين العابدين، ومن القانتين المستغفرين، اللهم إنا نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين، وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين، اللهم آمن روعاتنا واستر عوراتنا، واحفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا، وعن أيماننا وشمائلنا ومن فوقنا، ونعوذ بعظمتك أن نغتال من تحتنا، نسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة، نسألك العفو والعافية في ديننا ودنيانا، اللهم اقض ديوننا واستر عيوبنا وارحم موتانا واشف مرضانا واهد ضالنا، اللهم ثبتنا حتى نلقاك على الدين وأحسن خاتمتنا وأصلح نياتنا وذرياتنا يا كريم، آمنا في الأوطان والدور، وأصلح الأئمة وولاة الأمور، واجعل بلدنا هذا آمنا مطمئنا، وأشغل من أراده بسوءٍ يا رب العالمين .
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى