رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
ألا صلوا في رحالكم
الحمد لله العلي القهار، العزيز الغفار، مكور الليل على النهار، خلق فسوى، وقدر فهدى، وأخرج المرعى، فجعله غثاء أحوى، له العزة والجبروت، والعظمة والملكوت، أشهد أن لا إله إلا هو الملك الحق المبين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، أما بعد:
فقد اتفق الفقهاء - رحمهم الله - على مشروعية قول المؤذن عند المطر أو الريح أو البرد: "ألا صلوا في رحالكم"، أو "الصلاة في الرحال"1، واستدلوا على ذلك بأدلة منها:
- ما روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - أنه أذن بالصلاة في ليلة ذات برد وريح، ثم قال: ألا صلوا في الرحال، ثم قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يأمر المؤذن إذا كانت ليلة ذات برد ومطر يقول: "ألا صلوا في الرحال"2.
- ومنها حديث أسامة الهذلي - رضي الله عنه - أن يوم حنين كان يوم مطر، فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم- مناديه أن الصلاة في الرحال3.
- ومنها ما جاء عنه أيضاً أنه قال: لقد رأيتنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الحديبية وأصابتنا سماء لم تبل أسافل نعالنا، فنادى منادي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "صلوا في رحالكم"4.
أين موضعها من الأذان:
اختلف الفقهاء - رحمهم الله - في موضعها بعد اتفاقهم على مشروعيتها: هل تقال أثناء الأذان أم بعد الفراغ منه؟ على أربعة أقوال:
القول الأول: أنها تقال أثناء الأذان بدلاً من الحيعلة، وهو وجه للشافعية، وظاهر مذهب الحنابلة5.
ودليله: حديث عبد الله بن الحارث - رضي الله عنه - قال: "خطبنا ابن عباس في يوم ردغ6، فلما بلغ المؤذن "حي على الصلاة" فأمره أن ينادي: "الصلاة في الرحال"، فنظر القوم بعضهم إلى بعض، فقال: فعل هذا من هو خير منه، وإنها عزمة7"8.
القول الثاني: أنها تقال في أثناء الأذان ولكن بعد الحيعلة - فيجمع بينها وبين الحيعلة - وهو وجه للشافعية9.
ودليله: حديث نعيم بن النحام - رضي الله عنه - قال: سمعت مؤذن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ليلة باردة وأنا في لحاف فتمنيت أن يقول: صلوا في رحالكم، فلما بلغ حي على الفلاح، قال: صلوا في رحالكم، ثم سألت عنها فإذا النبي - صلى الله عليه وسلم - كان أمر بذلك10.
القول الثالث: أنها تقال بعد الفراغ من الأذان، وهو مذهب الحنفية والمالكية، ووجه للشافعية11.
ودليله: ما روى البخاري ومسلم عن نافع قال: أذن ابن عمر - رضي الله عنهما - في ليلة باردة بضجنان، ثم قال "صلوا في رحالكم"، فأخبرنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يأمر مؤذناً يؤذن ثم يقول على إثره: "ألا صلوا في الرحال" في الليلة الباردة، أو المطيرة في السفر12.
القول الرابع: أن الأمر في هذا واسع سواءً قالها في أثناء الأذان أو بعد الفراغ منه فكله جائز، والأولى بعد الفراغ منه وهو رأي لبعض الحنفية، ومذهب الشافعية13.
ودليله: هو ما تقدم من الأحاديث للجمع بينها، ولكن قوله بعد الأذان أفضل ليبقى نظم الأذان على وضعه14.
والراجح والله أعلم أن الأمر في هذا واسع، لأن كل ما استدلوا به قد ثبت فعله، والنبي - صلى الله عليه وسلم - أقره ليبين جواز كل هذه الأوجه، وعلى هذا فلا تعارض؛ لأن بعضه جرى في وقت، والآخر جرى في وقت آخر، والكل صحيح - إن شاء الله تعالى -.
والحمد لله أولا وآخراً.
1 راجع التمهيد (ج3 ص56-57)، والمجموع (ج3 ص136).
2 رواه البخاري برقم (666)، ومسلم برقم (697).
3 رواه أبو داود برقم (1057)، وأحمد برقم (20976)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (ج1 ص292).
4 رواه ابن ماجة برقم (936)، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة (ج1 ص281).
5 فتح الباري (ج2 ص117)، ومغني المحتاج (ج1 ص136).
6 ردغ: طين ووحل كثير (النهاية ج2 ص197).
7 عزمة: أي حق وواجب (النهاية ج3 ص210).
8 رواه البخاري برقم (616).
9 المجموع (ج3 ص136).
10 رواه عبد الرزاق في مصنفه برقم (1925)، وأحمد في مسنده برقم (18098)، وقال الألباني في الثمر المستطاب (ج1ص 135): وهذا سند رجاله رجال الستة غير الشيخ الذي لم يسم.
11 شرح مسلم للنووي (ج5 ص207)، وفتح الباري (ج2 ص117).
12 رواه البخاري برقم (632)، ومسلم برقم (697).
13 عمدة القاري (ج5 ص128)، والأم (ج1 ص88).
14 عمدة القاري (ج5 ص128)، وشرح مسلم للنووي (ج2 ص207).
الحمد لله العلي القهار، العزيز الغفار، مكور الليل على النهار، خلق فسوى، وقدر فهدى، وأخرج المرعى، فجعله غثاء أحوى، له العزة والجبروت، والعظمة والملكوت، أشهد أن لا إله إلا هو الملك الحق المبين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، أما بعد:
فقد اتفق الفقهاء - رحمهم الله - على مشروعية قول المؤذن عند المطر أو الريح أو البرد: "ألا صلوا في رحالكم"، أو "الصلاة في الرحال"1، واستدلوا على ذلك بأدلة منها:
- ما روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - أنه أذن بالصلاة في ليلة ذات برد وريح، ثم قال: ألا صلوا في الرحال، ثم قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يأمر المؤذن إذا كانت ليلة ذات برد ومطر يقول: "ألا صلوا في الرحال"2.
- ومنها حديث أسامة الهذلي - رضي الله عنه - أن يوم حنين كان يوم مطر، فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم- مناديه أن الصلاة في الرحال3.
- ومنها ما جاء عنه أيضاً أنه قال: لقد رأيتنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الحديبية وأصابتنا سماء لم تبل أسافل نعالنا، فنادى منادي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "صلوا في رحالكم"4.
أين موضعها من الأذان:
اختلف الفقهاء - رحمهم الله - في موضعها بعد اتفاقهم على مشروعيتها: هل تقال أثناء الأذان أم بعد الفراغ منه؟ على أربعة أقوال:
القول الأول: أنها تقال أثناء الأذان بدلاً من الحيعلة، وهو وجه للشافعية، وظاهر مذهب الحنابلة5.
ودليله: حديث عبد الله بن الحارث - رضي الله عنه - قال: "خطبنا ابن عباس في يوم ردغ6، فلما بلغ المؤذن "حي على الصلاة" فأمره أن ينادي: "الصلاة في الرحال"، فنظر القوم بعضهم إلى بعض، فقال: فعل هذا من هو خير منه، وإنها عزمة7"8.
القول الثاني: أنها تقال في أثناء الأذان ولكن بعد الحيعلة - فيجمع بينها وبين الحيعلة - وهو وجه للشافعية9.
ودليله: حديث نعيم بن النحام - رضي الله عنه - قال: سمعت مؤذن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ليلة باردة وأنا في لحاف فتمنيت أن يقول: صلوا في رحالكم، فلما بلغ حي على الفلاح، قال: صلوا في رحالكم، ثم سألت عنها فإذا النبي - صلى الله عليه وسلم - كان أمر بذلك10.
القول الثالث: أنها تقال بعد الفراغ من الأذان، وهو مذهب الحنفية والمالكية، ووجه للشافعية11.
ودليله: ما روى البخاري ومسلم عن نافع قال: أذن ابن عمر - رضي الله عنهما - في ليلة باردة بضجنان، ثم قال "صلوا في رحالكم"، فأخبرنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يأمر مؤذناً يؤذن ثم يقول على إثره: "ألا صلوا في الرحال" في الليلة الباردة، أو المطيرة في السفر12.
القول الرابع: أن الأمر في هذا واسع سواءً قالها في أثناء الأذان أو بعد الفراغ منه فكله جائز، والأولى بعد الفراغ منه وهو رأي لبعض الحنفية، ومذهب الشافعية13.
ودليله: هو ما تقدم من الأحاديث للجمع بينها، ولكن قوله بعد الأذان أفضل ليبقى نظم الأذان على وضعه14.
والراجح والله أعلم أن الأمر في هذا واسع، لأن كل ما استدلوا به قد ثبت فعله، والنبي - صلى الله عليه وسلم - أقره ليبين جواز كل هذه الأوجه، وعلى هذا فلا تعارض؛ لأن بعضه جرى في وقت، والآخر جرى في وقت آخر، والكل صحيح - إن شاء الله تعالى -.
والحمد لله أولا وآخراً.
1 راجع التمهيد (ج3 ص56-57)، والمجموع (ج3 ص136).
2 رواه البخاري برقم (666)، ومسلم برقم (697).
3 رواه أبو داود برقم (1057)، وأحمد برقم (20976)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (ج1 ص292).
4 رواه ابن ماجة برقم (936)، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة (ج1 ص281).
5 فتح الباري (ج2 ص117)، ومغني المحتاج (ج1 ص136).
6 ردغ: طين ووحل كثير (النهاية ج2 ص197).
7 عزمة: أي حق وواجب (النهاية ج3 ص210).
8 رواه البخاري برقم (616).
9 المجموع (ج3 ص136).
10 رواه عبد الرزاق في مصنفه برقم (1925)، وأحمد في مسنده برقم (18098)، وقال الألباني في الثمر المستطاب (ج1ص 135): وهذا سند رجاله رجال الستة غير الشيخ الذي لم يسم.
11 شرح مسلم للنووي (ج5 ص207)، وفتح الباري (ج2 ص117).
12 رواه البخاري برقم (632)، ومسلم برقم (697).
13 عمدة القاري (ج5 ص128)، والأم (ج1 ص88).
14 عمدة القاري (ج5 ص128)، وشرح مسلم للنووي (ج2 ص207).
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى