رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
الأذان الأذان شعار أهل الإسلام 2- 3
( التوحيد والأذان )
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. أما بعـد:
فالأذان ليس مجرد وسيلة لإبلاغ الناس بوقت الصلاة؛وإنما يشتمل على معان متعددة، قال ابن حجر رحمه الله: قال القرطبي وغيره: الأذان على قلة ألفاظه مشتمل على مسائل العقيدة لأنه بدأ بالأكبرية وهي تتضمن وجود الله وكماله، ثم ثنى بالتوحيـد ونفي الشريك، ثم بإثبات الرسالة لمحمد صلى الله عليه وسلم، ثم دعا إلى الطاعة المخصوصة عقب الشهادة بالرسالة لأنها لا تعرف إلا من جهـة الرسول، ثم دعا إلى الفلاح وهو البقاء الدائم وفيه الإشارة إلى المعاد، ثم أعاد ما أعاد توكيداً. ويحصل من الأذان الإعلام بدخول الوقت، والدعاء إلى الجماعة، وإظهـار شعائر الإسلام.1
إن الأذان يعد تلخيصاً لدعوة الإسلام، فهو متضمن للشهادتين ، والإسلام كله قائم على أساسين عظيمين: أن يعبد الله وحده، وتلك شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن يعبد بما جاء به رسوله وتلك شهادة أن محمداً رسول الله.
وكما أن في الأذان : أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمد رسول الله، ففيه: حي على الصلاة ، والصلاة من أولها إلى آخرها تصديق عملي بالشهادتين، ففيها يقول المسلم في الفاتحة { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } حي على الفلاح وتلك شهادة (أن لا إله إلا الله) وفيها يقول: { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ } وتلك شهادة "أن محمداً رسول الله".
"فالهداية هي البيان والدلالة ثم التوفيق والإلهام وهو بعد البيان والدلالة ولا سبيل إلى البيان والدلالة إلا من جهة الرسل فإذا حصل البيان والدلالة والتعريف ترتب عليه هداية التوفيق..."2
لقد كان المتلفظ بالشهادتين في عصر الرسالة يعرف أنه يجتاز عالماً بأكمله ويدخل إلى عالم جـديد يجتاز عالم الجاهلية بمبادئه وأخلاقه وعاداته ويعبر إلى الإسلام. إن العربي إبان البعثة كان يفهم مدلولات لغـتـه ولذلك تحضرت في ذهنه كل المعاني التي يستعمل لها لفظ الإلهية بل وما تقتضيه من عمل عندما يقال له:قل: لا إله إلا الله.
وإن من أخطر ما تصاب به أركان الاعتقاد هـو: أن تبقى في أذهان الناس ألفاظ جوفاء لا حقيقة لها في واقع حياتهم وهو ما حصل بالفعل في واقع الأمة اليوم حين صار المسلمون ينطقون الشهادتين ويرددونها في الأذان والإقامة والتشهد..و و، من غير فهم لمعناها الصحيح، ومن غير أن يثمر ذلك النطق واقعاً عملياً في حياتهم لما تقتضيه تلك المعاني.
تفسير ألفاظ الأذان:
إن الشهادتين ثلاث أقسام: الأول : فعل (أشهد) والثاني (لا إله إلا الله) والثالث: (محمد رسول الله) .
أولاً: (أشهد): هذا الفعل يأتي في اللغة بمعان ثلاثة أولها: أرى وأشاهد، ومنه قوله تعالى: { يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ }(المطففين 2). والثاني: الشهادة: وهي القول بما تعلم ومنه قوله تعالى: { وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } (الطلاق: 2). وثالثها: الحلف ومنه الحديث: (على مثل الشمس فاشهد أو ذر)3.
فيكون معنى أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً سول الله أني شاهدت بقلبي، وشهدت بلساني وأيقنت يقين الحالف أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
ثانياً : (لا إله إلا الله) : لقد كان العرب يعتقدون أن آلهتهم التي يشركونها مع الله تعالى أو من دونه تحميهم وتنصرهم وتجيرهم وتقضي حاجاتهم؛ ولذلك عبدوها دون أن ينكروا وجود الله أو ينكروا أنه الخالق والرازق، فلم يكن نزاع النبي صلى الله عليه وسلم معهم حول وجود الله تعالى وربوبيته، وإنما كان حول التسليم بالوحدانية والألوهية لله وحده. إن المشركين العرب الذي خوطبوا بـ (لا إله إلا الله) كانوا يعتقدون أن آلهتهم المزعومة لها قداسة بها استحقت العبادة ، فعمد القرآن إلى هذا الاعتقاد وأبطله؛ وأبطل كل شرك موجود أو متوقع، وبين بياناً حاسماً، أنه لا سلطة لأحد في الكون مع الله عز وجل فالألوهية والربوبية كلها لله، فهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله.
لقد قال القرآن الكريم لهؤلاء المشركين: إن من خلق الكون ويملك السلطة فيه هو الإله المستحق للعبادة فهذا الأمر غير قابل للتجزئة، إذ لا يكون الخلق في يد إله، والرزق في يد آخر. والحكم في يد ثالث {إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ } (المؤمنون: 91)
ثالثاً: (محمد رسول الله): هذا الشطر الثاني من الشهادتين يعني ثلاثة أمـور: الأول: أن محمد رسول الله حقاً فهو من جهة ليس إلهاً ، وليست فيه أي صفة من صفات الألوهية ، ومن جهـة ثانية : ليس كذاباً ولا ساحراً ولا كاهناً ولا مجنوناً ولا سامراً، فالذي يشترك فيه مع الناس هو البشرية، والذي يتميز به عنهم هو الوحي والنبوة، كما قال سبحانه: { قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ }(فصلت: 6). وقد قامت على صدق نبوته دلائل كثيرة : فمنها صفاته، ومنها معجزاته ومنها نبوءاته ، ومنها بشارات به في الكتب السابقة ، ومنها ثمرات دعوته في الأرض إلا أن أعظم آية تشهد له بالنبوة هي القرآن الكريم قال تعالى:{ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ } (الحاقة: 43.) والرسول في اللغة هو: المبعوث، وإضافته إلى الله يعني أنه مبعوث الله إلى الناس، فالرسول رجل بعثه الله ليبلغ الناس، وأيده بالآيات الدالة على صدقه.
أما المعنى الثاني لشهادة أن محمداً رسول الله فهو: أن ما أخبر به من أمور الغيب حق يجب تصديقه فيه، وهذا الغيب يشمل الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، والقدر خيره وشره. وتصديقه في دعوى النبوة والرسالة يفضي إلى التسليم له بهذا العلم الذي أخبر به، لأنه ليس من عنده، بل من عند الله تعالى عالم الغيب والشهادة.
والمعنى الثالث: أن ما أمر به من أمور الشرع عدل وخير يجب إتباعه فيه، وقد أمر بشرع فيه صلاح الأفراد والأسر والمجتمعات، فإتباعه فيه بغير قيد ولا شرط من تمام الشهادة له بالنبوة والرسالة.
هذه المعاني الثلاث مترابطة؛ فالطاعـة تتفرع عن المحبة ،والمحبة تتفرع عن المعرفة؛ إذ لا يمكن أن تطيع شخصاً لا تعرفه أو تتبع شخصاً لا تحبه. إن لا إله إلا الله محمد رسول الله ، اختيار في الحياة ، يحدد التصور الذي يعيش به المرء والسلوك الذي يتصرف به، والنطق بهما يعني تحولاً على المستوى الفكري والواقعي، فبهما يتحدد مصدر التلقي وبهما تتحدد الغاية والهدف وتلك الربانية : ربانية المصدر وربانية الغاية، فيعيش العبد بعلم الله تعالى المنزل يصوغ تصوراته كما يصوغ تصرفاته.
الله أكبر ، الله أكبر:
هذا النداء الذي افتتح به الأذان واختتم به، فيه تكبير الله عز وجل فهو سبحانه { عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ }(الرعد: 9). وحيث أن الصلاة دعوة منه سبحانه ينقلها المؤذن عبر الأذان ، ناسب افتتاحها بالتكبير ليعلم الناس أن الله تعالى أكبر من شيء يصدهم عن دعوتهم، أو يشغلهم عن إجابة ندائه { يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ }(الجمعة:1).
حي على الصلاة ، حي على الفلاح:
هاتان الجملتان تعقبان الشهادتين في الأذان، وذكر الصلاة عقب الشهادتين يوافق الترتيب الذي رتبت به أركان الإسلام في الأحاديث. وحيث أن الإنسان مجبول على تقديم العاجلة على الآجلة ، وتفضيل النقد على النسيئة ، وبما أن الدنيا عرض حاضر، والآخرة وعد صادق، فالدنيا يراها والآخرة يسمع عنها فالذي يحدث غالباً أن الإنسان ينشغل بما يرى عما يسمع، ويقبل على العرض الحاضر ويغفل عن الوعد الصادق فيأتي في الأذان (حي على الصلاة، حي على الفلاح) لينادي على الناس وهم في أسواقهم يبيعون ويشترون، أو في أعمالهم يصنعون ويعملون، أو في بيوتهم يأكلون ويشربون،ليوازنوا في حياتهم بين الدنيا والآخرة قال تعالى: { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ ( ) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ }(النور 36-37). فقد أثنى عليهم ليس لكونهم تفرغوا للصلاة ولازموا المساجد ولا يبرحونها؛ بل لكونهم أصحاب تجارات وأعمال لا تلهيهم عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة.
إن نداءآت المؤذن : "حي على الصلاة ، حي على الفلاح" على رأس وقت كل صلاة إعلان عن وسطية الإسلام وجمعه بين الدين والدنيا ، فالمسلم في عبادة قبل الحضور إلى المسجد ، وهو في عبادة عندما يحضر بعد سماع الأذان ، وهو في عبادة عندما ينصرف بعد الصلاة إلى أشغاله وأعماله . ثم إن النداء ، بـ"حي على الصلاة حي على الفلاح" إيذان بانطلاق جولة جديدة من معركة الإنسان مع الشيطان، فهذا العدو سيسعى جهده ليصده عن ذكر الله ، وعن الصلاة، وإجابة النداء، والذهب إلى المسجد معناه كسب هذه الجولة الجديدة، وتحقيق الانتصار فيها، فالأذان يصل إلى الجميـع ولكن الناس يختلفون : فمنهم منتصر ومنهم منهزم، فمنهم من يسمعه فيدع ما كان فيه ويجيب النداء ، وآخر يصلي في بيته في الوقت ، وثالث يؤخرها عن وقتها ، ورابع يتركها ولا يصليها وبهذا يستخرج ما في القلوب من إيمان أو كفر ونفاق ، ويكشف لكل عبد درجة إيمانه فإن الإيمان يعرف عند الطاعات.
أخيراً : إن من سوء ما يبتلى به المسلمون أن تجرد شعائر دينهم من معناها ، وتفرغ رموز دينهم من دلالتها ، فتتحول إلى رسوم وأسماء، والواجب أن نقول ذلك بقوة لتبقى لهذه الرموز دلالتها، وتستعيد ما كان لها من معنى يوم شرعت أول مرة، وهذا يفرض علينا إحياء طريق السلف في تلقين أحكام الدين حتى لا تقصر على جانب واحد؛ فإذا تناولنا أحكام الأذان على سبيل المثال لا نقتصر على بيان ألفاظه والأدعيـة التي تكون بعده وما يشترط في المؤذن ، بل نجمع إلى ذلك ما ذكر في هذا الموضوع ونفعل مثل هذا في دراسة الصلاة والزكاة والحج والصيام وسار شعائر الإسلام.4
والحمد لله رب العالمين
1 - فتح الباري 2/92.
2 - مدارج السالكين 1/9
3 - أخرجه الحاكم في المستدرك.وضعفه الألباني في إرواء الغليل.
-4 نقلاً عن مقال في مدجلة البيان العدد: 95 ص 32 وما بعدها بتصرف.
( التوحيد والأذان )
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. أما بعـد:
فالأذان ليس مجرد وسيلة لإبلاغ الناس بوقت الصلاة؛وإنما يشتمل على معان متعددة، قال ابن حجر رحمه الله: قال القرطبي وغيره: الأذان على قلة ألفاظه مشتمل على مسائل العقيدة لأنه بدأ بالأكبرية وهي تتضمن وجود الله وكماله، ثم ثنى بالتوحيـد ونفي الشريك، ثم بإثبات الرسالة لمحمد صلى الله عليه وسلم، ثم دعا إلى الطاعة المخصوصة عقب الشهادة بالرسالة لأنها لا تعرف إلا من جهـة الرسول، ثم دعا إلى الفلاح وهو البقاء الدائم وفيه الإشارة إلى المعاد، ثم أعاد ما أعاد توكيداً. ويحصل من الأذان الإعلام بدخول الوقت، والدعاء إلى الجماعة، وإظهـار شعائر الإسلام.1
إن الأذان يعد تلخيصاً لدعوة الإسلام، فهو متضمن للشهادتين ، والإسلام كله قائم على أساسين عظيمين: أن يعبد الله وحده، وتلك شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن يعبد بما جاء به رسوله وتلك شهادة أن محمداً رسول الله.
وكما أن في الأذان : أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمد رسول الله، ففيه: حي على الصلاة ، والصلاة من أولها إلى آخرها تصديق عملي بالشهادتين، ففيها يقول المسلم في الفاتحة { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } حي على الفلاح وتلك شهادة (أن لا إله إلا الله) وفيها يقول: { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ } وتلك شهادة "أن محمداً رسول الله".
"فالهداية هي البيان والدلالة ثم التوفيق والإلهام وهو بعد البيان والدلالة ولا سبيل إلى البيان والدلالة إلا من جهة الرسل فإذا حصل البيان والدلالة والتعريف ترتب عليه هداية التوفيق..."2
لقد كان المتلفظ بالشهادتين في عصر الرسالة يعرف أنه يجتاز عالماً بأكمله ويدخل إلى عالم جـديد يجتاز عالم الجاهلية بمبادئه وأخلاقه وعاداته ويعبر إلى الإسلام. إن العربي إبان البعثة كان يفهم مدلولات لغـتـه ولذلك تحضرت في ذهنه كل المعاني التي يستعمل لها لفظ الإلهية بل وما تقتضيه من عمل عندما يقال له:قل: لا إله إلا الله.
وإن من أخطر ما تصاب به أركان الاعتقاد هـو: أن تبقى في أذهان الناس ألفاظ جوفاء لا حقيقة لها في واقع حياتهم وهو ما حصل بالفعل في واقع الأمة اليوم حين صار المسلمون ينطقون الشهادتين ويرددونها في الأذان والإقامة والتشهد..و و، من غير فهم لمعناها الصحيح، ومن غير أن يثمر ذلك النطق واقعاً عملياً في حياتهم لما تقتضيه تلك المعاني.
تفسير ألفاظ الأذان:
إن الشهادتين ثلاث أقسام: الأول : فعل (أشهد) والثاني (لا إله إلا الله) والثالث: (محمد رسول الله) .
أولاً: (أشهد): هذا الفعل يأتي في اللغة بمعان ثلاثة أولها: أرى وأشاهد، ومنه قوله تعالى: { يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ }(المطففين 2). والثاني: الشهادة: وهي القول بما تعلم ومنه قوله تعالى: { وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } (الطلاق: 2). وثالثها: الحلف ومنه الحديث: (على مثل الشمس فاشهد أو ذر)3.
فيكون معنى أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً سول الله أني شاهدت بقلبي، وشهدت بلساني وأيقنت يقين الحالف أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
ثانياً : (لا إله إلا الله) : لقد كان العرب يعتقدون أن آلهتهم التي يشركونها مع الله تعالى أو من دونه تحميهم وتنصرهم وتجيرهم وتقضي حاجاتهم؛ ولذلك عبدوها دون أن ينكروا وجود الله أو ينكروا أنه الخالق والرازق، فلم يكن نزاع النبي صلى الله عليه وسلم معهم حول وجود الله تعالى وربوبيته، وإنما كان حول التسليم بالوحدانية والألوهية لله وحده. إن المشركين العرب الذي خوطبوا بـ (لا إله إلا الله) كانوا يعتقدون أن آلهتهم المزعومة لها قداسة بها استحقت العبادة ، فعمد القرآن إلى هذا الاعتقاد وأبطله؛ وأبطل كل شرك موجود أو متوقع، وبين بياناً حاسماً، أنه لا سلطة لأحد في الكون مع الله عز وجل فالألوهية والربوبية كلها لله، فهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله.
لقد قال القرآن الكريم لهؤلاء المشركين: إن من خلق الكون ويملك السلطة فيه هو الإله المستحق للعبادة فهذا الأمر غير قابل للتجزئة، إذ لا يكون الخلق في يد إله، والرزق في يد آخر. والحكم في يد ثالث {إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ } (المؤمنون: 91)
ثالثاً: (محمد رسول الله): هذا الشطر الثاني من الشهادتين يعني ثلاثة أمـور: الأول: أن محمد رسول الله حقاً فهو من جهة ليس إلهاً ، وليست فيه أي صفة من صفات الألوهية ، ومن جهـة ثانية : ليس كذاباً ولا ساحراً ولا كاهناً ولا مجنوناً ولا سامراً، فالذي يشترك فيه مع الناس هو البشرية، والذي يتميز به عنهم هو الوحي والنبوة، كما قال سبحانه: { قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ }(فصلت: 6). وقد قامت على صدق نبوته دلائل كثيرة : فمنها صفاته، ومنها معجزاته ومنها نبوءاته ، ومنها بشارات به في الكتب السابقة ، ومنها ثمرات دعوته في الأرض إلا أن أعظم آية تشهد له بالنبوة هي القرآن الكريم قال تعالى:{ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ } (الحاقة: 43.) والرسول في اللغة هو: المبعوث، وإضافته إلى الله يعني أنه مبعوث الله إلى الناس، فالرسول رجل بعثه الله ليبلغ الناس، وأيده بالآيات الدالة على صدقه.
أما المعنى الثاني لشهادة أن محمداً رسول الله فهو: أن ما أخبر به من أمور الغيب حق يجب تصديقه فيه، وهذا الغيب يشمل الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، والقدر خيره وشره. وتصديقه في دعوى النبوة والرسالة يفضي إلى التسليم له بهذا العلم الذي أخبر به، لأنه ليس من عنده، بل من عند الله تعالى عالم الغيب والشهادة.
والمعنى الثالث: أن ما أمر به من أمور الشرع عدل وخير يجب إتباعه فيه، وقد أمر بشرع فيه صلاح الأفراد والأسر والمجتمعات، فإتباعه فيه بغير قيد ولا شرط من تمام الشهادة له بالنبوة والرسالة.
هذه المعاني الثلاث مترابطة؛ فالطاعـة تتفرع عن المحبة ،والمحبة تتفرع عن المعرفة؛ إذ لا يمكن أن تطيع شخصاً لا تعرفه أو تتبع شخصاً لا تحبه. إن لا إله إلا الله محمد رسول الله ، اختيار في الحياة ، يحدد التصور الذي يعيش به المرء والسلوك الذي يتصرف به، والنطق بهما يعني تحولاً على المستوى الفكري والواقعي، فبهما يتحدد مصدر التلقي وبهما تتحدد الغاية والهدف وتلك الربانية : ربانية المصدر وربانية الغاية، فيعيش العبد بعلم الله تعالى المنزل يصوغ تصوراته كما يصوغ تصرفاته.
الله أكبر ، الله أكبر:
هذا النداء الذي افتتح به الأذان واختتم به، فيه تكبير الله عز وجل فهو سبحانه { عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ }(الرعد: 9). وحيث أن الصلاة دعوة منه سبحانه ينقلها المؤذن عبر الأذان ، ناسب افتتاحها بالتكبير ليعلم الناس أن الله تعالى أكبر من شيء يصدهم عن دعوتهم، أو يشغلهم عن إجابة ندائه { يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ }(الجمعة:1).
حي على الصلاة ، حي على الفلاح:
هاتان الجملتان تعقبان الشهادتين في الأذان، وذكر الصلاة عقب الشهادتين يوافق الترتيب الذي رتبت به أركان الإسلام في الأحاديث. وحيث أن الإنسان مجبول على تقديم العاجلة على الآجلة ، وتفضيل النقد على النسيئة ، وبما أن الدنيا عرض حاضر، والآخرة وعد صادق، فالدنيا يراها والآخرة يسمع عنها فالذي يحدث غالباً أن الإنسان ينشغل بما يرى عما يسمع، ويقبل على العرض الحاضر ويغفل عن الوعد الصادق فيأتي في الأذان (حي على الصلاة، حي على الفلاح) لينادي على الناس وهم في أسواقهم يبيعون ويشترون، أو في أعمالهم يصنعون ويعملون، أو في بيوتهم يأكلون ويشربون،ليوازنوا في حياتهم بين الدنيا والآخرة قال تعالى: { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ ( ) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ }(النور 36-37). فقد أثنى عليهم ليس لكونهم تفرغوا للصلاة ولازموا المساجد ولا يبرحونها؛ بل لكونهم أصحاب تجارات وأعمال لا تلهيهم عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة.
إن نداءآت المؤذن : "حي على الصلاة ، حي على الفلاح" على رأس وقت كل صلاة إعلان عن وسطية الإسلام وجمعه بين الدين والدنيا ، فالمسلم في عبادة قبل الحضور إلى المسجد ، وهو في عبادة عندما يحضر بعد سماع الأذان ، وهو في عبادة عندما ينصرف بعد الصلاة إلى أشغاله وأعماله . ثم إن النداء ، بـ"حي على الصلاة حي على الفلاح" إيذان بانطلاق جولة جديدة من معركة الإنسان مع الشيطان، فهذا العدو سيسعى جهده ليصده عن ذكر الله ، وعن الصلاة، وإجابة النداء، والذهب إلى المسجد معناه كسب هذه الجولة الجديدة، وتحقيق الانتصار فيها، فالأذان يصل إلى الجميـع ولكن الناس يختلفون : فمنهم منتصر ومنهم منهزم، فمنهم من يسمعه فيدع ما كان فيه ويجيب النداء ، وآخر يصلي في بيته في الوقت ، وثالث يؤخرها عن وقتها ، ورابع يتركها ولا يصليها وبهذا يستخرج ما في القلوب من إيمان أو كفر ونفاق ، ويكشف لكل عبد درجة إيمانه فإن الإيمان يعرف عند الطاعات.
أخيراً : إن من سوء ما يبتلى به المسلمون أن تجرد شعائر دينهم من معناها ، وتفرغ رموز دينهم من دلالتها ، فتتحول إلى رسوم وأسماء، والواجب أن نقول ذلك بقوة لتبقى لهذه الرموز دلالتها، وتستعيد ما كان لها من معنى يوم شرعت أول مرة، وهذا يفرض علينا إحياء طريق السلف في تلقين أحكام الدين حتى لا تقصر على جانب واحد؛ فإذا تناولنا أحكام الأذان على سبيل المثال لا نقتصر على بيان ألفاظه والأدعيـة التي تكون بعده وما يشترط في المؤذن ، بل نجمع إلى ذلك ما ذكر في هذا الموضوع ونفعل مثل هذا في دراسة الصلاة والزكاة والحج والصيام وسار شعائر الإسلام.4
والحمد لله رب العالمين
1 - فتح الباري 2/92.
2 - مدارج السالكين 1/9
3 - أخرجه الحاكم في المستدرك.وضعفه الألباني في إرواء الغليل.
-4 نقلاً عن مقال في مدجلة البيان العدد: 95 ص 32 وما بعدها بتصرف.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى