لبيك يا الله



حديث قدسىعن رب العزة جلا وعلاعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله إذا أحب عبداً دعا له جبريل، عليه السلام، فقال: إني أحب فلانا فأحبه، قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، قال: ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض الله عبداً، دعا جبريل، فيقول: إني أبغض فلانا فأبغضه، فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً، فأبغضوه، قال: فيبغضونه، ثم توضع له البغضاء في الأرض”.
المواضيع الأخيرة
كل عام وانتم بخيرالجمعة 23 أبريل - 16:08رضا السويسى
كل عام وانتم بخيرالخميس 7 مايو - 22:46رضا السويسى
المسح على رأس اليتيم و العلاج باللمسالأربعاء 22 أغسطس - 14:45البرنس
(16) ما أجمل الغنائمالجمعة 11 أغسطس - 18:51رضا السويسى
مطوية ( وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ)الأحد 9 أغسطس - 19:02عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ)السبت 8 أغسطس - 12:46عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ )الأربعاء 5 أغسطس - 18:34عزمي ابراهيم عزيز



اذهب الى الأسفل
عبد الرحمن
عبد الرحمن
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

	ثلاث خِصال مهلكة "عبد العزيز آل الشيخ" Empty ثلاث خِصال مهلكة "عبد العزيز آل الشيخ" {الثلاثاء 27 سبتمبر - 19:13}

ملخص الخطبة

1- التحذير من الكذب على الله تعالى ورسوله . 2- النهي عن الغشّ في النصيحة. 3- خطورة الفتوى. 4- من آداب المفتي. 5- تحريم القول على الله تعالى بلا علم. 6- أضرار الفتاوى الباطلة. 7- صفات المفتي. 8- حرمة الدماء المعصومة. 9- التحذير من خدمة الأعداء.

الخطبة الأولى

أمّا بعد: فيا أيّها الناس، اتَّقوا الله تعالى حقَّ التقوى.

عبادَ الله، في سُننِ أبي دَاودَ أنّه قال: ((مَن تقَوّل عليَّ مَا لم أقُله فليتَبوّأ مقعدَه من النّار، ومَن استشارَه أَخوه المسلِم في أمرٍ فأشارَ عليه بِغيرِ الرُّشد الذي يعلَمه فقَد خانَه، ومَن أُفتيَ بفتوًى غيرِ ثبتٍ فإثمه عَلى من أفتاه))[1].

أَخي المسلِم، لنتأمّل جميعًا هذهِ الخصالَ الثلاث التي نبّهَنا النبيُّ عليها.

أولاً: الكذبُ علَى رَسولِ الله، أَصلُ الكذبِ حَرام، وهو مِن أخلاقِ المنافِقين، لكن الكذبُ مراتب، فأعظمُ الكذب الكذِبُ علَى الله، وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ [الأنعام:93]. فأعظمُ الكذبِ أن تكذبَ على الله، وتنسِبَ إلى الله أمرًا ما قاله ربُّ العالمين، تنسِب إليه أنّه أحَّل وما أحلّ ذلك، أو حرّم أمرًا وما حرّمه، قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلالاً قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ [يونس:59]. والكذِبُ على رسول الله كبيرةٌ مِن كبائرِ الذنوب، تُوُعِّد الكاذبُ على رسول الله بقولِه: ((فليتبوّأ مقعدَه من النّار)). ولِذا اهتَمّ علماءُ المسلِمين بسنّةِ نبيِّهم ، وزيَّفوا ما نُسِب إليها كَذِبًا وافتراءً، وحَذَّروا الأمّةَ من ذلك.

وثانيًا: ((مَن استَشاره أخوه المسلِمُ في أمرٍ فأشارَ عليه على غيرِ الرّشد الذي يعلَمه فقَد خانَه)). أخوكَ المسلِم أتاك واثقًا مِنك، مُطمئنًّا إلى نُصحِك، يستشِيرك في أمرٍ ما من الأمورِ لترشدَه إلى الصّواب، وتُرشدَه إلى النافع، وتحذِّره ممّا يضرّه، جَاءك مستنصِحًا، جَاءك مستشيرًا، جَاءَك وَاثقًا بإيمانِك، وأنّك أخوه المؤمِن تحبُّ له ما تحبّ لنفسك وتكرَه له ما تكرَه لنفسك، فتشير عليه بأمرٍ تَعلَم أنّ الرّشدَ خلافُه، وأنَّ الصَّوابَ خلافُه، لكن تشير عليه غِشًّا لَه وظُلمًا لَه وعُدوانًا عَليه، فهذِه خيانةٌ مِنك له، واللهُ لا يحِبّ الخائنين، خيانةٌ منك لأخيك، لماذا تخونُه؟! هو وكَلك إلى إيمانِك وإسلامِك، وفي الحدِيث: ((لا يُؤمِن أحدُكم حتى يحِبَّ لأخيه ما يحِبّ لنفسِه))[2]، فإن لم تنفَعه بخيرٍ فإيّاك أن تشيرَ عليهِ بالباطِل، اعتذِر عن عدمِ العِلم بذلِك الأمر، وأمّا أن تشِيرَ عليه بالخطأ وخلاف الصّواب فأنت خائنٌ لهذا المسلم ظالمٌ له.

وثالثًا: ((مَن أُفتِي بفتوًى غيرِ ثبتٍ فإنما إثمُه على من أَفتاه)).

أيّها المسلم، الفتوَى حكمٌ شرعيّ، والمفتي مخبِر عنِ الله في أنّ اللهَ أحَلَّ هذا أو حَرّم هذا أو أوجَبَ هذا، المفتي يخبِر عَن ربِّ العالمين، المفتي يتكَلَّم في الحلالِ والحرامِ مستنِدًا إلى دَليلٍ معتمِدًا على الدّليل، هكذا المفتي الصادِق الذي يخافُ اللهَ ويتّقيه ويعلَم أنّ اللهَ سيسألُه عمّا أفتَى فيه: أكانت تلكَ الفتوَى حقًّا موافِقةً للشّرع أم كانت فتوًى باطِلَة تخالفُ الشّرع؟ فما كانَ من فتوًى توافِق الشرعَ فالحقّ مقبول، وما كان مخالفةً للشرع فباطل، إذًا فعلَى مَن استُفتِيَ أن يراقبَ الله قبلَ كلّ شَيء، وأن يتَذكَّر الموقفَ بَين يديِ الله، وأَن يعلمَ أنّ الله سيحاسِبه عن كلّ فتوًى أفتاها، إذًا فليتَّقِ الله قَبلَ أن يقدِم، وليراقِبِ الله قَبلَ أن يقدِم، فإن كانَ ما سئِل عنه هو أمرٌ واضح جليّ يعلَم دليلَه من كتابِ الله ومِن سنّةِ رَسول الله أفتى بذلكَ مُعتمِدًا على الدّليل، علِم حكمَ المسألة ودليلَها ولا إشكالَ عندَه فليُفتِ بذلك، لم يعلمِ الحكمَ الشرعيَّ ولم يستبِن له الأمرُ فليمسِك وليحذَر أن يقولَ على الله ما لا يعلم.

المستَفتَى أيضًا إذا سُئل فلا بدّ أن يؤسِّسَ المسألةَ ويعلمَ ما هي المسألةُ التي سئِل عنها، ثم ليعلمْ أيضًا حالَ هذا السائلِ؛ أكان سؤالُه عن أمرٍ يهمّه في أمرِ دينه ودنياه ليعملَ به فليخبِره، أم كانَ هَذا السائلُ سَأل سؤالاً لا مَصلحةَ له فيه، أو سَأل سؤالاً الجَوابُ لا يتَحمَّله عقلُه ولا يدرِكه فهمه، بل قد يكون في الإجابةِ فتنةٌ له، فإنّ المطلوبَ منَ المفتي أن يلاحظَ هذه الأمورَ كلَّها، والفُتيا في غيرِ الأمورِ النازلةِ لا ينبغي التشاغُلُ بها عن الأمور النازلةِ.

أيّها المسلم، القولُ عَلى الله بِلا عِلمٍ أَعظمُ الذّنوب وأَكبرُها، قالَ جل وعلا: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [الأعراف:33]، فانظُر إلى تدرُّج هذه الكبائر، أولاً حَرّم الفَحشاء، قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وحَرّم الإثمَ والبغيَ بغيرِ حقّ، ثمّ قال: وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ، إذِ الشِّركُ بالله أسَاسُه القَولُ على الله بِلا علم، وكلّ كفرٍ وضَلالٍ فأساسُه القولُ على الله بِلا علم، وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ [يونس:18]. الإفتاءُ بخلاف الحقِّ كبيرةٌ من كَبائرِ الذنوب، جريمةٌ نكراء، قال الله جل وعلا: وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمْ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ [النحل:116].

أَيّها الإخوةُ، كَم مِن فَتاوًى ضلَّ بها مَن ضلّ، زلّت بها أقدامٌ وضلّت بها أفهام، يُفتي من لا بَصيرةَ عندَه، ومن لا علمَ عنده، ومَن لا يوازن بين الأمور، ولا مَن يقدِّر الأشياءَ قدرَها، فيفتي فتاوًى لا يُدرِك ضررَها ولا يتصوَّر أخطاءَها ولا ما يترتَّب على مَن سمِعها مِن تصرّفاتٍ خاطِئة وتَصوّرات خاطئة وتأويلاتٍ ضالّة، كم بِسببِ هذه الفتيا المخطئة، كم بها سُفِكت دماء ودُمّرت بها أموال ورُوِّع بها آمنون، كم سبَّبت تلكَ الفتاوَى المبنيَّة على غير هدًى التي اتَّبع أربابها فيها الهوَى، ولم يقارِنوا بين المصالحِ والمفاسِد، ولم يدرِكوا مقاصدَ الشريعة فيما يقولون، فظنَّ الظانُّ أنه إذا أفتَى وقال فقد كان كذا وكذا. لا يا أخِي، ليس المهمّ أن تفتيَ ولا أن ينقَلَ قولُك، المهمّ أن تكونَ أقوالُك موافقةً للشَّرع وفتاواك موافقةً للشّرع مطابقةً لشرع الله. المستفتَى يتبصَّر في الأمور وينظُر مِن قربٍ ومٍن بعد حتى لا تكونَ الفتوَى مستغَلّة في أمورٍ لا خَيرَ فيها، وليعلَم حقيقةَ هذا السائلِ والمستفتي. المستفتَى لاَ بدَّ أن يُصغيَ إلى من سَأله، ويتبصَّر في الأمورِ، ويدرِك الغايةَ من هذا السؤالِ، والغايةَ من هذا الموضوع الذي طرِح، هل يقصِد به المستفتي خيرًا، هل يريد به نفعًا، هل يريد به مصلحةً للأمة، أم أنّه يريد به ضَررًا وشرًّا.

إنَّ المفتي يخافُ اللهَ ويُراقِبه، وينظُر الأمورَ مِن كلّ الجوانب، ويجنِّب الفتوَى مَن لا يحسِنها ولا يعمَل بها حقَّ العمَل، ولا سيَّما الفتوى في الأمورِ المتعلّقةِ بعمومِ الناس، فلا يبتُّ فيها ولا يتحدّثُ فيها إلاّ من هو مسؤولٌ عنها، وأمّا أن يتحدَّث من يتحدّث ويفتي من يفتي بلا عِلمٍ ولا بَصيرةٍ فإنّ تلكَ مصيبة، قد يكون حقًّا، لكن من يستفتي قد لا يكون مقصودُه الحقّ، وقد يسخِّرها ويحوِّرها إلى أمورٍ يكون فيها ضررٌ على الأمّة في الحاضر والمستقبَل، فالعِلمُ أحيانًا يحجَب عمّن لا يحمِلُه بحقٍّ ومن لا يدرِك غورَه بحقّ.

إنّ المفتيَ لا بدَّ أن يتّقيَ الله فيمَا يفتي به، ويتبصَّر في الأمور، ويعلمَ المصالحَ من المفاسِد، ويقارن بينها، ويعلم أنّ مِن قواعدِ الشرع أنّ درأ المفاسِد مقدَّم على جلبِ المصالح، وأنّ البعضَ من النّاس قد لا يناسِبهم أن يعطَوا علمًا في بعضِ الأشياء لأنّ عقولهم لا تدرِك ما يقالُ لهم ولا يتصوّرون حقيقةَ ما يُقال لهم، فيأخذون الأمورَ على غيرِ وجهها الشرعيّ، وعلى غير المقصودِ الشرعيّ، وهذا بلا شكّ أنه سبَّب ضرَرًا على المسلمين.

فليتَّقِ الله المفتون في الأمور الشرعيّة، وليحاسبوا أنفسَهم قبلَ أن يحاسبَهم الله، وليراقِبوا اللهَ فيما يقولون، ولتكن الفتوَى بعدَ التأنّي والبَصيرة، ولا يفتي في أمورٍ عامّة إلاّ الجهاتُ التي وكِل إليها، فإنّ في ذلكَ راحةً للأمة وطمأنينة حتى تكونَ الأمورُ تنطلق منطلقًا شرعيًّا مبنيًّا على أصولٍ شرعيّة، وأمّا أن يتحدَّث في الأمورِ العامة من لا يحسِنها ولا يقدِّر الأمورَ قدرَها فهذا قد يضرّ بالأمةِ مِن حيث لا يشعُر، فإنّ القولَ على الله مصيبةٌ عظيمة، ولقد كَان سلفُنا الصّالح يتوقّفون في كثيرٍ من الفتيَا، لا جهلاً ولكِن ليبيِّنوا للناسِ عظمةَ أمرِ الفتيا، يقول ابن مسعودٍ رضي الله عنه: (إنكم لتفتون في مسائلَ كانَ عمر بن الخطاب يجمَع لها المهاجرين والأنصارَ)[3]، وكان الإمام مالكٌ رحمه الله إمامُ دار الهجرة معروفٌ علمُه وفضلُه ومكانَته، كان من أشدِّ النّاس في هذا الباب، أتاه آتٍ فوجّه له أربعين مَسألة، فأجابه عن ثلاثٍ وامتَنع عن الباقي، فقال: يا مالِك، أنت إمامُ دار الهجرة تتعذّر أن تجيبَ على المسائل كلِّها! قال: لا أدري، قال: أمثلُك يقول: لا أدري؟! قال: نعم، اخرج إلى الناس وقل: إنَّ مالكًا لا يدري. عُدّت تلك من مناقبه وفضائله وورَعه وزهده وخوفِه من الله وعِلمه بحقيقةِ المسائل وأنّ ما كلٌّ يعطَى وما كلّ يفتَى إذا لم يقصِد العمَلَ والاتباع، وإنما يقصِد بما يأخذ أمورًا تخالِف الشّرع، وربما يعودُ الضّرر عليه، وفي الحديثِ: ((إذا حدّثتَ قومًا بحديثٍ لا تحمله عقولهم فإنّ ذلك فتنةٌ لهم))[4].

فليتَّق اللهَ من يُفتون، ليتَّقوا الله في أمورِهم كلِّها، وليحاسِبوا أنفسَهم، وليقيِّموا الأمور، وليضَعوا كلَّ التصوّرات أمامَ أيّ فتيًا لا سيّما في الأمورِ العامّة التي تتَعلّق بمصالحِ الأمّة حتى لا تزِلَّ أقدامُ أقوامٍ قصُرت عقولُهم، وقلَّ إدراكهم، ولم يحيطوا بالنّصوصِ، ولم يفهَموا الأمورَ على فهمِها الصحيح، فيقعوا في الخطأ من حيث لا يشعرون.

أعوذُ بالله من الشّيطان الرجيم: إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَاذِبُونَ [النحل:105].

بارَك الله لي ولكم في القرآنِ العظيم، ونفعني وإيّاكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.


[1] أخرجه أحمد (2/321)، وابن راهويه في مسنده (334)، وابن بشران في الأمالي، والطبراني في طرق حديث من كذب علي متعمدا، والبيهقي في الكبرى (10/112)، وابن عبد البر في جامع بيان العلم (1625)، والخطيب في الفقيه والمتفقه، وصححه الحاكم (349، 350)، لكن في إسناده عمرو بن أبي نعيمة مجهول، وهو في ضعيف الأدب المفرد (41).

[2] أخرجه البخاري في الإيمان (13)، ومسلم في الإيمان (45) عن أنس بن مالك رضي الله عنه.

[3] أثِر نحوه عن أبي حصين الكوفي، رواه ابن بطة في إبطال الحيل، والبيهقي في المدخل (803).

[4] أخرجه بمعناه العقيلي في الضعفاء (3/201) عن ابن عباس رضي الله عنهما، وفي سنده عثمان بن داود قال العقيلي: "مجهول بنقل الحديث، لا يتابع على حديثه، ولا يعرف إلا به"، وقال الذهبي في الميزان (3/33): "لا يدرى من هو، والخبر منكر"، وهو في السلسلة الضعيفة (4427). وأخرج مسلم في مقدمة صحيحه، والبيهقي في المدخل (611)، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة)، وفي سنده انقطاع.



الخطبة الثانية

الحمدُ لله حمدًا كثيرًا طيّبًا مباركًا فيه كما يحبُّ ربّنا ويرضى، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.

أما بعد: فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى حقَّ التقوى.

عبادَ الله، المؤمنُ حقًّا في تصرّفاته كلِّها يحاسب نفسَه قبل أيِّ عمل يقدم عليه، هل هذا العملُ الذي أقدَم عليه عملٌ يحبّه الله ويرضاه؟ هل هو عملٌ موافِق لكتابِ ربِّه وسنة نبيّه ؟ هل هذا العملُ الذي يقدِم عليه يوافق شرعَ الله أم لا؟ هل هذا العمل الذي يقدِم عليه فيه مصلحةٌ للأمة في الحاضر والمستقبل، أم هذا الأمر ضررٌ وشرّ وبلاء على الأمة في حاضِرها ومستقبلها؟

إنَّ البعضَ من الناس والعياذ بالله جُعِل شقيًّا على نفسه، شقيًّا على أهله، شقيًّا على مجتمَعه، شقيًّا على أمته، يتصرَّف تصرّفات كلُّها خاطئة، وكلّها جهل وإحراجٌ للأمة وإيقاع لها في الحرَج والمشاكِل، لكن هذه الفئةُ في تصرُّفها الخاطِئ لا عذرَ لها، فإن يريدوا دينًا فالدّين واضحٌ وجليّ، وحرمةُ الدماء والأموال في شريعة الإسلام أمرٌ مستقرّ لا يشكّ فيه مسلم، حرمةُ الدماء والتعدِّي عليها بغيرِ حقّ نصوص القرآن والسنة تدلّ على حرمة الدماء وعظيم حرمَتها من مسلمٍ ومستأمَن، وإن يريدوا غيرَ ذلك طاعةً للأعداء وأن أعمالهم إنما هي خدمةٌ لأعدائهم، فليتّقوا الله، وليحاسبوا أنفسهم، وليراجعوا أنفسهم، فإنّ الاستمرارَ على الخطأ والباطل ليس من الإيمان. إنَّ التلاعبَ بالدماء والاستخفافَ بها وعدمَ المبالاة بها وجعلَها مساومةً لأغراض ومصالح أمرٌ يرفضه الشرع. فليتّق المسلم ربَّه، ولا يقدِم على عملٍ ينسبه إلى الدين، والإسلام بريء من هذا كلِّه.

يا أخي المسلم، إنّ التصرفاتِ الخاطئةَ لا تصدر من قلبٍ يخاف الله ويتقيه، ولا تصدر من قلبِ مؤمنٍ يحبّ لأمته الخير ويكرَه لها الشر. إنّ بعضَ التصرفات ضررُها وشرّها في الحاضر والمستقبل لا يعلَم قدره إلا الله. فليتّق المسلم ربَّه، وليحاسِب نفسَه، وليتَدارَك أخطاءَه، وليتُب إلى اللهِ مما زلَّت به قدمُه، ولا يكن ألعوبةً بيد الأعداء، يسخِّرونه كيف يشاء. الدماءُ لا يساوم عليها، والدماء ليست أمرًا يسيرًا ورخيصًا، هي محترمةٌ ومعظَّمة، ((المسلمون تتكافأ دماؤهم، يسعى بذمَّتهم أدناهم، وهم يدٌ على من سواهم))[1]، المسلمون يحترِمون العهودَ والمواثيقَ، ويلتزِمون بها قولاً وعملاً، وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ [المؤمنون:8]، هكذا المؤمنُ يراعي العهودَ والمواثيقَ ويحترمها ويدين لله بذلك. أما هذه التصرفاتُ الخاطئة فإني أنصَح المسلمَ أن يتقيَ الله ويجتنبَها ويتوبَ إلى الله من هذا الذنب العظيم الذي هو ضررٌ عليه في دينه وضررٌ على أهلِه وعلى مجتمعِه وعلى بلاد الإسلام. كم شوّهوا صورةَ المسلمين، وكم أساؤوا بهذه التصرفاتِ الخاطئةِ للإسلام وأهلِه، وكم نقَلوا صورةً سيّئة خارجَ العالم الإسلامي ليقال: إن المسلمين أهلُ ظلم، وإنهم متوحِّشون، وإنهم يعيشون شريعةَ الغاب وإنهم وإنهم. والإسلامُ بريء من هذهِ الأخطاءِ كلِّها، لا يجوز أن ينسَب إليه ما هو بريء منه.

فيا إخواني، اتقوا الله في أنفسكم، وتعاوَنوا فيما بينكم على البرِّ والتقوى، وخذُوا على أيدي السفهاء، وردّوهم إلى الحقّ ردًّا جميلاً، وحذِّروهم من هذه التصرفاتِ أن لا يساوَم في الدماءِ ولا تجعل ألعوبةً، فإن هذا أمرٌ خطير، وضررُه على الأمة في حاضرِها ومستقبلها أمرٌ معروف.

إنَّ الأمةَ يجب أن يوقفَ معها، وأن يشدَّ أزرُ ولاتها، لاجتماع الكلمةِ وحقنِ الدماء وحِفظ الأموال وصيانة هذا الكيان العظيم الذي يعيش في أمنٍ واستقرار وطمأنينة، فلا يجوز لأحدٍ أن يكدِّر صفوَ هذه النعمة، ولا يحاولَ إلحاقَ الضررِ بالأمة.

أسأل الله أن يوفِّق الجميعَ للخير، وأن يهديَ الجميعَ لصالح العمل، وأن يتوبَ علينا جميعًا، وأن يمنَّ على من انحرفَ عن الهدى بالتوبةِ إلى الله والعودة إلى الحقّ، إنه على كل شيء قدير.

واعلموا ـ رحمكم الله ـ أنّ أحسنَ الحديثِ كتاب الله، وخيرَ الهدي هديُ محمّد ، وشر الأمور محدثاتها، وكلّ بدعة ضلالة، وعليكم بجماعةِ المسلمين، فإنّ يدَ الله على الجماعة، ومن شذّ شذَّ في النار.

وصلّوا ـ رحمكم الله ـ على نبيكم محمّد كما أمركم بذلك ربّكم، قال تعالى: إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].

اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارك على عبدِك ورسولِك محمّد، وارضَ اللهمّ عن خلفائِه الراشِدين...



[1] أخرجه أحمد (2/215)، وأبو داود في كتاب الجهاد (2751)، وابن ماجه في الديات (2685) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، وصححه ابن الجارود (771، 1073)، وكذا الألباني في الإرواء (2208).
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى