لبيك يا الله



حديث قدسىعن رب العزة جلا وعلاعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله إذا أحب عبداً دعا له جبريل، عليه السلام، فقال: إني أحب فلانا فأحبه، قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، قال: ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض الله عبداً، دعا جبريل، فيقول: إني أبغض فلانا فأبغضه، فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً، فأبغضوه، قال: فيبغضونه، ثم توضع له البغضاء في الأرض”.
المواضيع الأخيرة
كل عام وانتم بخيرالجمعة 23 أبريل - 16:08رضا السويسى
كل عام وانتم بخيرالخميس 7 مايو - 22:46رضا السويسى
المسح على رأس اليتيم و العلاج باللمسالأربعاء 22 أغسطس - 14:45البرنس
(16) ما أجمل الغنائمالجمعة 11 أغسطس - 18:51رضا السويسى
مطوية ( وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ)الأحد 9 أغسطس - 19:02عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ)السبت 8 أغسطس - 12:46عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ )الأربعاء 5 أغسطس - 18:34عزمي ابراهيم عزيز



اذهب الى الأسفل
عبد الرحمن
عبد الرحمن
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

	الموقف الشرعي من أعداء الأمن " عبد العزيز آل الشيخ" Empty الموقف الشرعي من أعداء الأمن " عبد العزيز آل الشيخ" {الثلاثاء 27 سبتمبر - 19:42}

ملخص الخطبة

1- سنة الابتلاء. 2- نعمة الإسلام. 3- نعمة الأمن. 4- السبيل لتحقيق الأمن والمحافظة عليه. 5- فضل بلاد الحرمين. 6- نابتة المفسدين. 7- واجب الأمة تجاه المفسدين في الأرض. 8- مسؤولية أمن المجتمع. 9- واجب المعلمين والأئمة ورجال الإعلام وعمداء الأحياء ورجال القبائل.

الخطبة الأولى

أمّا بعد: فيا أيّها الناس، اتقوا الله تعالى حقَّ التقوى.

عبادَ الله، إنَّ مِن حكمةِ الله ابتلاءَ عبادِه بالضرّاء والسرّاء، ابتلاءَهم بالسرّاء ليتبيَّن شكرُ النعم، فيظهرَ شكرُ من كان شاكرًا لله، وابتلاءً بالضراء ليظهرَ صبرُ الصابرين الموقِنين الصادقين، وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ [الأنبياء:35].

أمةَ الإسلام، نِعَم الله على العباد عظيمة، وآلاؤه جسيمة، نعمٌ لا يستطيعُ العبادُ عدَّها ولا إحصاءها، وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا [إبراهيم:34]، وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْ اللَّهِ [النحل:53].

أيّها المسلم، أجلُّ النِعَم وأكبرُ النعم نعمةُ الإسلام، فمن هداه الله للإسلام وشرح صدرَه للإسلام فقد أنعم الله عليه بالنعمةِ الكبرى، يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلْ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ [الحجرات:17].

مبعثُ محمّدٍ نعمةٌ أنعمَ الله بها على أهل الأرض قاطبة، وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107]، لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ [آل عمران:164].

الأمنُ في الأوطان نعمةٌ عظيمة من نِعم الله على عبادِه، ذكَّر الله بها العبادَ ليقابِلوا تلك النعمةَ بشكر الله والثناء عليه: لإِيلافِ قُرَيْشٍ إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ [سورة قريش]. إذًا فليقابلوا نعمةَ رغَد العيش ونعمةَ الأمن بعبادة الله وإخلاص الدين لله.

نعمةُ الأمن نعمةٌ من ضروريات الإنسانيّة ومن مقاصد الشريعة. نعمةُ الأمن فيها يعبُد العبد ربَّه ويؤدّي واجبَه، فيها يتعلَّم المتعلِّم، ويدعو الداعي، ويسعى الساعي في كلِّ ما يحقِّق له سعادتَه في الدنيا والآخرة.

بالأمنِ تطمئنّ النفوس وتنشرح الصدور ويتفرَّغ العبادُ لمصالحِ دينهم ودنياهم، أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ [العنكبوت:67]، أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ [القصص:57].

نعمةُ الأمن عَرف قدرَها الكُمَّل من البشر وهم أنبياءُ الله، يقول الله عن صالحٍ عليه السلام وهو يذكِّر قومَه هذه النعمةَ ويحذِّرهم من الاستخفاف بها: أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَا هُنَا آمِنِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ وَتَنْحِتُونَ مِنْ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ [الشعراء:146-152]. وأبونا إبراهيمُ عليه السلام عندما فرغ من بناءِ البيت دعا لسكّانه بتلك الدعوات: رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنْ الثَّمَرَاتِ [البقرة:126]، فبدأ بنعمةِ الأمن لأنَّ بحصوله يتحقَّقُ الخير بتوفيقٍ من الله.

أيها المسلم، بم يتحقّق الأمن؟ إنّ الأمنَ في الأوطان يتحقَّق بعبادة الله والخضوع له والقيام بشرعه، وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ [النور:55].

كيف نحافظُ على هذا الأمن؟ نحافظُ عليه أولاً بشكر الله على هذه النعمَة بقلوبنا، بألسنتِنا، بجوارحنا، أن نتصوَّرَ عظَمَ هذه النعمة ونعلَم عظمةَ من تفضَّل بها وجادَ بها وهو ربّنا جل وعلا، فنرفعَ الشكرَ والثناءَ لربِّ العالمين على هذه النعمة، نعتقدها في قلوبنا، وأنها من الله فضلاً وإحسانًا وجودًا وكرمًا، فنقابلها بشكره، وشكرُه يزيد النِّعَم، وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ [إبراهيم:7].

نأخذُ على يدِ كلِّ من يريد زعزعةَ هذه النعمة وتكديرَها، نأخذ على يده حتى لا يتمادى في شرِّه وطغيانه، فإنَّ تركَ أولئك كفرٌ بهذه النعمة التي أنعمَ الله بها، ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ [الأنفال:53].

أمةَ الإسلام، بلادُكم بلَدُ العقيدة الصافيةِ ولله الفضل والمنّة، بلدٌ ظهرت فيها شعائر الإسلام، وحُكِّمت فيها شريعة الإسلام، بلدُ العلم والتعلُّم، بلد الخيرات، بلدٌ آوت فئاتٍ من المسلمين، عاشوا في ظلِّها في أمنٍ واستقرار وطمأنينة، بلدٌ يفِد إليها الحجّاج والمعتمرون فيجدون حرمًا آمنا، رغدًا سخاءً في كلِّ نعمة، فضلٌ من الله ورحمة. بلدٌ هيَّأ الله له قيادةً ترعى شأنَه، نسأل الله لها المزيدَ من التوفيق والهداية والسّداد والعون على كلّ خير.

فيا أهلَ الإسلام، لتكن كلمةُ المسلمين واحدةً وعلى قلبٍ واحد في الدفاع عن هذا الدين وعن تعاليمه الساميةِ والأخذِ على يدِ المفسدين والعابثين والمغرَّر بهم ومن ليس لهم حظّ في العلم والتعلّم.

يا أهلَ الإسلام، إنَّ هناك فِئةً من الناس تريد زعزعةَ أمن هذه الأمّة، ليس غرَضها صحيحًا، ولا هدفها مقبولاً، ولا تصرفاتها إلاَّ دالة على ضررِ أولئك وضعفِ الإيمان أو انعدامه من قلوبهم والعياذ بالله، همُّهم التفجير والتدمير، همُّهم القتلُ والإفساد، غايتهم الخروجُ على الأئمّة وقتل الأمة والسعيُ في الأرض فسادًا.

نِعمُ الله التي يتمتَّع بها الصالحون ويدعو إلى شكرها العلماء المخلِصون ويضيق بها ذَرعًا الحاقدون الكارهون، هؤلاء تغيظهم تلك النّعم، يريدون للأمّة أن تعيشَ في فوضى وبلاء، ويأبى الله والمؤمنون ذلك.

أمةَ الإسلام، تلك فِئةٌ ضالّة مضلِّلة منحرِفة شاذّة عن الطريق المستقيم، تريد بالأمّة كيدًا، وتريد بالأمة ضررًا وفسادًا. إذًا فالواجب على الجميع تقوى الله وتضافر الجهود في سبيل الحيلولة بين أولئك وما يريدونه بالأمّة من بلاءٍ وفساد.

إنَّ الأمّةَ إذا عرفتِ الأمرَ وتدبَّرت حقيقةَ أولئك فلم يبقَ شكّ ولا ارتيابٌ في أنَّ أمرَ هذه الفئة واضحٌ للملأ، وأنه الإفساد والإضرار والسعي في الأرض فسادًا وتحقيقُ مطالب أعداء الإسلام وتسهيل المهمّة لهم، هكذا يقصدون، قومٌ غُرِّر بهم، وقومٌ تلاعب بهم الأعداءُ حتى جعلوهم وَقودًا لهذه الفتنة، وإنَّ المسلمَ ليكون حَذِرًا يقظًا، لا يغترّ بكلِّ رأيٍ وبكلّ فكر يفدِ إليه من غير أن يمحِّصه ويضعَه في الميزان العادل، فيعرف حقائقَ الأمور.

كم من مدَّعي الإصلاح والصَّلاح، وكم من مدَّعي الخير، والله يعلم ما وراء ذلك، وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنْ الْمُصْلِحِ [البقرة:220]، وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ [البقرة:206].

قومٌ ضلَّ سعيهم، وزيَّن لهم الشيطان الباطلَ فرأوه حقًّا، أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا [فاطر:8]، قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا [الكهف:103، 104].

قتلُ الأبرياء بلا سبب، سفكُ دماءِ رجالِ الأمن بلا سببٍ يدعو إليه، وإنما هو الحِقد الدَّفين ومحاولةُ إلحاق الأذى بالأمة، ولكنّ الله بالمرصاد لكل من يريد الشرَّ والبلاء، وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ [فاطر:43].

إنّ الأمةَ يجب أن تكونَ حذِرةً، وأن تأخذَ عبرةً من هنا وهناك، كم من أناسٍ يعيشون في فوضى وبلاء، عجزوا أن يحقِّقوا لمجتمعاتهم أمنًا، خيراتٌ في الأرض وخيرات متعدِّدة، لكن والعياذ بالله أُلبِسوا شيَعًا وصار بعضهم عدوًّا لبعض.

إنَّ الفردَ المسلم يَدين لله بالمحبَّة لهذا الدين وأهله ومولاةِ المسلمين ودفعِ الأذى عنهم بكلِّ مستطاع، ومَن يرضى بالأذى للمسلم فإنَّ ذلك مخالفٌ لتعاليم الإسلام، وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا [الأحزاب:58].

إنَّ سفكَ الدماء كبيرةٌ من كبائر الذنوب، عظيمةٌ من العظائم، جريمة من الجرائم، لا يستحلُّ دمَ امرئ مسلم إلاَّ من فارقَ الإيمانَ والعياذ بالله، فإنَّ المؤمنَ حقًّا يعظِّم دماءَ الأمة ويحفظها، و((لا يزال العبدُ في فسحة من دينه ما لم يصب دمًا حرامًا))[1]، ولا يزال المرء في فسحة من دينه ما لم يسفِك دمًا حرامًا.

فليتَّق اللهَ أولئك، وليتوبوا إلى الله من جُرمِهم، وليندَموا على ما مضى، وليعزموا أن لا يعودوا إلى تلك الجرائمِ والخطرات، وليعلَموا أن اللهَ مُجازٍ كلاً بما عمل، وأن أوّلَ ما يقضي به بين العباد من حقوقهم الدماءُ يوم القيامة، أوّل ما يُنظَر في العباد في قضاياهم يومَ القيامة الدماء، فحافظوا ـ رحمكم الله ـ على أرواح أمَّتكم، وصونوا بلادَكم، واحذروا من أولئك المفسدين، وإياكم أن تكونوا أعوانًا لهم أو متعاطفين معهم أو مسوِّغين لهم فعلَهم أو متأوِّلين لهم، فإنَّ الأمرَ واضحٌ جليّ لا يرتاب فيه مسلم، أنّ هذا إفساد وفسادٌ، وليس لهم أيّ مبرِّر ولا تأويل، ولكنه الخطأُ الواضح والجُرم الكبير.

نسأل الله أن يحفَظَ بلادَ المسلمين من كلِّ سوء، وأن يعيذَنا وإيّاكم من الشرّ والفساد، وأن يمنحَنا الاستقامة والثباتَ على الحقّ، وأن يعيذنا من زوال نعمته ومن تحوُّل عافيته ومن فُجاءة نقمته، وأن يهديَ ضالّ المسلمين ويبصِّر جاهلَهم ويوقِظ غافلهم ويدلَّهم على الخير والهدى، إنّه على كل شيء قدير.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كلّ ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.




[1] أخرجه البخاري في الديات (6862) عن ابن عمر رضي الله عنهما.

الخطبة الثانية

الحمد لله حمدًا كثيرًا طيّبًا مباركًا فيه كما يحبّ ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.

أمّا بعد: أيّها الناس، اتّقوا الله تعالى حقَّ التقوى.

عبادَ الله، يقول : ((من أصبح آمنًا في سِربه معافًى في بدنِه عنده قوتُ يومه وليلته فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها))[1].

إذًا فالأمنُ نعمة، ((من أصبح آمنًا في سربه)): آمنًا على دينه، آمنًا على أهله، آمنًا على نفسه، آمنًا على ماله، فكأنما أعطِيَ الدنيا بأسرها؛ لأنّ هذا الأمنَ هو نعمةٌ من أجلِّ نعَم الله على عبده، وسلْبها والعياذ بالله عقوبةٌ من الله على العباد، وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ [النحل:112].

أمّةَ الإسلام، نعمةُ الأمنِ مُهمَّتها ليست موكولةً فقط إلى الجنديّ المسلم، ولا إلى جنديٍّ أو أمير أو وزير، ولكنّها مسؤولية الأفراد كلِّهم على اختلافِ مسؤوليّاتهم، فهي مسؤوليّة الجميع، ذلك أنَّ الأمنَ ينتفع به الجميع، وإذا غُيِّر والعياذ بالله انضرَّ به الجميع، فكما أنه أنا وأنت ننتفِع بهذا الأمن ونرعى هذا الأمن، إذا سلِب والعياذ بالله صار الضررُ على الجميع، إذًا فلمّا كان الانتفاع به عامًّا والتضرّرُ بضدِّه عامًّا كان مسؤوليّة كلِّ فردٍ مسلم أن يسعَى في تحقيق هذا الأمن، وأن لا يتعاطفَ مع أيِّ مجرم وأيِّ مفسد، وأن يعلمَ أنّ أولئك لم يريدوا بأمّتهم خيرًا، وإنما هم دُمًى تسخِّرُهم الأعداء، وتسيِّرهم كيف يشاؤون، ويخطِّطون لهم، وينفّذ أولئك مرادَ أعداءِ الإسلام، إمّا أن يتستَّروا باسم الدين أو باسم الغَيرة وباسم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والله يعلم ما وراء ذلك من الشرِّ والفساد.

أيّها المسلم، طبقاتُ المجتمع كلّها واجبٌ عليهم النهوضُ بمسؤوليّتهم، والوقوف أمام هذه التحدِّيات بقلوبٍ ثابتة ونفوس مطمأنّة وصِدقٍ وأمانة في تحمُّل المسؤولية.

أيتها المعلّمة الكريمة، أيّها المعلم الكريم، هذا واجبُك أن تتَّقيَ الله وتبصِّر للتلاميذ أمامك من مراحلِ التعليم المختلِفة تبصِّرهم بحقيقة الأمر، وتجعلُ من درسك توعيةً لهم تكشِف عنهم اللبسَ، وتوضِح لهم الحقيقة، وتبيِّن لهم أنَّ هذه الفتنَ والمصائب ما أراد بها الأعداء إلاّ شرًّا.

فيا أيّها المعلِّم، اتَّق الله، وليكن عندك توعيةٌ لشباب المسلمين، وتحذير لهم وإنقاذٌ لهم من الشرّ، وإذا سمعتَ عن شبهةٍ لدى أحدهم، فأزِل تلك الشبهةَ عنه، وبيِّن له حقيقة الأمر وأوضِح له السبيل.

أيتها المعلِّمة، إنَّ واجبَك أمام الفتيات أن تعلّميها الخير، وتنشُري بينهنّ الدعوةَ إلى الخير والتحذير من أولئك وأمثالهم.

خطباءُ المساجد أئمة الجوامع واجبهم بينَ كلِّ آنٍ وحين أن يعرّفوا العبادَ نعمَ الله، ويوصوهم باجتماع الكلمة وتآلُف القلوب، وأن يحذِّروا المجتمعَ من دُعاة الفُرقة والاختلاف، من دعاة الفتنة والبلاء.

واجبُ الجميع رجالِ الإعلام مِن صحافةٍ وغيرها، يجب أن تكونَ صحافتُنا تخدم مبدأنا وهدفَنا الإسلاميّ، وأن ننشرَ فيها باعتدال كيف نعالج هذه الجريمة، وكيف السعيُ في تحجيم هذه الجريمة، ونوضِح للقارئ الخطواتِ التي ينبغي أن يتّخذوها ويسيروا عليها في سبيل مكافحة هذه الجريمة.

عمداءَ الأحياء ورجالَ القبائل وكلّ فرد من هذا المجتمع المسلم، يجب أن يكونَ يقِظًا حذِرًا ناصحًا لله وكتاب الله ورسوله ولأئمّة المسلمين وعامّتهم، أن يكونَ لدى الجميع توعيةٌ صادقة ونصيحة خالِصة، نحذِّر فيها الأمّة من هذه البلايا ومن هذه الأباطيل، فعسى الله أن يجعلَ في ذلك خيرًا، فإنّ الأمةَ إذا تكاتفت وتعاونت على البرِّ والتقوى نجَحَت بتوفيق الله، ألم تسمعوا الله يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلا تَتَنَاجَوْا بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ [المجادلة:9]؟!

احذَروا أن تكونَ مجتمعاتُكم في أماكنِ استراحاتكم يسودُها التناجي بالباطل والفساد، ليكن التناجي على الخير وما فيه خدمةُ الأمّة والسعي في تخليصها من هذه الوبالات العظيمة، وليحذَر الآباء والأمّهات أن يؤتَى شبابُهم من حيث لا يعلمون، وليسألوهم عن أيِّ مكانٍ ذهبوا، وأين ذهبوا، ومن التقَوا به، ليكونَ الجميع أعوانًا على البر والتقوى، لنغلقَ على أولئك كلَّ المنافذ، ونقطَع عنهم خطّ الرجعة، حتى لا يكونَ لهم في بلادنا أرضيّة ينطلقون منها، بل نكون على حذَرٍ لأنّ هذه نعمة الله التي نرعاها، ورعاها آباؤنا من قبلُ في أمانٍ واستقرار، ولكن تلك الحوادث التي فاجأتنا لا عِلمَ لنا بها ولله الحمد، وليست من أرضِنا ولا من طبيعةِ أمَّتنا، ولكنها من كيدِ الأعداء، فنسأل الله أن يبصِّر شبابَنا وأن يرزقَهم الفهمَ الصحيح لدينهم، حتى يحذروا من تلك المكائد، ويستقيموا على الهدى، ويقوموا بما أوجب الله عليهم، ولا شكَّ أنَّ للذنوب والمعاصي آثارًا في حصول ما حصل، وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [الشورى:30]، ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ [الروم:41].

فالواجب على الجميع تقوى الله وإصلاحُ الأخطاء والسعي فيما يجمع الكلمة ويوحِّد الشمل، وإنّ الأمة لا نجاةَ لها ولا سعادةَ لها في الدنيا والآخرة إلاَّ إذا لجأت لربها، وتمسَّكت بدينها، وتمسّكت بعقيدتها الصحيحة علمًا وعملاً، وابتعدت عن كلِّ ما يثير الفتنةَ ويُسبِّب المشاكل، فإنّ التمسّك بهذا الدين والاعتصامَ بهذا الدين سببُ الخير والصلاح، يقول : ((وإني تاركٌ فيكم ما إنِ اعتصمتم به لن تضلّوا بعدي: كتاب الله))[2]، فكتابُ الله عِصمةٌ لنا من كلّ سوء، عصمة لنا من كلّ بلاء، عونٌ لنا على أعدائنا، سلاحٌ ماضٍ ضدَّ أعدائنا.

إن تمسّكنا بهذا الدين التمسّكَ الصحيح علمًا وعملاً وعلمَ الله منّا ذلك فإنَّ الله أكرمُ الأكرمين لا يغيِّر نعمَه على العباد حتى يكونَ العباد هم السبَب في زوالها، ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ [الأنفال:53]، فإذا غيَّر العبادُ نعمةَ الله بكفرها وغيَّروا دينَ الله بالتهاون والتساهل غيَّر الله عليهم نعمتَه، وإذا التجأ العبادُ إلى الله ووثِقوا بالله وحكَّموا شرعَ الله وأقاموا دينَ الله وتآمروا بالمعروف وتناهَوا عن المنكر فإنّ الله جل وعلا سينصُرُهم ويؤيِّدهم، فالأمر بالمعروف والنهيُ عن المنكر صمامُ أمانِ هذه الأمة، يحفظها من كَيد الكائدين، ويأخذ على أيدي المفسدين، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر متى ما قوِي جانبه وعظُم شأنه وتفاعل في المجتمع ففيه الحمايةُ بتوفيقٍ من الله؛ لأنّ دينَ الله هو السببُ في أمن الأمّة وسلامتها وثباتها.

نسأل الله الاستقامةَ على الهدى، وأن يعيذَنا من شرور أنفسنا ومن سيّئات أعمالنا، وأن يردَّنا ردًّا جميلاً، وأن يجعلنا وإيّاكم ممَّن عَرف الحقَّ واتبعه، وعرف الباطل فاجتنبه، إنه وليّ ذلك والقادر عليه.

واعلَموا ـ رحمكم الله ـ أنّ أحسنَ الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ، وشرّ الأمور محدثاتها، وكلّ بدعة ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين، فإنّ يد الله على الجماعة، ومن شذّ شذّ في النار.

وصلّوا ـ رحمكم الله ـ على عبد الله ورسوله محمّد كما أمركم بذلك ربكم، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].

اللهمّ صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين...

[1] أخرجه البخاري في الأدب المفرد (300)، والترمذي في الزهد، باب: التوكل على الله (2346)، وابن ماجه في الزهد، باب: القناعة (4141)، والحميدي في مسنده (439) من حديث عبيد الله بن محصن الأنصاري رضي الله عنه، قال الترمذي: "حديث حسن غريب"، وله شواهد من حديث أبي الدرداء وابن عمر وعلي رضي الله عنهم، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (2318).

[2] أخرجه مسلم في كتاب الحج، باب: حجة النبي (1218) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما بنحوه.
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى