بنت عائشه
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
الديمقراطية التي طالما ينادى بها الغرب ماهي إلا (شماعة) لاحتلال دول بأكملها "
" عن أي سلام يتحدث هؤلاء وقد نُقش على عملتهم المتداولة في كل البنوك العالمية خريطة ما يسمى بـ"إسرائيل الكبرى"
" التنازلات المقدمة من الطرف العربي تتعلق بقضايا مصيرية تُقابَل بقضايا وهمية من قبل الكِيان الصهيوني ".
مرفت عبدالجبار _جدة
لا تزال غزة ترزح تحت وطأة الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1967م إلى يومناالحاضر، مع التصعيد المتجدد على مدار الساعة عبر الهجمات على المباني والمستشفيات، وهدم البيوت على رؤوس أصحابها، وقطع الكهرباء، ومنع الأدوية، وغيرها من صور الإجرام الإسرائيلي على فلسطين عامة وقطاع غزة خاصة في صمت دولي وعربي مطبق ومريب أمام ما يجري، والضحية هو الشعب الفلسطيني الصامد بشيوخه وشبابه وأطفاله وأرواح شهدائه والمرابطين، أسباب هذا الحصار الآثم وما يتعلق به من أحداث نناقشها مع الكاتب والمهتم بالشأن الفلسطيني الأستاذ والكاتب المعروف زياد بن عابد المشوخي (ماجستير فقه وأًصوله، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية).
(الحصار والعقوبة الجماعية)
- لماذا هذا الحصار المفروض على غزة؟ ومن الذي يذكي ناره؟
الحصار المفروض على قطاع غزة اليوم هو حصار تاريخي؛ لأن الذي يُحاصر اليوم قرابة المليون ونصف المليون مسلم على مرأى ومسمع العالم كله، والأدهى والأمر أن هذا الحصار جاء ردة فعل على نتائج الانتخابات، وعملية الديمقراطية التي طالما تنادى بها الغرب وأمريكا، وجعل منها (شماعة) لاحتلال دول بأكملها، ومحاصرة أنظمة وإسقاطها، وإصدار قرارات إدانة ضدها، بدعوى أنها لا تمارس الديمقراطية، فلما مورست هذه الديمقراطية في فلسطين وأفرزت فوز حركة المقاومة الإسلامية (حماس) كانت هذه العقوبات الجماعية، وهي في حقيقتها غير مقتصرة على قطاع غزة – أعني العقوبات – بل هي ممتدة إلى الضفة الغربية بممارسات الاحتلال أو ممارسات أطراف أخرى ارتضت أن تكون معه.
ولا شك أن الاحتلال يتحمل ابتداءً المسؤولية عن هذا الحصار، وهذا لا يعفي الأطراف الأخرى التي تواطأت معه علانية أو سراً أو حتى بمجرد صمتها عما يجري، ولن تكون نتائج هذا الحصار إلا التعجيل بنهاية الاحتلال وفضحه، وكشف حقيقته التي أخبرنا الله عز وجل عنها بقوله: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا...}(المائدة: 82).
(الوقوف موقف المتفرج)
- البعض يرى أن الحديث عن غزة تدخل في الشأن الفلسطيني؟
ما يجري في فلسطين بشكل عام وفي قطاع غزة بشكل خاص لا ينبغي النظر إليه على أنه شأن داخلي، بل هي قضية تعني كل مسلم بل كل إنسان، ولو كان ما يجري من حصار وظلم على غير المسلمين لحق لنا أن ننصرهم لكونهم مظلومين، فكيف الحال وهم إخوة لنا في العقيدة. أكان أهل الجاهلية الأولى أكثر نخوة ومروءة وشهامة من الكثيرين اليوم؟! ألم يلبس زهير بن أبي أمية حلة، وطاف بالبيت سبعًا، ثم أقبل على الناس - بعد أن عزم على نقض صحيفة حصار النبي الكريم وصحبه في شعب أبي طالب- فقال: يا أهل مكة، أنأكل الطعام، ونلبس الثياب، وبنو هاشم هلكى، لا يباع ولا يبتاع منهم؟ والله لا أقعد حتى تشق هذه الصحيفة القاطعة الظالمة.
كما لا يمكننا النظر إلى ما يجري بمعزل عما يقع في المنطقة وما يراد لها من " فوضى خلاقة" بحسب تعبير "رايس"، بل على العكس ينبغي أن يدرك الجميع أن المقاومة في فلسطين قد أحالت تلك المخططات ومخططات الكيان الصهيوني لإقامة ما يسمى بــ" إسرائيل الكبرى" إلى هباء منثور، وهذا بفضل الله عز وجل ثم ثباتها وصبرها وتضحياتها، وعملية توازن الرعب التي أوجدتها من خلال صواريخ القسام وغيرها من الوسائل، ويكفي لنا لندرك مدى تأثيرها أن الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر - مهندس كامب ديفيد - طالب المقاومة أن توقف الصواريخ مدة 30 يوماً فقط بعدها يتم التفاوض على الهدنة، في حين نجد من بني جلدتنا من يصفها بالعبثية وغيرها من الأوصاف!
(مؤتمرات أم تطبيع؟)
- هل المؤتمرات التي تعقد تُقدم حلاً فعلياً للقضية الفلسطينية أم هي امتداد لخدمة أمريكا وإسرائيل " أنابولس " مثالاً؟
يكفي لنا أن نعلم أنه منذ مؤتمر (أنابولس) تضاعفت الاعتداءات الصهيونية لتصل إلى أكثر من 300%، هذه المؤتمرات لا تحمل في حقيقتها من السلام سوى رسم الكلمة (السلام) مفرغة من المضمون تماماً، لتعني عملياً في قاموس الشعوب الإسلامية وذاكرتهم: التنازل والتطبيع والاستسلام.
الكيان الصهيوني يشارك في هذه المؤتمرات هربًا من المواجهة مع المقاومة والتفافاً عليها، والتنازلات المقدمة من الطرف العربي تتعلق بقضايا مصيرية تُقابَل بقضايا وهمية وشكلية من قبل الكِيان.
بل حتى المبادرة العربية للسلام رفضها الصهاينة، على الرغم من أنها تمثل السقف الأدنى، فالأفعال الصهيونية على أرض الواقع تنسف كل شيء، وتمضي بخط متوازٍ مع ما أخبرنا به الله -عز وجل- عن أفعالهم وأخلاقهم وجرائمهم {كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}(المائدة: 64)، {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}(آل عمران: 75).
عن أي سلام يتحدث هؤلاء والحفريات تحيط بالمسجد الأقصى! عن أي سلام يتحدث هؤلاء والمجازر اليومية والاجتياحات والاغتيالات لم تتوقف! عن أي سلام يتحدث هؤلاء وقد نُقش على عملتهم المتداولة في كل البنوك العالمية خريطة ما يسمى بـ"إسرائيل الكبرى" لتشمل الدول التالية: فلسطين والأردن ولبنان وسوريا والكويت كاملة وأجزاء من مصر والعراق والسعودية، فهل بقي مجالٌ للحديث عن الأمن القومي العربي؟! إن دعم المقاومة ليس حماية للحق الفلسطيني، بل لحقوق المسلمين في تلك الأرض وذلك المسجد، وحماية للدول العربية من الأطماع الصهيونية القادمة.
(بين المقاومة والصهاينة)
- من يملك القرار المؤثر الممسك بزمام الأمور على الأرض اليوم؟
أدرك الصهاينة اليوم أن مشروعهم لإقامة ما يسمى بـ"إسرائيل الكبرى" بدأ ينهار، ويوماً بعد يوم بدأت الأوراق تتكشف عن حقيقة الكيان العنصري، فهو اليوم يطالب الدول العربية بالاعتراف بيهودية الدولة، وهو ما صادق عليه الكونجرس الأمريكي في قرار يؤكد أن "إسرائيل" هي الوطن لكل الشعب اليهودي، على الرغم من أن القرار يخالف قرارات الأمم المتحدة التي تعتبر "إسرائيل" محتلة على الأقل للأراضي التي استولت عليها عام 1967م.
إن القرار الحقيقي والمؤثر على الأرض هو قرار المقاومة بتنفيذ عملية هنا أو هناك؛ لأنها تمثل الاستجابة لأوامر الله عز وجل، ثم لصرخات المستضعفين: {وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً}(النساء:75)، أما تلك المؤامرات والميزانيات فستنهار بإذن الله: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ}(لأنفال:36).
(إعلام الواقع والضمير الحي)
- أين الإعلام العربي عما يجري في غزة؟
تتحمل وسائل الإعلام العربية المسؤولية عن تغييب قضايا الأمة وعدم التفاعل معها، والعجيب أننا في الوقت الذي نجد فيه بعض الصحف الغربية تتعاطف مع حصار غزة والوضع الإنساني المأساوي فيها، نجد أن بعض الصحف والقنوات العربية لا تقف عند حد التجاهل لما يجري، بل تلقي باللائمة بشكل أو بآخر على الضحية، فكم هي الساعات التي تخصصها الفضائيات للأغاني والأفلام ونحوها من البرامج؟ وكم هي لا أقول الساعات بل الدقائق المخصصة لقضية مسرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي يتعرض اليوم للحفريات وإزالة وتغيير المعالم؟ وأين تلك الوسائل من قضية القدس التي تتعرض لعملية التهويد والمحاصرة بالمغتصبات؟ بل حتى بعض القنوات والمواقع الهادفة لم تعطِ القضية حقها من الاهتمام؛ لذا فإن علينا كأفراد أن نخاطب تلك الوسائل الإعلامية والمسؤولين فيها عبر مراسلتها أو الاتصال بها وزيارتها، ولعل هذه المخاطبة والزيارات تصحح مسار تلك الوسائل أو تخفف من شرها.
(الحصار بين الثوابت والتنازل)
- الابتلاءات تحيط بغزة من كل جانب، حتى أن بعض المستشفيات أوصدت أبوابها ومُنع الوقود وقُطع التيار الكهربائي إلا أن الشعب الفلسطيني لا يزال " صامداً "، ما السر؟
لا شك أن الابتلاءات عظيمة، والطريق شاق، وهذه معركة بين الحق والباطل، ولكن الشعب الفلسطيني المسلم عرف طريقه إلى العزة والكرامة، وذاق طعمها بعد انسحاب الاحتلال من قطاع غزة وتفكيك المغتصبات، وهو لن يتنازل عن ثوابته مهما كان الثمن، ولو كان ما يحدث من حصار وتجويع في ظل أي حكومة غير الحكومة الحالية لانهارت منذ البداية، ولكن الشعوب الإسلامية تقف مع من يحفظ لها حقوقها ويدافع عن دينها ومقدساتها.
ظن الصهاينة ومن معهم أنه بتلك المجازر والحصار ستتوقف المقاومةُ ويذعن الشعب المسلم، ولكن الذي يجري على أرض الواقع هو ما يلخصه قول الجنرال (شلومو غازيت) الرئيس الأسبق لشعبة الاستخبارات العسكرية الصهيونية في مقال نشرته صحيفة (معاريف): "إن الجمهور الفلسطيني لن ينقض على حركات المقاومة، ولن يثور ضد حكومة حماس، بل سيهب للانتقام من "إسرائيل"، خلافًا للهدف المنشود من العقوبات الاقتصادية الجماعية على الفلسطينيين. واعتبر غازيت أن اتخاذ قرار فرض العقوبات يمثل قصورًا في أداء القيادة "الإسرائيلية"، ويدلل على عجزها عن رؤية الصورة كاملة.
إنها النتائج العكسية للمخططات والمؤامرات؛ ما جعل بعض المحللين الصهاينة يعبرون عن حالة اليأس بالقول: "إن الكيان الصهيوني اغتال عرفات لإنجاح مشروع الرئيس عباس، فخرج هذا المشروع بحكومة حماس, وحاولت الحكومة الصهيونية القضاء على حكومة حماس, فخرجت دولة حماس في غزة!".
(التجزئة والواقع)
- في مقالاتك عن الشأن الفلسطيني دائماً ما تلجأ للفأل، هل هو تغييب للواقع أم تغاض عن الحقيقة؟
الأمة الإسلامية موعودة بالنصر في كل مكان، إلا في فلسطين فإنها موعودة بنصر خاص، قال صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود؛ فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي وراء الحجر والشجر؛ فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم، يا عبد الله، هذا يهودي خلفي؛ فتعال فاقتله، إلا الغرقد؛ فإنه من شجر اليهود) أخرجه مسلم، وهي دعوة لنا للعمل والثبات.
وقد أخبرنا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أن فلسطين حاضرة الخلافة الإسلامية في آخر الزمان: عن أبي حوالة الأزدي - رضي الله عنه - قال: وضع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده على رأسي - أو على هامتي- ثم قال: (يا ابن حوالة، إِذَا رَأَيْتَ الْخِلَافَةَ قَدْ نَزَلَت الأَرْضَ الْمُقَدَّسَة فَقَدْ دَنَت الزَّلازِلُ وَالْبَلابِلُ وَالأُمُورُ الْعِظَامُ، وَالسَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِن النَّاسِ مِنْ يَدِي هَذِهِ مِنْ رَأْسِكَ)، أخرجه أحمد وأبو داود.
علاوة على تلك الأدلة الشرعية وغيرها وهي وحدها بلا شك كافية للتفاؤل، فإننا نرى اليوم من الانتصارات والإنجازات التي تتحقق على أرض الواقع، ما يبعث في النفوس الأمل، ويشحذ الهمم، ويقوي العزائم، للمضي في طريق الجهاد والمقاومة، حتى عودة الحقوق والمقدسات.
إلا أن الكثير من وسائل الإعلام تقرأ الواقع قراءة جزئية، فهي تقرأ عملياً {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ} ولا تكمل العمل ببقية الآية لندرك حقيقة الأمر {فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ}، أما العاقبة {وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً}(النساء:104) أن الكيان الصهيوني يعاني.
إن الأرقام والإحصائيات تتحدث عن هجرة عكسية من الكيان، أذكر من بين الإحصائيات - وهي مؤشر- أن استطلاعا للرأي أظهر أن 70% من سكان الكيان سيكونون سعداء لو عاش أبناؤهم خارج "إسرائيل"، وفي إحصائيات أخرى تبين أن مليوني مواطن صهيوني يحمل جواز سفر آخر، بمعنى أنه قد أعد العدة عملياً للمغادرة.
منذ نشأة الكيان الصهيوني صرح مؤسسه (ديفد بن غوريون) بأن أول هزيمة لهذا الكيان ستكون نهايته، لم تكن هذه المقولة مجرد توقع، بل هي إدراك منه لطبيعة ونفسية اليهود القائمة على الفساد والعلو، فتكون النتيجة أن الهزيمة على يد من يحتقرونه ويتعالون عليه لها أبعادها العميقة داخل الكيان ولها آثارها السلبية عليه، ولذا فإنهم يهزمون في كل يوم مع كل عملية للمقاومة، ولولا الدعم الخارجي لانهار الكيان، ولتحققت مقولة المؤسس الذي أعاد ترديدها الجنرال (غال هيرش) بعد حرب لبنان بقوله: "أي حرب جديدة تخوضها "إسرائيل" قد تكون الأخيرة"، ومن يدري متى يكون ذلك {وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً}(الإسراء: 51).
(البيت الفلسطيني ولعبة الشطرنج)
- الصراع بين حماس وفتح والمشاكل الداخلية إلى أين ومن أجل من؟
من وجهة نظري لا يوجد صراع حقيقي بين حركة حماس وحركة فتح أو غيرهما من الفصائل، وحقيقة الصراع اليوم هو بين مشروعين.
المشروع الأول: مشروع المقاومة والتمسك بالحقوق والثوابت وعلى رأسها القدس وعودة اللاجئين وعدم الاعتراف بالكيان.
والمشروع الثاني: مشروع التسوية والتنازلات والاستسلام.
ولذلك فإن شخصيات كبيرة داخل حركة فتح انحازت علانية للمشروع الأول، وليس من المبالغة القول: إن الشعوب الإسلامية في كل مكان انحازت للمشروع الأول، بعد أن جربت مشروع التسوية والمفاوضات طوال السنوات الماضية، ولم تأتِ لها إلا بالويلات، ولم تلق من الكيان سوى الغدر والانتهاكات، كيف لا وقد أخبرنا الحكيم الخبير بحالهم بقوله تعالى: {أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ}(البقرة:100).
- الكلمة لك.
أشكر... إتاحة هذه الفرصة للحديث حول قضية فلسطين المباركة، كما أني أؤكد أن تلك الأرض حق لكل مسلم، كل واحد منا له حق في تلك الأرض، ألم يقل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا)، والحديث في الصحيحين، وطالما أننا اليوم لا نستطيع أن نشد الرحال، فهلا سمعنا وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لميمونة - رضي الله عنها- حين قالت: يا رسول الله! أفتنا في بيت المقدس؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (أرض المحشر والمنشر)، وفي رواية أبي داود: (ائتوه فصلوا فيه - وكانت البلاد إذ ذاك حربًا– فإن لم تأتوه وتصلوا فيه، فابعثوا بزيت يُسرج في قناديله). رجاله ثقات، وقواه النووي في "المجموع"، وصححه الألباني.
فعلينا أن نبعث لإخواننا المرابطين بكل ما نستطيع لتثبيتهم وتقويتهم ولندافع عن ديننا ومقدساتنا وأنفسنا، فأولئك الذين يجودون بأنفسهم في سبيل الله من حقهم علينا وواجبنا تجاههم أن نقف معهم، وستأتي أجيال من المسلمين تتمنى أن لو أدركت زماننا هذا لتشارك في شرف تحرير بيت المقدس.
إن الاحتلال الصهيوني سيدفع ثمن هذه الجرائم اليومية، وإن الواجب على كل فرد من الأمة - كل بحسب إمكاناته وقدراته- أن يساعد على فك الحصار عن غزة ونصرة أهلها، وإني لا أخشى على إخواننا في غزة ولا على مسرى رسولنا الكريم، إنما أخشى على أنفسنا أن نخذلهم فيصيبنا ما رُوِي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من قوله: (ما من امرئ يخذل امرأ مسلمًا في موضع تُنتهك فيه حرمتُه وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته، وما من امرئ ينصر مسلمًا في موضع ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب نصرته)، أخرجه الإمام أحمد في مسنده، وأبو داود.
في حوار مع الكاتب الشيخ زياد المشوخي : عن أي سلام يتحدث هؤلاء؟!
مرفت عبدالجبار
" عن أي سلام يتحدث هؤلاء وقد نُقش على عملتهم المتداولة في كل البنوك العالمية خريطة ما يسمى بـ"إسرائيل الكبرى"
" التنازلات المقدمة من الطرف العربي تتعلق بقضايا مصيرية تُقابَل بقضايا وهمية من قبل الكِيان الصهيوني ".
مرفت عبدالجبار _جدة
لا تزال غزة ترزح تحت وطأة الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1967م إلى يومناالحاضر، مع التصعيد المتجدد على مدار الساعة عبر الهجمات على المباني والمستشفيات، وهدم البيوت على رؤوس أصحابها، وقطع الكهرباء، ومنع الأدوية، وغيرها من صور الإجرام الإسرائيلي على فلسطين عامة وقطاع غزة خاصة في صمت دولي وعربي مطبق ومريب أمام ما يجري، والضحية هو الشعب الفلسطيني الصامد بشيوخه وشبابه وأطفاله وأرواح شهدائه والمرابطين، أسباب هذا الحصار الآثم وما يتعلق به من أحداث نناقشها مع الكاتب والمهتم بالشأن الفلسطيني الأستاذ والكاتب المعروف زياد بن عابد المشوخي (ماجستير فقه وأًصوله، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية).
(الحصار والعقوبة الجماعية)
- لماذا هذا الحصار المفروض على غزة؟ ومن الذي يذكي ناره؟
الحصار المفروض على قطاع غزة اليوم هو حصار تاريخي؛ لأن الذي يُحاصر اليوم قرابة المليون ونصف المليون مسلم على مرأى ومسمع العالم كله، والأدهى والأمر أن هذا الحصار جاء ردة فعل على نتائج الانتخابات، وعملية الديمقراطية التي طالما تنادى بها الغرب وأمريكا، وجعل منها (شماعة) لاحتلال دول بأكملها، ومحاصرة أنظمة وإسقاطها، وإصدار قرارات إدانة ضدها، بدعوى أنها لا تمارس الديمقراطية، فلما مورست هذه الديمقراطية في فلسطين وأفرزت فوز حركة المقاومة الإسلامية (حماس) كانت هذه العقوبات الجماعية، وهي في حقيقتها غير مقتصرة على قطاع غزة – أعني العقوبات – بل هي ممتدة إلى الضفة الغربية بممارسات الاحتلال أو ممارسات أطراف أخرى ارتضت أن تكون معه.
ولا شك أن الاحتلال يتحمل ابتداءً المسؤولية عن هذا الحصار، وهذا لا يعفي الأطراف الأخرى التي تواطأت معه علانية أو سراً أو حتى بمجرد صمتها عما يجري، ولن تكون نتائج هذا الحصار إلا التعجيل بنهاية الاحتلال وفضحه، وكشف حقيقته التي أخبرنا الله عز وجل عنها بقوله: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا...}(المائدة: 82).
(الوقوف موقف المتفرج)
- البعض يرى أن الحديث عن غزة تدخل في الشأن الفلسطيني؟
ما يجري في فلسطين بشكل عام وفي قطاع غزة بشكل خاص لا ينبغي النظر إليه على أنه شأن داخلي، بل هي قضية تعني كل مسلم بل كل إنسان، ولو كان ما يجري من حصار وظلم على غير المسلمين لحق لنا أن ننصرهم لكونهم مظلومين، فكيف الحال وهم إخوة لنا في العقيدة. أكان أهل الجاهلية الأولى أكثر نخوة ومروءة وشهامة من الكثيرين اليوم؟! ألم يلبس زهير بن أبي أمية حلة، وطاف بالبيت سبعًا، ثم أقبل على الناس - بعد أن عزم على نقض صحيفة حصار النبي الكريم وصحبه في شعب أبي طالب- فقال: يا أهل مكة، أنأكل الطعام، ونلبس الثياب، وبنو هاشم هلكى، لا يباع ولا يبتاع منهم؟ والله لا أقعد حتى تشق هذه الصحيفة القاطعة الظالمة.
كما لا يمكننا النظر إلى ما يجري بمعزل عما يقع في المنطقة وما يراد لها من " فوضى خلاقة" بحسب تعبير "رايس"، بل على العكس ينبغي أن يدرك الجميع أن المقاومة في فلسطين قد أحالت تلك المخططات ومخططات الكيان الصهيوني لإقامة ما يسمى بــ" إسرائيل الكبرى" إلى هباء منثور، وهذا بفضل الله عز وجل ثم ثباتها وصبرها وتضحياتها، وعملية توازن الرعب التي أوجدتها من خلال صواريخ القسام وغيرها من الوسائل، ويكفي لنا لندرك مدى تأثيرها أن الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر - مهندس كامب ديفيد - طالب المقاومة أن توقف الصواريخ مدة 30 يوماً فقط بعدها يتم التفاوض على الهدنة، في حين نجد من بني جلدتنا من يصفها بالعبثية وغيرها من الأوصاف!
(مؤتمرات أم تطبيع؟)
- هل المؤتمرات التي تعقد تُقدم حلاً فعلياً للقضية الفلسطينية أم هي امتداد لخدمة أمريكا وإسرائيل " أنابولس " مثالاً؟
يكفي لنا أن نعلم أنه منذ مؤتمر (أنابولس) تضاعفت الاعتداءات الصهيونية لتصل إلى أكثر من 300%، هذه المؤتمرات لا تحمل في حقيقتها من السلام سوى رسم الكلمة (السلام) مفرغة من المضمون تماماً، لتعني عملياً في قاموس الشعوب الإسلامية وذاكرتهم: التنازل والتطبيع والاستسلام.
الكيان الصهيوني يشارك في هذه المؤتمرات هربًا من المواجهة مع المقاومة والتفافاً عليها، والتنازلات المقدمة من الطرف العربي تتعلق بقضايا مصيرية تُقابَل بقضايا وهمية وشكلية من قبل الكِيان.
بل حتى المبادرة العربية للسلام رفضها الصهاينة، على الرغم من أنها تمثل السقف الأدنى، فالأفعال الصهيونية على أرض الواقع تنسف كل شيء، وتمضي بخط متوازٍ مع ما أخبرنا به الله -عز وجل- عن أفعالهم وأخلاقهم وجرائمهم {كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}(المائدة: 64)، {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}(آل عمران: 75).
عن أي سلام يتحدث هؤلاء والحفريات تحيط بالمسجد الأقصى! عن أي سلام يتحدث هؤلاء والمجازر اليومية والاجتياحات والاغتيالات لم تتوقف! عن أي سلام يتحدث هؤلاء وقد نُقش على عملتهم المتداولة في كل البنوك العالمية خريطة ما يسمى بـ"إسرائيل الكبرى" لتشمل الدول التالية: فلسطين والأردن ولبنان وسوريا والكويت كاملة وأجزاء من مصر والعراق والسعودية، فهل بقي مجالٌ للحديث عن الأمن القومي العربي؟! إن دعم المقاومة ليس حماية للحق الفلسطيني، بل لحقوق المسلمين في تلك الأرض وذلك المسجد، وحماية للدول العربية من الأطماع الصهيونية القادمة.
(بين المقاومة والصهاينة)
- من يملك القرار المؤثر الممسك بزمام الأمور على الأرض اليوم؟
أدرك الصهاينة اليوم أن مشروعهم لإقامة ما يسمى بـ"إسرائيل الكبرى" بدأ ينهار، ويوماً بعد يوم بدأت الأوراق تتكشف عن حقيقة الكيان العنصري، فهو اليوم يطالب الدول العربية بالاعتراف بيهودية الدولة، وهو ما صادق عليه الكونجرس الأمريكي في قرار يؤكد أن "إسرائيل" هي الوطن لكل الشعب اليهودي، على الرغم من أن القرار يخالف قرارات الأمم المتحدة التي تعتبر "إسرائيل" محتلة على الأقل للأراضي التي استولت عليها عام 1967م.
إن القرار الحقيقي والمؤثر على الأرض هو قرار المقاومة بتنفيذ عملية هنا أو هناك؛ لأنها تمثل الاستجابة لأوامر الله عز وجل، ثم لصرخات المستضعفين: {وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً}(النساء:75)، أما تلك المؤامرات والميزانيات فستنهار بإذن الله: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ}(لأنفال:36).
(إعلام الواقع والضمير الحي)
- أين الإعلام العربي عما يجري في غزة؟
تتحمل وسائل الإعلام العربية المسؤولية عن تغييب قضايا الأمة وعدم التفاعل معها، والعجيب أننا في الوقت الذي نجد فيه بعض الصحف الغربية تتعاطف مع حصار غزة والوضع الإنساني المأساوي فيها، نجد أن بعض الصحف والقنوات العربية لا تقف عند حد التجاهل لما يجري، بل تلقي باللائمة بشكل أو بآخر على الضحية، فكم هي الساعات التي تخصصها الفضائيات للأغاني والأفلام ونحوها من البرامج؟ وكم هي لا أقول الساعات بل الدقائق المخصصة لقضية مسرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي يتعرض اليوم للحفريات وإزالة وتغيير المعالم؟ وأين تلك الوسائل من قضية القدس التي تتعرض لعملية التهويد والمحاصرة بالمغتصبات؟ بل حتى بعض القنوات والمواقع الهادفة لم تعطِ القضية حقها من الاهتمام؛ لذا فإن علينا كأفراد أن نخاطب تلك الوسائل الإعلامية والمسؤولين فيها عبر مراسلتها أو الاتصال بها وزيارتها، ولعل هذه المخاطبة والزيارات تصحح مسار تلك الوسائل أو تخفف من شرها.
(الحصار بين الثوابت والتنازل)
- الابتلاءات تحيط بغزة من كل جانب، حتى أن بعض المستشفيات أوصدت أبوابها ومُنع الوقود وقُطع التيار الكهربائي إلا أن الشعب الفلسطيني لا يزال " صامداً "، ما السر؟
لا شك أن الابتلاءات عظيمة، والطريق شاق، وهذه معركة بين الحق والباطل، ولكن الشعب الفلسطيني المسلم عرف طريقه إلى العزة والكرامة، وذاق طعمها بعد انسحاب الاحتلال من قطاع غزة وتفكيك المغتصبات، وهو لن يتنازل عن ثوابته مهما كان الثمن، ولو كان ما يحدث من حصار وتجويع في ظل أي حكومة غير الحكومة الحالية لانهارت منذ البداية، ولكن الشعوب الإسلامية تقف مع من يحفظ لها حقوقها ويدافع عن دينها ومقدساتها.
ظن الصهاينة ومن معهم أنه بتلك المجازر والحصار ستتوقف المقاومةُ ويذعن الشعب المسلم، ولكن الذي يجري على أرض الواقع هو ما يلخصه قول الجنرال (شلومو غازيت) الرئيس الأسبق لشعبة الاستخبارات العسكرية الصهيونية في مقال نشرته صحيفة (معاريف): "إن الجمهور الفلسطيني لن ينقض على حركات المقاومة، ولن يثور ضد حكومة حماس، بل سيهب للانتقام من "إسرائيل"، خلافًا للهدف المنشود من العقوبات الاقتصادية الجماعية على الفلسطينيين. واعتبر غازيت أن اتخاذ قرار فرض العقوبات يمثل قصورًا في أداء القيادة "الإسرائيلية"، ويدلل على عجزها عن رؤية الصورة كاملة.
إنها النتائج العكسية للمخططات والمؤامرات؛ ما جعل بعض المحللين الصهاينة يعبرون عن حالة اليأس بالقول: "إن الكيان الصهيوني اغتال عرفات لإنجاح مشروع الرئيس عباس، فخرج هذا المشروع بحكومة حماس, وحاولت الحكومة الصهيونية القضاء على حكومة حماس, فخرجت دولة حماس في غزة!".
(التجزئة والواقع)
- في مقالاتك عن الشأن الفلسطيني دائماً ما تلجأ للفأل، هل هو تغييب للواقع أم تغاض عن الحقيقة؟
الأمة الإسلامية موعودة بالنصر في كل مكان، إلا في فلسطين فإنها موعودة بنصر خاص، قال صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود؛ فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي وراء الحجر والشجر؛ فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم، يا عبد الله، هذا يهودي خلفي؛ فتعال فاقتله، إلا الغرقد؛ فإنه من شجر اليهود) أخرجه مسلم، وهي دعوة لنا للعمل والثبات.
وقد أخبرنا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أن فلسطين حاضرة الخلافة الإسلامية في آخر الزمان: عن أبي حوالة الأزدي - رضي الله عنه - قال: وضع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده على رأسي - أو على هامتي- ثم قال: (يا ابن حوالة، إِذَا رَأَيْتَ الْخِلَافَةَ قَدْ نَزَلَت الأَرْضَ الْمُقَدَّسَة فَقَدْ دَنَت الزَّلازِلُ وَالْبَلابِلُ وَالأُمُورُ الْعِظَامُ، وَالسَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِن النَّاسِ مِنْ يَدِي هَذِهِ مِنْ رَأْسِكَ)، أخرجه أحمد وأبو داود.
علاوة على تلك الأدلة الشرعية وغيرها وهي وحدها بلا شك كافية للتفاؤل، فإننا نرى اليوم من الانتصارات والإنجازات التي تتحقق على أرض الواقع، ما يبعث في النفوس الأمل، ويشحذ الهمم، ويقوي العزائم، للمضي في طريق الجهاد والمقاومة، حتى عودة الحقوق والمقدسات.
إلا أن الكثير من وسائل الإعلام تقرأ الواقع قراءة جزئية، فهي تقرأ عملياً {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ} ولا تكمل العمل ببقية الآية لندرك حقيقة الأمر {فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ}، أما العاقبة {وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً}(النساء:104) أن الكيان الصهيوني يعاني.
إن الأرقام والإحصائيات تتحدث عن هجرة عكسية من الكيان، أذكر من بين الإحصائيات - وهي مؤشر- أن استطلاعا للرأي أظهر أن 70% من سكان الكيان سيكونون سعداء لو عاش أبناؤهم خارج "إسرائيل"، وفي إحصائيات أخرى تبين أن مليوني مواطن صهيوني يحمل جواز سفر آخر، بمعنى أنه قد أعد العدة عملياً للمغادرة.
منذ نشأة الكيان الصهيوني صرح مؤسسه (ديفد بن غوريون) بأن أول هزيمة لهذا الكيان ستكون نهايته، لم تكن هذه المقولة مجرد توقع، بل هي إدراك منه لطبيعة ونفسية اليهود القائمة على الفساد والعلو، فتكون النتيجة أن الهزيمة على يد من يحتقرونه ويتعالون عليه لها أبعادها العميقة داخل الكيان ولها آثارها السلبية عليه، ولذا فإنهم يهزمون في كل يوم مع كل عملية للمقاومة، ولولا الدعم الخارجي لانهار الكيان، ولتحققت مقولة المؤسس الذي أعاد ترديدها الجنرال (غال هيرش) بعد حرب لبنان بقوله: "أي حرب جديدة تخوضها "إسرائيل" قد تكون الأخيرة"، ومن يدري متى يكون ذلك {وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً}(الإسراء: 51).
(البيت الفلسطيني ولعبة الشطرنج)
- الصراع بين حماس وفتح والمشاكل الداخلية إلى أين ومن أجل من؟
من وجهة نظري لا يوجد صراع حقيقي بين حركة حماس وحركة فتح أو غيرهما من الفصائل، وحقيقة الصراع اليوم هو بين مشروعين.
المشروع الأول: مشروع المقاومة والتمسك بالحقوق والثوابت وعلى رأسها القدس وعودة اللاجئين وعدم الاعتراف بالكيان.
والمشروع الثاني: مشروع التسوية والتنازلات والاستسلام.
ولذلك فإن شخصيات كبيرة داخل حركة فتح انحازت علانية للمشروع الأول، وليس من المبالغة القول: إن الشعوب الإسلامية في كل مكان انحازت للمشروع الأول، بعد أن جربت مشروع التسوية والمفاوضات طوال السنوات الماضية، ولم تأتِ لها إلا بالويلات، ولم تلق من الكيان سوى الغدر والانتهاكات، كيف لا وقد أخبرنا الحكيم الخبير بحالهم بقوله تعالى: {أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ}(البقرة:100).
- الكلمة لك.
أشكر... إتاحة هذه الفرصة للحديث حول قضية فلسطين المباركة، كما أني أؤكد أن تلك الأرض حق لكل مسلم، كل واحد منا له حق في تلك الأرض، ألم يقل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا)، والحديث في الصحيحين، وطالما أننا اليوم لا نستطيع أن نشد الرحال، فهلا سمعنا وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لميمونة - رضي الله عنها- حين قالت: يا رسول الله! أفتنا في بيت المقدس؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (أرض المحشر والمنشر)، وفي رواية أبي داود: (ائتوه فصلوا فيه - وكانت البلاد إذ ذاك حربًا– فإن لم تأتوه وتصلوا فيه، فابعثوا بزيت يُسرج في قناديله). رجاله ثقات، وقواه النووي في "المجموع"، وصححه الألباني.
فعلينا أن نبعث لإخواننا المرابطين بكل ما نستطيع لتثبيتهم وتقويتهم ولندافع عن ديننا ومقدساتنا وأنفسنا، فأولئك الذين يجودون بأنفسهم في سبيل الله من حقهم علينا وواجبنا تجاههم أن نقف معهم، وستأتي أجيال من المسلمين تتمنى أن لو أدركت زماننا هذا لتشارك في شرف تحرير بيت المقدس.
إن الاحتلال الصهيوني سيدفع ثمن هذه الجرائم اليومية، وإن الواجب على كل فرد من الأمة - كل بحسب إمكاناته وقدراته- أن يساعد على فك الحصار عن غزة ونصرة أهلها، وإني لا أخشى على إخواننا في غزة ولا على مسرى رسولنا الكريم، إنما أخشى على أنفسنا أن نخذلهم فيصيبنا ما رُوِي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من قوله: (ما من امرئ يخذل امرأ مسلمًا في موضع تُنتهك فيه حرمتُه وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته، وما من امرئ ينصر مسلمًا في موضع ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب نصرته)، أخرجه الإمام أحمد في مسنده، وأبو داود.
في حوار مع الكاتب الشيخ زياد المشوخي : عن أي سلام يتحدث هؤلاء؟!
مرفت عبدالجبار
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى