بنت عائشه
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
إنها ذلك السلوك الإنساني الذي يتميَّز به كلُّ فردٍ على وجْه البسيطة، في أقواله وأفعاله، صحيحةً كانتْ أو خاطئة، إلا أنه كان لزامًا على المسلمين - بشكلٍ خاصٍّ - أن يتخلَّقوا بالمعاملة الحسنة، سلوكًا يتقرَّبون به إلى الله تعالى، وبالتالي تكون معاملتهم للآخرين "راقية" على جميع الأصْعدة؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: ((إنما بُعثْتُ لأُتَمِّم مكارم الأخلاق))، كما أن هذه المعاملة الراقية تُعتبر جزءًا مِن تميُّز المسلم بعقيدته وإسلامه، وقد قيل: ((الدِّين المعاملة)).
ولكَمْ ضرَب لنا رسولُنا - صلى الله عليه وسلم - أولاً أبهى صور هذه المعاملة والخُلُق الحسَن، التي شهد بها الحليفُ والعدو، والتي ذكرها الله تعالى في كتابه الكريم بقوله: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4]! وقد سردتْ لنا كُتُب السِّيَر ألوانًا مِن خُلُقه العظيم - صلى الله عليه وسلم - مع كل إنسان، أيًّا كانتْ منزلتُه، ومكانته، وديانته.
وعلى هذا نهج الصحابةُ ثانيًا، والتابعون ثالثًا، والصالحون من أمة محمد من بعدهم رابعًا.
لكن لَمَّا انحرفتْ أفهامُ البعض عن الخلُق الحسَن، أصبح ينسب الأشياء إلى غير مُسمياتها بالتعامُل اللفظي والعملي، وكل هذا باسْمِ الذَّوق والأخلاق أيضًا.
فأنت ترى الإعراض عن الآخرين يُسَمَّى: "عدم النزول لمستوى دون المستوى"، وهم بذلك يُخالفون قول الله تعالى: {وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [لقمان: 18].
قال الشيخ السعدي في تفسير هذه الآية: {وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ}؛ أي: لا تُمِلْهُ وتعبس بوجْهك الناس؛ تكبُّرًا عليهم وتعاظُمًا[1].
وأنت ترى تحقير الآخرين، وعدم التحاوُر معهم يُسَمَّى: "أفضل الحل"، بينما هو من أسوأ الحلول، كيف وقد حاور الله تعالى أحقر خلْقه "إبليس"، وهو العليُّ الكبير؟!
وأنت ترى "تسْفيه الآخرين" يُسمى: "فنًّا وذَوْقًا"، بينما هو في الحقيقةِ إفلاسٌ للذوقِ العام، خاصة لإخوة لك في العقيدة.
وأنت ترى التعامُل مع الآخرين باستعلاء يُسَمَّى: "رد اعتبار"، وما هو إلا كِبْر يظنونه المجْد، وما هم ببالغيه بتصرُّفات أطفال العُقول... إلى غيرها من النماذج، والمعامَلات، والتصرُّفات.
والعجيبُ أن البعض يظن أن إكرامكَ له، والتخلُّق بصفات الحسن - نوعٌ منَ الضَّعف في شخصيتك، وسبحان الله!
إِذَا أَنْتَ أَكْرَمْتَ الكَرِيمَ مَلَكْتَهُ --- وَإِنْ أَنْتَ أَكْرَمْتَ اللَّئِيمَ تَمَرَّدَا
وكلُّ الإشكالية عندما تكون هذه التصرُّفات من المسلمين أنفسهم، بل من خاصة المسلمين وأعلاهم مكانة دينية أو اجتماعية، حتى وإن لَم يكن الأمر على إطلاقِه - بحمد لله - إذ إن الأصلَ هو الباقي، والزبَد يذهَبُ جُفاء، لكن تصرُّفًا واحدًا غير مسؤول من قبَل هؤلاء خاصة كفيلٌ بأن يدمِّر ويفسد مجتمعات بأكملها.
وهاكم أمثلةً:
* الأسرةُ التي تعامل الخدَم بامتهانٍ واحتقار، تخلُق صورةً سيئة في ذهن هذا العامل المسكين عن هذا المجتمع بأكملِه، فيبقى حاقدًا عليه، ويوصل هذه الصورة لمسامِع الآخرين، خاصة إذا شاركه المعاناة، ولقي مثلها عاملاً آخر.
* الطفلُ الذي يُعامله والداه أو أحدهما بصورةٍ سيئة، وإهانة مستديمة، سيكبر مُتَنَكِّرًا لوالدَيْه، يناصبهما العداء، وقد يصدرها لأبنائه.
* المرأة التي تَتَزَوَّج مِن رجلٍ كانتْ تحسب أن خلقَه مُتلازمًا مع دينِه، عندما يُسيء الرجلُ معاملتها، فأي فساد سيلحقها لو لَم يربط الله تعالى على قلْبها، فتصبر وتحتسِب؟!
بل انظروا ماذا أخرجتْ لنا هذه التصرُّفات عند "بعض النساء"، مِن تيارات فكرية منحرفة لديهن بفِعْل هذا الرجل المحسوب على أهْل الاستقامة، فهي تارة ليبرالية منفتحة، خارجة في وسائل الإعلام، ناقمة على دينها ومجتمعها، أو مساهمة في منظَّمة مشبوهة؛ تشْويهًا للدِّين الذي احْتَضَنَها، وما ذا إلا لبعضِ التصرُّفات العشوائيَّة مِن رجال جنْسها، لا سيما "أهل الخير"، أو "المحسوبين عليه"!
قطعًا لا يوجد تصرُّف أيًّا كان يُبَرِّر للمسلم والمسلمة التصرُّفات الخاطئة، أيًّا كانتِ الأسباب، ففي النهاية "الحقُّ أبلج"؛ وقال تعالى: {أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [النجم: 38].
ولكن لا بُدَّ أن نضع في الاعتبار أن السلوك السيئ قد يخلُق نفورًا ذريعًا عن البعض، وبالتالي لا تتحقَّق المصلحةُ مِن الإصلاح إن كانتْ هي الغاية، وصدَق القانون الفيزيائي - وإن كان للجمادات، لكنَّه ينطبق على هذا الواقع أحيانًا -: "لكل فعلٍ ردة فعل، مساوية له في المقدار، ومعاكسة له في الاتجاه"، وأكبر الخسارات أن تكون هذه الخسارة في الدين أو الأخلاق للطرفَين.
وقد تناسى أصحابها قولَ المصطفى - صلى الله عليه وسلم -: ((ما يكون الرِّفق في شيء إلا زانه، وما نُزع من شيء إلا شانه)).
وقد قال - صلَّى الله عليه وسلم -: ((إنما النِّساء شقائق الرِّجال، ما أكرمهنَّ إلا كريمٌ، وما أهانَهُنَّ إلا لئيم)).
* وترَوْن أيضًا فعل البعض مع المُذنبين والمقصِّرين، وكلنا ذلك الرجل، تجد البعض يعاملهم بطريقةٍ جافة، لا تحقق الإصلاح الذي لأجْله خاطبه، إن لَم تكن تزيد مِن حاله، فيعاند ويحجم ولا يقبل، ويضيق صدرُه إذا ذكر الخير وأهله، وما ذاك إلا بتصرُّف غير مسؤول من أهْل الخير ومحبيه، بينما ينبغي للمسلم أن يكون مُشفقًا يُعالج الخطأ بالحكمة والصواب.
قال الإمام مالك - رحمه الله -: "لا تنظروا في ذنوب الناس كأنكم أرباب، وانظروا في ذنوبكم كأنكم عبيد، فإنما الناس مبتلى ومعافى، فارحموا أهل البلاء، واحمدوا الله على العافية".
ولستُ أدري أين هؤلاء من فِعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - مِن تعامُله الرحيم مع شاب من أمَّتِه طلَب منه الإذْن بأمْرٍ جلَل؟! قفوا على قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - وتأملوا حال الشاب بعد ذلك.
المعامَلة بشكْلٍ عام هي الذوق، وفرع منَ الخُلُق الكريم، والقليل من الزُّهد فيها قد يهْدم الكثير من الخير الذي عند المرء في أعين الناس، بل عند ربّه قبل ذلك؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله، لا يلقي لها بالاً، تهوي به في جهنم سبعين خريفًا))، وكم من تصرُّف وكلمةٍ أفسدتْ أكثر مما أصلحتْ! ورُب كلمةٍ قالتْ لصاحبها: دعني، فليزْهد بالتعامُل والخلق الحسن مَن شاء، ولكن لا يظنن بحماقة أنَّ فعلَه ليس محسوبًا عليه، وبدورنا نقول لهم: دعوها فإنها مُنتنة، وإن أبَيْتم فمارسوها كيفما تشاؤون؛ طالما اخترتموها، وعجزتم عن التمام بأفضل منها، لكن إياكم والظنَّ أنكم مدينون إلى الناس بشيء، فالناسُ كل الناس تستطيع معاملتكم بالمثْل، لكن ارتقوا بأنفسهم لعدم الهبوط لتعاملكم وأخلاقكم وعدم سنها، وصدق الشاعر:
لاَ تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَتَأْتِيَ مِثْلَهُ --- عَارٌ عَلَيْكَ إِذَا فَعَلْتَ عَظِيمُ
أما أنتم أيها المتخلقون بالحسنى، لا تظنون أنَّ بتقلُّدكم للمحامد أنكم تافهون، أعرف هذا الشعور جيدًا، خاصة عندما تعامَلون بالجفاء "وقلة الذوق"، بل كل القوة والذوق بالحلم والترفع الحقيقي ما تفعلون من حلْم وتغاضي.
يَزِيدُ سَفَاهَةً فَأَزِيدُ حِلْمًا --- كَعُودٍ زَادَهُ الإِحْرَاقُ طِيبَا
"اللهم اهدِنا لأحسن الأخلاق والأقوال والأعمال، سبحانك لا يهدي لأحسنها إلا أنت".
ومضات:
* قال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران: 159].
* قال معاذ بن سعيد: كنَّا عند عطاء بن أبي رباح، فتحدث رجل بحديث، فاعترض له آخر في حديثه، فقال عطاء: سبحان الله! ما هذه الأخلاق؟! ما هذه الأحلام؟!
إني لأسمع الحديث منَ الرجل، وأنا أعلم منه، فأريه مِن نفسي أني لا أحسن منه شيئًا.
* إننا ننشد القلب الذكي المحب للناس، العطوف عليهم، الذي لا يفرح لزلَّتهم، ولا يشمت في عقوبتهم، بل يحزن لخطئهم، ويتمنى لهم الصواب؛ محمد الغزالي.
* القول اللَّين يفتح مغاليق القلوب، ويعطي من أمامك الفرصة كاملة ألا يستبد به وبعقله الشيطان؛ {فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه: 44]؛ قال القرطبي - رحمه الله -: "فإذا كان موسى أُمِر بأن يقولَ لفرعون قوْلاً لينًا، فمن دونه أحرى بأن يقتدي بذلك في خطابه وأمره بالمعروف في كلامه".
* عندما لا تحترم كلمتك، فأنت تكسر شيئًا لا يُجبر.
--------------------------
[1] "تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان" سورة لقمان ص 649.
المقال منشور بموقع الألوكة بتاريخ 18/1/1431هــ
إنها ... " المعاملة " ...!
مرفت عبدالجبار
ولكَمْ ضرَب لنا رسولُنا - صلى الله عليه وسلم - أولاً أبهى صور هذه المعاملة والخُلُق الحسَن، التي شهد بها الحليفُ والعدو، والتي ذكرها الله تعالى في كتابه الكريم بقوله: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4]! وقد سردتْ لنا كُتُب السِّيَر ألوانًا مِن خُلُقه العظيم - صلى الله عليه وسلم - مع كل إنسان، أيًّا كانتْ منزلتُه، ومكانته، وديانته.
وعلى هذا نهج الصحابةُ ثانيًا، والتابعون ثالثًا، والصالحون من أمة محمد من بعدهم رابعًا.
لكن لَمَّا انحرفتْ أفهامُ البعض عن الخلُق الحسَن، أصبح ينسب الأشياء إلى غير مُسمياتها بالتعامُل اللفظي والعملي، وكل هذا باسْمِ الذَّوق والأخلاق أيضًا.
فأنت ترى الإعراض عن الآخرين يُسَمَّى: "عدم النزول لمستوى دون المستوى"، وهم بذلك يُخالفون قول الله تعالى: {وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [لقمان: 18].
قال الشيخ السعدي في تفسير هذه الآية: {وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ}؛ أي: لا تُمِلْهُ وتعبس بوجْهك الناس؛ تكبُّرًا عليهم وتعاظُمًا[1].
وأنت ترى تحقير الآخرين، وعدم التحاوُر معهم يُسَمَّى: "أفضل الحل"، بينما هو من أسوأ الحلول، كيف وقد حاور الله تعالى أحقر خلْقه "إبليس"، وهو العليُّ الكبير؟!
وأنت ترى "تسْفيه الآخرين" يُسمى: "فنًّا وذَوْقًا"، بينما هو في الحقيقةِ إفلاسٌ للذوقِ العام، خاصة لإخوة لك في العقيدة.
وأنت ترى التعامُل مع الآخرين باستعلاء يُسَمَّى: "رد اعتبار"، وما هو إلا كِبْر يظنونه المجْد، وما هم ببالغيه بتصرُّفات أطفال العُقول... إلى غيرها من النماذج، والمعامَلات، والتصرُّفات.
والعجيبُ أن البعض يظن أن إكرامكَ له، والتخلُّق بصفات الحسن - نوعٌ منَ الضَّعف في شخصيتك، وسبحان الله!
إِذَا أَنْتَ أَكْرَمْتَ الكَرِيمَ مَلَكْتَهُ --- وَإِنْ أَنْتَ أَكْرَمْتَ اللَّئِيمَ تَمَرَّدَا
وكلُّ الإشكالية عندما تكون هذه التصرُّفات من المسلمين أنفسهم، بل من خاصة المسلمين وأعلاهم مكانة دينية أو اجتماعية، حتى وإن لَم يكن الأمر على إطلاقِه - بحمد لله - إذ إن الأصلَ هو الباقي، والزبَد يذهَبُ جُفاء، لكن تصرُّفًا واحدًا غير مسؤول من قبَل هؤلاء خاصة كفيلٌ بأن يدمِّر ويفسد مجتمعات بأكملها.
وهاكم أمثلةً:
* الأسرةُ التي تعامل الخدَم بامتهانٍ واحتقار، تخلُق صورةً سيئة في ذهن هذا العامل المسكين عن هذا المجتمع بأكملِه، فيبقى حاقدًا عليه، ويوصل هذه الصورة لمسامِع الآخرين، خاصة إذا شاركه المعاناة، ولقي مثلها عاملاً آخر.
* الطفلُ الذي يُعامله والداه أو أحدهما بصورةٍ سيئة، وإهانة مستديمة، سيكبر مُتَنَكِّرًا لوالدَيْه، يناصبهما العداء، وقد يصدرها لأبنائه.
* المرأة التي تَتَزَوَّج مِن رجلٍ كانتْ تحسب أن خلقَه مُتلازمًا مع دينِه، عندما يُسيء الرجلُ معاملتها، فأي فساد سيلحقها لو لَم يربط الله تعالى على قلْبها، فتصبر وتحتسِب؟!
بل انظروا ماذا أخرجتْ لنا هذه التصرُّفات عند "بعض النساء"، مِن تيارات فكرية منحرفة لديهن بفِعْل هذا الرجل المحسوب على أهْل الاستقامة، فهي تارة ليبرالية منفتحة، خارجة في وسائل الإعلام، ناقمة على دينها ومجتمعها، أو مساهمة في منظَّمة مشبوهة؛ تشْويهًا للدِّين الذي احْتَضَنَها، وما ذا إلا لبعضِ التصرُّفات العشوائيَّة مِن رجال جنْسها، لا سيما "أهل الخير"، أو "المحسوبين عليه"!
قطعًا لا يوجد تصرُّف أيًّا كان يُبَرِّر للمسلم والمسلمة التصرُّفات الخاطئة، أيًّا كانتِ الأسباب، ففي النهاية "الحقُّ أبلج"؛ وقال تعالى: {أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [النجم: 38].
ولكن لا بُدَّ أن نضع في الاعتبار أن السلوك السيئ قد يخلُق نفورًا ذريعًا عن البعض، وبالتالي لا تتحقَّق المصلحةُ مِن الإصلاح إن كانتْ هي الغاية، وصدَق القانون الفيزيائي - وإن كان للجمادات، لكنَّه ينطبق على هذا الواقع أحيانًا -: "لكل فعلٍ ردة فعل، مساوية له في المقدار، ومعاكسة له في الاتجاه"، وأكبر الخسارات أن تكون هذه الخسارة في الدين أو الأخلاق للطرفَين.
وقد تناسى أصحابها قولَ المصطفى - صلى الله عليه وسلم -: ((ما يكون الرِّفق في شيء إلا زانه، وما نُزع من شيء إلا شانه)).
وقد قال - صلَّى الله عليه وسلم -: ((إنما النِّساء شقائق الرِّجال، ما أكرمهنَّ إلا كريمٌ، وما أهانَهُنَّ إلا لئيم)).
* وترَوْن أيضًا فعل البعض مع المُذنبين والمقصِّرين، وكلنا ذلك الرجل، تجد البعض يعاملهم بطريقةٍ جافة، لا تحقق الإصلاح الذي لأجْله خاطبه، إن لَم تكن تزيد مِن حاله، فيعاند ويحجم ولا يقبل، ويضيق صدرُه إذا ذكر الخير وأهله، وما ذاك إلا بتصرُّف غير مسؤول من أهْل الخير ومحبيه، بينما ينبغي للمسلم أن يكون مُشفقًا يُعالج الخطأ بالحكمة والصواب.
قال الإمام مالك - رحمه الله -: "لا تنظروا في ذنوب الناس كأنكم أرباب، وانظروا في ذنوبكم كأنكم عبيد، فإنما الناس مبتلى ومعافى، فارحموا أهل البلاء، واحمدوا الله على العافية".
ولستُ أدري أين هؤلاء من فِعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - مِن تعامُله الرحيم مع شاب من أمَّتِه طلَب منه الإذْن بأمْرٍ جلَل؟! قفوا على قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - وتأملوا حال الشاب بعد ذلك.
المعامَلة بشكْلٍ عام هي الذوق، وفرع منَ الخُلُق الكريم، والقليل من الزُّهد فيها قد يهْدم الكثير من الخير الذي عند المرء في أعين الناس، بل عند ربّه قبل ذلك؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله، لا يلقي لها بالاً، تهوي به في جهنم سبعين خريفًا))، وكم من تصرُّف وكلمةٍ أفسدتْ أكثر مما أصلحتْ! ورُب كلمةٍ قالتْ لصاحبها: دعني، فليزْهد بالتعامُل والخلق الحسن مَن شاء، ولكن لا يظنن بحماقة أنَّ فعلَه ليس محسوبًا عليه، وبدورنا نقول لهم: دعوها فإنها مُنتنة، وإن أبَيْتم فمارسوها كيفما تشاؤون؛ طالما اخترتموها، وعجزتم عن التمام بأفضل منها، لكن إياكم والظنَّ أنكم مدينون إلى الناس بشيء، فالناسُ كل الناس تستطيع معاملتكم بالمثْل، لكن ارتقوا بأنفسهم لعدم الهبوط لتعاملكم وأخلاقكم وعدم سنها، وصدق الشاعر:
لاَ تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَتَأْتِيَ مِثْلَهُ --- عَارٌ عَلَيْكَ إِذَا فَعَلْتَ عَظِيمُ
أما أنتم أيها المتخلقون بالحسنى، لا تظنون أنَّ بتقلُّدكم للمحامد أنكم تافهون، أعرف هذا الشعور جيدًا، خاصة عندما تعامَلون بالجفاء "وقلة الذوق"، بل كل القوة والذوق بالحلم والترفع الحقيقي ما تفعلون من حلْم وتغاضي.
يَزِيدُ سَفَاهَةً فَأَزِيدُ حِلْمًا --- كَعُودٍ زَادَهُ الإِحْرَاقُ طِيبَا
"اللهم اهدِنا لأحسن الأخلاق والأقوال والأعمال، سبحانك لا يهدي لأحسنها إلا أنت".
ومضات:
* قال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران: 159].
* قال معاذ بن سعيد: كنَّا عند عطاء بن أبي رباح، فتحدث رجل بحديث، فاعترض له آخر في حديثه، فقال عطاء: سبحان الله! ما هذه الأخلاق؟! ما هذه الأحلام؟!
إني لأسمع الحديث منَ الرجل، وأنا أعلم منه، فأريه مِن نفسي أني لا أحسن منه شيئًا.
* إننا ننشد القلب الذكي المحب للناس، العطوف عليهم، الذي لا يفرح لزلَّتهم، ولا يشمت في عقوبتهم، بل يحزن لخطئهم، ويتمنى لهم الصواب؛ محمد الغزالي.
* القول اللَّين يفتح مغاليق القلوب، ويعطي من أمامك الفرصة كاملة ألا يستبد به وبعقله الشيطان؛ {فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه: 44]؛ قال القرطبي - رحمه الله -: "فإذا كان موسى أُمِر بأن يقولَ لفرعون قوْلاً لينًا، فمن دونه أحرى بأن يقتدي بذلك في خطابه وأمره بالمعروف في كلامه".
* عندما لا تحترم كلمتك، فأنت تكسر شيئًا لا يُجبر.
--------------------------
[1] "تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان" سورة لقمان ص 649.
المقال منشور بموقع الألوكة بتاريخ 18/1/1431هــ
إنها ... " المعاملة " ...!
مرفت عبدالجبار
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى