رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
الحمدُ لله، كافٍ عبده، حافظ كتابه، ناصِر دينه، والصَّلاة والسلام على سَيِّد ولد آدم، فَتَحَ اللهُ به أَعْينًا عُميًا، وقلوبًا غلفًا، وآذانًا صُمًّا، وبعدُ:
قد تشعر أحيانًا، وفي خِضَمِّ زحام الدنيا ومشاكلها وأزماتها, أنَّكَ تَتَمَنَّى لو تمتلك ساعة توقُّف؛ لتمنحَ نفسك نصف ساعة للتَّدَبُّر والتَّفَكُّر، تخرج عن عالمك الصغير، ومشاكلك الحياتيَّة الرُّوتينيَّة، تبحث عن شيء ينقصك، تهرب منه، ولكن لا يكاد يُرَاودكَ الحنينُ إليه، تجتهد بعيدًا عنه في حلِّ جزئيات همومكَ، ثم لا تلبث أن تكتشفَ أنَّ الحلَّ حتمًا فيما تهرب منه.
إنَّه الحنين لِعِزَّة هذه الأمَّة، وشرفِ الانتماء إليها، إنَّه الحنين إلى قوةٍ لم نتذوقْ منها إلاَّ ما سمعتْه آذاننا عنها في الماضي, ولم نرَ مِن بسطها ونفوذها إلاَّ ما تُرك لنا مِن بساط الأرض تحت أَرْجُلِنا, فَبِتْنا في صراعٍ بين ميراثٍ تحت أيدينا، وبين هُمُوم تولِّي مسؤوليته, بين إعجاب بالماضي وصَدْمة بالواقع.
إنَّه الحنين إلى مجدٍ تليدٍ، وكرامةٍ أَلانَتْ الحديد، وحضارة خَضَعَ لِعِلْمها ونورها العدوُّ قبل الصديق، إنه حنين المجد، الذي لا يزال يَرْثاه الشعراء, ويَبْكِي على أَطْلاله السياسيونَ؛ لِتتوقفَ أقلامُهم دومًا على مُجَرَّد تحليلات لِمَواقف، وبَسْطٍ لِظواهر، تاركينَ جسد الأمة ثامدًا في الطريق؛ لِتَسْتنفذَ جراحه دماءَه, دون أن يعرضوا علينا الوسيلة لإِسْعافِه, فصارتِ الأمة تمامًا كقافلة النَّمل التي سُكب عليها قطرات منَ الماء فجأة، فَفَرَّتْ يمنةً ويَسْرة، بصورة لا تصفها إلاَّ بالعَشْوائيَّة، وقِلَّة الحيطة، ويا ليتنا كنا كالنمل في سرعة تدارُك أمرِه، وقدرته اللَّحظيَّة على استعادَة توازُنه، وضَبْط صَفِّه، فواللهِ لَفُزْنا بالدارينِ، ويا ليت شعري!
ولا أريد أن أتَحَدَّث بنفسِ الطريقة التي أنقدها، وليس مقصدي البُكاء على الأطلال، ولا شحن مُحَرك الهزيمة النفسيَّة - التي حاقَتْ بالأمة - كيلاً جديدًا؛ ولكنني سريعًا أُعَرِّج على الظاهرة، ثمَّ أحاوِل أن أجد التفسير والحلول اجتهادًا.
إنَّها ظاهرة ترتبط ارتباطًا ضمنيًّا مع ما ذكرته مِن حنينٍ لماضي الأمة المفقود، إنها ظاهِرة العشوائيَّة في التفكير، والتبايُن في رُدودِ الأفعال، والتَّخَبُّط، فعلى رأس كلِّ صفعةٍ تجد المسلمينَ كالبحر الهائج، يَتَمَنَّى أن يُحَطِّمَ كل ما هو أمامه، حتى ولو كان ذلك مِن محتواه, ثورة عارِمة دون تخطيط، الكلُّ يريد أن يفعلَ شيئًا، ولكن بطريقتِه الخاصَّة، وعلى شروطه.
ثم يعود البحر لِصفائه الأحمق، وسَذَاجتِه المعهودة سريعًا، عقب استنفاذ طاقة الرِّياح التي أثارَتْه، وهكذا ثورة، ثم هدوء ساذج، ثم ثورة، ثمَّ هُدُوء، رغم أنَّ الصفعات مُستَمِرَّة، وبِاطِّرادٍ وبتخْطِيط مُتْقَن، ولعلَّ تفسيري لهذا - حسب رأيي - أنَّنا نُواجِه ما يُشبه بِحَرْب العِصابات، التي تُريد أن تخترقَ المُدن، فتدخل البيوت والطُّرقات، بِطُرُقٍ متعددة، وأساليبَ شَتَّى، تَكْمُن قوتها في ضعفها، وتسربها خفية، وتلوُّنها، واضطراب ذبذبات نُفُوذها إلى مراكز قوى الأمَّة، كلٌّ حَسَب قوة الديار، ومدى استِحكام الأقفال فيها.
وأشَدُّ ما يُمَيزها تعدُّد الأَقْنِعة المُعَدَّة للاستخدام، مما يزيد حالة التَّخَبُّط في قُوى المقاوَمة، وصعوبة تشخيص العَرْض في كثيرٍ منَ الأحيان.
إنها أشبة بالحرباءة في قدرتها على التَّلَوُّن؛ لإدخال الشَّكِّ والتَّخَبُّط على قلب عدوِّها؛ ليسألَ في ريبة: أهي هي أم شيء آخر؟
ولاتَ حينَ مناصٍ أن تَحَوَّلَتِ الحرباءة لِحَرْبة مسمومةٍ، تفُتُّ بالجسد الثامد.
وكي لا أطيل؛ أتَكَلَّم عنِ: الحرب النَّفسيَّة، والدعاية السِّياسيَّة على الإسلام، فالغربُ يعتبر الدعاية السِّياسيَّة جزءًا منَ الحرب؛ بل إنه عِلْم عندهم، له مُخْتَصِّيه وَهَيْآتُه، فما يُمَارسه أعداؤنا الآن كانوا يمارسونه مِن قبلُ في الحرب العالمية الثانية بما يُسَمَّى بالدعاية السَّوداء؛ أي: الدعاية التي تحاول إخفاء هُوِيَّتها.
باختصار شديد: نَشْر ذُيُول لها في الدول المعادِية، تَتَحَدَّث بِلُغتِهم؛ لِبَثِّ الهزيمةِ النَّفسيَّة في رُوح الشعب، وذلك بإنشاء مَحَطَّاتٍ إذاعيَّة داخل الدول المُعادِية، تَتَكَلَّم بِلُغَتهم لتفي بالغرض المذكور، واليوم؛ فهذه الذيول تعتمد منَ الدرجة الأولى على الدعاية الإعلاميَّة المُختلِفة، والتي لا تقتصر فقط على المحطَّات الإذاعيَّة؛ لأنها لم تَعُد الوسيلة الأولى لِنَشْر الخَبَر، ولم يَعُد هناك احتياجٌ لأنْ تكونَ مِن داخل الدول المعادِية، فالعالَم تَقَارَبَتْ بُلْدَانه، والإنترنت يَفِي بالغرض، وفي رأيي أنَّ الدعاية السَّوْداء بَلَغَتْ مَبْلغًا في الدول العربيَّة غير مسبوقٍ، والحرب الإعلاميَّة أصْبَحَتْ على أشدِّها، خاصَّة اليوم على شبكة الإنترنت، فمنَ الجرائم الأخلاقيَّة إلى الانحرافات العقديَّة، إلى بَثِّ رُوح الهزيمة، والإحباط، واليأس، في نُفُوس المسلمين، إلى حربٍ صريحةٍ على الثوابِتِ، بألوان الطيف.
وسواء اتَّفَقْنا على المتَّهم أمِ اخْتلفنا، وسواء اتَّفَقَتِ الأَكَلَةُ على تقسيم القَصْعة أم أن خطتهم تنفذ بانْسيابِيَّة وعلى الفطرة، فإنَّ هذا ليس مَقْصِدي؛ ولكِنَّنا لا بُدَّ أن نَتَّفِقَ على أنهم يُمارِسُون علينا كل يوم حروبًا إعلاميَّة، وفي مقتل؛ لِيُجَرِّبوا ردَّة فِعْلنا تارة، ويدربونا تارةً أخرى على الهزيمة والاستسلام، يستسلم كل يوم مَن يستسلم، ويبقى منفعل مَن يبقى، والبعض منَّا لا تزال ساعة التَّوَقُّف عنده لا تعمل، مُغرقًا في الجزئيات، وغير مُدركٍ للواقع، ولكن اليوم لَيْسَ مثل غدٍ، والانتباه لهذه الحرب أمرٌ لا بُدَّ أن يوضعَ في الحُسْبَان، حتى لا نقعَ ضحيَّة لها، أو جندًا مِن جنودها، ونحن لا ندري.
وصلِّ اللهُمَّ على محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
رأس الحربة .... حرباءة (1)
رحاب بنت محمد حسان
قد تشعر أحيانًا، وفي خِضَمِّ زحام الدنيا ومشاكلها وأزماتها, أنَّكَ تَتَمَنَّى لو تمتلك ساعة توقُّف؛ لتمنحَ نفسك نصف ساعة للتَّدَبُّر والتَّفَكُّر، تخرج عن عالمك الصغير، ومشاكلك الحياتيَّة الرُّوتينيَّة، تبحث عن شيء ينقصك، تهرب منه، ولكن لا يكاد يُرَاودكَ الحنينُ إليه، تجتهد بعيدًا عنه في حلِّ جزئيات همومكَ، ثم لا تلبث أن تكتشفَ أنَّ الحلَّ حتمًا فيما تهرب منه.
إنَّه الحنين لِعِزَّة هذه الأمَّة، وشرفِ الانتماء إليها، إنَّه الحنين إلى قوةٍ لم نتذوقْ منها إلاَّ ما سمعتْه آذاننا عنها في الماضي, ولم نرَ مِن بسطها ونفوذها إلاَّ ما تُرك لنا مِن بساط الأرض تحت أَرْجُلِنا, فَبِتْنا في صراعٍ بين ميراثٍ تحت أيدينا، وبين هُمُوم تولِّي مسؤوليته, بين إعجاب بالماضي وصَدْمة بالواقع.
إنَّه الحنين إلى مجدٍ تليدٍ، وكرامةٍ أَلانَتْ الحديد، وحضارة خَضَعَ لِعِلْمها ونورها العدوُّ قبل الصديق، إنه حنين المجد، الذي لا يزال يَرْثاه الشعراء, ويَبْكِي على أَطْلاله السياسيونَ؛ لِتتوقفَ أقلامُهم دومًا على مُجَرَّد تحليلات لِمَواقف، وبَسْطٍ لِظواهر، تاركينَ جسد الأمة ثامدًا في الطريق؛ لِتَسْتنفذَ جراحه دماءَه, دون أن يعرضوا علينا الوسيلة لإِسْعافِه, فصارتِ الأمة تمامًا كقافلة النَّمل التي سُكب عليها قطرات منَ الماء فجأة، فَفَرَّتْ يمنةً ويَسْرة، بصورة لا تصفها إلاَّ بالعَشْوائيَّة، وقِلَّة الحيطة، ويا ليتنا كنا كالنمل في سرعة تدارُك أمرِه، وقدرته اللَّحظيَّة على استعادَة توازُنه، وضَبْط صَفِّه، فواللهِ لَفُزْنا بالدارينِ، ويا ليت شعري!
ولا أريد أن أتَحَدَّث بنفسِ الطريقة التي أنقدها، وليس مقصدي البُكاء على الأطلال، ولا شحن مُحَرك الهزيمة النفسيَّة - التي حاقَتْ بالأمة - كيلاً جديدًا؛ ولكنني سريعًا أُعَرِّج على الظاهرة، ثمَّ أحاوِل أن أجد التفسير والحلول اجتهادًا.
إنَّها ظاهرة ترتبط ارتباطًا ضمنيًّا مع ما ذكرته مِن حنينٍ لماضي الأمة المفقود، إنها ظاهِرة العشوائيَّة في التفكير، والتبايُن في رُدودِ الأفعال، والتَّخَبُّط، فعلى رأس كلِّ صفعةٍ تجد المسلمينَ كالبحر الهائج، يَتَمَنَّى أن يُحَطِّمَ كل ما هو أمامه، حتى ولو كان ذلك مِن محتواه, ثورة عارِمة دون تخطيط، الكلُّ يريد أن يفعلَ شيئًا، ولكن بطريقتِه الخاصَّة، وعلى شروطه.
ثم يعود البحر لِصفائه الأحمق، وسَذَاجتِه المعهودة سريعًا، عقب استنفاذ طاقة الرِّياح التي أثارَتْه، وهكذا ثورة، ثم هدوء ساذج، ثم ثورة، ثمَّ هُدُوء، رغم أنَّ الصفعات مُستَمِرَّة، وبِاطِّرادٍ وبتخْطِيط مُتْقَن، ولعلَّ تفسيري لهذا - حسب رأيي - أنَّنا نُواجِه ما يُشبه بِحَرْب العِصابات، التي تُريد أن تخترقَ المُدن، فتدخل البيوت والطُّرقات، بِطُرُقٍ متعددة، وأساليبَ شَتَّى، تَكْمُن قوتها في ضعفها، وتسربها خفية، وتلوُّنها، واضطراب ذبذبات نُفُوذها إلى مراكز قوى الأمَّة، كلٌّ حَسَب قوة الديار، ومدى استِحكام الأقفال فيها.
وأشَدُّ ما يُمَيزها تعدُّد الأَقْنِعة المُعَدَّة للاستخدام، مما يزيد حالة التَّخَبُّط في قُوى المقاوَمة، وصعوبة تشخيص العَرْض في كثيرٍ منَ الأحيان.
إنها أشبة بالحرباءة في قدرتها على التَّلَوُّن؛ لإدخال الشَّكِّ والتَّخَبُّط على قلب عدوِّها؛ ليسألَ في ريبة: أهي هي أم شيء آخر؟
ولاتَ حينَ مناصٍ أن تَحَوَّلَتِ الحرباءة لِحَرْبة مسمومةٍ، تفُتُّ بالجسد الثامد.
وكي لا أطيل؛ أتَكَلَّم عنِ: الحرب النَّفسيَّة، والدعاية السِّياسيَّة على الإسلام، فالغربُ يعتبر الدعاية السِّياسيَّة جزءًا منَ الحرب؛ بل إنه عِلْم عندهم، له مُخْتَصِّيه وَهَيْآتُه، فما يُمَارسه أعداؤنا الآن كانوا يمارسونه مِن قبلُ في الحرب العالمية الثانية بما يُسَمَّى بالدعاية السَّوداء؛ أي: الدعاية التي تحاول إخفاء هُوِيَّتها.
باختصار شديد: نَشْر ذُيُول لها في الدول المعادِية، تَتَحَدَّث بِلُغتِهم؛ لِبَثِّ الهزيمةِ النَّفسيَّة في رُوح الشعب، وذلك بإنشاء مَحَطَّاتٍ إذاعيَّة داخل الدول المُعادِية، تَتَكَلَّم بِلُغَتهم لتفي بالغرض المذكور، واليوم؛ فهذه الذيول تعتمد منَ الدرجة الأولى على الدعاية الإعلاميَّة المُختلِفة، والتي لا تقتصر فقط على المحطَّات الإذاعيَّة؛ لأنها لم تَعُد الوسيلة الأولى لِنَشْر الخَبَر، ولم يَعُد هناك احتياجٌ لأنْ تكونَ مِن داخل الدول المعادِية، فالعالَم تَقَارَبَتْ بُلْدَانه، والإنترنت يَفِي بالغرض، وفي رأيي أنَّ الدعاية السَّوْداء بَلَغَتْ مَبْلغًا في الدول العربيَّة غير مسبوقٍ، والحرب الإعلاميَّة أصْبَحَتْ على أشدِّها، خاصَّة اليوم على شبكة الإنترنت، فمنَ الجرائم الأخلاقيَّة إلى الانحرافات العقديَّة، إلى بَثِّ رُوح الهزيمة، والإحباط، واليأس، في نُفُوس المسلمين، إلى حربٍ صريحةٍ على الثوابِتِ، بألوان الطيف.
وسواء اتَّفَقْنا على المتَّهم أمِ اخْتلفنا، وسواء اتَّفَقَتِ الأَكَلَةُ على تقسيم القَصْعة أم أن خطتهم تنفذ بانْسيابِيَّة وعلى الفطرة، فإنَّ هذا ليس مَقْصِدي؛ ولكِنَّنا لا بُدَّ أن نَتَّفِقَ على أنهم يُمارِسُون علينا كل يوم حروبًا إعلاميَّة، وفي مقتل؛ لِيُجَرِّبوا ردَّة فِعْلنا تارة، ويدربونا تارةً أخرى على الهزيمة والاستسلام، يستسلم كل يوم مَن يستسلم، ويبقى منفعل مَن يبقى، والبعض منَّا لا تزال ساعة التَّوَقُّف عنده لا تعمل، مُغرقًا في الجزئيات، وغير مُدركٍ للواقع، ولكن اليوم لَيْسَ مثل غدٍ، والانتباه لهذه الحرب أمرٌ لا بُدَّ أن يوضعَ في الحُسْبَان، حتى لا نقعَ ضحيَّة لها، أو جندًا مِن جنودها، ونحن لا ندري.
وصلِّ اللهُمَّ على محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
رأس الحربة .... حرباءة (1)
رحاب بنت محمد حسان
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى