رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
شرح عمدة الأحكام ح 223 في حُرمة مكة
بابُ حرمة مكةَ
عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ - خُوَيْلِدِ بْنِ عَمْرٍو - الْخُزَاعِيِّ الْعَدَوِيِّ رضي الله عنه : أَنَّهُ قَالَ لِعَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ - وَهُوَ يَبْعَثُ الْبُعُوثَ إلَى مَكَّةَ - ائْذَنْ لِي أَيُّهَا الأَمِيرُ أَنْ أُحَدِّثَكَ قَوْلاً قَامَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْغَدَ مِنْ يَوْمِ الْفَتْحِ ، فَسَمِعَتْهُ أُذُنَايَ ، وَوَعَاهُ قَلْبِي ، وَأَبْصَرَتْهُ عَيْنَايَ , حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ : أَنَّهُ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ : إنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّهُ تَعَالَى , وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ . فَلا يَحِلُّ لامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَماً , وَلا يَعْضِدَ بِهَا شَجَرَةً ، فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ بِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُولُوا : إنَّ اللَّهَ قَدْ أَذِنَ لِرَسُولِهِ , وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ ، وَإِنَّمَا أُذِنَ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ، وَقَدْ عَادَتْ حُرْمَتُهَا الْيَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بِالأَمْسِ ، فَلْيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ .
فَقِيلَ لأَبِي شُرَيْحٍ : مَا قَالَ لَكَ ؟ قَالَ : أَنَا أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنْكَ يَا أَبَا شُرَيْحٍ ، إنَّ الْحَرَمَ لا يُعِيذُ عَاصِياً , وَلا فَارَّاً بِدَمٍ ، وَلا فَارَّاً بِخَرْبَةٍ .
الخَرَبَة : بالخاء المعجمة والراء المهملة . قيل: الخيانة ، وقيل: البليَّة ، وقيل : التهمة . وأصله من سرقة الإبل. قال الشاعر :
الخارِب اللِّصّ يُحِبّ الخارِبا .
في الحديث مسائل :
1= قوله : " باب حُرمة مكة " أي تحريمها وتعظيم حُرمتها ، وذلك لوجود الْحَرم فيها ، وهذا تشريف لهذا البلد الأمين .
فإن الله أقسَم به (لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ) ، (وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ) ، وحَرَّمَـه ، كما في حديث الباب .
وإن كان تحريم مكة يوم خَلَق الله السماوات والأرض تعظيما لها ، وتنبيها لشأنها .
2= تعظيم الحرم ، فالسيئة تَعظُم فيه ، بل نصّ العلماء على أن نيَّـة المعصية فيه تُكتب معصية ، لقوله تعالى : (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ)
قال القرطبي في التفسير :
والإلحاد في اللغة الميل ، إلا أن الله تعالى بين أن الميل بالظلم هو المراد .
واخْتُلِف في الظلم ؛ فروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ ) قال : الشرك .
وقال عطاء : الشرك والقتل .
وقيل : معناه صيد حمامه ، وقطع شَجَرِه ، ودخول غير مُحْرِم .
وقال ابن عمر : كُنا نَتَحَدَّث أن الإلحاد فيه أن يقول الإنسان : لا والله ، وبلى والله ، وكَلاّ والله . ولذلك كان له فُسطاطان أحدهما في الْحِلّ والآخر في الْحَرَم ، فكان إذا أراد الصلاة دخل فسطاط الحرم ، وإذا أراد بعض شأنه دخل فسطاط الْحِلّ ، صيانة للحرم عن قولهم : كلا والله ، وبلى والله، حين عَظَّم الله الذنب فيه .
وكذلك كان لعبد الله بن عمرو بن العاص فسطاطان أحدهما في الحل والآخر في الحرم ، فإذا أراد أن يُعَاتِبَ أهله عاتبهم في الْحِلّ ، وإذا أراد أن يُصلي صَلّى في الحرم . فقيل له في ذلك ، فقال : إنْ كُنا لنتحدث إن من الإلحاد في الحرم أن نقول : كلا والله ، وبلى والله .
والمعاصي تُضَاعَف بمكة كما تضاعف الحسنات ، فتكون المعصية معصيتين : إحداهما بِنَفْس المخالفة ، والثانية بإسقاط حرمة البلد الحرام . وهكذا الأشهر الحرم سواء ..
وقال : ذَهَبَ قوم من أهل التأويل منهم الضحاك وابن زيد إلى أن هذه الآية تدل على أن الإنسان يُعَاقَب على ما ينويه من المعاصي بمكة ، وإن لم يعمله ، وقد روي نحو ذلك عن ابن مسعود وابن عمر قالوا : لو هَمَّ رجل بِقَتْلِ رجل بهذا البيت وهو بِعَدَنِ أبْيَن لَعَذَّبَه الله . قلت : هذا صحيح . اهـ .
وفي قوله تعالى : (إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ) قال أيضا : في هذه الآية دليل على أن العزم مما يؤاخذ به الإنسان ، لأنهم عَزَمُوا على أن يَفْعَلُوا فَعُوقِبوا قبل فِعلهم ، ونظير هذه الآية قوله تعالى: (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) . اهـ .
3= إثبات صُحبة أبي شُريح العَدوي رضي الله عنه ، لأنه أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ورآه وسَمِع منه .
لأنه قال : فَسَمِعَتْهُ أُذُنَايَ ، وَوَعَاهُ قَلْبِي ، وَأَبْصَرَتْهُ عَيْنَايَ , حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ .
4= عمرو بن سعيد بن العاص :
قال العيني : عمرو بن سعيد بن العاص ابن أمية القرشي الأموي ، يُعْرَف بالأشدق ، ليست له صحبة ولا كان من التابعين بإحسان !
وقال : كان قَتْله سنة سبعين من الهجرة .
وقال : المعروف بالأشدق ، لَطِيم الشيطان ، ليست له صُحبة ، وعُرِف بالأشدق لأنه صعد المنبر فبالغ في شَتْم عليّ رضي الله تعالى عنه ، فأصابه لقوة ، ولاّه يزيد بن معاوية المدينة ، وكان أحب الناس إلى أهل الشام ، وكانوا يسمعون له ويطيعونه ، وكتب إليه يزيد أن يُوجّه إلى عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنه جيشا فوجهه واستعمل عليهم عمرو بن الزبير بن العوام .
وقال الطبري : كان قدوم عمرو بن سعيد واليا على المدينة من قِبَلِ يزيد بن معاوية في ذي القعدة سنة ستين . وقيل : قَدِمَها في رمضان منها ، وهي السنة التي ولي فيها يزيد الخلافة فامتنع ابن الزبير من بيعته ، وأقام بمكة ، فجهز إليه عمرو بن سعيد جيشا وأمَّـر عليهم عمرو بن الزبير ، وكان معاديا لأخيه عبد الله ، وكان عمرو بن سعيد قد ولاَّه شُرطته ، ثم أرسله إلى قتال أخيه ، فجاء مروان إلى عمرو بن سعيد فنهاه ، فامتنع ، وجاءه أبو شريح فذكر القصة ، فلما نزل الجيش ذا طوى خَرَج إليهم جماعة من أهل مكة فهزموهم ، وأُسِرَ عمرو بن الزبير فسجنه أخوه بسجن عارِم . انتهى مِن عمدة القارئ .
5= قوله : وهو يبعث البعوث إلى مكة . يعنى لِقتال ابن الزبير . قاله النووي .
وقد كان عمرو بن سعيد بن العاص والياً على المدينة .
والبُعُوث هم القوم الْمُرْسَلُون للقِتال ونحوه . قاله ابن الملقِّن .
6= قوله : ائْذَنْ لِي أَيُّهَا الأَمِيرُ . فيه التلطّف مع المخاطَب خاصة إذا كان له أمرٌ ونَهي ، لأنه أدْعَى للقبول .
قال ابن حجر : فيه حسن التلطّف في الإنكار على أمراء الجور ليكون أدْعى لقبولهم . اهـ .
7= قوله : قَامَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْغَدَ مِنْ يَوْمِ الْفَتْحِ .
أي أنه خَطَبَ في اليوم الثاني من فتح مكة . قاله ابن حجر .
قوله : " من يوم الفتح " المراد فتح مكة ، وكان في عشرين من رمضان في السنة الثامنة من الهجرة . قاله ابن الملقِّن .
8= قوله : سَمِعَتْه أذناي ، ووعاه قلبي ، وأبصرته عيناي . أراد بهذا كله المبالغة في تحقيق حفظه إياه وتيقنه زمانه ومكانه ولفظه . قاله النووي .
أي أنه ليس بِمُتَوَهِّم في سماع الحديث ، ولا هو مُجرّد ظَنّ ، بل هو يقين وحق وصِدق .
9= قوله : حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ . يعني النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد كان يَفتَتِح الْخُطب بذلك ، سواء خُطب الجمعة أو مواعظه عليه الصلاة والسلام ، أو خُطبه في المناسبات ، كما هنا .
وعادة الرّواة يَطوون المقدِّمات اختصاراً ، للوصول إلى الفائدة والخلاصة .
10= قوله : " إنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّهُ تَعَالَى , وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ " المقصود : بعض الناس ، أو كثير من الناس .
لأن أهل الجاهلية كانوا يُعظِّمون الْحَرَم ، فإنه لما أرادوا قَتْل خبيب رضي الله عنه خَرَجوا به خارج حدود الْحَرَم !
قال ابن حجر : والمراد بِقوله : " ولم يُحَرّمها الناس " أن تحريمها ثابت بالشَّرْع لا مَدْخَل للعقل فيه ، أو المراد أنها من مُحَرَّمات الله ، فيجب امتثال ذلك ، وليس مِن مُحَرَّمات الناس ، يعني في الجاهلية ، كما حَرَّمُوا أشياء من عند أنفسهم ، فلا يَسُوغ الاجتهاد في تَرْكِه . وقيل : معناه أنّ حُرْمَتها مستمرة من أول الْخَلْق وليس مما اخْتَصَّتْ به شريعة النبي صلى الله عليه وسلم .
11= قوله : " فَلا يَحِلُّ لامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ "
سَبَقت الإشارة إلى تكرار هذا التذكير في الكتاب والسنة ، وذلك أن الذي يُؤمِن بالله واليوم الآخر يَعلَم أنه صائر إليه ، مَجْزيّ بِعمَلِه ، مُحاسَب عليه .
فيَحْمِله ذلك على الكَفّ والانتهاء عما أراد مما هو من معصية الله ، ومُخالَفة أمره أو أمر نبيِّـه صلى الله عليه وسلم . فـ
12= قوله : " لا يَحِلُّ لامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَماً "
ليس له مفهوم ، فلا يَحِلّ سَفك الدم بمكة لا لِمن يؤمن بالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ ، ولا لِمن لا يُؤمِن بالله وَلا بالْيَوْمِ الآخِرِ .
13= قوله : " أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَماً "
فالذي يُؤمِن بالله واليوم الآخِر لا يَحِلّ له أن يسفِك بِمكةّ دماً .
وما المقصود بالدَّم ؟
هو الدم الحرام ، وهو ما يَكون في قِتال أو اعتداء ، ونحو ذلك .
واخْتُلِف في إقامة الحدود في مكة .
هل يُقَتل القاتِل ويُقام عليه الحدّ في الْحَرَم ؟
جوابه في المسألة التالية :
14= إذا قَتَلَ قاتِل في الْحَرَم . هل يُقتَل ، أو يُضيّق عليه ليَخْرَج من الحرم ؟
قال القرطبي في قوله تعالى : (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا) :
استدل به أبو حنيفة وجماعة من فقهاء الأمصار على ترك إقامة الحد في الْحَرَم على الْمُحْصَن ، والسارق إذا لجأ إليه ، وعضدوا ذلك بقوله تعالى : (وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا) ، كأنه قال آمِنُوا مَن دَخَلَ البيت ، والصحيح إقامة الحدود في الحرم ، وأن ذلك من المنسوخ ، لأن الاتفاق حاصل أنه لا يُقْتَل في البيت ويُقْتَل خارج البيت ، وإنما الخلاف هل يُقْتَل في الْحَرَم أم لا ؟
بابُ حرمة مكةَ
عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ - خُوَيْلِدِ بْنِ عَمْرٍو - الْخُزَاعِيِّ الْعَدَوِيِّ رضي الله عنه : أَنَّهُ قَالَ لِعَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ - وَهُوَ يَبْعَثُ الْبُعُوثَ إلَى مَكَّةَ - ائْذَنْ لِي أَيُّهَا الأَمِيرُ أَنْ أُحَدِّثَكَ قَوْلاً قَامَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْغَدَ مِنْ يَوْمِ الْفَتْحِ ، فَسَمِعَتْهُ أُذُنَايَ ، وَوَعَاهُ قَلْبِي ، وَأَبْصَرَتْهُ عَيْنَايَ , حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ : أَنَّهُ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ : إنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّهُ تَعَالَى , وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ . فَلا يَحِلُّ لامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَماً , وَلا يَعْضِدَ بِهَا شَجَرَةً ، فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ بِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُولُوا : إنَّ اللَّهَ قَدْ أَذِنَ لِرَسُولِهِ , وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ ، وَإِنَّمَا أُذِنَ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ، وَقَدْ عَادَتْ حُرْمَتُهَا الْيَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بِالأَمْسِ ، فَلْيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ .
فَقِيلَ لأَبِي شُرَيْحٍ : مَا قَالَ لَكَ ؟ قَالَ : أَنَا أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنْكَ يَا أَبَا شُرَيْحٍ ، إنَّ الْحَرَمَ لا يُعِيذُ عَاصِياً , وَلا فَارَّاً بِدَمٍ ، وَلا فَارَّاً بِخَرْبَةٍ .
الخَرَبَة : بالخاء المعجمة والراء المهملة . قيل: الخيانة ، وقيل: البليَّة ، وقيل : التهمة . وأصله من سرقة الإبل. قال الشاعر :
الخارِب اللِّصّ يُحِبّ الخارِبا .
في الحديث مسائل :
1= قوله : " باب حُرمة مكة " أي تحريمها وتعظيم حُرمتها ، وذلك لوجود الْحَرم فيها ، وهذا تشريف لهذا البلد الأمين .
فإن الله أقسَم به (لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ) ، (وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ) ، وحَرَّمَـه ، كما في حديث الباب .
وإن كان تحريم مكة يوم خَلَق الله السماوات والأرض تعظيما لها ، وتنبيها لشأنها .
2= تعظيم الحرم ، فالسيئة تَعظُم فيه ، بل نصّ العلماء على أن نيَّـة المعصية فيه تُكتب معصية ، لقوله تعالى : (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ)
قال القرطبي في التفسير :
والإلحاد في اللغة الميل ، إلا أن الله تعالى بين أن الميل بالظلم هو المراد .
واخْتُلِف في الظلم ؛ فروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ ) قال : الشرك .
وقال عطاء : الشرك والقتل .
وقيل : معناه صيد حمامه ، وقطع شَجَرِه ، ودخول غير مُحْرِم .
وقال ابن عمر : كُنا نَتَحَدَّث أن الإلحاد فيه أن يقول الإنسان : لا والله ، وبلى والله ، وكَلاّ والله . ولذلك كان له فُسطاطان أحدهما في الْحِلّ والآخر في الْحَرَم ، فكان إذا أراد الصلاة دخل فسطاط الحرم ، وإذا أراد بعض شأنه دخل فسطاط الْحِلّ ، صيانة للحرم عن قولهم : كلا والله ، وبلى والله، حين عَظَّم الله الذنب فيه .
وكذلك كان لعبد الله بن عمرو بن العاص فسطاطان أحدهما في الحل والآخر في الحرم ، فإذا أراد أن يُعَاتِبَ أهله عاتبهم في الْحِلّ ، وإذا أراد أن يُصلي صَلّى في الحرم . فقيل له في ذلك ، فقال : إنْ كُنا لنتحدث إن من الإلحاد في الحرم أن نقول : كلا والله ، وبلى والله .
والمعاصي تُضَاعَف بمكة كما تضاعف الحسنات ، فتكون المعصية معصيتين : إحداهما بِنَفْس المخالفة ، والثانية بإسقاط حرمة البلد الحرام . وهكذا الأشهر الحرم سواء ..
وقال : ذَهَبَ قوم من أهل التأويل منهم الضحاك وابن زيد إلى أن هذه الآية تدل على أن الإنسان يُعَاقَب على ما ينويه من المعاصي بمكة ، وإن لم يعمله ، وقد روي نحو ذلك عن ابن مسعود وابن عمر قالوا : لو هَمَّ رجل بِقَتْلِ رجل بهذا البيت وهو بِعَدَنِ أبْيَن لَعَذَّبَه الله . قلت : هذا صحيح . اهـ .
وفي قوله تعالى : (إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ) قال أيضا : في هذه الآية دليل على أن العزم مما يؤاخذ به الإنسان ، لأنهم عَزَمُوا على أن يَفْعَلُوا فَعُوقِبوا قبل فِعلهم ، ونظير هذه الآية قوله تعالى: (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) . اهـ .
3= إثبات صُحبة أبي شُريح العَدوي رضي الله عنه ، لأنه أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ورآه وسَمِع منه .
لأنه قال : فَسَمِعَتْهُ أُذُنَايَ ، وَوَعَاهُ قَلْبِي ، وَأَبْصَرَتْهُ عَيْنَايَ , حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ .
4= عمرو بن سعيد بن العاص :
قال العيني : عمرو بن سعيد بن العاص ابن أمية القرشي الأموي ، يُعْرَف بالأشدق ، ليست له صحبة ولا كان من التابعين بإحسان !
وقال : كان قَتْله سنة سبعين من الهجرة .
وقال : المعروف بالأشدق ، لَطِيم الشيطان ، ليست له صُحبة ، وعُرِف بالأشدق لأنه صعد المنبر فبالغ في شَتْم عليّ رضي الله تعالى عنه ، فأصابه لقوة ، ولاّه يزيد بن معاوية المدينة ، وكان أحب الناس إلى أهل الشام ، وكانوا يسمعون له ويطيعونه ، وكتب إليه يزيد أن يُوجّه إلى عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنه جيشا فوجهه واستعمل عليهم عمرو بن الزبير بن العوام .
وقال الطبري : كان قدوم عمرو بن سعيد واليا على المدينة من قِبَلِ يزيد بن معاوية في ذي القعدة سنة ستين . وقيل : قَدِمَها في رمضان منها ، وهي السنة التي ولي فيها يزيد الخلافة فامتنع ابن الزبير من بيعته ، وأقام بمكة ، فجهز إليه عمرو بن سعيد جيشا وأمَّـر عليهم عمرو بن الزبير ، وكان معاديا لأخيه عبد الله ، وكان عمرو بن سعيد قد ولاَّه شُرطته ، ثم أرسله إلى قتال أخيه ، فجاء مروان إلى عمرو بن سعيد فنهاه ، فامتنع ، وجاءه أبو شريح فذكر القصة ، فلما نزل الجيش ذا طوى خَرَج إليهم جماعة من أهل مكة فهزموهم ، وأُسِرَ عمرو بن الزبير فسجنه أخوه بسجن عارِم . انتهى مِن عمدة القارئ .
5= قوله : وهو يبعث البعوث إلى مكة . يعنى لِقتال ابن الزبير . قاله النووي .
وقد كان عمرو بن سعيد بن العاص والياً على المدينة .
والبُعُوث هم القوم الْمُرْسَلُون للقِتال ونحوه . قاله ابن الملقِّن .
6= قوله : ائْذَنْ لِي أَيُّهَا الأَمِيرُ . فيه التلطّف مع المخاطَب خاصة إذا كان له أمرٌ ونَهي ، لأنه أدْعَى للقبول .
قال ابن حجر : فيه حسن التلطّف في الإنكار على أمراء الجور ليكون أدْعى لقبولهم . اهـ .
7= قوله : قَامَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْغَدَ مِنْ يَوْمِ الْفَتْحِ .
أي أنه خَطَبَ في اليوم الثاني من فتح مكة . قاله ابن حجر .
قوله : " من يوم الفتح " المراد فتح مكة ، وكان في عشرين من رمضان في السنة الثامنة من الهجرة . قاله ابن الملقِّن .
8= قوله : سَمِعَتْه أذناي ، ووعاه قلبي ، وأبصرته عيناي . أراد بهذا كله المبالغة في تحقيق حفظه إياه وتيقنه زمانه ومكانه ولفظه . قاله النووي .
أي أنه ليس بِمُتَوَهِّم في سماع الحديث ، ولا هو مُجرّد ظَنّ ، بل هو يقين وحق وصِدق .
9= قوله : حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ . يعني النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد كان يَفتَتِح الْخُطب بذلك ، سواء خُطب الجمعة أو مواعظه عليه الصلاة والسلام ، أو خُطبه في المناسبات ، كما هنا .
وعادة الرّواة يَطوون المقدِّمات اختصاراً ، للوصول إلى الفائدة والخلاصة .
10= قوله : " إنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّهُ تَعَالَى , وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ " المقصود : بعض الناس ، أو كثير من الناس .
لأن أهل الجاهلية كانوا يُعظِّمون الْحَرَم ، فإنه لما أرادوا قَتْل خبيب رضي الله عنه خَرَجوا به خارج حدود الْحَرَم !
قال ابن حجر : والمراد بِقوله : " ولم يُحَرّمها الناس " أن تحريمها ثابت بالشَّرْع لا مَدْخَل للعقل فيه ، أو المراد أنها من مُحَرَّمات الله ، فيجب امتثال ذلك ، وليس مِن مُحَرَّمات الناس ، يعني في الجاهلية ، كما حَرَّمُوا أشياء من عند أنفسهم ، فلا يَسُوغ الاجتهاد في تَرْكِه . وقيل : معناه أنّ حُرْمَتها مستمرة من أول الْخَلْق وليس مما اخْتَصَّتْ به شريعة النبي صلى الله عليه وسلم .
11= قوله : " فَلا يَحِلُّ لامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ "
سَبَقت الإشارة إلى تكرار هذا التذكير في الكتاب والسنة ، وذلك أن الذي يُؤمِن بالله واليوم الآخر يَعلَم أنه صائر إليه ، مَجْزيّ بِعمَلِه ، مُحاسَب عليه .
فيَحْمِله ذلك على الكَفّ والانتهاء عما أراد مما هو من معصية الله ، ومُخالَفة أمره أو أمر نبيِّـه صلى الله عليه وسلم . فـ
12= قوله : " لا يَحِلُّ لامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَماً "
ليس له مفهوم ، فلا يَحِلّ سَفك الدم بمكة لا لِمن يؤمن بالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ ، ولا لِمن لا يُؤمِن بالله وَلا بالْيَوْمِ الآخِرِ .
13= قوله : " أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَماً "
فالذي يُؤمِن بالله واليوم الآخِر لا يَحِلّ له أن يسفِك بِمكةّ دماً .
وما المقصود بالدَّم ؟
هو الدم الحرام ، وهو ما يَكون في قِتال أو اعتداء ، ونحو ذلك .
واخْتُلِف في إقامة الحدود في مكة .
هل يُقَتل القاتِل ويُقام عليه الحدّ في الْحَرَم ؟
جوابه في المسألة التالية :
14= إذا قَتَلَ قاتِل في الْحَرَم . هل يُقتَل ، أو يُضيّق عليه ليَخْرَج من الحرم ؟
قال القرطبي في قوله تعالى : (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا) :
استدل به أبو حنيفة وجماعة من فقهاء الأمصار على ترك إقامة الحد في الْحَرَم على الْمُحْصَن ، والسارق إذا لجأ إليه ، وعضدوا ذلك بقوله تعالى : (وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا) ، كأنه قال آمِنُوا مَن دَخَلَ البيت ، والصحيح إقامة الحدود في الحرم ، وأن ذلك من المنسوخ ، لأن الاتفاق حاصل أنه لا يُقْتَل في البيت ويُقْتَل خارج البيت ، وإنما الخلاف هل يُقْتَل في الْحَرَم أم لا ؟
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى