خلود
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
أيامٌ تمضي.. وهو في وحلِ الجاهلية يتمرّغ دونما إدراك منه أن ثمّة نجاة في اعتصامه بحبل الله جلّ وعلا.. إذ ليس ذنبه أن يكون قد نشأ في بيئةٍ لا تعترف بالدين ووسط عائلةٍ أهدَتهُ كل ما يحتاج إليه إلاّ شيئاً واحداً فقط: الطمأنينة مع الله جلّ وعلا.. فارتكس في أحضانِ المجتمع لاهثاً وراء كلّ لذةٍ علّه يجد فيها السعادة التي ينشد ولكن هيهات! حتى تعرّف على صديق مؤمنٍ سخَّره الله جلّ وعلا له ليكون مشكاة الهداية والصاحب ساحب.. كان متعطِّشاً لمعرفة كل شيءٍ عن هذا الإسلام الذي بمعرفته رقص القلب وانتشت الجوارح.. وما أروعه من شعورٍ حين يجد المرء ضالّته ولو بعد حين.. هوذا النور الذي قذفه الله جلّ وعلا في قلبه حين ألقى السمع وهو شهيد.. وتحوّلت حياته كاملة لتنطقُ بما كان يشعُّ في صدره فأخيراً عرف الله جلّ في علاه وأدركَ أنّ في القلب فراغ لا يملأه إلا الله..
وابتدأت مسيرة الطهر والعبادة والقرآن.. وشمَّر عن ساعِد الجدّ ليرتشف من هذا المعين الرباني.. أراد أن يغرِف من هذا الدين بقوة ليعوِّض ما فاته في سنواته السابقة من إعراضٍ وغفلةٍ وانغماسٍ في الشهوات.. فكان يتنقّل بين دروس المساجد متلهّفاً للمعرفة فأوقعه جهله في الدين فريسة سهلة لفئات كثيرة لا يكاد يدخل من باب إحداها حتى ينقبض قلبه فيولّي مُعرِضا مشتّتاً!
كانت بدايته مع فئةٍ اطمأنّ لها مع أنها انتهجت التشدّد معياراً لتقوى العباد.. فهذا حرامٌ وذاك حرامٌ واترك وانتهِ أورع للقلب! وقد ركن قلبه إلى هذه الأقاويل لأنها نقيض ما عاشه في جاهليته فاعتقد أنّ دوام الخير والصواب في التطرف ونقيض ما كان على حياته السابقة فكانت ردّة فعله أنّه انخرط مع هذه الفئة دون التنبه الى ضرورة التدرّج التي هي سُنّة إلهية.. واعتزل المجتمع “الكافر” وانزوى وتصادم مع الأهل والمحيطين به فنفروا منه ومن منهجه الجديد بالنسبة إليهم!..
كان كالكوب الفارغ الذي يملأه مَن يشاء بما يشاء دون محاججة أو محاورة أو طلب الدليل.. وأنّى له أن يفعل وهو لمّا يدخل بعد في الدين ولا يفقه شيئاً منه.. فلم يكن ليعلم بأي حال من الأحوال أن هناك اختلاف بين العلماء وآراء وفتاوى كلها تنطوي تحت لواء الشرع الحنيف فأوحى إليه مَن حوله أنّ الصواب فقط في طريقهم والحق أن المرء حين يريد أن يشدِّد على نفسه ويتورّع فليس عليه أن يٌلزِم غيره بهذا الطريق!!
وما حصل مع هذا الأخ أنه ضاق صدره بكل هذه التكاليف وهذا الكمّ من الممنوعات فكلّ شيءٍ حرام ولا يجوز.. وكل الخَلق مخطئين إلا مَن اتّبع هذه الفئة المتعصِّبة لمنهجها فهي الناجية وما سواها ضال! حينها ألقى عن كاهله عبء هذه المعتقدات ليفتش عن مخرجٍ يخفّف عنه من شدّ الخناق.. ولن يشاد الدين أحدٌ إلا غلبه! وصلى الله على مَن كان يختار من الأمرين أيسرهما ومن بشّر المتنطعين بالهلاك!
ثمّ كان أن سحبه آخرون إلى دروسهم فكان نهجهم الانقطاع عن العلائق وهجر ما دون الله جلّ وعلا والزهد بهذه الدنيا حتى انعزل في خلوات طويلة يبكي ماضيه ويهذّب نفسه! وبذلك أصبح انساناً سلبياً في المجتمع منقطعاً عن تقديم أي فائدة تُذكَر للخَلقِ سوى البكاء والعبادة والعزلة! وبدل أن يخفّف عن نفسه ما وجد عند أولئك عاد للإنزواء وقطع صلته بالحياة كما أوحى إليه أصحاب هذه الفئة.. فعندهم كما أوضح الإمام محمد الغزالي رحمه الله “لا يصحُّ الإيمان إلا بنبذ الحياة، ولا تخلُصُ الآخرة إلا بهجر الدنيا.. وما دامت شجرة الدنيا باسقة في القلب فلن تفتأ الهواجس والخواطر تهجم على الإنسان وتعكِّر عليه مناجاته لربه وتجعل صلاته مشوّشة. والطريقة المثلى لخلوص القلب: قطعُ هذه الشجرة من الفؤاد!”..
حقيقة أمر مُلفِت مُبكٍ أن يتمّ العبث بشباب أمّتنا ليصلوا إلى هذا الدرك من المفاهيم المغلوطة للدين ما أنتج أمّة متخلّفة في مختلف نواحي الحياة..
فلا التشدّد في الدين مطلوب ولا التعصّب للمذهب مرغوب ناهيك عن الإنكار على الغير منهجهم لمجرد الخلاف المذهبي.. ولا التصوّف وجلد الذات والانسلاخ عن الحياة هو جوهر الدين!!
وما هذا الشاب إلا صورةٌ عن المئات الوافدين إلى الدين من ماضٍ ذاخرٍ بجاهليةٍ جهلاء وبُعدٍ عن الحق وخللٍ في العقيدة ربما وجهلٍ بأحكام الشريعة!
ولفتةٌ بسيطة هنا إلى إنّ التصوّف ليس بمجمله مذموماً بل إنّ المؤمن بحاجة إلى تهذيب وتزكية نفسه وحثّها على الارتقاء في مدارج السالكين.. ولكن الخطر يكمن في منهج التصوّف حين تجلو الممارسات الخاطئة والأفكار المغلوطة كخرافات الخوارق للمشايخ والحضرات والتقرب للأولياء والطلب من غير الله جل وعل وذكره جل وعلا بطريقة تقشعر لها الأبدان من غرابتها.. ويكفي أن نعرف أن حكام البلاد الذين يحاربون الإسلاميين يسمحون فقط لفئة غلاة المتصوّفين بالانتشار لتُسْكِر عقولهم بنشوة الدوران في حلقات الذكر وتُعطِّل أفهامهم عن حقيقة الدين التي إن ظهرت زعزعت عروشهم ودّكتها دكا!
ومن جهةٍ أُخرى فإنّ التشدد لا يتناسب مع كلِّ أحد ولا يحتمله كل مسلم ولا يصبر عليه إلا فئة قليلة.. وإن مضى فيه البعض فلربما كان المآل إلى العودة للنقيض ونقض عروة الدين حين لا يحتمل ثقل التكاليف التي أرهق نفسه بها! خاصة إن كان من الوافدين الجدد إلى الدين – ولو كان مسلماً في الهوية فقط – فالأحرى أن تُصحّح لهم العقائد وتُقوَّم لهم المفاهيم فيفقهوا الدين وتُرسى لهم القواعد الأساسية الثابتة التي يُبنى عليها بعد ذلك البناء العقدي والفقهي والفكري على بيِّنةٍ وبصيرة وبالتدريج..
فلا تطرّف ولا تسيّب.. ولا إفراط ولا تفريط! إنما هي الوسطية التي لا تميّع الدين.. “وكذلك جعلناكم أُمّةً وسطا”.. فهو صراط مستقيم: خطٌ معتدل غير مائل لا إلى يمينٍ ولا إلى يسار!
وعودٌ على بدء.. حين أصبح التصوّف مرضاً عقائدياً كما صار التعصّب للمذهب مرضاً نفسياً مخيفاً بل أيّ مرض من شانه جرّ المؤمن إلى العزلة والتنحّي عن المجتمع حينها تخلّفت الأمّة وانحسر العطاء والإبداع عند المسلمين “فالنفس البشرية في ظل التديّن المعلول تعجز عن القيام بوظيفتها في الحياة بينما تستطيع القيام بهذه الوظيفة نفسٌ ليس لها من التديّن إلا ما جُبِلَت عليه من طباعٍ وأفكار.. فالتديّن الفاسد عطَّل أجهزتها الفطرية وأما الإلحاد فقد أبقى هذه الأجهزة تتحرك” كما وصف الإمام محمد الغزالي رحمه الله سبب تخلّف المسلمين وتقدّم غيرهم عليهم..
الشباب غارق في الأوحال والأمّة تحتاج مَن يوقظها مِن الغفلة وينشلها مِن الذل.. ولن تقوم لها قائمة حتى تعود للشرع القويم..
وبيدنا فسائل طاهرة طيبة.. فلنغرسها بعد قلع الأشواك المُنفِرة.. والله يتولّى إنبات الثمر.. إن أحسنّا النية!
التديّن المعلول!..
أ.سحر المصري
وابتدأت مسيرة الطهر والعبادة والقرآن.. وشمَّر عن ساعِد الجدّ ليرتشف من هذا المعين الرباني.. أراد أن يغرِف من هذا الدين بقوة ليعوِّض ما فاته في سنواته السابقة من إعراضٍ وغفلةٍ وانغماسٍ في الشهوات.. فكان يتنقّل بين دروس المساجد متلهّفاً للمعرفة فأوقعه جهله في الدين فريسة سهلة لفئات كثيرة لا يكاد يدخل من باب إحداها حتى ينقبض قلبه فيولّي مُعرِضا مشتّتاً!
كانت بدايته مع فئةٍ اطمأنّ لها مع أنها انتهجت التشدّد معياراً لتقوى العباد.. فهذا حرامٌ وذاك حرامٌ واترك وانتهِ أورع للقلب! وقد ركن قلبه إلى هذه الأقاويل لأنها نقيض ما عاشه في جاهليته فاعتقد أنّ دوام الخير والصواب في التطرف ونقيض ما كان على حياته السابقة فكانت ردّة فعله أنّه انخرط مع هذه الفئة دون التنبه الى ضرورة التدرّج التي هي سُنّة إلهية.. واعتزل المجتمع “الكافر” وانزوى وتصادم مع الأهل والمحيطين به فنفروا منه ومن منهجه الجديد بالنسبة إليهم!..
كان كالكوب الفارغ الذي يملأه مَن يشاء بما يشاء دون محاججة أو محاورة أو طلب الدليل.. وأنّى له أن يفعل وهو لمّا يدخل بعد في الدين ولا يفقه شيئاً منه.. فلم يكن ليعلم بأي حال من الأحوال أن هناك اختلاف بين العلماء وآراء وفتاوى كلها تنطوي تحت لواء الشرع الحنيف فأوحى إليه مَن حوله أنّ الصواب فقط في طريقهم والحق أن المرء حين يريد أن يشدِّد على نفسه ويتورّع فليس عليه أن يٌلزِم غيره بهذا الطريق!!
وما حصل مع هذا الأخ أنه ضاق صدره بكل هذه التكاليف وهذا الكمّ من الممنوعات فكلّ شيءٍ حرام ولا يجوز.. وكل الخَلق مخطئين إلا مَن اتّبع هذه الفئة المتعصِّبة لمنهجها فهي الناجية وما سواها ضال! حينها ألقى عن كاهله عبء هذه المعتقدات ليفتش عن مخرجٍ يخفّف عنه من شدّ الخناق.. ولن يشاد الدين أحدٌ إلا غلبه! وصلى الله على مَن كان يختار من الأمرين أيسرهما ومن بشّر المتنطعين بالهلاك!
ثمّ كان أن سحبه آخرون إلى دروسهم فكان نهجهم الانقطاع عن العلائق وهجر ما دون الله جلّ وعلا والزهد بهذه الدنيا حتى انعزل في خلوات طويلة يبكي ماضيه ويهذّب نفسه! وبذلك أصبح انساناً سلبياً في المجتمع منقطعاً عن تقديم أي فائدة تُذكَر للخَلقِ سوى البكاء والعبادة والعزلة! وبدل أن يخفّف عن نفسه ما وجد عند أولئك عاد للإنزواء وقطع صلته بالحياة كما أوحى إليه أصحاب هذه الفئة.. فعندهم كما أوضح الإمام محمد الغزالي رحمه الله “لا يصحُّ الإيمان إلا بنبذ الحياة، ولا تخلُصُ الآخرة إلا بهجر الدنيا.. وما دامت شجرة الدنيا باسقة في القلب فلن تفتأ الهواجس والخواطر تهجم على الإنسان وتعكِّر عليه مناجاته لربه وتجعل صلاته مشوّشة. والطريقة المثلى لخلوص القلب: قطعُ هذه الشجرة من الفؤاد!”..
حقيقة أمر مُلفِت مُبكٍ أن يتمّ العبث بشباب أمّتنا ليصلوا إلى هذا الدرك من المفاهيم المغلوطة للدين ما أنتج أمّة متخلّفة في مختلف نواحي الحياة..
فلا التشدّد في الدين مطلوب ولا التعصّب للمذهب مرغوب ناهيك عن الإنكار على الغير منهجهم لمجرد الخلاف المذهبي.. ولا التصوّف وجلد الذات والانسلاخ عن الحياة هو جوهر الدين!!
وما هذا الشاب إلا صورةٌ عن المئات الوافدين إلى الدين من ماضٍ ذاخرٍ بجاهليةٍ جهلاء وبُعدٍ عن الحق وخللٍ في العقيدة ربما وجهلٍ بأحكام الشريعة!
ولفتةٌ بسيطة هنا إلى إنّ التصوّف ليس بمجمله مذموماً بل إنّ المؤمن بحاجة إلى تهذيب وتزكية نفسه وحثّها على الارتقاء في مدارج السالكين.. ولكن الخطر يكمن في منهج التصوّف حين تجلو الممارسات الخاطئة والأفكار المغلوطة كخرافات الخوارق للمشايخ والحضرات والتقرب للأولياء والطلب من غير الله جل وعل وذكره جل وعلا بطريقة تقشعر لها الأبدان من غرابتها.. ويكفي أن نعرف أن حكام البلاد الذين يحاربون الإسلاميين يسمحون فقط لفئة غلاة المتصوّفين بالانتشار لتُسْكِر عقولهم بنشوة الدوران في حلقات الذكر وتُعطِّل أفهامهم عن حقيقة الدين التي إن ظهرت زعزعت عروشهم ودّكتها دكا!
ومن جهةٍ أُخرى فإنّ التشدد لا يتناسب مع كلِّ أحد ولا يحتمله كل مسلم ولا يصبر عليه إلا فئة قليلة.. وإن مضى فيه البعض فلربما كان المآل إلى العودة للنقيض ونقض عروة الدين حين لا يحتمل ثقل التكاليف التي أرهق نفسه بها! خاصة إن كان من الوافدين الجدد إلى الدين – ولو كان مسلماً في الهوية فقط – فالأحرى أن تُصحّح لهم العقائد وتُقوَّم لهم المفاهيم فيفقهوا الدين وتُرسى لهم القواعد الأساسية الثابتة التي يُبنى عليها بعد ذلك البناء العقدي والفقهي والفكري على بيِّنةٍ وبصيرة وبالتدريج..
فلا تطرّف ولا تسيّب.. ولا إفراط ولا تفريط! إنما هي الوسطية التي لا تميّع الدين.. “وكذلك جعلناكم أُمّةً وسطا”.. فهو صراط مستقيم: خطٌ معتدل غير مائل لا إلى يمينٍ ولا إلى يسار!
وعودٌ على بدء.. حين أصبح التصوّف مرضاً عقائدياً كما صار التعصّب للمذهب مرضاً نفسياً مخيفاً بل أيّ مرض من شانه جرّ المؤمن إلى العزلة والتنحّي عن المجتمع حينها تخلّفت الأمّة وانحسر العطاء والإبداع عند المسلمين “فالنفس البشرية في ظل التديّن المعلول تعجز عن القيام بوظيفتها في الحياة بينما تستطيع القيام بهذه الوظيفة نفسٌ ليس لها من التديّن إلا ما جُبِلَت عليه من طباعٍ وأفكار.. فالتديّن الفاسد عطَّل أجهزتها الفطرية وأما الإلحاد فقد أبقى هذه الأجهزة تتحرك” كما وصف الإمام محمد الغزالي رحمه الله سبب تخلّف المسلمين وتقدّم غيرهم عليهم..
الشباب غارق في الأوحال والأمّة تحتاج مَن يوقظها مِن الغفلة وينشلها مِن الذل.. ولن تقوم لها قائمة حتى تعود للشرع القويم..
وبيدنا فسائل طاهرة طيبة.. فلنغرسها بعد قلع الأشواك المُنفِرة.. والله يتولّى إنبات الثمر.. إن أحسنّا النية!
التديّن المعلول!..
أ.سحر المصري
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى