خلود
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
أخي.. في حلكة الليل المطرّز بالصبر والرضا أخطّ إليك رسالتي.. أخربش فيها هلوساتي التي أعيَتني مذ اقتلعوك من بيننا وأسكنوك سجناً ظنّوه يُحبطك ويُردينا من بعدك.. ولكن هيهات هيهات.. فما زادنا ظلمهم إلاّ يقيناً وثباتاً وإيماناً بفلسطين..
كيف حالك يا أنا؟.. أعلم أننا نحيا في كيانك وتصلنا نفحات ودّك كل فجر وعند المساء.. وأرى أمي تزرع عند كل نبضة شوق قبلتها الحانية على رأسك الذي أثقلته هموم الوطن.. فأهديته سنين عمرك ليكحّل عيونه بأسودٍ يحرسهم أشباه!
قد عذّبوك وأمعنوا في ضربك وحرموك من النوم وأفردوا لك زنزانة ليقتلوا فيك العزم والعزّة.. يقتلعون من جسدك الراحة علّهم يصِلون إلى روحك ولكن أنّى لهم ذلك وأنت في رحاب ربك.. فليفعلوا ما تُمليه عليهم دناءتهم فستبقى عصياً عليهم ولن يلمسوا منك إلا الجسد.. أما القلب فموصول بالأحد الصمد!
اشتقتك يا أنا! وأتخيل طيفك ساجداً.. فيسقي دمعي بذرة السكينة.. ثم ألثم صورتك معذّباً.. فتمور نفسي وتفور.. وتنتفض وتثور.. وتغضب غضبة كبرى.. لله! ولفلسطين.. ولك..
أركع باكية حامدة.. أتوسل البشرى.. فيضمّ الألم نُواحي.. وأعود للذكرى.. أقتات منها وأرتوي.. عليها أحيا.. وإلى همسك.. أسعى! وأذكر ربي.. لأرضى!!
عند كل اكتمال بدرٍ نُمنّي النفس أنك ستكون بيننا محرَّراً لتغطّي بغرّتك المحجّلة أنوار الأجرام كلها!.. ستون بدراً أطلّ وما زال قمرك موشّحاً بالغيوم.. فمتى تنجلي ونراك من دون حجب؟!
لا تقلق علينا.. فربّنا جل وعلا هو الرزّاق الكريم.. وخالك يطلّ علينا دوماً ليعيننا على الاستمرار في هذه الحياة دون فاقة.. ولا زلنا ننتظر دخولك علينا ولو بخبز وتمر وماء.. فغذاء الروح رؤيتك وبُعداً لغذاء جسد فان..
هل أخبرتكَ أنني جمعت رسائل شيخك إليك وأقرأها لك كلما جنّ الليل لتثبيتك.. هل يصل صوتي إلى مسمعك؟! أتمتمِ هذه الكلمات التي تبعث في نفسي الأمل وتعينني على تحمل مصابي ببعدِك.. لله درّه من شيخٍ ذاق فعرف.. أتذكُرُ كلماته هذه إليك ذات أسرٍ لم يكد ينتهي حتى أتاك أمر الظالمين باعتقال ثان وثالث.. اسْمَعْه يا أنا.. وتدبّر واربط على قلبك لتُحيل القضبان أكاليل غار..
“الأخ الحبيب.. إنّه في طريق الصعود والسياحة، وفي رحلة الحريّة، قد يجد المرء في النفس مرة أو مرات مرارة، أو في الطريق شموعاً منطفئة الضوء أو باردة.. وعندها يخبو أو ينام أو تأخذه سِنَة.. ولكن ذلك الموصول بالنبع لا يبرح حتى يعاود الانطلاق والتقدّم بثبات وعزم.. ابتسم وانظر إلى هناك، فلا تتوقف، ولا تنتظر، ولا تلتف للوراء..
أيقظ المارد في روحك، دعه ينطلق حراً، لا تجعل سواد الليل يسجنه، ولا دمعات القلب تقتله.
دع روحك تعود وتنمو وتتجلى بالحب والأمل والرجاء، فإنها تلكم الجنّة أورثتموها بما كنتم تعملون، وإن الله بالرضى يناديك.. فهل رضيت؟!
إني لأحسبك الرجل الصلب الثابت الواثق الذي لا تلين له قناة ولا تهتز فيه شعرة، ولا يرتج له طرف، أو يرمش له جفن.
ما أنت إلا الرجل صاحب اليقين، العاقل، المتدبر لأمر الخير الذي يقدره الله لعباده المؤمنين فيضعهم حيث يريدهم، ويمضي عليهم أمره، يربّيهم.. يبتليهم ويمحصهم، ويطهِّرهم، ويعلِّمهم، ويعدهم لإنفاذ أقداره.. ما أظنك إلا أن تتلقى أمر الله بالرضى والاستسلام، ثم تعمل على استغلال وقتك القادم في مزيد من الحمد والثناء والذكر والتبتل والخشوع والابتهال، وعودة حميدة إلى كتاب الله، وحيوية بدن ونفس، وقلم يسيل فكراً وحباً وجمالاً، ولسان عسيل يذرف أو يلقي من طيب القول يعلِّم به الجاهل ويرتقي بالمتعلِّم، وينبت في النفس الخير.”
أهٍ يا أنا.. أُثقِلَ كاهلك بحِملٍ كالجبال إلا أنك صامد كالأقصى ثابتٌ كعزّة غزة.. ملتصقٌ بمبادئك فلا مساس! تترنّح بي الذكرى حين يخاصمني الكرى فأعود إلى اعتقالاتك السابقة وكيف كانت الصعوبات تحيط بك بعد خروجك.. فلا أنت تستطيع التأقلم مع المحيط من جديد.. ولا أنت تجد فرصة عملٍ تكفيك المؤونة.. ولا أنت تستطيع إكمال دراستك من دون خطر الاعتقال من جديد!
بل هو القلق والترقّب والتضييق في كل شي خاصة في لقمة العيش! ولكنها ضريبة الثوابت ونحن بِعنا.. والله اشترى!
أتدري يا أنا؟ لقد قصصتُ من دفتر خواطرك ورقة وعلّقتها فوق سريري.. أقرأها مع وِردي المسائي كأنك تحادثني كما كنا كل مساء عندما يرتحل الجميع إلى أحلامهم ونبقى نتسامر في ظل الياسمينة.. حَوَت ورقتك كلماتٍ برائحة زيتون فلسطين تنعش قلبي وتحثّه حثاً على الاحتساب والصبر.. فأرضى بحكمه جل وعلا وأتيقن أن هذا هو قدرنا وهو الخير لي ولك ولأهلك ولفلسطين.. وأستذكر أن الدنيا لهم والآخرة لنا! تقول: “الاعتقال هو من أصعب ما قد يتعرض له صاحب دعوة أو فكرة في حياته، وهو محنة صعبة والثبات من الله، أما ما ثبتني بعد توفيق الله فهو شدة الانتماء والإيمان للدعوة، والامتنان بفضلها علي، فهي التي صنعتني وجعلتني كما أنا الآن. فضلاً عن إيماني بفكرها وحبي لوطني، وإيماني أن المرء مهما رأى من مر الحياة فلا ينبغي أن يعيش على هامشها بلا غاية كبيرة وإلا كان كغيره من الخلق جاء ومضى ولم يترك أثراً، وما خلقنا الله إلا ليترك كل منا أثره.”
سأداعب الذكرى كل يوم.. وأخط لك رسالة الصباح والمساء كما عوّدتك.. وستجيبني من سجنك المنير بإيمانك وصبرك كما كنتَ تقول لي دائماً.. “أنا بخير.. وسأبقى كذلك بإذن الله جل وعلا..”
أعلم أخي أنك لا تريدني أن أبكي.. أعِدك أن أحاول.. وأن أبقى قوية وأتماسك.. ولكني وإن قويت نهاراً وأخذتني الحياة.. فلن أضمن ليلي حين سكون الوجود.. وارتعاش الألم..
“أحبّكَ.. في شغاف القلب.. نبضٌ من دمي.. ساري!”
أختك..
حطمتَ قلبي يا أسيرُ بالرحيل..
أ.سحر المصري
كيف حالك يا أنا؟.. أعلم أننا نحيا في كيانك وتصلنا نفحات ودّك كل فجر وعند المساء.. وأرى أمي تزرع عند كل نبضة شوق قبلتها الحانية على رأسك الذي أثقلته هموم الوطن.. فأهديته سنين عمرك ليكحّل عيونه بأسودٍ يحرسهم أشباه!
قد عذّبوك وأمعنوا في ضربك وحرموك من النوم وأفردوا لك زنزانة ليقتلوا فيك العزم والعزّة.. يقتلعون من جسدك الراحة علّهم يصِلون إلى روحك ولكن أنّى لهم ذلك وأنت في رحاب ربك.. فليفعلوا ما تُمليه عليهم دناءتهم فستبقى عصياً عليهم ولن يلمسوا منك إلا الجسد.. أما القلب فموصول بالأحد الصمد!
اشتقتك يا أنا! وأتخيل طيفك ساجداً.. فيسقي دمعي بذرة السكينة.. ثم ألثم صورتك معذّباً.. فتمور نفسي وتفور.. وتنتفض وتثور.. وتغضب غضبة كبرى.. لله! ولفلسطين.. ولك..
أركع باكية حامدة.. أتوسل البشرى.. فيضمّ الألم نُواحي.. وأعود للذكرى.. أقتات منها وأرتوي.. عليها أحيا.. وإلى همسك.. أسعى! وأذكر ربي.. لأرضى!!
عند كل اكتمال بدرٍ نُمنّي النفس أنك ستكون بيننا محرَّراً لتغطّي بغرّتك المحجّلة أنوار الأجرام كلها!.. ستون بدراً أطلّ وما زال قمرك موشّحاً بالغيوم.. فمتى تنجلي ونراك من دون حجب؟!
لا تقلق علينا.. فربّنا جل وعلا هو الرزّاق الكريم.. وخالك يطلّ علينا دوماً ليعيننا على الاستمرار في هذه الحياة دون فاقة.. ولا زلنا ننتظر دخولك علينا ولو بخبز وتمر وماء.. فغذاء الروح رؤيتك وبُعداً لغذاء جسد فان..
هل أخبرتكَ أنني جمعت رسائل شيخك إليك وأقرأها لك كلما جنّ الليل لتثبيتك.. هل يصل صوتي إلى مسمعك؟! أتمتمِ هذه الكلمات التي تبعث في نفسي الأمل وتعينني على تحمل مصابي ببعدِك.. لله درّه من شيخٍ ذاق فعرف.. أتذكُرُ كلماته هذه إليك ذات أسرٍ لم يكد ينتهي حتى أتاك أمر الظالمين باعتقال ثان وثالث.. اسْمَعْه يا أنا.. وتدبّر واربط على قلبك لتُحيل القضبان أكاليل غار..
“الأخ الحبيب.. إنّه في طريق الصعود والسياحة، وفي رحلة الحريّة، قد يجد المرء في النفس مرة أو مرات مرارة، أو في الطريق شموعاً منطفئة الضوء أو باردة.. وعندها يخبو أو ينام أو تأخذه سِنَة.. ولكن ذلك الموصول بالنبع لا يبرح حتى يعاود الانطلاق والتقدّم بثبات وعزم.. ابتسم وانظر إلى هناك، فلا تتوقف، ولا تنتظر، ولا تلتف للوراء..
أيقظ المارد في روحك، دعه ينطلق حراً، لا تجعل سواد الليل يسجنه، ولا دمعات القلب تقتله.
دع روحك تعود وتنمو وتتجلى بالحب والأمل والرجاء، فإنها تلكم الجنّة أورثتموها بما كنتم تعملون، وإن الله بالرضى يناديك.. فهل رضيت؟!
إني لأحسبك الرجل الصلب الثابت الواثق الذي لا تلين له قناة ولا تهتز فيه شعرة، ولا يرتج له طرف، أو يرمش له جفن.
ما أنت إلا الرجل صاحب اليقين، العاقل، المتدبر لأمر الخير الذي يقدره الله لعباده المؤمنين فيضعهم حيث يريدهم، ويمضي عليهم أمره، يربّيهم.. يبتليهم ويمحصهم، ويطهِّرهم، ويعلِّمهم، ويعدهم لإنفاذ أقداره.. ما أظنك إلا أن تتلقى أمر الله بالرضى والاستسلام، ثم تعمل على استغلال وقتك القادم في مزيد من الحمد والثناء والذكر والتبتل والخشوع والابتهال، وعودة حميدة إلى كتاب الله، وحيوية بدن ونفس، وقلم يسيل فكراً وحباً وجمالاً، ولسان عسيل يذرف أو يلقي من طيب القول يعلِّم به الجاهل ويرتقي بالمتعلِّم، وينبت في النفس الخير.”
أهٍ يا أنا.. أُثقِلَ كاهلك بحِملٍ كالجبال إلا أنك صامد كالأقصى ثابتٌ كعزّة غزة.. ملتصقٌ بمبادئك فلا مساس! تترنّح بي الذكرى حين يخاصمني الكرى فأعود إلى اعتقالاتك السابقة وكيف كانت الصعوبات تحيط بك بعد خروجك.. فلا أنت تستطيع التأقلم مع المحيط من جديد.. ولا أنت تجد فرصة عملٍ تكفيك المؤونة.. ولا أنت تستطيع إكمال دراستك من دون خطر الاعتقال من جديد!
بل هو القلق والترقّب والتضييق في كل شي خاصة في لقمة العيش! ولكنها ضريبة الثوابت ونحن بِعنا.. والله اشترى!
أتدري يا أنا؟ لقد قصصتُ من دفتر خواطرك ورقة وعلّقتها فوق سريري.. أقرأها مع وِردي المسائي كأنك تحادثني كما كنا كل مساء عندما يرتحل الجميع إلى أحلامهم ونبقى نتسامر في ظل الياسمينة.. حَوَت ورقتك كلماتٍ برائحة زيتون فلسطين تنعش قلبي وتحثّه حثاً على الاحتساب والصبر.. فأرضى بحكمه جل وعلا وأتيقن أن هذا هو قدرنا وهو الخير لي ولك ولأهلك ولفلسطين.. وأستذكر أن الدنيا لهم والآخرة لنا! تقول: “الاعتقال هو من أصعب ما قد يتعرض له صاحب دعوة أو فكرة في حياته، وهو محنة صعبة والثبات من الله، أما ما ثبتني بعد توفيق الله فهو شدة الانتماء والإيمان للدعوة، والامتنان بفضلها علي، فهي التي صنعتني وجعلتني كما أنا الآن. فضلاً عن إيماني بفكرها وحبي لوطني، وإيماني أن المرء مهما رأى من مر الحياة فلا ينبغي أن يعيش على هامشها بلا غاية كبيرة وإلا كان كغيره من الخلق جاء ومضى ولم يترك أثراً، وما خلقنا الله إلا ليترك كل منا أثره.”
سأداعب الذكرى كل يوم.. وأخط لك رسالة الصباح والمساء كما عوّدتك.. وستجيبني من سجنك المنير بإيمانك وصبرك كما كنتَ تقول لي دائماً.. “أنا بخير.. وسأبقى كذلك بإذن الله جل وعلا..”
أعلم أخي أنك لا تريدني أن أبكي.. أعِدك أن أحاول.. وأن أبقى قوية وأتماسك.. ولكني وإن قويت نهاراً وأخذتني الحياة.. فلن أضمن ليلي حين سكون الوجود.. وارتعاش الألم..
“أحبّكَ.. في شغاف القلب.. نبضٌ من دمي.. ساري!”
أختك..
حطمتَ قلبي يا أسيرُ بالرحيل..
أ.سحر المصري
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى