رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
بسم الله الرحمن الرحيم
ففروا إلى الله
خطبة جمعة 18\5\1432هـ
مسجد خالد بن الوليد
فضيلة الشيخ أحمد بن حسن المعلم
- خطبة الحاجة، والوصية بتقوى الله:
عباد الله:
يقول الله تعالى:{فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ}.
أمر الله عز جل رسوله صلى الله عليه وسلم أن يُبلغ هذا النداء العظيم إلى أمته، أن يفروا إليه سبحانه وتعالى، يفروا إليه أي: يرجعوا إليه ويتوبوا إليه التوبة الصادقة والشاملة مما يكرهه الله إلى ما يحبه، من الكفر به إلى الإيمان ومن الجهل إلى العلم، ومن الظلم إلى العدل، ومن المعصية إلى الطاعة، ومن الغفلة إلى الذكر، ومن الانحراف عن صراطه المستقيم إلى الاستقامة عليه ... الخ.
أيها الإخوة المؤمنون:
الفرار غالباً لا يكون إلا عند الخوف، عندما يخاف المخلوق ويجد خوفاً هناك يبدأ بالفرار لينجوا مما يخاف:
وللخوف مواطن من أهمها ظهور ما يشعر بقرب الموت، سواء طبيعياً أو غير طبيعي. ما يشعر بقرب قيام الساعة عندما يتوهم بعض الناس أن الساعة قريبة وأنها ستقوم.
أيضاً عندما تنعقد في سماء الأمة سحب الفتن، وسحب المخاطر، وسحب الفوضى، فإنهم يفرون إلى الله لينجيهم من ذلك.
ما يشعر بحلول الفتن والكوارث والأزمات في هذه المواطن وأشباهها، يشعر كل من بقي على فطرته بالخوف والوجل ويحاول الرجوع إلى الله.
لذلك يجب أن لا نستمر في غفلتنا وجهلنا ونحن نرى سحب الفتن تنعقد في سماء بلادنا وأمتنا، نخشى أن ينفجر الوضع في أي وقت، وأن تحل الكارثة وأن ينفرط النظام وإذا بنا كل خائف على دمه وعرضه، فعلينا هنا أن نفر إلى الله سبحانه وتعالى، إذ لا يستمر على غفلته ومعصيته وعناده إلا من فسدت فطرته، وزين له الشيطان سوء عمله قال تعالى: {فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
أي أن الأمر الطبيعي والمنطقي أنه عند حلول البأس أي الشدة والمحنة أن يتضرع الناس إلى الله، أن يتوبوا إليه ويراجعوا أنفسهم ويغيروا مابها من سوء المقاصد إلى حسن المقاصد، والتوجه الصادق إلى الله سبحانه وتعالى.
لكن أهل الشقاوة وقسوة القلوب، ومن غلب عليهم الشيطان فقلب لهم الحقائق وزين لهم سوء أعمالهم؛ فإنهم يتمادون في غيهم وكفرهم وضلالهم إلى أن يحيق بهم سوء أعمالهم: وتكون النتيجة: {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}.
ووضعُنا الحالي يستدعي الخوف بل والهلع والجزع خوفاً على الدين وعلى الدنيا، فكل ذلك في خطر؛ لأن الفتن إذا حلت أفسدت الدين والدنيا جميعاً؛ لذا فإني أنقل هذا النداء الرباني الكريم بالفرار إلى الله إلى جميع فئات هذه الأمة :
إلى الرئيس ومن بقي معه من قوى سياسية أو عسكرية.
إلى المعارضة بجميع فئاتها وأركِّز على شباب الثورة.
إلى عموم الشعب بجميع فئاتهم.
فأقول للجميع ما قاله ربهم آمراً وموجهاً لما فيه صلاح دينهم ودنياهم: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ}.
فروا إليه من كل ما يسخطه ويكرهه إلى ما يحبه الله ويرضاه، استشعروا الخوف منه تزدادون فراراً إليه، وليس هناك من يفر إليه عند الخوف منه إلا الله تعالى، وإلا فجميع المخلوقات من خاف من شيء منها فر منها ولم يفر إليها.
فأقول للرئيس فر إلى الله من ذنوبك الخاصة ومن ذنوبك العامة المتعلقة بالأمة، وبالشعب بالوطن.
قِفْ وقفة صادقة مع نفسك، مع بطانتك السيئة التي تنوب عن الشيطان، فتزين لك سوء أعمالك.
قِفْ مع نصائحهم التي هي في الحقيقة غش وخيانة وخبث، إنهم ليسوا ناصحين لك، إنهم ليسوا محبين لك، إنهم ليسوا راغبين في بقائك، وإنما يفعلون ذلك لأنفسهم ومصالحهم ولضمان بقائهم، يفعلون ذلك خشية أن ينكشفوا عندما تغيب أنت وتتركهم.
قِفْ عند تقاريرهم الكاذبة المزوَّرة التي يخدعونك بها، ويستغلون عواطفك ليحصلوا على المزيد من المال والمكانة لديك، وإن أوقعوك في أشد النكبات وأسوأ العواقب، فهم لا يبالون بك.
قِفْ عند مؤامراتهم ومخططاتهم الجهنمية التي يحيكونها لمن ليس معهم، ويجرون من خلالها البلاد والعباد إلى الفتنة العمياء والفوضى الصارمة، إلى القتل وإراقة الدماء والقضاء على الأخضر واليابس في هذا الوطن، وزرع المؤامرات والدعوات الجاهلية التي لا يعلم مدى خطورتها إلا الله؛ فإنهم وإن كانوا هم المجرمين إلا أنك أنت المسئول الأول؛ لأنك أنت صاحب القرار، وصاحب القسط الأوفر من الإثم والوزر في الدنيا والآخرة، ولئن أفلتَّ من محاكمة الدنيا، فلن تُفلتَ من محاكمة الآخرة، كفاك ما تحملت وما أثقلت به ظهرك من ذنوب وأوزار، من دماء ومآسي، ومن ظلم في طول البلاد وعرضها؛ فإن كل ذلك ولو لم تفعله أنت فأنت المسئول الأول عنه.
اغتنم الفرصةَ المعروضة عليك لتخرج بها وتخرج البلاد مما هي فيه، وتضمن عدم المساءلة في الدنيا، ثم أمامك الفرصة السانحة فيما بينك وبين الله، ولن يحول بينك وبين الله أحد، قال تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) ولكن لا تغفل وأنت تقرأ أو تسمع هذه الآية أن تقرأ ما بعدها، حيث يقول الله تعالى: (وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ ) وما بعدها من الآيات، ولاحِظْ أن الله يحث على التوبة والإنابة والتسليم له والإتباع لما أنزل من الدين قبل مجيء العذاب، أما بعد أن ينزل العذاب في الدنيا أو يأتي الموت فلن ينفع شيء من ذلك، وإنما يأتي الجواب: ( بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ ) نعم يقال هذا للكافرين ولكن أيضاً لا مانع أن يقال: وكنت من الظالمين أو من الفاسقين أو من المعرضين أو غير ذلك من ألفاظ التقريع، رجاءً أن تفر إلى الله، وترجع إلى الله وهو الذي سينجيك ويخرجك ويخرج البلاد كلها من كل مكروه، فهذه الفرصة الآن معروضة فنرجوا أن لا تضيع كما ضاعت قبلها فرص كثيرة.
النداء الثاني: أوجهه للمعارضة السياسية وللأحبة الشباب في ساحات التغيير، أتلو عليكم قول الله تعالى: (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ ) نعم أنتم بحاجة ماسة إلى الفرار إلى الله من خلال الآتي:
الأول: التوكل عليه والالتجاء إليه، والبراءة من الحول والقوة إلا به، فلا تغركم كثرتكم ولا اتساع رقعة أتباعكم،فإنكم إن وكَلكم الله إلى ذلك ضعتم وهُزمتم، وتذكروا قصة صاحب الجنة التي قصها الله في سورة الكهف: (وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا. وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا ) هناك جاء جواب صاحبه المؤمن الذي يرده وينصحه، إلى أن قال: ( وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا ) لما رأيت هذه النعمة وهذا الخير، فهلا أرجعته إلى الله، وقلت لا حول ولا قوة إلا بالله ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فتبرأت من حولك وقوتك وأرجعت الحول والقوة إلى الله، بل أعظم من ذلك وأقرب قصة الصحابة يوم حنين قال تعالى: (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ) هؤلاء وهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا شك في صدق نيتهم، واستقامة مقصدهم، ووضوح رايتهم، وصحة وسيلتهم، وأيضا يرون أمامهم العدد الكثير، عندها قالوا: لن نهزم اليوم من قلة، فأراد الله أن يؤدبهم، ويبين لهم أن النصر الذين ينزِّله عليهم ليس بكثرةٍ ولا بقوة منهم، ولكنه من الله العزيز الحكيم؛ فسلط عليهم الكفار في أول النهار حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت ثم ولوا مدبرين كما أخبر الله عز وجل.
فكل من يحاول عملاً عليه أن لا يتكل على نفسه، ولا على قوته، ولا على الأسباب الصحيحة التي أخذ بها، ولكنه يتكل على الله، ويرجو الله، ويطلب النصر من مالكه سبحانه وتعالى.
ثانياً: عليكم بالدعاء والذكر والسكينة والصبر؛ فإن تلك هي مقومات النصر والتمكين، بدل الأغاني التي نراها ونسمعها في بعض الميادين والتهريج وإرسال الرسائل إلى الشرق والغرب تقولون لهم: بأنكم لستم إرهابيين ولا متطرفين ولامتزمتين، ارفعوا الرسائل إلى رب العالمين، وقولوا له: نحن معك، ونحن بك، ونحن في سبيلك، ونحن نريد تحكيم شرعك، فإن كان النصر من الله فلن يعطيكم إياه إلا بذلك، أما إن كنتم تظنون أن النصر بيد الشرق أو الغرب؛ فسوف يكلكم الله إليهم، ولئن خرجتم منتصرين داخلياً، فستصبحون مهزومين شر هزيمة خارجياً واستراتيجياً ومصيرياً؛ فلذلك ارضوا الله يرضَ عنكم ويُرضِي عنكم من تخافونه، ومن تريدون إرضاءه، ومن تخافون من سخطه، واسمعوا إلى توجيه الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ )
ثالثاً:حددوا أصل الإصلاح وقاعدته ومنطلقه الذي هو الأصل الذي تتفرع عنه جميع المطالب التي تنادون بها ألا وهو: ( تحكيم شرع الله وتفعيل ذلك وتعميمه ) فو الله لن يمنح الله أهل هذه البلاد نصراً ولا تمكيناً ما لم تجعلوا هذا الهدف هو الهدف الأول، وتعلنوا به ولا تجاملون فيه أحداً، ولا تخافون في ذلك لومة لائم، قال الله تعالى : {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} وقال تعالى : {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} هذه هي شروط النصر وقال تعالى :( {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}.
رابعاً: إياكم والاستفزاز الذي يؤدي إلى الفتنة، فكل قول أو تصرف يؤدي إلى الفتنة والتعجيل بانفجار الأوضاع إياكم والوقوع فيه؛ فإن الله أرشدكم في هذا الحال إلى الحلم والصبر والمصابرة والمرابطة إلى أن يفتح الله بينكم وبين خصومكم، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.
خامساً: إياكم والتعنت والإصرار على مطالب مثالية لا يمكن تحقيقها، ووازنوا بين المصالح والمفاسد ولا بأس من تفويت مصلحة دنيا لتحقيق مصلحة عليا، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ( من لم يقبل بنور فيه شي من الظلمة يوشك أن يخرج إلى ظلمة لا نور فيها ).
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، فاستغفروه إنه الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
- المقدمة:
- الوصية بالتقوى:
الرسالة الثالثة إليكم جميعاً: إلى عموم الأمة أذكركم بقول الله تعالى: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ}.
وذلك من خلال:
1-التوبة فما نزلت عقوبة إلا بذنب وما رفعت إلا بتوبة
2-اللجوء إلى عبادة الله: الجئوا إلى الله، اعتصموا به، تضرعوا إليه، لا تنشغلوا بالأخبار والأحداث عن عبادة الله، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم ( عبادة في الهرج- أي في الفتنة- كهجرة إلي ) الذي يرجع في هذه الأيام إلى عبادة الله، إلى إقامة الصلاة، إلى قيام الليل، إلى الصيام، إلى ذكر الله، إلى قراءة القرآن، إلى أنواع التقرب إلى الله يعصمه الله بذلك، كما عصم أصحاب رسوله حينما هاجروا من بلدان الشرك إلى دار الإسلام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
3-الدعاء: ادعوا الله فهو الذي يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء، لانجعل أملنا وظنونا في هؤلاء الذين يسعون بالصلح والمبادرات؛ فإن قليلاً منهم من يخلص لنا و يحبنا، ومن ينصح لنا، وإنما لهم أجنداتهم وأهدافهم، لهم مطامعهم، فلا نعلق آمالنا عليهم، علقوا آمالكم على رب العالمين، وادعوه واسألوه يكشف ما بكم من ضر ومن سوء، ويزيل عنكم هذه الفتنة التي تجوس خلال دياركم. أكثروا من الدعاء؛ فإن الدعاء هو العبادة، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم.
4-احذروا من الاستقطابات،اليوم هناك خصوم وهناك محاور وهناك فئات،كل يسعى لتقوية نفسه،وللإضرار بغيره وهزيمة غيره،وكلهم يرون أن وسيلتهم في ذلك أنتم، يريدونكم مخالب القط التي يخدشون بها غيرهم،يريدونكم وسائل التدمير التي يدبرون بها غيركم،فاحذروا من كل دعوة مشبوهة،احذروا من كل مؤامرة أن تكونوا جزءاً منها،احذروا ممن يسعى بالتفريق ، يسعى بزرع الخصومات، يسعى بتجييش أهل هذه البلاد؛ضد بعضهم البعض، احذروا من ذلك كله؛لأنكم انتم الضحية في الدنيا والآخرة،وقد حذر الرسول صلى الله عليه وسلم بل قبل ذلك رب العالمين، فقال: ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ) وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (من أعان ظالماً ليدحض بباطله حقاً فقد برئت منه ذمة الله ورسوله )([1]) الذي يريد منك أن تخطب،أن تتكلم،أن تتوسط،أن تذهب لتزين باطله عند الآخرين،وتسيء وتشوه الحق الذي عند الطرف الآخر،فتعينه على ذلك، عاقبته :أن تبرأ ممن فعل ذلك ذمةُ الله وذمةُ رسوله،.وكذلك يقول صلى الله عليه وسلم: ( من أعان على خصومة بظلم فلن يزل في سخط الله حتى ينزع عن ذلك ) ([2]) فمن يرضى أن يكون في سخط الله ، أو أن تبرأ منه ذمة الله،أو يكون معينا ولو بكلمة، ولو بإشارة، ولو بدلالة على قتل مسلم أو إراقة دمه، وقد قيل: ( من أعان على قتل مسلم ولو بشطر كلمة جاء يوم القيامة ،مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله )([3]) فإياك إياك أن تعطي فرصة للمفسدين،أياً كان نوعهم،أياً كان شكلهم،من أي اتجاهٍ كانوا، أن يستخدموك وسيلة للهدم، وسيلة للإضرار بالناس،وسيلة لتحقيق مآربهم الخبيثة، وكن من الذين يدلون على الخير،ويقفون معه،ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر،ويوقفون الباطل عند حده،عسى أن تكون من المفلحين.
[1] رواه الحاكم عن ابن عباس وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة رقم 1020.
[2] رواه ابن ماجه والحاكم عن ابن عمر وصححه الألباني، انظر حديث رقم: 6049 في صحيح الجامع.
[3] روي هذا الحديث مرفوعاً ولكن ضعفه الحافظ في تلخيص الحبير، وكذا الألباني في السلسلة الضعيفة وغيره من كتبه
ففروا إلى الله
خطبة جمعة 18\5\1432هـ
مسجد خالد بن الوليد
فضيلة الشيخ أحمد بن حسن المعلم
- خطبة الحاجة، والوصية بتقوى الله:
عباد الله:
يقول الله تعالى:{فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ}.
أمر الله عز جل رسوله صلى الله عليه وسلم أن يُبلغ هذا النداء العظيم إلى أمته، أن يفروا إليه سبحانه وتعالى، يفروا إليه أي: يرجعوا إليه ويتوبوا إليه التوبة الصادقة والشاملة مما يكرهه الله إلى ما يحبه، من الكفر به إلى الإيمان ومن الجهل إلى العلم، ومن الظلم إلى العدل، ومن المعصية إلى الطاعة، ومن الغفلة إلى الذكر، ومن الانحراف عن صراطه المستقيم إلى الاستقامة عليه ... الخ.
أيها الإخوة المؤمنون:
الفرار غالباً لا يكون إلا عند الخوف، عندما يخاف المخلوق ويجد خوفاً هناك يبدأ بالفرار لينجوا مما يخاف:
وللخوف مواطن من أهمها ظهور ما يشعر بقرب الموت، سواء طبيعياً أو غير طبيعي. ما يشعر بقرب قيام الساعة عندما يتوهم بعض الناس أن الساعة قريبة وأنها ستقوم.
أيضاً عندما تنعقد في سماء الأمة سحب الفتن، وسحب المخاطر، وسحب الفوضى، فإنهم يفرون إلى الله لينجيهم من ذلك.
ما يشعر بحلول الفتن والكوارث والأزمات في هذه المواطن وأشباهها، يشعر كل من بقي على فطرته بالخوف والوجل ويحاول الرجوع إلى الله.
لذلك يجب أن لا نستمر في غفلتنا وجهلنا ونحن نرى سحب الفتن تنعقد في سماء بلادنا وأمتنا، نخشى أن ينفجر الوضع في أي وقت، وأن تحل الكارثة وأن ينفرط النظام وإذا بنا كل خائف على دمه وعرضه، فعلينا هنا أن نفر إلى الله سبحانه وتعالى، إذ لا يستمر على غفلته ومعصيته وعناده إلا من فسدت فطرته، وزين له الشيطان سوء عمله قال تعالى: {فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
أي أن الأمر الطبيعي والمنطقي أنه عند حلول البأس أي الشدة والمحنة أن يتضرع الناس إلى الله، أن يتوبوا إليه ويراجعوا أنفسهم ويغيروا مابها من سوء المقاصد إلى حسن المقاصد، والتوجه الصادق إلى الله سبحانه وتعالى.
لكن أهل الشقاوة وقسوة القلوب، ومن غلب عليهم الشيطان فقلب لهم الحقائق وزين لهم سوء أعمالهم؛ فإنهم يتمادون في غيهم وكفرهم وضلالهم إلى أن يحيق بهم سوء أعمالهم: وتكون النتيجة: {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}.
ووضعُنا الحالي يستدعي الخوف بل والهلع والجزع خوفاً على الدين وعلى الدنيا، فكل ذلك في خطر؛ لأن الفتن إذا حلت أفسدت الدين والدنيا جميعاً؛ لذا فإني أنقل هذا النداء الرباني الكريم بالفرار إلى الله إلى جميع فئات هذه الأمة :
إلى الرئيس ومن بقي معه من قوى سياسية أو عسكرية.
إلى المعارضة بجميع فئاتها وأركِّز على شباب الثورة.
إلى عموم الشعب بجميع فئاتهم.
فأقول للجميع ما قاله ربهم آمراً وموجهاً لما فيه صلاح دينهم ودنياهم: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ}.
فروا إليه من كل ما يسخطه ويكرهه إلى ما يحبه الله ويرضاه، استشعروا الخوف منه تزدادون فراراً إليه، وليس هناك من يفر إليه عند الخوف منه إلا الله تعالى، وإلا فجميع المخلوقات من خاف من شيء منها فر منها ولم يفر إليها.
فأقول للرئيس فر إلى الله من ذنوبك الخاصة ومن ذنوبك العامة المتعلقة بالأمة، وبالشعب بالوطن.
قِفْ وقفة صادقة مع نفسك، مع بطانتك السيئة التي تنوب عن الشيطان، فتزين لك سوء أعمالك.
قِفْ مع نصائحهم التي هي في الحقيقة غش وخيانة وخبث، إنهم ليسوا ناصحين لك، إنهم ليسوا محبين لك، إنهم ليسوا راغبين في بقائك، وإنما يفعلون ذلك لأنفسهم ومصالحهم ولضمان بقائهم، يفعلون ذلك خشية أن ينكشفوا عندما تغيب أنت وتتركهم.
قِفْ عند تقاريرهم الكاذبة المزوَّرة التي يخدعونك بها، ويستغلون عواطفك ليحصلوا على المزيد من المال والمكانة لديك، وإن أوقعوك في أشد النكبات وأسوأ العواقب، فهم لا يبالون بك.
قِفْ عند مؤامراتهم ومخططاتهم الجهنمية التي يحيكونها لمن ليس معهم، ويجرون من خلالها البلاد والعباد إلى الفتنة العمياء والفوضى الصارمة، إلى القتل وإراقة الدماء والقضاء على الأخضر واليابس في هذا الوطن، وزرع المؤامرات والدعوات الجاهلية التي لا يعلم مدى خطورتها إلا الله؛ فإنهم وإن كانوا هم المجرمين إلا أنك أنت المسئول الأول؛ لأنك أنت صاحب القرار، وصاحب القسط الأوفر من الإثم والوزر في الدنيا والآخرة، ولئن أفلتَّ من محاكمة الدنيا، فلن تُفلتَ من محاكمة الآخرة، كفاك ما تحملت وما أثقلت به ظهرك من ذنوب وأوزار، من دماء ومآسي، ومن ظلم في طول البلاد وعرضها؛ فإن كل ذلك ولو لم تفعله أنت فأنت المسئول الأول عنه.
اغتنم الفرصةَ المعروضة عليك لتخرج بها وتخرج البلاد مما هي فيه، وتضمن عدم المساءلة في الدنيا، ثم أمامك الفرصة السانحة فيما بينك وبين الله، ولن يحول بينك وبين الله أحد، قال تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) ولكن لا تغفل وأنت تقرأ أو تسمع هذه الآية أن تقرأ ما بعدها، حيث يقول الله تعالى: (وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ ) وما بعدها من الآيات، ولاحِظْ أن الله يحث على التوبة والإنابة والتسليم له والإتباع لما أنزل من الدين قبل مجيء العذاب، أما بعد أن ينزل العذاب في الدنيا أو يأتي الموت فلن ينفع شيء من ذلك، وإنما يأتي الجواب: ( بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ ) نعم يقال هذا للكافرين ولكن أيضاً لا مانع أن يقال: وكنت من الظالمين أو من الفاسقين أو من المعرضين أو غير ذلك من ألفاظ التقريع، رجاءً أن تفر إلى الله، وترجع إلى الله وهو الذي سينجيك ويخرجك ويخرج البلاد كلها من كل مكروه، فهذه الفرصة الآن معروضة فنرجوا أن لا تضيع كما ضاعت قبلها فرص كثيرة.
النداء الثاني: أوجهه للمعارضة السياسية وللأحبة الشباب في ساحات التغيير، أتلو عليكم قول الله تعالى: (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ ) نعم أنتم بحاجة ماسة إلى الفرار إلى الله من خلال الآتي:
الأول: التوكل عليه والالتجاء إليه، والبراءة من الحول والقوة إلا به، فلا تغركم كثرتكم ولا اتساع رقعة أتباعكم،فإنكم إن وكَلكم الله إلى ذلك ضعتم وهُزمتم، وتذكروا قصة صاحب الجنة التي قصها الله في سورة الكهف: (وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا. وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا ) هناك جاء جواب صاحبه المؤمن الذي يرده وينصحه، إلى أن قال: ( وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا ) لما رأيت هذه النعمة وهذا الخير، فهلا أرجعته إلى الله، وقلت لا حول ولا قوة إلا بالله ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فتبرأت من حولك وقوتك وأرجعت الحول والقوة إلى الله، بل أعظم من ذلك وأقرب قصة الصحابة يوم حنين قال تعالى: (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ) هؤلاء وهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا شك في صدق نيتهم، واستقامة مقصدهم، ووضوح رايتهم، وصحة وسيلتهم، وأيضا يرون أمامهم العدد الكثير، عندها قالوا: لن نهزم اليوم من قلة، فأراد الله أن يؤدبهم، ويبين لهم أن النصر الذين ينزِّله عليهم ليس بكثرةٍ ولا بقوة منهم، ولكنه من الله العزيز الحكيم؛ فسلط عليهم الكفار في أول النهار حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت ثم ولوا مدبرين كما أخبر الله عز وجل.
فكل من يحاول عملاً عليه أن لا يتكل على نفسه، ولا على قوته، ولا على الأسباب الصحيحة التي أخذ بها، ولكنه يتكل على الله، ويرجو الله، ويطلب النصر من مالكه سبحانه وتعالى.
ثانياً: عليكم بالدعاء والذكر والسكينة والصبر؛ فإن تلك هي مقومات النصر والتمكين، بدل الأغاني التي نراها ونسمعها في بعض الميادين والتهريج وإرسال الرسائل إلى الشرق والغرب تقولون لهم: بأنكم لستم إرهابيين ولا متطرفين ولامتزمتين، ارفعوا الرسائل إلى رب العالمين، وقولوا له: نحن معك، ونحن بك، ونحن في سبيلك، ونحن نريد تحكيم شرعك، فإن كان النصر من الله فلن يعطيكم إياه إلا بذلك، أما إن كنتم تظنون أن النصر بيد الشرق أو الغرب؛ فسوف يكلكم الله إليهم، ولئن خرجتم منتصرين داخلياً، فستصبحون مهزومين شر هزيمة خارجياً واستراتيجياً ومصيرياً؛ فلذلك ارضوا الله يرضَ عنكم ويُرضِي عنكم من تخافونه، ومن تريدون إرضاءه، ومن تخافون من سخطه، واسمعوا إلى توجيه الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ )
ثالثاً:حددوا أصل الإصلاح وقاعدته ومنطلقه الذي هو الأصل الذي تتفرع عنه جميع المطالب التي تنادون بها ألا وهو: ( تحكيم شرع الله وتفعيل ذلك وتعميمه ) فو الله لن يمنح الله أهل هذه البلاد نصراً ولا تمكيناً ما لم تجعلوا هذا الهدف هو الهدف الأول، وتعلنوا به ولا تجاملون فيه أحداً، ولا تخافون في ذلك لومة لائم، قال الله تعالى : {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} وقال تعالى : {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} هذه هي شروط النصر وقال تعالى :( {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}.
رابعاً: إياكم والاستفزاز الذي يؤدي إلى الفتنة، فكل قول أو تصرف يؤدي إلى الفتنة والتعجيل بانفجار الأوضاع إياكم والوقوع فيه؛ فإن الله أرشدكم في هذا الحال إلى الحلم والصبر والمصابرة والمرابطة إلى أن يفتح الله بينكم وبين خصومكم، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.
خامساً: إياكم والتعنت والإصرار على مطالب مثالية لا يمكن تحقيقها، ووازنوا بين المصالح والمفاسد ولا بأس من تفويت مصلحة دنيا لتحقيق مصلحة عليا، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ( من لم يقبل بنور فيه شي من الظلمة يوشك أن يخرج إلى ظلمة لا نور فيها ).
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، فاستغفروه إنه الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
- المقدمة:
- الوصية بالتقوى:
الرسالة الثالثة إليكم جميعاً: إلى عموم الأمة أذكركم بقول الله تعالى: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ}.
وذلك من خلال:
1-التوبة فما نزلت عقوبة إلا بذنب وما رفعت إلا بتوبة
2-اللجوء إلى عبادة الله: الجئوا إلى الله، اعتصموا به، تضرعوا إليه، لا تنشغلوا بالأخبار والأحداث عن عبادة الله، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم ( عبادة في الهرج- أي في الفتنة- كهجرة إلي ) الذي يرجع في هذه الأيام إلى عبادة الله، إلى إقامة الصلاة، إلى قيام الليل، إلى الصيام، إلى ذكر الله، إلى قراءة القرآن، إلى أنواع التقرب إلى الله يعصمه الله بذلك، كما عصم أصحاب رسوله حينما هاجروا من بلدان الشرك إلى دار الإسلام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
3-الدعاء: ادعوا الله فهو الذي يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء، لانجعل أملنا وظنونا في هؤلاء الذين يسعون بالصلح والمبادرات؛ فإن قليلاً منهم من يخلص لنا و يحبنا، ومن ينصح لنا، وإنما لهم أجنداتهم وأهدافهم، لهم مطامعهم، فلا نعلق آمالنا عليهم، علقوا آمالكم على رب العالمين، وادعوه واسألوه يكشف ما بكم من ضر ومن سوء، ويزيل عنكم هذه الفتنة التي تجوس خلال دياركم. أكثروا من الدعاء؛ فإن الدعاء هو العبادة، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم.
4-احذروا من الاستقطابات،اليوم هناك خصوم وهناك محاور وهناك فئات،كل يسعى لتقوية نفسه،وللإضرار بغيره وهزيمة غيره،وكلهم يرون أن وسيلتهم في ذلك أنتم، يريدونكم مخالب القط التي يخدشون بها غيرهم،يريدونكم وسائل التدمير التي يدبرون بها غيركم،فاحذروا من كل دعوة مشبوهة،احذروا من كل مؤامرة أن تكونوا جزءاً منها،احذروا ممن يسعى بالتفريق ، يسعى بزرع الخصومات، يسعى بتجييش أهل هذه البلاد؛ضد بعضهم البعض، احذروا من ذلك كله؛لأنكم انتم الضحية في الدنيا والآخرة،وقد حذر الرسول صلى الله عليه وسلم بل قبل ذلك رب العالمين، فقال: ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ) وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (من أعان ظالماً ليدحض بباطله حقاً فقد برئت منه ذمة الله ورسوله )([1]) الذي يريد منك أن تخطب،أن تتكلم،أن تتوسط،أن تذهب لتزين باطله عند الآخرين،وتسيء وتشوه الحق الذي عند الطرف الآخر،فتعينه على ذلك، عاقبته :أن تبرأ ممن فعل ذلك ذمةُ الله وذمةُ رسوله،.وكذلك يقول صلى الله عليه وسلم: ( من أعان على خصومة بظلم فلن يزل في سخط الله حتى ينزع عن ذلك ) ([2]) فمن يرضى أن يكون في سخط الله ، أو أن تبرأ منه ذمة الله،أو يكون معينا ولو بكلمة، ولو بإشارة، ولو بدلالة على قتل مسلم أو إراقة دمه، وقد قيل: ( من أعان على قتل مسلم ولو بشطر كلمة جاء يوم القيامة ،مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله )([3]) فإياك إياك أن تعطي فرصة للمفسدين،أياً كان نوعهم،أياً كان شكلهم،من أي اتجاهٍ كانوا، أن يستخدموك وسيلة للهدم، وسيلة للإضرار بالناس،وسيلة لتحقيق مآربهم الخبيثة، وكن من الذين يدلون على الخير،ويقفون معه،ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر،ويوقفون الباطل عند حده،عسى أن تكون من المفلحين.
[1] رواه الحاكم عن ابن عباس وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة رقم 1020.
[2] رواه ابن ماجه والحاكم عن ابن عمر وصححه الألباني، انظر حديث رقم: 6049 في صحيح الجامع.
[3] روي هذا الحديث مرفوعاً ولكن ضعفه الحافظ في تلخيص الحبير، وكذا الألباني في السلسلة الضعيفة وغيره من كتبه
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى