رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
سم الله الرحمن الرحيم
متفرقات
الحمد لله {عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ الْإِنسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ وَالسَّمَاء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ} ([1]) والصلاة و السلام على من شرح الله صدره، ووضع عنه وزره، ورفع له ذكره، وأعطاه الكوثر وحكم أن شانئه هو الأبتر، صلى الله عليه وعلى آله الذين به شرفوا وعزوا، و صحابته الذين به انتصروا وبزوا. وأشهد أن لا إله إلا الله و أشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد:
عباد الله:
فأوصيكم و نفسي بتقوى الله: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ] ([2]).
أيها المؤمنون:
تكاثرت الخطوب و تجمعت المناسبات و تحتم القول في أكثر من مجال، فلأبأس أن يكون حديثنا اليوم ذا شجون.
نعم: الأمة تحتفل بالمولد على امتداد رقعتها وحكوماتها ومنظماتها وشعوبها. كل بطريقته التي اختارها، ووسيلته التي ارتضاها، لا يجمعهم هدف ولايربطهم منهج في ذلك، وصدق الله: [وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا] ([3])، لقد تفاوتت مظاهر الاحتفالات وما فيها شيء من منهاج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام، فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد شكر الله يوم مولده بالصيام، و قد خلّد الصحابة ذكره وحفظوا إرثه بالعلم والعمل والالتزام، ودافعوا عنه بحد الحسام، و لولا ذلك لما وصل إلينا دين الإسلام، وهذا هو الاحتفال الحق والذكرى النافعة، فمن كان يحبه ويحب دينه ويغار على عرضه وعلى شرعه فليلتزم طريق أولئك الأخيار، والتابعين له وأئمة الإسلام قولاً وعملاً وسلوكاً وخلقاً، ويدع ما أحدثه المحدثون وما ابتدعه المبتدعون.
عباد الله:
جاء الإسلام بالأمن والسلام والطمأنينة، وإفشاء المحبة والود بين المؤمنين، قال: [وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ] ([4]) و قال سبحانه: [ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ] ([5]) و قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حتى تُؤْمِنُوا ولا تُؤْمِنُوا حتى تَحَابُّوا أَوَلَا أَدُلُّكُمْ على شَيْءٍ إذا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ) ([6]) و قال صلى الله عليه وسلم: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده و المؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم) ([7]).
هذا هو الإسلام الحق والمؤمن الصادق المحبوب عند الله المكرم في الدنيا والآخرة، وعكسه من آذى المسلمين في أنفسهم أو أموالهم أو أعراضهم أو أقلق سكينتهم، وقد سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن امرأة تصوم النهار وتقوم الليل ولكنها تؤذي جيرانها فقال: ( هي في النار) ([8]). وأشد ذماً وأكبر جرماً من روَّع المسلمين، وسفك دمائهم وأخاف سبيلهم قال الله تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ{32} إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} ([9]).
هذا هو منهج الإسلام في الحياة: نشر الأمن والسلامة والطمأنينة، ومحاربة كل ما هو بخلاف ذلك مما يمس حياة المؤمنين والمعاهدين و المستأمنين. فكيف يليق أن ينشر الرعب وأن يزرع الخوف وأن يدق ناقوس الفساد في أوساط المسلمين وفي بلد الإيمان والحكمة؟! في بلد وصف الله أهله بأنهم: (ألين قلوباً وأرق أفئدة) ([10]) كيف يحصل خلال يومين خمس حوادث كلها لا مسوِّغ لها، ولا هدف إلا الإفساد و الترويع وإزهاق الأنفس البرئية وهدم الممتلكات – وبغض النظر عن قلة أو كثرة الضحايا والخسائر أو مكان الحادث أو من هو الذي يقف خلفه بغض النظر عن ذلك كله - فإن تلك الحوادث مؤشرات ونواقيس خطر إنها مقدمات فتنة وأبواب مزالق لا ندري إلى أين تنحدر، ولقد أجمع العقلاء على إدانتها وهذا شيء طيب، ولكن الأطيب منه أن يجمعوا على محاربتها ويجمعوا على الإصرار والتأكيد على كشف من يقف وراءها، وعلى عقابه العقاب الشرعي الرادع، و على إقامة الحد الشرعي إن أوجب أو التعزير الرادع في حدود العدل الذي أمر الله به.
ومن المفيد جداً أن يجمع الجميع على البحث عن الأسباب والبواعث التي دفعت أولئك المجرمين على ارتكاب جرائمهم، ثم العمل على إزالة تلك الأسباب والذرائع و تحصين الأمة بالعلم و الإيمان والعدل وإزالة الظلم والطغيان، قال الله تعالى: [ إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ] ([11]) و قال تعالى: [الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ] ([12]).
وقد أرسل عمر بن عبدالعزيز إلى واليه يأمره بأن يحصن بلاده بالعدل.
الخطبة الثانية
الحمد و الثناء:
عباد الله:
إن من الأحداث المهمة التي سوف تجري في بلادنا الحبيبة مؤتمر فرص الاستثمار، والذي سيكون في الأسبوع المقبل. وهذا المؤتمر الغرض منه جلب المستثمرين إلى حضرموت وإقناعهم بالاستثمار فيها، وهذا هدف نبيل لا شك يُشكر من فكر فيه وسعى وتعب لتحقيقه؛ وذلك لما يترتب على نجاحه من مكاسب للبلاد والعباد: فرص عمل، وتدفق أموال، وإقامة العمران، والصناعات وغير ذلك مما ينعش البلاد ويستوعب الشباب في كثير من الأعمال، فتسعد بهم أسرهم إن شاء الله.
ومع شكري للساعين فيه والعمل على إقامته فإني أوجه لهم نصيحة مخلصة فيما يتعلق بالسياحة؛ فإن للسياحة أهمية كبرى عند الدول لما توفره من دخل وجلب للعملة الصعبة وتحريك للأسواق وغير ذلك، و هذا عند الذين لا يفكرون إلا في الدنيا فقط من أسمى الغايات لأنهم لا يفكرون في الجانب الآخر الجانب الديني الأخلاقي فهم كما قال الله تعالى: [يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ] ([13]).
لكن المؤمنين ومنهم الشعب اليمني لا بد أن يكون تفكيرهم أشمل و نظرتهم أعمق وأن يكون النظر إلى ما يصلح الدين ويحفظ الأخلاق هو المقدم عندهم لأن الأصل في المؤمنين أنهم يقولون [رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ] ([14]) ويتمثلون الوصية العظيمة التي أوصى بها المؤمنون من قوم موسى قارون حيث قالوا: [وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللهُ الدَّارَ الآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ المُفْسِدِينَ] ([15]) وإذا حفظ الدين والأخلاق حفظت الدنيا وصلحت وبورك فيها، قال تعالى: [وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ] ([16]).
لذلك كله فإني أحذر القائمين على المؤتمر والمسئولين عموماً من فتح باب للسياحة الترفيهية كما يسميها البعض؛ فإن هذه السياحة هي الشر والفساد، وهي الخطر على القيم والأخلاق والفضيلة، هي الباب الكبير لانتشار الرذيلة؛ فإن من مستلزماتها كما هو مشاهد في البلدان التي تبيحها وتفتح المجال لها. من مستلزماتها المسارح والمسابح وأوكار الدعارة وترويج الخمور والمخدرات والقمار وتوفير البغايا العاهرات. هذا هو شأن السياحة الترفيهية عند من سبقنا إليها و السعيد من وعظ بغيره فلا يجوز أن نفتح باباً على أنفسنا كان مغلقاً و لا نسن سنة يكون على سنها وزرها و وزر من عمل بها إلى يوم القيامة.
ولئن تركنا ما يسخط الله واتبعنا رضوانه فإنه كفيل بإعزازنا وإغنائنا و أحبائنا بالحياة الطيبة، قال تعالى: ( من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى فلنحيينه حياة طيبة ) وقال تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا المُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا المَسْجِدَ الحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ] ([17]) فهؤلاء المشركون حكم الله بأنهم نجس، وهم يأتون الحج والعمرة وعبادة الله بزعمهم، فكيف بمن يأتون الفحش و الفجور ونشر الرذيلة وقتل الفضيلة. ثم إن الله أمنهم مما يخافون منه وهو قلة الدخل و انقطاع الموارد فقال تعالى: [ وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً ] أي فقد يقول هؤلاء عنكم: [فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ] فلا خوف من الفقر والفساد ما دامت الأمة متمسكة بأمر ربها.
أيها الإخوة المؤمنون:
إن مما يؤسف له أن بعض الداعين لهذا المؤتمر العاملين على إنجاحه يصر أن يشوه وجهه ويذهب بركته، وأن يدخله في سخط الله، وذلك بإقامة فعالية قالت الصحف إنها يشترك فيها (400) راقص وراقصة، وما قالته الصحف هو مبالغ فيه وغير دقيق، و لكن الحقيقة أن تلك الفعالية سوف يشارك فيها حسبما أعد ما يقارب عشرين امرأة تقوم ببعض الرقصات وأنواع الشرح و غيره، مما يراد عرضه كما أن هناك أكثر من ثمانين فتاة صغيرة يراد أن يرقصن رقصات خاصة على إيقاعات الموسيقى، وهذا كله حرام والموسيقى في أصلها حرام؛ فإن زاد عليها رقص النساء تضاعف الحرام وزاد المحظور وعمل هؤلاء سبباً من أسباب سخط الله الجالبة لعقوبته. قال صلى الله عليه وسلم :( ليكونن في هذه الأمة خسوف و قذف و مسخ وذلك إذا شربوا الخمور واتخذوا القينات و ضربوا بالمعازف ) ([18]) والحديث صحيح.
والحقيقة فإن الأخ محافظ المحافظة قد وقف موقفاً مشرفاً من هذا العمل، وأمر بإيقافه، واسأل الله أن يثبته على موقفه ذلك و يثيبه عليه، وأن لا يسلط علينا من يريد نشر السوء والفحشاء؛ فإن من أسباب هلاك القرى أن يتسلط عليها المترفون فينشروا فيها مثل هذه الأعمال القبيحة قال تعالى: [وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا القَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا] ([19]) وهذا إنما هو تحذير من الإصرار على فعل ذلك المنكر، فإن استجابوا فشَكَرَ الله لهم وجزاهم الله خيراً، و الذكرى تنفع المؤمنين، وإن أصروا فلنا موقف آخر و الله المستعان.
[1] الرحمن من 2 إلى 7.
[2] {الحشر:18}.
[3] النساء 82.
[4]{آل عمران:103}
[5] {النور:55}
[6] رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ( 1 / 74 ) رقم 54.
[7] رواه أحمد الترمذي والنسائي والحاكم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم 6710.
[8] رواه أحمد والبزار وبن حبان الحاكم وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب رقم2560.
[9] المائدة 32-33.
[10] متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
[11] فاطر 28.
[12] {الأنعام:82}.
[13] {الرُّوم:7}.
[14] البقرة 201.
[15] {القصص:77}.
[16] {الأعراف:96}.
[17] {التوبة:28}.
[18] سنن الترمذي وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم 5467.
[19] {الإسراء:16}.
متفرقات
الحمد لله {عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ الْإِنسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ وَالسَّمَاء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ} ([1]) والصلاة و السلام على من شرح الله صدره، ووضع عنه وزره، ورفع له ذكره، وأعطاه الكوثر وحكم أن شانئه هو الأبتر، صلى الله عليه وعلى آله الذين به شرفوا وعزوا، و صحابته الذين به انتصروا وبزوا. وأشهد أن لا إله إلا الله و أشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد:
عباد الله:
فأوصيكم و نفسي بتقوى الله: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ] ([2]).
أيها المؤمنون:
تكاثرت الخطوب و تجمعت المناسبات و تحتم القول في أكثر من مجال، فلأبأس أن يكون حديثنا اليوم ذا شجون.
نعم: الأمة تحتفل بالمولد على امتداد رقعتها وحكوماتها ومنظماتها وشعوبها. كل بطريقته التي اختارها، ووسيلته التي ارتضاها، لا يجمعهم هدف ولايربطهم منهج في ذلك، وصدق الله: [وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا] ([3])، لقد تفاوتت مظاهر الاحتفالات وما فيها شيء من منهاج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام، فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد شكر الله يوم مولده بالصيام، و قد خلّد الصحابة ذكره وحفظوا إرثه بالعلم والعمل والالتزام، ودافعوا عنه بحد الحسام، و لولا ذلك لما وصل إلينا دين الإسلام، وهذا هو الاحتفال الحق والذكرى النافعة، فمن كان يحبه ويحب دينه ويغار على عرضه وعلى شرعه فليلتزم طريق أولئك الأخيار، والتابعين له وأئمة الإسلام قولاً وعملاً وسلوكاً وخلقاً، ويدع ما أحدثه المحدثون وما ابتدعه المبتدعون.
عباد الله:
جاء الإسلام بالأمن والسلام والطمأنينة، وإفشاء المحبة والود بين المؤمنين، قال: [وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ] ([4]) و قال سبحانه: [ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ] ([5]) و قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حتى تُؤْمِنُوا ولا تُؤْمِنُوا حتى تَحَابُّوا أَوَلَا أَدُلُّكُمْ على شَيْءٍ إذا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ) ([6]) و قال صلى الله عليه وسلم: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده و المؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم) ([7]).
هذا هو الإسلام الحق والمؤمن الصادق المحبوب عند الله المكرم في الدنيا والآخرة، وعكسه من آذى المسلمين في أنفسهم أو أموالهم أو أعراضهم أو أقلق سكينتهم، وقد سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن امرأة تصوم النهار وتقوم الليل ولكنها تؤذي جيرانها فقال: ( هي في النار) ([8]). وأشد ذماً وأكبر جرماً من روَّع المسلمين، وسفك دمائهم وأخاف سبيلهم قال الله تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ{32} إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} ([9]).
هذا هو منهج الإسلام في الحياة: نشر الأمن والسلامة والطمأنينة، ومحاربة كل ما هو بخلاف ذلك مما يمس حياة المؤمنين والمعاهدين و المستأمنين. فكيف يليق أن ينشر الرعب وأن يزرع الخوف وأن يدق ناقوس الفساد في أوساط المسلمين وفي بلد الإيمان والحكمة؟! في بلد وصف الله أهله بأنهم: (ألين قلوباً وأرق أفئدة) ([10]) كيف يحصل خلال يومين خمس حوادث كلها لا مسوِّغ لها، ولا هدف إلا الإفساد و الترويع وإزهاق الأنفس البرئية وهدم الممتلكات – وبغض النظر عن قلة أو كثرة الضحايا والخسائر أو مكان الحادث أو من هو الذي يقف خلفه بغض النظر عن ذلك كله - فإن تلك الحوادث مؤشرات ونواقيس خطر إنها مقدمات فتنة وأبواب مزالق لا ندري إلى أين تنحدر، ولقد أجمع العقلاء على إدانتها وهذا شيء طيب، ولكن الأطيب منه أن يجمعوا على محاربتها ويجمعوا على الإصرار والتأكيد على كشف من يقف وراءها، وعلى عقابه العقاب الشرعي الرادع، و على إقامة الحد الشرعي إن أوجب أو التعزير الرادع في حدود العدل الذي أمر الله به.
ومن المفيد جداً أن يجمع الجميع على البحث عن الأسباب والبواعث التي دفعت أولئك المجرمين على ارتكاب جرائمهم، ثم العمل على إزالة تلك الأسباب والذرائع و تحصين الأمة بالعلم و الإيمان والعدل وإزالة الظلم والطغيان، قال الله تعالى: [ إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ] ([11]) و قال تعالى: [الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ] ([12]).
وقد أرسل عمر بن عبدالعزيز إلى واليه يأمره بأن يحصن بلاده بالعدل.
الخطبة الثانية
الحمد و الثناء:
عباد الله:
إن من الأحداث المهمة التي سوف تجري في بلادنا الحبيبة مؤتمر فرص الاستثمار، والذي سيكون في الأسبوع المقبل. وهذا المؤتمر الغرض منه جلب المستثمرين إلى حضرموت وإقناعهم بالاستثمار فيها، وهذا هدف نبيل لا شك يُشكر من فكر فيه وسعى وتعب لتحقيقه؛ وذلك لما يترتب على نجاحه من مكاسب للبلاد والعباد: فرص عمل، وتدفق أموال، وإقامة العمران، والصناعات وغير ذلك مما ينعش البلاد ويستوعب الشباب في كثير من الأعمال، فتسعد بهم أسرهم إن شاء الله.
ومع شكري للساعين فيه والعمل على إقامته فإني أوجه لهم نصيحة مخلصة فيما يتعلق بالسياحة؛ فإن للسياحة أهمية كبرى عند الدول لما توفره من دخل وجلب للعملة الصعبة وتحريك للأسواق وغير ذلك، و هذا عند الذين لا يفكرون إلا في الدنيا فقط من أسمى الغايات لأنهم لا يفكرون في الجانب الآخر الجانب الديني الأخلاقي فهم كما قال الله تعالى: [يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ] ([13]).
لكن المؤمنين ومنهم الشعب اليمني لا بد أن يكون تفكيرهم أشمل و نظرتهم أعمق وأن يكون النظر إلى ما يصلح الدين ويحفظ الأخلاق هو المقدم عندهم لأن الأصل في المؤمنين أنهم يقولون [رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ] ([14]) ويتمثلون الوصية العظيمة التي أوصى بها المؤمنون من قوم موسى قارون حيث قالوا: [وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللهُ الدَّارَ الآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ المُفْسِدِينَ] ([15]) وإذا حفظ الدين والأخلاق حفظت الدنيا وصلحت وبورك فيها، قال تعالى: [وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ] ([16]).
لذلك كله فإني أحذر القائمين على المؤتمر والمسئولين عموماً من فتح باب للسياحة الترفيهية كما يسميها البعض؛ فإن هذه السياحة هي الشر والفساد، وهي الخطر على القيم والأخلاق والفضيلة، هي الباب الكبير لانتشار الرذيلة؛ فإن من مستلزماتها كما هو مشاهد في البلدان التي تبيحها وتفتح المجال لها. من مستلزماتها المسارح والمسابح وأوكار الدعارة وترويج الخمور والمخدرات والقمار وتوفير البغايا العاهرات. هذا هو شأن السياحة الترفيهية عند من سبقنا إليها و السعيد من وعظ بغيره فلا يجوز أن نفتح باباً على أنفسنا كان مغلقاً و لا نسن سنة يكون على سنها وزرها و وزر من عمل بها إلى يوم القيامة.
ولئن تركنا ما يسخط الله واتبعنا رضوانه فإنه كفيل بإعزازنا وإغنائنا و أحبائنا بالحياة الطيبة، قال تعالى: ( من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى فلنحيينه حياة طيبة ) وقال تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا المُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا المَسْجِدَ الحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ] ([17]) فهؤلاء المشركون حكم الله بأنهم نجس، وهم يأتون الحج والعمرة وعبادة الله بزعمهم، فكيف بمن يأتون الفحش و الفجور ونشر الرذيلة وقتل الفضيلة. ثم إن الله أمنهم مما يخافون منه وهو قلة الدخل و انقطاع الموارد فقال تعالى: [ وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً ] أي فقد يقول هؤلاء عنكم: [فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ] فلا خوف من الفقر والفساد ما دامت الأمة متمسكة بأمر ربها.
أيها الإخوة المؤمنون:
إن مما يؤسف له أن بعض الداعين لهذا المؤتمر العاملين على إنجاحه يصر أن يشوه وجهه ويذهب بركته، وأن يدخله في سخط الله، وذلك بإقامة فعالية قالت الصحف إنها يشترك فيها (400) راقص وراقصة، وما قالته الصحف هو مبالغ فيه وغير دقيق، و لكن الحقيقة أن تلك الفعالية سوف يشارك فيها حسبما أعد ما يقارب عشرين امرأة تقوم ببعض الرقصات وأنواع الشرح و غيره، مما يراد عرضه كما أن هناك أكثر من ثمانين فتاة صغيرة يراد أن يرقصن رقصات خاصة على إيقاعات الموسيقى، وهذا كله حرام والموسيقى في أصلها حرام؛ فإن زاد عليها رقص النساء تضاعف الحرام وزاد المحظور وعمل هؤلاء سبباً من أسباب سخط الله الجالبة لعقوبته. قال صلى الله عليه وسلم :( ليكونن في هذه الأمة خسوف و قذف و مسخ وذلك إذا شربوا الخمور واتخذوا القينات و ضربوا بالمعازف ) ([18]) والحديث صحيح.
والحقيقة فإن الأخ محافظ المحافظة قد وقف موقفاً مشرفاً من هذا العمل، وأمر بإيقافه، واسأل الله أن يثبته على موقفه ذلك و يثيبه عليه، وأن لا يسلط علينا من يريد نشر السوء والفحشاء؛ فإن من أسباب هلاك القرى أن يتسلط عليها المترفون فينشروا فيها مثل هذه الأعمال القبيحة قال تعالى: [وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا القَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا] ([19]) وهذا إنما هو تحذير من الإصرار على فعل ذلك المنكر، فإن استجابوا فشَكَرَ الله لهم وجزاهم الله خيراً، و الذكرى تنفع المؤمنين، وإن أصروا فلنا موقف آخر و الله المستعان.
[1] الرحمن من 2 إلى 7.
[2] {الحشر:18}.
[3] النساء 82.
[4]{آل عمران:103}
[5] {النور:55}
[6] رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ( 1 / 74 ) رقم 54.
[7] رواه أحمد الترمذي والنسائي والحاكم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم 6710.
[8] رواه أحمد والبزار وبن حبان الحاكم وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب رقم2560.
[9] المائدة 32-33.
[10] متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
[11] فاطر 28.
[12] {الأنعام:82}.
[13] {الرُّوم:7}.
[14] البقرة 201.
[15] {القصص:77}.
[16] {الأعراف:96}.
[17] {التوبة:28}.
[18] سنن الترمذي وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم 5467.
[19] {الإسراء:16}.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى