خلود
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
قد تبدو فكرة هذا المقال طريفة, لكني أدعوا القارئ الكريم أن يقرأه بشيء من الجدية حيث سنقف على حقيقة تاريخية تفسر لنا الكثير من خلفيات السياسة الأمريكية في التعاطي مع الإسلام والمسلمين .
وقبل أن نبدأ دعونا نتفق أن كلمة (مطوع ) في العرف المحلي السعودي هي: (وصف للشخص الأكثر تدينا), وهو ذاته المعنى الذي أعنيه في حديثي عن الصنف الجديد من (المطاوعة الخواجة), على اختلاف في صحة التدين (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ)
سأخبركم عن سبب ولادة هذا المقال .. ففي الأيام الماضية كنت منشغلة كثيرا بإعداد تقرير يكشف عن بعض الجوانب غير المعلنة من حياة وزيرة الخارجية (هيلاري كلينتون), وقد آثرت عدم نشره – أي التقرير - حتى تمر الذكرى العاشرة لأحداث الحادي عشر من سبتمبر لكونها هذا العام توافق (ثورات الربيع الإسلامي العربي), وما فعلي هذا إلا رجاء أن أخرج باستنتاجات جديدة تثريني فيما أنا بصدد البحث عنه .
وبالرغم من عدم شغفي بالسياسة إلا أنه ثمة أمر تأكد لي فآثرت أن أفصله تماما عن محتوى تقريري وأطرحه في هذه الأسطر لتتضح الرؤية .
الأمر الذي خرجت به من كل هذا الزخم من الدعاية للديمقراطية الأمريكية هو:
أن صناع القرار السياسي في أمريكا هم تكتل كبير ومتفرع من (المطاوعة البروتستانت) !!
بل أن الدين المسيحي هو حجر الأساس في إنشاء الديمقراطية الأمريكية وعلى هذا فهو الذي يحدد سياساتها الخارجية والداخلية على حد سواء .
ولم أكن أول من يكتشف هذه الحقيقة التاريخية وحتما لن أكون الأخيرة, حيث أن مجموعة من الملحدين منهم الملحد البريطاني برتراند راسل كانوا يرون أن (الدين في أمريكا أي المسيحية والبروتستانتية تحديدا كانت أساس إنضاج الديمقراطية الأمريكية) (2)
بل إن المفكر الكاثوليكي الفرنسي جاك ماريتين الكاثوليكي - الذي شارك في إعداد مسودة إعلان الأمم المتحدة لحقوق الإنسان – (لم يَـكَل قط من التأكيد على أن الأصول المسيحية للديمقراطية المزدهرة في أميركا كان لها أبلغ الأثر عليه !!!! ) (3)
نحن هنا نتحدث عن (ديمقراطية مسيحية أصولية) كوصف دقيق للديمقراطية الأمريكية وهو ما تحاول أمريكا نفيه , وإلا فإن الديمقراطية المسيحية الكاثوليكية في (الدول الأوربية) أمر معترف به هناك ولا تنكره الكثير من تلك الدول كألمانيا وإيطاليا وبلجيكا وهولندا و فرنسا وإن كانت تلك المسحة الدينية قد تلاشت كثيرا هناك واتجهت إلى العلمانية إلا أن الديمقراطية الأمريكية البروتستانتية ظلت محافظة على توجهها الأصولي بتأكيدات رؤسائها.
وعلى هذا فهي ستكون (ديمقراطية لا ليبرالية ) وهذا النوع من الديمقراطية تسميه بعض المراجع: بـ(الديمقراطية الزائفة، الديمقراطية المنحازة، الديمقراطية الفارغة) (4)
إذن الديمقراطية الأمريكية في حقيقتها ليست لديمقراطية ليبرالية تساوي بين الأديان ولا تنحاز لدين دون آخر كما تزعم, بل هي (ديمقراطية دينية مسيحية أصولية ومتطرفة أيضا) , وهذه الحقيقة تفسر الكثير من قرارات (بل كلينتون) ابتداء من علاقته باليهودية مونيكا لوينسكي سائرا على خطا (الملك قورش وزوجته اليهودية أستر), ومرورا بقصته مع القس الذي أوصاه قبل أن يموت بـ(عدم التخلي عن اليهود) وليس انتهاء بـ(حصار العراق).
كما تفسر السقطات الشهيرة في خطابات الرئيس الأمريكي الأخرق (بوش الإبن) الذي كان يقود حزب المحافظون الجدد المتطرف وهو أحد الأحزاب التي تدعي أنها داعمة لحكومة ديمقراطية ليبرالية ولكن الدعاوى تكشفت حينما أجمع ذلك الحزب أمره و (أراد أن يحقق من خلال حربه على العراق نبوءات توراتية بالانتقام من بابل (5) , والتي تجعلنا نستحضر جميعا قول إدوارد سعيد : أن أمريكا (هي أكثر أمم العالم انشغالاً بالدين !! ) (6)
وختاما ..
فإنه تأكيدا للحقيقة التاريخية التي نحن بصددها أن هذه (الديمقراطية الأمريكية المسيحية البروتستانتية الأصولية المتشددة), تفسر لنا أيضا (الاعتراف) الذي يصل حد المباهاة بـ(الالتزام بالتعاليم الدينية) في مذكرات وكتب (السير الذاتية) التي يدونها كبار الساسة الأمريكيين عن حياتهم وبأقلامهم.
لتجد مفارقة عجيبة تتمثل في أن (المطاوعة) المنبوذين عند الفئة - التي تدعي الثقافة - في مجتمعنا السعودي المحافظ, هم ذاتهم من يحظى بتقدير عند الفئة المثقفة في الجانب الأمريكي , في حرب خاسرة للطبيعة البشرية السوية التي تستوجب احترام الملتزم بمبادئه وقيمه الذاتية بغض النظر عن مصدرها, و التي تزداد احتراما حينما يكون المصدر (دينا ربانيا) لحاجة الفرد الفطرية لدين يملأ الخواء الروحي الذي يفتك به , وهذه الحرب - غير المعلنة أحيانا - هي من قبل من يرتدون وشاح الثقافة !, فـحينما يكون المطوع (سعوديا) فهو شخص متخلف, رجعي, متقوقع, معادي للتطور, لكن حينما يكون المطوع (أمريكيا) فهو مثقف, تقدمي, متحرر , متطور, ولو (دخل جحر ضب) .. لدخلوه !!!!
كتبته: هند عامر
- باحثة مهتمة بقضايا المرأة -
----------------------------
(1) سورة آل عمران: آية 19
(2) برنامج (في العمق) / حلقة ( الحرية في الفكر الإسلامي) / الضيف (د.محمد الأحمري).
(3) بروجيكت سنديكيت، 2008/مقال: من الديمقراطية المسيحية إلى الديمقراطية الإسلامية؟/ للكاتب: جان فيرنر مولر أستاذ العلوم السياسية بجامعة برينستون.
(4) Juan Carlos Calleros, Calleros-Alarcó,The Unifinished Transition to Democracy in Latin America, Routledge, 2009, p1
(5) حملة بوش الصليبية على العالم الاسلامي / يوسف العاصي الطويل (بتصرف) .
(6) يوم الغضب هل يبدأ بانتفاضة رجب/ سفر الحوالي/ ص16.
cl
مطاوعة أمريكا
هند عامر
وقبل أن نبدأ دعونا نتفق أن كلمة (مطوع ) في العرف المحلي السعودي هي: (وصف للشخص الأكثر تدينا), وهو ذاته المعنى الذي أعنيه في حديثي عن الصنف الجديد من (المطاوعة الخواجة), على اختلاف في صحة التدين (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ)
سأخبركم عن سبب ولادة هذا المقال .. ففي الأيام الماضية كنت منشغلة كثيرا بإعداد تقرير يكشف عن بعض الجوانب غير المعلنة من حياة وزيرة الخارجية (هيلاري كلينتون), وقد آثرت عدم نشره – أي التقرير - حتى تمر الذكرى العاشرة لأحداث الحادي عشر من سبتمبر لكونها هذا العام توافق (ثورات الربيع الإسلامي العربي), وما فعلي هذا إلا رجاء أن أخرج باستنتاجات جديدة تثريني فيما أنا بصدد البحث عنه .
وبالرغم من عدم شغفي بالسياسة إلا أنه ثمة أمر تأكد لي فآثرت أن أفصله تماما عن محتوى تقريري وأطرحه في هذه الأسطر لتتضح الرؤية .
الأمر الذي خرجت به من كل هذا الزخم من الدعاية للديمقراطية الأمريكية هو:
أن صناع القرار السياسي في أمريكا هم تكتل كبير ومتفرع من (المطاوعة البروتستانت) !!
بل أن الدين المسيحي هو حجر الأساس في إنشاء الديمقراطية الأمريكية وعلى هذا فهو الذي يحدد سياساتها الخارجية والداخلية على حد سواء .
ولم أكن أول من يكتشف هذه الحقيقة التاريخية وحتما لن أكون الأخيرة, حيث أن مجموعة من الملحدين منهم الملحد البريطاني برتراند راسل كانوا يرون أن (الدين في أمريكا أي المسيحية والبروتستانتية تحديدا كانت أساس إنضاج الديمقراطية الأمريكية) (2)
بل إن المفكر الكاثوليكي الفرنسي جاك ماريتين الكاثوليكي - الذي شارك في إعداد مسودة إعلان الأمم المتحدة لحقوق الإنسان – (لم يَـكَل قط من التأكيد على أن الأصول المسيحية للديمقراطية المزدهرة في أميركا كان لها أبلغ الأثر عليه !!!! ) (3)
نحن هنا نتحدث عن (ديمقراطية مسيحية أصولية) كوصف دقيق للديمقراطية الأمريكية وهو ما تحاول أمريكا نفيه , وإلا فإن الديمقراطية المسيحية الكاثوليكية في (الدول الأوربية) أمر معترف به هناك ولا تنكره الكثير من تلك الدول كألمانيا وإيطاليا وبلجيكا وهولندا و فرنسا وإن كانت تلك المسحة الدينية قد تلاشت كثيرا هناك واتجهت إلى العلمانية إلا أن الديمقراطية الأمريكية البروتستانتية ظلت محافظة على توجهها الأصولي بتأكيدات رؤسائها.
وعلى هذا فهي ستكون (ديمقراطية لا ليبرالية ) وهذا النوع من الديمقراطية تسميه بعض المراجع: بـ(الديمقراطية الزائفة، الديمقراطية المنحازة، الديمقراطية الفارغة) (4)
إذن الديمقراطية الأمريكية في حقيقتها ليست لديمقراطية ليبرالية تساوي بين الأديان ولا تنحاز لدين دون آخر كما تزعم, بل هي (ديمقراطية دينية مسيحية أصولية ومتطرفة أيضا) , وهذه الحقيقة تفسر الكثير من قرارات (بل كلينتون) ابتداء من علاقته باليهودية مونيكا لوينسكي سائرا على خطا (الملك قورش وزوجته اليهودية أستر), ومرورا بقصته مع القس الذي أوصاه قبل أن يموت بـ(عدم التخلي عن اليهود) وليس انتهاء بـ(حصار العراق).
كما تفسر السقطات الشهيرة في خطابات الرئيس الأمريكي الأخرق (بوش الإبن) الذي كان يقود حزب المحافظون الجدد المتطرف وهو أحد الأحزاب التي تدعي أنها داعمة لحكومة ديمقراطية ليبرالية ولكن الدعاوى تكشفت حينما أجمع ذلك الحزب أمره و (أراد أن يحقق من خلال حربه على العراق نبوءات توراتية بالانتقام من بابل (5) , والتي تجعلنا نستحضر جميعا قول إدوارد سعيد : أن أمريكا (هي أكثر أمم العالم انشغالاً بالدين !! ) (6)
وختاما ..
فإنه تأكيدا للحقيقة التاريخية التي نحن بصددها أن هذه (الديمقراطية الأمريكية المسيحية البروتستانتية الأصولية المتشددة), تفسر لنا أيضا (الاعتراف) الذي يصل حد المباهاة بـ(الالتزام بالتعاليم الدينية) في مذكرات وكتب (السير الذاتية) التي يدونها كبار الساسة الأمريكيين عن حياتهم وبأقلامهم.
لتجد مفارقة عجيبة تتمثل في أن (المطاوعة) المنبوذين عند الفئة - التي تدعي الثقافة - في مجتمعنا السعودي المحافظ, هم ذاتهم من يحظى بتقدير عند الفئة المثقفة في الجانب الأمريكي , في حرب خاسرة للطبيعة البشرية السوية التي تستوجب احترام الملتزم بمبادئه وقيمه الذاتية بغض النظر عن مصدرها, و التي تزداد احتراما حينما يكون المصدر (دينا ربانيا) لحاجة الفرد الفطرية لدين يملأ الخواء الروحي الذي يفتك به , وهذه الحرب - غير المعلنة أحيانا - هي من قبل من يرتدون وشاح الثقافة !, فـحينما يكون المطوع (سعوديا) فهو شخص متخلف, رجعي, متقوقع, معادي للتطور, لكن حينما يكون المطوع (أمريكيا) فهو مثقف, تقدمي, متحرر , متطور, ولو (دخل جحر ضب) .. لدخلوه !!!!
كتبته: هند عامر
- باحثة مهتمة بقضايا المرأة -
----------------------------
(1) سورة آل عمران: آية 19
(2) برنامج (في العمق) / حلقة ( الحرية في الفكر الإسلامي) / الضيف (د.محمد الأحمري).
(3) بروجيكت سنديكيت، 2008/مقال: من الديمقراطية المسيحية إلى الديمقراطية الإسلامية؟/ للكاتب: جان فيرنر مولر أستاذ العلوم السياسية بجامعة برينستون.
(4) Juan Carlos Calleros, Calleros-Alarcó,The Unifinished Transition to Democracy in Latin America, Routledge, 2009, p1
(5) حملة بوش الصليبية على العالم الاسلامي / يوسف العاصي الطويل (بتصرف) .
(6) يوم الغضب هل يبدأ بانتفاضة رجب/ سفر الحوالي/ ص16.
cl
مطاوعة أمريكا
هند عامر
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى