رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
كتب : أبو الهيثم محمد درويش
وقف قارون على أمواله وخزائنه وقد امتلأ قلبه عجباً وتيهًا، فصدق اللسان ما في القلب من نفاق، فنطق ما أخبرنا به القرآن: {إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي} [القصص: 79].
ويصف لنا القرآن بكل دقة وبلاغة خروج قارون على قومه ومبلغ إعجابه بنفسه وتيهه بها، ومدى فتنة المنبهرين بما أوتي من متاع الدنيا الزائل: {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [القصص:79].
قال الإمام ابن كثير: يقول تعالى مخبراً عن قارون أنه خرج ذات يوم على قومه في زينة عظيمة وتجمل باهر من مراكب وملابس عليه وعلى خدمه وحشمه، فلما رآه من يريد الحياة الدنيا ويميل إلى زخارفها وزينتها تمنوا أن لو كان لهم مثل الذي أعطي قالوا: {يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}، أي ذو حظ وافر من الدنيا. أ هـ
وفي زماننا الحاضر أكاد أرى نفس الموقف يتكرر في أول خطبة لحاكم مصر المخلوع مبارك وقد وقف يحيى جماهير مجلس الشعب المزور، وقد امتلأ عجباً وتيهاً وأكاد أسمع أتباعه والمنبهرين ببهرج الدنيا يقولون: يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ مبارك.
سبحان الله الملك، التاريخ يتكرر والبشر لا يتعظون إلا من رحم الله رب العالمين.
لما قالوا للرجل وهو في حالته هذه من الفرح البالغ والتيه: إن المعارضة قامت بعمل مجلس موازي بديل: قال لهم على رؤوس الأشهاد: "سيبوهم يتسلوا".
إنها السنن، إنها السنن ... تتكرر ... سبحان مالك الملك، جبار السماوات والأرض، بيده الملك، ينزعه ممن يشاء، ويهبه من يشاء، لا إله غيره ولا حكم سواه، بيده مقاليد كل شيء.
ننتقل الآن بالصورة مرة أخرى إلى قارون وقومه:
قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ} [القصص:80].
هنا برز دور المصلحين من العلماء الربانيين، بذلوا النصح، فلم ينبهروا بداية كما انبهر غيرهم، وإنما وقفوا على الخطر الداهم، واستشعروا الفتنة ووبالها وهكذا العلماء.
قال الحسن البصرى: "الفتنة إذا أقبلت عرفها كل عالم، وإذا أدبرت عرفها كل جاهل".
وكما أدرك الأمر علماء بني إسرائيل أدركه أيضاً علماء مصر، كم بذلوا النصح، فكان الجواب الوحيد هو التشويه والاعتقال والاضطهاد والإقصاء.
فكانت النهاية المحتومة:
{فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ} [القصص: 81].
قال الإمام ابن كثير في تفسيره:
لما ذكر تعالى اختيال قارون في زينته، وفخره على قومه، وبغيه عليهم، عقب ذلك بأنه خسف به وبداره الأرض، كما ثبت في الصحيح عند البخاري من حديث الزهري عن سالم أن أباه حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بينما رجل يجر إزاره إذ خسف به فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة»، ثم رواه من حديث جرير بن زيد عن سالم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه.
وقال الإمام أحمد حدثنا النضر بن إسماعيل أبو المغيرة القاص حدثنا الأعمش عن عطية عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بينما رجل ممن كان قبلكم خرج في بردين أخضرين يختال فيهما أمر الله الأرض فأخذته فإنه ليتجلجل فيها إلى يوم القيامة»، تفرد به أحمد وإسناده حسن.
وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي حدثنا أبو خيثمة حدثنا يعلى بن منصور أخبرني محمد بن مسلم سمعت زياد النميري يحدث عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بينما رجل ممن كان قبلكم خرج في بردين فاختال فيهما فأمر الله الأرض فأخذته فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة».
وقد ذكر الحافظ محمد بن المنذر في كتاب العجائب الغريبة بسنده عن نوفل بن مساحق قال: رأيت شابًا في مسجد نجران فجعلت أنظر إليه، وأتعجب من طوله وتمامه وجماله، فقال: ما لك تنظر إلي؟
فقلت: أعجب من جمالك وكمالك.
فقال: إن الله ليعجب مني.
قال: فما زال ينقص وينقص حتى صار بطول الشبر فأخذه بعض قرابته في كمه وذهب به.
وقد ذكر أن هلاك قارون كان من دعوة موسى نبي الله عليه السلام، واختلف في سببه، فعن ابن عباس والسدي أن قارون أعطى امرأة بغيًا مالًا على أن تبهت موسى بحضرة الملإ من بني إسرائيل وهو قائم فيهم يتلو عليهم كتاب الله تعالى، فتقول: يا موسى إنك فعلت بي كذا وكذا.
فلما قالت ذلك في الملإ لموسى عليه السلام أرعد من الفرق، وأقبل عليها بعدما صلى ركعتين ثم قال: أنشدك بالله الذي فرق البحر وأنجاكم من فرعون وفعل كذا وكذا لما أخبرتني بالذي حملك على ما قلت؟
فقالت: أما إذا نشدتني فإن قارون أعطاني كذا وكذا على أن أقول ذلك لك، وأنا أستغفر الله وأتوب إليه.
فعند ذلك خر موسى لله عز وجل ساجدًا، وسأل الله في قارون، فأوحى الله إليه: أن قد أمرت الأرض أن تطيعك فيه، فأمر موسى الأرض أن تبتلعه وداره فكان ذلك.
وقيل إن قارون لما خرج على قومه في زينته تلك، وهو راكب على البغال الشهب، وعليه وعلى خدمه ثياب الأرجوان المصبغة، فمر في محفله ذلك على مجلس نبي الله موسى عليه السلام وهو يذكرهم بأيام الله، فلما رأى الناس قارون انصرفت وجوههم نحوه ينظرون إلى ما هو فيه، فدعاه موسى عليه السلام وقال: ما حملك على ما صنعت؟
فقال: يا موسى، أما لئن كنت فضلت علي بالنبوة فلقد فضلت عليك بالدنيا، ولئن شئت لتخرجن فلتدعون علي وأدعو عليك.
فخرج موسى وخرج قارون في قومه، فقال موسى عليه السلام: تدعو أو أدعو أنا؟
فقال: بل أدعو أنا. فدعا قارون فلم يجب له.
ثم قال موسى: أدعو؟
قال: نعم.
فقال موسى: اللهم مر الأرض أن تطيعني اليوم. فأوحى الله إليه: أني قد فعلت.
فقال موسى: يا أرضي خذيهم فأخذتهم إلى أقدامهم.
ثم قال: خذيهم. فأخذتهم إلى ركبهم، ثم إلى مناكبهم، ثم قال: أقبلي بكنوزهم وأموالهم.
قال فأقبلت بها حتى نظروا إليها، ثم أشار موسى بيده ثم قال: اذهبوا بني لاوى. فاستوت بهم الأرض.
وعن ابن عباس قال: خسف بهم إلى الأرض السابعة. وقال قتادة: ذكر لنا أنه يخسف بهم كل يوم قامة فهم يتجلجلون فيها إلى يوم القيامة. وقد ذكر ههنا إسرائيليات غريبة أضربنا عنها صفحًا.
وقوله تعالى: {فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ} [القصص: 81]، أي ما أغنى عنه ماله ولا جمعه ولا خدمه وحشمه، ولا دفعوا عنه نقمة الله وعذابه ونكاله، ولا كان -هو في نفسه- منتصرًا لنفسه فلا ناصر له من نفسه ولا من غيره.أ هـ
هكذا كانت نهاية قارون.
وعلى الطرف الآخر كانت محاكمة مبارك التي انكسر فيها الصنم في قلوب عابديه، فها هو الحاكم الذي أمر بسجن من ادعى من الإعلاميين أنه مريض قبل خلعه بفترة بسيطة، وكأن المرض سبة لا تمسه، وكأن الرجل لا يمرض ولا يتغير ولا يعتريه الضر.
فسبحان من يغير ولا يتغير، ها هو ذا يحتمى بالمرض خلف قفصه الحديدي عسى بعض القلوب تلين له أو ترق له بعدما خلعه شعبه وألح في طلب محاكمته،.... لا إله إلا الله مالك الملك.
وهنا كان موقف المنبهرين بمبارك كموقف المنبهرين بقارون عندما أدركوا عظمة الله وضعف المخلوق:
{وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} [القصص:82].
قال ابن كثير: فلما خسف به أصبحوا يقولون ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر أي ليس المال بدال على رضا الله عن صاحبه، فإن الله يعطي ويمنع، ويضيق ويوسع، ويخفض ويرفع، وله الحكمة التامة والحجة البالغة.
وهكذا قال من افتتنوا بمبارك وقد رأوه في قفص الاتهام بصحبة أولاده لا حول له ولا قوة، وهنا فقط أدركت القلوب أن ما كانوا يرفعونه لمنزلة الإله الذي لا يتغير ولا يمسه الضر إنما هو مخلوق ضعيف لا حول له ولا قوة.
ثم بين الله تعالى طريق السعادة الحقيقية لمن افتتنوا ببهرج الدنيا فقال:
{تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص:83].
قال الإمام ابن كثير:
يخبر تعالى أن الدار الآخرة ونعيمها المقيم الذي لا يحول ولا يزول جعلها لعباده المؤمنين المتواضعين الذين لا يريدون عُلُوًّا في الأرض، أي ترفعًا على خلق الله وتعاظمًا عليهم وتجبرًا بهم، ولا فسادًا فيهم، كما قال عكرمة العلو: "التجبر"، وقال سعيد بن جبير العلو: "البغي"، وقال سفيان بن سعيد الثوري عن منصور عن مسلم البطين: "العلو في الأرض: التكبر بغير حق، والفساد: أخذ المال بغير حق"، وقال ابن جريج: "لا يريدون علوا في الأرض: تعظمًا وتجبرًا، ولا فسادًا: عملًا بالمعاصي".
وقال ابن جرير حدثنا وكيع حدثنا أبي عن أشعث السمان عن أبى سلام الأعرج عن علي قال: إن الرجل ليعجبه من شراك نعله أن يكون أجود من شراك نعل صاحبه فيدخل في قوله تعالى: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص:83].
وهذا محمول على ما إذا أراد بذلك الفخر والتطاول على غيره، فإن ذلك مذموم كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إنه أوحي إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد».
وأما إذا أحب ذلك لمجرد التأمل فهذا لا بأس به فقد ثبت أن رجلًا قال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إني أحب أن يكون ردائي حسنًا ونعلي حسنة أفمن الكبر ذلك؟ فقال: «لا إن الله جميل يحب الجمال» .
فهل من متعظ ؟؟!!!
كتبه : أبو الهيثم محمد درويش
وقف قارون على أمواله وخزائنه وقد امتلأ قلبه عجباً وتيهًا، فصدق اللسان ما في القلب من نفاق، فنطق ما أخبرنا به القرآن: {إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي} [القصص: 79].
ويصف لنا القرآن بكل دقة وبلاغة خروج قارون على قومه ومبلغ إعجابه بنفسه وتيهه بها، ومدى فتنة المنبهرين بما أوتي من متاع الدنيا الزائل: {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [القصص:79].
قال الإمام ابن كثير: يقول تعالى مخبراً عن قارون أنه خرج ذات يوم على قومه في زينة عظيمة وتجمل باهر من مراكب وملابس عليه وعلى خدمه وحشمه، فلما رآه من يريد الحياة الدنيا ويميل إلى زخارفها وزينتها تمنوا أن لو كان لهم مثل الذي أعطي قالوا: {يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}، أي ذو حظ وافر من الدنيا. أ هـ
وفي زماننا الحاضر أكاد أرى نفس الموقف يتكرر في أول خطبة لحاكم مصر المخلوع مبارك وقد وقف يحيى جماهير مجلس الشعب المزور، وقد امتلأ عجباً وتيهاً وأكاد أسمع أتباعه والمنبهرين ببهرج الدنيا يقولون: يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ مبارك.
سبحان الله الملك، التاريخ يتكرر والبشر لا يتعظون إلا من رحم الله رب العالمين.
لما قالوا للرجل وهو في حالته هذه من الفرح البالغ والتيه: إن المعارضة قامت بعمل مجلس موازي بديل: قال لهم على رؤوس الأشهاد: "سيبوهم يتسلوا".
إنها السنن، إنها السنن ... تتكرر ... سبحان مالك الملك، جبار السماوات والأرض، بيده الملك، ينزعه ممن يشاء، ويهبه من يشاء، لا إله غيره ولا حكم سواه، بيده مقاليد كل شيء.
ننتقل الآن بالصورة مرة أخرى إلى قارون وقومه:
قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ} [القصص:80].
هنا برز دور المصلحين من العلماء الربانيين، بذلوا النصح، فلم ينبهروا بداية كما انبهر غيرهم، وإنما وقفوا على الخطر الداهم، واستشعروا الفتنة ووبالها وهكذا العلماء.
قال الحسن البصرى: "الفتنة إذا أقبلت عرفها كل عالم، وإذا أدبرت عرفها كل جاهل".
وكما أدرك الأمر علماء بني إسرائيل أدركه أيضاً علماء مصر، كم بذلوا النصح، فكان الجواب الوحيد هو التشويه والاعتقال والاضطهاد والإقصاء.
فكانت النهاية المحتومة:
{فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ} [القصص: 81].
قال الإمام ابن كثير في تفسيره:
لما ذكر تعالى اختيال قارون في زينته، وفخره على قومه، وبغيه عليهم، عقب ذلك بأنه خسف به وبداره الأرض، كما ثبت في الصحيح عند البخاري من حديث الزهري عن سالم أن أباه حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بينما رجل يجر إزاره إذ خسف به فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة»، ثم رواه من حديث جرير بن زيد عن سالم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه.
وقال الإمام أحمد حدثنا النضر بن إسماعيل أبو المغيرة القاص حدثنا الأعمش عن عطية عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بينما رجل ممن كان قبلكم خرج في بردين أخضرين يختال فيهما أمر الله الأرض فأخذته فإنه ليتجلجل فيها إلى يوم القيامة»، تفرد به أحمد وإسناده حسن.
وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي حدثنا أبو خيثمة حدثنا يعلى بن منصور أخبرني محمد بن مسلم سمعت زياد النميري يحدث عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بينما رجل ممن كان قبلكم خرج في بردين فاختال فيهما فأمر الله الأرض فأخذته فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة».
وقد ذكر الحافظ محمد بن المنذر في كتاب العجائب الغريبة بسنده عن نوفل بن مساحق قال: رأيت شابًا في مسجد نجران فجعلت أنظر إليه، وأتعجب من طوله وتمامه وجماله، فقال: ما لك تنظر إلي؟
فقلت: أعجب من جمالك وكمالك.
فقال: إن الله ليعجب مني.
قال: فما زال ينقص وينقص حتى صار بطول الشبر فأخذه بعض قرابته في كمه وذهب به.
وقد ذكر أن هلاك قارون كان من دعوة موسى نبي الله عليه السلام، واختلف في سببه، فعن ابن عباس والسدي أن قارون أعطى امرأة بغيًا مالًا على أن تبهت موسى بحضرة الملإ من بني إسرائيل وهو قائم فيهم يتلو عليهم كتاب الله تعالى، فتقول: يا موسى إنك فعلت بي كذا وكذا.
فلما قالت ذلك في الملإ لموسى عليه السلام أرعد من الفرق، وأقبل عليها بعدما صلى ركعتين ثم قال: أنشدك بالله الذي فرق البحر وأنجاكم من فرعون وفعل كذا وكذا لما أخبرتني بالذي حملك على ما قلت؟
فقالت: أما إذا نشدتني فإن قارون أعطاني كذا وكذا على أن أقول ذلك لك، وأنا أستغفر الله وأتوب إليه.
فعند ذلك خر موسى لله عز وجل ساجدًا، وسأل الله في قارون، فأوحى الله إليه: أن قد أمرت الأرض أن تطيعك فيه، فأمر موسى الأرض أن تبتلعه وداره فكان ذلك.
وقيل إن قارون لما خرج على قومه في زينته تلك، وهو راكب على البغال الشهب، وعليه وعلى خدمه ثياب الأرجوان المصبغة، فمر في محفله ذلك على مجلس نبي الله موسى عليه السلام وهو يذكرهم بأيام الله، فلما رأى الناس قارون انصرفت وجوههم نحوه ينظرون إلى ما هو فيه، فدعاه موسى عليه السلام وقال: ما حملك على ما صنعت؟
فقال: يا موسى، أما لئن كنت فضلت علي بالنبوة فلقد فضلت عليك بالدنيا، ولئن شئت لتخرجن فلتدعون علي وأدعو عليك.
فخرج موسى وخرج قارون في قومه، فقال موسى عليه السلام: تدعو أو أدعو أنا؟
فقال: بل أدعو أنا. فدعا قارون فلم يجب له.
ثم قال موسى: أدعو؟
قال: نعم.
فقال موسى: اللهم مر الأرض أن تطيعني اليوم. فأوحى الله إليه: أني قد فعلت.
فقال موسى: يا أرضي خذيهم فأخذتهم إلى أقدامهم.
ثم قال: خذيهم. فأخذتهم إلى ركبهم، ثم إلى مناكبهم، ثم قال: أقبلي بكنوزهم وأموالهم.
قال فأقبلت بها حتى نظروا إليها، ثم أشار موسى بيده ثم قال: اذهبوا بني لاوى. فاستوت بهم الأرض.
وعن ابن عباس قال: خسف بهم إلى الأرض السابعة. وقال قتادة: ذكر لنا أنه يخسف بهم كل يوم قامة فهم يتجلجلون فيها إلى يوم القيامة. وقد ذكر ههنا إسرائيليات غريبة أضربنا عنها صفحًا.
وقوله تعالى: {فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ} [القصص: 81]، أي ما أغنى عنه ماله ولا جمعه ولا خدمه وحشمه، ولا دفعوا عنه نقمة الله وعذابه ونكاله، ولا كان -هو في نفسه- منتصرًا لنفسه فلا ناصر له من نفسه ولا من غيره.أ هـ
هكذا كانت نهاية قارون.
وعلى الطرف الآخر كانت محاكمة مبارك التي انكسر فيها الصنم في قلوب عابديه، فها هو الحاكم الذي أمر بسجن من ادعى من الإعلاميين أنه مريض قبل خلعه بفترة بسيطة، وكأن المرض سبة لا تمسه، وكأن الرجل لا يمرض ولا يتغير ولا يعتريه الضر.
فسبحان من يغير ولا يتغير، ها هو ذا يحتمى بالمرض خلف قفصه الحديدي عسى بعض القلوب تلين له أو ترق له بعدما خلعه شعبه وألح في طلب محاكمته،.... لا إله إلا الله مالك الملك.
وهنا كان موقف المنبهرين بمبارك كموقف المنبهرين بقارون عندما أدركوا عظمة الله وضعف المخلوق:
{وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} [القصص:82].
قال ابن كثير: فلما خسف به أصبحوا يقولون ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر أي ليس المال بدال على رضا الله عن صاحبه، فإن الله يعطي ويمنع، ويضيق ويوسع، ويخفض ويرفع، وله الحكمة التامة والحجة البالغة.
وهكذا قال من افتتنوا بمبارك وقد رأوه في قفص الاتهام بصحبة أولاده لا حول له ولا قوة، وهنا فقط أدركت القلوب أن ما كانوا يرفعونه لمنزلة الإله الذي لا يتغير ولا يمسه الضر إنما هو مخلوق ضعيف لا حول له ولا قوة.
ثم بين الله تعالى طريق السعادة الحقيقية لمن افتتنوا ببهرج الدنيا فقال:
{تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص:83].
قال الإمام ابن كثير:
يخبر تعالى أن الدار الآخرة ونعيمها المقيم الذي لا يحول ولا يزول جعلها لعباده المؤمنين المتواضعين الذين لا يريدون عُلُوًّا في الأرض، أي ترفعًا على خلق الله وتعاظمًا عليهم وتجبرًا بهم، ولا فسادًا فيهم، كما قال عكرمة العلو: "التجبر"، وقال سعيد بن جبير العلو: "البغي"، وقال سفيان بن سعيد الثوري عن منصور عن مسلم البطين: "العلو في الأرض: التكبر بغير حق، والفساد: أخذ المال بغير حق"، وقال ابن جريج: "لا يريدون علوا في الأرض: تعظمًا وتجبرًا، ولا فسادًا: عملًا بالمعاصي".
وقال ابن جرير حدثنا وكيع حدثنا أبي عن أشعث السمان عن أبى سلام الأعرج عن علي قال: إن الرجل ليعجبه من شراك نعله أن يكون أجود من شراك نعل صاحبه فيدخل في قوله تعالى: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص:83].
وهذا محمول على ما إذا أراد بذلك الفخر والتطاول على غيره، فإن ذلك مذموم كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إنه أوحي إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد».
وأما إذا أحب ذلك لمجرد التأمل فهذا لا بأس به فقد ثبت أن رجلًا قال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إني أحب أن يكون ردائي حسنًا ونعلي حسنة أفمن الكبر ذلك؟ فقال: «لا إن الله جميل يحب الجمال» .
فهل من متعظ ؟؟!!!
كتبه : أبو الهيثم محمد درويش
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى