رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
خرج الناس يطالبون بحقوق مشروعة لا شك في ذلك, فالحرية والكرامة والمطالبة بحق الحياة التي كادت أن تنتزع بكامل صورها, كل هذه حقوق لا نشك في أهميتها وضرورتها لحياة الشعوب, ولكن الآكد منها هو حق الله الذي أحيانا ويميتنا وهو وحده متكفل بالرزق والإعانة, فالإنسان صنعة الله تعالى, ولا يملك تحديد ما يتم به صلاح المصنوع إلا الصانع, ولا يعلم أفضل طريقة لعيش المصنوع وتشغيله إلا صانعه, وقد أنزل الله تعالى شرائعه على رسله دساتير لأهل الأرض, هداية لهم وأمناً وأماناً, دلهم بها على أفضل سبل العيش وأرقاها وأطهرها وأبعدها عن الدنس, فهو وحدة ولا أحد غيره يملك الدستور الصحيح الذي يمكن للبشر الذين خلقهم أن يعيشوا به على الأرض التي لم يخلقها سواه.
فهو خلق البشر, وخلق الكون, وهو حده أعلم بوسيلة تشغيل البشر وبوسائل تكيفهم مع كونه, فكانت الشرائع السماوية هي الدليل المرشد الهادي للبشر على الأرض حتى يحققوا أفضل عيش ويحصلوا على أرقى حياة.
من هنا يتضح لنا أن المطالبة بتطبيق الشريعة هو مطالبة في جوهرها بإصلاح الحياة والمحافظة عليها، المحافظة على الدين والخلق والاقتصاد والتعاون والصلة بين البشر والحب والمودة والقوة والمنعة والعلم والهداية, لن يتحقق كل هذا إلا بالعودة لدليل صاحب الصنعة إلا بالعودة لشرع الرحمن تبارك وتعالى.
من هنا ولاجتماع سائر علماء المسلمين بمصر على تحديد الجمعة 29 يوليو كيوم للمطالبة بالشريعة الإسلامية والمحافظة على هوية مصر الإسلامية.
فإني أدعو جميع طوائف هذا الشعب المحب لله رب العالمين ولكتابه المبين ولرسوله الكريم أن يثبت للعالم أجمع أنه مع الحفاظ على الهوية الإسلامية ويطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية, فهو شعب مسلم حتى النخاع, محب لشرع الله بلا نزاع.
وأذكر نفسي وأحبتي ببعض أدلة وجوب تطبيق شريعة الرحمن:
قال العلامة محمد بن إبراهيم مفتي الديار السعودية السابق رحمه الله في رسالة تحكيم القوانين:
قال الله عزّ وجلّ: {فإنْ تنازعتُم في شيءٍ فرُدّوه إلى اللهِ والرسولِ إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خيرٌ وأحسنُ تأويلاً} [النساء: 59].
وقد نفى الله سبحانه وتعالى الإيمان عمن لم يُحَكِّموا النبي صلى الله عليه وسلم فيما شجر بينهم، نفيا مؤكدا بتكرار أداة النفي وبالقسم، قال تعالى: { فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65].
ولم يكتف تعالى وتقدس منهم بمجرد التحكيم للرسول صلى الله عليه وسلم، حتى يضيفوا إلى ذلك عدم وجود شيء من الحرج في نفوسهم، بقوله جل شأنه: {ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ}، والحرج: الضيق، بل لا بدّ من اتساع صدورهم لذلك وسلامتها من القلق والاضطراب.
ولم يكتف تعالى أيضا هنا بهذين الأمرين، حتى يضموا إليهما التسليم: وهو كمال الانقياد لحكمه صلى الله عليه وسلم، بحيث يتخلّون ها هنا من أي تعلق للنفس بهذا الشيء، ويسلموا ذلك إلى الحكم الحق أتمّ تسليم، ولهذا أكّد ذلك بالمصدر المؤكّد، وهو قوله جلّ شأنه: {تسليمًا} المبيّن أنه لا يُكتفى ها هنا بالتسليم، بل لا بدّ من التسليم المطلق.
وتأمل ما في الآية الأولى وهي قوله تعالى: {{فإنْ تنازعتم في شيء فردُّوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خيرٌ وأحسنُ تأويلاً} [النساء: 59] كيف ذكر النّكِرة، وهي قوله: {شيء} في سياق الشرط، وهو قوله جلّ شأنه: {فإنْ تنازعتم} المفيد العمومَ فيما يُتصوّر التنازع فيه جنسا وقدرًا.
ثم تأمل كيف جعل ذلك شرطا في حصول الإيمان بالله واليوم الآخر، بقوله: {إنْ كُنتُم تؤمنون بالله واليوم الآخر}، ثم قال جل شأنه: {ذلك خيرٌ}، فشيء يُطلقِ اللهُ عليه أنه خير، لا يتطرّق إليه شرّ أبدا، بل هو خيرٌ محضٌ عاجلا وآجلاً.
ثم قال: {وأحسن تأويلاً} أي: عاقبةً في الدنيا والآخرة، فيفيد أنّ الردَّ إلى غير الرسول صلى الله عليه وسلم، عند التنازع شرٌّ محضٌ، وأسوأ عاقبة في الدنيا والآخرة عكس ما يقوله المنافقون: {إنْ أَرَدْنا إلآَّ إحْسانًا وتَوْفيقًا} [النساء: 62]، وقولهم: {إنّما نحنُ مُصلِحون} [البقرة: 11]، ولهذا ردّ اللهُ عليهم قائلا: {ألاَ إنّهم هُمُ المُفْسِدون ولكن لا يَشْعُرون} [البقرة: 12].
وعكس ما عليه القانونيون من حكمهم على القانون بحاجة العالم (بل ضرورتهم) إلى التحاكم إليه، وهذا سوء ظن صِرْفٍ بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، ومحضُ استنقاص لبيان الله ورسوله، والحكم عليه بعدم الكفاية للناس عند التنازع، وسوء العاقبة في الدنيا والآخرة إن هذا لازمٌ لهم.
وتأمّل أيضا ما في الآية الثانية من العموم، وذلك في قوله تعالى: {فيمَا شَجَرَ بَيْنَهُم}، فإنّ اسم الموصول مع صِلته مع صيغ العموم عند الأصوليين وغيرهم، وذلك العمومُ والشمولُ هو من ناحية الأجناس والأنواع، كما أنه من ناحية القدْر، فلا فرقَ هنا بين نوع ونوع، كما أنّه لا فرق بين القليل والكثير، وقد نفى اللهُ الإيمانَ عن مَن أراد التحاكم إلى غير ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، من المنافقين، كما قال تعالى: {أَلمْ تَرَ إلى الذينَ يَزْعُمونَ أنّهم آمنوا بما أُنْزِلَ إليكَ وما أُنزلَ مِنْ قَبْلِكَ يُريدونَ أنْ.يَتَحاكَموا إلى الطاغوتِ وقدْ أُمِروا أنْ يكفُروا به ويُريدُ الشيطانُ أنْ يُضلّهم ضلالا بعيدًا} [النساء: 60].
فإنّ قوله عز وجل: {يَزْعُمون} تكذيب لهم فيما ادّعوه من الإيمان، فإنه لا يجتمع التحاكم إلى غير ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم مع الإيمان في قلب عبدٍ أصلاً، بل أحدهما ينافي الآخر، والطاغوت مشتق من الطغيان، وهو: مجاوزة الحدّ.
فكلُّ مَن حَكَمَ بغير ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، أو حاكَمَ إلى غير ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، فقد حَكَمَ بالطاغوت وحاكم إليه.
وذلك أنّه مِن حقِّ كل أحدٍ أن يكون حاكمًا بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، فقط لا بخلافه، كما أنّ من حقِّ كل أحدٍ أن يُحاكِمَ إلى ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، فمَن حَكَمَ بخلافه أو حاكم إلى خلافه فقد طغى، وجاوز حدّه، حُكْمًا أو تحكيما، فصار بذلك طاغوتا لتجاوزه حده.
وتأمل قوله عز وجل: {وقدْ أُمِروا أنْ يكفُروا به} تعرف منه معاندة القانونيين، وإرادتهم خلاف مراد الله منهم حول هذا الصدد، فالمراد منهم شرعًا والذي تعبّدوا به هو: الكفر بالطاغوت لا تحكيمه، {فبدَّل الذينَ ظَلموا قولاَ غيرَ الذي قيلَ لهُم} [البقرة: 59].
ثم تأمل قوله: {ويُريدُ الشيطانُ أنْ يُضلّهُم} [النساء: 60] كيف دلَّ على أنّ ذلك ضلالٌ، وهؤلاء القانونيون يرونه من الهدى، كما دلّت الآية على أنّه من إرادة الشيطان، عكس ما يتصور القانونيون من بُعدهم من الشيطان، وأنّ فيه مصلحة الإنسان، فتكون على زعمهم مرادات الشيطان هي صلاح الإنسان، ومراد الرحمن وما بُعث به سيدُ ولد عدنان معزولا من هذا الوصف، ومُنحىً عن هذا الشأن وقد قال تعالى منكرا على هذا الضرب من الناس، ومقررا ابتغاءهم أحكام الجاهلية، وموضحا أنه لا حُكم أحسن من حُكمه: {أَفَحُكمَ الجاهليةِ يَبْغونَ ومَنْ أحسنُ مِن اللهِ حُكمًا لِقومٍ يُوقِنون} [المائدة: 50].
فتأمل هذه الآية الكريمة وكيف دلّت على أنّ قِسمة الحكم ثنائية، وأنّه ليس بعد حكم الله تعالى إلاّ حُكم الجاهلية، شاءوا أمْ أبوا، بل هم أسوأ منهم حالاً، وأكذب منهم مقالاً، ذلك أنّ أهل الجاهلية لا تناقُضَ لديهم حول هذا الصدد.
وأما القانونيون فمتناقضون، حيث يزعمون الإيمان بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ويناقضون ويريدون أنْ يتّخذوا بين ذلك سبيلاً، وقد قال الله تعالى في أمثال هؤلاء: {أُولئكَ هُمُ الكافرونَ حَقَّا وأَعْتدنا للكافرينَ عذابًا مُهينًا} [النساء: 151].
ثم انظر كيف ردّت هذه الآية الكريمة على القانونيين ما زعموه من حُسن زبالة أذهانهم، ونحاتة أفكارهم، بقوله عزّ وجلّ: {ومَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِقوْمٍ يُوقِنون} [المائدة: 50].
قال الحافظ ابن كثير في تفسير هذه الآية: "ينكر اللهُ على من خرج من حكم الله المُحْكم المشتمل على كل خير، الناهي عن كل شرّ، وعَدَلَ إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات، التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات، مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم، وكما يحكم به التتارُ من السياسات الملكية المأخوذة عن مَلِكهم "جنكيز خان" الذي وضع لهم كتابًا مجموعًا من أحكامٍ قد اقتبسها من شرائع شتى، من اليهودية، والنصرانية، والملة الإسلامية، وغيرها وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه، فصارت في بَنيهِ شرعا مُتّبعا يقدِّمونها على الحكم بكتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم، فمن فعل ذلك فهو كافرٌ يجب قتاله حتى يرجعَ إلى حكم الله ورسوله، فلا يُحَكِّم سواه في قليل ولا كثير، قال تعالى: {أَفَحُكْمَ الجاهليةِ يَبْغون} أي: يبتغون ويريدون، وعن حكم الله يعدلون، {ومَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يوقِنونَ} أي: ومن أعدل من الله في حكمه، لِمَن عَقَل عن الله شرعه وآمن به وأيقن، وعلِم أنّ الله أحكمُ الحاكمين، وأرحمُ بخلقه من الوالدة بولدها، فإنه تعالى هو العالم بكل شيء القادر على كل شيء، العادل في كل شيء" [انتهى قول الحافظ ابن كثير].
وقد قال عزّ شأنه قبل ذلك مخاطبا نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم: {فاحْكُمْ بَيْنهُم بما أنزل اللهُ ولا تَتَّبِعْ أهْواءهُم عَمّا جاءَك مِن الحقّ} [المائدة: 48].
وقال تعالى: {وأنِ احْكُمْ بَيْنهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ ولا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ واحْذَرْهُم أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللهُ إليك} [المائدة: 49].
وقال تعالى مُخيرا نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم، بين الحُكم بين اليهود والإعراض عنهم إنْ جاءُوه لذلك: {فَإنْ جاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُم أوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وإنْ تَعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وإنْ حَكَمْتَ فاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالقِسْطِ إنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقْسِطينَ} [المائدة: 42]، والقسط هو: العدل، ولا عدل حقا إلاّ حُكم الله ورسوله، والحكم بخلافه هو الجور، والظلم، والضلال، والكفر، والفسوق، ولهذا قال تعالى بعد ذلك: {ومَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الكافِرون} [المائدة: 44]، {ومَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظالِمُون} [المائدة: 45]، {ومَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الفاسِقون} [المائدة: 47]. [أ.هـ من رسالة تحكيم القوانين].
والله أسأل أن يحكم شرعه في الأرض وأن ينصر الإسلام ويعز المسلمين
أبو الهيثم محمد درويش
فهو خلق البشر, وخلق الكون, وهو حده أعلم بوسيلة تشغيل البشر وبوسائل تكيفهم مع كونه, فكانت الشرائع السماوية هي الدليل المرشد الهادي للبشر على الأرض حتى يحققوا أفضل عيش ويحصلوا على أرقى حياة.
من هنا يتضح لنا أن المطالبة بتطبيق الشريعة هو مطالبة في جوهرها بإصلاح الحياة والمحافظة عليها، المحافظة على الدين والخلق والاقتصاد والتعاون والصلة بين البشر والحب والمودة والقوة والمنعة والعلم والهداية, لن يتحقق كل هذا إلا بالعودة لدليل صاحب الصنعة إلا بالعودة لشرع الرحمن تبارك وتعالى.
من هنا ولاجتماع سائر علماء المسلمين بمصر على تحديد الجمعة 29 يوليو كيوم للمطالبة بالشريعة الإسلامية والمحافظة على هوية مصر الإسلامية.
فإني أدعو جميع طوائف هذا الشعب المحب لله رب العالمين ولكتابه المبين ولرسوله الكريم أن يثبت للعالم أجمع أنه مع الحفاظ على الهوية الإسلامية ويطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية, فهو شعب مسلم حتى النخاع, محب لشرع الله بلا نزاع.
وأذكر نفسي وأحبتي ببعض أدلة وجوب تطبيق شريعة الرحمن:
قال العلامة محمد بن إبراهيم مفتي الديار السعودية السابق رحمه الله في رسالة تحكيم القوانين:
قال الله عزّ وجلّ: {فإنْ تنازعتُم في شيءٍ فرُدّوه إلى اللهِ والرسولِ إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خيرٌ وأحسنُ تأويلاً} [النساء: 59].
وقد نفى الله سبحانه وتعالى الإيمان عمن لم يُحَكِّموا النبي صلى الله عليه وسلم فيما شجر بينهم، نفيا مؤكدا بتكرار أداة النفي وبالقسم، قال تعالى: { فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65].
ولم يكتف تعالى وتقدس منهم بمجرد التحكيم للرسول صلى الله عليه وسلم، حتى يضيفوا إلى ذلك عدم وجود شيء من الحرج في نفوسهم، بقوله جل شأنه: {ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ}، والحرج: الضيق، بل لا بدّ من اتساع صدورهم لذلك وسلامتها من القلق والاضطراب.
ولم يكتف تعالى أيضا هنا بهذين الأمرين، حتى يضموا إليهما التسليم: وهو كمال الانقياد لحكمه صلى الله عليه وسلم، بحيث يتخلّون ها هنا من أي تعلق للنفس بهذا الشيء، ويسلموا ذلك إلى الحكم الحق أتمّ تسليم، ولهذا أكّد ذلك بالمصدر المؤكّد، وهو قوله جلّ شأنه: {تسليمًا} المبيّن أنه لا يُكتفى ها هنا بالتسليم، بل لا بدّ من التسليم المطلق.
وتأمل ما في الآية الأولى وهي قوله تعالى: {{فإنْ تنازعتم في شيء فردُّوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خيرٌ وأحسنُ تأويلاً} [النساء: 59] كيف ذكر النّكِرة، وهي قوله: {شيء} في سياق الشرط، وهو قوله جلّ شأنه: {فإنْ تنازعتم} المفيد العمومَ فيما يُتصوّر التنازع فيه جنسا وقدرًا.
ثم تأمل كيف جعل ذلك شرطا في حصول الإيمان بالله واليوم الآخر، بقوله: {إنْ كُنتُم تؤمنون بالله واليوم الآخر}، ثم قال جل شأنه: {ذلك خيرٌ}، فشيء يُطلقِ اللهُ عليه أنه خير، لا يتطرّق إليه شرّ أبدا، بل هو خيرٌ محضٌ عاجلا وآجلاً.
ثم قال: {وأحسن تأويلاً} أي: عاقبةً في الدنيا والآخرة، فيفيد أنّ الردَّ إلى غير الرسول صلى الله عليه وسلم، عند التنازع شرٌّ محضٌ، وأسوأ عاقبة في الدنيا والآخرة عكس ما يقوله المنافقون: {إنْ أَرَدْنا إلآَّ إحْسانًا وتَوْفيقًا} [النساء: 62]، وقولهم: {إنّما نحنُ مُصلِحون} [البقرة: 11]، ولهذا ردّ اللهُ عليهم قائلا: {ألاَ إنّهم هُمُ المُفْسِدون ولكن لا يَشْعُرون} [البقرة: 12].
وعكس ما عليه القانونيون من حكمهم على القانون بحاجة العالم (بل ضرورتهم) إلى التحاكم إليه، وهذا سوء ظن صِرْفٍ بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، ومحضُ استنقاص لبيان الله ورسوله، والحكم عليه بعدم الكفاية للناس عند التنازع، وسوء العاقبة في الدنيا والآخرة إن هذا لازمٌ لهم.
وتأمّل أيضا ما في الآية الثانية من العموم، وذلك في قوله تعالى: {فيمَا شَجَرَ بَيْنَهُم}، فإنّ اسم الموصول مع صِلته مع صيغ العموم عند الأصوليين وغيرهم، وذلك العمومُ والشمولُ هو من ناحية الأجناس والأنواع، كما أنه من ناحية القدْر، فلا فرقَ هنا بين نوع ونوع، كما أنّه لا فرق بين القليل والكثير، وقد نفى اللهُ الإيمانَ عن مَن أراد التحاكم إلى غير ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، من المنافقين، كما قال تعالى: {أَلمْ تَرَ إلى الذينَ يَزْعُمونَ أنّهم آمنوا بما أُنْزِلَ إليكَ وما أُنزلَ مِنْ قَبْلِكَ يُريدونَ أنْ.يَتَحاكَموا إلى الطاغوتِ وقدْ أُمِروا أنْ يكفُروا به ويُريدُ الشيطانُ أنْ يُضلّهم ضلالا بعيدًا} [النساء: 60].
فإنّ قوله عز وجل: {يَزْعُمون} تكذيب لهم فيما ادّعوه من الإيمان، فإنه لا يجتمع التحاكم إلى غير ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم مع الإيمان في قلب عبدٍ أصلاً، بل أحدهما ينافي الآخر، والطاغوت مشتق من الطغيان، وهو: مجاوزة الحدّ.
فكلُّ مَن حَكَمَ بغير ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، أو حاكَمَ إلى غير ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، فقد حَكَمَ بالطاغوت وحاكم إليه.
وذلك أنّه مِن حقِّ كل أحدٍ أن يكون حاكمًا بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، فقط لا بخلافه، كما أنّ من حقِّ كل أحدٍ أن يُحاكِمَ إلى ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، فمَن حَكَمَ بخلافه أو حاكم إلى خلافه فقد طغى، وجاوز حدّه، حُكْمًا أو تحكيما، فصار بذلك طاغوتا لتجاوزه حده.
وتأمل قوله عز وجل: {وقدْ أُمِروا أنْ يكفُروا به} تعرف منه معاندة القانونيين، وإرادتهم خلاف مراد الله منهم حول هذا الصدد، فالمراد منهم شرعًا والذي تعبّدوا به هو: الكفر بالطاغوت لا تحكيمه، {فبدَّل الذينَ ظَلموا قولاَ غيرَ الذي قيلَ لهُم} [البقرة: 59].
ثم تأمل قوله: {ويُريدُ الشيطانُ أنْ يُضلّهُم} [النساء: 60] كيف دلَّ على أنّ ذلك ضلالٌ، وهؤلاء القانونيون يرونه من الهدى، كما دلّت الآية على أنّه من إرادة الشيطان، عكس ما يتصور القانونيون من بُعدهم من الشيطان، وأنّ فيه مصلحة الإنسان، فتكون على زعمهم مرادات الشيطان هي صلاح الإنسان، ومراد الرحمن وما بُعث به سيدُ ولد عدنان معزولا من هذا الوصف، ومُنحىً عن هذا الشأن وقد قال تعالى منكرا على هذا الضرب من الناس، ومقررا ابتغاءهم أحكام الجاهلية، وموضحا أنه لا حُكم أحسن من حُكمه: {أَفَحُكمَ الجاهليةِ يَبْغونَ ومَنْ أحسنُ مِن اللهِ حُكمًا لِقومٍ يُوقِنون} [المائدة: 50].
فتأمل هذه الآية الكريمة وكيف دلّت على أنّ قِسمة الحكم ثنائية، وأنّه ليس بعد حكم الله تعالى إلاّ حُكم الجاهلية، شاءوا أمْ أبوا، بل هم أسوأ منهم حالاً، وأكذب منهم مقالاً، ذلك أنّ أهل الجاهلية لا تناقُضَ لديهم حول هذا الصدد.
وأما القانونيون فمتناقضون، حيث يزعمون الإيمان بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ويناقضون ويريدون أنْ يتّخذوا بين ذلك سبيلاً، وقد قال الله تعالى في أمثال هؤلاء: {أُولئكَ هُمُ الكافرونَ حَقَّا وأَعْتدنا للكافرينَ عذابًا مُهينًا} [النساء: 151].
ثم انظر كيف ردّت هذه الآية الكريمة على القانونيين ما زعموه من حُسن زبالة أذهانهم، ونحاتة أفكارهم، بقوله عزّ وجلّ: {ومَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِقوْمٍ يُوقِنون} [المائدة: 50].
قال الحافظ ابن كثير في تفسير هذه الآية: "ينكر اللهُ على من خرج من حكم الله المُحْكم المشتمل على كل خير، الناهي عن كل شرّ، وعَدَلَ إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات، التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات، مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم، وكما يحكم به التتارُ من السياسات الملكية المأخوذة عن مَلِكهم "جنكيز خان" الذي وضع لهم كتابًا مجموعًا من أحكامٍ قد اقتبسها من شرائع شتى، من اليهودية، والنصرانية، والملة الإسلامية، وغيرها وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه، فصارت في بَنيهِ شرعا مُتّبعا يقدِّمونها على الحكم بكتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم، فمن فعل ذلك فهو كافرٌ يجب قتاله حتى يرجعَ إلى حكم الله ورسوله، فلا يُحَكِّم سواه في قليل ولا كثير، قال تعالى: {أَفَحُكْمَ الجاهليةِ يَبْغون} أي: يبتغون ويريدون، وعن حكم الله يعدلون، {ومَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يوقِنونَ} أي: ومن أعدل من الله في حكمه، لِمَن عَقَل عن الله شرعه وآمن به وأيقن، وعلِم أنّ الله أحكمُ الحاكمين، وأرحمُ بخلقه من الوالدة بولدها، فإنه تعالى هو العالم بكل شيء القادر على كل شيء، العادل في كل شيء" [انتهى قول الحافظ ابن كثير].
وقد قال عزّ شأنه قبل ذلك مخاطبا نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم: {فاحْكُمْ بَيْنهُم بما أنزل اللهُ ولا تَتَّبِعْ أهْواءهُم عَمّا جاءَك مِن الحقّ} [المائدة: 48].
وقال تعالى: {وأنِ احْكُمْ بَيْنهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ ولا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ واحْذَرْهُم أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللهُ إليك} [المائدة: 49].
وقال تعالى مُخيرا نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم، بين الحُكم بين اليهود والإعراض عنهم إنْ جاءُوه لذلك: {فَإنْ جاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُم أوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وإنْ تَعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وإنْ حَكَمْتَ فاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالقِسْطِ إنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقْسِطينَ} [المائدة: 42]، والقسط هو: العدل، ولا عدل حقا إلاّ حُكم الله ورسوله، والحكم بخلافه هو الجور، والظلم، والضلال، والكفر، والفسوق، ولهذا قال تعالى بعد ذلك: {ومَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الكافِرون} [المائدة: 44]، {ومَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظالِمُون} [المائدة: 45]، {ومَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الفاسِقون} [المائدة: 47]. [أ.هـ من رسالة تحكيم القوانين].
والله أسأل أن يحكم شرعه في الأرض وأن ينصر الإسلام ويعز المسلمين
أبو الهيثم محمد درويش
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى