رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
الله عز وجل متفرد بالوحدانية، وله صفات الجلال والعظمة المطلقة،فهو سبحانه خلق الخلق فأبدعه، وله وحده القدرة والقوة على تصريف أقدار عباده من ملائكة و إنس وجن وأنعام وجمادات، وهو وحده المستحق للعبادة لا شريك له .
كل الكون يسبح بحمده، ويشهد له بالوحدانية، إلا كفار الإنس والجن، شذوا عن منظومة التوحيد العظيمة .
لا شك أننا فرحنا جميعاً بثورة الشعوب المسلمة على الظلم والعدوان، فأخذوا بأسباب التغيير السلمية، وغير الله وحده ما بهم من ذل، ولكننا حتى الآن لم نر من يثور من أجل من أسقط الظلم، ومن أجل من نصر العباد .
الله وحده أسقط الأنظمة البائدة الظالمة، ومن شكر نعمه على عباده أن يثور العباد على كل شرك وكفر وأن يجددوا للأمة عقيدتها، وأن يصالحوا جبار السماوات والأرض وأن يشكروا نعمة النصر بعبادة الدعوة إلى من نصرهم وقواهم وحده دون شريك له ولا ند .
إن مظاهر الشرك ومعاداة الشرع تضرب في أطناب الأمة الإسلامية سواء في النسك أو الحكم أو الإتباع، فالله خلق الخلق ورزقهم ونصرهم ثم كثير منهم يصرف العبادة لغيره فيصلي لضريح ويشكر لميت ويستغيث بولي من الأولياء .
الله عز وجل خلق الخلق فأبدعه ورزق عباده وأمدهم بالعافية، وأنزل لهم كتابه الخاتم ليكون حكماً بينهم، وجعله سبحانه سبباً لسعادتهم الدنيوية والأخروية فبتحكيمه ينتشر العدل والأمن والأمان والرخاء الاقتصادي والعفة والطهارة والأخلاق : "مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ "[الأنعام : 38].
وبالرغم من ذلك ارتضى الخلق بتحكيم غير الله، ولما نصرهم وأمدهم بالعافيه يريدونها دولة لا تحكم بشريعة الرحمن .
أرسل الله عز وجل رسوله بالهدى ودين الحق، وجعل في اتباعه الخير كل الخير، فجرب الناس كل مناهج الأرض وحادوا عن منهج محمد صلى الله عليه وسلم، فتارة شيوعية وتارة علمانية وتارة ديمقراطية، فلماذا لا نجعلها محمدية .
من هنا كان لزاماً أن أبين أن من أسقط النظم الظالمة هو الله وحده، ولابد من ثورة حقيقية قائمة على الدعوة إلى توحيد الله بالحكمة والموعظة الحسنة، هذه الثورة مطالب بها كل مسلم، ليس الدعاة والعلماء فقط فهي الأمانة العظيمة التي ارتضاها الإنسان وعليه أن يتحمل تعلمها وأدائها إلى العالم .
{إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} [الأحزاب : 72]
أي : إنا عرضنا الأمانة -التي ائتمن الله عليها المكلَّفين من امتثال الأوامر واجتناب النواهي- على السموات والأرض والجبال, فأبين أن يحملنها, وخفن أن لا يقمن بأدائها, وحملها الإنسان والتزم بها على ضعفه, إنه كان شديد الظلم والجهل لنفسه.
وأعظم الأوامر هو الأمر بالتوحيد تعلماً و أداء ووأعظم النواهي التي يجب أن يجتنبها الإنسان هي نواقض التوحيد التي يجب على المكلف تعلمها حتى يحذرها ثم يحذر منها غيره .
فهذه دعوة إلى الشعوب المسلمة التي رفعت رأسها في ثورة على الظلم حتى تستقر لها أمور دنياها أن تبدأ في ثورتها الحقيقية لتحقيق التوحيد الذي هو سبيلها إلى الجنة حتى تستقر لها أمور أخراها ودنياها على السواء.
أولاً : حكم تعلم التوحيد :
قال ابن عبد البر رحمه الله: (أجمع العلماء أن من العلم ما هو فرض متعين على كل امرئ في خاصته بنفسه، ومنه ما هو فرض على الكفاية، إذا قام به قائم سقط فرضه على أهل ذلك الموضع(
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وطلب العلم الشرعي فرض على الكفاية إلا فيما يتعين، مثل طلب كل واحد علم ما أمره به وما نهاه عنه، فإن هذا فرض على الأعيان).
وإن أعظم ما أمر الله به هو التوحيد، قال تعالى: " فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ " محمد: 19وقال سبحانه: " وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ " الإسراء: 23 وفي حديث معاذ رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا معاذ، أتدري ما حق الله على العباد، وما حق العباد على الله؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاًوفي حديث معاذ الآخر قال صلى الله عليه " فليكن أول ما تدعوهم إليه: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله .
قال الإمام ابن أبي العز رحمه الله: (اعلم أن التوحيد هو أول دعوة الرسل وأول منازل الطريق، وأول مقام يقوم فيه السالك إلى الله عز وجل... ولهذا كان الصحيح أن أول واجب يجب على المكلف شهادة أن لا إله إلا الله، لا النظر ، ولا القصد إلى النظر ، ولا الشك ، فالتوحيد أول ما يدخل به في الإسلام، وآخر ما يخرج به من الدنيا، فهو أول واجب وآخر واجب).
قال الشيخ حافظ الحكمي رحمه الله في شرح منظومته:
أول واجب على العبيد *** معرفة الرحمن بالتوحيد
إذ هو من كل الأوامر أعظم *** وهو نوعان أيا من يفهم
ومما يدل على أنه آخر واجب، حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال"لقنوا موتاكم لا إله إلا الله" وفي الصحيح من حديث عثمان رضي الله عنه"من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله، دخل الجنة ".
فتعلم فرض العين من علم التوحيد هو أول الواجبات وأولاها وأفرضها على المكلفين أجمعين.
وفرض العين منه، هو: ما تصح به عقيدة المسلم في ربه، من حيث ما يجوز ويجب ويمتنع في حق الله تعالى، ذاتاً وأسماء وأفعالاً وصفات، على وجه الإجمال، وهذا ما يسميه بعض العلماء بالإيمان المجمل أو الإجمالي.
وهو ما يسأل عنه جميع الخلق؛ لما روي عن أنس بن مالك وابن عمر ومجاهد في قوله عز وجل: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ} [الحجر:92]، قالوا: عن لا إله إلا الله.
وأما فرض الكفاية من علم التوحيد، فما زاد على ذلك من التفصيل والتدليل والتعليل، وتحصيل القدرة على رد الشبهات وقوادح الأدلة، وإلزام المعاندين وإفحام المخالفين، وهذا ما يسمى بالإيمان التفصيلي، وهو المقدور على إثباته بالأدلة وحل ودفع الشبه الواردة عليه، وهو من أجل فروض الكفايات في علوم الإسلام؛ لأنه ينفي تأويل المبطلين وانتحال الغالين، فلا يجوز أن يخلو الزمان ممن يقوم بهذا الفرض الكفائي المهم، إذ لا شك أن حفظ عقائد الناس أكثر أهمية من حفظ أبدانهم وأموالهم وأعراضهم.
واختصاراً فإن حكم الشارع في تعلم علم التوحيد أنه فرض عين على كل مكلف، من ذكر وأنثى وذلك بالأدلة الإجمالية وأما بالأدلة التفصيلية ففرض على الكفاية. ويشترط للتكليف بالتوحيد أربعة شروط، وهي: العقل، والبلوغ، وسلامة حاستي السمع أو البصر، وبلوغ الدعوة.
ثانياً: حكم العمل بالتوحيد :
قال الخطيب البغدادي رحمه الله في " اقتضاء العلم العمل " :
والعلم يراد للعمل كما العمل يراد للنجاة ؛ فإذا كان العمل قاصراً عن العلم كان كلاً على العالم ؛ ونعوذ بالله من علم عاد كلاً وأورث ذلاً وصار في رقبة صاحبه غلاً .
قال بعض الحكماء : العلم خادم العمل والعمل غاية العلم فلولا العمل لم يطلب علم ولولا العلم لم يطلب عمل ولأن أدع الحق جهلاً به أحب إلي من أن أدعه زهدا فيه .
وقال سهل بن مزاحم : العالم أشد عذاباً إذا ترك ما علم فلم يعمل به .
وهل أدرك من أدرك من السلف الماضين الدرجات العلى إلا بإخلاص المعتقد والعمل الصالح والزهد الغالب في كل ما راق من الدنيا؟ وهل وصل الحكماء إلى السعادة العظمى إلا بالتشمير في السعي والرضى بالميسور وبذل ما فضل عن الحاجة للسائل والمحروم؟ وهل جامع كتب العلم إلا كجامع الفضة والذهب؟ وهل المنهوم بها إلا كالحريص الجشع عليهما؟ وهل المغرم بحبها إلا ككانزها؟ وكما لا تنفع الأموال إلا بإنفاقها كذلك لا تنفع العلوم إلا لمن عمل بها وراعى واجباتها فلينظر امرؤ لنفسه وليغتنم وقته فإن الثواء قليل والرحيل قريب والطريق مخوف والاغترار غالب والخطر عظيم والناقد بصير والله تعالى بالمرصاد وإليه المرجع والمعاد {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ . وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [آية 7-8: سورة الزلزلة]
عن رجاء بن حيوة عن معاذ بن جبل قال : لا تزول قدم عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع عن جده فيما أبلاه وعمره فيما أفناه وماله من أين اكتسبه وفي أي شيء أنفقه وعن علمه كيف عمل فيه .
1. عن علي قال : يا حملة العلم اعملوا به فإنما العالم من عمل ، وسيكون قوم يحملون العلم يباهي بعضهم بعضاً حتى إن الرجل ليغضب على جليسه أن يجلس إلى غيره أولئك لا تصعد أعمالهم إلى السماء .
2. عن علقمة عن عبد الله قال : تعلموا تعلموا فإذا علمتم فعلّموا .
3. عن عبد الله قال : تعلموا فمن علم فليعمل .
4. عن أبي هريرة قال : مثل علم لا يعمل به كمثل كنز لا ينفق منه في سبيل الله عز وجل .
5. عن القاسم بن هزان سمع الزهري يقول : لا يرضين الناس قول عالم لا يعمل ولا عامل لا يعلم .
6. عن فرات بن سلمان عن أبي الدرداء قال : إنك لن تكون عالماً حتى تكون متعلماً ولن تكون متعلماً حتى تكون بما علمت عاملاً .
7. عن سليمان قاضي عمر بن عبد العزيز قال : قال أبو الدرداء : لا تكون عالماً حتى تكون متعلماً ، ولا تكون بالعلم عالماً حتى تكون به عاملاً .
8. عن الحسن قال : قال أبو الدرداء : ابن آدم اعمل كأنك تراه واعدد نفسك في الموتى واتق دعوة المظلوم .
9. عن سهل بن عبد الله قال : العلم كله دنيا ، والآخرة منه العمل به .
10. عن سهل بن عبد الله التستري قال : الناس كلهم سكارى إلا العلماء والعلماء كلهم حيارى إلا من عمل بعلمه .
11. عن سهل بن عبد الله قال : الدنيا جهل وموات إلا العلم والعلم كله حجة إلا العمل به والعمل كله هباء إلا الإخلاص والإخلاص على خطر عظيم حتى يختم به .
12. عن سهل بن عبد الله قال : العلم أحد لذات الدنيا فإذا عمل به صار للآخرة .
13. عن أبي بكر الرازي قال : سمعت الخواص يقول : ليس العلم بكثرة الرواية وإنما العالم من اتبع العلم واستعمله واقتدى بالسنن وإن كان قليل العلم .
14. عن أحمد بن أبي الحواري قال : حدثني عباس بن أحمد في قوله تعالى (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) الآية ، قال : الذين يعملون بما يعلمون نهديهم إلى ما لا يعلمون .
15. عن أبي بكر الرازي قال : قال يوسف بن الحسين : في الدنيا طغيانان ، طغيان العلم وطغيان المال ، والذي ينجيك من طغيان العلم العبادة ، والذي ينجيك من طغيان المال الزهد فيه ؛ وقال يوسف : بالأدب تفهم العلم ، وبالعلم يصح لك العمل ، وبالعمل تنال الحكمة ، وبالحكمة تفهم الزهد وتوفق له ، وبالزهد تترك الدنيا ، وبترك الدنيا ترغب في الآخرة ، وبالرغبة في الآخرة تنال رضى الله عز وجل .
16. عن أبي القاسم الجنيد قال : متى أردت أن تشرف بالعلم وتنسب إليه وتكون من أهله قبل أن تعطي العلم ما له عليك احتجب عنك نوره وبقي عليك رسمه وظهوره ، ذلك العلم عليك لا لك ، وذلك أن العلم يشير إلى استعماله فإذا لم تستعمل العلم في مراتبه رحلت بركاته .
17. عن أبي عبد الله الروذباري قال : من خرج إلى العلم يريد العلم لم ينفعه العلم ، ومن خرج إلى العلم يريد العمل بالعلم نفعه قليل العلم.
18. وعنه قال : العلم موقوف على العمل ، والعمل موقوف على الإخلاص ، والإخلاص لله يورث الفهم عن الله عز وجل .
19. عن مالك بن دينار قال : إن العبد إذا طلب العلم للعمل كسره علمه وإذا طلبه لغير ذلك ازداد به فجوراً أو فخراً .
ثالثاً: لماذا الثورة من أجل التوحيد :
لا شك أن نواقض التوحيد الضاربة في أعماق الشعوب الإسلامية تحتاج لصحوة تصحيح للعقائد وعودة إلى نبع التوحيد الصافي، على منهج المعلم الأول صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام .
ولكي تستبين الصورة أسرد بعض نواقض الإيمان التي ذكرها الإمام محمد ابن عبد الوهاب وشرحها بإيجاز العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله وأترك للقارئ الحكم بنفسه عن مدى انتشار هذه النواقض في الأمة في زماننا الحاضر .
يقول سماحة الشيخ العلامة بن باز رحمه الله وأسكنه الفردوس:
فاعلم أيها المسلم أن الله سبحانه أوجب على جميع العباد الدخول في الإسلام والتمسك به والحذر مما يخالفه، وبعث نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم للدعوة إلى ذلك، وأخبر عز وجل أن من اتبعه فقد اهتدى، ومن أعرض عنه فقد ضل، وحذر في آيات كثيرات من أسباب الردة، وسائر أنواع الشرك والكفر، وذكر العلماء رحمهم الله في باب حكم المرتد أن المسلم قد يرتد عن دينه بأنواع كثيرة من النواقض التي تحل دمه وماله، ويكون بها خارجا من الإسلام، ومن أخطرها وأكثرها وقوعا عشرة نواقض ذكرها الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب وغيره من أهل العلم رحمهم الله جميعا، ونذكرها لك فيما يلي على سبيل الإيجاز؛ لتحذرها وتحذر منها غيرك، رجاء السلامة والعافية منها، مع توضيحات قليلة نذكرها بعدها:
الأول: الشرك في عبادة الله تعالى، قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} وقال تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} ومن ذلك دعاء الأموات، والاستغاثة بهم، والنذر والذبح لهم كمن يذبح للجن أو للقبر.
الثاني: من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويسألهم الشفاعة ويتوكل عليهم فقد كفر إجماعا.
الثالث: من لم يكفر المشركين أو شك في كفرهم أو صحح مذهبهم كفر.
الرابع: من اعتقد أن غير هدي النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من هديه، أو أن حكم غيره أحسن من حكمه، كالذي يفضل حكم الطواغيت على حكمه - فهو كافر.
الخامس: من أبغض شيئا مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ولو عمل به فقد كفر؛ لقوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ}.
السادس: من استهزأ بشيء من دين الرسول صلى الله عليه وسلم أو ثوابه أو عقابه كفر، والدليل قوله تعالى: {قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ}
السابع: السحر، ومنه الصرف والعطف، فمن فعله أو رضي به كفر، والدليل قوله تعالى: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ}.
الثامن: مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين، والدليل قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}.
التاسع: من اعتقد أن بعض الناس يسعه الخروج عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم - كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى عليه السلام - فهو كافر؛ لقوله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.
العاشر: الإعراض عن دين الله، لا يتعلمه ولا يعمل به، والدليل قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ}.
ولا فرق في جميع هذه النواقض بين الهازل والجاد والخائف، إلا المكره، وكلها من أعظم ما يكون خطرا، وأكثر ما يكون وقوعا.
فينبغي للمسلم أن يحذرها، ويخاف منها على نفسه، نعوذ بالله من موجبات غضبه وأليم عقابه، وصلى الله على خير خلقه محمد وآله وصحبه وسلم. انتهى كلامه رحمه الله.
ويدخل في القسم الرابع: من اعتقد أن الأنظمة والقوانين التي يسنها الناس أفضل من شريعة الإسلام، أو أنها مساوية لها، أو أنه يجوز التحاكم إليها، ولو اعتقد أن الحكم بالشريعة أفضل، أو أن نظام الإسلام لا يصلح تطبيقه في القرن العشرين، أو أنه كان سببا في تخلف المسلمين، أو أنه يحصر في علاقة المرء بربه، دون أن يتدخل في شئون الحياة الأخرى، ويدخل في الرابع أيضا من يرى أن إنفاذ حكم الله في قطع يد السارق أو رجم الزاني المحصن لا يناسب العصر الحاضر، ويدخل في ذلك أيضا كل من اعتقد أنه يجوز الحكم بغير شريعة الله في المعاملات أو الحدود أو غيرهما، وإن لم يعتقد أن ذلك أفضل من حكم الشريعة؛ لأنه بذلك يكون قد استباح ما حرمه الله إجماعا، وكل من استباح ما حرم الله مما هو معلوم من الدين بالضرورة؛ كالزنا، والخمر، والربا، والحكم بغير شريعة الله - فهو كافر بإجماع المسلمين.
ونسأل الله أن يوفقنا جميعا لما يرضيه، وأن يهدينا وجميع المسلمين صراطه المستقيم، إنه سميع قريب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه. أهـ من كلامه رحمه الله .
وأخيراً : سلاحنا في ثورة التوحيد :
سلاحنا الوحيد في هذه الثورة العظيمة استخلصناه من قول الله تعالى :
{ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [النحل : 125].
فأسلحتنا هي :
العلم
الحكمة والبصيرة
الموعظة الحسنة
الجدال بالتي هي أحسن
التوكل على الله وعدم استعجال الثمرة
الصبر على دعوة الحق
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
أبو الهيثم
كل الكون يسبح بحمده، ويشهد له بالوحدانية، إلا كفار الإنس والجن، شذوا عن منظومة التوحيد العظيمة .
لا شك أننا فرحنا جميعاً بثورة الشعوب المسلمة على الظلم والعدوان، فأخذوا بأسباب التغيير السلمية، وغير الله وحده ما بهم من ذل، ولكننا حتى الآن لم نر من يثور من أجل من أسقط الظلم، ومن أجل من نصر العباد .
الله وحده أسقط الأنظمة البائدة الظالمة، ومن شكر نعمه على عباده أن يثور العباد على كل شرك وكفر وأن يجددوا للأمة عقيدتها، وأن يصالحوا جبار السماوات والأرض وأن يشكروا نعمة النصر بعبادة الدعوة إلى من نصرهم وقواهم وحده دون شريك له ولا ند .
إن مظاهر الشرك ومعاداة الشرع تضرب في أطناب الأمة الإسلامية سواء في النسك أو الحكم أو الإتباع، فالله خلق الخلق ورزقهم ونصرهم ثم كثير منهم يصرف العبادة لغيره فيصلي لضريح ويشكر لميت ويستغيث بولي من الأولياء .
الله عز وجل خلق الخلق فأبدعه ورزق عباده وأمدهم بالعافية، وأنزل لهم كتابه الخاتم ليكون حكماً بينهم، وجعله سبحانه سبباً لسعادتهم الدنيوية والأخروية فبتحكيمه ينتشر العدل والأمن والأمان والرخاء الاقتصادي والعفة والطهارة والأخلاق : "مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ "[الأنعام : 38].
وبالرغم من ذلك ارتضى الخلق بتحكيم غير الله، ولما نصرهم وأمدهم بالعافيه يريدونها دولة لا تحكم بشريعة الرحمن .
أرسل الله عز وجل رسوله بالهدى ودين الحق، وجعل في اتباعه الخير كل الخير، فجرب الناس كل مناهج الأرض وحادوا عن منهج محمد صلى الله عليه وسلم، فتارة شيوعية وتارة علمانية وتارة ديمقراطية، فلماذا لا نجعلها محمدية .
من هنا كان لزاماً أن أبين أن من أسقط النظم الظالمة هو الله وحده، ولابد من ثورة حقيقية قائمة على الدعوة إلى توحيد الله بالحكمة والموعظة الحسنة، هذه الثورة مطالب بها كل مسلم، ليس الدعاة والعلماء فقط فهي الأمانة العظيمة التي ارتضاها الإنسان وعليه أن يتحمل تعلمها وأدائها إلى العالم .
{إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} [الأحزاب : 72]
أي : إنا عرضنا الأمانة -التي ائتمن الله عليها المكلَّفين من امتثال الأوامر واجتناب النواهي- على السموات والأرض والجبال, فأبين أن يحملنها, وخفن أن لا يقمن بأدائها, وحملها الإنسان والتزم بها على ضعفه, إنه كان شديد الظلم والجهل لنفسه.
وأعظم الأوامر هو الأمر بالتوحيد تعلماً و أداء ووأعظم النواهي التي يجب أن يجتنبها الإنسان هي نواقض التوحيد التي يجب على المكلف تعلمها حتى يحذرها ثم يحذر منها غيره .
فهذه دعوة إلى الشعوب المسلمة التي رفعت رأسها في ثورة على الظلم حتى تستقر لها أمور دنياها أن تبدأ في ثورتها الحقيقية لتحقيق التوحيد الذي هو سبيلها إلى الجنة حتى تستقر لها أمور أخراها ودنياها على السواء.
أولاً : حكم تعلم التوحيد :
قال ابن عبد البر رحمه الله: (أجمع العلماء أن من العلم ما هو فرض متعين على كل امرئ في خاصته بنفسه، ومنه ما هو فرض على الكفاية، إذا قام به قائم سقط فرضه على أهل ذلك الموضع(
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وطلب العلم الشرعي فرض على الكفاية إلا فيما يتعين، مثل طلب كل واحد علم ما أمره به وما نهاه عنه، فإن هذا فرض على الأعيان).
وإن أعظم ما أمر الله به هو التوحيد، قال تعالى: " فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ " محمد: 19وقال سبحانه: " وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ " الإسراء: 23 وفي حديث معاذ رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا معاذ، أتدري ما حق الله على العباد، وما حق العباد على الله؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاًوفي حديث معاذ الآخر قال صلى الله عليه " فليكن أول ما تدعوهم إليه: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله .
قال الإمام ابن أبي العز رحمه الله: (اعلم أن التوحيد هو أول دعوة الرسل وأول منازل الطريق، وأول مقام يقوم فيه السالك إلى الله عز وجل... ولهذا كان الصحيح أن أول واجب يجب على المكلف شهادة أن لا إله إلا الله، لا النظر ، ولا القصد إلى النظر ، ولا الشك ، فالتوحيد أول ما يدخل به في الإسلام، وآخر ما يخرج به من الدنيا، فهو أول واجب وآخر واجب).
قال الشيخ حافظ الحكمي رحمه الله في شرح منظومته:
أول واجب على العبيد *** معرفة الرحمن بالتوحيد
إذ هو من كل الأوامر أعظم *** وهو نوعان أيا من يفهم
ومما يدل على أنه آخر واجب، حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال"لقنوا موتاكم لا إله إلا الله" وفي الصحيح من حديث عثمان رضي الله عنه"من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله، دخل الجنة ".
فتعلم فرض العين من علم التوحيد هو أول الواجبات وأولاها وأفرضها على المكلفين أجمعين.
وفرض العين منه، هو: ما تصح به عقيدة المسلم في ربه، من حيث ما يجوز ويجب ويمتنع في حق الله تعالى، ذاتاً وأسماء وأفعالاً وصفات، على وجه الإجمال، وهذا ما يسميه بعض العلماء بالإيمان المجمل أو الإجمالي.
وهو ما يسأل عنه جميع الخلق؛ لما روي عن أنس بن مالك وابن عمر ومجاهد في قوله عز وجل: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ} [الحجر:92]، قالوا: عن لا إله إلا الله.
وأما فرض الكفاية من علم التوحيد، فما زاد على ذلك من التفصيل والتدليل والتعليل، وتحصيل القدرة على رد الشبهات وقوادح الأدلة، وإلزام المعاندين وإفحام المخالفين، وهذا ما يسمى بالإيمان التفصيلي، وهو المقدور على إثباته بالأدلة وحل ودفع الشبه الواردة عليه، وهو من أجل فروض الكفايات في علوم الإسلام؛ لأنه ينفي تأويل المبطلين وانتحال الغالين، فلا يجوز أن يخلو الزمان ممن يقوم بهذا الفرض الكفائي المهم، إذ لا شك أن حفظ عقائد الناس أكثر أهمية من حفظ أبدانهم وأموالهم وأعراضهم.
واختصاراً فإن حكم الشارع في تعلم علم التوحيد أنه فرض عين على كل مكلف، من ذكر وأنثى وذلك بالأدلة الإجمالية وأما بالأدلة التفصيلية ففرض على الكفاية. ويشترط للتكليف بالتوحيد أربعة شروط، وهي: العقل، والبلوغ، وسلامة حاستي السمع أو البصر، وبلوغ الدعوة.
ثانياً: حكم العمل بالتوحيد :
قال الخطيب البغدادي رحمه الله في " اقتضاء العلم العمل " :
والعلم يراد للعمل كما العمل يراد للنجاة ؛ فإذا كان العمل قاصراً عن العلم كان كلاً على العالم ؛ ونعوذ بالله من علم عاد كلاً وأورث ذلاً وصار في رقبة صاحبه غلاً .
قال بعض الحكماء : العلم خادم العمل والعمل غاية العلم فلولا العمل لم يطلب علم ولولا العلم لم يطلب عمل ولأن أدع الحق جهلاً به أحب إلي من أن أدعه زهدا فيه .
وقال سهل بن مزاحم : العالم أشد عذاباً إذا ترك ما علم فلم يعمل به .
وهل أدرك من أدرك من السلف الماضين الدرجات العلى إلا بإخلاص المعتقد والعمل الصالح والزهد الغالب في كل ما راق من الدنيا؟ وهل وصل الحكماء إلى السعادة العظمى إلا بالتشمير في السعي والرضى بالميسور وبذل ما فضل عن الحاجة للسائل والمحروم؟ وهل جامع كتب العلم إلا كجامع الفضة والذهب؟ وهل المنهوم بها إلا كالحريص الجشع عليهما؟ وهل المغرم بحبها إلا ككانزها؟ وكما لا تنفع الأموال إلا بإنفاقها كذلك لا تنفع العلوم إلا لمن عمل بها وراعى واجباتها فلينظر امرؤ لنفسه وليغتنم وقته فإن الثواء قليل والرحيل قريب والطريق مخوف والاغترار غالب والخطر عظيم والناقد بصير والله تعالى بالمرصاد وإليه المرجع والمعاد {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ . وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [آية 7-8: سورة الزلزلة]
عن رجاء بن حيوة عن معاذ بن جبل قال : لا تزول قدم عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع عن جده فيما أبلاه وعمره فيما أفناه وماله من أين اكتسبه وفي أي شيء أنفقه وعن علمه كيف عمل فيه .
1. عن علي قال : يا حملة العلم اعملوا به فإنما العالم من عمل ، وسيكون قوم يحملون العلم يباهي بعضهم بعضاً حتى إن الرجل ليغضب على جليسه أن يجلس إلى غيره أولئك لا تصعد أعمالهم إلى السماء .
2. عن علقمة عن عبد الله قال : تعلموا تعلموا فإذا علمتم فعلّموا .
3. عن عبد الله قال : تعلموا فمن علم فليعمل .
4. عن أبي هريرة قال : مثل علم لا يعمل به كمثل كنز لا ينفق منه في سبيل الله عز وجل .
5. عن القاسم بن هزان سمع الزهري يقول : لا يرضين الناس قول عالم لا يعمل ولا عامل لا يعلم .
6. عن فرات بن سلمان عن أبي الدرداء قال : إنك لن تكون عالماً حتى تكون متعلماً ولن تكون متعلماً حتى تكون بما علمت عاملاً .
7. عن سليمان قاضي عمر بن عبد العزيز قال : قال أبو الدرداء : لا تكون عالماً حتى تكون متعلماً ، ولا تكون بالعلم عالماً حتى تكون به عاملاً .
8. عن الحسن قال : قال أبو الدرداء : ابن آدم اعمل كأنك تراه واعدد نفسك في الموتى واتق دعوة المظلوم .
9. عن سهل بن عبد الله قال : العلم كله دنيا ، والآخرة منه العمل به .
10. عن سهل بن عبد الله التستري قال : الناس كلهم سكارى إلا العلماء والعلماء كلهم حيارى إلا من عمل بعلمه .
11. عن سهل بن عبد الله قال : الدنيا جهل وموات إلا العلم والعلم كله حجة إلا العمل به والعمل كله هباء إلا الإخلاص والإخلاص على خطر عظيم حتى يختم به .
12. عن سهل بن عبد الله قال : العلم أحد لذات الدنيا فإذا عمل به صار للآخرة .
13. عن أبي بكر الرازي قال : سمعت الخواص يقول : ليس العلم بكثرة الرواية وإنما العالم من اتبع العلم واستعمله واقتدى بالسنن وإن كان قليل العلم .
14. عن أحمد بن أبي الحواري قال : حدثني عباس بن أحمد في قوله تعالى (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) الآية ، قال : الذين يعملون بما يعلمون نهديهم إلى ما لا يعلمون .
15. عن أبي بكر الرازي قال : قال يوسف بن الحسين : في الدنيا طغيانان ، طغيان العلم وطغيان المال ، والذي ينجيك من طغيان العلم العبادة ، والذي ينجيك من طغيان المال الزهد فيه ؛ وقال يوسف : بالأدب تفهم العلم ، وبالعلم يصح لك العمل ، وبالعمل تنال الحكمة ، وبالحكمة تفهم الزهد وتوفق له ، وبالزهد تترك الدنيا ، وبترك الدنيا ترغب في الآخرة ، وبالرغبة في الآخرة تنال رضى الله عز وجل .
16. عن أبي القاسم الجنيد قال : متى أردت أن تشرف بالعلم وتنسب إليه وتكون من أهله قبل أن تعطي العلم ما له عليك احتجب عنك نوره وبقي عليك رسمه وظهوره ، ذلك العلم عليك لا لك ، وذلك أن العلم يشير إلى استعماله فإذا لم تستعمل العلم في مراتبه رحلت بركاته .
17. عن أبي عبد الله الروذباري قال : من خرج إلى العلم يريد العلم لم ينفعه العلم ، ومن خرج إلى العلم يريد العمل بالعلم نفعه قليل العلم.
18. وعنه قال : العلم موقوف على العمل ، والعمل موقوف على الإخلاص ، والإخلاص لله يورث الفهم عن الله عز وجل .
19. عن مالك بن دينار قال : إن العبد إذا طلب العلم للعمل كسره علمه وإذا طلبه لغير ذلك ازداد به فجوراً أو فخراً .
ثالثاً: لماذا الثورة من أجل التوحيد :
لا شك أن نواقض التوحيد الضاربة في أعماق الشعوب الإسلامية تحتاج لصحوة تصحيح للعقائد وعودة إلى نبع التوحيد الصافي، على منهج المعلم الأول صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام .
ولكي تستبين الصورة أسرد بعض نواقض الإيمان التي ذكرها الإمام محمد ابن عبد الوهاب وشرحها بإيجاز العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله وأترك للقارئ الحكم بنفسه عن مدى انتشار هذه النواقض في الأمة في زماننا الحاضر .
يقول سماحة الشيخ العلامة بن باز رحمه الله وأسكنه الفردوس:
فاعلم أيها المسلم أن الله سبحانه أوجب على جميع العباد الدخول في الإسلام والتمسك به والحذر مما يخالفه، وبعث نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم للدعوة إلى ذلك، وأخبر عز وجل أن من اتبعه فقد اهتدى، ومن أعرض عنه فقد ضل، وحذر في آيات كثيرات من أسباب الردة، وسائر أنواع الشرك والكفر، وذكر العلماء رحمهم الله في باب حكم المرتد أن المسلم قد يرتد عن دينه بأنواع كثيرة من النواقض التي تحل دمه وماله، ويكون بها خارجا من الإسلام، ومن أخطرها وأكثرها وقوعا عشرة نواقض ذكرها الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب وغيره من أهل العلم رحمهم الله جميعا، ونذكرها لك فيما يلي على سبيل الإيجاز؛ لتحذرها وتحذر منها غيرك، رجاء السلامة والعافية منها، مع توضيحات قليلة نذكرها بعدها:
الأول: الشرك في عبادة الله تعالى، قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} وقال تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} ومن ذلك دعاء الأموات، والاستغاثة بهم، والنذر والذبح لهم كمن يذبح للجن أو للقبر.
الثاني: من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويسألهم الشفاعة ويتوكل عليهم فقد كفر إجماعا.
الثالث: من لم يكفر المشركين أو شك في كفرهم أو صحح مذهبهم كفر.
الرابع: من اعتقد أن غير هدي النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من هديه، أو أن حكم غيره أحسن من حكمه، كالذي يفضل حكم الطواغيت على حكمه - فهو كافر.
الخامس: من أبغض شيئا مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ولو عمل به فقد كفر؛ لقوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ}.
السادس: من استهزأ بشيء من دين الرسول صلى الله عليه وسلم أو ثوابه أو عقابه كفر، والدليل قوله تعالى: {قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ}
السابع: السحر، ومنه الصرف والعطف، فمن فعله أو رضي به كفر، والدليل قوله تعالى: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ}.
الثامن: مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين، والدليل قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}.
التاسع: من اعتقد أن بعض الناس يسعه الخروج عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم - كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى عليه السلام - فهو كافر؛ لقوله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.
العاشر: الإعراض عن دين الله، لا يتعلمه ولا يعمل به، والدليل قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ}.
ولا فرق في جميع هذه النواقض بين الهازل والجاد والخائف، إلا المكره، وكلها من أعظم ما يكون خطرا، وأكثر ما يكون وقوعا.
فينبغي للمسلم أن يحذرها، ويخاف منها على نفسه، نعوذ بالله من موجبات غضبه وأليم عقابه، وصلى الله على خير خلقه محمد وآله وصحبه وسلم. انتهى كلامه رحمه الله.
ويدخل في القسم الرابع: من اعتقد أن الأنظمة والقوانين التي يسنها الناس أفضل من شريعة الإسلام، أو أنها مساوية لها، أو أنه يجوز التحاكم إليها، ولو اعتقد أن الحكم بالشريعة أفضل، أو أن نظام الإسلام لا يصلح تطبيقه في القرن العشرين، أو أنه كان سببا في تخلف المسلمين، أو أنه يحصر في علاقة المرء بربه، دون أن يتدخل في شئون الحياة الأخرى، ويدخل في الرابع أيضا من يرى أن إنفاذ حكم الله في قطع يد السارق أو رجم الزاني المحصن لا يناسب العصر الحاضر، ويدخل في ذلك أيضا كل من اعتقد أنه يجوز الحكم بغير شريعة الله في المعاملات أو الحدود أو غيرهما، وإن لم يعتقد أن ذلك أفضل من حكم الشريعة؛ لأنه بذلك يكون قد استباح ما حرمه الله إجماعا، وكل من استباح ما حرم الله مما هو معلوم من الدين بالضرورة؛ كالزنا، والخمر، والربا، والحكم بغير شريعة الله - فهو كافر بإجماع المسلمين.
ونسأل الله أن يوفقنا جميعا لما يرضيه، وأن يهدينا وجميع المسلمين صراطه المستقيم، إنه سميع قريب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه. أهـ من كلامه رحمه الله .
وأخيراً : سلاحنا في ثورة التوحيد :
سلاحنا الوحيد في هذه الثورة العظيمة استخلصناه من قول الله تعالى :
{ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [النحل : 125].
فأسلحتنا هي :
العلم
الحكمة والبصيرة
الموعظة الحسنة
الجدال بالتي هي أحسن
التوكل على الله وعدم استعجال الثمرة
الصبر على دعوة الحق
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
أبو الهيثم
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى