عبد الرحمن
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
الترهيب من أهوال النار
الخطبة الأولى :
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن خير الحديث كتاب الله و خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه و سلم و شر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة .
عباد الله ، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }.
أهلكت كثيرًا من الناس الأماني، إيمان بلا أثر، وقول بلا عمل.
يقول الحسن البصري رحمه الله: أمؤمنون بيوم الحساب هؤلاء؟!! كلا، كذبوا ومالك يوم الدين.
لا يدخل الجنة إلا من يرجوها، ولا يسلم من النار إلا من يخافها، ورود النار متيقَّن: {وَإِن مّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً } ولكن هل الخروج منها متيقن؟!
أين الخوف من هول ذلك المورد؟ ومن ترى بالنجاة والفكاك يحظى ويسعد؟ وقال موسى بن سعد: كنا إذا جلسنا إلى سفيان كأن النار قد أحاطت بنا لما نرى من خوفه وجزعه. من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل: { قَالُواْ إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِى أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ فَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَـٰنَا عَذَابَ ٱلسَّمُومِ إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ ٱلْبَرُّ ٱلرَّحِيمُ }.
عباد الله ، و نحن في هذه الأيام نعيش شدة الحر الذي هو أحد نفسي جهنم ( اشتكت النار إلى ربها فقالت يا رب أكل بعضي بعضا . فجعل لها نفسين نفس في الشتاء ونفس في الصيف . فشدة ما تجدون من البرد من زمهريرها وشدة ما تجدون من الحر من سمومها ) .
ونحن نلمس هذا النفس و أثره فعلينا أن نتذكر وأن نخاف من هذه النار التي أخبر الله عنها في كتابه وصحت به الأخبار عن نبينا محمد من الوعيد للمكذبين، والخوف على المقصرين، حديث عن النار وأهلها وأهوالها أعاذنا الله منها بمنِّه وكرمه: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَـئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَّ يَعْصُونَ ٱللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ }.
وقال الحسن البصري رحمه الله: والله ما صدق عبد بالنار إلا ضاقت عليه الأرض بما رحبت، وإن المنافق لو كانت النار خلف ظهره ما صدق بها حتى يتجهم في دركها. والله ما أنذر العباد بشيء أدهى منها.
{ فَأَنذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّىٰ لاَ يَصْلَـٰهَا إِلاَّ ٱلاْشْقَى ٱلَّذِى كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ }.
نار السعير لا ينام هاربها الخوف منها فلذ أكباد الصالحين { إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ َنذِيراً لِّلْبَشَرِ لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ } .
ألم تعملوا أن التخويف من النار نال الملائكة المقربين والأنبياء المرسلين؟!
قال الله عز و جل في شأن الملائكة: {وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنّى إِلَـٰهٌ مّن دُونِهِ فَذٰلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِى ٱلظَّـٰلِمِينَ } .
وقال في حق الأنبياء: {وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهًا ءاخَرَ فَتُلْقَىٰ فِى جَهَنَّمَ مَلُومًا مَّدْحُورًا}.
اتقوا النار و لو بشق تمرة اتقوا النار بكلمة طيبة أكثروا من ذكرها و اعملوا للنجاة منها {ذٰلِكَ يُخَوّفُ ٱللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يٰعِبَادِ فَٱتَّقُونِ }.
النار شر دار، وعذابها شر عذاب، حرها شديد وقعرها بعيد، ومقامعها حديد، يهوي الحجر من شفيرها سبعين خريفـًا ما يدرك قعرها. مسالكها ضيقة، ومواردها مهلكة، يوقد فيها السعير، ويعلو فيها الشهيق والزفير، أبوابها مؤصدة، وعمدها ممددة، يرجع إليها غمها، ويزداد فيها حرها.
جثت الأمم على الركب، وتبين للظالمين سوء المنقلب، انطلق المكذبون إلى ظل ذي ثلاث شعب، لا ظليل ولا يغني من اللهب، وأحاطت بهم نار ذات لهب، ونادتهم الزبانية: { فَٱدْخُلُواْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَـٰلِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى ٱلْمُتَكَبّرِينَ } والزبانية تقمعهم، في مضايقها يتجلجلون، وفي دركاتها يتحطمون.
ترى المجرمين مقرنين في الأصفاد، سرابيلهم من قطران، وتغشى وجوههم النار. الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون، وبالنواصي والأقدام يؤخذون، وفي الحميم ثم في النار يسجرون.
يصب من فوق رءوسهم الحميم- و هو الماء الحار -، يصهر به ما في بطونهم والجلود ولهم مقامع من حديد فوق رءوسهم.
تكوى جباههم وجنوبهم وظهورهم {ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ } .
طعامهم الزقوم والضريع – نبت ذو شوك لاصق بالارض -، لا يسمن ولا يغني من جوع. شرابهم الحميم والغساق – صديد أهل النار- ، يشوي الوجوه ويقطع الأمعاء،: {يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ} .
{وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَـٰلِحاً غَيْرَ ٱلَّذِى كُـنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ ٱلنَّذِيرُ فَذُوقُواْ فَمَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِن نَّصِيرٍ }.
{كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَـٰهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ} .
يتمنون الموت والهلاك، ولكن أين المفر؟ ومتى الفكاك؟
{وَنَادَوْاْ يٰمَـٰلِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَّـٰكِثُونَ لَقَدْ جِئْنَـٰكُم بِٱلْحَقّ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقّ كَـٰرِهُونَ} .
ثم يعلو شهيقهم، ويزداد زفيرهم، وقد حيل بينهم وبين ما يشتهون، فيعظم يأسهم، ويرجعون إلى أنفسهم: {سَوَاء عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ }.
نعوذ بالله من عظيم غضبه و أليم عقابه .
هذه أخبار صدق عن جهنم ولظى، وأنباء حق عن السعير والحُطمة، والله لتملأن والله لتملأن: {وَلَـٰكِنْ حَقَّ ٱلْقَوْلُ مِنْى لاَمْلانَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ }.
فويل لكل مشرك ومشركة، وويل لكل ظالم وظالمة ممن طغى وبغى وآثر الحياة الدنيا،: {يُعْرَفُ ٱلْمُجْرِمُونَ بِسِيمَـٰهُمْ }.
{ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ مَّنَّاعٍ لّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ عُتُلٍ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ } لا يؤمن بالله العظيم، ولا يحض على طعام المسكين، لم يكُ من المصلين، ولم يكُ يطعم المسكين، يخوض مع الخائضين، ويكذب بيوم الدين.
هؤلاء هم أصحاب الجحيم عياذا بالله.
عباد الله، النار موعود بها مدمن الخمر وقاطع الرحم والمصدق بالسحر والمنان والنمام، وما أسفل الكعبين من الإزار ففي النار رواه البخاري.
موعود بها الذين يكنزون الذهب و الفضة و لا يخرجون حقها من زكاتها .
ومن أشد الناس عذاباً طائفتان: المصورون الذين يضاهئون خلق الله و الذين يعذبون الناس في الدنيا رواه البخاري و مسلم .
موعود بها من يقارف الفاحشة ويأكل أموال الناس بالباطل .
وأصناف من القضاة في النار ومن غش رعيته فهو في النار رواه البخاري و مسلم .
و من بايع إمامه لا يبايعه إلا لدنيا فإن أعطاه منها وفى وإن لم يعطه لم يف موعود بها.
ومن اقتطع مال أخيه بيمين فاجرة فليتبوأ مقعده من النار رواه مسلم .
والذي يشرب في آنية الذهب و الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم رواه البخاري و مسلم .
{إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً }.
وويل لأكلة الربا ثم ويل لأكلة الربا ،ويل لأكلة الميسر (كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به ) رواه الإمام احمد و الترمذي و ابن حبان .
(وصنفان من أهل النار: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، والكاسيات العاريات المائلات المميلات على رءوسهن كأسنمة البخت لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها) رواه مسلم .
(والنائحة إذا لم تتب تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب) رواه مسلم .
(والمكر والخداع في النار) رواه الطبراني و البيهقي و صححه ابن حبان .
(والفجور يهدي إلى النار) رواه البخاري و مسلم .
(وشر الناس منزلة عند الله من تركه الناس اتقاء فحشه) رواه البخاري و مسلم .
وويل للذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة.
عباد الله ، وقانا الله عذاب السموم هذه أنواع من أهوال النار و صنوف من أهلها فاتقوا الله و اتقوا النار اتقوا النار بالبكاء من خشية الله فلن يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع .
و (عينان لا تمسهما النار عين بكت من خشية الله و عين باتت تحرس في سبيل الله) رواه البخاري و مسلم .
و (من صام يوما في سبيل الله زحزه الله عن النار سبعين خريفاً) رواه البخاري و مسلم .
تعوذوا بالله من النار فهذا دأب الصالحين الذاكرين .
ملائكة الله السياحون يمرون بمجالس الذكر ثم يسألهم ربهم عن أحوال الذاكرين فيقول لهم وهو أعلم بهم: مِمَّ يتعوذون؟ فيقولون: من النار. فيقول: وهل رأوها ؟ قالوا: لا. والله ما رأوها. فيقول: كيف لو رأوها؟ فيقولون: لو رأوها كانوا أشد منها فرارًا وأشد منها مخافة؟ قال فيقول: إني أشهدكم أني قد غفرت لهم . رواه البخاري و مسلم .
و في مسند احمد والترمذي والنسائي وابن ماجه: (ما سأل رجل مسلم الجنة ثلاثـًا، إلا قالت الجنة: اللهم أدخله الجنة. ولا استجار رجل مسلم من النار ثلاثـًا، إلا قالت النار: اللهم أجره مني).
اللهم أجرنا من النار اللهم أجرنا من النار اللهم أجرنا من النار ، ربنا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا و قنا عذاب النار .
أقول ما سمعتم و استغفر الله لي و لكم من كل ذنب فاستغفروه انه غفور رحيم.
الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين و العاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين اللهم صل و سلم و بارك على نبينا محمد و على آله و أصحابه.
عباد الله، في مثل هذه الأيام تذكروا حر جهنم فتوبوا إلى الله عز و جل كونوا كسلفكم الصالح فقد أزعج ذكر النار قلوبهم ، و أطار النوم من عيونهم شاهدوا موقف القيامة بقلوبكم و انظروا منصرف الفريقين إلى الجنة و النار بهممكم .
أشعروا أفئدتكم وأبدانكم ذكر النار ومقامعها و أطباقها ودركاتها وحجارتها و وقودها ،والسلاسل و الأغلال و السعير و الحميم و الغساق .
اذكروا بعد القعر، واشتداد الحر. ابكوا وتباكوا، اعرضوا على قلوبكم تقلب الظالمين بين أطباق النيران: {لَهُمْ مّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مّنَ ٱلنَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ } {كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا }{ خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ثُمَّ ٱلْجَحِيمَ صَلُّوهُ ثُمَّ فِى سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاْسْلُكُوهُ } {فِى سَمُومٍ وَحَمِيمٍ وَظِلّ مّن يَحْمُومٍ لاَّ بَارِدٍ وَلاَ كَرِيمٍ }
فاتقوا الله رحمكم الله .اللهم إنا نعوذ بك من النار و ما قرب إليها من قول أو عمل .
كتابة تعليق
الاسم:
العنوان:
تأثير نصي: صفحة انترنتبريد الكترونيخط عريضخط مائلنص تحته خطاقتباسكودفتح قائمةعناصر القائمةإغلاق القائمة
التعليق:
طباعة
1600 زائر
إرسال
الخطبة الأولى :
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن خير الحديث كتاب الله و خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه و سلم و شر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة .
عباد الله ، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }.
أهلكت كثيرًا من الناس الأماني، إيمان بلا أثر، وقول بلا عمل.
يقول الحسن البصري رحمه الله: أمؤمنون بيوم الحساب هؤلاء؟!! كلا، كذبوا ومالك يوم الدين.
لا يدخل الجنة إلا من يرجوها، ولا يسلم من النار إلا من يخافها، ورود النار متيقَّن: {وَإِن مّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً } ولكن هل الخروج منها متيقن؟!
أين الخوف من هول ذلك المورد؟ ومن ترى بالنجاة والفكاك يحظى ويسعد؟ وقال موسى بن سعد: كنا إذا جلسنا إلى سفيان كأن النار قد أحاطت بنا لما نرى من خوفه وجزعه. من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل: { قَالُواْ إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِى أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ فَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَـٰنَا عَذَابَ ٱلسَّمُومِ إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ ٱلْبَرُّ ٱلرَّحِيمُ }.
عباد الله ، و نحن في هذه الأيام نعيش شدة الحر الذي هو أحد نفسي جهنم ( اشتكت النار إلى ربها فقالت يا رب أكل بعضي بعضا . فجعل لها نفسين نفس في الشتاء ونفس في الصيف . فشدة ما تجدون من البرد من زمهريرها وشدة ما تجدون من الحر من سمومها ) .
ونحن نلمس هذا النفس و أثره فعلينا أن نتذكر وأن نخاف من هذه النار التي أخبر الله عنها في كتابه وصحت به الأخبار عن نبينا محمد من الوعيد للمكذبين، والخوف على المقصرين، حديث عن النار وأهلها وأهوالها أعاذنا الله منها بمنِّه وكرمه: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَـئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَّ يَعْصُونَ ٱللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ }.
وقال الحسن البصري رحمه الله: والله ما صدق عبد بالنار إلا ضاقت عليه الأرض بما رحبت، وإن المنافق لو كانت النار خلف ظهره ما صدق بها حتى يتجهم في دركها. والله ما أنذر العباد بشيء أدهى منها.
{ فَأَنذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّىٰ لاَ يَصْلَـٰهَا إِلاَّ ٱلاْشْقَى ٱلَّذِى كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ }.
نار السعير لا ينام هاربها الخوف منها فلذ أكباد الصالحين { إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ َنذِيراً لِّلْبَشَرِ لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ } .
ألم تعملوا أن التخويف من النار نال الملائكة المقربين والأنبياء المرسلين؟!
قال الله عز و جل في شأن الملائكة: {وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنّى إِلَـٰهٌ مّن دُونِهِ فَذٰلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِى ٱلظَّـٰلِمِينَ } .
وقال في حق الأنبياء: {وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهًا ءاخَرَ فَتُلْقَىٰ فِى جَهَنَّمَ مَلُومًا مَّدْحُورًا}.
اتقوا النار و لو بشق تمرة اتقوا النار بكلمة طيبة أكثروا من ذكرها و اعملوا للنجاة منها {ذٰلِكَ يُخَوّفُ ٱللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يٰعِبَادِ فَٱتَّقُونِ }.
النار شر دار، وعذابها شر عذاب، حرها شديد وقعرها بعيد، ومقامعها حديد، يهوي الحجر من شفيرها سبعين خريفـًا ما يدرك قعرها. مسالكها ضيقة، ومواردها مهلكة، يوقد فيها السعير، ويعلو فيها الشهيق والزفير، أبوابها مؤصدة، وعمدها ممددة، يرجع إليها غمها، ويزداد فيها حرها.
جثت الأمم على الركب، وتبين للظالمين سوء المنقلب، انطلق المكذبون إلى ظل ذي ثلاث شعب، لا ظليل ولا يغني من اللهب، وأحاطت بهم نار ذات لهب، ونادتهم الزبانية: { فَٱدْخُلُواْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَـٰلِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى ٱلْمُتَكَبّرِينَ } والزبانية تقمعهم، في مضايقها يتجلجلون، وفي دركاتها يتحطمون.
ترى المجرمين مقرنين في الأصفاد، سرابيلهم من قطران، وتغشى وجوههم النار. الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون، وبالنواصي والأقدام يؤخذون، وفي الحميم ثم في النار يسجرون.
يصب من فوق رءوسهم الحميم- و هو الماء الحار -، يصهر به ما في بطونهم والجلود ولهم مقامع من حديد فوق رءوسهم.
تكوى جباههم وجنوبهم وظهورهم {ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ } .
طعامهم الزقوم والضريع – نبت ذو شوك لاصق بالارض -، لا يسمن ولا يغني من جوع. شرابهم الحميم والغساق – صديد أهل النار- ، يشوي الوجوه ويقطع الأمعاء،: {يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ} .
{وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَـٰلِحاً غَيْرَ ٱلَّذِى كُـنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ ٱلنَّذِيرُ فَذُوقُواْ فَمَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِن نَّصِيرٍ }.
{كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَـٰهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ} .
يتمنون الموت والهلاك، ولكن أين المفر؟ ومتى الفكاك؟
{وَنَادَوْاْ يٰمَـٰلِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَّـٰكِثُونَ لَقَدْ جِئْنَـٰكُم بِٱلْحَقّ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقّ كَـٰرِهُونَ} .
ثم يعلو شهيقهم، ويزداد زفيرهم، وقد حيل بينهم وبين ما يشتهون، فيعظم يأسهم، ويرجعون إلى أنفسهم: {سَوَاء عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ }.
نعوذ بالله من عظيم غضبه و أليم عقابه .
هذه أخبار صدق عن جهنم ولظى، وأنباء حق عن السعير والحُطمة، والله لتملأن والله لتملأن: {وَلَـٰكِنْ حَقَّ ٱلْقَوْلُ مِنْى لاَمْلانَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ }.
فويل لكل مشرك ومشركة، وويل لكل ظالم وظالمة ممن طغى وبغى وآثر الحياة الدنيا،: {يُعْرَفُ ٱلْمُجْرِمُونَ بِسِيمَـٰهُمْ }.
{ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ مَّنَّاعٍ لّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ عُتُلٍ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ } لا يؤمن بالله العظيم، ولا يحض على طعام المسكين، لم يكُ من المصلين، ولم يكُ يطعم المسكين، يخوض مع الخائضين، ويكذب بيوم الدين.
هؤلاء هم أصحاب الجحيم عياذا بالله.
عباد الله، النار موعود بها مدمن الخمر وقاطع الرحم والمصدق بالسحر والمنان والنمام، وما أسفل الكعبين من الإزار ففي النار رواه البخاري.
موعود بها الذين يكنزون الذهب و الفضة و لا يخرجون حقها من زكاتها .
ومن أشد الناس عذاباً طائفتان: المصورون الذين يضاهئون خلق الله و الذين يعذبون الناس في الدنيا رواه البخاري و مسلم .
موعود بها من يقارف الفاحشة ويأكل أموال الناس بالباطل .
وأصناف من القضاة في النار ومن غش رعيته فهو في النار رواه البخاري و مسلم .
و من بايع إمامه لا يبايعه إلا لدنيا فإن أعطاه منها وفى وإن لم يعطه لم يف موعود بها.
ومن اقتطع مال أخيه بيمين فاجرة فليتبوأ مقعده من النار رواه مسلم .
والذي يشرب في آنية الذهب و الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم رواه البخاري و مسلم .
{إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً }.
وويل لأكلة الربا ثم ويل لأكلة الربا ،ويل لأكلة الميسر (كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به ) رواه الإمام احمد و الترمذي و ابن حبان .
(وصنفان من أهل النار: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، والكاسيات العاريات المائلات المميلات على رءوسهن كأسنمة البخت لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها) رواه مسلم .
(والنائحة إذا لم تتب تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب) رواه مسلم .
(والمكر والخداع في النار) رواه الطبراني و البيهقي و صححه ابن حبان .
(والفجور يهدي إلى النار) رواه البخاري و مسلم .
(وشر الناس منزلة عند الله من تركه الناس اتقاء فحشه) رواه البخاري و مسلم .
وويل للذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة.
عباد الله ، وقانا الله عذاب السموم هذه أنواع من أهوال النار و صنوف من أهلها فاتقوا الله و اتقوا النار اتقوا النار بالبكاء من خشية الله فلن يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع .
و (عينان لا تمسهما النار عين بكت من خشية الله و عين باتت تحرس في سبيل الله) رواه البخاري و مسلم .
و (من صام يوما في سبيل الله زحزه الله عن النار سبعين خريفاً) رواه البخاري و مسلم .
تعوذوا بالله من النار فهذا دأب الصالحين الذاكرين .
ملائكة الله السياحون يمرون بمجالس الذكر ثم يسألهم ربهم عن أحوال الذاكرين فيقول لهم وهو أعلم بهم: مِمَّ يتعوذون؟ فيقولون: من النار. فيقول: وهل رأوها ؟ قالوا: لا. والله ما رأوها. فيقول: كيف لو رأوها؟ فيقولون: لو رأوها كانوا أشد منها فرارًا وأشد منها مخافة؟ قال فيقول: إني أشهدكم أني قد غفرت لهم . رواه البخاري و مسلم .
و في مسند احمد والترمذي والنسائي وابن ماجه: (ما سأل رجل مسلم الجنة ثلاثـًا، إلا قالت الجنة: اللهم أدخله الجنة. ولا استجار رجل مسلم من النار ثلاثـًا، إلا قالت النار: اللهم أجره مني).
اللهم أجرنا من النار اللهم أجرنا من النار اللهم أجرنا من النار ، ربنا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا و قنا عذاب النار .
أقول ما سمعتم و استغفر الله لي و لكم من كل ذنب فاستغفروه انه غفور رحيم.
الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين و العاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين اللهم صل و سلم و بارك على نبينا محمد و على آله و أصحابه.
عباد الله، في مثل هذه الأيام تذكروا حر جهنم فتوبوا إلى الله عز و جل كونوا كسلفكم الصالح فقد أزعج ذكر النار قلوبهم ، و أطار النوم من عيونهم شاهدوا موقف القيامة بقلوبكم و انظروا منصرف الفريقين إلى الجنة و النار بهممكم .
أشعروا أفئدتكم وأبدانكم ذكر النار ومقامعها و أطباقها ودركاتها وحجارتها و وقودها ،والسلاسل و الأغلال و السعير و الحميم و الغساق .
اذكروا بعد القعر، واشتداد الحر. ابكوا وتباكوا، اعرضوا على قلوبكم تقلب الظالمين بين أطباق النيران: {لَهُمْ مّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مّنَ ٱلنَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ } {كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا }{ خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ثُمَّ ٱلْجَحِيمَ صَلُّوهُ ثُمَّ فِى سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاْسْلُكُوهُ } {فِى سَمُومٍ وَحَمِيمٍ وَظِلّ مّن يَحْمُومٍ لاَّ بَارِدٍ وَلاَ كَرِيمٍ }
فاتقوا الله رحمكم الله .اللهم إنا نعوذ بك من النار و ما قرب إليها من قول أو عمل .
كتابة تعليق
الاسم:
العنوان:
تأثير نصي: صفحة انترنتبريد الكترونيخط عريضخط مائلنص تحته خطاقتباسكودفتح قائمةعناصر القائمةإغلاق القائمة
التعليق:
طباعة
1600 زائر
إرسال
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى