عابر سبيل
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
من الذي يجب عليه الحج
الذي يجب عليه الحج هو : المسلم العاقل البالغ ، الحر، العالم بالفرضية ، المستطيع . وإليك تفصيلا لذلك كله ، حتى يتبين ، لك حكم كل حالة .
حج الكافر والمجنون والصبي
لا يفرض الحج على كافر ، لأنه غير مطالب بفروع الإسلام وهو فاقد أصله الذي يبنى عليه ابتداء ، وهو الإيمان ، وهذا عند غير الإمام مالك ، أما عنده فإن الكافر يخاطب بالفروع ، ويعذب عليها يوم القيامة .
وعند الجميع : إن حج وهو كافر فإن حجه لا يصح ، ولا يسقط الحج عنه إذا أسلم .
(هذا) ومن حج ، ثم ارتد عن الإسلام وكفر ، ثم عاد إلى الإسلام ، فإنه يجب عليه إعادة الحج عند الأحناف والمالكية ، ولا يجب عليه ذلك عند الشافعية ؛ لأن إحباط العمل لا يحدث للمرتد إلا إذا مات على ردته وكفره عندهم .
وكذلك لا يجب الحج على مجنون ، أو معتوه (وهو الأبله الناقص العقل.)..
ومثله الصبي الذي لم يبلغ ، فإن الحج لا يجب عليه ؛ لعدم تكليفه ، وإن حج صح حجه ، ولكن لا يكفي ذلك عن الحجة المفروضة ، ولا يسقطها عنه بعد بلوغه واستيفائه الشروط التي توجب الحج .
وما قيل في الصبي يقال في العبد المملوك لغيره ، فالحج لا يجب عليه ، وإن حج صح حجه ، ولكنه لا يسقط الحجة الواجبة عليه إذا أعتق واستوفى شروط الوجوب. اهـ .
دليل ذلك حديث ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أيما صبي حج ثم بلغ الحنث فعليه أن يحج حجة أخرى ، وأيما عبد حج ثم أعتق فعليه أن يحج حجة أخرى أخرجه الطبراني في الأوسط بسند رجاله رجال الصحيح
وقال الترمذي : أجمع أهل العلم على أن الصبي إذا حج قبل أن يدرك فعليه الحج إذا أدرك ، وكذلك المملوك إذا حج في رقه ثم أعتق فعليه الحج إذا وجد إلى ذلك سبيلا ا هـ .
وهذا واضح في الصبى المميز الذي يستطيع القيام بنفسه بأعمال الحج .أما الصبى غير المميز وغير القادر على القيام بأعمال الحج فإن حجه صحيح أيضا عند الجمهور ، ويقوم الولي بتحجيجه وذلك بأن يحرم عنه قائلا بقلبه : جعلته محرما، ويجرده من المخيط ، ويلبي عنه ، ويطوف به ويسعى ، ويقف به بعرفة ، ويرمي عنه الجمار..
فقد جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي ركبا بالروحاء فقال : من القوم ؟ فقالوا : المسلمون ، فقالوا : من أنت ؟ فقال : رسول الله فرفعت إليه امرأة صبيا فقالت ألهذا حج ؟ قال : نعم ولك أجر أخرجه مسلم .
(هذا) ولو بلغ الصبي وهو غير محرم ثم أحرم يوم عرفة أو قبله فإن إحرامه صحيح وتقع حجته عن الحجة المفروضة عليه بالإجماع .
وإن كان الصبي محرما من الأصل ثم بلغ قبل عرفة أو يومه فوقف بعرفة وأتم أعمال الحج فإن حجه يقع عن حجة الإسلام عند الشافعي وأحمد ، لأنه وقف بعرفة وأتم أركان الحج وهو أهل لها .
وقال مالك : لا يجزئه ذلك كما حجة الإسلام ، واختاره ابن المنذر .
وقال الحنفيون : إن جدد الصبي الإحرام قبل الوقوف بعرفة أجزأه ، وإلا فلا يجزئه ، لأن إحرامه لم ينعقد واجبا .
ولو بلغ الصبي بعد الوقوف بعرفة فعاد إلى عرفة ووقف بها قبل فجر يوم النحر فإن حجته تجزئ عن حجة الإسلام عند الشافعي وأحمد .
وقال أبو حنيفة ومالك لا يجزئ ذلك عن حجة الإسلام .
وإن لم يعد الصبي إلى عرفة أو عاد بعد الفجر فإن حجه يقع تطوعا ولا يجزئ عن حجة الإسلام اتفاقا .
ملاحظتان :
(1) الصبي المميز لا يحج إلا بإذن وليه (وهو من يقوم بأموره ويرعى شؤونه مثل الأب والجد عند عدم الأب ، ومثل الأم عند عدمهما ، ومثل الوصي والقيم عند فقد الأب والجد والأم) ، وإن أحرم بغير إذن وليه فإن إحرامه فيه قولان : قول بأنه يصح ، وقول بأنه لا يصح . وعلة ذلك أن الصبي يحتاج إلى المال والمولى هو المسؤول عن مال الصبي وعن رعايته إن كان للصبي مال ، وهو الذي ينفق عليه من مال نفسه إن لم يكن للصبي مال .
(2) إن كان الصبي غير مميز وأراد الولي أن يحج عنه فإن عليه عند الإحرام أن يخلع عن الصبي الذكر الملابس المحرمة على الرجال حالة الإحرام ثم ينوي بقلبه الإحرام عنه ، ويلبي عنه فيقول : لبيك اللهم عن فلان لبيك . وكذلك يفعل معه في السنن فيغسله ويطيبه ويقم أظفاره إلخ .
وعليه أن يجنبه ما يجتنبه الرجل ، وعند الطواف والسعي يطوف به ويسعى طوافا وسعيا مستقلين ، غير طوافه وسعيه لنفسه ، ثم يأخذه إلى عرفات وإلى المزدلفة ومنى ، ويرمي عنه الجمار بعد أن يرمي لنفسه وكذلك يذبح عنه بنيته ولا يشترط حضور الصبي عند الرمي ، أو الذبح ؛ لأن الإنابة فيهما جائزة ا هـ .
حكم من يجهل افتراض الحج لإسلامه بدار الحرب
ذكرنا أن الحج يجب على من استوفى شروطا معينة . منها : العلم بفرضية الحج .
وهذا الشرط ينظر إليه بالنسبة لمن أسلم حديثا وكان يسكن دار الحرب ، فإن جهله حينئذ بأركان الإسلام معقول ومتوقع ، ومثله من يعيش في بيئة إسلامية ليس فيها علماء ، وهي معزولة عن الجو الإسلامي العام كأن كانت تعيش منعزلة في بادية ، ومضت عليها السنون ، لا تتصل بالعلم ولا بالعلماء ، فإن العقل يتصور حينئذ جهل بعض هؤلاء بكثير من أمور الدين الضرورية المشهورة .
فمن كان من هؤلاء لا يعلم فرضية الحج فإن الحج لا يجب عليه ، ولو مات لا يسأل عنه أمام الله تعالى .
ويكفي في تحمله المسؤولية أن يخبره رجل مسلم عدل بحكم من أحكام الله تعالى أو تخبره امرأتان كذلك فحينئذ يعتبر عالما بالحكم ويجب عليه العمل به .
أما إن أسلم وكان بدار الإسلام وجو الإسلام فإنه لا يعذر بجهله مثل هذه الفريضة المعلومة من الدين بالضرورة.. وكذلك مثلها من الفرائض .
الاستطاعة المعتبرة شرعا
قلنا : إن المستطيع هو الذي يجب عليه الحج ، وهنا نحتاج إلى معرفة مدى هذه الاستطاعة حتى نستبين ، أمرها ، ونتأكد من حالتنا بالنسبة لها .
والخلاصة التي يمكن بلورتها بسرعة عن مفهوم الاستطاعة هي أنها القدرة الصحية والمالية والأدبية مع عدم المانع الشرعي وإليك تفصيل ذلك كله وتبيينه .
(1) فالقدرة الصحية معناها: أن يكون البدن سليما من الأمور التي تعجزه عن القيام بفرائض الحج وواجباته . مثل : كبر السن ، والمرض المزمن ، وعدم القدرة على ركوب الدابة أو السيارة وأمثالها بسبب نقص في أعضائه كقطع اليدين أو الرجلين ، أو إحدى الرجلين ، بحيث لا يستطيع الركوب وأداء أعمال الحج الواجبة ، ومثله المشلول ، والمقعد ، والأعمى وإن وجد قائدا عند أبي حنيفة ، وغيره يوجب الحج عليه إن وجد القائد وقدر على نفقته .
(2) والقدرة المالية : أن يكون عنده من المال ما يكفي من يعولهم أثناء ذهابه وجحه وعودته ، والمراد بالكفاية (الوسط) فلا ينظر إلى حالة الإسراف ، ولا يطالب بالتقتير والتضييق على نفسه وعلى من يعولهم ، فإن رضي ، أو رضى من يعولهم بالتقتير والتضييق كان له ولهم ثواب أكثر .
(3) وأن يجد الدابة التي تحمله إلى مكان الحج ثم إلى بلده بعد الحج ، ومثل الدابة السيارة ، والقاطرة ، والطائرة وأشباهها سواء أكان مالكا لها أو مالكا لأجرتها ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فسر الاستطاعة المذكورة في آية الحج بالزاد والرحلة في حديث رواه الدارقطني والحاكم وصححه ، وهذا بالنسبة للبعيد عن مكة بحيث لا يستطيع الوصول ماشيا إلا بمشقة فادحة ، أما من يستطيع الوصول بدون هذه المشقة فإن عليه الحج إن وجد النفقة... ويكون معلوما أن القدرة المادية بقسميها السابقين تندرج تحت كلمة النفقة ..
والنفقة التي يجب الحج عند توفرها هي : النفقة الزائدة عن الحوائج الأصلية التي لا يستغني عنها الإنسان عادة مثل : الثياب ، ودار السكنى ، وكتب العلم ، وسيارة يؤجرها لينفق منها على نفسه وعياله ، ومصنع كذلك ، أو سفينة أو دار يؤجرها وينفق من أجرتها ، أو قطعة أرض يزرعها يأكل من زرعها ، ومثل ذلك البضاعة التي إن نقصها اختل ربحها فلم يكفه هو وعياله، وكذلك الماشية التي يعيش من نتاجها ولبنها وربحها ولو باعها أو باع بعضها لا يجد النفقة الكافية لنفسه أولمن يعوله فتدبر ذلك وقس عليه غيره.
ولا يجب عليه الحج إن كان مدينا لآدمي، أو لله، كأنما كان عليه زكاة، أو كفارة، إن كان ما يبقى بعد سداد الدين لا يكفي نفقات الحج، وكان مطالبا بسداد الدين.
وإن احتاج إلى الزواج وخاف على نفسه الضرر الصحي، أو الوقوع في الفاحشة قدم التزوج على الحج، لأن التزوج حينئذ واجب، فهو مثل النفقة، وإذا لم يخف شيئا فإن التزوج حينئذ يكون سنة، أما الحج فواجب فيقدم الحج . وإن كان له دين يستطيع تحصيله وجب عليه الحج وإلا فلا...
ومن كان لا يجد نفقة الحج له ولأولاده ولا يجد أجرة السفر فجاء إنسان وبذل له النفقة والأجرة فإنه لا يصير مستطيعا بذلك سواء كان الباذل قريبا أو أجنبيا.
وقال الشافعي: إن بذل له ولده ما يتمكن به من الحج لزمه، لأنه أمكنه الحج من غير منة تلزمه، ولا ضرر يلحقه .
ولا يجب الحج بسؤال الناس لمن تعود ذلك إلا عند المالكية...
ومن كان ذا صنعة يستطيع ممارستها أثناء الحج والإنفاق منها فإن الحج يجب عليه عند الإمام مالك وعند الأحناف رأي قريب من هذا .
(4) أمن الطريق: بمعنى أن يأمنه على نفسه وماله حسب غلبة ظنه، فإن كان الأمن يتحقق إذا دفع رشوة، أو ضريبة للظلمة أو قطاع الطريق وكان الدفع غير متعدد وغير مجحف فإن المالكية يرون وجوب الحج، والشافعية يرون أن هذه الرشوة عذر يسقط الحج وإن قلت، ورأي المالكية أقرب إلى العقل خصوصا في زمننا الذي كثرت فيه مثل هذه الأشياء حتى صارت عادة... وأما الحنابلة فلهم رأي مثل الشافعية، ورأي آخر كالمالكية
إذا كان الحاج لابد له من ركوب البحر جاز له الركوب إن غلبت عليه السلامة، وإلا فلا.. فإن كان البحر هائجا مخوفا فإن ركوبه لا يجوز لا لحج ولا لغيره حتى يسير مأمونا.
(5) عدم المانع من الحج سواء أكان مانعا حسيا كالحبس والاعتقال، أم معنويا كالخوف من سلطان جائر يمنع الناس من الخروج إلى الحج.
الذي يجب عليه الحج هو : المسلم العاقل البالغ ، الحر، العالم بالفرضية ، المستطيع . وإليك تفصيلا لذلك كله ، حتى يتبين ، لك حكم كل حالة .
حج الكافر والمجنون والصبي
لا يفرض الحج على كافر ، لأنه غير مطالب بفروع الإسلام وهو فاقد أصله الذي يبنى عليه ابتداء ، وهو الإيمان ، وهذا عند غير الإمام مالك ، أما عنده فإن الكافر يخاطب بالفروع ، ويعذب عليها يوم القيامة .
وعند الجميع : إن حج وهو كافر فإن حجه لا يصح ، ولا يسقط الحج عنه إذا أسلم .
(هذا) ومن حج ، ثم ارتد عن الإسلام وكفر ، ثم عاد إلى الإسلام ، فإنه يجب عليه إعادة الحج عند الأحناف والمالكية ، ولا يجب عليه ذلك عند الشافعية ؛ لأن إحباط العمل لا يحدث للمرتد إلا إذا مات على ردته وكفره عندهم .
وكذلك لا يجب الحج على مجنون ، أو معتوه (وهو الأبله الناقص العقل.)..
ومثله الصبي الذي لم يبلغ ، فإن الحج لا يجب عليه ؛ لعدم تكليفه ، وإن حج صح حجه ، ولكن لا يكفي ذلك عن الحجة المفروضة ، ولا يسقطها عنه بعد بلوغه واستيفائه الشروط التي توجب الحج .
وما قيل في الصبي يقال في العبد المملوك لغيره ، فالحج لا يجب عليه ، وإن حج صح حجه ، ولكنه لا يسقط الحجة الواجبة عليه إذا أعتق واستوفى شروط الوجوب. اهـ .
دليل ذلك حديث ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أيما صبي حج ثم بلغ الحنث فعليه أن يحج حجة أخرى ، وأيما عبد حج ثم أعتق فعليه أن يحج حجة أخرى أخرجه الطبراني في الأوسط بسند رجاله رجال الصحيح
وقال الترمذي : أجمع أهل العلم على أن الصبي إذا حج قبل أن يدرك فعليه الحج إذا أدرك ، وكذلك المملوك إذا حج في رقه ثم أعتق فعليه الحج إذا وجد إلى ذلك سبيلا ا هـ .
وهذا واضح في الصبى المميز الذي يستطيع القيام بنفسه بأعمال الحج .أما الصبى غير المميز وغير القادر على القيام بأعمال الحج فإن حجه صحيح أيضا عند الجمهور ، ويقوم الولي بتحجيجه وذلك بأن يحرم عنه قائلا بقلبه : جعلته محرما، ويجرده من المخيط ، ويلبي عنه ، ويطوف به ويسعى ، ويقف به بعرفة ، ويرمي عنه الجمار..
فقد جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي ركبا بالروحاء فقال : من القوم ؟ فقالوا : المسلمون ، فقالوا : من أنت ؟ فقال : رسول الله فرفعت إليه امرأة صبيا فقالت ألهذا حج ؟ قال : نعم ولك أجر أخرجه مسلم .
(هذا) ولو بلغ الصبي وهو غير محرم ثم أحرم يوم عرفة أو قبله فإن إحرامه صحيح وتقع حجته عن الحجة المفروضة عليه بالإجماع .
وإن كان الصبي محرما من الأصل ثم بلغ قبل عرفة أو يومه فوقف بعرفة وأتم أعمال الحج فإن حجه يقع عن حجة الإسلام عند الشافعي وأحمد ، لأنه وقف بعرفة وأتم أركان الحج وهو أهل لها .
وقال مالك : لا يجزئه ذلك كما حجة الإسلام ، واختاره ابن المنذر .
وقال الحنفيون : إن جدد الصبي الإحرام قبل الوقوف بعرفة أجزأه ، وإلا فلا يجزئه ، لأن إحرامه لم ينعقد واجبا .
ولو بلغ الصبي بعد الوقوف بعرفة فعاد إلى عرفة ووقف بها قبل فجر يوم النحر فإن حجته تجزئ عن حجة الإسلام عند الشافعي وأحمد .
وقال أبو حنيفة ومالك لا يجزئ ذلك عن حجة الإسلام .
وإن لم يعد الصبي إلى عرفة أو عاد بعد الفجر فإن حجه يقع تطوعا ولا يجزئ عن حجة الإسلام اتفاقا .
ملاحظتان :
(1) الصبي المميز لا يحج إلا بإذن وليه (وهو من يقوم بأموره ويرعى شؤونه مثل الأب والجد عند عدم الأب ، ومثل الأم عند عدمهما ، ومثل الوصي والقيم عند فقد الأب والجد والأم) ، وإن أحرم بغير إذن وليه فإن إحرامه فيه قولان : قول بأنه يصح ، وقول بأنه لا يصح . وعلة ذلك أن الصبي يحتاج إلى المال والمولى هو المسؤول عن مال الصبي وعن رعايته إن كان للصبي مال ، وهو الذي ينفق عليه من مال نفسه إن لم يكن للصبي مال .
(2) إن كان الصبي غير مميز وأراد الولي أن يحج عنه فإن عليه عند الإحرام أن يخلع عن الصبي الذكر الملابس المحرمة على الرجال حالة الإحرام ثم ينوي بقلبه الإحرام عنه ، ويلبي عنه فيقول : لبيك اللهم عن فلان لبيك . وكذلك يفعل معه في السنن فيغسله ويطيبه ويقم أظفاره إلخ .
وعليه أن يجنبه ما يجتنبه الرجل ، وعند الطواف والسعي يطوف به ويسعى طوافا وسعيا مستقلين ، غير طوافه وسعيه لنفسه ، ثم يأخذه إلى عرفات وإلى المزدلفة ومنى ، ويرمي عنه الجمار بعد أن يرمي لنفسه وكذلك يذبح عنه بنيته ولا يشترط حضور الصبي عند الرمي ، أو الذبح ؛ لأن الإنابة فيهما جائزة ا هـ .
حكم من يجهل افتراض الحج لإسلامه بدار الحرب
ذكرنا أن الحج يجب على من استوفى شروطا معينة . منها : العلم بفرضية الحج .
وهذا الشرط ينظر إليه بالنسبة لمن أسلم حديثا وكان يسكن دار الحرب ، فإن جهله حينئذ بأركان الإسلام معقول ومتوقع ، ومثله من يعيش في بيئة إسلامية ليس فيها علماء ، وهي معزولة عن الجو الإسلامي العام كأن كانت تعيش منعزلة في بادية ، ومضت عليها السنون ، لا تتصل بالعلم ولا بالعلماء ، فإن العقل يتصور حينئذ جهل بعض هؤلاء بكثير من أمور الدين الضرورية المشهورة .
فمن كان من هؤلاء لا يعلم فرضية الحج فإن الحج لا يجب عليه ، ولو مات لا يسأل عنه أمام الله تعالى .
ويكفي في تحمله المسؤولية أن يخبره رجل مسلم عدل بحكم من أحكام الله تعالى أو تخبره امرأتان كذلك فحينئذ يعتبر عالما بالحكم ويجب عليه العمل به .
أما إن أسلم وكان بدار الإسلام وجو الإسلام فإنه لا يعذر بجهله مثل هذه الفريضة المعلومة من الدين بالضرورة.. وكذلك مثلها من الفرائض .
الاستطاعة المعتبرة شرعا
قلنا : إن المستطيع هو الذي يجب عليه الحج ، وهنا نحتاج إلى معرفة مدى هذه الاستطاعة حتى نستبين ، أمرها ، ونتأكد من حالتنا بالنسبة لها .
والخلاصة التي يمكن بلورتها بسرعة عن مفهوم الاستطاعة هي أنها القدرة الصحية والمالية والأدبية مع عدم المانع الشرعي وإليك تفصيل ذلك كله وتبيينه .
(1) فالقدرة الصحية معناها: أن يكون البدن سليما من الأمور التي تعجزه عن القيام بفرائض الحج وواجباته . مثل : كبر السن ، والمرض المزمن ، وعدم القدرة على ركوب الدابة أو السيارة وأمثالها بسبب نقص في أعضائه كقطع اليدين أو الرجلين ، أو إحدى الرجلين ، بحيث لا يستطيع الركوب وأداء أعمال الحج الواجبة ، ومثله المشلول ، والمقعد ، والأعمى وإن وجد قائدا عند أبي حنيفة ، وغيره يوجب الحج عليه إن وجد القائد وقدر على نفقته .
(2) والقدرة المالية : أن يكون عنده من المال ما يكفي من يعولهم أثناء ذهابه وجحه وعودته ، والمراد بالكفاية (الوسط) فلا ينظر إلى حالة الإسراف ، ولا يطالب بالتقتير والتضييق على نفسه وعلى من يعولهم ، فإن رضي ، أو رضى من يعولهم بالتقتير والتضييق كان له ولهم ثواب أكثر .
(3) وأن يجد الدابة التي تحمله إلى مكان الحج ثم إلى بلده بعد الحج ، ومثل الدابة السيارة ، والقاطرة ، والطائرة وأشباهها سواء أكان مالكا لها أو مالكا لأجرتها ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فسر الاستطاعة المذكورة في آية الحج بالزاد والرحلة في حديث رواه الدارقطني والحاكم وصححه ، وهذا بالنسبة للبعيد عن مكة بحيث لا يستطيع الوصول ماشيا إلا بمشقة فادحة ، أما من يستطيع الوصول بدون هذه المشقة فإن عليه الحج إن وجد النفقة... ويكون معلوما أن القدرة المادية بقسميها السابقين تندرج تحت كلمة النفقة ..
والنفقة التي يجب الحج عند توفرها هي : النفقة الزائدة عن الحوائج الأصلية التي لا يستغني عنها الإنسان عادة مثل : الثياب ، ودار السكنى ، وكتب العلم ، وسيارة يؤجرها لينفق منها على نفسه وعياله ، ومصنع كذلك ، أو سفينة أو دار يؤجرها وينفق من أجرتها ، أو قطعة أرض يزرعها يأكل من زرعها ، ومثل ذلك البضاعة التي إن نقصها اختل ربحها فلم يكفه هو وعياله، وكذلك الماشية التي يعيش من نتاجها ولبنها وربحها ولو باعها أو باع بعضها لا يجد النفقة الكافية لنفسه أولمن يعوله فتدبر ذلك وقس عليه غيره.
ولا يجب عليه الحج إن كان مدينا لآدمي، أو لله، كأنما كان عليه زكاة، أو كفارة، إن كان ما يبقى بعد سداد الدين لا يكفي نفقات الحج، وكان مطالبا بسداد الدين.
وإن احتاج إلى الزواج وخاف على نفسه الضرر الصحي، أو الوقوع في الفاحشة قدم التزوج على الحج، لأن التزوج حينئذ واجب، فهو مثل النفقة، وإذا لم يخف شيئا فإن التزوج حينئذ يكون سنة، أما الحج فواجب فيقدم الحج . وإن كان له دين يستطيع تحصيله وجب عليه الحج وإلا فلا...
ومن كان لا يجد نفقة الحج له ولأولاده ولا يجد أجرة السفر فجاء إنسان وبذل له النفقة والأجرة فإنه لا يصير مستطيعا بذلك سواء كان الباذل قريبا أو أجنبيا.
وقال الشافعي: إن بذل له ولده ما يتمكن به من الحج لزمه، لأنه أمكنه الحج من غير منة تلزمه، ولا ضرر يلحقه .
ولا يجب الحج بسؤال الناس لمن تعود ذلك إلا عند المالكية...
ومن كان ذا صنعة يستطيع ممارستها أثناء الحج والإنفاق منها فإن الحج يجب عليه عند الإمام مالك وعند الأحناف رأي قريب من هذا .
(4) أمن الطريق: بمعنى أن يأمنه على نفسه وماله حسب غلبة ظنه، فإن كان الأمن يتحقق إذا دفع رشوة، أو ضريبة للظلمة أو قطاع الطريق وكان الدفع غير متعدد وغير مجحف فإن المالكية يرون وجوب الحج، والشافعية يرون أن هذه الرشوة عذر يسقط الحج وإن قلت، ورأي المالكية أقرب إلى العقل خصوصا في زمننا الذي كثرت فيه مثل هذه الأشياء حتى صارت عادة... وأما الحنابلة فلهم رأي مثل الشافعية، ورأي آخر كالمالكية
إذا كان الحاج لابد له من ركوب البحر جاز له الركوب إن غلبت عليه السلامة، وإلا فلا.. فإن كان البحر هائجا مخوفا فإن ركوبه لا يجوز لا لحج ولا لغيره حتى يسير مأمونا.
(5) عدم المانع من الحج سواء أكان مانعا حسيا كالحبس والاعتقال، أم معنويا كالخوف من سلطان جائر يمنع الناس من الخروج إلى الحج.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى