رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
:ثث:
:124:
وهو سبحانه الجميل الذي لا أجمل منه بل لو كان جمال الخلق كلهم على رجل واحد منهم وكانوا جميعهم بذلك الجمال لما كان لجمالهم قط نسبة إلى جمال الله، بل كانت النسبة أقل من نسبة سراج ضعيف إلى حذاء جرم الشمس: }وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ{ [النحل: 60].
وقد روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله جميل يحب الجمال" عبد الله بن عمرو بن العاص، وأبو سعيد الخدري، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وثابت بن قيس، وأبو الدرداء، وأبو هريرة، وأبو ريحانة -رضي الله عنهم-.
ومن أسمائه الحسنى: الجميل، ومن أحق بالجمال ممن كل جمال في الوجود فهو من آثار صنعه، فله جمال الذات، وجمال الأوصاف، وجمال الأفعال، وجمال الأسماء، فأسماؤه كلها حسنى، وصفاته كلها كمال، وأفعاله كلها جميلة.
فلا يستطيع بشر النظر إلى جلاله وجماله في هذه الدار، فإذا رأوه سبحانه في جنات عدن أنستهم رؤيته ما هم فيه من النعيم، فلا يلتفتون حينئذ إلى شيء غيره، ولولا حجاب النور على وجهه لأحرقت سبحات وجهه سبحانه وتعالى ما انتهى إليه بصره من خلقه.
كما هو في صحيح البخاري من حديث أبي موسى -رضي الله عنه- قال: قام فينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بخمس كلمات قال:
"إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفعه، ويرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار وعمل النهار قبل عمل الليل، حجاب النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه".
معرفة الله سبحانه وتعالى بالجمال:
من أعز أنواع المعرفة معرفة الرب سبحانه بالجمال، وهي معرفة خواص الخلق، وكلهم عرفه بصفة من صفاته، وأتمهم معرفة من عرفه بكماله وجلاله وجماله سبحانه، ليس كمثله شيء في سائر صفاته، ولو فرضت الخلق كلهم على أجملهم صورة وكلهم على تلك الصورة، ونسبت جمالهم الظاهر والباطن إلى جمال الرب سبحانه لكان أقل من نسبة سراج ضعيف إلى قرص الشمس.
ويكفي في جماله أنه لو كشف الحجاب عن وجهه لأحرقت سبحاته ما انتهى إليه بصره من خلقه. ويكفي في جماله أن كل جمال ظاهر وباطن في الدنيا والآخرة فمن آثار صنعته فما الظن بمن صدر عنه هذا الجمال.
ويكفي في جماله أنه له العزة جميعا والقوة جميعا والجود كله والإحسان كله والعلم كله والفضل كله. ولنور وجهه أشرقت الظلمات كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في دعاء الطائف: "أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة".
وقال عبد الله بن مسعود: ليس عند ربكم ليل ولا نهار نور السموات والأرض من نور وجهه، فهو سبحانه نور السموات والأرض ويوم القيامة إذا جاء لفصل القضاء تشرق الأرض بنوره، ومن أسمائه الحسنى (الجميل) وفي الصحيح عنه -صلى الله عليه وسلم: "إن الله جميل يحب الجمال".
وجماله سبحانه من أربع مراتب: جمال الذات، وجمال الصفات، وجمال الأفعال، وجمال الأسماء. فأسماؤه كلها حسنى وصفاته كلها صفات كمال وأفعاله كلها حكمة ومصلحة وعدل ورحمة. وأما جمال الذات وما هو عليه فالأمر لا يدركه سواه. ولا يعلمه غيره. وليس عند المخلوقين منه إلا تعريفات تعرف بها إلى من أكرمه من عباده، فإن ذلك الجمال مصون عن الأغيار محجوب بستر الرداء والإزار، كما قال رسوله -صلى الله عليه وسلم- فيما يحكى عنه: "الكبرياء ردائي والعظمة إزاري" ولما كانت الكبرياء أعظم وأوسع كانت أحق باسم الرداء، فإنه سبحانه الكبير المتعال، فهو سبحانه العلي العظيم.
قال ابن عباس: حجب الذات بالصفات وحجب الصفات بالأفعال، فما ظنك بجمال حجب بأوصاف الكمال. وستر بنعوت العظمة والجلال.
ومن هذا المعنى يفهم بعض معاني جمال ذاته، فإن العبد يترقى من معرفة الأفعال إلى معرفة الصفات ومن معرفة الصفات إلى معرفة الذات، فإذا شاهد شيئا من جمال الأفعال استدل به على جمال الصفات، ثم استدل بجمال الصفات على جمال الذات. ومن هنا يتبين أنه سبحانه له الحمد كله، وأن أحدا من خلقه لا يحصي ثناء عليه، بل هو كما أثنى على نفسه، وأنه يستحق أن يعبد لذاته. ويحب لذاته، ويشكر لذاته، وأنه سبحانه يحب نفسه ويثني على نفسه ويحمد نفسه، وأن محبته لنفسه وحمده لنفسه وثناءه على نفسه وتوحيده لنفسه هو في الحقيقة الحمد والثناء والحب والتوحيد، فهو سبحانه كما أثنى على نفسه وفوق ما يثني به عليه خلقه، وهو سبحانه كما يحب ذاته يحب صفاته وأفعاله، فكل أفعاله حسن محبوب وإن كان في مفعولاته ما يبغضه ويكرهه، فليس في أفعاله ما هو مكروه مسخوط، وليس في الوجود ما يحب لذاته ويحمد لذاته إلا هو سبحانه وكل ما يحب سواه، فإن كانت محبته تابعة لمحبته سبحانه بحيث يحب لأجله فمحبته صحيحة، وإلا فهي محبة باطلة.
وهذا هو حقيقة الإلهية، فإن الإله الحق هو الذي يحب لذاته ويحمد لذاته. فكيف إذا انضاف إلى ذلك إحسانه وإنعامه وحلمه وتجاوزه وعفوه وبره ورحمته، فعلى العبد أن يعلم أنه لا إله إلا الله فيحبه ويحمده لذاته وكماله، وأن يعلم أنه لا محسن على الحقيقة بأصناف النعم الظاهرة والباطنة إلا هو فيحبه لإحسانه وإنعامه. ويحمده على ذلك فيحبه من الوجهين جميعا.
وكما أنه ليس كمثله شيء فليس كمحبته محبة، والمحبة مع الخضوع هي العبودية التي خلق الخلق لأجلها، فإنها غاية الحب بغاية الذل، ولا يصلح ذلك إلا له سبحانه والإشراك به في هذا هو الشرك الذي لا يغفره الله ولا يقبل لصاحبه عملا.
وحمده يتضمن أصلين. الإخبار بمحامده وصفات كماله، والمحبة له عليها فمن أخبر بمحاسن غيره من غير محبة له لم يكن حامدا.
ومن أحبه من غير إخبار بمحاسنه لم يكن حامدا حتى يجمع الأمرين وهو سبحانه يحمد نفسه بنفسه، ويحمد نفسه بما يجريه على ألسنة الحامدين له من ملائكته وأنبيائه ورسله وعباده المؤمنين، فهو الحامد لنفسه بهذا وهذا، فإن حمدهم له بمشيئته وإذنه وتكوينه، فإنه هو الذي جعل الحامد حامدا والمسلم مسلما والمصلي مصليا والتائب تائبا، فمنه ابتدأت النعم وإليه انتهت، فابتدأت بحمده وانتهت إلى حمده وهو الذي ألهم عبده التوبة وفرح بها أعظم فرح وهي من فضله وجوده وألهم عبده الطاعة وأعانه عليها ثم أثابه عليها، وهي من فضله وجوده، وهو سبحانه غني عن كل ما سواه بكل وجه، وما سواه فقير إليه بكل وجه.
:124:
وهو سبحانه الجميل الذي لا أجمل منه بل لو كان جمال الخلق كلهم على رجل واحد منهم وكانوا جميعهم بذلك الجمال لما كان لجمالهم قط نسبة إلى جمال الله، بل كانت النسبة أقل من نسبة سراج ضعيف إلى حذاء جرم الشمس: }وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ{ [النحل: 60].
وقد روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله جميل يحب الجمال" عبد الله بن عمرو بن العاص، وأبو سعيد الخدري، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وثابت بن قيس، وأبو الدرداء، وأبو هريرة، وأبو ريحانة -رضي الله عنهم-.
ومن أسمائه الحسنى: الجميل، ومن أحق بالجمال ممن كل جمال في الوجود فهو من آثار صنعه، فله جمال الذات، وجمال الأوصاف، وجمال الأفعال، وجمال الأسماء، فأسماؤه كلها حسنى، وصفاته كلها كمال، وأفعاله كلها جميلة.
فلا يستطيع بشر النظر إلى جلاله وجماله في هذه الدار، فإذا رأوه سبحانه في جنات عدن أنستهم رؤيته ما هم فيه من النعيم، فلا يلتفتون حينئذ إلى شيء غيره، ولولا حجاب النور على وجهه لأحرقت سبحات وجهه سبحانه وتعالى ما انتهى إليه بصره من خلقه.
كما هو في صحيح البخاري من حديث أبي موسى -رضي الله عنه- قال: قام فينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بخمس كلمات قال:
"إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفعه، ويرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار وعمل النهار قبل عمل الليل، حجاب النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه".
معرفة الله سبحانه وتعالى بالجمال:
من أعز أنواع المعرفة معرفة الرب سبحانه بالجمال، وهي معرفة خواص الخلق، وكلهم عرفه بصفة من صفاته، وأتمهم معرفة من عرفه بكماله وجلاله وجماله سبحانه، ليس كمثله شيء في سائر صفاته، ولو فرضت الخلق كلهم على أجملهم صورة وكلهم على تلك الصورة، ونسبت جمالهم الظاهر والباطن إلى جمال الرب سبحانه لكان أقل من نسبة سراج ضعيف إلى قرص الشمس.
ويكفي في جماله أنه لو كشف الحجاب عن وجهه لأحرقت سبحاته ما انتهى إليه بصره من خلقه. ويكفي في جماله أن كل جمال ظاهر وباطن في الدنيا والآخرة فمن آثار صنعته فما الظن بمن صدر عنه هذا الجمال.
ويكفي في جماله أنه له العزة جميعا والقوة جميعا والجود كله والإحسان كله والعلم كله والفضل كله. ولنور وجهه أشرقت الظلمات كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في دعاء الطائف: "أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة".
وقال عبد الله بن مسعود: ليس عند ربكم ليل ولا نهار نور السموات والأرض من نور وجهه، فهو سبحانه نور السموات والأرض ويوم القيامة إذا جاء لفصل القضاء تشرق الأرض بنوره، ومن أسمائه الحسنى (الجميل) وفي الصحيح عنه -صلى الله عليه وسلم: "إن الله جميل يحب الجمال".
وجماله سبحانه من أربع مراتب: جمال الذات، وجمال الصفات، وجمال الأفعال، وجمال الأسماء. فأسماؤه كلها حسنى وصفاته كلها صفات كمال وأفعاله كلها حكمة ومصلحة وعدل ورحمة. وأما جمال الذات وما هو عليه فالأمر لا يدركه سواه. ولا يعلمه غيره. وليس عند المخلوقين منه إلا تعريفات تعرف بها إلى من أكرمه من عباده، فإن ذلك الجمال مصون عن الأغيار محجوب بستر الرداء والإزار، كما قال رسوله -صلى الله عليه وسلم- فيما يحكى عنه: "الكبرياء ردائي والعظمة إزاري" ولما كانت الكبرياء أعظم وأوسع كانت أحق باسم الرداء، فإنه سبحانه الكبير المتعال، فهو سبحانه العلي العظيم.
قال ابن عباس: حجب الذات بالصفات وحجب الصفات بالأفعال، فما ظنك بجمال حجب بأوصاف الكمال. وستر بنعوت العظمة والجلال.
ومن هذا المعنى يفهم بعض معاني جمال ذاته، فإن العبد يترقى من معرفة الأفعال إلى معرفة الصفات ومن معرفة الصفات إلى معرفة الذات، فإذا شاهد شيئا من جمال الأفعال استدل به على جمال الصفات، ثم استدل بجمال الصفات على جمال الذات. ومن هنا يتبين أنه سبحانه له الحمد كله، وأن أحدا من خلقه لا يحصي ثناء عليه، بل هو كما أثنى على نفسه، وأنه يستحق أن يعبد لذاته. ويحب لذاته، ويشكر لذاته، وأنه سبحانه يحب نفسه ويثني على نفسه ويحمد نفسه، وأن محبته لنفسه وحمده لنفسه وثناءه على نفسه وتوحيده لنفسه هو في الحقيقة الحمد والثناء والحب والتوحيد، فهو سبحانه كما أثنى على نفسه وفوق ما يثني به عليه خلقه، وهو سبحانه كما يحب ذاته يحب صفاته وأفعاله، فكل أفعاله حسن محبوب وإن كان في مفعولاته ما يبغضه ويكرهه، فليس في أفعاله ما هو مكروه مسخوط، وليس في الوجود ما يحب لذاته ويحمد لذاته إلا هو سبحانه وكل ما يحب سواه، فإن كانت محبته تابعة لمحبته سبحانه بحيث يحب لأجله فمحبته صحيحة، وإلا فهي محبة باطلة.
وهذا هو حقيقة الإلهية، فإن الإله الحق هو الذي يحب لذاته ويحمد لذاته. فكيف إذا انضاف إلى ذلك إحسانه وإنعامه وحلمه وتجاوزه وعفوه وبره ورحمته، فعلى العبد أن يعلم أنه لا إله إلا الله فيحبه ويحمده لذاته وكماله، وأن يعلم أنه لا محسن على الحقيقة بأصناف النعم الظاهرة والباطنة إلا هو فيحبه لإحسانه وإنعامه. ويحمده على ذلك فيحبه من الوجهين جميعا.
وكما أنه ليس كمثله شيء فليس كمحبته محبة، والمحبة مع الخضوع هي العبودية التي خلق الخلق لأجلها، فإنها غاية الحب بغاية الذل، ولا يصلح ذلك إلا له سبحانه والإشراك به في هذا هو الشرك الذي لا يغفره الله ولا يقبل لصاحبه عملا.
وحمده يتضمن أصلين. الإخبار بمحامده وصفات كماله، والمحبة له عليها فمن أخبر بمحاسن غيره من غير محبة له لم يكن حامدا.
ومن أحبه من غير إخبار بمحاسنه لم يكن حامدا حتى يجمع الأمرين وهو سبحانه يحمد نفسه بنفسه، ويحمد نفسه بما يجريه على ألسنة الحامدين له من ملائكته وأنبيائه ورسله وعباده المؤمنين، فهو الحامد لنفسه بهذا وهذا، فإن حمدهم له بمشيئته وإذنه وتكوينه، فإنه هو الذي جعل الحامد حامدا والمسلم مسلما والمصلي مصليا والتائب تائبا، فمنه ابتدأت النعم وإليه انتهت، فابتدأت بحمده وانتهت إلى حمده وهو الذي ألهم عبده التوبة وفرح بها أعظم فرح وهي من فضله وجوده وألهم عبده الطاعة وأعانه عليها ثم أثابه عليها، وهي من فضله وجوده، وهو سبحانه غني عن كل ما سواه بكل وجه، وما سواه فقير إليه بكل وجه.
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
والعبد مفتقر إليه لذاته في الأسباب والغايات، فإن ما لا يكون به لا يكون وما لا يكون له لا ينفع.
إن الله جميل ويحب الجمال:
وقوله في الحديث: "إن الله جميل يحب الجمال" يتناول جمال الثياب المسئول عنه في نفس الحديث. ويدخل فيه بطريق العموم الجمال من كل شيء كما في الحديث الآخر: "إن الله نظيف يحب النظافة" وفي الصحيح: "إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا" وفي السنن: "إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده" وفيها عن أبي الأحوص الجشمي قال: رآني النبي -صلى الله عليه وسلم- وعلي أطمال فقال: هل لك من مال؟ قلت: نعم. قال: من أي المال؟ قلت: من كل ما آتى الله من الإبل والشاء، قال: "فلتر نعمته وكرامته عليك" فهو سبحانه يحب ظهور أثر نعمته على عبده فإنه من الجمال الذي يحبه. وذلك من شكره على نعمه. وهو جمال باطن. فيجب أن يرى على عبده الجمال الظاهر بالنعمة. والجمال الباطن بالشكر عليها.
ولمحبته سبحانه للجمال أنزل على عباده لباسا وزينة تجمل ظواهرهم وتقوى تجمل بواطنهم فقال: }يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ{ [الأعراف: 26]، وقال في أهل الجنة: }وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً{ [الإنسان: 11]، فجمل وجوههم بالنضرة وبواطنهم بالسرور وأبدانهم بالحرير. وهو سبحانه كما يحب الجمال في الأقوال والأفعال واللباس والهيئة. يبغض القبيح من الأقوال والأفعال والثياب والهيئة. فيبغض القبيح وأهله ويحب الجمال وأهله.
ولكن ضل في هذا الموضوع فريقان: فريق قالوا كل ما خلقه جميل. فهو يحب كل ما خلقه ونحن نحب جميع ما خلقه فلا نبغض منه شيئا. قالوا ومن رأى الكائنات منه رآها كلها جميلة وأنشد منشدهم:
وإذا رأيت الكائنات بعينهم فجميع ما يحوي الوجود مليح
واحتجوا بقوله تعالى: }الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ{ [السجدة: 7]، وقوله: }صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ{ [النمل: 88]، وقوله: }َّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ { [الملك: 3]، والعارف عندهم هو الذي يصرح بإطلاق الجمال ولا يرى في الوجود قبيحا. وهؤلاء قد عدمت الغيرة لله من قلوبهم والبغض في الله والمعاداة فيه وإنكار المنكر والجهاد في سبيله وإقامة حدوده. ويرى جمال الصور من الذكور والإناث من الجمال الذي يحبه الله فيتعبدون بفسقهم، وربما غلا بعضهم حتى يزعم أن معبوده يظهر في تلك** الصورة ويحل فيها، وإن كان اتحاديا قال هي مظهر من مظاهر الحق، ويسميها المظاهر الجمالية.
وقابلهم الفريق الثاني فقالوا: قد ذم الله سبحانه جمال الصور وتمام القامة والخلقة فقال عن المنافقين: }وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ{ [المنافقون: 4]، وقال: }وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثاً وَرِئْياً { [مريم: 74]، أي أموالا ومناظر.
قال الحسن هو الصور وفي صحيح مسلم عنه -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم" قالوا ومعلوم أنه لم ينف نظر الإدراك وإنما نفى نظر المحبة.
قالوا وقد حرم علينا لباس الحرير والذهب وآنية الذهب والفضة وذلك من أعظم جمال الدنيا وقال: }وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ{ [طه: 131]، وفي الحديث: "البذاذة من الإيمان" وقد ذم الله المسرفين، والسرف كما يكون في الطعام والشراب يكون في اللباس.
وفصل النزاع أن يقال: الجمال في الصورة واللباس والهيئة ثلاثة أنواع: منه ما يحمد ومنه ما يذم ومنه ما لا يتعلق به مدح ولا ذم. فالمحمود منه ما كان لله وأعان على طاعة الله وتنفيذ أوامره والاستجابة له، كما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتجمل للوفود، وهو نظير لباس آلة الحرب للقتال، ولباس الحرير في الحرب والخيلاء فيه، فإن ذلك محمود إذا تضمن إعلاء كلمة الله ونصر دينه وغيظ عدوه. والمذموم منه ما كان للدنيا والرياسة والفخر والخيلاء، والتوسل إلى الشهوات وأن يكون هو غاية العبد وأقصى مطلبه، فإن كثيرا من النفوس ليس لها همة في سوى ذلك.
وأما ما لا يحمد ولا يذم هو ما خلا عن هذين القصدين وتجرد عن الوصفين.
والمقصود أن هذا الحديث الشريف مشتمل على أصلين عظيمين فأوله معرفة وآخره سلوك، فيعرف الله سبحانه بالجمال الذي لا يماثله فيه شيء. ويعبد بالجمال الذي يحبه من الأقوال والأعمال والأخلاق، فيحب من عبده أن يجمل لسانه بالصدق وقلبه بالإخلاص والمحبة والإنابة والتوكل، وجوارحه بالطاعة وبدنه بإظهار نعمه عليه في لباسه، وتطهيره له من الأنجاس والأحداث والأوساخ والشعور المكروهة، والختان وتقليم الأظفار، فيعرفه بصفات الجمال ويتعرف إليه بالأفعال والأقوال والأخلاق الجميلة، فيعرفه بالجمال الذي هو وصفه: ويعبده بالجمال الذي هو شرعه ودينه، فجمع الحديث قاعدتين: المعرفة والسلوك.
:124:
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى