صفحة 2 من اصل 2 • 1, 2
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
تذكير بمساهمة فاتح الموضوع :
الاسم هو اسم الكريم، وهذا الاسم أيها القارئ الكريم له دلالات كبيرة، وجدير بالإنسان أن يتخلّق بهذا الاسم لأنه من الأسماء التي يمكن لكل امرئ أن يتخلّق بها فيرقى بها إلى الله سبحانه، وأسماء الله كما تعلمون، منها أسماء خاصة بالله عز وجل كالخالق، القديم، وهناك أسماء أُمرنا أن نتخلق بها، واسم الكريم واحد منها.
اسم الكريم ثابت بنص القرآن الكريم، وسوف يتضح بعد قليل ما معنى اسم "القرآن الكريم"، وهو ثابت في قوله تعالى:
}يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ، الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ، فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ{ [الانفطار: 5-8].
وهذه الآية تخاطب القلب والعقل معاً، وقد ورد هذا الاسم بصيغة اسم التفضيل في آية أخرى بقوله تعالى:
}اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ{ [العلق: 1-5].
فالكريم في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الاِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ).
والأكرم في قوله تعالى: (اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الاِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ).
قبل أن نصل إلى ما تعنيه كلمة كريم في حق الله جل وعلا نريد أن نبدأ الحديث بما تعنيه كلمة كريم في التعامل اليومي، فكلمة كريم نستخدمها كثيراً، قال العلماء: كل صفة محمودة تسمى كرماً على خلاف ما يظنه معظم الناس، من أن فلاناً كريم يعني أنه يعطي، وعطاؤه كثير.
فكلمة كريم شاملة واسعة: فالحلم كرم، السخاء كرم، اللطف كرم، الصبر كرم، المروءة كرم.. فالكرم يعني أيّة صفة حميدة يتصف بها الإنسان، بل إن الصفات الحميدة كلها تلخص بكلمة واحدة هي الكرم، على حين الصفات الخسيسة كلها تلخص بكلمة واحدة هي اللؤم.
فالخسيس لئيم، والمتكبر لئيم، والجحود لئيم، والذي يرفع ذاته على أنفاق الآخرين لئيم، والبخيل لئيم، كل الصفات الخسيسة تجمعها كلمة لئيم، وكل الصفات المحمودة تجمعها كلمة كريم، فالناس رجلان؛ كريم ولئيم.
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا
أعلمه الرماية كل يــوم فلما استد ساعده رمانــي
وكم علمته نظم القوافي فلما قال قافية هجانـي
والواقع يثبت أن "الناس رجلان فالمؤمن غرٌّ كريم، والفاجر خب لئيم"، هكذا قال عليه الصلاة والسلام.
فليس معنى كريم أنه الذي يُعطي العطاء الكثير فقط، بل إن الحليم كريم، اللطيف كريم، الرحيم كريم، الصافي كريم، الودود كريم، المُنصف كريم، ومنه حجر كريم: اللؤلؤ، الماس، الياقوت، المرجان.
محمد بشر، وليس كالبشر بل هو ياقوتة والناس كالحجر
فالياقوت حجر لكنه كريم، والماس حجر لكنه كريم، وقد قال عليه الصلاة والسلام.
"أكرم الناس أتقاهم" [متفق عليه].
ومن معاني الكريم من كان كريم النسب، من هو الكريم بن الكريم ابن الكريم بن الكريم؟ إنه سيدنا يوسف، قال عليه الصلاة والسلام:
"أكرم الناس يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم". [متفق عليه].
أو نقول: فلان كريم الطرفين، يعني أمه كريمة وأبوه كريم، فقد حاز الشرف من طرفيه، من طرف أمه وأبيه.
من معاني الكريم من كان ذا صورة حسنة، والدليل قول الله عز وجل حينما وصف سيدنا يوسف، قال الله عز وجل:
}فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا هَـذَا بَشَراً إِنْ هَـذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ{ [يوسف: 31].
فالكرم يُستعمل بمعنى النسب الشريف، ولا يُتحدث عن شرف النسب إلا بعد معرفة الله وتطبيق منهجه، فإذا تحدثنا عن النسب فقط؛ فقد يعني نسب الدنيا المتعارف عليه عند الناس، فأبو لهب بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم؛ والقارئ الكريم يعرف من أبو لهب:
}تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ، مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ{ [المسد: 1-2].
لا نتحدث عن النسب إلا بعد الإيمان، إذا أضيف النسب إلى الإيمان فهو نور على نور، أما قول الشاعر:
جمال الوجه مع قبح النفوس كقنديل على قبر المجوس
إنما يعزز المعنى من أن المرء الجميل الخلقة، لا بد له من خلق ودين يجمله كذلك، فتتم الصورة حسنةً صافية.
أما المقام الكريم؛ فهو الجنة، فلا تعب هناك ولا نصب ولا خوف ولا حزن ولا حسد ولا تباغض، ولا شيء يزعج، ومن كان ذا مقام كريم في الجنة فقد فاز حقاً.
ومن معاني الكريم؛ الشيء العزيز، الذي تشتد الحاجة إليه، ويقلُ وجوده ولا يستغنى عنه إطلاقاً، والدليل قوله تعالى:
}يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ{ [الحجرات: 13].
والكريم: الشيء الذي تكثر منافعه، قال تعالى:
}قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ{ [النمل: 29].
كتاب كريم؛ كله منافع، كله فوائد، كله حقائق، كله توجيهات صائبة، كله خيرات، كله بركات، إذاً معنى القرآن الكريم صار واضحاً: لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، القرآن الكريم ليس فيه باطل ولا غلط، ليس فيه خلل ولا تناقض، وليس فيه مخالفة للواقع، ولا ضعف في أسلوبه، ولا غثاثة، ليس فيه معالجة سريعة، ولا معالجة متناقضة، قرآن كريم، خلا من كل شائبة، يعني المعنى الذي يجمع كل هذه المعاني، الكرم، يعني الكمال، قرآن كريم أي: خلا من كل عيب.
كذلك، نقول ناقة كريمة، أي غزيرة اللبن، درها كثير، والنبي عليه الصلاة والسلام حينما أرسل سيدنا معاذاً إلى اليمن، قال له:
"إِنَّكَ سَتَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ فإذَا جِئْتَهُمْ فَادْعُهُمْ إلَى أَنْ يَشْهَدُوا أَنْ لا إلَهَ إلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فإنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فإنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ فإنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فإيَّاكَ وكرائم أَمْوَالِهِمْ وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فإنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ" [أخرجه البخاري].
الاسم هو اسم الكريم، وهذا الاسم أيها القارئ الكريم له دلالات كبيرة، وجدير بالإنسان أن يتخلّق بهذا الاسم لأنه من الأسماء التي يمكن لكل امرئ أن يتخلّق بها فيرقى بها إلى الله سبحانه، وأسماء الله كما تعلمون، منها أسماء خاصة بالله عز وجل كالخالق، القديم، وهناك أسماء أُمرنا أن نتخلق بها، واسم الكريم واحد منها.
اسم الكريم ثابت بنص القرآن الكريم، وسوف يتضح بعد قليل ما معنى اسم "القرآن الكريم"، وهو ثابت في قوله تعالى:
}يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ، الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ، فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ{ [الانفطار: 5-8].
وهذه الآية تخاطب القلب والعقل معاً، وقد ورد هذا الاسم بصيغة اسم التفضيل في آية أخرى بقوله تعالى:
}اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ{ [العلق: 1-5].
فالكريم في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الاِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ).
والأكرم في قوله تعالى: (اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الاِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ).
قبل أن نصل إلى ما تعنيه كلمة كريم في حق الله جل وعلا نريد أن نبدأ الحديث بما تعنيه كلمة كريم في التعامل اليومي، فكلمة كريم نستخدمها كثيراً، قال العلماء: كل صفة محمودة تسمى كرماً على خلاف ما يظنه معظم الناس، من أن فلاناً كريم يعني أنه يعطي، وعطاؤه كثير.
فكلمة كريم شاملة واسعة: فالحلم كرم، السخاء كرم، اللطف كرم، الصبر كرم، المروءة كرم.. فالكرم يعني أيّة صفة حميدة يتصف بها الإنسان، بل إن الصفات الحميدة كلها تلخص بكلمة واحدة هي الكرم، على حين الصفات الخسيسة كلها تلخص بكلمة واحدة هي اللؤم.
فالخسيس لئيم، والمتكبر لئيم، والجحود لئيم، والذي يرفع ذاته على أنفاق الآخرين لئيم، والبخيل لئيم، كل الصفات الخسيسة تجمعها كلمة لئيم، وكل الصفات المحمودة تجمعها كلمة كريم، فالناس رجلان؛ كريم ولئيم.
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا
أعلمه الرماية كل يــوم فلما استد ساعده رمانــي
وكم علمته نظم القوافي فلما قال قافية هجانـي
والواقع يثبت أن "الناس رجلان فالمؤمن غرٌّ كريم، والفاجر خب لئيم"، هكذا قال عليه الصلاة والسلام.
فليس معنى كريم أنه الذي يُعطي العطاء الكثير فقط، بل إن الحليم كريم، اللطيف كريم، الرحيم كريم، الصافي كريم، الودود كريم، المُنصف كريم، ومنه حجر كريم: اللؤلؤ، الماس، الياقوت، المرجان.
محمد بشر، وليس كالبشر بل هو ياقوتة والناس كالحجر
فالياقوت حجر لكنه كريم، والماس حجر لكنه كريم، وقد قال عليه الصلاة والسلام.
"أكرم الناس أتقاهم" [متفق عليه].
ومن معاني الكريم من كان كريم النسب، من هو الكريم بن الكريم ابن الكريم بن الكريم؟ إنه سيدنا يوسف، قال عليه الصلاة والسلام:
"أكرم الناس يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم". [متفق عليه].
أو نقول: فلان كريم الطرفين، يعني أمه كريمة وأبوه كريم، فقد حاز الشرف من طرفيه، من طرف أمه وأبيه.
من معاني الكريم من كان ذا صورة حسنة، والدليل قول الله عز وجل حينما وصف سيدنا يوسف، قال الله عز وجل:
}فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا هَـذَا بَشَراً إِنْ هَـذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ{ [يوسف: 31].
فالكرم يُستعمل بمعنى النسب الشريف، ولا يُتحدث عن شرف النسب إلا بعد معرفة الله وتطبيق منهجه، فإذا تحدثنا عن النسب فقط؛ فقد يعني نسب الدنيا المتعارف عليه عند الناس، فأبو لهب بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم؛ والقارئ الكريم يعرف من أبو لهب:
}تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ، مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ{ [المسد: 1-2].
لا نتحدث عن النسب إلا بعد الإيمان، إذا أضيف النسب إلى الإيمان فهو نور على نور، أما قول الشاعر:
جمال الوجه مع قبح النفوس كقنديل على قبر المجوس
إنما يعزز المعنى من أن المرء الجميل الخلقة، لا بد له من خلق ودين يجمله كذلك، فتتم الصورة حسنةً صافية.
أما المقام الكريم؛ فهو الجنة، فلا تعب هناك ولا نصب ولا خوف ولا حزن ولا حسد ولا تباغض، ولا شيء يزعج، ومن كان ذا مقام كريم في الجنة فقد فاز حقاً.
ومن معاني الكريم؛ الشيء العزيز، الذي تشتد الحاجة إليه، ويقلُ وجوده ولا يستغنى عنه إطلاقاً، والدليل قوله تعالى:
}يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ{ [الحجرات: 13].
والكريم: الشيء الذي تكثر منافعه، قال تعالى:
}قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ{ [النمل: 29].
كتاب كريم؛ كله منافع، كله فوائد، كله حقائق، كله توجيهات صائبة، كله خيرات، كله بركات، إذاً معنى القرآن الكريم صار واضحاً: لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، القرآن الكريم ليس فيه باطل ولا غلط، ليس فيه خلل ولا تناقض، وليس فيه مخالفة للواقع، ولا ضعف في أسلوبه، ولا غثاثة، ليس فيه معالجة سريعة، ولا معالجة متناقضة، قرآن كريم، خلا من كل شائبة، يعني المعنى الذي يجمع كل هذه المعاني، الكرم، يعني الكمال، قرآن كريم أي: خلا من كل عيب.
كذلك، نقول ناقة كريمة، أي غزيرة اللبن، درها كثير، والنبي عليه الصلاة والسلام حينما أرسل سيدنا معاذاً إلى اليمن، قال له:
"إِنَّكَ سَتَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ فإذَا جِئْتَهُمْ فَادْعُهُمْ إلَى أَنْ يَشْهَدُوا أَنْ لا إلَهَ إلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فإنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فإنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ فإنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فإيَّاكَ وكرائم أَمْوَالِهِمْ وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فإنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ" [أخرجه البخاري].
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
فحينما اقترب أجل النبي صلى الله عليه وسلم أَسرَّ إلى سيدنا حذيفة سراً إذ ذكر له سبعة عشر اسماً، وقال له: هؤلاء إذا ماتوا لا تصلوا عليهم، لأنَّ الله نهانا عن أن نصلي عليهم، هكذا الآية: (وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ).
فسيدنا حذيفة أمين سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم جاء سيدنا الصديق خليفة من بعده، ثم مات سيدنا الصديق، وجاء سيدنا عمر من بعده، سيدنا عمر عملاق الإسلام، الخليفة الراشد، ثاني الخلفاء الراشدين، جاء إلى حذيفة وقال له: يا حذيفة أنشدك الله هل ذكر اسمي بينهم.. والله ما قالها تمثيلاً، لا والله، والله قالها صادقاً، قال له: أنشدك الله هل ذكر اسمي بينهم، وذلك لِعظَمِ حق الله عليه، فقد خاف الله أن يكون قد زلت قدمه. ثم قال: لعلي مقصر، لعلي منافق، لو عثرت بغلة في العراق لحاسبني الله عنها، جاءه ليلاً من أذربيجان رسول، كره أن يطرق بابه ليلاً، جاء إلى المسجد فرأى رجلاً يصلي ويبكي، ويقول: يا رب هل قبلت توبتي حتى أهنئ نفسي، أم رددتها حتى أعزيها قال له: من أنت؟ قال: أنا عمر، قال: ألا تنام الليل، قال له: يا أخي إن نمت ليلي كله أضعت نفسي أمام ربي، وإن نمت نهاري أضعت رعيتي، في الصباح خيره أتحب أن تأكل مع فقراء المسلمين.. الفقراء يأكلون اللحم، أم تحب أن تأكل عندي؟ لا بل آكل عندك يا سيدي، أنت الخليفة، ذهب به إلى بيته فما وجد عنده إلا الخبز والملح فقط، ثم قال له: ما الذي جاء بك إلينا؟ قال: جئتك بهذه الهدية من أذربيجان، علبة فيها حلوى، لكنها من الدرجة الأولى، قال: أو يأكل عندكم هذا الطعام عامة المسلمين، قال: لا. هذا طعام الخاصة، الطبقة الراقية، الغنية، فأرسل كتاباً إلى عامله على أذربيجان عنفه فيه، وقال له: كل مما يأكل عامة المسلمين؟ وقال له: أعط هذه الهدية لفقراء المسلمين في المدينة، وحرام على بطن عمر أن يذوق طعاماً لا يطعمه فقراء المسلمين.
ورأى عمر إبلاً سمينة في الطريق، فقال: لمن هذه الإبل؟ قالوا: هي لابنك عبد الله، قال: ائتوني به، قال له بقسوة: لمن هذه؟ قال: هذه إبلي اشتريتها بمالي، وبعثت بها إلى المرعى لتسمن. فهل أخطأت أو أسأت؟ فقد اشتريتها بمالي، وأُسمِّنُها لأبيعها وأرتزق بها، قال له: ويقول الناس ارعوا هذه الإبل فهي لابن أمير المؤمنين، اسقوا هذه الإبل فهي لابن أمير المؤمنين، وهكذا تسمن إبلك يا ابن أمير المؤمنين.
ولأنك أنت ابني سمنت هذه الإبل، ثم قال له: بِعّ هذه الإبل، وخذ رأس مالك، ورد الباقي لبيت مال المسلمين.
ومرةً بينما هو جالس مع أصحابه، قال أحدهم: والله ما رأينا من هو خيرٌ منك بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله كلام لطيف كان عليه أن يقول: بارك الله فيك، لكنه أحدَّ إليهم النظر، حتى كاد أن يسحقهم بنظراته، إلى أن قال أحدهم: لا والله؛ لقد رأينا من هو خير منك. قال: من هو؟ قال: أبو بكر، فقال رضي الله عنه: كذبتم جميعاً وصدق. . عدَّ سكوتهم كذباً، قال: والله كنت أضل من بعيري وكان أبو بكر أطيب من ريح المسك.
هذا الذي سأل أحد عماله، قال: ماذا تفعل إذا جاءك الناس بسارق أو ناهب؟ قال: أقطع يده، قال له: إذاً، من جاءني من رعيتك جائع أو عاطل فسأقطع يدك، إن الله قد استخلفنا على خلقه لِنَسِدَّ جوعتهم ونَستُرَ عورتهم ونوفر لهم حِرفَتَهُم، إن وفيناهم ذلك تقاضيناهم شُكرها، إن هذه الأيدي خُلقت لتعمل فإذا لم تجد في الطاعة عملاً التمست في المعصية أعمالاً، فاشغلها بالطاعة قبل أن تشغلك بالمعصية.
هذا الخليفة الذي قال لسيدنا حذيفة: أنشدك الله هل ذكر اسمي بين أسماء المنافقين؟ قال: لا ولا أزكي أحدا بعدك استحيا سيدنا حذيفة، فهذا الكرم.
هذا الاسم الإلهي العظيم، علينا أن نتخلّق بأخلاق الله، هذا الكرم، أن تصل من قطعك، وأن تعفو عمن ظلمك، وأن تعطي من حرمك، وأن يكون صمتك فكراً ونطقك ذكراً ونظرك عبرةً.
وبعد، فإني أسوق إليكم واقعتين بل أكثر من ذلك: إن سيدنا موسى حينما ناجى ربه، قال: يا رب، إنه لتعرض إلي الحاجة أحياناً فأستحيي أن أسألك، أفأسأل غيرك؟ فأوحى الله إليه أن يا موسى لا تسأل غيري، وسلني حتى ملح عجينك وعلف شاتك.
ربنا عز وجل يحب الملحين، لِمَ لا تسألوه في السجود في صلاة السحر؟ لم لا تسألوه حاجاتكم كلها؟
حُكِيَ عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه جاءه إنسان ليلة يسأله حاجة، فقال: يا غلام ارفع السراج، ولما رفع السراج، قال: سلني حاجتك، لماذا فعل هذا؟ قال: لئلا أرى في وجهه ذُلَّ السؤال، حتى لا يُحرج، فلا يستحيي إن عرفنا من هو، هذا من كرم سيدنا علي.
وكذلك أحد العلماء، كان لا يناول الفقير شيئاً بيده، بل يضعه على الطاولة ثم يقول له: خذه. لئلا تكون يده عُليا ويد الفقير سفلى.
يُحكى عن أحد الصالحين أنه قال: خرجت يوما فرأيت جنازةً يحملها أربعة من الزنج، ولم يكن معهم رجل آخر، قلت: سبحان الله، سوق البصرة وجنازة رجل مسلم لا يشيعها أحد فلأكونن خامسهم، "إذا رأى رجل جنازة ومشي فيها فهذا حسن، وله أجر ولو لم يعرف صاحبها المحمول وليتبعها حتى القبر، فلعله إذا فتح النعش، ورأى ماذا فُعل بهذا الميت وكيف وضع في القبر، وكيف أهيل التراب عليه، أن يعتبر"، فتتبع الجنازة، ثم قال: فمضيت معهم فلما وضعوها بالمصلى، قالوا لي: تقدم. قلت: أنتم أولى، قالوا: كلنا سواء لا نعرفه، حتى دفنوه، وصليت عليه، وقلت لهم: ما القصة؟ قالوا: اسأل هذه المرأة، فهناك امرأة واقفة بعيداً فلما سألتها، قالت: هذا ابني كان مذنباً، وقال لي: يا أماه إذا مت فلا تُخبري بوفاتي جيراني لئلا يشمتوا بي، وضعي رجلك على خدي وقولي: هذا جزاء من عصى الله، فإذا دفنتيني فارفعي يديك إلى الله تعالى وقولي: إني راضية عنه.
أعطاها معلومات دقيقة، لم تخبر أحداً، ووضعت رجلها على خده بعد الموت وقالت: هذا جزاء من عصى الله، تقول هذه المرأة: فما رفعت يدي إلى السماء حتى شعرت أنه يقول بلسان فصيح: انصرفي يا أماه فقد قدمت على رب كريم.. هذا سِرّ القصة.
فإذا كان الإنسان يخاف الله عز وجل ويستحي منه فهذه فضيلة، أما الأكمل للإنسان أن يكون بالرخاء تائباً منيباً مستقيماً وباب رحمة الله واسع.
أرجو الله سبحانه وتعالى أن يتغمدنا برحمته، وأن يلهمنا أن نكون كرماء لأنه كريم، والكريم بالمعنى الموجز ما كان خالياً من كل شائبة فكتاب كريم، ومقام كريم، ورب كريم، وإنسان كريم، ومؤمن كريم.
إن الكذب والنميمة والغيبة وتتبع العورات هذه كلها تقدح بكرم الإنسان، بل ليسمح لي القارئ الكريم أن أقول: أن هذه المثالب سلبت صاحبها كل فضل وكرم، وأبقت عليه اللؤم وخزي الأحدوثة.
:124:
صفحة 2 من اصل 2 • 1, 2
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى