لبيك يا الله



حديث قدسىعن رب العزة جلا وعلاعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله إذا أحب عبداً دعا له جبريل، عليه السلام، فقال: إني أحب فلانا فأحبه، قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، قال: ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض الله عبداً، دعا جبريل، فيقول: إني أبغض فلانا فأبغضه، فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً، فأبغضوه، قال: فيبغضونه، ثم توضع له البغضاء في الأرض”.
المواضيع الأخيرة
كل عام وانتم بخيرالجمعة 23 أبريل - 16:08رضا السويسى
كل عام وانتم بخيرالخميس 7 مايو - 22:46رضا السويسى
المسح على رأس اليتيم و العلاج باللمسالأربعاء 22 أغسطس - 14:45البرنس
(16) ما أجمل الغنائمالجمعة 11 أغسطس - 18:51رضا السويسى
مطوية ( وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ)الأحد 9 أغسطس - 19:02عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ)السبت 8 أغسطس - 12:46عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ )الأربعاء 5 أغسطس - 18:34عزمي ابراهيم عزيز



اذهب الى الأسفل
حنه
حنه
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

أثر الاحاديث الضعيفة والموضوعة فى العقيدة Empty أثر الاحاديث الضعيفة والموضوعة فى العقيدة {الإثنين 17 أكتوبر - 16:37}

أثر الأحاديث الضعيفة والموضوعة

في العقيدة

تأليف فضيلة الشيخ/ عبد الرحمن بن عبد الخالق


مدخــل:

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى، وبعد فقد عقد في الفترة ما بين السبت 12 شوال سنة 1405هـ الموافق 29/6/1985، والأربعاء 16 شوال الموافق 3/7/1985 مؤتمر التراث الحديثي الذي دعت إلية جمعية إحياء التراث الإسلامي بدولة الكويت وقد تضمن هذا المؤتمر عدة محاضرات كان منها محاضرة بعنوان "أثر الأحاديث الضعيفة والموضوعة في العقيدة" والتي تقدم نصها للقراء في هذه الرسالة وذلك تعميما لفائدتها؛ وتنبيها للأخوة المسلمين في كل مكان إلى خطر الحديث الضعيف والموضوع على عقيدتهم ودينهم، وبيانا لأثر السلف الصالح في حفظ الدين، وحديث رسول رب العالمين، وتسلميه إلى من بعدهم نقيا طيبا طاهرا كما جاء به الرسول الأمين، وفي ذلك توجيه إلى أجيالنا المعاصرة لتحذو حذو السلف في صيانة هذا الدين العظيم من تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وحتى نكون بعون الله وقوته من الطائفة الذين قال فيهم النبي الكريم "لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك".

والحمد لله رب العالمين

عبد الرحمن عبد الخالق

الكويت في يوم الخميس 28 من ذي القعدة سنة 1405، الموافق 15/8/1985

**********************************************************************

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة

إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهدي الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وبعد:

فالمقصود بالعقيدة هنا أصول الدين، ومسائل الاعتقاد وقضايا التوحيد.

1 ـ العقيدة أساس الدين:

ومعلوم أن العقيدة بالنسبة إلى مجمل الدين، كالأساس والدعامات بالنسبة للبناء، فمن أرسى بناءه على أساس راسخ، ودعام ثابت استقام بناؤه وقام، ومن ألقى بناءه على غير أساس، أو على أساس باطل مغشوش انهار البناء، كما قال الله سبحانه وتعالى في أعمال الكفار "وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا" أي عمل ظنوه صالحا من صدقة وعتاقة، وبر، وصلاة وصيام وحج ولكن لما كانوا مشركين بالله، ظانين به ظن السوء، مكذبين ببعض رسله جاحدين لبعض صفاته، فإن الله أهدر عملهم ولم يلق له بالا كما جاء في حديث الصحيحين "من مات يشرك بالله شيئا دخل النار".

وما رواه مسلم في صحيحه عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تبارك وتعالى "أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك معي غيري، تركته وشركه".

ومعلوم أن الله أبطل عمل النصارى لقولهم الذي قاتلوه لعيسى، وحكم تبارك وتعالى بكفرهم وضلالهم في ذلك قال تعالى "لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة "، وكفر اليهود أيضا لمعتقدهم السيئ في ربهم كما قال تعالى"وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا "وقال أيضا "وقالت اليهود عزير بن الله وقالت النصارى المسيح بن الله " الآية، ورد الله عبادة مشركي العرب من صلاة وصيام وحج وعتاقة وتقديس للبيت لما كان اعتقادهم في الله سيئا حيث ظنوا أنه لا يستطيع إعادتهم بعد أن يكونوا رميما، وحيث أشركوا معه في العبادة الملائكة وبعض الصالحين وأوثانا وأصناما.

وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله، ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم ويطعم المسكين فهل ذلك نافعة ؟ قال "لا ينفعه أنه لم يقل يوما: رب أغفر لي خطيئتي يوم الدين "فبين صلى الله علية وسلم أن إنكار عبد الله ابن جدعان للبعث أحبط عمله "الصالح" وكان رجلا جوادا كريما في الجاهلية يطعم الحجاج ويصل الرحم وينصر المظلوم، وأصرح من هذا ما رواه مسلم أيضا عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه أنه قال: قلت يا رسول الله إن أبا طالب كان يحوطك وينصرك فهل نفعه ذلك ؟قال " نعم وجدته في غمرات من النار فأخرجته إلى ضحضاح "، ومعلوم أن نصرة النبي والقيام معه من أجل الأعمال الصالحات ولكن لما كان ذلك مع البقاء على الشرك، ومعتقد الجاهلية كان هذا محبطا العمل العظيم.

والخلاصة أنه لا ينفع مع الشرك بالله، وفساد العقيدة عمل صالح مطلقا، وهذا يعني أنه يجب على كل عامل أن يصلح عقيدته أولا، وأن يحافظ أبدا على معتقد سليم حتى يلقى الله وهو على ذلك .

2- الضلال في العقيدة قريب وموجود في كل أمة ووقت

والأمر الثاني الذي يجب التفطن إلية أن الضلال في العقيدة أمر قريب وواقع وموجود، فاليهود قد كانوا أمة عظيمة في زمن موسى وهارون أثنى الله عليها بقوله "يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين "ومع أنهم شاهدوا من آيات الله ما لم تشاهده أمة غيرهم، كعصا موسى ويده وانفلاق البحر، وغير ذلك من آيات عظيمة باهرة إلا أنهم اشتاقوا لعبادة الأصنام وظنوها شيئا نافعا بمجرد خروجهم من البحر ونجاتهم من عدوهم، قال تعالى "وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى أجعل لنا إلها كما لهم آله " بل إنهم عبدوا العجل فعلا، اعتقدوه ربهم لما تركهم رسولهم أربعين يوما فقط، علما أن نبيهم هارون كان في وسطهم، كما قال تعالى "واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسد له خوار ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا " ولاشك أن ضلالهم بعد موسى وهارون كان أعظم من هذا بكثير.

وهؤلاء النصارى ما كاد الله يرفع رسولهم عيسى إلى السماء حتى جعلوه الله أو ابنا لله أو تجسيدا لكلمة الله، وعقدوا المؤتمرات تلو المؤتمرات لكبار رجال دينهم والتي انتهت إلى جعل هذا الشرك دينا رسميا وعقيدة عامة.

وبالرغم من أن أصحاب محمد صلى الله علية وسلم أفضل أصحاب الأنبياء وأبعدهم عن الشرك وضلال العقيدة إلا أنه كان منهم من قال يا رسول الله أجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، "فقال رسول الله ردا على ذلك: الله أكبر أنها السنن، قلتم والذي محمد بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة ".

وكذلك كان منهم من قال "ما شاء الله وشاء محمد " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "قولوا ما شاء الله وحده. "

ولا شك أن هذا شيء يسير جدا إذا قورن بما وقع في الأمتين السابقتين اليهود والنصارى ولكن ما كاد الجيل الأول من هذه الأمة يذهب جيل جديد حتى بدأ الفساد الحقيقي في العقيدة، وبدأ التحول، فمنكرو القدر ظهروا وكثير من الصحابة ما زال حيا بل جاء من قال لعلي بن أبي طالب: أنت الله !!! بل قال عبد الله بن سبأ لمن أ‘خبر بمقتل على بن أبي طالب رضي الله عنه "والله لو جئتم لنا برأسه ألف مرة ما صدقنا موته ولا يموت حتى يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا. "

يقول الشهرستاني: السبئية أصحاب عبد الله بن سبأ الذي قال لعلي أنت أنت يعني أنت الإله فنفاه إلى المدائن وزعموا أنه كان يهوديا فأسلم، وكان في اليهودية يقول يوشع بن نون فتى موسى مثل ما قال في على – عليه السلام- وهو أول من قال بالفرض بإمامة علي، ومنه انشعبت أصناف الغلاة، وزعموا أن عليا حي لم يقتل وفية جزء إلهي ولا يجوز أن يستولي عليه، وهو الذي يجيء في السحاب والرعد صوته، والبرق سوطه، وأنه سينزل بعد ذلك فيملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا، وأظهر ابن سبأ هذا المقال بعد انتقال علي عليه السلام "الملل والنحل ج 2 ص 11 ".

وكذلك ظهر مبكرا أيضا من الضلال في العقيدة تكفير المسلم بالمعصية، واستحلال دمه بغير الشرك والردة، وإنكار بعض سور القرآن من الخوارج والطعن في الصحابة ثم بدأت البدع العقائدية والانحراف عن أصول الدين السليمة يجر بعضه بعضا فظهر إنكار الصفات؛ صفات الله وتحريف آيات القرآن وأحاديث الرسول، ولم يكد ينتهي القرن الثالث الهجري حتى ظهر مالا يخطر على البال من عقائد الشرك والوثنية والزندقة وكل ذلك تحت مظلة الإسلام ومن يدعون أنهم من أهل الإله إلا الله، ونظرة في كتب الملل والنحل وكتب التواريخ تريك إلى أي حد ظهر الضلال العقائدي في هذه الأمة من القول بحلول الله في مخلوقاته وفنان المخلوق بالخالق ذاتا و صفاتا والقول بوحدة الوجود التي هي في حقيقتها إنكار للخالق المتفرد البائن من خلقه المستوي على العرش إلى إنكار لصفات الله، أو تشبيه له بخلقه، إلى الغلو في الرسول والصالحين وعبادتهم من دون الله إلى تكفير الصحابة والطعن في القرآن إلى طغيان الخرافة على الدين الصحيح، إلى أمور يطول شرحها وبيانها من ضلال في المعتقد وأصول الدين لم تبلغه أمه من الأمم.

وهذا يعود إلى أسباب كثيرة من أهمها أن هذه الأمة الإسلامية قد جمعت شعوبا شتى وأهل ملل مختلفة وجاهليات عديدة وقد حطم الإسلام دولا عظمى وداس مقدسات شعوب كانت تعتز بتراثها الجاهلي فحقد من حقد منهم، وأعملوا في الإسلام تشويها ونشرا للكفر تحت ستار الإسلام، وعلى كل حال كان هذا مصداقا لقول صلى الله عليه وسلم "افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنين وسبعين فرقة وستفترق هذه الأمة على ثلاثة وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة ". السلسلة الضعيفة 3/1492

ولعل الفارق الأساسي بين الأمة الإسلامية وبين الأمم السابقة أن هذه الأمة بقيت منها طائفة عظيمة وفرقة كبرى وسوادا أعظم على الدين الصحيح والعقيدة النقية بما حفظ الله القرآن وبيان الرسول صلى الله علية وسلم، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم "لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك ".

وأن هذا العطب والفساد قد يبدأ قليلا بكلمة تافهة من شخص مغمور ولكنها إن لم تجد ردا فأنها سرعان ما تنتقل من شخص إلى شخص ومن جيل إلى جيل حتى تصبح عقيدة راسخة ودينا متبعا، وهنا نعلم لولا الحراسة الدائمة والقيام الدائب على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لدس الحق واختفى النور وعمت الظلمات.

3-أسباب الضلال في العقيدة وطرائق المضلين:

ولا شك أن الظلال في العقيدة قد أتخذ طرائق شتى وأساليب كثيرة فهنالك الزنادقة والمنافقون الذين أرادوا أن يلبسوا على الناس دينهم فعمدوا إلى تأويل القرآن على غير وجهه، وإلباس عقائد الكفر والشرك لباس الإسلام فاستشهدوا بآيات القرآن وأحاديث سيد الأنام، على الشرك والكفر والباطل وألحدوا في أسماء الله وصفاته وتبعهم في ذلك عوام الناس و سقطهم وأهل الضلال منهم من لا يميز بين حق وباطل وشرك وتوحيد وصحة وفساد، وهناك أهل الهوى والعصبية ممن أعماهم هواهم وعصبيتهم فردوا بعض الحق انتصروا لبعض الباطل، وهنالك المتنطعون المتشددون الذين تطرفوا في أمر من أمور الدين فأعماهم عن مقابلة، كما تطرف من أرادوا تنزيه الله فوقعوا في نفي صفاته، وتطرف أهل الإثبات فشبهوا الله بخلقة، وتطرف من يثبت كرامة الله لبعض عباده فأعطوا صفات الله للمخلوق وتطرف أهل الغيرة على صفات الله وأسمائه فنفوا بعض إكرامه لبعض عباده، وهكذا يحول الشخص من ضد إلى ضد.

4-انتحال الحديث أعظم أبواب الضلال والشرك: -

ولاشك أن من أكبر أساليب الكيد والمكر للإسلام وأهله، وأكبر أبواب الضلال والشر انتحل حديث النبي واختلاقه وخاصة إذا كان موضوع هذا الانتحال هو في مسائل العقيدة وأصول الدين، وذلك أن قول النبي تشريع وما يخبر به عقيدة يجب الإيمان بها، ولذا قال صلى الله عليه وسلم "إن كذبا علي ليس ككذب على أحد، فمن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار" رواه مسلم عن المغيرة بن شعبة وهو حديث متواتر جاء عن أكثر من ستين صحابيا، فقول الرسول عقيدة وشريعة وتصديقه واجب والعمل به فرض لازم كما قال تعالى" وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا" وقال تعالى" أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم فآمنوا خيرا لمن وإن تكفروا فإن لله ما في السماوات والأرض وكان الله عليما حكيما" والآيات في هذا المعنى كثيرة جدا.

والمهم هنا هو التنبيه أن انتحال الأحاديث ونسبتها إلى الرسول يعني بالضرورة إدخال ما ليس من الدين في الدين وقد عمد كل خبيث إلى هذه الطريقة المدمرة للدين بعد أن يئس من إدخال شيء في القرآن الذي شاء الله سبحانه وتعالى أن يحفظه، ولا يخلط بكلمة غيره، فقد حفظه الصحابة وكتبه كتبة الوحي وسهر عليه الرسول حتى بلغه، ثم كتب في سفر واحد ونشر في الأمصار فكان إدخال ما ليس منه مستحيلا تماما كما قال تعالى "أنا نحن نزلنا الذكر وأنا له لحافظون " وأما السنة فقد تأخر جمعها وتدوينها في سفر واحد حتى ظهر الكذابون والوضاعون وهم أصحاب أهواء وغايات مختلفة، فنشروا أباطيلهم وأعملوا كيدهم واستفحل خطرهم وشرهم ومما يزيدك بيانا في هذا معرفة أسباب الوضع والكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

5- أسباب الوضع والكذب على رسول الله:

أ- فقد كان أول هؤلاء هم الزنادقة الملحدون الذين أظهروا الإسلام وأبطنوا الكفر ووضعوا الأحاديث استخفافا بالدين وتلبيسا على المسلمين، قال حماد بن زيد بن درهم الأزدي: وضعت الزنادقة على رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة عشر ألف حديث، وقال ابن عدي: لما أخذ عبد الكريم بن أبي العوجاء وأتي به محمد بن سليمان بن علي فأمر بضرب عنقه قال: والله لقد وضعت فيكم أربعة آلاف حديث.

وقد كان لهؤلاء الزنادقة أساليب خبيثة لدس أكاذيبهم، قال ابن الجوزي: وقد كان من هؤلاء من يتغفل الشيخ فيدس في كتابة ما ليس من حديثه فيرويه ذلك الشيخ ظنا منه أنه من حديثه.

ب- والصنف الثاني من هؤلاء أصحاب الأهواء والعصبيات المختلفة فمنهم أصحاب الفرق العقائدية، كالروافض والخوارج ومنكري الصفات وكل هؤلاء كان منهم من يستحل الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم، ولنصرة مذهبه وترويج اعتقاده، بل ظهر هذا الكذب أيضا في طوائف من المقلدين والمتفقهة من أتباع المذاهب الفقهية المعروفة فوضعوا الأحاديث نصرة لمذهبهم وطعنا في أئمة غيرهم، وكذلك كان الوضع بين كل متعصب لبلد أو قوم أو شخص نصرة لعصبية .

ج- وصنف ثالث من أهل الزهد والتدين الجاهل وضعوا الأحاديث ترغيبا في فضائل الأعمال بزعمهم وترهيبا من النار وكلما استحسنوا قولا لقائل نسبوه إلى الرسول ظنا أن هذا يفيد الدين ويرغب الناس فيه ويزيدهم تمسكا به، ولاشك أن هذا كان أعظم الكذب و أخبثه لأن أمر هؤلاء كان أكثر خفاء، لأنه لا يظن بهم السوء، وقال ابن الصلاح: وأشد هذه ضررا أهل الزهد لأنهم للثقة بهم، وتوسم الخير فيهم يقبل.

موضوعاتهم كثير ممن هو على نمطهم في الجهل ورقة الدين، وقال الحافظ بن حجر: ويلحق بالزهاد في ذلك المتفقهة الذين استجازوا نسبة ما دل عليه القياس إلى النبي.

د- وأما الصنف الرابع فهو قوم لم يتعمدوا الكذب وإنما وقع الموضوع في حديثهم غلطا كمن يضيف إلى النبي كلام بعض أصحابه، وكمن أبتلى بمن يدس في كتبه ما ليس منها، كما وقع لحماد بن سلمة وهو ثقة عابد مع ربيبة الكذاب عبد الكريم بن أبي العوجاء فقد دس في كتبة، وكما وقع لسفيان بن وكيع بن الجراح قال ابن حجر في التقريب: كان صدوقا إلا أنه ابتلى بوراقه فأدخل عليه ما ليس بحديثه أ. هـ. وكمن تدخل عليه آفة في حفظه أو بصره أو يختلط بآخر عمره. ولا شك أن هذا الصنف الرابع من أخفى الأصناف ومن أشدها ضررا.

قال ابن حجر: وهذا الصنف أخفى الأصناف لأنهم لم يتعمدوا الكذب مع وصفه بالصدق ومع ذلك فالضرر بهم شديد لدقة استخراج ذلك إلا من الأئمة النقاد، وأما باقي الأصناف فالأمر فيهم أسهل لأن كون تلك الأحاديث كذبا لا يخفى إلا على الأغبياء أ. هـ.

ولما تعددت أصناف الوضاع والكذابين والمنتحلين والمخطئين على هذا النحو فإن البلوى بوضع الحديث عمت وطمت وانتشر الحديث الموضوع في كل ناحية وفن من فنون العلم: انتشر في الوعظ على ألسنة القصاص والوعاظ وعلى ألسنة العامة تبعا لذلك وانتشر في كتب الفقه والعقائد والتفسير والتاريخ والسير والمغازي والوعظ وقد كان كثير ممن ألف في ذلك ليس من أهل التمييز بين الروايات الصحيحة والضعيفة، بل إن بعض المحققين جاء في كتبهم ومؤلفاتهم شيء من هذا الحديث المكذوب تسهلا منهم وإن كانوا أحيانا وإن كانوا أحيانا يبينون كذبه، كما وقع لابن جرير في تفسيره، وابن كثير، فكيف بما يوجد في الخازن والكشاف وغير ذلك، بل دخل بعض الموضوع أيضا في كتب السنن والمسانيد وهي كتب وضعت لجمع أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وبيان سننه وهكذا لم يسلم باب من أبواب العلم الشرعي إلا ودخل فيه شيء من الضعيف والموضوع ففي أسماء الله وصفاته وأفعاله وخلقه وتكوينه وفي الرسالات وفي الملائكة والجنة والنار والكتب وفي جميع أبواب الفقه من عبادات ومعاملات وأخلاق وحدود وهكذا لا يكاد يخلوا كتاب واحد من كتب التراث إلا ودخل فيه شيء من الضعيف والواهي من الأحاديث بل من المكذوب والموضوع والمختلق اللهم إلا كتبا يسيرة محصت تمحيصا دقيقا وأجمعت الأمة على أن ما فيها صحيح سليم ثابت كصحيح البخاري ومسلم.

6- حفظ الله لحديث رسوله:

وبالرغم من أن البلوى كانت على هذا النحو عظيمة فإن الله الرحمن الرحيم بهذه الأمة المحمدية كما حفظ عليها قرآنها كذلك حفظ عليها سنة نبيها وذلك أن السنة مبينة القرآن وشارحته "وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم"، ولذلك لما قيل للإمام عبد الله بن المبارك" هذه الأحاديث المصنوعة" قال: يعيش لها جهابذة " إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون".

وقال الإمام ابن الجوزي: لما لم يمكن أحد أن يدخل في القرآن ما ليس منه أخذ أقوام يزيدون في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ويضعون عليه ما لم يقل فأنشأ الله علماء يذبون عن النقل، ويوضحون الصحيح ويفضحون القبيح وما أخلى الله منهم عصرا من الأعصار غير أن هذا الضرب قد قل في هذا الزمان فصار أعز من عنقاء مغرب، وبالفعل فقد كان حملة الحديث هم حماة الدين حقا وجهابذة الأمة صدقا، قال سفيان الثوري: الملائكة حراس السماء وأصحاب الحديث حراس الأرض، وذكر الحافظ الذهبي في طبقات الحفاظ أن هارون الرشيد أخذ زنديقا ليقتله فقال الزنديق: أين أنت من ألف حديث وضعتها، فقال الرشيد: أين أنت يا عدو الله من أبى إسحاق الفزاري وعبد الله بن المبارك ينخلانها فيخرجانها حرفا حرفا، نعم لقد نشأ في الأمة الإسلامية علماء الحديث الذين كانوا جبالا في الحفظ وأوعية عظيمة للعلم لم تعرف أمة قط مثلهم حفظا وتدقيقا ونقدا وتمييزا للأخبار وتفتيشا وراء كل كلمة حتى يعرف مخرجها والناطق بها، وهذا من خصوصيات هذه الأمة المرحومة.

ومن أجل ذلك عمد المحققون من المحدثين في كل عصر إلى تخليص حديث النبي مما انتحله الوضاعون وافتراه الكذابون أو أخطأ فيه المغفلون الجاهلون وقد كان عملهم في هذا الصدد موجها في السبل الآتية:

7- الخطوات التي اتبعها علماء الحديث من أجل حفظ السنة:

أ- وضع القواعد وتنظيم أعظم علم عرفته البشرية في نقد الأخبار وتمحيصها وتحقيقها وهو ما يعرف بعلم مصطلح الحديث.

ب- جمع ما صح من أحاديث النبي صلى الله علبه وسلم في كتب مستقلة كما فعل مالك بن أنس في الموطأ والبخاري ومسلم في صحيحيهما.

ج- تعقب المؤلفين المشهورين الذين تساهلوا في النقل الأحاديث وأوردوها في مؤلفاتهم سواء كانت مؤلفاتهم في التفسير أو الفقه أو المواعظ والحكم أو الحديث كما فعل ابن حجر في كتاب الكشاف للزمخشري وهو تفسير مشهور فجاء ابن حجر فخرج أحاديثه، وكما فعل الحافظ العراقي في إحياء علوم الدين حيث خرج الأحاديث الواردة فيه وبين درجة كل حديث في كتابه المسمى "المغني عن حمل الأسفار في الأسفار"، وكما فعل ابن حجر العسقلاني في كتابه" تلخيص الحبير بتخريج أحاديث الرافعي الكبير " وكما فعل الحافظ الزيلعي في كتابه "نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية ". والهداية كتاب في الفقه الحنفي، وكما فعل شيخنا ناصر الدين في كتاب تخريج فقه السنة لسيد سابق، وفقه السيرة لمحمد الغزالي وغير ذلك من الكتب المشهورة.

د- تصنيف معاجم مستقلة للضعفاء والمتروكين والكذابين للتحذير منهم وبيان مرتباتهم وما أخطئوا فيه، ومن أشهر ما ألف في ذلك كتاب "الضعفاء" للبخاري، و"الضعفاء والمتروكون " للنسائي، و"الضعفاء والمتروكون " لابن السكن، وكذلك للحافظ البرقي ولأبي حاتم البستي والعقيلي، وكتاب الكامل لابن عدي و"الضعفاء والمتروكون " لابن الجوزي، و"ميزان الاعتدال في نقد الرجال "للذهبي، وكذلك كتب العلل التي تتبعت الأحاديث التي ظاهرها الصحة وباطنها المرض والضعف وقد ألف في ذلك البخاري ومسلم والترمذي وأحمد بن حنبل، وعلي بن المديني وأبو بكر بن الأثرم، والدارقطني وكثيرون آخرون.

هـ كتب ومصنفات أفردت الأحاديث الموضوعة بالتأليف:

وهذه كثيرة جدا ومن أشهرها: الأباطيل لأبي عبد الله الحسين بن إبراهيم الهمداني الجوزي المتوفى سنة 543 هجرية، والموضوعات الكبرى لابن الجوزي المتوفى سنة 597 هجرية، واللالي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة للسيوطي، والفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة لمحمد بن يوسف الدمشقي المتوفى سنة 942 هجرية، وهذا العنوان نفسه للشوكاني المتوفى سنة 1250 هـ، والأسرار المرفوعة في الأحاديث الموضوعة لابن عراق المتوفى سنة 963 هـ، والأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة لشيخنا وأستاذنا محمد ناصر الدين الألباني أمد الله في عمره .

8- الوضاعون والكذابون يجتمعون على هدف واحد:

ذكرنا آنفا أن الوضاعون والكذابين كانوا فرقا شتى متباينة وكانت لهم أهداف مختلفة ولذلك شملت الأحاديث الواهية كل نواحي العقيدة والتشريع تقريبا، فوضع الشيء ونقيضه ومدح الشيء وضده.

وبالرغم من كل ذلك فإن هذا كله قد أفضى في النهاية إلى هدف واحد وغاية واحدة وهو تشويه الدين وتخريب العقائد، وجعل البدعة سنة، وجعل السنة بدعة، والإساءة إلى رسول رب العالمين بنسبة التناقض والركاكة إليه، وتعليق الأقوال الساقطة أو المنكرة بشخصه الشريف، وجعل الدين مجموعه من الخرافات والخزعبلات ولبس الحق بالباطل، وتفسير كتاب الله بما يجعله عند عامة الناس خرافة وأساطير، وكأن هؤلاء الوضاعين والكذابين قد اتفقوا حول هذه الغاية الواحدة والهدف الواحد، وفي النهاية ظهر الإسلام بمظهر مشوه غريب، لا تمييز فيه بين شرك وتوحيد ولا بين بدعة وسنة، ولا بين حقيقة وخرافة، بل ولا بين معقول ولا معقول.

الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى