عبير الروح
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
بسم الله الرحمن الرحيم
طبيعة اليهود
اليهود في الأصل هم بنو إسرائيل أي أولاد النبي يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام، وعندما كانوا كذلك كانوا أفضل شعوب الأرض، فقد خاطبهم موسى عليه السلام كما قص الله عنه بقوله: {قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (140)}، وقال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (16)} وقال سبحانه: {وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (32) وَآتَيْنَاهُمْ مِنَ الْآيَاتِ مَا فِيهِ بَلَاءٌ مُبِينٌ (33)}.
ولكنهم لم يشكروا هذه النعم عليهم، ولم يعترفوا بها لله وأنها منه سبحانه من أجل أن يخلصوا له في العبادة فكفروا بنعمه، بل كفروا به سبحانه ووصفوه بالصفات الذميمة، وحاربوا رسله وقتلوهم، وحرفوا ما جاؤوا به من الوحي كما قال تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (155) وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا (156)}.
بذلك وبغيره حاقت بهم عقوبة الله ومقته وغضبه، ومن تلك العقوبة أن فسدت فطرتهم، وساءت طباعهم، ومُلئت قلوبهم بالكبر والحقد والحسد والعدوانية لجميع أمم الأرض، وصار من أخلاقهم المكر والخبث والمؤامرات حتى على من أحسن إليهم وأكرمهم، قال تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (13)}. فانظر إلى عدل وسماحة الإسلام بعد ذكر هذه الصفات القبيحة لليهود، يقول الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}.
تلك هي أخلاقهم وطباعهم التي أُبدلوا بها بعد انسلاخهم عن الدين، وتحريف التوراة، وكفرهم بالرسل بل وقتلهم في أحيان كثيرة.
وأما نظرتهم إلى من سواهم من الأمم فهي كما قال تعالى عنهم: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75)}، وانظر مرة أخرى إلى عدل الإسلام وإنصافه، فاليهود الذين يتحدث عنهم القرآن كانوا في أوج المواجهة مع رسول الله والمؤمنين، يقاتِلون ويتآمرون، ويحرضون الناس على محاربة الإسلام والقضاء عليه، ومع ذلك أنصفهم واعترف أن منهم أهل أمانة حتى إنهم لو أمنتهم على القناطير المقنطرة من المال لأدوها إليك.
لكن المهم في السياق تقرير القرآن أن اليهود قد اعتبروا جميع البشر ممن سواهم لا حق لهم، ولا حرمة لهم، وليس على اليهود في أخذ أموالهم أو استباحة محارمهم ودمائهم، وهذا العداء والاحتقار للناس ليس مجرد إخبار في القرآن، ولكن وثائق يهود إسرائيل وأدبياتهم تثبت ذلك يقول التلمود: ( اليهود وحدهم بشر أما الشعوب الأخرى فليست سوى أنواع مختلفة من الحيوانات)، ويقول: ( اقتلوا عبدة الأوثان- غير اليهود - ولو كانوا من أكثر الناس كمالاً ). ويقول: (إن من يقتل مسيحياً أو أجنبياً أو وثنياً يكافأ بالخلود في الفردوس) ([1]).
هذا هو تصديق قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ}.
وأما الموقف الخاص من المؤمنين:
فقد قرره الله تعالى في قوله: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا}، وقول الله تعالى لا يحتاج أن يُستدَل له وإنما يستدل به، ولكن من باب إظهار التصديق العملي لذلك التقرير القرآني أقول:
لم يُبتلَ الإسلام والمسلمون منذ البعثة النبوية بعدد أكثر حقداً وحسداً وخبثاً من اليهود، لقد واجه الإسلام أعداء كثراً ولكن لا أحد منهم في منزلة اليهود من العداوة، أليسوا هم الذين حاولوا قتل النبي صلى الله عليه وسلم في مبنى بني النضير؟! أليسوا هم الذين سحروا النبي صلى الله عليه وسلم؟! أليسوا هم الذين خانوا وانقلبوا عليه وهو يواجه أعتى هجمة عليه يوم الخندق؟! أليسوا هم الذين سمَّوه في خيبر؟! هذه بعض مظاهر عداوتهم للرسول صلى الله عليه وسلم ومحاولاتهم للقضاء عليه، ثم أليس هم الذين زرعوا الفتنة على يد عبدالله بن سبأ اليهودي؟ الفتنة الكبرى التي راح ضحيتها الخليفة الراشد الثالث عثمان رضي الله عنه؟! وهم الذين غرسوا في الأمة العقائد الضالة، وأنشئوا أخبث الفرق الضالة الرافضة والباطنية في الأمة الإسلامية.
وما زالت مؤامراتهم ومكائدهم تتوالى حتى كان من آخر ذلك إسقاط الخلافة العثمانية آخر رمز لوحدة المسلمين على ما فيها، ثم طُعن العالم الإسلامي في صميم قلبه في فلسطين.
وإليكم بعض ما يفتون به ويصدرونه من تعليمات أو يربُّون عليه ناشئتهم وتلامذة مدارسهم، تقول توراتهم المحرفة: ( اقتلوا كلَّ ما في المدينة من رجل وامرأة، من طفل وشيخ حتى البقر والغنم بحدّ السيف)، وتقول كذلك: (تضربون كلَّ مدينة محصنة، وكلَّ مدينة مختارة، وتقطعون كل شجرة طيبة، وتطمرون جميع عيون المياه، وتخربون كل المزروعات اليانعة)، وتقول: (وَإِنْ لَمْ تَطْرُدُوا سُكَّانَ الأَرْضِ مِنْ أَمَامِكُمْ يَكُونُ الَّذِينَ تَسْتَبْقُونَ مِنْهُمْ أَشْوَاكًا فِي أَعْيُنِكُمْ، وَمَنَاخِسَ فِي جَوَانِبِكُمْ، وَيُضَايِقُونَكُمْ عَلَى الأَرْضِ الَّتِي أَنْتُمْ سَاكِنُونَ فِيهَا.).
والتلمود أكثر قسوة ووحشية من التوراة المحرفة وقد تقدم بعض نصوصه.
ووفقاً لذلك تتم تربية اليهود منذ الرضاعة وإلى مرحلة الروضة والمدرسة وحتى الجامعة، يربون على ذلك الإرهاب الحقيقي ويدربون عليه ويظهر ذلك في سلوكهم.
يقول غوستاف لويون بأنه: ( لا أثر للرحمة في وحشية اليهود، فكان الذبح المنظم يعقب كل فتح مهما قلّ، وكان الأهالي الأصليون يوقفون فيحكم عليهم بالقتل دفعة واحدة، فيبادون باسم " يهوه "من غير نظر إلى الجنس ولا إلى السن، وكان التحريف والسلب بلا زمان سفك الدماء) ([2]).
ويرى مارتن لوثر: (أن التاريخ لم يعرف بعدُ شعباً مصاصاً للدماء وليهاً بالانتقام الدموي كالشعب اليهودي الذي يعتبر نفسه الشعب المصطفى المختار كذريعة يتخذها مبرراً ليبيح لنفسه قتل الآمنين وسحقهم وشنقهم )([3]).
هذا هو تقييم مؤرخين كفار ليسوا عرباً ولا مسلمين، وتصريحات اليهود أنفسهم تؤكّد ذلك، يقول إسحاق شامير: ( فلنلتفت إلى معتقداتنا نحن حيث لا الأخلاق والتقاليد اليهودية تنبذ الإرهاب بوصفه وسيلة قتالية في مجرى الصراع، وفي التوراة جاء: " امحقوهم عن آخرهم، أبيدوا حرثهم ونساءهم" إن إرهابنا يلعب دوراً في معركتنا هذه) ([4]).
تنبيه مهم:
إنّ ما سمعتم من حقد ووحشية وقساوة لقلوب اليهود يجب ألا يخيفنا أو يروعنا، فهم أذل وأحقر من ذلك، إنّ ما سمعتموه ليس دليلاً على شجاعة اليهود وبطولتهم، كلا فليس العنف والحقد وشدة النكاية بالخصم دليلاً على الشجاعة أبداً، فاليهود أجبن خلق الله، أليسوا هم الذين قالوا لموسى عند اقترابهم من عدوهم خوفاً وجزعاً: {اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} ؟! أليسوا هم الذين قالوا لملكهم الذي كانوا يتمنونه، ويستعجلون قيامه، ويسألون الله أن يبعثه لهم كي يقاتلوا معه في سبيل الله فلما نصب لهم ذلك الملك عارضوا تنصيبه: {فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246)}؟!.
وبعد كل البراهين على أن الله اختار هذا الملك لهم، وأنه على يديه يكون النصر، وبعد أن انصرف أكثرهم ولم يثبتوا، قال الذين نجوا من فتنة النهر وهم القلة والصفوة منهم قالوا لنبيهم: {لاَ طَاقَةَ لَنَا اليوم بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ} ولم يبقَ صامداً منهم مع نبيهم إلا أقل القليل من المؤمنين الصادقين، هذا هو حالهم في تاريخهم القديم، ومنذ فجر الإسلام ونزول القرآن أكد الله ذلك الطبع فيهم، وأبان حقيقة جبنهم وخورهم وسبب ذلك فقال تعالى: {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ (111) ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (112)}.
والمقصود بالحبل الذي من الله العهد الذي يعطى لهم من قبل المسلمين، فإنهم إنما يرفع الذلة عنهم عهد الله الذي يُعطى لهم، وحبل الناس هو الذمة التي يعطيهم إياها المسلمون، هكذا يقول المفسرون، وهو أيضاً الدعم الذي يلقونه من الناس أي من الأمم المختلفة، فليسوا أعزاء عزة ذاتية، ولا شجعاناً شجاعة ذاتية، وإنما كل ذلك بما يسندهم به الناس.
ويصور الله جبنهم وخورهم مرة أخرى فيقول: {لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (13) لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (14)}.
وتاريخهم منذ أن بدأ حربهم مع المسلمين في بني قينقاع إلى اليوم، وكذا في حروبهم مع الأمم الأخرى هو كذلك؛ لم يخوضوا معركة وحدهم دون دعم خارجي وانتصروا فيها، فلا يجوز أبداً أن يتزعزع يقين المسلمين في هذه النصوص أو يظنوا بالله ظن السوء.
ومن الناحية المادية فإن حبل الناس الذي يرفع عنهم الذلة ويغريهم بالجبروت والطغيان قد بدأ يتهاوى ويتزلزل، هذه أمريكا أكبر داعم لهم قد بدأت علامات ذلها وهزيمتها تلوح في الأفق؛ خسارة وفشل في السياسة، ومثلها في القوة العسكرية، والهيبة الحربية، وفي الاقتصاد، وفي المكانة عند الشعوب، وقد جعل الله الفئة التي ستقصم - إن شاء الله - ظهر هيبة أمريكا وغطرستها في ذلك الحذاء الذي قذف على وجه ورأس بوش، ومحاكاة له انطلقت الأحذية على صور بوش تتهاوى حتى داخل واشنطن ،كل ذلك رمز لسقوط هيبة أمريكا، كما سقطت هيبة فرعون بإيمان السحرة، والانهيار الاقتصادي بداية أخرى، كما حصل لآل فرعون حينما أخذهم الله بالتسليط على ثرواتهم كما قال سبحانه: {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَونَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّن الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ(130) فَإِذَا جَاءتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ(131) وَقَالُواْ مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ(132) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاَتٍ فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ(133)}، كانت هذه العقوبات هي المقدمات، فلما لم تنفع جاء الانتقام وعذاب المحق والإهلاك قال تعالى: {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (54) فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (55) فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ (56)}.
الخلاصة أن النفسية اليهودية نفسية خبث وحقد وانتقام ودموية، ولكن ذلك ليس عن شجاعة أو بطولة، وإنما بما يجدونه من السند العالمي والدعم الكافر لهم.
ولقد صور الله ما عليه الكافرون من الموالاة والمناصرة لبعضهم البعض، وما يجب أن يكون عليه المؤمنون، والذي هو وضعهم وحالهم بالفعل عندما يكونون مؤمنين صادقين، وتحقق في عهد الصحابة وفي بعض العصور الأخرى، قال سبحانه وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (72)}. هذا حال المؤمنين الصادقين والذي يجب على جميع المؤمنين في جميع العصور والأمصار والأحوال أن يكونوا عليه، ثم قال سبحانه واصفاً حال الكافرين في موالاتهم وتناصرهم: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}، ثم في نفس الآية يحذر من عدم إدراك هذه الطبيعة سواء لما عليه المؤمنون أو الكافرون وعدم العمل بمقتضاها فيقول: {إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادُ كَبِيرٌ}.
قال سيد - رحمه الله -: ( إنّ الأمور بطبيعتها كذلك - كما أسلفنا - إن المجتمع الجاهلي لا يتحرك كأفراد؛ إنما يتحرك ككائن عضوي، تندفع أعضاؤه، بطبيعة وجوده وتكوينه، للدفاع الذاتي عن وجوده وكيانه، فهم بعضهم أولياء بعض طبعاً وحكماً.. ومن ثَمّ لا يملك الإسلام أن يواجههم إلا في صورة مجتمع آخر له ذات الخصائص، ولكن بدرجة أعمق وأمتن وأقوى، فأمّا إذا لم يواجههم بمجتمع ولاؤه بعضه لبعض، فستقع الفتنة لأفراده من المجتمع الجاهلي؛ لأنهم لا يملكون مواجهة المجتمع الجاهلي المتكافل أفراداً، وتقع الفتنة في الأرض عامة بغلبة الجاهلية على الإسلام بعد وجوده، ويقع الفساد في الأرض بطغيان الجاهلية على الإسلام، وطغيان ألوهية العباد على ألوهية الله، ووقوع الناس عبيداً للعباد مرة أخرى، وهو أفسد الفساد )([5]).
طبيعة اليهود
اليهود في الأصل هم بنو إسرائيل أي أولاد النبي يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام، وعندما كانوا كذلك كانوا أفضل شعوب الأرض، فقد خاطبهم موسى عليه السلام كما قص الله عنه بقوله: {قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (140)}، وقال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (16)} وقال سبحانه: {وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (32) وَآتَيْنَاهُمْ مِنَ الْآيَاتِ مَا فِيهِ بَلَاءٌ مُبِينٌ (33)}.
ولكنهم لم يشكروا هذه النعم عليهم، ولم يعترفوا بها لله وأنها منه سبحانه من أجل أن يخلصوا له في العبادة فكفروا بنعمه، بل كفروا به سبحانه ووصفوه بالصفات الذميمة، وحاربوا رسله وقتلوهم، وحرفوا ما جاؤوا به من الوحي كما قال تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (155) وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا (156)}.
بذلك وبغيره حاقت بهم عقوبة الله ومقته وغضبه، ومن تلك العقوبة أن فسدت فطرتهم، وساءت طباعهم، ومُلئت قلوبهم بالكبر والحقد والحسد والعدوانية لجميع أمم الأرض، وصار من أخلاقهم المكر والخبث والمؤامرات حتى على من أحسن إليهم وأكرمهم، قال تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (13)}. فانظر إلى عدل وسماحة الإسلام بعد ذكر هذه الصفات القبيحة لليهود، يقول الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}.
تلك هي أخلاقهم وطباعهم التي أُبدلوا بها بعد انسلاخهم عن الدين، وتحريف التوراة، وكفرهم بالرسل بل وقتلهم في أحيان كثيرة.
وأما نظرتهم إلى من سواهم من الأمم فهي كما قال تعالى عنهم: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75)}، وانظر مرة أخرى إلى عدل الإسلام وإنصافه، فاليهود الذين يتحدث عنهم القرآن كانوا في أوج المواجهة مع رسول الله والمؤمنين، يقاتِلون ويتآمرون، ويحرضون الناس على محاربة الإسلام والقضاء عليه، ومع ذلك أنصفهم واعترف أن منهم أهل أمانة حتى إنهم لو أمنتهم على القناطير المقنطرة من المال لأدوها إليك.
لكن المهم في السياق تقرير القرآن أن اليهود قد اعتبروا جميع البشر ممن سواهم لا حق لهم، ولا حرمة لهم، وليس على اليهود في أخذ أموالهم أو استباحة محارمهم ودمائهم، وهذا العداء والاحتقار للناس ليس مجرد إخبار في القرآن، ولكن وثائق يهود إسرائيل وأدبياتهم تثبت ذلك يقول التلمود: ( اليهود وحدهم بشر أما الشعوب الأخرى فليست سوى أنواع مختلفة من الحيوانات)، ويقول: ( اقتلوا عبدة الأوثان- غير اليهود - ولو كانوا من أكثر الناس كمالاً ). ويقول: (إن من يقتل مسيحياً أو أجنبياً أو وثنياً يكافأ بالخلود في الفردوس) ([1]).
هذا هو تصديق قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ}.
وأما الموقف الخاص من المؤمنين:
فقد قرره الله تعالى في قوله: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا}، وقول الله تعالى لا يحتاج أن يُستدَل له وإنما يستدل به، ولكن من باب إظهار التصديق العملي لذلك التقرير القرآني أقول:
لم يُبتلَ الإسلام والمسلمون منذ البعثة النبوية بعدد أكثر حقداً وحسداً وخبثاً من اليهود، لقد واجه الإسلام أعداء كثراً ولكن لا أحد منهم في منزلة اليهود من العداوة، أليسوا هم الذين حاولوا قتل النبي صلى الله عليه وسلم في مبنى بني النضير؟! أليسوا هم الذين سحروا النبي صلى الله عليه وسلم؟! أليسوا هم الذين خانوا وانقلبوا عليه وهو يواجه أعتى هجمة عليه يوم الخندق؟! أليسوا هم الذين سمَّوه في خيبر؟! هذه بعض مظاهر عداوتهم للرسول صلى الله عليه وسلم ومحاولاتهم للقضاء عليه، ثم أليس هم الذين زرعوا الفتنة على يد عبدالله بن سبأ اليهودي؟ الفتنة الكبرى التي راح ضحيتها الخليفة الراشد الثالث عثمان رضي الله عنه؟! وهم الذين غرسوا في الأمة العقائد الضالة، وأنشئوا أخبث الفرق الضالة الرافضة والباطنية في الأمة الإسلامية.
وما زالت مؤامراتهم ومكائدهم تتوالى حتى كان من آخر ذلك إسقاط الخلافة العثمانية آخر رمز لوحدة المسلمين على ما فيها، ثم طُعن العالم الإسلامي في صميم قلبه في فلسطين.
وإليكم بعض ما يفتون به ويصدرونه من تعليمات أو يربُّون عليه ناشئتهم وتلامذة مدارسهم، تقول توراتهم المحرفة: ( اقتلوا كلَّ ما في المدينة من رجل وامرأة، من طفل وشيخ حتى البقر والغنم بحدّ السيف)، وتقول كذلك: (تضربون كلَّ مدينة محصنة، وكلَّ مدينة مختارة، وتقطعون كل شجرة طيبة، وتطمرون جميع عيون المياه، وتخربون كل المزروعات اليانعة)، وتقول: (وَإِنْ لَمْ تَطْرُدُوا سُكَّانَ الأَرْضِ مِنْ أَمَامِكُمْ يَكُونُ الَّذِينَ تَسْتَبْقُونَ مِنْهُمْ أَشْوَاكًا فِي أَعْيُنِكُمْ، وَمَنَاخِسَ فِي جَوَانِبِكُمْ، وَيُضَايِقُونَكُمْ عَلَى الأَرْضِ الَّتِي أَنْتُمْ سَاكِنُونَ فِيهَا.).
والتلمود أكثر قسوة ووحشية من التوراة المحرفة وقد تقدم بعض نصوصه.
ووفقاً لذلك تتم تربية اليهود منذ الرضاعة وإلى مرحلة الروضة والمدرسة وحتى الجامعة، يربون على ذلك الإرهاب الحقيقي ويدربون عليه ويظهر ذلك في سلوكهم.
يقول غوستاف لويون بأنه: ( لا أثر للرحمة في وحشية اليهود، فكان الذبح المنظم يعقب كل فتح مهما قلّ، وكان الأهالي الأصليون يوقفون فيحكم عليهم بالقتل دفعة واحدة، فيبادون باسم " يهوه "من غير نظر إلى الجنس ولا إلى السن، وكان التحريف والسلب بلا زمان سفك الدماء) ([2]).
ويرى مارتن لوثر: (أن التاريخ لم يعرف بعدُ شعباً مصاصاً للدماء وليهاً بالانتقام الدموي كالشعب اليهودي الذي يعتبر نفسه الشعب المصطفى المختار كذريعة يتخذها مبرراً ليبيح لنفسه قتل الآمنين وسحقهم وشنقهم )([3]).
هذا هو تقييم مؤرخين كفار ليسوا عرباً ولا مسلمين، وتصريحات اليهود أنفسهم تؤكّد ذلك، يقول إسحاق شامير: ( فلنلتفت إلى معتقداتنا نحن حيث لا الأخلاق والتقاليد اليهودية تنبذ الإرهاب بوصفه وسيلة قتالية في مجرى الصراع، وفي التوراة جاء: " امحقوهم عن آخرهم، أبيدوا حرثهم ونساءهم" إن إرهابنا يلعب دوراً في معركتنا هذه) ([4]).
تنبيه مهم:
إنّ ما سمعتم من حقد ووحشية وقساوة لقلوب اليهود يجب ألا يخيفنا أو يروعنا، فهم أذل وأحقر من ذلك، إنّ ما سمعتموه ليس دليلاً على شجاعة اليهود وبطولتهم، كلا فليس العنف والحقد وشدة النكاية بالخصم دليلاً على الشجاعة أبداً، فاليهود أجبن خلق الله، أليسوا هم الذين قالوا لموسى عند اقترابهم من عدوهم خوفاً وجزعاً: {اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} ؟! أليسوا هم الذين قالوا لملكهم الذي كانوا يتمنونه، ويستعجلون قيامه، ويسألون الله أن يبعثه لهم كي يقاتلوا معه في سبيل الله فلما نصب لهم ذلك الملك عارضوا تنصيبه: {فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246)}؟!.
وبعد كل البراهين على أن الله اختار هذا الملك لهم، وأنه على يديه يكون النصر، وبعد أن انصرف أكثرهم ولم يثبتوا، قال الذين نجوا من فتنة النهر وهم القلة والصفوة منهم قالوا لنبيهم: {لاَ طَاقَةَ لَنَا اليوم بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ} ولم يبقَ صامداً منهم مع نبيهم إلا أقل القليل من المؤمنين الصادقين، هذا هو حالهم في تاريخهم القديم، ومنذ فجر الإسلام ونزول القرآن أكد الله ذلك الطبع فيهم، وأبان حقيقة جبنهم وخورهم وسبب ذلك فقال تعالى: {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ (111) ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (112)}.
والمقصود بالحبل الذي من الله العهد الذي يعطى لهم من قبل المسلمين، فإنهم إنما يرفع الذلة عنهم عهد الله الذي يُعطى لهم، وحبل الناس هو الذمة التي يعطيهم إياها المسلمون، هكذا يقول المفسرون، وهو أيضاً الدعم الذي يلقونه من الناس أي من الأمم المختلفة، فليسوا أعزاء عزة ذاتية، ولا شجعاناً شجاعة ذاتية، وإنما كل ذلك بما يسندهم به الناس.
ويصور الله جبنهم وخورهم مرة أخرى فيقول: {لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (13) لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (14)}.
وتاريخهم منذ أن بدأ حربهم مع المسلمين في بني قينقاع إلى اليوم، وكذا في حروبهم مع الأمم الأخرى هو كذلك؛ لم يخوضوا معركة وحدهم دون دعم خارجي وانتصروا فيها، فلا يجوز أبداً أن يتزعزع يقين المسلمين في هذه النصوص أو يظنوا بالله ظن السوء.
ومن الناحية المادية فإن حبل الناس الذي يرفع عنهم الذلة ويغريهم بالجبروت والطغيان قد بدأ يتهاوى ويتزلزل، هذه أمريكا أكبر داعم لهم قد بدأت علامات ذلها وهزيمتها تلوح في الأفق؛ خسارة وفشل في السياسة، ومثلها في القوة العسكرية، والهيبة الحربية، وفي الاقتصاد، وفي المكانة عند الشعوب، وقد جعل الله الفئة التي ستقصم - إن شاء الله - ظهر هيبة أمريكا وغطرستها في ذلك الحذاء الذي قذف على وجه ورأس بوش، ومحاكاة له انطلقت الأحذية على صور بوش تتهاوى حتى داخل واشنطن ،كل ذلك رمز لسقوط هيبة أمريكا، كما سقطت هيبة فرعون بإيمان السحرة، والانهيار الاقتصادي بداية أخرى، كما حصل لآل فرعون حينما أخذهم الله بالتسليط على ثرواتهم كما قال سبحانه: {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَونَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّن الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ(130) فَإِذَا جَاءتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ(131) وَقَالُواْ مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ(132) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاَتٍ فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ(133)}، كانت هذه العقوبات هي المقدمات، فلما لم تنفع جاء الانتقام وعذاب المحق والإهلاك قال تعالى: {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (54) فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (55) فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ (56)}.
الخلاصة أن النفسية اليهودية نفسية خبث وحقد وانتقام ودموية، ولكن ذلك ليس عن شجاعة أو بطولة، وإنما بما يجدونه من السند العالمي والدعم الكافر لهم.
ولقد صور الله ما عليه الكافرون من الموالاة والمناصرة لبعضهم البعض، وما يجب أن يكون عليه المؤمنون، والذي هو وضعهم وحالهم بالفعل عندما يكونون مؤمنين صادقين، وتحقق في عهد الصحابة وفي بعض العصور الأخرى، قال سبحانه وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (72)}. هذا حال المؤمنين الصادقين والذي يجب على جميع المؤمنين في جميع العصور والأمصار والأحوال أن يكونوا عليه، ثم قال سبحانه واصفاً حال الكافرين في موالاتهم وتناصرهم: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}، ثم في نفس الآية يحذر من عدم إدراك هذه الطبيعة سواء لما عليه المؤمنون أو الكافرون وعدم العمل بمقتضاها فيقول: {إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادُ كَبِيرٌ}.
قال سيد - رحمه الله -: ( إنّ الأمور بطبيعتها كذلك - كما أسلفنا - إن المجتمع الجاهلي لا يتحرك كأفراد؛ إنما يتحرك ككائن عضوي، تندفع أعضاؤه، بطبيعة وجوده وتكوينه، للدفاع الذاتي عن وجوده وكيانه، فهم بعضهم أولياء بعض طبعاً وحكماً.. ومن ثَمّ لا يملك الإسلام أن يواجههم إلا في صورة مجتمع آخر له ذات الخصائص، ولكن بدرجة أعمق وأمتن وأقوى، فأمّا إذا لم يواجههم بمجتمع ولاؤه بعضه لبعض، فستقع الفتنة لأفراده من المجتمع الجاهلي؛ لأنهم لا يملكون مواجهة المجتمع الجاهلي المتكافل أفراداً، وتقع الفتنة في الأرض عامة بغلبة الجاهلية على الإسلام بعد وجوده، ويقع الفساد في الأرض بطغيان الجاهلية على الإسلام، وطغيان ألوهية العباد على ألوهية الله، ووقوع الناس عبيداً للعباد مرة أخرى، وهو أفسد الفساد )([5]).
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى