عبير الروح
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
يا حكماء اليمن
15 ربيع الأول 1432هـ
مسجد خالد بن الوليد
فضيلة الشيخ أحمد بن حسن المعلم
الحمد لله الذي من توكل عليه كفاه، ومن استعاذ به أعاذه وحماه، ومن اعتصم به عصمه وأنجاه، ومن أحبه غرس له المحبة والوداد، ومن أرضاه رضي عنه وأرضى عنه العباد، ومن أسخطه أسخط عليه الحاضر والباد، والصلاة والسلام على عبده ورسوله القائل: ( من أرضى الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس ومن أرضى الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس ).
وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:
- الوصية بالتقوى.
عباد الله:
روى الترمذي وغيره أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما كتب إلى عائشة رضي الله عنها: أن اكتبي إلي كتاباً توصيني فيه، ولا تكثري علي، فكتبت عائشة رضي الله عنها إليه سلام عليك، أما بعد:
فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( من أرضى الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس، ومن أرضى الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس ) أو كما قالت والحديث حسن ، وفيه فوائد:
- الفائدة الأولى:
رغبة الخلفاء والحكام من السلف رضي الله عنهم في الخير، وحرصهم على طلب النصيحة ورغبتهم في أن يسمعوا ذلك ممن هو أهل له، فالناس حول معاوية كثير ولكنه لم يقنع أو يستغنى بذلك، وإنما حرص على أن يطلب النصيحة ممن يظن أن نصيحته أنفع وأسد، وكان صريحاً عندما قال " ولا تكثري علي" فهو بحاجة إلى كلام موجز يحفظه ويفهمه ويسهل عليه تطبيقه.
- الفائدة الثانية:
فقه عائشة رضي الله عنها فهي تعلم أن معاوية رضي الله عنه تنازعه رغبات كثيرة، فرغبة رضوان الله وتحصيله، ورغبة الحاشية والبطانة الذين يحيطون به، ورغبة الرعية والشعب الذي يحرص كل حاكم حازم على إرضائهم ونيل الشعبية الواسعة والمحبة التامة منهم، بل هناك خصوم وأعداء متربصون يحتاجون منه إلى مراعاة ومراقبة وكل أولئك قد لا تنال مرضاتهم إلا بسخط الله، فكيف يتصرف؟ وكيف يجمع بين هذه المتناقضات؟ ماذا يقدم وماذا يؤخر من تلك الرغبات؟ كل ذلك خطر على بال عائشة رضي الله عنها فاختارت من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يكون أصلاً وقاعدة يكون الاعتماد عليها والرجوع إليها عندما تتزاحم على معاوية تلك المطالب فيسلم وينجو بذلك.
- الفائدة الثالثة:
هذه القاعدة التي وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته، وحدد بها ما يقدم وما يؤخر عند تعارض الرغبات والطلبات، وما يقدم من ذلك وما يؤخر ليست خاصة بالصحابة رضي الله عنهم ولا بمعاوية رضي الله عنه كذلك، بل هي عامة لنا جميعاً ولكل حاكم ومسئول من المسلمين، وقد نسب إلى الإمام الشافعي رحمه الله أنه أطلق قاعدة محكمة مبنية على هذا الحديث وغيره مما يختزنه صدره من العلم النافع حيث قال: ( رضا الناس غاية لا تدرك، ورضا الله غاية لا تترك، فلا تدع ما لا يترك إلى ما لا يدرك).
فعلى كل عاقل أن يتأمل هذه القاعدة النبوية وترجمتها من ألفاظ السلف الصالح رضوان الله عليهم، ثم يحتكم إليها في جميع شئونه، وإذا كان كل مسلم مخاطب بذلك، فالمسئولون والحكام أكثر إلحاحاً بهذا الخطاب لعظم مسئوليتهم.
وإذا كانوا لم يستشعروا صدق هذا الحديث، ولم تستجب له نفوسهم كونه أمراً نظرياً في الماضي؛ فإنه اليوم لم يعد نظرياً فقط قد طبق على أرض الواقع وأصبح حقيقة ملموسة.
هذان اثنان من جملة رؤساء وملوك وأمراء العرب يعدان من أكثرهم تحسباً للطوارئ وحماية من المخاطر وإمساكاً بأزمة الأمور، سلطةٌ وأمن ومخابرات وسند خارجي وتأييد دولي، ورغبة حقيقية للقوى العالمية في بقاء نظامهما، وإعلام يصور للجميع أن الناس يحبونهما ويفدُّونهما بكل غالٍ ورخيص.
وقد امتُحنا مراراً وتكراراً وخُيرا بين رضا الله ورضا الناس، فكانا دائماً يختاران رضا الناس بل رضا أعداء الله وأعداء شعوبهما على رضا الله سبحانه وتعالى، كانا يخافان سخط الناس ولا يخافان سخط الله، فجاء تصديق هذا الحديث بسخط الله عليهما وأسخط عليهما الناس، كل الناس أصبحوا ساخطين عليهما، أمنُهما استخباراتهما أصبحوا ساخطين عليهما، جيوشُهما أصبحت ساخطة عليهما، البطانات التي كانوا يغذونها ويصنعونها ويعطونها كل ما تشتهي أصبحوا يتخلون عنهما، أكبر من ذلك القوى الدولية التي تزعم أن بيدها الحل والعقد وأنها تؤتي الملك من تشاء وتنزعه ممن تشاء، أصبحت ساخطة عليهما واقفة في صفوف خصومهما، انطبق عليهما قول الله تعالى حاكياً عن حال الشيطان مع مشركي مكة حين زين لهم قتال النبي صلى الله عليه وسلم في بدر حيث قال سبحانه وتعالى: {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ}
نعم هذا حالهم وحال من أرضوهم بسخط الله.
هذه أمريكا، تلك أوربا، ذلك الشرق والغرب والعرب والعجم، لسان حال الجميع يقول لحسني وبن علي فيما قد مضى وسيقول لكل سائر على طريقهما في المستقبل: ( إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ ) فهل من عودة في زمن الإمكان قبل أن تقفل أبواب التوبة؟ هل من رجوع إلى الله قبل أن يحق العذاب وينزل العقاب ؟ هل من تصديق بوعد الله ووعيده كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ}.
هل سنسمع منهم ما قصه الله عن المؤمنين الصادقين يوم الأحزاب؟ حينما ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وضاقت عليهم أنفسهم وجاءهم عدوهم من فوقهم ومن أسفل منهم في تلك الحال الحرجة ينقل الله عنهم: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا}.
أم أننا سنسمع منهم مقالة الفريق الثاني- المنافقين - التي عبر عنها القرآن بقوله: {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا} نعوذ بالله من ذلك.
أقول: أول خطوة التصديق بكلام الله، والتصديق بوعده ووعيده، واليقين التام الذي لا يخالطه شك بذلك.
الخطوة الثانية: العزم الصادق الذي لا تردد فيه على الرجوع إلى الله، امتثالاً لقوله تعالى: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ}.
الخطوة الثالثة: المسارعة إلى تحكيم شرع الله في كل شيء، فإن أعظم سبب لبث الفتنة والنزاع والصراعات بين المسلمين، هو ترك الحكم بما أنزل الله، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتحروا فيما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم شديد) رواه ابن ماجة والحاكم وغيرهما.
الخطوة الرابعة: تلبية المطالب المشروعة للشعوب، ونشر العدل بينهم ورفع الظلم والجور عنهم، وذلك بشكل عاجل وسريع دون أي تباطئ ومهما كلف ذلك فكلفته أقل وأخف وأهون من كلفة إخماد الفتنة بعد أن تقع.
الخطوة الخامسة:عليهم وبسرعة وبوضوح وشجاعة أن يتبرءوا من أعداء الله جميعاً، من طواغيت وفراعنة السياسة والهيمنة الغربية والشرقية جميعاً، ومن المنظمات التي تدفعهم دفعاً لمحاربة الله ورسوله ودينه، ومحاربة الفضيلة ونشر الرذيلة وهدم القيم الأصيلة لشعوبهم وأممهم، عليهم أن يتبرءوا من أولئك جميعاً، الآن قبل أن لا تنفعهم البراءة منهم لاحقاً، فهذا حسني مبارك في آخر خطاباته يتهم أمريكا ويحاول أن يتبرأ منها كما تبرأت منه فماذا أفاده ذلك؟.
وأعظم من ذلك ما سيكون يوم القيامة من التلاوم والجدال، ورمي التهم، ومحاولة التبرؤ، ثم لا ينفع ذلك كله شيئاً قال الله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}
الخطبة الثانية
- الحمد والثناء والوصية
عباد الله:
تحدثنا عن خطوات يجب اتخاذها دفعاً للفتنة ووقاية منها قبل أن تقع، ولكن ماذا بسخط الناس عن الفتنة الواقعة بالفعل؟ والقائمة على قدم وساق في بعض محافظات البلاد، وقد تلحقها محافظات أخرى.
الواجب على الجميع أن يعلموا أن الوصول إلى النتائج الطيبة المباركة، العائدة بالخير والأمن والسلام والتنمية لبلادنا الحبيبة لن تأتي بوسائل غير شرعية، فالأمر كما قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ} ويقول سبحانه وتعالى: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ} فكل محاولة للتغيير لابد أن تقوم على أصلين:
الأصل الأول: سلامة القصد، وحسن النية، والإخلاص في ذلك.
والأصل الثاني: حسن الوسيلة، بحيث تكون شرعية، محققة للغرض بريئة من الانحراف والإضرار بالناس في أنفسهم وأموالهم وأعراضهم.
فمتى كانت النية خالصة، وصاحبها متجرد من كل هوى سوى مرضاة الله وتحقيق المصلحة العامة للناس جميعاً، وكانت الوسيلة نظيفة سالمة من الانحراف، تحقق القصد ونجح المسعى وحصل المراد.
ومتى اختل الأصلان أو أحدهما كانت النتائج عكسية.
ومتى سارت المطالبات بالإصلاح والتغيير على هذين الأصلين، فلا يجوز التصدي لها ولا الوقوف في طريقها، بل يجب المبادرة لتلبية مطالبها المشروعة، وإنصافها من مظالمها المحققة، والأخذ على أيدي ظالميها.
وهاتان رسالتان:
الأولى إلى المتظاهرين والمطالبين بما يريدون والمعبرين عما يعتقدون:
أقول: اتقوا الله وسيروا على المنهج الصحيح، والتزموا السلم، وحسن السلوك، وإياكم من الانجرار إلى العنف؛ فإن العنف لا يولد إلا العنف، وإن التعدي سيجر إلى تعدي مثله أو أكبر منه: ( إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ ) فإياكم والإفساد، فعقوبة الإفساد وشؤمه عظيم في الدنيا والآخرة.
وإياكم أن تكونوا ممن قال الله فيهم:(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ )
وانظروا كيف كان حال العراق والصومال حينما سلك بعض أبنائهما سبلاً منحرفة للتغير.
الرسالة الثانية:
إلى السلطة بجميع أجهزتها وجميع مفاصلها من أكبر مسئول إلى أدنى موظف وعسكري:
أقول لهم جميعاً: اتقوا الله اتقوا الله، اتقوا الله، اعتبروا بما جرى لغيركم فالسعيد من وعظ بغيره.
لقد جرب النظام التونسي استعمال القوة فلم تغنِ عنه شيئاً، وهاهم ضباطه وجنوده اليوم يحالون إلى التحقيق والمحاكمة.
وجرب النظام المصري الحل الأمني، ثم استخدم المرتزقة والزج ببعض الأنصار ليواجهوا الطوفان العارم من الشباب فما أفلحوا، وهاهم اليوم تقدم القوائم الطويلة بأسماء من اعتبروا مجرمين، ويُطالب بمحاكمتهم ومعاقبتهم، ولا دافع عنهم ولا حامي لهم.
فلا داعي لتجريب المجرب، وتكرار الأخطاء، فقتل المسلم جريمة من أعظم الجرائم، ودم المسلم عزيز عند الله وكريم، وجرم من أقدم على إراقته لا يغتفر، وسيكون شؤم إراقة الدماء وضرب الجلود كبيراً وسريعاً، فإياكم ودماء المسلمين وجلودهم وأبشارهم أن تمسوها بسوء.
نعم على عقلاء البلاد وحكماؤها، الوقفة الصحيحة والشجاعة لتلافي الأخطار ونزع فتيل الفتنة واغتنام الفرصة، بجعل مبادرة الرئيس نقطة البداية والعكوف عليها وتطويرها وإكمال ما يحتاج إلى إكمال فيها، وأخذ الضمانات لتنفيذ ما يتم التوصل إليه بشأنها، والبدء في التطبيق الفوري لكل ما يتُفق عليه بدون مماطلة، للأسف قد قدمت النصائح وقد كثرت المطالبات من زمن بعيد، بهذه الأشياء التي في المبادرة وبغيرها ولكن سكرة الركون إلى الراحة إلى السلطة الاستماع إلى البطانة الخائنة التي تقلب الحقائق، وترفع للمسئولين الأمور على غير وجهها، وإشعارهم بأن الأمن هو المستتب، والناس محبون لهم على قلب رجل واحد لا يوجد من يشاغب لا يوجد من يعارض لا يوجد مظلوم، تلك التقارير الكاذبة جعلت السلطة وقيادتها تتمادى في التسويف وفي المماطلة في الاستجابة، اليوم نحن على المحك الصحيح، لم يبق مجال لتلك المماطلات وذلك التسويف، ويجب أن لا يصدقوا هؤلاء المرتزقة الذين من حولهم، يقلبون لهم الأمور، ويتوهونهم عن الحقيقة، ويخلقون الفتنة بينهم وبين الشعب، يجب أن نكون صادقين وناصحين، ويجب أن نضع الأمور على المحك بالفعل، وأن نتعامل معها بكل تجرد وإخلاص، وكل صدق من الأطراف جميعها، فإذا فعلنا فإننا خارجون من أزمتنا، ولن يدعنا الله نصل إلى الخاتمة الممقوتة المشؤومة، لكن علينا أن نفعل ما يجب، وعلينا أن نتخذ الوسائل إلى ذلك، نعم علينا يجب أن نبادر إلى التطبيق وأن ننفذ ما اتفقنا عليه حتى ننزع اليأس من الصدور، ونزيل الاحتقان، ونفوت الفرصة على المتربعين وما لم يتنازل كل طرف عن بعض مطالبه ويعزم الجميع على الالتقاء في نقطة الوسط هي نقطة المصلحة العليا؛ فإن الخطر داهم والحرب قادم ووضع اليمن لا يشبهه وضع آخر، لن نقف عند حدود المطالبات والمظاهرات والقتال والصراع بالأيدي وبالعصي، لدينا سلاح، لدينا ترسانات من الأسلحة وسوف تستخدم، ومن الضحية إذا تركنا الأمر يصل إلى ذلك؟ إنها الأمة كلها، إنه الوطن، إنه الرئيس والمرؤوس والقيادة والشعب، والكل لن يجو أحد من تلك الفتنة، فأسأل الله أن لا يوصلنا إليها أقول للجميع: أن من دعا إلى هدى كان له أجره وأجر من عمل به إلى يوم القيامة ومن دعا إلى ضلالة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة، حفظ الله الجميع من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
15 ربيع الأول 1432هـ
مسجد خالد بن الوليد
فضيلة الشيخ أحمد بن حسن المعلم
الحمد لله الذي من توكل عليه كفاه، ومن استعاذ به أعاذه وحماه، ومن اعتصم به عصمه وأنجاه، ومن أحبه غرس له المحبة والوداد، ومن أرضاه رضي عنه وأرضى عنه العباد، ومن أسخطه أسخط عليه الحاضر والباد، والصلاة والسلام على عبده ورسوله القائل: ( من أرضى الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس ومن أرضى الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس ).
وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:
- الوصية بالتقوى.
عباد الله:
روى الترمذي وغيره أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما كتب إلى عائشة رضي الله عنها: أن اكتبي إلي كتاباً توصيني فيه، ولا تكثري علي، فكتبت عائشة رضي الله عنها إليه سلام عليك، أما بعد:
فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( من أرضى الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس، ومن أرضى الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس ) أو كما قالت والحديث حسن ، وفيه فوائد:
- الفائدة الأولى:
رغبة الخلفاء والحكام من السلف رضي الله عنهم في الخير، وحرصهم على طلب النصيحة ورغبتهم في أن يسمعوا ذلك ممن هو أهل له، فالناس حول معاوية كثير ولكنه لم يقنع أو يستغنى بذلك، وإنما حرص على أن يطلب النصيحة ممن يظن أن نصيحته أنفع وأسد، وكان صريحاً عندما قال " ولا تكثري علي" فهو بحاجة إلى كلام موجز يحفظه ويفهمه ويسهل عليه تطبيقه.
- الفائدة الثانية:
فقه عائشة رضي الله عنها فهي تعلم أن معاوية رضي الله عنه تنازعه رغبات كثيرة، فرغبة رضوان الله وتحصيله، ورغبة الحاشية والبطانة الذين يحيطون به، ورغبة الرعية والشعب الذي يحرص كل حاكم حازم على إرضائهم ونيل الشعبية الواسعة والمحبة التامة منهم، بل هناك خصوم وأعداء متربصون يحتاجون منه إلى مراعاة ومراقبة وكل أولئك قد لا تنال مرضاتهم إلا بسخط الله، فكيف يتصرف؟ وكيف يجمع بين هذه المتناقضات؟ ماذا يقدم وماذا يؤخر من تلك الرغبات؟ كل ذلك خطر على بال عائشة رضي الله عنها فاختارت من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يكون أصلاً وقاعدة يكون الاعتماد عليها والرجوع إليها عندما تتزاحم على معاوية تلك المطالب فيسلم وينجو بذلك.
- الفائدة الثالثة:
هذه القاعدة التي وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته، وحدد بها ما يقدم وما يؤخر عند تعارض الرغبات والطلبات، وما يقدم من ذلك وما يؤخر ليست خاصة بالصحابة رضي الله عنهم ولا بمعاوية رضي الله عنه كذلك، بل هي عامة لنا جميعاً ولكل حاكم ومسئول من المسلمين، وقد نسب إلى الإمام الشافعي رحمه الله أنه أطلق قاعدة محكمة مبنية على هذا الحديث وغيره مما يختزنه صدره من العلم النافع حيث قال: ( رضا الناس غاية لا تدرك، ورضا الله غاية لا تترك، فلا تدع ما لا يترك إلى ما لا يدرك).
فعلى كل عاقل أن يتأمل هذه القاعدة النبوية وترجمتها من ألفاظ السلف الصالح رضوان الله عليهم، ثم يحتكم إليها في جميع شئونه، وإذا كان كل مسلم مخاطب بذلك، فالمسئولون والحكام أكثر إلحاحاً بهذا الخطاب لعظم مسئوليتهم.
وإذا كانوا لم يستشعروا صدق هذا الحديث، ولم تستجب له نفوسهم كونه أمراً نظرياً في الماضي؛ فإنه اليوم لم يعد نظرياً فقط قد طبق على أرض الواقع وأصبح حقيقة ملموسة.
هذان اثنان من جملة رؤساء وملوك وأمراء العرب يعدان من أكثرهم تحسباً للطوارئ وحماية من المخاطر وإمساكاً بأزمة الأمور، سلطةٌ وأمن ومخابرات وسند خارجي وتأييد دولي، ورغبة حقيقية للقوى العالمية في بقاء نظامهما، وإعلام يصور للجميع أن الناس يحبونهما ويفدُّونهما بكل غالٍ ورخيص.
وقد امتُحنا مراراً وتكراراً وخُيرا بين رضا الله ورضا الناس، فكانا دائماً يختاران رضا الناس بل رضا أعداء الله وأعداء شعوبهما على رضا الله سبحانه وتعالى، كانا يخافان سخط الناس ولا يخافان سخط الله، فجاء تصديق هذا الحديث بسخط الله عليهما وأسخط عليهما الناس، كل الناس أصبحوا ساخطين عليهما، أمنُهما استخباراتهما أصبحوا ساخطين عليهما، جيوشُهما أصبحت ساخطة عليهما، البطانات التي كانوا يغذونها ويصنعونها ويعطونها كل ما تشتهي أصبحوا يتخلون عنهما، أكبر من ذلك القوى الدولية التي تزعم أن بيدها الحل والعقد وأنها تؤتي الملك من تشاء وتنزعه ممن تشاء، أصبحت ساخطة عليهما واقفة في صفوف خصومهما، انطبق عليهما قول الله تعالى حاكياً عن حال الشيطان مع مشركي مكة حين زين لهم قتال النبي صلى الله عليه وسلم في بدر حيث قال سبحانه وتعالى: {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ}
نعم هذا حالهم وحال من أرضوهم بسخط الله.
هذه أمريكا، تلك أوربا، ذلك الشرق والغرب والعرب والعجم، لسان حال الجميع يقول لحسني وبن علي فيما قد مضى وسيقول لكل سائر على طريقهما في المستقبل: ( إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ ) فهل من عودة في زمن الإمكان قبل أن تقفل أبواب التوبة؟ هل من رجوع إلى الله قبل أن يحق العذاب وينزل العقاب ؟ هل من تصديق بوعد الله ووعيده كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ}.
هل سنسمع منهم ما قصه الله عن المؤمنين الصادقين يوم الأحزاب؟ حينما ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وضاقت عليهم أنفسهم وجاءهم عدوهم من فوقهم ومن أسفل منهم في تلك الحال الحرجة ينقل الله عنهم: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا}.
أم أننا سنسمع منهم مقالة الفريق الثاني- المنافقين - التي عبر عنها القرآن بقوله: {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا} نعوذ بالله من ذلك.
أقول: أول خطوة التصديق بكلام الله، والتصديق بوعده ووعيده، واليقين التام الذي لا يخالطه شك بذلك.
الخطوة الثانية: العزم الصادق الذي لا تردد فيه على الرجوع إلى الله، امتثالاً لقوله تعالى: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ}.
الخطوة الثالثة: المسارعة إلى تحكيم شرع الله في كل شيء، فإن أعظم سبب لبث الفتنة والنزاع والصراعات بين المسلمين، هو ترك الحكم بما أنزل الله، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتحروا فيما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم شديد) رواه ابن ماجة والحاكم وغيرهما.
الخطوة الرابعة: تلبية المطالب المشروعة للشعوب، ونشر العدل بينهم ورفع الظلم والجور عنهم، وذلك بشكل عاجل وسريع دون أي تباطئ ومهما كلف ذلك فكلفته أقل وأخف وأهون من كلفة إخماد الفتنة بعد أن تقع.
الخطوة الخامسة:عليهم وبسرعة وبوضوح وشجاعة أن يتبرءوا من أعداء الله جميعاً، من طواغيت وفراعنة السياسة والهيمنة الغربية والشرقية جميعاً، ومن المنظمات التي تدفعهم دفعاً لمحاربة الله ورسوله ودينه، ومحاربة الفضيلة ونشر الرذيلة وهدم القيم الأصيلة لشعوبهم وأممهم، عليهم أن يتبرءوا من أولئك جميعاً، الآن قبل أن لا تنفعهم البراءة منهم لاحقاً، فهذا حسني مبارك في آخر خطاباته يتهم أمريكا ويحاول أن يتبرأ منها كما تبرأت منه فماذا أفاده ذلك؟.
وأعظم من ذلك ما سيكون يوم القيامة من التلاوم والجدال، ورمي التهم، ومحاولة التبرؤ، ثم لا ينفع ذلك كله شيئاً قال الله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}
الخطبة الثانية
- الحمد والثناء والوصية
عباد الله:
تحدثنا عن خطوات يجب اتخاذها دفعاً للفتنة ووقاية منها قبل أن تقع، ولكن ماذا بسخط الناس عن الفتنة الواقعة بالفعل؟ والقائمة على قدم وساق في بعض محافظات البلاد، وقد تلحقها محافظات أخرى.
الواجب على الجميع أن يعلموا أن الوصول إلى النتائج الطيبة المباركة، العائدة بالخير والأمن والسلام والتنمية لبلادنا الحبيبة لن تأتي بوسائل غير شرعية، فالأمر كما قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ} ويقول سبحانه وتعالى: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ} فكل محاولة للتغيير لابد أن تقوم على أصلين:
الأصل الأول: سلامة القصد، وحسن النية، والإخلاص في ذلك.
والأصل الثاني: حسن الوسيلة، بحيث تكون شرعية، محققة للغرض بريئة من الانحراف والإضرار بالناس في أنفسهم وأموالهم وأعراضهم.
فمتى كانت النية خالصة، وصاحبها متجرد من كل هوى سوى مرضاة الله وتحقيق المصلحة العامة للناس جميعاً، وكانت الوسيلة نظيفة سالمة من الانحراف، تحقق القصد ونجح المسعى وحصل المراد.
ومتى اختل الأصلان أو أحدهما كانت النتائج عكسية.
ومتى سارت المطالبات بالإصلاح والتغيير على هذين الأصلين، فلا يجوز التصدي لها ولا الوقوف في طريقها، بل يجب المبادرة لتلبية مطالبها المشروعة، وإنصافها من مظالمها المحققة، والأخذ على أيدي ظالميها.
وهاتان رسالتان:
الأولى إلى المتظاهرين والمطالبين بما يريدون والمعبرين عما يعتقدون:
أقول: اتقوا الله وسيروا على المنهج الصحيح، والتزموا السلم، وحسن السلوك، وإياكم من الانجرار إلى العنف؛ فإن العنف لا يولد إلا العنف، وإن التعدي سيجر إلى تعدي مثله أو أكبر منه: ( إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ ) فإياكم والإفساد، فعقوبة الإفساد وشؤمه عظيم في الدنيا والآخرة.
وإياكم أن تكونوا ممن قال الله فيهم:(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ )
وانظروا كيف كان حال العراق والصومال حينما سلك بعض أبنائهما سبلاً منحرفة للتغير.
الرسالة الثانية:
إلى السلطة بجميع أجهزتها وجميع مفاصلها من أكبر مسئول إلى أدنى موظف وعسكري:
أقول لهم جميعاً: اتقوا الله اتقوا الله، اتقوا الله، اعتبروا بما جرى لغيركم فالسعيد من وعظ بغيره.
لقد جرب النظام التونسي استعمال القوة فلم تغنِ عنه شيئاً، وهاهم ضباطه وجنوده اليوم يحالون إلى التحقيق والمحاكمة.
وجرب النظام المصري الحل الأمني، ثم استخدم المرتزقة والزج ببعض الأنصار ليواجهوا الطوفان العارم من الشباب فما أفلحوا، وهاهم اليوم تقدم القوائم الطويلة بأسماء من اعتبروا مجرمين، ويُطالب بمحاكمتهم ومعاقبتهم، ولا دافع عنهم ولا حامي لهم.
فلا داعي لتجريب المجرب، وتكرار الأخطاء، فقتل المسلم جريمة من أعظم الجرائم، ودم المسلم عزيز عند الله وكريم، وجرم من أقدم على إراقته لا يغتفر، وسيكون شؤم إراقة الدماء وضرب الجلود كبيراً وسريعاً، فإياكم ودماء المسلمين وجلودهم وأبشارهم أن تمسوها بسوء.
نعم على عقلاء البلاد وحكماؤها، الوقفة الصحيحة والشجاعة لتلافي الأخطار ونزع فتيل الفتنة واغتنام الفرصة، بجعل مبادرة الرئيس نقطة البداية والعكوف عليها وتطويرها وإكمال ما يحتاج إلى إكمال فيها، وأخذ الضمانات لتنفيذ ما يتم التوصل إليه بشأنها، والبدء في التطبيق الفوري لكل ما يتُفق عليه بدون مماطلة، للأسف قد قدمت النصائح وقد كثرت المطالبات من زمن بعيد، بهذه الأشياء التي في المبادرة وبغيرها ولكن سكرة الركون إلى الراحة إلى السلطة الاستماع إلى البطانة الخائنة التي تقلب الحقائق، وترفع للمسئولين الأمور على غير وجهها، وإشعارهم بأن الأمن هو المستتب، والناس محبون لهم على قلب رجل واحد لا يوجد من يشاغب لا يوجد من يعارض لا يوجد مظلوم، تلك التقارير الكاذبة جعلت السلطة وقيادتها تتمادى في التسويف وفي المماطلة في الاستجابة، اليوم نحن على المحك الصحيح، لم يبق مجال لتلك المماطلات وذلك التسويف، ويجب أن لا يصدقوا هؤلاء المرتزقة الذين من حولهم، يقلبون لهم الأمور، ويتوهونهم عن الحقيقة، ويخلقون الفتنة بينهم وبين الشعب، يجب أن نكون صادقين وناصحين، ويجب أن نضع الأمور على المحك بالفعل، وأن نتعامل معها بكل تجرد وإخلاص، وكل صدق من الأطراف جميعها، فإذا فعلنا فإننا خارجون من أزمتنا، ولن يدعنا الله نصل إلى الخاتمة الممقوتة المشؤومة، لكن علينا أن نفعل ما يجب، وعلينا أن نتخذ الوسائل إلى ذلك، نعم علينا يجب أن نبادر إلى التطبيق وأن ننفذ ما اتفقنا عليه حتى ننزع اليأس من الصدور، ونزيل الاحتقان، ونفوت الفرصة على المتربعين وما لم يتنازل كل طرف عن بعض مطالبه ويعزم الجميع على الالتقاء في نقطة الوسط هي نقطة المصلحة العليا؛ فإن الخطر داهم والحرب قادم ووضع اليمن لا يشبهه وضع آخر، لن نقف عند حدود المطالبات والمظاهرات والقتال والصراع بالأيدي وبالعصي، لدينا سلاح، لدينا ترسانات من الأسلحة وسوف تستخدم، ومن الضحية إذا تركنا الأمر يصل إلى ذلك؟ إنها الأمة كلها، إنه الوطن، إنه الرئيس والمرؤوس والقيادة والشعب، والكل لن يجو أحد من تلك الفتنة، فأسأل الله أن لا يوصلنا إليها أقول للجميع: أن من دعا إلى هدى كان له أجره وأجر من عمل به إلى يوم القيامة ومن دعا إلى ضلالة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة، حفظ الله الجميع من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى