عبير الروح
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة عيد الاضحى لعام 1431هـ الموافق 2010م
التكبيرتسعاً .....
الله أكبر كلّمَا هلَّ هِلالا ً وأبدر .... الله أكبر كلما لبى ملبٍ وكبر ..... الله أكبر عدد من طاف بالبيت فعظمه وقدر
الله أكبر عدد من وقف بعرفه ونزل بالمشعر .... الله أكبر...... الله أكبر...... الله أكبر ...لا إله إلا الله .... الله أكبر... الله أكبر... ولله الحمد
الحمد لله الذي جعل في الحج منافع للناس , وسوى فيه بين المؤمنين من سائر الألوان والأجناس فلا فرق بين صغير وكبير وغني وفقير ومأمور وأمير في شعار ولا وجهةٍ ولا لباس احمده حمد المتلهفِ إلى تلك المشاعر المتحسر ألا يكون بين الحجاج حاضر والصلاة والسلام على من أسس حقوق الإنسان ووضع قواعد العدل بأدق وأكمل ميزان وأوضح الحدود والحرمات ونهى عن الظلم والبغي والعداوات وقرر أن دماءنا وأموالنا وأعراضنا علينا حرام كحرمة اليوم الحرام في الشهر الحرام في البلد الحرام حرمةً لا تتغير ولا تتبدل ولا يتراخى الزجر عنها ولا يتأجل , صلى الله عليه وعلى آله خير آل وصحابته الكُمّل الرِجال والتابعين لهم بإحسان ما تتابعت الأجيال إلى يوم المآل , وأشهد أن لا إله إلا الله شهادةَ مستسلمٍ بين يديه وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله شهادة متبع له غير متقدم عليه .
وأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله فاتقوه حق تقواه
تكبير
عباد الله :هذا هو يوم النحر الذي يقول فيه النبي r أعظم الأيام عند الله يوم النحر ثم يوم القر , رواه احمد وأبو داؤود والحاكم.
وسُمي يومُ النحرِ لكثرة ما ينحر فيه من الهدي والأضاحي قربة لله تعالى وإطعاماً للفقراء والمساكين وتوسيعاً على الأهل والعيال وإهداءاً إلى الإخوانِ والأصدقاءِ والجيران .
يفعل المسلمون ذلك اقتداءا ً بخليلي الرحمان ابراهيم ومحمد صلوات الله وسلامه عليهما , أما ابراهيم فقد ضحى بنفسه أولا ًحين واجه طغات قومه بالحق الذي يحمله مما جعلهم يحاولون إحراقه بالنار، ولقد لقيَ ثمرةَ تلك التضحيةِ سريعا ًحيث نجاه الله من النار وأوقع أعداءه في الخزي والبوار فشتان بين عاقبتيهما لا يذكر قومه إلا بالمقت واللعنات وأما هو فله لسان صدقٍ في الآخرين وزاده الله من فضله فجعل في ذريته النبوَّةَ والكتاب , فما بعث نبي بعده إلا من ذريته،ثم ضحى بابنه اسماعيل حينما رأى في المنام أنه يذبحه فصارحه بالأمر وقال ( إني أرى في المنام أني أذبحك فأنظر ماذا ترى ) قال الابن الصالح المستسلم لأمر ربه والبار بأبيه ( يا أبت افعل ما تؤمر ستجدُني إن شاء اللهُ من الصابرين ) فعزم الاثنان على التنفيذ والامتثال لأمر العزيز الحميد ( فلمَّا أسلما وتله للجبين وناديناه أن ياإبراهيم قد صدقت الرؤيا إنَّا كذلك نجزي المحسنين ) هنا جاءت شهادةُ الله لهما ( إنَّ هذا لهو البلاءُ المبين ) ثم جاءت الجائزةُ (وفديناه بِذبحٍ عظيم وتركنا عليه في الآخِرِين سلامٌ على إبراهيم كذلك نجزي المحسنين إنَّه من عبادنا المؤمنين ) , وأما تضحية سيد ولد آدم محمد بن عبدالله r فهي أعظم وأكمل وأشمل ضحى بالنفس وضحى بالأهل والولد وضحى بالمال والديار وضحى بالجهد والراحة وما ترك بابا ً من أبواب التضحيةِ إلا سلكه ووصل إلى منتهاه فكافأه الله في الدنيا والآخرة إذ جعل من رسالتهِ نورا ً وهدىً للناس وجعل ما أوحاه إليه نورا ً وروحا ً بل جعله سبحانه ( شاهدا ًومبشرا ًونذيرا ًوداعياً إلى الله بإذنه وسِراجا ًمنيرا ً) شرح صدره ووضع عنه وزره ورفع له قدره وأعطاه الكوثر وجعل شانئه هو الأبتر , وأعطاه المقام ا
لمحمود والحوض المورود وفتح له فتحا ًمبينا ونصره نصرا ًعزيزا ووعده الوعد الصادق الذي سيتحقق لا محالة بقوله ( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولوكره المشركون ) تلك هي ثمرةُ التضحيةِ في سبيل الله حين يتجرد الإنسان من شهواته وهواه وشُحه وبُخله وأنانيته فيجب أن نعرف يومنا هذا حق معرفته ونقدره حق قدره ونتلمس تلك المعاني العظيمة التي صيرته لهذه المنزلة ثم نعمل بموجبها , ومن تلك المعاني:
التضحية : وليس معناه إزهاق النفس وإتلافها بلا ثمن فما ذلك إلا انتحار وليس شهادة , ومن قتل نفسه بشيٍء عُذِّبَ به يوم القيامة وأخبث من ذلك وأقبح أن يُفجِّرَ نفسه ليقتل به الأبرياء والآمِنين من المؤمنين والمعاهدين ويدمر بها المصالح العامة من الممتلكات الخاصةِ زعما ً أنه في ذلك يجاهدُ في سبيل الله فهذا قد تضاعف جُرمُه وكثُرَ شره فأهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد , وهذا قد عكس مفهوم الجهاد عكساً ونكّس نفسه ومجتمعه في الذل والهوان وتسلط الأعداء نكسا ً فإذا كان الله يقول ( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنه ويكون الدينُ كله لله ) فإن هذا قد قاتل ليجلب الفتنة ويكون الدينُ لغيرِ الله
لا يبلغ الأعداءُ من جاهلٍ ما يبلغُ الجهلُ من نفسه
ونحن نعلم أن كثيرا من هؤلاء إنما يريدون الخير ويسعون إلى الوصول إلى الحق ونصرة الدين ولكنهم أخطأوا الطريق فعليهم أن يراجعوا أنفسهم
ويعتبروا بمن سلك هذا الطريق قبلهم وماذا صنعوا بأنفسهم وبالأمة ثم ماذا كنت عاقبتهم وما هي النتائج التي توصلوا إليها والانجازات التي حققوها إنهم لو فعلوا ذلك لعرفوا أنهم على طريق خاطىء قد تكرر فساد نتائجه على مر العصور فليتقوا الله ويضعوا أيديهم في أيدي علماء الأمة وحكمائها فما هم بأشد غيرة على الدين منهم نسأل الله لهم الهداية والتوفيق .
وإذا كان هذا التوجه سائدا ًفي مجتمعنا ومنتشراً في بيئتنا فإن واجبنا الوقاية منه وإزالة أسبابه ومعالجة من قد أُصيب به إن أمكن ذلك , قبل أن يقع الفأسُ في الرأس , وتعمُ الفتنة ويحدثُ مالا تُحمَدُ عقباه وعلينا جميعا ً كلا ً من موقعه الإسهام الفعّال في ذلك، وتتدرج المسؤوليات بحسب المناصب والولايات فمن ارتفع منصِبه عظُمَت مسؤوليته فليتق الله فيها,
عباد الله :إن معنى التضحية أن يتخلى الإنسان عن شهواته وأهوائه ومصالحه الخاصة للمصحلة العُليا وأن يتخلى عن ماله ومنصبه لله أولا ً ثم للمصلحة العُليا , وما أحوجنا جميعاً إلى فهم تلك المعاني الجليلةِ للتضحيةِ والعمل بها
تكبير.....
عباد الله: ومن المعاني العظيمة للعيد معنى البذل والعطاء والإحسان فالأضحية كما هي عبادةٌ لله وتوسعهٌ للأهل والعيال هي أيضا ً هديةٌ للصديق والقريب والجار والهدايا عرابين المودة ورسائلُ الإكرام وشعار الإعزازُ والتبجيل قال r ( تهادوا تحآبوا ) رواه أبو يعلى في مسنده
وهي صدقةٌ على المسكين والفقير , قال الله تعالى عن البُدن وهيَ الإبل التي تُنحر للهدي والأضاحي (والبُدنَ جعلناها لكم من شعآئر الله لكم فيها خير فاذكروا اسم الله عليها صوآف فإذا وجبت جُنُوُبهَا فكلوا منها وأطعِموا القانِعَ والمُعتر كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون * لن ينال الله لُحُومُها ولا دِمآؤُها ولكن يناله التقوى منكم كذلك سخرها لكم لتكبروا اللهَ على ما هداكم وبشر المحسنين)
وهي بذلٌ للصدقات وبذل الأغنياءِ صدقاتهم للفقراء هو صمام أمان يمنع الحقد والحسد و ضغائنِ الفقراء على الأغنياء فتعم المحبة وتنتشر الألفة وتحل السعادة والطمأنينة ربوع المجتمع .
عباد الله: ومن المعاني العظيمه للعيد ماأشار إليه بعض العلماء وهو يتحدث عن خروج النبي r للمصلى في صلاة العيد وذهابه من طريق ورجوعه من أخرى وإظهار التكبير والأمر بخروج النساء والرجال.
حيث استنبط أن الحكمة في ذلك إظهار قوة الإسلام وعظمته وظهوره فيرى ذلك الأعداء فما تزال الأمة الإسلامية مهابة مرهوبه ،وهذا ماينبغي أن يركز عليه الإعلام فيظهر لأعداء الأمة قوتها ووحدتها وتماسك بنيانها واستقرار شأنها ويشيد بمنجزاتها بدلاً من كشف عوراتها والتركيز على مواطن الضعف فيها بأسلوب الشامت لا بأسلوب الناصح، ولا يعني هذا ترك النقد البناء ولا التوقف عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا تصحيح المسار ولكن يجب أن نفرق بين النصيحة والتعيير كما قال الإمام ابن رجب رحمه الله ولن تكون عيدنا عيدا ًبالمعنى الصحيح مالم تتضمن هذه المعاني وغيرها من المعاني السامية للعيد في الإسلام
عباد الله لا يفوتنا في هذا الموقف أن ننوه بالخطبة العظيمة بل بالبيان الفريد الذي وجهه النبي r في يوم النحر من العام العاشر الهجري في حجة الوداع إلى أمته بل إلى العالم أجمع حيث تضمن أول وثيقة تحتوي على مبادىء العدل والحق والسلام تحدد الحقوق والواجبات وترسم الحدود وتحفظ الحرمات بما لم تصل إليه قوانين البشرية وبياناتها ووثائقها إلى اليوم وما كان في تلك القوانين والبيانات والوثائق من حقٍ وعدل وإصلاح فمبدؤه من تلك الخطبة ونحوها مما شرعة الله وبينه رسوله ،
وفي الخطبة الثانية يكون عرض خلاصة تلك الخطبة ومناقشتها
تكبير ....
بسم الله الرحمن الرحيم
التكبير سبعاً .....
الحمد لله والثناء والوصية بالتقوى
تكبير ...
عباد الله : تواترت الأحاديث عن جملة من الصحابة رضوان الله عليهم بأن رسول الله r وقف يوم النحر في حجة الوداع فخطب خطبة عظيمة بليغة روى كُلٌ منهم طرفاً منها
وهذه رواية البخاري ومسلم عن أبي بكرة رضي الله عنه قال : ( خطبنا النبيr يوم النحر، قال : أتدرون أي يوم هذا ؟ قلنا : الله ورسوله أعلم فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال : أليس يوم النحر ؟ قلنا: بلى قال : أي شهر هذا ؟ قلنا : الله ورسوله أعلم . فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه فقال: أليس ذو الحجة ؟ قلنا : بلى : قال : أي بلد هذا ؟ قلنا : الله ورسوله أعلم . فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال : أليست بالبلدة الحرام ؟ قلنا: بلى قال : فإن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى أن تلقوا ربكم ألا هل بلغت ؟ قالوا : نعم قال : اللهم أشهد فليبلغ الشاهد الغائب فرُبَّ مُبلّغٍ أوعى من سامع فلا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب
بعضُكم رِقاب بعض )
وثبت في صحيح مسلم وغيره عن جابر رضي الله عنه أنه r قال :( إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا ألا إن كل شئ من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع ودماء الجاهلية موضوعة وأول دم أضعه من دمائنا دم ربيعة بن الحارث بن عبدالمطلب وربا الجاهلية موضوع وأول ربا أضع من ربانا ربا العباس بن عبدالمطلب فإنه موضوع كله فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانه الله واستحللتم فروجهن بكلمه الله وإن لكم عليهن أن لايوطئن فرشكم أحداً تكرهونه فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضرباً غير مبرح ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف وإني تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله ، وأنتم مسؤولون عني ، فما أنتم قائلون ؟ قالوا : نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت ، فقال : اللهم اشهد 0)
عباد الله لن يتسع الوقت لشرح هذه الخطبة العظيمة ولكن هذه معالم من معالمها :
المعلم الأول : تعظيم الدم والنفس المعصومة وهذا أمر معلوم لدى جميع العقلاء فضلاً عن العلماء ومعروف عند الكافرين حرمة فضلاً عن المسلمين قال الله تعالى ( من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنَّه من قتل نفساً بغيرِ نفسٍ أو فسادٍ في الأرض فكأنَّما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنَّما أحيا النَّاس جميعاً ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات ثم إنَّ كثيراً منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون )
وقال تعالى (ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزآؤه جهنمُ خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً) وقال الرسول r ( لزوال الدنيا أهون على الله من قتلِ رجُلٍ مُسلم ) رواه الترمذي والنسائي وقال r ( لا يزال المؤمن في فسحةٍ من دينه ما لم يُصب دماً حراما) رواه البخاري وهذا المعلم جديرٌ بأن نقف عنده سيما في هذا الوقت الذي أصبحنا لا نسمع نشرة أخبار إلا كان الغالب عليها تِعدادُ المقاتل والمجازر وتوصيف الدماءِ المراقةِ والأشلاءِ الممزقةِ في كل مكان من العالم وبِلادُنا جزءٌ من ذلك العالم وقد نالها من ذلك نصيبٌ وافر، فيجب أن نعرف حرمة الدماء ويجب أن نصُونها وأن نُزيل أسباب إراقتها ونقوي أسباب صيانتها وحقنها فمن أسباب إراقة الدماء في هذا الوقت الانحراف العقدي والفكري واتباع غير سبيل المؤمنين في فهم الدين
وهذا علاجه في نشر العلم الشرعي الصحيح على أيدي العلماء الثقات والتوعية الصحيحة السديدة وغرس القيم المثلى في نفوس الأجيال والتحصين من تلك الإنحرافات
ومن أسباب ذلك : الشح بمعنى الحرص على الأموال بغير حق فلا يقنع الشحيح بحق ولا يؤدي ما عليه من واجب يضاف إلى ذلك غياب العدل الذي يردعه عن بغيه ويوفر الحماية للضعيف والمسكين قال r ( اتقوا الظلم، فإن الظلم ظلمات ٍيوم القيامة ، واتقوا الشح : فإن الشح أهلك من كان قبلكم ، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم ) رواه مسلم وغيره وعلاج ذلك كذلك في غرس تقوى الله في النفوس والتربية على مراقبة الله وأن تُفعَّل القوانين وتنفذ الحدود والتعازير وأن تُصلح أجهزة الأمن و المحاكم كي تؤدي دورها على الوجه الصحيح الحاسم لمادة الفتنة ففي البخاري معلقاً أن عاملاً لعمر بن عبدالعزيز كتب إليه أن أسوار البلد تهدمت وتحتاج إل ترميم كي تحميها من هجمات الأعداء فردَّ عليه حصِّنها بالعدل ونقِّ طُرقها من الظلم فتلك مرمتُها والسلام ومن أسباب ذلك ترك الحكم بما أنزل الله أو التقصير في ذلك قال رسول r ( وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا فيما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم شديدا) رواه الحاكم وغيره
ومن أسباب ذلك :ضعف هيبة الدولة : فإن الناس لا يردعهم إلا تقوى غالبة أو سلطان قاهر فما بالك إذا ضعُف الاثنان ، وهيبة الدولة لا تتوفر إلا بالعدل الكامل والشامل والحزم الذكي ووضع الأمور في نصابها
فوضع الندى في موضعِ السيفِ بالعُلى مُضرٌ كوضعِ السيفِ في مُوضعِ الندى
هيبة الدولة تحتاج إلى تغيير سياسات وإصلاح أجهزة وتعديل قوانين وتضحية برؤوس الفساد في أي موقعٍ كانوا بما يوجبه العدل وتقتضيه المصلحة العليا للوطن والمواطن
ولا يظن ظان أن هيبة الدولة تتوفر بالحملات العشوائية والقبض على كل أحد وإطالة السجن على من لم تثبت إدانته فإن ذلك مخالف للشريعة والدستور ومولدٌ للبغضاء والتفريق بين الحاكم والمحكوم ولا تزداد الشعوب بذلك إلا عناداً ومواجهة وهذا أمر مجرب وظاهر
المعلم الثاني : حرمة الأموال
وهي حرمة شاملة للمال العام والخاص ، أمال المال العام فيكون الاعتداء عليه بالاختلاس والرشوات والصفقات الخاسرة وتلاعب المسؤولين وهذا هو الغلول قال الله تعالى : ( ومن يغلل يات بما غل يوم القيامة ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون )
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال (قام فينا النبي r فذكر الغلول فعظمه وعظم أمره قال لا ألفين احدكم يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاء على رقبته فرس له حمحمه يقول يارسول الله أغثني فأقول لا أملك لك شيئاً قد أبلغتك وعلى رقبته صامت ـ يعني ذهب أوفضه أو غيرهما من الأموال ـ فيقول يارسول الله أغثني فأقول لا أملك لك شيئاً قد أبلغتك أوعلى رقبته رقاع تخفق فيقول يارسول الله أغثني فأقول لا أملك له شيئاً قد بلغتك) رواه البخاري
وأما الحقوق الخاصة فالاعتداء عليها يكون بالسرقة والنهب والمغالطات وفرض الإتاوات الجائرة وقطع الطريق وغير ذلك وذلك كله معروف وإنما نذكر به تذكيراً
ولكن ما يجب أن نقف عنده هو الظاهرة الغريبة التي أقلقت المجتمع وروعت الآمنين وتسببت في شلِّ حركة المسافرين والبضائع إنها ظاهرة التقطُّع التي برزت أخيراً على طريق عدن المكلا وتمادت وتطاولت حتى انتقلت إلى طريق المكلا المهرة هذة الظاهرةُ التي تُعَدُّ من أبشع الجرائم وأقبح الصور الوحشية والفساد حتى قال الله تعالى ( إنما جزآؤا الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيدِيِهم وأرجُلُهُم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزيٌ في الدنيا ولهم في الآخرة عذابٌ عظيم * إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أنَّ الله غفورٌ رحيم) ومع تلك البشاعة والقبح ومع قناعة الجميع بالنتائج الكارثية المترتبة عليها لا تزال قائمة لم يتوصل فيها إلى حل فأموال الناس وسياراتهم لا تزال في أيدي المجرمين وهم لا يزالون طُلقاء يعيثون في الأرض فساداً ولولا أمنهم من العقوبة لما تجرأوا على فعل ما فعلوه ولكنها الهيبة المفقودة والمبادرة الغائبة والضعف الظاهر في الأجهزة الأمنية والقضائية وغياب دور المجتمع كل ذلك كان عاملاً في الوصول إلى هذه الحال ونخشى أن يستفحل الأمر أكثر وأكثر
إن المواطنين الشرفاء جميعاً يطالبون بحلٍ سريعٍ وحازم يتمثل في القبض على المجرمين ومحاكمتهم المحاكمة العادلة وإقامة حد الحرابة عليهم وإرجاع مابإيديهم من أموال لأصحابها وتعويض المعتدى عليهم عن كل مالحقهم من أضرارٍ ماديةٍ ومعنويةٍ وتأمين الطرق في جميع أنحاء الجمهورية لينعم المواطن بالأمن والأمان الذي لا حياة كريمة بدونه ولا علم ولا صحة ولا تنمية في حال فقده
المعلم الثالث : حرمة الأعراض وذلك بحرمة الغيبة والقذف والشتم والسخرية بالآخرين قال الله تعالى ( والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير مااكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً) وقال تعالى (إن
الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذابٌ عظيم ) وزجر الله عن ذلك فقال ( والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً وأولئك هم الفاسقون * إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفورٌ رحيم )
المعلم الرابع : حرمة الربا وهو جريمة معروفة مجمع على تحريمها وقبحها قال رسولr ( الربا ثلاثة وسبعون باباً أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه وإن أربى الربا عرض الرجل المسلم ) رواه الحاكم
وقال r (لعن الله آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه وقال هم فيه سواء) رواه مسلم
وحسبك أنه مؤذن بحرب من الله ورسوله قال تعالى ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا مابقي من الربا إن كنتم مؤمنين * فإن لم تفعلوا فاذنوا بحربٍ من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون) وحسبك دليلاً مادياً على حرب الله للربا وأهله مانزل بأوكار الربا في أوربا وأمريكا وغيرها
المعلم الخامس : هدم دماء الجاهلية وبتعبيرنا المعاصر هدم وحرمة الثارات القبلية والجاهلية وذلك مرض من أخطر الأمراض التي تهلك الحرث والنسل وتقوض السلم الاجتماعي وتنمي الفتن والبغضاء والعداوات وعلينا جميعاً أن نتصدى لذلك المرض وتلك الآفة بالتوعية حيناً وإصلاح ذات البين حيناً آخر وبالأخذ على أيدي من يسعى لبعثها وإحيائها والحزم التام في ذلك وفرض سلطة الدولة على جميع شرائح المجتمع والمبادرة الجادة في حل قضايا الناس حتى نتجنب هذه الفتن.
المعلم السادس : بدء القائد والمعلم والمصلح بنفسه حينما يحمل مشروع الإصلاح سواءاً في تثبيت قيم الخير أو إزالة مظاهر الشر والفساد فترون كيف بدأ الرسول r بأهله وأسرته فأسقط رباهم وأبطل دمهم وذلك هو ضمان قناعة الأتباع وامتثالهم للأمر ولذلك قال شعيب عليه السلام ( وما أريد أن أخالفكم إلى ماأنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح مااستطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب)
المعلم السابع : الوصية بالنساء وتحديد حقوق الزوجين وواجباتهما ولو أن المسلمين وعوا هذه الحقوق التي سنها ديننا وقاموا بها على الوجه الصحيح لما تعرضن لهذه الحملات الظالمة والاتهامات الباطلة بأن الإسلام ضد المرأة مما جعل المنظمات العالمية للمرأة تملي علينا أهواءها وتفرض علينا شروطها وترغمنا على مخالفة قيمنا
ومن دعا الناس إلى ذمه ذموه بالحق وبالباطل
فعلينا أن نفقه هذه الأحكام وأن نحسن تطبيقها فنستغني بها عن إملاءات غيرنا ونثبت لهم أن في ديننا ما هو أعظم وأعدل مما جاءوا به ونفاخرهم بذلك .
الدعاء .....
خطبة عيد الاضحى لعام 1431هـ الموافق 2010م
التكبيرتسعاً .....
الله أكبر كلّمَا هلَّ هِلالا ً وأبدر .... الله أكبر كلما لبى ملبٍ وكبر ..... الله أكبر عدد من طاف بالبيت فعظمه وقدر
الله أكبر عدد من وقف بعرفه ونزل بالمشعر .... الله أكبر...... الله أكبر...... الله أكبر ...لا إله إلا الله .... الله أكبر... الله أكبر... ولله الحمد
الحمد لله الذي جعل في الحج منافع للناس , وسوى فيه بين المؤمنين من سائر الألوان والأجناس فلا فرق بين صغير وكبير وغني وفقير ومأمور وأمير في شعار ولا وجهةٍ ولا لباس احمده حمد المتلهفِ إلى تلك المشاعر المتحسر ألا يكون بين الحجاج حاضر والصلاة والسلام على من أسس حقوق الإنسان ووضع قواعد العدل بأدق وأكمل ميزان وأوضح الحدود والحرمات ونهى عن الظلم والبغي والعداوات وقرر أن دماءنا وأموالنا وأعراضنا علينا حرام كحرمة اليوم الحرام في الشهر الحرام في البلد الحرام حرمةً لا تتغير ولا تتبدل ولا يتراخى الزجر عنها ولا يتأجل , صلى الله عليه وعلى آله خير آل وصحابته الكُمّل الرِجال والتابعين لهم بإحسان ما تتابعت الأجيال إلى يوم المآل , وأشهد أن لا إله إلا الله شهادةَ مستسلمٍ بين يديه وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله شهادة متبع له غير متقدم عليه .
وأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله فاتقوه حق تقواه
تكبير
عباد الله :هذا هو يوم النحر الذي يقول فيه النبي r أعظم الأيام عند الله يوم النحر ثم يوم القر , رواه احمد وأبو داؤود والحاكم.
وسُمي يومُ النحرِ لكثرة ما ينحر فيه من الهدي والأضاحي قربة لله تعالى وإطعاماً للفقراء والمساكين وتوسيعاً على الأهل والعيال وإهداءاً إلى الإخوانِ والأصدقاءِ والجيران .
يفعل المسلمون ذلك اقتداءا ً بخليلي الرحمان ابراهيم ومحمد صلوات الله وسلامه عليهما , أما ابراهيم فقد ضحى بنفسه أولا ًحين واجه طغات قومه بالحق الذي يحمله مما جعلهم يحاولون إحراقه بالنار، ولقد لقيَ ثمرةَ تلك التضحيةِ سريعا ًحيث نجاه الله من النار وأوقع أعداءه في الخزي والبوار فشتان بين عاقبتيهما لا يذكر قومه إلا بالمقت واللعنات وأما هو فله لسان صدقٍ في الآخرين وزاده الله من فضله فجعل في ذريته النبوَّةَ والكتاب , فما بعث نبي بعده إلا من ذريته،ثم ضحى بابنه اسماعيل حينما رأى في المنام أنه يذبحه فصارحه بالأمر وقال ( إني أرى في المنام أني أذبحك فأنظر ماذا ترى ) قال الابن الصالح المستسلم لأمر ربه والبار بأبيه ( يا أبت افعل ما تؤمر ستجدُني إن شاء اللهُ من الصابرين ) فعزم الاثنان على التنفيذ والامتثال لأمر العزيز الحميد ( فلمَّا أسلما وتله للجبين وناديناه أن ياإبراهيم قد صدقت الرؤيا إنَّا كذلك نجزي المحسنين ) هنا جاءت شهادةُ الله لهما ( إنَّ هذا لهو البلاءُ المبين ) ثم جاءت الجائزةُ (وفديناه بِذبحٍ عظيم وتركنا عليه في الآخِرِين سلامٌ على إبراهيم كذلك نجزي المحسنين إنَّه من عبادنا المؤمنين ) , وأما تضحية سيد ولد آدم محمد بن عبدالله r فهي أعظم وأكمل وأشمل ضحى بالنفس وضحى بالأهل والولد وضحى بالمال والديار وضحى بالجهد والراحة وما ترك بابا ً من أبواب التضحيةِ إلا سلكه ووصل إلى منتهاه فكافأه الله في الدنيا والآخرة إذ جعل من رسالتهِ نورا ً وهدىً للناس وجعل ما أوحاه إليه نورا ً وروحا ً بل جعله سبحانه ( شاهدا ًومبشرا ًونذيرا ًوداعياً إلى الله بإذنه وسِراجا ًمنيرا ً) شرح صدره ووضع عنه وزره ورفع له قدره وأعطاه الكوثر وجعل شانئه هو الأبتر , وأعطاه المقام ا
لمحمود والحوض المورود وفتح له فتحا ًمبينا ونصره نصرا ًعزيزا ووعده الوعد الصادق الذي سيتحقق لا محالة بقوله ( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولوكره المشركون ) تلك هي ثمرةُ التضحيةِ في سبيل الله حين يتجرد الإنسان من شهواته وهواه وشُحه وبُخله وأنانيته فيجب أن نعرف يومنا هذا حق معرفته ونقدره حق قدره ونتلمس تلك المعاني العظيمة التي صيرته لهذه المنزلة ثم نعمل بموجبها , ومن تلك المعاني:
التضحية : وليس معناه إزهاق النفس وإتلافها بلا ثمن فما ذلك إلا انتحار وليس شهادة , ومن قتل نفسه بشيٍء عُذِّبَ به يوم القيامة وأخبث من ذلك وأقبح أن يُفجِّرَ نفسه ليقتل به الأبرياء والآمِنين من المؤمنين والمعاهدين ويدمر بها المصالح العامة من الممتلكات الخاصةِ زعما ً أنه في ذلك يجاهدُ في سبيل الله فهذا قد تضاعف جُرمُه وكثُرَ شره فأهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد , وهذا قد عكس مفهوم الجهاد عكساً ونكّس نفسه ومجتمعه في الذل والهوان وتسلط الأعداء نكسا ً فإذا كان الله يقول ( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنه ويكون الدينُ كله لله ) فإن هذا قد قاتل ليجلب الفتنة ويكون الدينُ لغيرِ الله
لا يبلغ الأعداءُ من جاهلٍ ما يبلغُ الجهلُ من نفسه
ونحن نعلم أن كثيرا من هؤلاء إنما يريدون الخير ويسعون إلى الوصول إلى الحق ونصرة الدين ولكنهم أخطأوا الطريق فعليهم أن يراجعوا أنفسهم
ويعتبروا بمن سلك هذا الطريق قبلهم وماذا صنعوا بأنفسهم وبالأمة ثم ماذا كنت عاقبتهم وما هي النتائج التي توصلوا إليها والانجازات التي حققوها إنهم لو فعلوا ذلك لعرفوا أنهم على طريق خاطىء قد تكرر فساد نتائجه على مر العصور فليتقوا الله ويضعوا أيديهم في أيدي علماء الأمة وحكمائها فما هم بأشد غيرة على الدين منهم نسأل الله لهم الهداية والتوفيق .
وإذا كان هذا التوجه سائدا ًفي مجتمعنا ومنتشراً في بيئتنا فإن واجبنا الوقاية منه وإزالة أسبابه ومعالجة من قد أُصيب به إن أمكن ذلك , قبل أن يقع الفأسُ في الرأس , وتعمُ الفتنة ويحدثُ مالا تُحمَدُ عقباه وعلينا جميعا ً كلا ً من موقعه الإسهام الفعّال في ذلك، وتتدرج المسؤوليات بحسب المناصب والولايات فمن ارتفع منصِبه عظُمَت مسؤوليته فليتق الله فيها,
عباد الله :إن معنى التضحية أن يتخلى الإنسان عن شهواته وأهوائه ومصالحه الخاصة للمصحلة العُليا وأن يتخلى عن ماله ومنصبه لله أولا ً ثم للمصلحة العُليا , وما أحوجنا جميعاً إلى فهم تلك المعاني الجليلةِ للتضحيةِ والعمل بها
تكبير.....
عباد الله: ومن المعاني العظيمة للعيد معنى البذل والعطاء والإحسان فالأضحية كما هي عبادةٌ لله وتوسعهٌ للأهل والعيال هي أيضا ً هديةٌ للصديق والقريب والجار والهدايا عرابين المودة ورسائلُ الإكرام وشعار الإعزازُ والتبجيل قال r ( تهادوا تحآبوا ) رواه أبو يعلى في مسنده
وهي صدقةٌ على المسكين والفقير , قال الله تعالى عن البُدن وهيَ الإبل التي تُنحر للهدي والأضاحي (والبُدنَ جعلناها لكم من شعآئر الله لكم فيها خير فاذكروا اسم الله عليها صوآف فإذا وجبت جُنُوُبهَا فكلوا منها وأطعِموا القانِعَ والمُعتر كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون * لن ينال الله لُحُومُها ولا دِمآؤُها ولكن يناله التقوى منكم كذلك سخرها لكم لتكبروا اللهَ على ما هداكم وبشر المحسنين)
وهي بذلٌ للصدقات وبذل الأغنياءِ صدقاتهم للفقراء هو صمام أمان يمنع الحقد والحسد و ضغائنِ الفقراء على الأغنياء فتعم المحبة وتنتشر الألفة وتحل السعادة والطمأنينة ربوع المجتمع .
عباد الله: ومن المعاني العظيمه للعيد ماأشار إليه بعض العلماء وهو يتحدث عن خروج النبي r للمصلى في صلاة العيد وذهابه من طريق ورجوعه من أخرى وإظهار التكبير والأمر بخروج النساء والرجال.
حيث استنبط أن الحكمة في ذلك إظهار قوة الإسلام وعظمته وظهوره فيرى ذلك الأعداء فما تزال الأمة الإسلامية مهابة مرهوبه ،وهذا ماينبغي أن يركز عليه الإعلام فيظهر لأعداء الأمة قوتها ووحدتها وتماسك بنيانها واستقرار شأنها ويشيد بمنجزاتها بدلاً من كشف عوراتها والتركيز على مواطن الضعف فيها بأسلوب الشامت لا بأسلوب الناصح، ولا يعني هذا ترك النقد البناء ولا التوقف عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا تصحيح المسار ولكن يجب أن نفرق بين النصيحة والتعيير كما قال الإمام ابن رجب رحمه الله ولن تكون عيدنا عيدا ًبالمعنى الصحيح مالم تتضمن هذه المعاني وغيرها من المعاني السامية للعيد في الإسلام
عباد الله لا يفوتنا في هذا الموقف أن ننوه بالخطبة العظيمة بل بالبيان الفريد الذي وجهه النبي r في يوم النحر من العام العاشر الهجري في حجة الوداع إلى أمته بل إلى العالم أجمع حيث تضمن أول وثيقة تحتوي على مبادىء العدل والحق والسلام تحدد الحقوق والواجبات وترسم الحدود وتحفظ الحرمات بما لم تصل إليه قوانين البشرية وبياناتها ووثائقها إلى اليوم وما كان في تلك القوانين والبيانات والوثائق من حقٍ وعدل وإصلاح فمبدؤه من تلك الخطبة ونحوها مما شرعة الله وبينه رسوله ،
وفي الخطبة الثانية يكون عرض خلاصة تلك الخطبة ومناقشتها
تكبير ....
بسم الله الرحمن الرحيم
التكبير سبعاً .....
الحمد لله والثناء والوصية بالتقوى
تكبير ...
عباد الله : تواترت الأحاديث عن جملة من الصحابة رضوان الله عليهم بأن رسول الله r وقف يوم النحر في حجة الوداع فخطب خطبة عظيمة بليغة روى كُلٌ منهم طرفاً منها
وهذه رواية البخاري ومسلم عن أبي بكرة رضي الله عنه قال : ( خطبنا النبيr يوم النحر، قال : أتدرون أي يوم هذا ؟ قلنا : الله ورسوله أعلم فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال : أليس يوم النحر ؟ قلنا: بلى قال : أي شهر هذا ؟ قلنا : الله ورسوله أعلم . فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه فقال: أليس ذو الحجة ؟ قلنا : بلى : قال : أي بلد هذا ؟ قلنا : الله ورسوله أعلم . فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال : أليست بالبلدة الحرام ؟ قلنا: بلى قال : فإن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى أن تلقوا ربكم ألا هل بلغت ؟ قالوا : نعم قال : اللهم أشهد فليبلغ الشاهد الغائب فرُبَّ مُبلّغٍ أوعى من سامع فلا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب
بعضُكم رِقاب بعض )
وثبت في صحيح مسلم وغيره عن جابر رضي الله عنه أنه r قال :( إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا ألا إن كل شئ من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع ودماء الجاهلية موضوعة وأول دم أضعه من دمائنا دم ربيعة بن الحارث بن عبدالمطلب وربا الجاهلية موضوع وأول ربا أضع من ربانا ربا العباس بن عبدالمطلب فإنه موضوع كله فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانه الله واستحللتم فروجهن بكلمه الله وإن لكم عليهن أن لايوطئن فرشكم أحداً تكرهونه فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضرباً غير مبرح ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف وإني تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله ، وأنتم مسؤولون عني ، فما أنتم قائلون ؟ قالوا : نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت ، فقال : اللهم اشهد 0)
عباد الله لن يتسع الوقت لشرح هذه الخطبة العظيمة ولكن هذه معالم من معالمها :
المعلم الأول : تعظيم الدم والنفس المعصومة وهذا أمر معلوم لدى جميع العقلاء فضلاً عن العلماء ومعروف عند الكافرين حرمة فضلاً عن المسلمين قال الله تعالى ( من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنَّه من قتل نفساً بغيرِ نفسٍ أو فسادٍ في الأرض فكأنَّما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنَّما أحيا النَّاس جميعاً ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات ثم إنَّ كثيراً منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون )
وقال تعالى (ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزآؤه جهنمُ خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً) وقال الرسول r ( لزوال الدنيا أهون على الله من قتلِ رجُلٍ مُسلم ) رواه الترمذي والنسائي وقال r ( لا يزال المؤمن في فسحةٍ من دينه ما لم يُصب دماً حراما) رواه البخاري وهذا المعلم جديرٌ بأن نقف عنده سيما في هذا الوقت الذي أصبحنا لا نسمع نشرة أخبار إلا كان الغالب عليها تِعدادُ المقاتل والمجازر وتوصيف الدماءِ المراقةِ والأشلاءِ الممزقةِ في كل مكان من العالم وبِلادُنا جزءٌ من ذلك العالم وقد نالها من ذلك نصيبٌ وافر، فيجب أن نعرف حرمة الدماء ويجب أن نصُونها وأن نُزيل أسباب إراقتها ونقوي أسباب صيانتها وحقنها فمن أسباب إراقة الدماء في هذا الوقت الانحراف العقدي والفكري واتباع غير سبيل المؤمنين في فهم الدين
وهذا علاجه في نشر العلم الشرعي الصحيح على أيدي العلماء الثقات والتوعية الصحيحة السديدة وغرس القيم المثلى في نفوس الأجيال والتحصين من تلك الإنحرافات
ومن أسباب ذلك : الشح بمعنى الحرص على الأموال بغير حق فلا يقنع الشحيح بحق ولا يؤدي ما عليه من واجب يضاف إلى ذلك غياب العدل الذي يردعه عن بغيه ويوفر الحماية للضعيف والمسكين قال r ( اتقوا الظلم، فإن الظلم ظلمات ٍيوم القيامة ، واتقوا الشح : فإن الشح أهلك من كان قبلكم ، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم ) رواه مسلم وغيره وعلاج ذلك كذلك في غرس تقوى الله في النفوس والتربية على مراقبة الله وأن تُفعَّل القوانين وتنفذ الحدود والتعازير وأن تُصلح أجهزة الأمن و المحاكم كي تؤدي دورها على الوجه الصحيح الحاسم لمادة الفتنة ففي البخاري معلقاً أن عاملاً لعمر بن عبدالعزيز كتب إليه أن أسوار البلد تهدمت وتحتاج إل ترميم كي تحميها من هجمات الأعداء فردَّ عليه حصِّنها بالعدل ونقِّ طُرقها من الظلم فتلك مرمتُها والسلام ومن أسباب ذلك ترك الحكم بما أنزل الله أو التقصير في ذلك قال رسول r ( وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا فيما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم شديدا) رواه الحاكم وغيره
ومن أسباب ذلك :ضعف هيبة الدولة : فإن الناس لا يردعهم إلا تقوى غالبة أو سلطان قاهر فما بالك إذا ضعُف الاثنان ، وهيبة الدولة لا تتوفر إلا بالعدل الكامل والشامل والحزم الذكي ووضع الأمور في نصابها
فوضع الندى في موضعِ السيفِ بالعُلى مُضرٌ كوضعِ السيفِ في مُوضعِ الندى
هيبة الدولة تحتاج إلى تغيير سياسات وإصلاح أجهزة وتعديل قوانين وتضحية برؤوس الفساد في أي موقعٍ كانوا بما يوجبه العدل وتقتضيه المصلحة العليا للوطن والمواطن
ولا يظن ظان أن هيبة الدولة تتوفر بالحملات العشوائية والقبض على كل أحد وإطالة السجن على من لم تثبت إدانته فإن ذلك مخالف للشريعة والدستور ومولدٌ للبغضاء والتفريق بين الحاكم والمحكوم ولا تزداد الشعوب بذلك إلا عناداً ومواجهة وهذا أمر مجرب وظاهر
المعلم الثاني : حرمة الأموال
وهي حرمة شاملة للمال العام والخاص ، أمال المال العام فيكون الاعتداء عليه بالاختلاس والرشوات والصفقات الخاسرة وتلاعب المسؤولين وهذا هو الغلول قال الله تعالى : ( ومن يغلل يات بما غل يوم القيامة ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون )
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال (قام فينا النبي r فذكر الغلول فعظمه وعظم أمره قال لا ألفين احدكم يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاء على رقبته فرس له حمحمه يقول يارسول الله أغثني فأقول لا أملك لك شيئاً قد أبلغتك وعلى رقبته صامت ـ يعني ذهب أوفضه أو غيرهما من الأموال ـ فيقول يارسول الله أغثني فأقول لا أملك لك شيئاً قد أبلغتك أوعلى رقبته رقاع تخفق فيقول يارسول الله أغثني فأقول لا أملك له شيئاً قد بلغتك) رواه البخاري
وأما الحقوق الخاصة فالاعتداء عليها يكون بالسرقة والنهب والمغالطات وفرض الإتاوات الجائرة وقطع الطريق وغير ذلك وذلك كله معروف وإنما نذكر به تذكيراً
ولكن ما يجب أن نقف عنده هو الظاهرة الغريبة التي أقلقت المجتمع وروعت الآمنين وتسببت في شلِّ حركة المسافرين والبضائع إنها ظاهرة التقطُّع التي برزت أخيراً على طريق عدن المكلا وتمادت وتطاولت حتى انتقلت إلى طريق المكلا المهرة هذة الظاهرةُ التي تُعَدُّ من أبشع الجرائم وأقبح الصور الوحشية والفساد حتى قال الله تعالى ( إنما جزآؤا الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيدِيِهم وأرجُلُهُم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزيٌ في الدنيا ولهم في الآخرة عذابٌ عظيم * إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أنَّ الله غفورٌ رحيم) ومع تلك البشاعة والقبح ومع قناعة الجميع بالنتائج الكارثية المترتبة عليها لا تزال قائمة لم يتوصل فيها إلى حل فأموال الناس وسياراتهم لا تزال في أيدي المجرمين وهم لا يزالون طُلقاء يعيثون في الأرض فساداً ولولا أمنهم من العقوبة لما تجرأوا على فعل ما فعلوه ولكنها الهيبة المفقودة والمبادرة الغائبة والضعف الظاهر في الأجهزة الأمنية والقضائية وغياب دور المجتمع كل ذلك كان عاملاً في الوصول إلى هذه الحال ونخشى أن يستفحل الأمر أكثر وأكثر
إن المواطنين الشرفاء جميعاً يطالبون بحلٍ سريعٍ وحازم يتمثل في القبض على المجرمين ومحاكمتهم المحاكمة العادلة وإقامة حد الحرابة عليهم وإرجاع مابإيديهم من أموال لأصحابها وتعويض المعتدى عليهم عن كل مالحقهم من أضرارٍ ماديةٍ ومعنويةٍ وتأمين الطرق في جميع أنحاء الجمهورية لينعم المواطن بالأمن والأمان الذي لا حياة كريمة بدونه ولا علم ولا صحة ولا تنمية في حال فقده
المعلم الثالث : حرمة الأعراض وذلك بحرمة الغيبة والقذف والشتم والسخرية بالآخرين قال الله تعالى ( والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير مااكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً) وقال تعالى (إن
الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذابٌ عظيم ) وزجر الله عن ذلك فقال ( والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً وأولئك هم الفاسقون * إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفورٌ رحيم )
المعلم الرابع : حرمة الربا وهو جريمة معروفة مجمع على تحريمها وقبحها قال رسولr ( الربا ثلاثة وسبعون باباً أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه وإن أربى الربا عرض الرجل المسلم ) رواه الحاكم
وقال r (لعن الله آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه وقال هم فيه سواء) رواه مسلم
وحسبك أنه مؤذن بحرب من الله ورسوله قال تعالى ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا مابقي من الربا إن كنتم مؤمنين * فإن لم تفعلوا فاذنوا بحربٍ من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون) وحسبك دليلاً مادياً على حرب الله للربا وأهله مانزل بأوكار الربا في أوربا وأمريكا وغيرها
المعلم الخامس : هدم دماء الجاهلية وبتعبيرنا المعاصر هدم وحرمة الثارات القبلية والجاهلية وذلك مرض من أخطر الأمراض التي تهلك الحرث والنسل وتقوض السلم الاجتماعي وتنمي الفتن والبغضاء والعداوات وعلينا جميعاً أن نتصدى لذلك المرض وتلك الآفة بالتوعية حيناً وإصلاح ذات البين حيناً آخر وبالأخذ على أيدي من يسعى لبعثها وإحيائها والحزم التام في ذلك وفرض سلطة الدولة على جميع شرائح المجتمع والمبادرة الجادة في حل قضايا الناس حتى نتجنب هذه الفتن.
المعلم السادس : بدء القائد والمعلم والمصلح بنفسه حينما يحمل مشروع الإصلاح سواءاً في تثبيت قيم الخير أو إزالة مظاهر الشر والفساد فترون كيف بدأ الرسول r بأهله وأسرته فأسقط رباهم وأبطل دمهم وذلك هو ضمان قناعة الأتباع وامتثالهم للأمر ولذلك قال شعيب عليه السلام ( وما أريد أن أخالفكم إلى ماأنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح مااستطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب)
المعلم السابع : الوصية بالنساء وتحديد حقوق الزوجين وواجباتهما ولو أن المسلمين وعوا هذه الحقوق التي سنها ديننا وقاموا بها على الوجه الصحيح لما تعرضن لهذه الحملات الظالمة والاتهامات الباطلة بأن الإسلام ضد المرأة مما جعل المنظمات العالمية للمرأة تملي علينا أهواءها وتفرض علينا شروطها وترغمنا على مخالفة قيمنا
ومن دعا الناس إلى ذمه ذموه بالحق وبالباطل
فعلينا أن نفقه هذه الأحكام وأن نحسن تطبيقها فنستغني بها عن إملاءات غيرنا ونثبت لهم أن في ديننا ما هو أعظم وأعدل مما جاءوا به ونفاخرهم بذلك .
الدعاء .....
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى