مسلم
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
فتاوى اللقاء الشهري (العثيمين) ، الجزء : 4 ، الصفحة : 53 ت
ما هو " المحكم والمتشابه " في القرآن الكريم ، ولِمَ لم يكن القرآن كله محكماً حتى لا يتأول الناس منه إلا الحق ؟
اعلم أن القرآن وصفه الله - عز وجل - بثلاثة أوصاف فوصفه بأنه محكم كله كما في قوله " تلك آيات الكتاب الحكيم " وفي قوله { كتاب أحكمت آياته } ووصفه بأنه متشابه في قوله تعالى { الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها } وهذا عام لكل القرآن فالحكم العام لكل القرآن معناه أن القرآن محكم متقن في أخباره وأحكامه وألفاظه وغير ذلك مما يتعلق به .
ومعنى كونه مشتابها أن بعضه يشبه بعضا في الكمال والجودة والتصديق والموافقة فلا نجد في القرآن أحكاما متناقضة أو أخباراً متناقضة بل كله يشهد بعضه لبعض ويصدق بعضه بعضاً ، لكن يحتاج إلى تدبر وتأمل في الآيات التي قد يكون فيما يبدو للإنسان فيها تعارض ولهذا قال الله عز وجل { أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيراً } أما الوصف الثالث للقرآن أن بعضه محكم وبعضه متشابه كما في قوله تعالى { هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وآخر متشابهات } والمحكم هنا ما كان معناه بينا ظاهراً لأن الله تعالى قابله بقوله { وآخر متشابهات } وتفسير الكلمة قد يظهر معناها بما قوبلت به .
وأنظر إلى قوله تعالى " فانفروا ثبات أو انفروا جميعاً " فإن كلمة ثبات قد تبدو مشكلة للإنسان ولكن عندما يضمها إلى ما ذكر مقابلاً لها يتبين له معناها فإن معنى قوله { فانفروا ثبات } أي متفرقين فرادي .
{ وانفروا جيمعاً } أي مجتمعين هكذا قوله تعالى { منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات } نقول إن المحكم في هذه الآية هو الذي كان معناه واضحاً غير مشتبه بحيث يعلمه عامة الناس وخاصتهم مثل قوله تعالى{ وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة } وما أشبه ذلك من الأمور الظاهرة المعنى .
ومنه آيات متشابهات ، متشابهات يخفي معناها على كثير من الناس لا يعلمها إلا الله والراسخون في العلم كما قال تعالى { واخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم } على قراءة من قراءة بالوصل وللسلف فيها قولان معروفان ، أحدهما الوقف على قوله { إلا الله } والثاني الصول .
ولكن قراءة وجه .
وأما قول السائل ما الحكمة في أن الله سبحانه وتعالى لم يجعل القرآن كله محكما بل جعل منه شيئاً متشابها فالجواب عليه من وجهينأولا أن القرآن كله محكم بالمعنى العام كما ذكرنا في أول الجواب وحتى فيما يتعلق بهذه الآية الكريمة فإننا إذا رددنا المتشابهه إلى المحكم صار معناه واضحاً بيناً وصار الجميع كله محكما .
أما الوجه الثاني فإننا نقول إن الله سبحانه وتعالى أنزل المتشابه الذي يحتاج إلى تدبر وتأمل وإرجاع إلى المحكم أنزله لحكمه وهي الابتلاء والامتحان والاختبار حيث أن بعض الناس يأخذ من هذه الآيات المتشابهات طريقاً إلى الفتنة وإلى الطعن في القرآن والتشكيك فيه ويكون بهذا ابتلاء وامتحان من الله سبحانه وتعالى له وهذا كما يكون في أحكام الله الشرعية أو آياته الشرعية كالقرآن يكون كذلك في الآيات الكونية القدرية فإن الله تعالى قد يقدر بعض الأشياء امتحاناً للإنسان يبلوه في تطبيق شريعته وانظر إلى ما ابتلى به الله أهل السبت حين حرم عليهم الحيتان في يوم السبت ابتلاهم الله عز وجل بأن تأتي الحيتان شرعاً على ظهر الماء في يوم السبت وفي غير يوم السبت لا تأتيهم لكنهم لم يصبروا على هذه المحنة فتحيلوا بالحيلة المعروفة حيث وضعوا شركا في يوم الجمعة لتقع فيه الحيتان فيأخذوا يوم الأحد فعاقبهم الله عز وجل على هذه الحيلة .
وأنظر كذلك إلى ما ابتلى الله به الصحابة رضي الله عنهم في قوله { يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم ليعلم الله من يخافه بالغيب } فابتلاهم الله بسهولة تناول الصيد وهم محرمون وصبروا رضي الله عنهم فلو يفعلوا شيئاً مما حرم الله عليهم ، هكذا أيضاً الآيات الشرعية يكون فيها الأشياء المتشابهة التي قد يكون ظاهرها التعارض ومناقضة بعضها بعضاً لكن الراسخون في العلم يعرفون كيف يجمعون بينها وكيف يؤلفون بين الآيات ، وأما أهل الفتنة والشر فإنهم يجعلون من هذا طريقاً إلى إظهار القرآن وكأنه متعارض ومتناقض { فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله } .
الشيخ ابن عثيمين
ما هو " المحكم والمتشابه " في القرآن الكريم ، ولِمَ لم يكن القرآن كله محكماً حتى لا يتأول الناس منه إلا الحق ؟
اعلم أن القرآن وصفه الله - عز وجل - بثلاثة أوصاف فوصفه بأنه محكم كله كما في قوله " تلك آيات الكتاب الحكيم " وفي قوله { كتاب أحكمت آياته } ووصفه بأنه متشابه في قوله تعالى { الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها } وهذا عام لكل القرآن فالحكم العام لكل القرآن معناه أن القرآن محكم متقن في أخباره وأحكامه وألفاظه وغير ذلك مما يتعلق به .
ومعنى كونه مشتابها أن بعضه يشبه بعضا في الكمال والجودة والتصديق والموافقة فلا نجد في القرآن أحكاما متناقضة أو أخباراً متناقضة بل كله يشهد بعضه لبعض ويصدق بعضه بعضاً ، لكن يحتاج إلى تدبر وتأمل في الآيات التي قد يكون فيما يبدو للإنسان فيها تعارض ولهذا قال الله عز وجل { أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيراً } أما الوصف الثالث للقرآن أن بعضه محكم وبعضه متشابه كما في قوله تعالى { هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وآخر متشابهات } والمحكم هنا ما كان معناه بينا ظاهراً لأن الله تعالى قابله بقوله { وآخر متشابهات } وتفسير الكلمة قد يظهر معناها بما قوبلت به .
وأنظر إلى قوله تعالى " فانفروا ثبات أو انفروا جميعاً " فإن كلمة ثبات قد تبدو مشكلة للإنسان ولكن عندما يضمها إلى ما ذكر مقابلاً لها يتبين له معناها فإن معنى قوله { فانفروا ثبات } أي متفرقين فرادي .
{ وانفروا جيمعاً } أي مجتمعين هكذا قوله تعالى { منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات } نقول إن المحكم في هذه الآية هو الذي كان معناه واضحاً غير مشتبه بحيث يعلمه عامة الناس وخاصتهم مثل قوله تعالى{ وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة } وما أشبه ذلك من الأمور الظاهرة المعنى .
ومنه آيات متشابهات ، متشابهات يخفي معناها على كثير من الناس لا يعلمها إلا الله والراسخون في العلم كما قال تعالى { واخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم } على قراءة من قراءة بالوصل وللسلف فيها قولان معروفان ، أحدهما الوقف على قوله { إلا الله } والثاني الصول .
ولكن قراءة وجه .
وأما قول السائل ما الحكمة في أن الله سبحانه وتعالى لم يجعل القرآن كله محكما بل جعل منه شيئاً متشابها فالجواب عليه من وجهينأولا أن القرآن كله محكم بالمعنى العام كما ذكرنا في أول الجواب وحتى فيما يتعلق بهذه الآية الكريمة فإننا إذا رددنا المتشابهه إلى المحكم صار معناه واضحاً بيناً وصار الجميع كله محكما .
أما الوجه الثاني فإننا نقول إن الله سبحانه وتعالى أنزل المتشابه الذي يحتاج إلى تدبر وتأمل وإرجاع إلى المحكم أنزله لحكمه وهي الابتلاء والامتحان والاختبار حيث أن بعض الناس يأخذ من هذه الآيات المتشابهات طريقاً إلى الفتنة وإلى الطعن في القرآن والتشكيك فيه ويكون بهذا ابتلاء وامتحان من الله سبحانه وتعالى له وهذا كما يكون في أحكام الله الشرعية أو آياته الشرعية كالقرآن يكون كذلك في الآيات الكونية القدرية فإن الله تعالى قد يقدر بعض الأشياء امتحاناً للإنسان يبلوه في تطبيق شريعته وانظر إلى ما ابتلى به الله أهل السبت حين حرم عليهم الحيتان في يوم السبت ابتلاهم الله عز وجل بأن تأتي الحيتان شرعاً على ظهر الماء في يوم السبت وفي غير يوم السبت لا تأتيهم لكنهم لم يصبروا على هذه المحنة فتحيلوا بالحيلة المعروفة حيث وضعوا شركا في يوم الجمعة لتقع فيه الحيتان فيأخذوا يوم الأحد فعاقبهم الله عز وجل على هذه الحيلة .
وأنظر كذلك إلى ما ابتلى الله به الصحابة رضي الله عنهم في قوله { يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم ليعلم الله من يخافه بالغيب } فابتلاهم الله بسهولة تناول الصيد وهم محرمون وصبروا رضي الله عنهم فلو يفعلوا شيئاً مما حرم الله عليهم ، هكذا أيضاً الآيات الشرعية يكون فيها الأشياء المتشابهة التي قد يكون ظاهرها التعارض ومناقضة بعضها بعضاً لكن الراسخون في العلم يعرفون كيف يجمعون بينها وكيف يؤلفون بين الآيات ، وأما أهل الفتنة والشر فإنهم يجعلون من هذا طريقاً إلى إظهار القرآن وكأنه متعارض ومتناقض { فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله } .
الشيخ ابن عثيمين
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى