خلود
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
لقاء حول المراهقة
للدكتور / ياسر عبد الكريم بكار
يجتمع
الزوجان المسلمان على الميثاق الغليظ، ويمن الله عليهما بالذرية المسلمة،
فتمتلئ جنبات البيت فرحاً وصخباً، وتمر مرحلة الطفولة بمشكلاتها المعتادة،
حتى إذا قربت مرحلة المراهقة رأى البعض أنها أزمة للأسرة ككل، ورأى آخرون
أنها مرحلة قطف الثمر.
مرحلة المراهقة هل هي أزمة حقيقية؟.
وكيف يمكن أن تفهم الأسرة المسلمة طبيعة هذه المرحلة؟.
وكيف يمكن التعامل معها؟.
هذا ما سيتناوله حوارنا مع الدكتور الفاضل ياسر عبد الكريم بكار جزاه الله خيراً.
• الدكتور
الفاضل ياسر عبد الكريم بكار، نرحب بك معنا عبر موقع المربي، ونشكر لك حسن
الاستجابة، ونسأل الله لك الأجر والمثوبة، وهل لك أن تتكرم بإعطائنا تقديم
نتعرف من خلاله على دكتور ياسر بكار.
حياكم الله، وأشكر لكم هذه الاستضافة الطيبة، وهذا تعريف مختصر:
دكتور ياسر عبد الكريم بكار، طبيب نفسي، حاصل على الدكتوراه في الطب النفسي، ومهتم بشئون الفتيان والشباب الصغار.
لي كتابان؛ الأول: حول التطوير الذاتي بعنوان: (القرار في
يديك). والثاني: صدر حديثاً عن مكتبة العبيكان حول الذكاء العاطفي بعنوان:
(القوة في يديك، كيف تنمي ذكاءك العاطفي؟).
• ماذا نقصد بمرحلة المراهقة؟.
مرحلة المراهقة تبدأ مع بلوغ الطفل الحلم، وهي كما هو معروف في
الأولاد في سن الثالثة عشرة (يتراوح بين 10- 14 سنة)، وفي البنات في عمر
الثالثة عشرة (يتراوح بين 8- 13 سنة) وتنتهي حتى سن العشرين أو الحادية
والعشرين.
أن هذه المرحلة تبدأ بمحدد بيولوجي، وهو عملية البلوغ، وتنتهي بمحدد نفسي عندما تختفي مظاهره النفسية.
• لماذا يخيفنا مصطلح المراهقة؟.
هذا أمر مدهش! فكثيراً ما أقوم باستثارة بعض أصدقائي من الشباب
والكبار للحديث عن فترة مراهقتهم، ومن الغريب تلك الاستجابة المتشابهة
التي أسمعها، فهم يشعرون بالحرج والخجل من مجرد تذكّر تلك المرحلة، وكثيراً
ما سمعت هذه العبارة: (أوه، لا تذكرني، الله لا يرد تلك الأيام!). والأمر
واضح، فنحن نحمل ذكريات سلبية كثيرة عن تلك المرحلة، فهي مرحلة مليئة
بالتناقضات؛ حيث الشعور بالتوهان والعجز والغرق في أحلام اليقظة، والرغبة
في التمرد على كل شيء، لا لسبب واضح!.
لكن الأمر ليس بهذه القتامة! فلقد حظينا بأشياء رائعة خلال تلك
المرحلة، وقد لا نذكرها، لأن طبيعة العقل البشري تحتفظ بالذكريات السيئة
فقط.
• كيف يمكن أن نفهم هذه المرحلة أكثر؟
أفضل أن نصف مرحلة المراهقة بأنها (جسر) يفصل بين مرحلتين، هي
مرحلة انتقالية، لكن لها مميزاتها الخاصة، ولها تأثيرها الكبير. وإذا أردنا
أن نتقن التعامل مع الفتيان في هذه المرحلة فيجب أن نفهمهم بشكل واضح.
سألخص مميزات هذه المرحلة في النقاط التالية:
أولاً: على المستوى الحيوي الوظيفي: يزيد مستوى بعض الهرمونات في الدم، والتي تسبب تغيرات جسدية وتسبب استيقاظاً للغريزة الجنسية.
ثانياً: انتقال نقطة الاهتمام من الأسرة إلى الأقران
والأصدقاء، فلم يعد من المهم ما يقوله والدي أو والدتي! بل هم ينتمون إلى
عالم غير العالم الذي أعيش فيه! وأصبح المهم بالنسبة إلي أن أكسب القبول
بين أقراني وأصدقائي.
ثالثاً:
توهان الهوية: حيث يجدون صعوبة في معرفة ماذا يريدون؟ وأين يسيرون؟ وكيف
سيكون مستقبلهم؟ وكيف يراهم الآخرون؟، هذه أسئلة مهمة تتردد في أعماقهم ولا
يجدون لها إجابة شافية.
رابعاً:
السعي وراء الاستقلال: وهنا تظهر على الفتى والفتاة سلوكيات نفهمها على
أنها (تمرّد)، والمعنى الخفي وراءها هو البحث عن الاستقلال، ولسان حالهم
تجاه الكبار: (لابد أن أختلف عنكم. لابد أن تكون لي شخصيتي المستقلة. لا بد
أن يكون لدي رأي يختلف عن رأيكم)!
وتظهر هذه الرغبة في الاستقلال في اتخاذ أسلوب خاص بهم في أمور
كثيرة، فمن اختيارهم (المميز) لأسلوب الترفيه إلى التخصص الجامعي إلى
الآراء في القضايا السياسية والاجتماعية وغير ذلك كثير. وقد يظهر في كثرة
الانتقاد لأسلوب العائلة أو لديكور البيت أو لملابس الأم. وقد ينفجر غضباً
عندما يوجهه الأب أو الأم بضرورة القيام بواجباته الناقصة.
ومن الشائع أن نسمع من شاب في السادسة عشر من عمره حين نسأله
عن التخصص الذي سيكمل فيه حياته فيقول: (لا ادري، لم أحدده بعد، لكن ما
أعرفه أكيد أنني لن أتخصص في مجال عمل والدي!).
• الآباء هم أكثر الناس قلقاً حول هذه المرحلة فما تعليقك؟
هذا صحيح وأنا أتفهم ذلك لكن يجب أن نقف لحظة ونتأمل في السبب،
أعتقد أن عدم قدرة الأهل على فهم طبيعة هذه المرحلة هي السبب الرئيس في
نشوء مثل هذه الخلافات. دعونا نعترف أننا لا نبذل الوقت والجهد الكافي
لتعلم الطريقة الصحيحة للتعامل مع الفتى والفتاة، ومن جميل ما يردده والدي
الدكتور عبد الكريم بكار أن الشخص في الدول المتحضرة عندما يشتري قطة،
يشتري معها كتاباً يشرح طريقة العناية بها, أما نحن فننجب عشرة من الأولاد
والبنات ولا نكلف أنفسنا أن نقرأ كتاباً واحداً عن طريقة تربيتهم الصحيحة،
وهذه مشكلة حقيقية.
كثيراً
ما يتصل علي آباء يواجهون صعوبات مع أبنائهم الفتيان، يقولون: (يا دكتور
ايش نسوي، الولد خرج من البيت منذ يومين ولم يعد، وفعل وفعل، ماذا نفعل؟)
وردي الدائم يحمل معنى مهم: لا يوجد حل سحري لهذه المشكلة، لأن هروب الفتى
من البيت وخروجه عن طاعة والديه لم يحدث فجأة، بل هو تراكم لسنوات من
الأخطاء، ولذا فإن الإصلاح يحتاج إلى تغيير جذري في كيفية التعامل مع هذا
الشاب الصغير، وفي كل الحالات التي قابلتني كان من الواضح أن هناك مشكلة في
طريقة تعامل الوالدين مع هذا الشاب الناشئ.
• في هذه المرحلة تحدث تغييرات كبيرة، والمطلوب من الفتى التوافق والانسجام معها وهذا ليس بالأمر اليسير، أليس كذلك؟
نعم بالضبط، ربما تلاحظين في حديثي أنني متعاطف مع الفتيان
والفتيات إلى حد كبير، هذا لأنني أقترب أكثر لفهم عالمهم الغريب. إنهم
يعانون حقاً ويحتاجون منا إلى الدعم والمساندة وليس إلى العتاب والمناكفة.
من الصعوبات التي نراها لدى الفتيان في هذه المرحلة تتعلق في
جزء منها بسبب قصور في التركيب العصبي لدماغهم، فكلمة: (أنت رجل وهذا لا
يليق بك) تعبير غير صحيح أبداً، كنا نعتقد أن نمو الدماغ يكتمل مع نهاية
مرحلة الطفولة، لكن الأبحاث التي أجريت في المعهد الوطني للصحة النفسية في
أمريكا تشير إلى أن دماغ الفتى بين سن الثالثة عشرة وسن العشرين ما زال
قاصراً وفي مرحلة النمو والتطور وخاصة تلك المناطق المسئولة عن اتخاذ
القرار والتقييم الصحيح للأمور وضبط النفس والانفعالات وهذا يفسر الكثير من
سلوكياتهم المثيرة للغضب.
هل
ترى معي أين التحدي هنا؟. حيث نرى شخصاً كبيراً في الجسم بشكل لا يتناسق
مع نموه العقلي والنفسي ولهذا فالكلمة التي تسمعها دائماً، (أنت كبرت على
هذا، شوف طالع نفسك في المراية، صرت رجل ولسه تقوم بكذا وكذا..) يجب أن
نفهم انه لا يوجد علاقة بين حجم الجسم والنمو العقلي والمعرفي والعاطفي،
أنا لا أقول أن الشباب الصغار يحملون عقول الأطفال، لا أبداً، لكنهم
يصارعون وضعية نفسية وعقلية مميزة لا تشابه وضعيتنا نحن الكبار ولذلك لا
نفهمهم.
من جهة أخرى، من الملاحظ أن الحديث عن الفتيان في هذه المرحلة
يتجه دوماً نحو سلوكهم المتمرد وغير المنضبط، والحقيقة أن هناك صعوبات
مهمة للغاية تواجه هذه الفئة لا يلقي لها التربويون والآباء بالاً، ومنها:
ضعف المهارات الاجتماعية، وضعف الثقة بالنفس، وتعرضهم للاستهزاء المستمر
ممن يكبرهم.
• أمام كل هذا ماذا يجب أن يفعل الآباء؟
يتعامل الآباء أمام تحدي المراهقة بأشكال مختلفة:
أولاً: الأب المهمل، الذي لا يعي كل هذه التطورات، وكل ما
يعرفه أن ابني أصبح رجلاً ولابد أن يتحمل كامل المسؤولية، ومن الواضح أن
العلاقة ستكون مضطربة، والله أعلم بالنتائج.
ثانياً:
الأب المهتم، وهو الأب الذي يعرف التحديات التي يمر بها ابنه ويحاول دائما
نصحه وتوجيهه ولسان حاله: (أنا احبك، وأنا أعرف أكثر منك، ولا بد أن
تستفيد مني). ولا يحب الشباب الصغار هذه اللهجة وهذا الأسلوب! والنتيجة
معروفة: اضطراب في العلاقة!.
ثالثاً:
الأب المتفهم، وهو الأب الذي يفهم هذه التحديات ويتيح لابنه الفتى الفرصة
لخوضها والتعامل معها مع قدر كبير من التعاطف والتفهم والمراقبة وموقف (أنا
موجود متى ما أردتني). وهذا الموقف هو الذي يعطي نتائج إيجابية في معظم
الأحيان.
هناك خمسة مهارات أساسية يجب أن يتقنها الأب في التعامل مع ابنه الفتى:
أولاً :الحب والتآخي، إذ يحتاج الفتى إلى علاقة مع أبويه مبنية
على المساندة والقبول والاحترام، والطريق إلى ذلك يكمن في الثناء عليه
والاستماع له وقضاء الأوقات الجميلة معه.
ثانياً:
راقب وتابع، يحتاج الفتى إلى من يراقب ويتابع نشاطاته وأدائه في المدرسة
وعلاقاته مع أصحابه وغير ذلك، متابعة ملئها الحب والاهتمام لا التطفل
والشك، وتصيّد الأخطاء، وإعطاء المواعظ.
ثالثاً:
ضع الحدود، يحتاج الفتى إلى وضع الحدود التي تحافظ على قوانين العائلة
بشرط أن تكون مرنة وعادلة ويمكن تطبيقها وفي قضايا ذات أهمية وأن تكون
حازمة لا تلاعب فيها.
رابعاً:
الدعم والمساندة، يحتاج الفتى إلى الدعم المستمر للقرارات التي يتخذها
ولأهدافه وأفكاره، الدعم عن طريق تقوية مهارة الاستماع والحوار الهادئ
لدينا وليس عن طريق المواعظ المكررة.
خامساً:
القدوة الحسنة، فهو يراقب ما يقوم به والده من أفعال وما يأخذه من مواقف،
قدم له النصيحة عن طريق المواقف المشرفة وهي أفضل من عشرات النصائح.
• هل يمكن أن تعطينا بعض الأفكار العملية التي يمكن أن يستعين بها الآباء في التعامل مع أبنائهم في هذه المرحلة؟
هذه بعض الأفكار وأنبه إلى أن أي طريقة جديدة سيكون لها أثر
رائع إذا ابتعدنا عن الموعظة المباشرة و(الأستاذية) المكروهة.
أولاً: الاستماع ثم الاستماع ثم الاستماع.
الاستماع من المهارات التي توصف بـ (السهل الممتنع) فهي تبدو
سهلة بأن تبقى صامتاً فحسب لكنها في الواقع من الصعوبة بمكان!.
يذكر ستيفن كوفي أن أباً جاءه يشكو سوء العلاقة بينه وبين ابنه
المراهق قائلاً: (لا أستطيع أن أفهم هذا الولد، إنه لا يسمعني). فقال له
الكاتب: (هل يمكن أن تعيد علي ما قلته). فأعاد عليه ما قاله. فرد عليه
الكاتب: أنا لا أفهم ما تقول، إذا أردت أن تفهمه لابد أن تستمع إليه أنت،
لا أن يستمع إليك هو!.
من أقوى الوسائل التي تقوي بها علاقتك بابنك أو ابنتك هو
الاستماع إليهم، إلى أحلامهم، إلى مشاعرهم. أثناء حديثهم، أظهر مشاعر
التقدير لكل ما يقولونه، تحرك إلى الأمام في كرسيك، ضع يدك على كتفه،
أحتضنه أثناء حديثه، وحرك رأسك تعبيرا عن متابعة حديثه، وكن على اتصال بصري
بعينيك معه طوال حديثه.
لكن الفعل الأهم من الاستماع هو أن تكبح جماح نفسك عن الحكم
على ما يقولونه أو سرعة توجيههم وإبداء النصح إليهم. يفهم الفتى من هذا أنه
تعرض إلى العقوبة بسبب حديثه إليك حتى لو قلت له عكس ذلك.
ثانياً:
أثر نقاشاً حول قضية ما ثم أتح له الفرصة للتعبير عن رأيه، من المهم أن لا
يفهم أنه يلزم أن يتفق معك في الرأي بل دعه يعبر عن رأيه وإياك أن تحتقر
هذا الرأي مهما كان غريباً أو شاذاً. ومثال ذلك: قل لو كنت واقفاً مع
مجموعة من الأصدقاء واخرج احدهم سيجارة ليدخنها فماذا ستفعل؟ مهما كان رأيك
فهذا لا يهم، المهم هو أن تستمع له وتحاوره وتتطور معه في النقاش، (طيب لو
فعلت كذا وغضب منك ماذا ستفعل؟) احذر من فرض رأيك، فالمهم هو أن تحاوره
بهدوء واستثارة أفكاره وطريقة حكمه على الآخرين.
ثالثاً:
اخرج مع ابنك أو ابنتك إلى مطعم أنيق تماماً كما كنت تفعل مع زوجتك في
أيام الزواج الأولى، ليس لأيّ غرض سوى أن تقضيا معاً وقتاً جميلاً، واحذر
من أن يكون لهذه النزهة أي غرض، أو لاستثارة أي موضوع مهما كان أهميته.
رابعاً: اشتركا سوياً في عمل خيري أو مشروع معين، بحيث يشعر بالاحترام والتقدير والمشاركة.
خامساً:
من التقنيات الجميلة أيضاً أن يحدث الأب ابنه الفتى، وتحدث الأم ابنتها
الفتاة عن المصاعب التي يمرون بها بأسلوب قصصي عن أنفسهم.
فمثلاً تحدث الأم فتاتها: (عندما كنت في سنك كانت لدي صديقة
أسمها ليلى، وقد أخبرت ليلى عن سر خاص، ولكني بعد أسبوع علمت أنها أخبرت به
صديقتها سعاد!). وهكذا يمكن أن تحكي لها تطورات تضمنها الدرس الذي تريد أن
تعلمها إياه. وهكذا نكون قد استخدمنا أسلوباً جذاباً بعيدا عن الوعظ.
• كلمة أخيره توجهها للآباء؟.
ختاماً: كلمة للآباء، توقع أن تواجه الصعوبات في رحلتك
التربوية مع ابنك الفتى رغم كل الجهد والحرص الذي تبذله، هذا أمر معاناة
مشتركة على مستوى العالم، واقبل أن ترتكب أنت بعض الأخطاء، فهذا أمر طبيعي.
إنها مهمة صعبة، ولكنها تستحق منا التضحية والعطاء.
وفق الله الجميع إلى ما يحب ويرضى.
للدكتور / ياسر عبد الكريم بكار
يجتمع
الزوجان المسلمان على الميثاق الغليظ، ويمن الله عليهما بالذرية المسلمة،
فتمتلئ جنبات البيت فرحاً وصخباً، وتمر مرحلة الطفولة بمشكلاتها المعتادة،
حتى إذا قربت مرحلة المراهقة رأى البعض أنها أزمة للأسرة ككل، ورأى آخرون
أنها مرحلة قطف الثمر.
مرحلة المراهقة هل هي أزمة حقيقية؟.
وكيف يمكن أن تفهم الأسرة المسلمة طبيعة هذه المرحلة؟.
وكيف يمكن التعامل معها؟.
هذا ما سيتناوله حوارنا مع الدكتور الفاضل ياسر عبد الكريم بكار جزاه الله خيراً.
• الدكتور
الفاضل ياسر عبد الكريم بكار، نرحب بك معنا عبر موقع المربي، ونشكر لك حسن
الاستجابة، ونسأل الله لك الأجر والمثوبة، وهل لك أن تتكرم بإعطائنا تقديم
نتعرف من خلاله على دكتور ياسر بكار.
حياكم الله، وأشكر لكم هذه الاستضافة الطيبة، وهذا تعريف مختصر:
دكتور ياسر عبد الكريم بكار، طبيب نفسي، حاصل على الدكتوراه في الطب النفسي، ومهتم بشئون الفتيان والشباب الصغار.
لي كتابان؛ الأول: حول التطوير الذاتي بعنوان: (القرار في
يديك). والثاني: صدر حديثاً عن مكتبة العبيكان حول الذكاء العاطفي بعنوان:
(القوة في يديك، كيف تنمي ذكاءك العاطفي؟).
• ماذا نقصد بمرحلة المراهقة؟.
مرحلة المراهقة تبدأ مع بلوغ الطفل الحلم، وهي كما هو معروف في
الأولاد في سن الثالثة عشرة (يتراوح بين 10- 14 سنة)، وفي البنات في عمر
الثالثة عشرة (يتراوح بين 8- 13 سنة) وتنتهي حتى سن العشرين أو الحادية
والعشرين.
أن هذه المرحلة تبدأ بمحدد بيولوجي، وهو عملية البلوغ، وتنتهي بمحدد نفسي عندما تختفي مظاهره النفسية.
• لماذا يخيفنا مصطلح المراهقة؟.
هذا أمر مدهش! فكثيراً ما أقوم باستثارة بعض أصدقائي من الشباب
والكبار للحديث عن فترة مراهقتهم، ومن الغريب تلك الاستجابة المتشابهة
التي أسمعها، فهم يشعرون بالحرج والخجل من مجرد تذكّر تلك المرحلة، وكثيراً
ما سمعت هذه العبارة: (أوه، لا تذكرني، الله لا يرد تلك الأيام!). والأمر
واضح، فنحن نحمل ذكريات سلبية كثيرة عن تلك المرحلة، فهي مرحلة مليئة
بالتناقضات؛ حيث الشعور بالتوهان والعجز والغرق في أحلام اليقظة، والرغبة
في التمرد على كل شيء، لا لسبب واضح!.
لكن الأمر ليس بهذه القتامة! فلقد حظينا بأشياء رائعة خلال تلك
المرحلة، وقد لا نذكرها، لأن طبيعة العقل البشري تحتفظ بالذكريات السيئة
فقط.
• كيف يمكن أن نفهم هذه المرحلة أكثر؟
أفضل أن نصف مرحلة المراهقة بأنها (جسر) يفصل بين مرحلتين، هي
مرحلة انتقالية، لكن لها مميزاتها الخاصة، ولها تأثيرها الكبير. وإذا أردنا
أن نتقن التعامل مع الفتيان في هذه المرحلة فيجب أن نفهمهم بشكل واضح.
سألخص مميزات هذه المرحلة في النقاط التالية:
أولاً: على المستوى الحيوي الوظيفي: يزيد مستوى بعض الهرمونات في الدم، والتي تسبب تغيرات جسدية وتسبب استيقاظاً للغريزة الجنسية.
ثانياً: انتقال نقطة الاهتمام من الأسرة إلى الأقران
والأصدقاء، فلم يعد من المهم ما يقوله والدي أو والدتي! بل هم ينتمون إلى
عالم غير العالم الذي أعيش فيه! وأصبح المهم بالنسبة إلي أن أكسب القبول
بين أقراني وأصدقائي.
ثالثاً:
توهان الهوية: حيث يجدون صعوبة في معرفة ماذا يريدون؟ وأين يسيرون؟ وكيف
سيكون مستقبلهم؟ وكيف يراهم الآخرون؟، هذه أسئلة مهمة تتردد في أعماقهم ولا
يجدون لها إجابة شافية.
رابعاً:
السعي وراء الاستقلال: وهنا تظهر على الفتى والفتاة سلوكيات نفهمها على
أنها (تمرّد)، والمعنى الخفي وراءها هو البحث عن الاستقلال، ولسان حالهم
تجاه الكبار: (لابد أن أختلف عنكم. لابد أن تكون لي شخصيتي المستقلة. لا بد
أن يكون لدي رأي يختلف عن رأيكم)!
وتظهر هذه الرغبة في الاستقلال في اتخاذ أسلوب خاص بهم في أمور
كثيرة، فمن اختيارهم (المميز) لأسلوب الترفيه إلى التخصص الجامعي إلى
الآراء في القضايا السياسية والاجتماعية وغير ذلك كثير. وقد يظهر في كثرة
الانتقاد لأسلوب العائلة أو لديكور البيت أو لملابس الأم. وقد ينفجر غضباً
عندما يوجهه الأب أو الأم بضرورة القيام بواجباته الناقصة.
ومن الشائع أن نسمع من شاب في السادسة عشر من عمره حين نسأله
عن التخصص الذي سيكمل فيه حياته فيقول: (لا ادري، لم أحدده بعد، لكن ما
أعرفه أكيد أنني لن أتخصص في مجال عمل والدي!).
• الآباء هم أكثر الناس قلقاً حول هذه المرحلة فما تعليقك؟
هذا صحيح وأنا أتفهم ذلك لكن يجب أن نقف لحظة ونتأمل في السبب،
أعتقد أن عدم قدرة الأهل على فهم طبيعة هذه المرحلة هي السبب الرئيس في
نشوء مثل هذه الخلافات. دعونا نعترف أننا لا نبذل الوقت والجهد الكافي
لتعلم الطريقة الصحيحة للتعامل مع الفتى والفتاة، ومن جميل ما يردده والدي
الدكتور عبد الكريم بكار أن الشخص في الدول المتحضرة عندما يشتري قطة،
يشتري معها كتاباً يشرح طريقة العناية بها, أما نحن فننجب عشرة من الأولاد
والبنات ولا نكلف أنفسنا أن نقرأ كتاباً واحداً عن طريقة تربيتهم الصحيحة،
وهذه مشكلة حقيقية.
كثيراً
ما يتصل علي آباء يواجهون صعوبات مع أبنائهم الفتيان، يقولون: (يا دكتور
ايش نسوي، الولد خرج من البيت منذ يومين ولم يعد، وفعل وفعل، ماذا نفعل؟)
وردي الدائم يحمل معنى مهم: لا يوجد حل سحري لهذه المشكلة، لأن هروب الفتى
من البيت وخروجه عن طاعة والديه لم يحدث فجأة، بل هو تراكم لسنوات من
الأخطاء، ولذا فإن الإصلاح يحتاج إلى تغيير جذري في كيفية التعامل مع هذا
الشاب الصغير، وفي كل الحالات التي قابلتني كان من الواضح أن هناك مشكلة في
طريقة تعامل الوالدين مع هذا الشاب الناشئ.
• في هذه المرحلة تحدث تغييرات كبيرة، والمطلوب من الفتى التوافق والانسجام معها وهذا ليس بالأمر اليسير، أليس كذلك؟
نعم بالضبط، ربما تلاحظين في حديثي أنني متعاطف مع الفتيان
والفتيات إلى حد كبير، هذا لأنني أقترب أكثر لفهم عالمهم الغريب. إنهم
يعانون حقاً ويحتاجون منا إلى الدعم والمساندة وليس إلى العتاب والمناكفة.
من الصعوبات التي نراها لدى الفتيان في هذه المرحلة تتعلق في
جزء منها بسبب قصور في التركيب العصبي لدماغهم، فكلمة: (أنت رجل وهذا لا
يليق بك) تعبير غير صحيح أبداً، كنا نعتقد أن نمو الدماغ يكتمل مع نهاية
مرحلة الطفولة، لكن الأبحاث التي أجريت في المعهد الوطني للصحة النفسية في
أمريكا تشير إلى أن دماغ الفتى بين سن الثالثة عشرة وسن العشرين ما زال
قاصراً وفي مرحلة النمو والتطور وخاصة تلك المناطق المسئولة عن اتخاذ
القرار والتقييم الصحيح للأمور وضبط النفس والانفعالات وهذا يفسر الكثير من
سلوكياتهم المثيرة للغضب.
هل
ترى معي أين التحدي هنا؟. حيث نرى شخصاً كبيراً في الجسم بشكل لا يتناسق
مع نموه العقلي والنفسي ولهذا فالكلمة التي تسمعها دائماً، (أنت كبرت على
هذا، شوف طالع نفسك في المراية، صرت رجل ولسه تقوم بكذا وكذا..) يجب أن
نفهم انه لا يوجد علاقة بين حجم الجسم والنمو العقلي والمعرفي والعاطفي،
أنا لا أقول أن الشباب الصغار يحملون عقول الأطفال، لا أبداً، لكنهم
يصارعون وضعية نفسية وعقلية مميزة لا تشابه وضعيتنا نحن الكبار ولذلك لا
نفهمهم.
من جهة أخرى، من الملاحظ أن الحديث عن الفتيان في هذه المرحلة
يتجه دوماً نحو سلوكهم المتمرد وغير المنضبط، والحقيقة أن هناك صعوبات
مهمة للغاية تواجه هذه الفئة لا يلقي لها التربويون والآباء بالاً، ومنها:
ضعف المهارات الاجتماعية، وضعف الثقة بالنفس، وتعرضهم للاستهزاء المستمر
ممن يكبرهم.
• أمام كل هذا ماذا يجب أن يفعل الآباء؟
يتعامل الآباء أمام تحدي المراهقة بأشكال مختلفة:
أولاً: الأب المهمل، الذي لا يعي كل هذه التطورات، وكل ما
يعرفه أن ابني أصبح رجلاً ولابد أن يتحمل كامل المسؤولية، ومن الواضح أن
العلاقة ستكون مضطربة، والله أعلم بالنتائج.
ثانياً:
الأب المهتم، وهو الأب الذي يعرف التحديات التي يمر بها ابنه ويحاول دائما
نصحه وتوجيهه ولسان حاله: (أنا احبك، وأنا أعرف أكثر منك، ولا بد أن
تستفيد مني). ولا يحب الشباب الصغار هذه اللهجة وهذا الأسلوب! والنتيجة
معروفة: اضطراب في العلاقة!.
ثالثاً:
الأب المتفهم، وهو الأب الذي يفهم هذه التحديات ويتيح لابنه الفتى الفرصة
لخوضها والتعامل معها مع قدر كبير من التعاطف والتفهم والمراقبة وموقف (أنا
موجود متى ما أردتني). وهذا الموقف هو الذي يعطي نتائج إيجابية في معظم
الأحيان.
هناك خمسة مهارات أساسية يجب أن يتقنها الأب في التعامل مع ابنه الفتى:
أولاً :الحب والتآخي، إذ يحتاج الفتى إلى علاقة مع أبويه مبنية
على المساندة والقبول والاحترام، والطريق إلى ذلك يكمن في الثناء عليه
والاستماع له وقضاء الأوقات الجميلة معه.
ثانياً:
راقب وتابع، يحتاج الفتى إلى من يراقب ويتابع نشاطاته وأدائه في المدرسة
وعلاقاته مع أصحابه وغير ذلك، متابعة ملئها الحب والاهتمام لا التطفل
والشك، وتصيّد الأخطاء، وإعطاء المواعظ.
ثالثاً:
ضع الحدود، يحتاج الفتى إلى وضع الحدود التي تحافظ على قوانين العائلة
بشرط أن تكون مرنة وعادلة ويمكن تطبيقها وفي قضايا ذات أهمية وأن تكون
حازمة لا تلاعب فيها.
رابعاً:
الدعم والمساندة، يحتاج الفتى إلى الدعم المستمر للقرارات التي يتخذها
ولأهدافه وأفكاره، الدعم عن طريق تقوية مهارة الاستماع والحوار الهادئ
لدينا وليس عن طريق المواعظ المكررة.
خامساً:
القدوة الحسنة، فهو يراقب ما يقوم به والده من أفعال وما يأخذه من مواقف،
قدم له النصيحة عن طريق المواقف المشرفة وهي أفضل من عشرات النصائح.
• هل يمكن أن تعطينا بعض الأفكار العملية التي يمكن أن يستعين بها الآباء في التعامل مع أبنائهم في هذه المرحلة؟
هذه بعض الأفكار وأنبه إلى أن أي طريقة جديدة سيكون لها أثر
رائع إذا ابتعدنا عن الموعظة المباشرة و(الأستاذية) المكروهة.
أولاً: الاستماع ثم الاستماع ثم الاستماع.
الاستماع من المهارات التي توصف بـ (السهل الممتنع) فهي تبدو
سهلة بأن تبقى صامتاً فحسب لكنها في الواقع من الصعوبة بمكان!.
يذكر ستيفن كوفي أن أباً جاءه يشكو سوء العلاقة بينه وبين ابنه
المراهق قائلاً: (لا أستطيع أن أفهم هذا الولد، إنه لا يسمعني). فقال له
الكاتب: (هل يمكن أن تعيد علي ما قلته). فأعاد عليه ما قاله. فرد عليه
الكاتب: أنا لا أفهم ما تقول، إذا أردت أن تفهمه لابد أن تستمع إليه أنت،
لا أن يستمع إليك هو!.
من أقوى الوسائل التي تقوي بها علاقتك بابنك أو ابنتك هو
الاستماع إليهم، إلى أحلامهم، إلى مشاعرهم. أثناء حديثهم، أظهر مشاعر
التقدير لكل ما يقولونه، تحرك إلى الأمام في كرسيك، ضع يدك على كتفه،
أحتضنه أثناء حديثه، وحرك رأسك تعبيرا عن متابعة حديثه، وكن على اتصال بصري
بعينيك معه طوال حديثه.
لكن الفعل الأهم من الاستماع هو أن تكبح جماح نفسك عن الحكم
على ما يقولونه أو سرعة توجيههم وإبداء النصح إليهم. يفهم الفتى من هذا أنه
تعرض إلى العقوبة بسبب حديثه إليك حتى لو قلت له عكس ذلك.
ثانياً:
أثر نقاشاً حول قضية ما ثم أتح له الفرصة للتعبير عن رأيه، من المهم أن لا
يفهم أنه يلزم أن يتفق معك في الرأي بل دعه يعبر عن رأيه وإياك أن تحتقر
هذا الرأي مهما كان غريباً أو شاذاً. ومثال ذلك: قل لو كنت واقفاً مع
مجموعة من الأصدقاء واخرج احدهم سيجارة ليدخنها فماذا ستفعل؟ مهما كان رأيك
فهذا لا يهم، المهم هو أن تستمع له وتحاوره وتتطور معه في النقاش، (طيب لو
فعلت كذا وغضب منك ماذا ستفعل؟) احذر من فرض رأيك، فالمهم هو أن تحاوره
بهدوء واستثارة أفكاره وطريقة حكمه على الآخرين.
ثالثاً:
اخرج مع ابنك أو ابنتك إلى مطعم أنيق تماماً كما كنت تفعل مع زوجتك في
أيام الزواج الأولى، ليس لأيّ غرض سوى أن تقضيا معاً وقتاً جميلاً، واحذر
من أن يكون لهذه النزهة أي غرض، أو لاستثارة أي موضوع مهما كان أهميته.
رابعاً: اشتركا سوياً في عمل خيري أو مشروع معين، بحيث يشعر بالاحترام والتقدير والمشاركة.
خامساً:
من التقنيات الجميلة أيضاً أن يحدث الأب ابنه الفتى، وتحدث الأم ابنتها
الفتاة عن المصاعب التي يمرون بها بأسلوب قصصي عن أنفسهم.
فمثلاً تحدث الأم فتاتها: (عندما كنت في سنك كانت لدي صديقة
أسمها ليلى، وقد أخبرت ليلى عن سر خاص، ولكني بعد أسبوع علمت أنها أخبرت به
صديقتها سعاد!). وهكذا يمكن أن تحكي لها تطورات تضمنها الدرس الذي تريد أن
تعلمها إياه. وهكذا نكون قد استخدمنا أسلوباً جذاباً بعيدا عن الوعظ.
• كلمة أخيره توجهها للآباء؟.
ختاماً: كلمة للآباء، توقع أن تواجه الصعوبات في رحلتك
التربوية مع ابنك الفتى رغم كل الجهد والحرص الذي تبذله، هذا أمر معاناة
مشتركة على مستوى العالم، واقبل أن ترتكب أنت بعض الأخطاء، فهذا أمر طبيعي.
إنها مهمة صعبة، ولكنها تستحق منا التضحية والعطاء.
وفق الله الجميع إلى ما يحب ويرضى.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى