بنت الاسلام
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
ولا فرق بين مسلم وكافر، وكبير وصغير، ورجل وامرأة، وصديق وعدو في مبدأ
تطبيق العدل. وقد نادى? عباده جل وعلا وأمرهم بالقسط والعدل، حتى? مع من لا
يحبهم ولا يسير على? نهجهم، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ
شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ
لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)
..
الله -جل جلاله- هو الحكم العدل، ولكمال عدله، وجلال فضله، أقام
السماوات والأرض وما فيهن على العدل، وارتضاه لنفسه، وتسمى به، واتصف به،
وأحب أهله، وامتن على الأمة المحمدية بمنَّتَين في العدل، الأولى في قوله
تعالى: (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)
[الأنعام:115]، فهو يمتن على هذه الأمة بأنه أتم لها الدين، وأكمل لها
المنهج، وحفظه من التحريف، هو منهاج قام على الصدق في الأخبار، والعدل في
الأحكام.
أما المنة الثانية فتتجلى في قوله تعالى: (وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) [الأعراف:181]، وهي هذه الأمة، فإن من فضل الله عليها أن جعل فيها مَن يظل قائما بالعدل، ناطقا بالحق إلى قيام الساعة.
والمقسط هو الله تعالى، وهو يحب المقسطين، (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)
[المائدة:42]، وهو بمعنى العدل، وقد شهد على نفسه -جل وعلا- بأنه القائم
بالقسط، والفرق بين العادل والمقسط أن العادل لا يظلم ولا يجور، ويعطي كل
ذي حق حقه، والمقسط يزيد على ذلك بأن ينتصف للمظلوم من الظالم، ويعدل
بينهما، وهذا غاية العدل، ولا يقدر عليه إلا الملك الحق -جل وعلا-، فهو آخذ
للمظلوم حقه، وناصر له -لا محالة- إما في الدنيا، وإما في الآخرة.
وهذا الحكم العدل المقسط سبحانه يضع موازين العدل يوم القيامة، فلا يظلم
الناس مثقال ذرة أو حبة من خردل، فاستمع إليه تعالى حيث يقول: (وَنَضَعُ
الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ
شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا
وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ) [الأنبياء:47].
والعدل هو الذي يتصرف في عباده بالحق، فهو عدل في قوله، وفعله، وقضائه،
وقدَره، وأمره، ونهيه، وثوابه، وعقابه، أوضح السبل، وأرسل الرسل، وأنزل
الكتب، وأزاح العلل، وأظهر الحجج؛ ليقوم الناس بالقسط، وتسير الأمم بالعدل،
وقد أمر -جل وعلا- عباده المؤمنين أن يحكموا بالعدل، وأن يأخذوا بالقسط، (إِنَّ
اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا
وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) [النساء:58]، وقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى) [النحل:90].
ولا فرق بين مسلم وكافر، وكبير وصغير، ورجل وامرأة، وصديق وعدو في مبدأ تطبيق العدل؛
وأمر بالعدل، والحكم بالحق، حتى لو كان ذلك على الإنسان نفسه، أو أقريب قريب له، قال تعالى: (يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ
لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) [النساء:135].
ولا فرق بين مسلم وكافر، وكبير وصغير، ورجل وامرأة، وصديق وعدو في مبدأ
تطبيق العدل. وقد نادى عباده جل وعلا وأمرهم بالقسط والعدل، حتى مع من لا
يحبهم ولا يسير على نهجهم، قال تعالى: (يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ
بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا
اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ
خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [المائدة:8].
أرسل النبي -صلى الله عليه وسلم- عبد الله بن رواحة يقدر على أهل خيبر من
اليهود محصولهم بعد فتح خيبر، فحاول اليهود رشوته ليرفق بهم ولا يجور
عليهم، فقال لهم: والله لقد جئتكم من عند أحب الناس إليَّ، ولأنتم أبغض
إليَّ من عدتكم من القردة والخنازير، ولا يحملني بغضي إياكم وحبي إياه على
أن لا أعدل عليكم.فقالوا: بهذا قامت السموات والأرض.أخرجه ابن حبان في
صحيحه.
هذه هي العدالة الحق التي لم تعرفها الدنيا على حقيقتها إلا في منهاج
الإسلام؛ فكم من مذاهب وفرق ودول وأمم تضع قوانين للعدالة، وترسم خططا
للمساواة، وتكتب مجلدات في الإنصاف، وتتبجح بأنها تحب العدل أو تحمي العدل،
أو ترعي العدل، ولكنها مزاعم كاذبة يدحضها التاريخ، ويكذبها الواقع، لأنها
مجرد أفكار وآراء تطرح لكنه ليس لها قلوب زكية، وأنفس تقية تتمثلها وتعمل
بها.أما الإسلام فإنه طهر القلوب، وزكى الأنفس، ونقى الضمائر، وأنار
الأفئدة، فسعت إلى العدل، وهفت للقسط، وعشقت المثل.
ولقد حرم -جل شأنه- الظلم على نفسه، وحرمه على عباده، وجعله بينهم محرما، فقال تعالى في الحديث القدسي: "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا" أخرجه مسلم، ونفى -جل شأنه- عن نفسه الظلم في آيات كثيرة: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [يونس:44]، (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ) [النساء:40].
فالظلم ذنب أعظم، وجرم أكبر، وداء أخطر، أبيدت بسببه أمم، ومحقت دول، وأفنيت ممالك، (وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا) [الكهف:59]، (فَكَأَيِّنْ
مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى
عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ) [الحج:45]، أهله ملعونون, وحملته ممحوقون، وأتباعه ممقوتون.يقول تعالى: (أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) [هود:18]، الظلم على الخالق، وجور على المخلوق، ومخالفة للقوانين، ومضادة للشرائع، ومحادة للحق، وتمكين للباطل.
يمحق البركات، ويطيش بالحسنات، ويؤدي للهلكات؛ لا يسلم أصحابه من شؤمه، ولا
ينجو أتباعه من لؤمه، مرتعه وخيم، ومصير أهله أليم، وعذابهم عظيم: (وَقُلِ
الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ
فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ
سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي
الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا) [الكهف:29].
وإن من أقبح الظلم، وأظلم الظلم، الشرك بالله تعالى، فهو القائل: (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)
[لقمان:13]، إنه ظلم؛ لأنه وضع للشيء في غير موضعه.إنه ظلم؛ لأنه تعد على
الخالق، وتنكر للباري، وكفران للمنعم.وإن الظلم -بشتى أنواعه، وجميع صنوفه-
محرم في الدين، ممنوع في الإسلام، تزل به القدم، ونهايته الندم.
وقد يُغَرُّ الظالم بإمهال الله له، فيتمادى في ظلمه، ويزيد في بغيه،
ويتباهى في جوره، ويمكرون، ويمكر الله.يقول -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله لَيُمْلِي للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته"، ثم قرأ قوله تعالى: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) [هود:102]" أخرجه البخاري.
إن الظلمَ هو بمعنى وضْع الشيء في غير موضعه، سواء بزيادة أو نقص، إنه
الخروج عن الاعتدال في جميع الأمور، وهو ظلمه على صاحبه، وطمس لبصيرته،
يقول -صلى الله عليه وسلم-: "إياكم والظلمَ! فإن الظلم ظلمات يوم القيامة" أخرجه أحمد وصححه الحاكم وابن حبان.
وذلك لأن الظلم إنما ينشأ عن ظلمة القلب، ولو استنار بنور الهدى لفاز
وأفلح، فإذا سعى المتقون بنور إيمانهم، وضياء عدلهم يوم القيامة، اكتنفت
ظلمات الظلم الظالمين، وتردت بهم في أوديه جهنم، ورد في بعض الآثار: "إذا كان يوم القيامة يجتمع الظلَمة وأعوانهم، ومَنْ قَرَّبَ لهم دواة، وبرى لهم قلما، فيُجْعَلون في تابوت، ويُلقَوْنَ في جهنَّم".
إنَّ مِن أعظم ما يُسَلِّي المظلومين أن دعواتهم لا ترد، ومظالمهم لا تضيع،
ونداءهم لا يخيب؛ إن الظلم قهرٌ للنفس، وتمزيق للروح، وتشتيت للذهن،
وترويع للقلب، وسحق للمشاعر؛ وغالبا ما يقع على الضعيف الذي لا يجد مَن
ينصره، ولا يقدر على رفع الظلم عنه، وهنا تتدخل القوة الربانية، والحكمة
الإلهية، والعدالة السماوية، لترفع الظلم، وتخفف الهم، وتأسو الجرح، وتطيب
الخاطر، وترد الكرامة، فلا يموت المظلوم غالبا قبل أن يرى في ظالمه ما يشفي
غلته، ويبرد حرقته.
وإن لم يتم له ذلك فسوف يُقْتَصُّ له في موقف عصيب، ويوم مهيب،( فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ) [الزخرف:65]، وقال تعالى: (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ) [إبراهيم:42]، وقال تعالى: (وَلَوْ
أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الْأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ
وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ
بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) [يونس:54].
قال -صلى الله عليه وسلم-: "اتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب" أخرجه البخاري، وإن من كمال عدله -جل وعلا- أن يقبل دعوة المظلوم وينتصر له وإن كان كافراً، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "اتقوا دعوة المظلوم وإن كان كافراً؛ فإنه ليس دونها حجاب"، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "دعوة المظلوم مستجابة، وإن كان فاجرا ففجوره على نفسه" أخرجه أحمد وحسَّنه المنذري.
ولذلك فإن الله تعالى ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ويمحق الظالمة وإن كانت مسلمة.
وفي الحديث الآخر: "اتقوا دعوة المظلوم، فإنها تحمل على الغمام" ويقول الله: "وعزتي وجلالي لَأَنْصُرَنَّكَ ولو بعد حين"، ويقول -صلى الله عليه وسلم-: "ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم" أخرجه الترمذي وصححه ابن خزيمة وابن حبان.
إن كثيرا من الظلَّمَة يهتكون الأستار، ويغتصبون الحقوق، وينتهكون الحرمات،
ويبتزون الضعفاء، ويسحقون الفقراء، ثم ينامون فرحين مسرورين بما حققوا،
ولم يعلموا أن هنالك قلوبا تتقطع، وأنفساً تتحسر، ودمعات تنثر، وآهات تصعد،
وأكفاً ترفعُ دعاءً ورجاء، وحرقة وبكاء؛ وأنظاراً تتطلع إلى السماء، فلن
تذهب سدى، أو تمضي هدرا، سيأتيها النصر ولو بعد حين.
هُوَ اللهُ مِنْ كُلِّ الكَبِيرِينَ أَكْبَرُ *** لَهُ القُوَّةُ العُظْمَى الَّتي ليسَ تُقْهَرُ
هُو اللهُ مَهْما اشتدَّ للظُّلم ساعِدٌ *** فإِنَّ لهُ يوماً مِن الدَّهْرِ يُكسَرُ
هُوَ اللهُ مَنْ يأْوِي إلى ظِلِّ عَدْلِهِ *** يُحلَّى بأفْنانِ العطَايا ويُنْصَرُ
يُمَرِّغُ أَنْفَ البَغْيِ مَهْمَا تبجَّحَتْ *** مَقُولاتُهُ أَوْ قام يزهو ويَفْخَرُ
ورد في الأثر: "خمسٌ مَن كُنَّ فيه كن عليه: النكث، والمكر، والخداع، والبغي، والظلم، أما النكث فقال تعالى (فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ) [الفتح:10]، وأما الخداع فقوله تعالى: (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ) [البقرة:9]، وأما البغي فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ) [يونس:23]، وأما الظلم فقال تعالى: (فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [التوبة:70]، وأما المكر فقوله تعالى: (وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ) [فاطر:43].
إن الظلم شر أكيد، وداء مبيد، وإنه من كبائر الذنوب، وعظائم المعاصي، وإن
المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه، كما أخبر -صلى الله عليه وسلم-، أي
لا يرضى أن يظلمه، ولا يسلمه، ولا يتركه لأحد يظلمه وهو يقدر على نصرته.
إن الظلم داء مهلك، ووباء فاتك، إنه دليل على سوء الطبع، وخبث النفس، وخسة
الهمة؛ إنه خروج على قوانين الكون، وشذوذ عن نواميس الطبيعة، ومعاكسة
للفطرة السليمة؛ إن أهله وحوش ضارية، وسباع فاتكة.
إن الظالم مختل عن إنسانيته، عابد لأنانيته، مظلم قلبه, معتم فكره, مُلئَ
كِبْراً، وتاه بطراً، وشُحن غروراً، لا تنفعه العِبَر، ولا تُفيده المواعظ،
ولا يستفيد من الأحداث؛ وإن الأمم إذا وصل بها الحال أن تسكت للظلم، وترضى
بالجور، وترضخ للبغي، دون نصح للظالم، أو تنبيه للباغي، فقد أهلت نفسها؛
لمقت الله وغضبه وسحقه وهلاكه.
ولقد حذر الله تعالى إمام العادلين، وسيد المقسطين من الظلم والطغيان، أو الركون إلى أهله، والمخالطة لأربابه، فقال تعالى: (فَاسْتَقِمْ
كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا
تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا
فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ
ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ) [هود:112-113].
فَوَيْلٌ لِمنْ يَسْتَمْرِئُ الظُّلْمَ إِنَّهُ *** غَمامٌ على هَامَاتِهم سوفَ يُمْطِرُ
لقَدْ غَرَّ عاداً قوَّةٌ في عتادِها *** فطَارَتْ بِهَا رِيحٌ مِن اللهِ صَرْصَرُ
تطبيق العدل. وقد نادى? عباده جل وعلا وأمرهم بالقسط والعدل، حتى? مع من لا
يحبهم ولا يسير على? نهجهم، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ
شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ
لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)
..
الله -جل جلاله- هو الحكم العدل، ولكمال عدله، وجلال فضله، أقام
السماوات والأرض وما فيهن على العدل، وارتضاه لنفسه، وتسمى به، واتصف به،
وأحب أهله، وامتن على الأمة المحمدية بمنَّتَين في العدل، الأولى في قوله
تعالى: (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)
[الأنعام:115]، فهو يمتن على هذه الأمة بأنه أتم لها الدين، وأكمل لها
المنهج، وحفظه من التحريف، هو منهاج قام على الصدق في الأخبار، والعدل في
الأحكام.
أما المنة الثانية فتتجلى في قوله تعالى: (وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) [الأعراف:181]، وهي هذه الأمة، فإن من فضل الله عليها أن جعل فيها مَن يظل قائما بالعدل، ناطقا بالحق إلى قيام الساعة.
والمقسط هو الله تعالى، وهو يحب المقسطين، (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)
[المائدة:42]، وهو بمعنى العدل، وقد شهد على نفسه -جل وعلا- بأنه القائم
بالقسط، والفرق بين العادل والمقسط أن العادل لا يظلم ولا يجور، ويعطي كل
ذي حق حقه، والمقسط يزيد على ذلك بأن ينتصف للمظلوم من الظالم، ويعدل
بينهما، وهذا غاية العدل، ولا يقدر عليه إلا الملك الحق -جل وعلا-، فهو آخذ
للمظلوم حقه، وناصر له -لا محالة- إما في الدنيا، وإما في الآخرة.
وهذا الحكم العدل المقسط سبحانه يضع موازين العدل يوم القيامة، فلا يظلم
الناس مثقال ذرة أو حبة من خردل، فاستمع إليه تعالى حيث يقول: (وَنَضَعُ
الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ
شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا
وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ) [الأنبياء:47].
والعدل هو الذي يتصرف في عباده بالحق، فهو عدل في قوله، وفعله، وقضائه،
وقدَره، وأمره، ونهيه، وثوابه، وعقابه، أوضح السبل، وأرسل الرسل، وأنزل
الكتب، وأزاح العلل، وأظهر الحجج؛ ليقوم الناس بالقسط، وتسير الأمم بالعدل،
وقد أمر -جل وعلا- عباده المؤمنين أن يحكموا بالعدل، وأن يأخذوا بالقسط، (إِنَّ
اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا
وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) [النساء:58]، وقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى) [النحل:90].
ولا فرق بين مسلم وكافر، وكبير وصغير، ورجل وامرأة، وصديق وعدو في مبدأ تطبيق العدل؛
وأمر بالعدل، والحكم بالحق، حتى لو كان ذلك على الإنسان نفسه، أو أقريب قريب له، قال تعالى: (يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ
لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) [النساء:135].
ولا فرق بين مسلم وكافر، وكبير وصغير، ورجل وامرأة، وصديق وعدو في مبدأ
تطبيق العدل. وقد نادى عباده جل وعلا وأمرهم بالقسط والعدل، حتى مع من لا
يحبهم ولا يسير على نهجهم، قال تعالى: (يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ
بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا
اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ
خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [المائدة:8].
أرسل النبي -صلى الله عليه وسلم- عبد الله بن رواحة يقدر على أهل خيبر من
اليهود محصولهم بعد فتح خيبر، فحاول اليهود رشوته ليرفق بهم ولا يجور
عليهم، فقال لهم: والله لقد جئتكم من عند أحب الناس إليَّ، ولأنتم أبغض
إليَّ من عدتكم من القردة والخنازير، ولا يحملني بغضي إياكم وحبي إياه على
أن لا أعدل عليكم.فقالوا: بهذا قامت السموات والأرض.أخرجه ابن حبان في
صحيحه.
هذه هي العدالة الحق التي لم تعرفها الدنيا على حقيقتها إلا في منهاج
الإسلام؛ فكم من مذاهب وفرق ودول وأمم تضع قوانين للعدالة، وترسم خططا
للمساواة، وتكتب مجلدات في الإنصاف، وتتبجح بأنها تحب العدل أو تحمي العدل،
أو ترعي العدل، ولكنها مزاعم كاذبة يدحضها التاريخ، ويكذبها الواقع، لأنها
مجرد أفكار وآراء تطرح لكنه ليس لها قلوب زكية، وأنفس تقية تتمثلها وتعمل
بها.أما الإسلام فإنه طهر القلوب، وزكى الأنفس، ونقى الضمائر، وأنار
الأفئدة، فسعت إلى العدل، وهفت للقسط، وعشقت المثل.
ولقد حرم -جل شأنه- الظلم على نفسه، وحرمه على عباده، وجعله بينهم محرما، فقال تعالى في الحديث القدسي: "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا" أخرجه مسلم، ونفى -جل شأنه- عن نفسه الظلم في آيات كثيرة: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [يونس:44]، (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ) [النساء:40].
فالظلم ذنب أعظم، وجرم أكبر، وداء أخطر، أبيدت بسببه أمم، ومحقت دول، وأفنيت ممالك، (وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا) [الكهف:59]، (فَكَأَيِّنْ
مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى
عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ) [الحج:45]، أهله ملعونون, وحملته ممحوقون، وأتباعه ممقوتون.يقول تعالى: (أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) [هود:18]، الظلم على الخالق، وجور على المخلوق، ومخالفة للقوانين، ومضادة للشرائع، ومحادة للحق، وتمكين للباطل.
يمحق البركات، ويطيش بالحسنات، ويؤدي للهلكات؛ لا يسلم أصحابه من شؤمه، ولا
ينجو أتباعه من لؤمه، مرتعه وخيم، ومصير أهله أليم، وعذابهم عظيم: (وَقُلِ
الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ
فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ
سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي
الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا) [الكهف:29].
وإن من أقبح الظلم، وأظلم الظلم، الشرك بالله تعالى، فهو القائل: (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)
[لقمان:13]، إنه ظلم؛ لأنه وضع للشيء في غير موضعه.إنه ظلم؛ لأنه تعد على
الخالق، وتنكر للباري، وكفران للمنعم.وإن الظلم -بشتى أنواعه، وجميع صنوفه-
محرم في الدين، ممنوع في الإسلام، تزل به القدم، ونهايته الندم.
وقد يُغَرُّ الظالم بإمهال الله له، فيتمادى في ظلمه، ويزيد في بغيه،
ويتباهى في جوره، ويمكرون، ويمكر الله.يقول -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله لَيُمْلِي للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته"، ثم قرأ قوله تعالى: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) [هود:102]" أخرجه البخاري.
إن الظلمَ هو بمعنى وضْع الشيء في غير موضعه، سواء بزيادة أو نقص، إنه
الخروج عن الاعتدال في جميع الأمور، وهو ظلمه على صاحبه، وطمس لبصيرته،
يقول -صلى الله عليه وسلم-: "إياكم والظلمَ! فإن الظلم ظلمات يوم القيامة" أخرجه أحمد وصححه الحاكم وابن حبان.
وذلك لأن الظلم إنما ينشأ عن ظلمة القلب، ولو استنار بنور الهدى لفاز
وأفلح، فإذا سعى المتقون بنور إيمانهم، وضياء عدلهم يوم القيامة، اكتنفت
ظلمات الظلم الظالمين، وتردت بهم في أوديه جهنم، ورد في بعض الآثار: "إذا كان يوم القيامة يجتمع الظلَمة وأعوانهم، ومَنْ قَرَّبَ لهم دواة، وبرى لهم قلما، فيُجْعَلون في تابوت، ويُلقَوْنَ في جهنَّم".
إنَّ مِن أعظم ما يُسَلِّي المظلومين أن دعواتهم لا ترد، ومظالمهم لا تضيع،
ونداءهم لا يخيب؛ إن الظلم قهرٌ للنفس، وتمزيق للروح، وتشتيت للذهن،
وترويع للقلب، وسحق للمشاعر؛ وغالبا ما يقع على الضعيف الذي لا يجد مَن
ينصره، ولا يقدر على رفع الظلم عنه، وهنا تتدخل القوة الربانية، والحكمة
الإلهية، والعدالة السماوية، لترفع الظلم، وتخفف الهم، وتأسو الجرح، وتطيب
الخاطر، وترد الكرامة، فلا يموت المظلوم غالبا قبل أن يرى في ظالمه ما يشفي
غلته، ويبرد حرقته.
وإن لم يتم له ذلك فسوف يُقْتَصُّ له في موقف عصيب، ويوم مهيب،( فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ) [الزخرف:65]، وقال تعالى: (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ) [إبراهيم:42]، وقال تعالى: (وَلَوْ
أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الْأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ
وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ
بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) [يونس:54].
قال -صلى الله عليه وسلم-: "اتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب" أخرجه البخاري، وإن من كمال عدله -جل وعلا- أن يقبل دعوة المظلوم وينتصر له وإن كان كافراً، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "اتقوا دعوة المظلوم وإن كان كافراً؛ فإنه ليس دونها حجاب"، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "دعوة المظلوم مستجابة، وإن كان فاجرا ففجوره على نفسه" أخرجه أحمد وحسَّنه المنذري.
ولذلك فإن الله تعالى ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ويمحق الظالمة وإن كانت مسلمة.
وفي الحديث الآخر: "اتقوا دعوة المظلوم، فإنها تحمل على الغمام" ويقول الله: "وعزتي وجلالي لَأَنْصُرَنَّكَ ولو بعد حين"، ويقول -صلى الله عليه وسلم-: "ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم" أخرجه الترمذي وصححه ابن خزيمة وابن حبان.
إن كثيرا من الظلَّمَة يهتكون الأستار، ويغتصبون الحقوق، وينتهكون الحرمات،
ويبتزون الضعفاء، ويسحقون الفقراء، ثم ينامون فرحين مسرورين بما حققوا،
ولم يعلموا أن هنالك قلوبا تتقطع، وأنفساً تتحسر، ودمعات تنثر، وآهات تصعد،
وأكفاً ترفعُ دعاءً ورجاء، وحرقة وبكاء؛ وأنظاراً تتطلع إلى السماء، فلن
تذهب سدى، أو تمضي هدرا، سيأتيها النصر ولو بعد حين.
هُوَ اللهُ مِنْ كُلِّ الكَبِيرِينَ أَكْبَرُ *** لَهُ القُوَّةُ العُظْمَى الَّتي ليسَ تُقْهَرُ
هُو اللهُ مَهْما اشتدَّ للظُّلم ساعِدٌ *** فإِنَّ لهُ يوماً مِن الدَّهْرِ يُكسَرُ
هُوَ اللهُ مَنْ يأْوِي إلى ظِلِّ عَدْلِهِ *** يُحلَّى بأفْنانِ العطَايا ويُنْصَرُ
يُمَرِّغُ أَنْفَ البَغْيِ مَهْمَا تبجَّحَتْ *** مَقُولاتُهُ أَوْ قام يزهو ويَفْخَرُ
ورد في الأثر: "خمسٌ مَن كُنَّ فيه كن عليه: النكث، والمكر، والخداع، والبغي، والظلم، أما النكث فقال تعالى (فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ) [الفتح:10]، وأما الخداع فقوله تعالى: (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ) [البقرة:9]، وأما البغي فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ) [يونس:23]، وأما الظلم فقال تعالى: (فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [التوبة:70]، وأما المكر فقوله تعالى: (وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ) [فاطر:43].
إن الظلم شر أكيد، وداء مبيد، وإنه من كبائر الذنوب، وعظائم المعاصي، وإن
المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه، كما أخبر -صلى الله عليه وسلم-، أي
لا يرضى أن يظلمه، ولا يسلمه، ولا يتركه لأحد يظلمه وهو يقدر على نصرته.
إن الظلم داء مهلك، ووباء فاتك، إنه دليل على سوء الطبع، وخبث النفس، وخسة
الهمة؛ إنه خروج على قوانين الكون، وشذوذ عن نواميس الطبيعة، ومعاكسة
للفطرة السليمة؛ إن أهله وحوش ضارية، وسباع فاتكة.
إن الظالم مختل عن إنسانيته، عابد لأنانيته، مظلم قلبه, معتم فكره, مُلئَ
كِبْراً، وتاه بطراً، وشُحن غروراً، لا تنفعه العِبَر، ولا تُفيده المواعظ،
ولا يستفيد من الأحداث؛ وإن الأمم إذا وصل بها الحال أن تسكت للظلم، وترضى
بالجور، وترضخ للبغي، دون نصح للظالم، أو تنبيه للباغي، فقد أهلت نفسها؛
لمقت الله وغضبه وسحقه وهلاكه.
ولقد حذر الله تعالى إمام العادلين، وسيد المقسطين من الظلم والطغيان، أو الركون إلى أهله، والمخالطة لأربابه، فقال تعالى: (فَاسْتَقِمْ
كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا
تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا
فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ
ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ) [هود:112-113].
فَوَيْلٌ لِمنْ يَسْتَمْرِئُ الظُّلْمَ إِنَّهُ *** غَمامٌ على هَامَاتِهم سوفَ يُمْطِرُ
لقَدْ غَرَّ عاداً قوَّةٌ في عتادِها *** فطَارَتْ بِهَا رِيحٌ مِن اللهِ صَرْصَرُ
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى