حبيبه الرحمن
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
الشيخ / عبد الله بن محمد البصري
الصلاة يا أمة الإسلام تنصروا وترزقوا
الخطبة الأولى:
أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ]
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لَيسَ أَمرٌ هُوَ أَصعَبَ عَلَى العَاقِلِ مِن تَوضِيحِ الوَاضِحِ أَو إِثبَاتِ أَهَمِّيَّةِ المُهِمِّ ، غَيرَ أَنَّنَا وَفي عَصرٍ بَعُدَ العَهدُ فِيهِ بِالعِلمِ الحَقِيقِيِّ ، العِلمِ الَّذِي يُثمِرُ العَمَلَ وَيَتبَعُ القَولَ فِيهِ الفِعلُ، صِرنَا نُضطَرُّ في كَثِيرٍ مِنَ الأَحيَانِ لأَن نُوَضِّحَ الوَاضِحَ وَنُؤَكِّدَ عَلَى المُهِمِّ ، مِن أَركَانٍ وَمَبَادِئَ وَأُصُولٍ وَثَوَابِتَ ، كَانَت لَدَى الرَّعِيلِ الأَوَّلِ وَحَتَّى عَهدٍ قَرِيبٍ مِمَّا لا يَختَلِفُ فِيهَا مُسلِمَانِ، وَلا يَحتَاجُ مُؤمِنٌ فِيهَا إِلى مَزِيدِ تَأكِيدٍ وَلا كَثِيرِ تَذكِيرٍ.
نَعَم ـ إِخوَةَ الإِسلامِ ـ حِينَ يَكُونُ هَدَفُ التَّعَلُّمِ العَمَلَ وَمَقصُودُهُ التَقَرُّبَ إِلى اللهِ ، إِذْ ذَاكَ يَنتَفِعُ المُتَعَلِّمُ بِقَلِيلِ العِلمِ وَيَنَالُ بِهِ كَبِيرَ الأَجرِ ، وَيَجمَعُ بِتَطبِيقِهِ يَسِيرَ الطَّاعَاتِ مُضَاعَفَ الحَسَنَاتِ ، وَيَرتَقِي بِدَوَامِهِ عَلَيهَا عَاليَ الدَّرَجَاتِ ، وَيُفلِحُ بِتَمَسُّكِهِ بها وَعَضِّهِ عَلَيهَا بِالنَّوَاجِذِ ، أَمَّا حِينَ يُحفَظُ القُرآنُ لِلمُبَاهَاةِ ، وَيُتَعَلَّمُ العِلمُ لِلمُمَارَاةِ ، فَلَرُبَّمَا كَانَ العِلمُ وَالحِفظُ عَلَى بَعضِ النَّاسِ وَبَالاً ، وَأَورَدَهُ مَوَارِدَ الهَلاكِ وَأَصبَحَ بِهِ شَرًّا مِنَ الجَاهِلِ الأَصلِيِّ.
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لَقَد كَانَ أَصحَابُ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَرَضِيَ عَنهُم ـ وَهُمُ القُدوَةُ وَالأُسوَةُ ، يَتَعَلَّمُونَ العِلمَ لِلعَمَلِ بِهِ ، وَيَأخُذُونَ القُرآنَ لِلتَّقَرُّبِ بِهِ إِلى اللهِ وَطَلَبِ مَا عِندَهُ ، وَمِن ثَمَّ فَقَد كَانُوا كَمَا نَقَلَهُ عَنهُم أَحَدُ التَّابِعِينَ ، إِذَا تَعَلَّمُوا مِنَ النَّبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ عَشرَ آيَاتٍ لم يُجَاوِزُوهَا حَتَّى يَتَعَلَّمُوا مَا فِيهَا مِنَ العِلمِ وَالعَمَلِ ، فَتَعَلَّمُوا القُرآنَ وَالعِلمَ وَالعَمَلَ جَمِيعًا . وَقَد كَانَ الرَّجُلُ يَأتي رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ مِن مَكَانٍ بَعِيدٍ ، فَيَسأَلُهُ عَن عَمَلٍ يُنجِيهِ وَيُقَرِّبُهُ إِلى رَبِّهِ ، فَيُعَلِّمُهُ الحَبِيبُ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ مَا يَنفَعُهُ في كَلِمَاتٍ يَسِيرَةٍ وَبِعِبَارَاتٍ مُوجَزَةٍ ، فَيَذهَبُ الرَّجُلُ مَتَمَسِّكًا بها حَتَّى يَلقَى رَبَّهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ وَهُوَ مِنَ المُفلِحِينَ ، أَلَم يَأتِكُم نَبَأُ ذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي جَاءَ إِلى رَسُولِ اللهِ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ فَسَأَلَهُ عَمَّا فُرِضَ عَلَيهِ ، ثُمَّ التَزَمَ أَمَامَهُ بِالعَمَلِ بِهِ بِلا نَقصٍ وَلا زِيَادَةٍ ، فَوَعَدَهُ الصَّادِقُ المَصدُوقُ بِالفَلاحِ ؟ أَخرَجَ الشَّيخَانِ عَن طَلحَةَ بنِ عُبَيدِ اللهِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلى رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ مِن أَهلِ نَجدٍ ثَائِرُ الرَّأسِ يُسمَعُ دَوِيُّ صَوتِهِ وَلا يُفقَهُ مَا يَقُولُ ، حَتَّى دَنَا فَإِذَا هُوَ يَسأَلُ عَنِ الإِسلامِ ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : «خَمسُ صَلَوَاتٍ في اليَومِ وَاللَّيلَةِ» فَقَالَ : هَل عَلَيَّ غَيرُهَا ؟ قَالَ : «لا إِلاَّ أَن تَطَّوَّعَ» قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : «وَصِيَامُ رَمَضَانَ» قَالَ : هَل عَلَيَّ غَيرُهُ ؟ قَالَ : «لا إِلاَّ أَن تَطَّوَّعَ» قَالَ : وَذَكَرَ لَهُ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ الزَّكَاةَ . قَالَ : هَل عَلَيَّ غَيرُهَا ؟ قَالَ : «لا إِلاَّ أَن تَطَّوَّعَ» قَالَ : فَأَدبَرَ الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ : وَاللهِ لا أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلا أَنقُصُ . قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : «أَفلَحَ إِن صَدَقَ» تَأَمَّلُوا قَولَهُ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : «أَفلَحَ إِن صَدَقَ» لِتَعلَمُوا كَم يَكُونُ الصِّدقُ في أَخذِ الدِّينِ وَالعَمَلِ بِالعِلمِ مُنجِيًا لِصَاحِبِهِ مُؤَدِّيًا بِهِ لِلفَلاحِ ! وَكَم يَكُونُ التَّعَامِي عَنِ الحَقِّ بَعدَ مَعرِفَتِهِ سَبَبًا في الخَسَارَةِ وَالضَّلالِ وَاستِحقَاقِ صَاحِبِهِ الذَّمَّ !! أَوَلَيسَ اللهُ قَد ذَمَّ بِتَركِ الحَقِّ مَعَ العِلمِ بِهِ اليَهُودَ وَسَمَّاهُم ضَالِّيِنَ وَوَصَفَهُم بِالظُّلمِ ، بَلى وَاللهِ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : [مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّورَاةَ ثُمَّ لم يَحمِلُوهَا كَمَثَلِ الحِمَارِ يَحمِلُ أَسفَارًا بِئسَ مَثَلُ القَومِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللهِ وَاللهُ لا يَهدِي القَومَ الظَّالمِينَ]
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، أَفي النَّاسِ اليَومَ مَن يَجهَلُ أَركَانَ الإِسلامِ ؟
أَفي المُسلِمِينَ مَن لا يَعلَمُ مَنزِلَةَ الصَّلاةِ مِنَ الدِّينِ وَخَطَرَ تَركِهَا وَحُكمَ إِضَاعَتِهَا ؟
لا أُرَانَا إِلاَّ مُتَّفِقِينَ عَلَى أَنَّهُ لا أَحَدَ يَجهَلُ كَونَ الصَّلاةِ عَمُودَ الإِسلامِ وَثَانِيَ أَركَانِهِ ، وَأَنَّهَا الفَارِقَةُ بَينَ الإِسلامِ وَالكُفرِ ، وَمَن ذَا يُخَالِفُ في هَذَا أَو يُجَادِلُ ؟ فَمَا بَالُ المُتَأَمِّلِ لِلوَاقِعِ العَمَلِيِّ لِكَثِيرٍ مِنَّا اليَومَ يَرَى أَنَّهُ لا تَطبِيقَ لِهَذَا العِلمِ في الوَاقِعِ وَلا عَمَلَ بِهِ وَلا أَخذَ لَهُ بِقُوَّةٍ ، يَشهَدُ لِذَلِكَ صَلاةُ فَجرٍ أُضِيعَت ، وَيُؤَكِّدُهُ صَلاةُ عَصرٍ أُهمِلَت ، وَيُثبِتُهُ صَلَوَاتٌ أُخرَى لا تَكَادُ تُدرَكُ جَمَاعَةً مَعَ المُسلِمِينَ ، وَصَلاةُ جُمُعَةٍ تَشهَدُ تَأَخُّرًا عَجِيبًا وَتَبَاطُؤًا مُرِيبًا ، وَزُهدٌ في انتِظَارِ الصَّلَوَاتِ وَعَدَمُ تُزَوُّدٍ مِنَ النَّوَافِلِ أَو رَغبَةٍ في المُسَابَقَةِ إِلى الخَيرَاتِ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَلا حَولَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ ، مَا الَّذِي أَصَابَنَا أُمَّةَ الإِسلامِ وَأَيُّ خَطبٍ دَهَانَا ؟
حَالُنَا السِّيَاسِيَّةُ في اضطِرابٍ ، وَوَضعُنَا الاجتِمَاعِيُّ في تُفَكِّكُ ، وَاقتِصَادُنَا في ضَعفٍ ، وَمَكَانَتُنَا بَينَ الأُمَمِ في تَرَدٍّ وَسُفُولٍ ، أُمَمٌ كَافِرَةٌ تَتَدَاعَى عَلَينَا تَدَاعِيَ الأَكلَةِ إِلى قَصعَتِهَا ، وَطَوَائِفُ ضَالَّةٌ وَرُؤَسَاءُ طُغَاةٌ يَسُومُونَ إِخوَانَنَا سُوءَ العَذَابِ وَيُقَتِّلُونَهُم ، وَمُنَافِقُونَ بَينَ أَظهُرِنَا لا يَفتَؤُونَ يَعمَلُونَ كَالخَفَافِيشِ في الظَّلامِ ، يَبغُونَنَا الفِتنَةَ وَيَهدِفُونَ إِلى هَدمِ شَعَائِرِ دِينِنَا وَإِفسَادِ نِسَائِنَا وَشَبَابِنَا ، عَمَّ القَحطُ وَاستَفحَلَ الغَلاءُ وَضَاقَتِ الأَرزَاقُ ، تَغَيَّرَتِ النُّفُوسُ وَقَسَتِ القُلُوبُ وَضَاقَتِ الصُّدُورُ ، تَفَشَّتِ الأَمرَاضُ النَّفسِيَّةُ وَوَهَتِ العِلاقَاتُ الاجتِمَاعِيَّةُ ، قُطِعَتِ الأَرحَامُ وقَلَّتِ الزِّيَارَاتُ في اللهِ وَصُرِمَت حِبَالُ الأُخُوَّةِ ، إِنَّ كُلَّ ذَلِكَ لِمَن تَأَمَّلَ لأَثَرٌ طَبِيعِيٌّ مِن آثَارِ التَّقصِيرِ في الصَّلَوَاتِ وَإِضَاعَةِ الجَمَاعَاتِ ، حِينَ يَغفَلُ المَرءُ عَن رُكنِ دِينِهِ الرَّكِينِ ، وَيُسقِطُ عَمُودَهُ المَتِينَ ، فَمَاذَا يَنتَظِرُ بَعدُ وَمَاذَا يُنتَظَرُ مِنهُ ؟
أَيُّ بَيتٍ يَقُومُ عَالِيًا بِلا عِمَادٍ ؟
وَأَيُّ بِنَاءٍ يَثبُتُ بِلا أَركَانٍ وَلا أَوتَادٍ ؟
وَإِذَا كَانَتِ الصَّلاةُ صِلَةً بَينَ العَبدِ وَرَبِّهِ ، تَرتَاحُ بها نَفسُهُ ، وَيَتَّسِعُ رِزقُهُ ، وَتَنهَاهُ عَنِ الفَحشَاءِ وَالمُنكَرِ ، فَإِنَّ تَركَهَا وَحشَةٌ مَا بَعدَهَا وَحشَةٌ ، وَالتَّفرِيطَ فِيهَا فَقرٌ وَقِلَّةُ بَرَكَةٍ ، وَعَدَمَ الاهتِمَامِ بها مَجلَبَةٌ لِلفَحشَاءِ مَنبَتَةٌ لِلمُنكَرِ ، بَل هُوَ أَقبَحُ الفَحشَاءِ وَأَعظَمُ المُنكَرِ.
أُمَّةَ الإِسلامِ ، كَيفَ تَرجُو الأُمَّةُ الغَلَبَةَ وَالنَّصرَ ، وَكَيفَ تَنتَظِرُ نُزُولَ الغَيثِ وَعُمُومَ القِطرِ ، وَأَنىَّ لِلبَرَكَةِ أَن تَحُلَّ لها في رِزقٍ أَو لِلغَلاءِ أَن يَزُولَ عَنهَا ، وَهُم عَن صَلَوَاتِهِم غَافِلُونَ ، وَفي أَعظَمِ أَركَانِ دِينِهِمُ العَمَلِيَّةِ مُتَسَاهِلُونَ ؟
يَا أُمَّةَ الإِسلامِ وَالقُرآنِ ، أَلَم نَقرَأْ قَولَ اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ : [أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمسِ إِلى غَسَقِ اللَّيلِ وَقُرآنَ الفَجرِ إِنَّ قُرآنَ الفَجرِ كَانَ مَشهُودًا] ، وَقَولَهُ ـ تَعَالى ـ : [فَإِذَا اطمَأنَنتُم فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كَانَت عَلى المُؤمِنِينَ كِتَابًا مَوقُوتًا] ، أَتَعلَمُونَ مَا " قُرآنُ الفَجرِ " وَمَا مَعنى كَونِهِ " مَشهُودًا " ؟
وَمَاذَا يُستَفَادُ مِن كَونِ الصَّلاةِ " كِتَابًا مَوقُوتًا " ؟
إِنَّ قُرآنَ الفَجرِ يُقصَدُ بِهِ صَلاةُ الفَجرِ ، وَإِنَّمَا سُمِّيَت قُرآنًا لِمَشرُوعِيَّةِ إِطَالَةِ القُرآنِ فِيهَا أَطوَلَ مِن غَيرِهَا ، وَلِفَضلِ القِرَاءَةِ فِيهَا وَفَضلِ شُهُودِهَا مَعَ الجَمَاعَةِ ، حَيثُ يَشهَدُهَا اللهُ ـ تَبَارَكَ وَتَعَالى ـ وَتَشهَدُهَا مَلائِكَةُ اللَّيلِ وَمَلائِكَةُ النَّهَارِ ، وَأَمَّا مَعنى كَونِ الصَّلاةِ " كِتَابًا مَوقُوتًا " فَاسمَعُوا إِلى مَا قَرَّرَهُ الشَّيخُ ابنُ سِعدِي ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ حَيثُ قَالَ في تَفسِيرِهِ ـ : " إِنَّ الصَّلاةَ كَانَت عَلَى المُؤمِنِينَ كِتَابًا مَوقُوتًا " أَي : مَفرُوضًا في وَقتِهِ ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى فَرضِيَّتِهَا ، وَأَنَّ لها وَقتًا لا تَصِحُّ إِلاَّ بِهِ ، وَهُوَ هَذِهِ الأَوقَاتُ الَّتي قَد تَقَرَّرَت عِندَ المُسلِمِينَ صَغِيرِهِم وَكَبِيرِهِم عَالِمِهِم وَجَاهِلِهِم ، وَأَخَذُوا ذَلِكَ عَن نَبِيِّهِم مُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ بِقَولِهِ : " صَلُّوا كَمَا رَأَيتُمُوني أُصَلِّي " وَدَلَّ قَولُهُ : " عَلَى المُؤمِنِينَ " عَلَى أَنَّ الصَّلاةَ مِيزَانُ الإِيمَانِ ، وَعَلَى حَسَبِ إِيمَانِ العَبدِ تَكُونُ صَلاتُهُ وَتَتِمُّ وَتَكمُلُ . انتَهَى كَلامُهُ.
أُمَّةَ الإِسلامِ ، أَوَضعُنَا في صَلاةِ الفَجرِ اليَومَ وَضعٌ يَسُرُّ مُسلِمًا يَخشَى اللهَ وَيَتَّقِيهِ وَيَرجُو مَا عِندَهُ وَيَخَافُ نِقمَتَهُ ؟
أَحَالُنَا مَعَ صَلاةِ الصُّبحِ حَالٌ مَرضِيَّةٌ وَمَن يَشهَدُهَا في أَكبَرِ الجَوَامِعِ لا يَتَجَاوَزُ عَدَدَ الأَصَابِعِ ؟
إِنَّ مِن عَلامَاتِ الشَّقَاءِ وَقِلَّةِ التَّوفِيقِ ، أَن يَترُكَ السُّنَّةَ مَن كَانَ عَلَيهَا مُحَافِظًا ، وَيَنَبُذَهَا وَرَاءَ ظَهرِهِ مَن كَانَ بها مُتَمَسِّكًا ، فَكَيفَ إِذَا تَرَكَتهَا مَجمُوعَةٌ كَبِيرَةٌ مِنَ النَّاسِ وَتَوَانى في تَطبِيقِهَا فِئَامٌ مِنَ المُسلِمِينَ ؟!
إِنَّ ذَلِكَ لخُسرَانَ مُبِينٌ وَخِذلانٌ كَبِيرٌ.
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لَقَد أَمَرَ اللهُ بِصَلاةِ الجَمَاعَةِ مَن هُم في حَالِ القِتَالِ وَالتِحَامِ الصُّفُوفِ لِلجِهَادِ ، فَكَيفَ بِاجتِمَاعِ النَّاسِ في أَسوَاقِهِم لِلبَيعِ وَالشِّرَاءِ ؟! أَو جُلُوسِهِم في مَجَالِسِ الهَذَرِ وَالَهُرَاءِ ؟!
قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : [وَإِذَا كُنتَ فِيهِم فَأَقَمتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلتَقُم طَائِفَةٌ مِنهُم مَعَكَ وَلْيَأخُذُوا أَسلِحَتَهُم فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِن وَرَائِكُم وَلْتَأتِ طَائِفَةٌ أُخرَى لم يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأخُذُوا حِذرَهُم وَأَسلِحَتَهُم] الآيَةَ.
وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : [وَاركَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ] وَرَوَى مُسلِمٌ عَن أَبي هُرَيرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : أَتى النَّبيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ رَجُلٌ أَعمَى فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنَّهُ لَيسَ لي قَائِدٌ يَقُودُني إِلى المَسجِدِ فَرَخَّصَ لَهُ ، فَلَمَّا وَلىَّ دَعَاهُ فَقَالَ : «هَل تَسمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلاةِ» قَالَ : نَعَم . قَالَ : «فَأَجِبْ» وَصَحَّ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا ـ مَوقُوفًا وَمَرفُوعًا قَالَ : " مَن سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَم يَأتِ فَلا صَلاةَ لَهُ إِلاَّ مِن عُذرٍ"
وَعَن أَبي هُرَيرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ : «وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَقَد هَمَمتُ أَن آمُرَ بِحَطَبٍ فَيُحتَطَبَ ، ثُمَّ آمُرَ بِالصَّلاةِ فَيُؤَذَّنَ لها ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلاً فَيَؤُمَّ النَّاسَ ، ثُمَّ أُخَالِفَ إِلى رِجَالٍ لا يَشهَدُونَ الصَّلاةَ فَأُحَرِّقَ عَلَيهِم بُيُوتَهُم» الحَدِيثَ ، مُتَّفَقٌ عَلَيهِ وَاللَّفظُ لِلبُخَارِيِّ.
وَعَنهُ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : «أَثقَلُ الصَّلاةِ عَلَى المُنَافِقِينَ صَلاةُ العِشَاءِ وَصَلاةُ الفَجرِ ، وَلَو يَعلَمُونَ مَا فِيهِمَا لأَتَوهُمَا وَلَو حَبوًا» مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَحَافِظُوا عَلَى الصَّلاةِ في بُيُوتِ اللهِ [في بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَن تُرفَعَ وَيُذكَرَ فِيهَا اسمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالغُدُوِّ وَالآصَالِ . رِجَالٌ لا تُلهِيهِم تِجَارَةٌ وَلا بَيعٌ عَن ذِكرِ اللهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَومًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ القُلُوبُ وَالأَبصَارُ . لِيَجزِيَهُمُ اللهُ أَحسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِن فَضلِهِ وَاللهُ يَرزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيرِ حِسَابٍ] وَلا يَفتِنَنَّكُم شَيَاطِينُ الإِنسِ مِمَّنِ اتَّخَذَهُمُ الشَّيطَانُ مَطِيَّةً لَهُ لِجَمعِ الأَقوَالِ الضَّعِيفَةِ وَالشَّاذَّةِ وَبَثِّهَا في النَّاسِ لإِغوَائِهِم عَنِ الصِّرَاطِ المُستَقِيمِ ، فَإِنَّ وَعدَ اللهِ حَقٌّ وَوَعَدَ الشَّيطَانِ بَاطِلٌ ، وَالمَوعِدُ الآخِرَةُ ، وَقَد قَالَ ـ تَعَالى ـ : [فَخَلَفَ مِن بَعدِهِم خَلفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوفَ يَلقَونَ غَيًّا . إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدخُلُونَ الجَنَّةَ وَلا يُظلَمُونَ شَيئًا]
الخطبة الثانية:
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ . وَاعلَمُوا أَنَّ صَلاةَ الجَمَاعَةِ وَلا سِيَّمَا صَلاةُ الفَجرِ فَضلاً عَن كَونِهَا شَعِيرَةً عَظِيمَةً ، فَإِنَّ فِيهَا دَلالَةً عَلَى الإِيمَانِ وَتَبرِئَةً لِلنَّفسِ مِنَ النِّفَاقِ ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : [إِنَّمَا يَعمُرُ مَسَاجِدَ اللهِ مَن آمَنَ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتى الزَّكَاةَ]
ثُمَّ إِنَّ صَلاةَ الجَمَاعَةِ قُوَّةٌ لِلمُسلِمِينَ وَحِصنٌ لَهُم مِن عَدُوِّهِم المُتَرَبِّصِ الشَّيطَانِ ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : «مَا مِن ثَلاثَةٍ في قَريَةٍ لا تُقَامُ فِيهَا الصَّلاةُ إِلاَّ قَدِ استَحوَذَ عَلَيهِمُ الشَّيطَانُ ، فَعَلَيكُم بِالجَمَاعَةِ ؛ فَإِنَّمَا يَأكُلُ الذِّئبُ مِنَ الغَنَمِ القَاصِيَةَ» رَوَاهُ أَحمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ ، وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ.
ثُمَّ إِنَّ في صَلاةِ الجَمَاعَةِ تَعَارُفًا وَتَآلُفًا وَتَعَاوُنًا بَينَ المُسلِمِينَ عَلَى التَّقوَى ، وَلَولا أَنَّ اللهَ يُرِيدُ لِلمُسلِمِينَ الصَّلاةَ في جَمَاعَةٍ لَمَا شَرَعَ بِنَاءَ المَسَاجِدِ وَتَهيِئَتَهَا وَتَنظِيفَهَا لاجتِمَاعِ المُصَلِّينَ فِيهَا ، فَكَيفَ وَقَد شَرَعَ ذَلِكَ وَعَظَّمَ لِمَن يَفعَلُهُ الأَجرَ.
أُمَّةَ الإِسلامِ ، وَاللهِ لا تَنتَصِرُ أُمَّةٌ تُضَيِّعُ فَجَرَهَا ، وَلا تَسلَمُ مِن الفِتَنِ وَهِيَ تَتَهَاوَنُ في أَفضَلِ الصَّلَوَاتِ ، وَلَو تَأَمَّلتُم أَعظَمَ فِتنَةٍ تَقَعُ مُنذُ أَن خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضَ وَهِيَ فِتنَةُ الدَّجَّالِ ، لَعَلِمتُم كَيفَ يَكُونُ حَالُ مَن يَقضِي عَلَيهَا مَعَ صَلاةِ الفَجرِ ، تَأَمَّلُوا الحَدِيثَ الصَّحِيحَ الَّذِي رَوَاهُ مُسلِمٌ في حَالِ ذَلِكَ الجَيشِ الَّذِي يَغزُو القُسطَنطِينِيَّةَ في آخِرِ الزَّمَانِ وَيَنتَصِرُ وَيُدرِكُ هَلاكَ الدَّجَّالِ ، قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : «فَإِذَا جَاؤُوا الشَّامَ خَرَجَ ـ يَعني الدَّجَّالَ ـ فَبَينَا هُم يُعِدُّونَ لِلقِتَالِ يُسَوُّونَ الصُّفُوفَ إِذْ أُقِيمَتِ الصَّلاةُ (صَلاةَ الصُّبحِ) فَيَنزِلُ عِيسَى بنُ مَريَمَ فَأَمَّهُم ، فَإِذَا رَآهُ عَدُوُّ اللهِ ذَابَ كَمَا يَذُوبُ المِلحُ في المَاءِ ...» الحَدِيثَ . وَالشَّاهِدُ أَنَّ هَؤُلاءِ قَد قَامُوا لِصَلاةِ الصُّبحِ صُفُوفًا ، نَعَم ، قَامُوا صُفُوفًا كَثِيرَةً وَلَيسُوا أَفرَادًا قَلائِلَ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ عِبَادَ اللهِ ـ وَكُونُوا مَعَهُ بِعِبَادَتِهِ وَطَاعَتِهِ يَكُنْ مَعَكُم بِتَوفِيقِهِ وَتَأيِيدِهِ [إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَالَّذِينَ هُم مُحسِنُونَ]
17 / 6 / 1432
الصلاة يا أمة الإسلام تنصروا وترزقوا
الخطبة الأولى:
أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ]
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لَيسَ أَمرٌ هُوَ أَصعَبَ عَلَى العَاقِلِ مِن تَوضِيحِ الوَاضِحِ أَو إِثبَاتِ أَهَمِّيَّةِ المُهِمِّ ، غَيرَ أَنَّنَا وَفي عَصرٍ بَعُدَ العَهدُ فِيهِ بِالعِلمِ الحَقِيقِيِّ ، العِلمِ الَّذِي يُثمِرُ العَمَلَ وَيَتبَعُ القَولَ فِيهِ الفِعلُ، صِرنَا نُضطَرُّ في كَثِيرٍ مِنَ الأَحيَانِ لأَن نُوَضِّحَ الوَاضِحَ وَنُؤَكِّدَ عَلَى المُهِمِّ ، مِن أَركَانٍ وَمَبَادِئَ وَأُصُولٍ وَثَوَابِتَ ، كَانَت لَدَى الرَّعِيلِ الأَوَّلِ وَحَتَّى عَهدٍ قَرِيبٍ مِمَّا لا يَختَلِفُ فِيهَا مُسلِمَانِ، وَلا يَحتَاجُ مُؤمِنٌ فِيهَا إِلى مَزِيدِ تَأكِيدٍ وَلا كَثِيرِ تَذكِيرٍ.
نَعَم ـ إِخوَةَ الإِسلامِ ـ حِينَ يَكُونُ هَدَفُ التَّعَلُّمِ العَمَلَ وَمَقصُودُهُ التَقَرُّبَ إِلى اللهِ ، إِذْ ذَاكَ يَنتَفِعُ المُتَعَلِّمُ بِقَلِيلِ العِلمِ وَيَنَالُ بِهِ كَبِيرَ الأَجرِ ، وَيَجمَعُ بِتَطبِيقِهِ يَسِيرَ الطَّاعَاتِ مُضَاعَفَ الحَسَنَاتِ ، وَيَرتَقِي بِدَوَامِهِ عَلَيهَا عَاليَ الدَّرَجَاتِ ، وَيُفلِحُ بِتَمَسُّكِهِ بها وَعَضِّهِ عَلَيهَا بِالنَّوَاجِذِ ، أَمَّا حِينَ يُحفَظُ القُرآنُ لِلمُبَاهَاةِ ، وَيُتَعَلَّمُ العِلمُ لِلمُمَارَاةِ ، فَلَرُبَّمَا كَانَ العِلمُ وَالحِفظُ عَلَى بَعضِ النَّاسِ وَبَالاً ، وَأَورَدَهُ مَوَارِدَ الهَلاكِ وَأَصبَحَ بِهِ شَرًّا مِنَ الجَاهِلِ الأَصلِيِّ.
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لَقَد كَانَ أَصحَابُ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَرَضِيَ عَنهُم ـ وَهُمُ القُدوَةُ وَالأُسوَةُ ، يَتَعَلَّمُونَ العِلمَ لِلعَمَلِ بِهِ ، وَيَأخُذُونَ القُرآنَ لِلتَّقَرُّبِ بِهِ إِلى اللهِ وَطَلَبِ مَا عِندَهُ ، وَمِن ثَمَّ فَقَد كَانُوا كَمَا نَقَلَهُ عَنهُم أَحَدُ التَّابِعِينَ ، إِذَا تَعَلَّمُوا مِنَ النَّبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ عَشرَ آيَاتٍ لم يُجَاوِزُوهَا حَتَّى يَتَعَلَّمُوا مَا فِيهَا مِنَ العِلمِ وَالعَمَلِ ، فَتَعَلَّمُوا القُرآنَ وَالعِلمَ وَالعَمَلَ جَمِيعًا . وَقَد كَانَ الرَّجُلُ يَأتي رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ مِن مَكَانٍ بَعِيدٍ ، فَيَسأَلُهُ عَن عَمَلٍ يُنجِيهِ وَيُقَرِّبُهُ إِلى رَبِّهِ ، فَيُعَلِّمُهُ الحَبِيبُ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ مَا يَنفَعُهُ في كَلِمَاتٍ يَسِيرَةٍ وَبِعِبَارَاتٍ مُوجَزَةٍ ، فَيَذهَبُ الرَّجُلُ مَتَمَسِّكًا بها حَتَّى يَلقَى رَبَّهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ وَهُوَ مِنَ المُفلِحِينَ ، أَلَم يَأتِكُم نَبَأُ ذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي جَاءَ إِلى رَسُولِ اللهِ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ فَسَأَلَهُ عَمَّا فُرِضَ عَلَيهِ ، ثُمَّ التَزَمَ أَمَامَهُ بِالعَمَلِ بِهِ بِلا نَقصٍ وَلا زِيَادَةٍ ، فَوَعَدَهُ الصَّادِقُ المَصدُوقُ بِالفَلاحِ ؟ أَخرَجَ الشَّيخَانِ عَن طَلحَةَ بنِ عُبَيدِ اللهِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلى رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ مِن أَهلِ نَجدٍ ثَائِرُ الرَّأسِ يُسمَعُ دَوِيُّ صَوتِهِ وَلا يُفقَهُ مَا يَقُولُ ، حَتَّى دَنَا فَإِذَا هُوَ يَسأَلُ عَنِ الإِسلامِ ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : «خَمسُ صَلَوَاتٍ في اليَومِ وَاللَّيلَةِ» فَقَالَ : هَل عَلَيَّ غَيرُهَا ؟ قَالَ : «لا إِلاَّ أَن تَطَّوَّعَ» قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : «وَصِيَامُ رَمَضَانَ» قَالَ : هَل عَلَيَّ غَيرُهُ ؟ قَالَ : «لا إِلاَّ أَن تَطَّوَّعَ» قَالَ : وَذَكَرَ لَهُ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ الزَّكَاةَ . قَالَ : هَل عَلَيَّ غَيرُهَا ؟ قَالَ : «لا إِلاَّ أَن تَطَّوَّعَ» قَالَ : فَأَدبَرَ الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ : وَاللهِ لا أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلا أَنقُصُ . قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : «أَفلَحَ إِن صَدَقَ» تَأَمَّلُوا قَولَهُ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : «أَفلَحَ إِن صَدَقَ» لِتَعلَمُوا كَم يَكُونُ الصِّدقُ في أَخذِ الدِّينِ وَالعَمَلِ بِالعِلمِ مُنجِيًا لِصَاحِبِهِ مُؤَدِّيًا بِهِ لِلفَلاحِ ! وَكَم يَكُونُ التَّعَامِي عَنِ الحَقِّ بَعدَ مَعرِفَتِهِ سَبَبًا في الخَسَارَةِ وَالضَّلالِ وَاستِحقَاقِ صَاحِبِهِ الذَّمَّ !! أَوَلَيسَ اللهُ قَد ذَمَّ بِتَركِ الحَقِّ مَعَ العِلمِ بِهِ اليَهُودَ وَسَمَّاهُم ضَالِّيِنَ وَوَصَفَهُم بِالظُّلمِ ، بَلى وَاللهِ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : [مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّورَاةَ ثُمَّ لم يَحمِلُوهَا كَمَثَلِ الحِمَارِ يَحمِلُ أَسفَارًا بِئسَ مَثَلُ القَومِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللهِ وَاللهُ لا يَهدِي القَومَ الظَّالمِينَ]
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، أَفي النَّاسِ اليَومَ مَن يَجهَلُ أَركَانَ الإِسلامِ ؟
أَفي المُسلِمِينَ مَن لا يَعلَمُ مَنزِلَةَ الصَّلاةِ مِنَ الدِّينِ وَخَطَرَ تَركِهَا وَحُكمَ إِضَاعَتِهَا ؟
لا أُرَانَا إِلاَّ مُتَّفِقِينَ عَلَى أَنَّهُ لا أَحَدَ يَجهَلُ كَونَ الصَّلاةِ عَمُودَ الإِسلامِ وَثَانِيَ أَركَانِهِ ، وَأَنَّهَا الفَارِقَةُ بَينَ الإِسلامِ وَالكُفرِ ، وَمَن ذَا يُخَالِفُ في هَذَا أَو يُجَادِلُ ؟ فَمَا بَالُ المُتَأَمِّلِ لِلوَاقِعِ العَمَلِيِّ لِكَثِيرٍ مِنَّا اليَومَ يَرَى أَنَّهُ لا تَطبِيقَ لِهَذَا العِلمِ في الوَاقِعِ وَلا عَمَلَ بِهِ وَلا أَخذَ لَهُ بِقُوَّةٍ ، يَشهَدُ لِذَلِكَ صَلاةُ فَجرٍ أُضِيعَت ، وَيُؤَكِّدُهُ صَلاةُ عَصرٍ أُهمِلَت ، وَيُثبِتُهُ صَلَوَاتٌ أُخرَى لا تَكَادُ تُدرَكُ جَمَاعَةً مَعَ المُسلِمِينَ ، وَصَلاةُ جُمُعَةٍ تَشهَدُ تَأَخُّرًا عَجِيبًا وَتَبَاطُؤًا مُرِيبًا ، وَزُهدٌ في انتِظَارِ الصَّلَوَاتِ وَعَدَمُ تُزَوُّدٍ مِنَ النَّوَافِلِ أَو رَغبَةٍ في المُسَابَقَةِ إِلى الخَيرَاتِ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَلا حَولَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ ، مَا الَّذِي أَصَابَنَا أُمَّةَ الإِسلامِ وَأَيُّ خَطبٍ دَهَانَا ؟
حَالُنَا السِّيَاسِيَّةُ في اضطِرابٍ ، وَوَضعُنَا الاجتِمَاعِيُّ في تُفَكِّكُ ، وَاقتِصَادُنَا في ضَعفٍ ، وَمَكَانَتُنَا بَينَ الأُمَمِ في تَرَدٍّ وَسُفُولٍ ، أُمَمٌ كَافِرَةٌ تَتَدَاعَى عَلَينَا تَدَاعِيَ الأَكلَةِ إِلى قَصعَتِهَا ، وَطَوَائِفُ ضَالَّةٌ وَرُؤَسَاءُ طُغَاةٌ يَسُومُونَ إِخوَانَنَا سُوءَ العَذَابِ وَيُقَتِّلُونَهُم ، وَمُنَافِقُونَ بَينَ أَظهُرِنَا لا يَفتَؤُونَ يَعمَلُونَ كَالخَفَافِيشِ في الظَّلامِ ، يَبغُونَنَا الفِتنَةَ وَيَهدِفُونَ إِلى هَدمِ شَعَائِرِ دِينِنَا وَإِفسَادِ نِسَائِنَا وَشَبَابِنَا ، عَمَّ القَحطُ وَاستَفحَلَ الغَلاءُ وَضَاقَتِ الأَرزَاقُ ، تَغَيَّرَتِ النُّفُوسُ وَقَسَتِ القُلُوبُ وَضَاقَتِ الصُّدُورُ ، تَفَشَّتِ الأَمرَاضُ النَّفسِيَّةُ وَوَهَتِ العِلاقَاتُ الاجتِمَاعِيَّةُ ، قُطِعَتِ الأَرحَامُ وقَلَّتِ الزِّيَارَاتُ في اللهِ وَصُرِمَت حِبَالُ الأُخُوَّةِ ، إِنَّ كُلَّ ذَلِكَ لِمَن تَأَمَّلَ لأَثَرٌ طَبِيعِيٌّ مِن آثَارِ التَّقصِيرِ في الصَّلَوَاتِ وَإِضَاعَةِ الجَمَاعَاتِ ، حِينَ يَغفَلُ المَرءُ عَن رُكنِ دِينِهِ الرَّكِينِ ، وَيُسقِطُ عَمُودَهُ المَتِينَ ، فَمَاذَا يَنتَظِرُ بَعدُ وَمَاذَا يُنتَظَرُ مِنهُ ؟
أَيُّ بَيتٍ يَقُومُ عَالِيًا بِلا عِمَادٍ ؟
وَأَيُّ بِنَاءٍ يَثبُتُ بِلا أَركَانٍ وَلا أَوتَادٍ ؟
وَإِذَا كَانَتِ الصَّلاةُ صِلَةً بَينَ العَبدِ وَرَبِّهِ ، تَرتَاحُ بها نَفسُهُ ، وَيَتَّسِعُ رِزقُهُ ، وَتَنهَاهُ عَنِ الفَحشَاءِ وَالمُنكَرِ ، فَإِنَّ تَركَهَا وَحشَةٌ مَا بَعدَهَا وَحشَةٌ ، وَالتَّفرِيطَ فِيهَا فَقرٌ وَقِلَّةُ بَرَكَةٍ ، وَعَدَمَ الاهتِمَامِ بها مَجلَبَةٌ لِلفَحشَاءِ مَنبَتَةٌ لِلمُنكَرِ ، بَل هُوَ أَقبَحُ الفَحشَاءِ وَأَعظَمُ المُنكَرِ.
أُمَّةَ الإِسلامِ ، كَيفَ تَرجُو الأُمَّةُ الغَلَبَةَ وَالنَّصرَ ، وَكَيفَ تَنتَظِرُ نُزُولَ الغَيثِ وَعُمُومَ القِطرِ ، وَأَنىَّ لِلبَرَكَةِ أَن تَحُلَّ لها في رِزقٍ أَو لِلغَلاءِ أَن يَزُولَ عَنهَا ، وَهُم عَن صَلَوَاتِهِم غَافِلُونَ ، وَفي أَعظَمِ أَركَانِ دِينِهِمُ العَمَلِيَّةِ مُتَسَاهِلُونَ ؟
يَا أُمَّةَ الإِسلامِ وَالقُرآنِ ، أَلَم نَقرَأْ قَولَ اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ : [أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمسِ إِلى غَسَقِ اللَّيلِ وَقُرآنَ الفَجرِ إِنَّ قُرآنَ الفَجرِ كَانَ مَشهُودًا] ، وَقَولَهُ ـ تَعَالى ـ : [فَإِذَا اطمَأنَنتُم فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كَانَت عَلى المُؤمِنِينَ كِتَابًا مَوقُوتًا] ، أَتَعلَمُونَ مَا " قُرآنُ الفَجرِ " وَمَا مَعنى كَونِهِ " مَشهُودًا " ؟
وَمَاذَا يُستَفَادُ مِن كَونِ الصَّلاةِ " كِتَابًا مَوقُوتًا " ؟
إِنَّ قُرآنَ الفَجرِ يُقصَدُ بِهِ صَلاةُ الفَجرِ ، وَإِنَّمَا سُمِّيَت قُرآنًا لِمَشرُوعِيَّةِ إِطَالَةِ القُرآنِ فِيهَا أَطوَلَ مِن غَيرِهَا ، وَلِفَضلِ القِرَاءَةِ فِيهَا وَفَضلِ شُهُودِهَا مَعَ الجَمَاعَةِ ، حَيثُ يَشهَدُهَا اللهُ ـ تَبَارَكَ وَتَعَالى ـ وَتَشهَدُهَا مَلائِكَةُ اللَّيلِ وَمَلائِكَةُ النَّهَارِ ، وَأَمَّا مَعنى كَونِ الصَّلاةِ " كِتَابًا مَوقُوتًا " فَاسمَعُوا إِلى مَا قَرَّرَهُ الشَّيخُ ابنُ سِعدِي ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ حَيثُ قَالَ في تَفسِيرِهِ ـ : " إِنَّ الصَّلاةَ كَانَت عَلَى المُؤمِنِينَ كِتَابًا مَوقُوتًا " أَي : مَفرُوضًا في وَقتِهِ ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى فَرضِيَّتِهَا ، وَأَنَّ لها وَقتًا لا تَصِحُّ إِلاَّ بِهِ ، وَهُوَ هَذِهِ الأَوقَاتُ الَّتي قَد تَقَرَّرَت عِندَ المُسلِمِينَ صَغِيرِهِم وَكَبِيرِهِم عَالِمِهِم وَجَاهِلِهِم ، وَأَخَذُوا ذَلِكَ عَن نَبِيِّهِم مُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ بِقَولِهِ : " صَلُّوا كَمَا رَأَيتُمُوني أُصَلِّي " وَدَلَّ قَولُهُ : " عَلَى المُؤمِنِينَ " عَلَى أَنَّ الصَّلاةَ مِيزَانُ الإِيمَانِ ، وَعَلَى حَسَبِ إِيمَانِ العَبدِ تَكُونُ صَلاتُهُ وَتَتِمُّ وَتَكمُلُ . انتَهَى كَلامُهُ.
أُمَّةَ الإِسلامِ ، أَوَضعُنَا في صَلاةِ الفَجرِ اليَومَ وَضعٌ يَسُرُّ مُسلِمًا يَخشَى اللهَ وَيَتَّقِيهِ وَيَرجُو مَا عِندَهُ وَيَخَافُ نِقمَتَهُ ؟
أَحَالُنَا مَعَ صَلاةِ الصُّبحِ حَالٌ مَرضِيَّةٌ وَمَن يَشهَدُهَا في أَكبَرِ الجَوَامِعِ لا يَتَجَاوَزُ عَدَدَ الأَصَابِعِ ؟
إِنَّ مِن عَلامَاتِ الشَّقَاءِ وَقِلَّةِ التَّوفِيقِ ، أَن يَترُكَ السُّنَّةَ مَن كَانَ عَلَيهَا مُحَافِظًا ، وَيَنَبُذَهَا وَرَاءَ ظَهرِهِ مَن كَانَ بها مُتَمَسِّكًا ، فَكَيفَ إِذَا تَرَكَتهَا مَجمُوعَةٌ كَبِيرَةٌ مِنَ النَّاسِ وَتَوَانى في تَطبِيقِهَا فِئَامٌ مِنَ المُسلِمِينَ ؟!
إِنَّ ذَلِكَ لخُسرَانَ مُبِينٌ وَخِذلانٌ كَبِيرٌ.
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لَقَد أَمَرَ اللهُ بِصَلاةِ الجَمَاعَةِ مَن هُم في حَالِ القِتَالِ وَالتِحَامِ الصُّفُوفِ لِلجِهَادِ ، فَكَيفَ بِاجتِمَاعِ النَّاسِ في أَسوَاقِهِم لِلبَيعِ وَالشِّرَاءِ ؟! أَو جُلُوسِهِم في مَجَالِسِ الهَذَرِ وَالَهُرَاءِ ؟!
قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : [وَإِذَا كُنتَ فِيهِم فَأَقَمتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلتَقُم طَائِفَةٌ مِنهُم مَعَكَ وَلْيَأخُذُوا أَسلِحَتَهُم فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِن وَرَائِكُم وَلْتَأتِ طَائِفَةٌ أُخرَى لم يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأخُذُوا حِذرَهُم وَأَسلِحَتَهُم] الآيَةَ.
وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : [وَاركَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ] وَرَوَى مُسلِمٌ عَن أَبي هُرَيرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : أَتى النَّبيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ رَجُلٌ أَعمَى فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنَّهُ لَيسَ لي قَائِدٌ يَقُودُني إِلى المَسجِدِ فَرَخَّصَ لَهُ ، فَلَمَّا وَلىَّ دَعَاهُ فَقَالَ : «هَل تَسمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلاةِ» قَالَ : نَعَم . قَالَ : «فَأَجِبْ» وَصَحَّ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا ـ مَوقُوفًا وَمَرفُوعًا قَالَ : " مَن سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَم يَأتِ فَلا صَلاةَ لَهُ إِلاَّ مِن عُذرٍ"
وَعَن أَبي هُرَيرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ : «وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَقَد هَمَمتُ أَن آمُرَ بِحَطَبٍ فَيُحتَطَبَ ، ثُمَّ آمُرَ بِالصَّلاةِ فَيُؤَذَّنَ لها ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلاً فَيَؤُمَّ النَّاسَ ، ثُمَّ أُخَالِفَ إِلى رِجَالٍ لا يَشهَدُونَ الصَّلاةَ فَأُحَرِّقَ عَلَيهِم بُيُوتَهُم» الحَدِيثَ ، مُتَّفَقٌ عَلَيهِ وَاللَّفظُ لِلبُخَارِيِّ.
وَعَنهُ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : «أَثقَلُ الصَّلاةِ عَلَى المُنَافِقِينَ صَلاةُ العِشَاءِ وَصَلاةُ الفَجرِ ، وَلَو يَعلَمُونَ مَا فِيهِمَا لأَتَوهُمَا وَلَو حَبوًا» مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَحَافِظُوا عَلَى الصَّلاةِ في بُيُوتِ اللهِ [في بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَن تُرفَعَ وَيُذكَرَ فِيهَا اسمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالغُدُوِّ وَالآصَالِ . رِجَالٌ لا تُلهِيهِم تِجَارَةٌ وَلا بَيعٌ عَن ذِكرِ اللهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَومًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ القُلُوبُ وَالأَبصَارُ . لِيَجزِيَهُمُ اللهُ أَحسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِن فَضلِهِ وَاللهُ يَرزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيرِ حِسَابٍ] وَلا يَفتِنَنَّكُم شَيَاطِينُ الإِنسِ مِمَّنِ اتَّخَذَهُمُ الشَّيطَانُ مَطِيَّةً لَهُ لِجَمعِ الأَقوَالِ الضَّعِيفَةِ وَالشَّاذَّةِ وَبَثِّهَا في النَّاسِ لإِغوَائِهِم عَنِ الصِّرَاطِ المُستَقِيمِ ، فَإِنَّ وَعدَ اللهِ حَقٌّ وَوَعَدَ الشَّيطَانِ بَاطِلٌ ، وَالمَوعِدُ الآخِرَةُ ، وَقَد قَالَ ـ تَعَالى ـ : [فَخَلَفَ مِن بَعدِهِم خَلفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوفَ يَلقَونَ غَيًّا . إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدخُلُونَ الجَنَّةَ وَلا يُظلَمُونَ شَيئًا]
الخطبة الثانية:
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ . وَاعلَمُوا أَنَّ صَلاةَ الجَمَاعَةِ وَلا سِيَّمَا صَلاةُ الفَجرِ فَضلاً عَن كَونِهَا شَعِيرَةً عَظِيمَةً ، فَإِنَّ فِيهَا دَلالَةً عَلَى الإِيمَانِ وَتَبرِئَةً لِلنَّفسِ مِنَ النِّفَاقِ ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : [إِنَّمَا يَعمُرُ مَسَاجِدَ اللهِ مَن آمَنَ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتى الزَّكَاةَ]
ثُمَّ إِنَّ صَلاةَ الجَمَاعَةِ قُوَّةٌ لِلمُسلِمِينَ وَحِصنٌ لَهُم مِن عَدُوِّهِم المُتَرَبِّصِ الشَّيطَانِ ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : «مَا مِن ثَلاثَةٍ في قَريَةٍ لا تُقَامُ فِيهَا الصَّلاةُ إِلاَّ قَدِ استَحوَذَ عَلَيهِمُ الشَّيطَانُ ، فَعَلَيكُم بِالجَمَاعَةِ ؛ فَإِنَّمَا يَأكُلُ الذِّئبُ مِنَ الغَنَمِ القَاصِيَةَ» رَوَاهُ أَحمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ ، وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ.
ثُمَّ إِنَّ في صَلاةِ الجَمَاعَةِ تَعَارُفًا وَتَآلُفًا وَتَعَاوُنًا بَينَ المُسلِمِينَ عَلَى التَّقوَى ، وَلَولا أَنَّ اللهَ يُرِيدُ لِلمُسلِمِينَ الصَّلاةَ في جَمَاعَةٍ لَمَا شَرَعَ بِنَاءَ المَسَاجِدِ وَتَهيِئَتَهَا وَتَنظِيفَهَا لاجتِمَاعِ المُصَلِّينَ فِيهَا ، فَكَيفَ وَقَد شَرَعَ ذَلِكَ وَعَظَّمَ لِمَن يَفعَلُهُ الأَجرَ.
أُمَّةَ الإِسلامِ ، وَاللهِ لا تَنتَصِرُ أُمَّةٌ تُضَيِّعُ فَجَرَهَا ، وَلا تَسلَمُ مِن الفِتَنِ وَهِيَ تَتَهَاوَنُ في أَفضَلِ الصَّلَوَاتِ ، وَلَو تَأَمَّلتُم أَعظَمَ فِتنَةٍ تَقَعُ مُنذُ أَن خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضَ وَهِيَ فِتنَةُ الدَّجَّالِ ، لَعَلِمتُم كَيفَ يَكُونُ حَالُ مَن يَقضِي عَلَيهَا مَعَ صَلاةِ الفَجرِ ، تَأَمَّلُوا الحَدِيثَ الصَّحِيحَ الَّذِي رَوَاهُ مُسلِمٌ في حَالِ ذَلِكَ الجَيشِ الَّذِي يَغزُو القُسطَنطِينِيَّةَ في آخِرِ الزَّمَانِ وَيَنتَصِرُ وَيُدرِكُ هَلاكَ الدَّجَّالِ ، قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : «فَإِذَا جَاؤُوا الشَّامَ خَرَجَ ـ يَعني الدَّجَّالَ ـ فَبَينَا هُم يُعِدُّونَ لِلقِتَالِ يُسَوُّونَ الصُّفُوفَ إِذْ أُقِيمَتِ الصَّلاةُ (صَلاةَ الصُّبحِ) فَيَنزِلُ عِيسَى بنُ مَريَمَ فَأَمَّهُم ، فَإِذَا رَآهُ عَدُوُّ اللهِ ذَابَ كَمَا يَذُوبُ المِلحُ في المَاءِ ...» الحَدِيثَ . وَالشَّاهِدُ أَنَّ هَؤُلاءِ قَد قَامُوا لِصَلاةِ الصُّبحِ صُفُوفًا ، نَعَم ، قَامُوا صُفُوفًا كَثِيرَةً وَلَيسُوا أَفرَادًا قَلائِلَ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ عِبَادَ اللهِ ـ وَكُونُوا مَعَهُ بِعِبَادَتِهِ وَطَاعَتِهِ يَكُنْ مَعَكُم بِتَوفِيقِهِ وَتَأيِيدِهِ [إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَالَّذِينَ هُم مُحسِنُونَ]
17 / 6 / 1432
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى