لبيك يا الله



حديث قدسىعن رب العزة جلا وعلاعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله إذا أحب عبداً دعا له جبريل، عليه السلام، فقال: إني أحب فلانا فأحبه، قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، قال: ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض الله عبداً، دعا جبريل، فيقول: إني أبغض فلانا فأبغضه، فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً، فأبغضوه، قال: فيبغضونه، ثم توضع له البغضاء في الأرض”.
المواضيع الأخيرة
كل عام وانتم بخيرالجمعة 23 أبريل - 16:08رضا السويسى
كل عام وانتم بخيرالخميس 7 مايو - 22:46رضا السويسى
المسح على رأس اليتيم و العلاج باللمسالأربعاء 22 أغسطس - 14:45البرنس
(16) ما أجمل الغنائمالجمعة 11 أغسطس - 18:51رضا السويسى
مطوية ( وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ)الأحد 9 أغسطس - 19:02عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ)السبت 8 أغسطس - 12:46عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ )الأربعاء 5 أغسطس - 18:34عزمي ابراهيم عزيز



اذهب الى الأسفل
حبيبه الرحمن
حبيبه الرحمن
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

الاستقرار.. أهميته وأسبابه  Empty الاستقرار.. أهميته وأسبابه {الثلاثاء 15 نوفمبر - 19:24}

الشيخ / إبراهيم بن محمد الحقيل
الاستقرار.. أهميته وأسبابه

6/4/1432

الحَمْدُ لله الغَنِيِّ الكَرِيمِ الوَلِيِّ الحَمِيدِ؛ أَصَابَ عِبَادَهُ بِالخَيرِ وَالسَّرَّاءِ، وَدَفَعَ عَنْهُمُ البَلَاءَ وَالضَّرَّاءَ، وَجَعَلَهُمْ فِي دَارِ امْتِحَانٍ وَابْتِلَاءٍ؛ لِيَجِدُوا مَا عَمِلُوا يَوْمَ الجَزَاءِ [فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرَاً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرَّاً يَرَهُ] {الْزَّلْزَلَةَ:7-8} نَحْمَدُهُ عَلَى نِعَمِهِ وَآلَائِهِ، وَنَشْكُرُهُ عَلَى فَضْلِهِ وَإِحْسَانِهِ؛ فَنِعَمُهُ عَلَينَا مُتَتَابِعَةٌ، وَعَافِيَتُهُ فِيْنَا دَائِمَةٌ، وَإِنْ ابْتَلَانَا فَلِأَجْرٍ يُرِيْدُهُ لَنَا، وَمَا مَسَّتَنَا ضَرَّاءُ إِلَّا بِذُنُوبِنَا، وَلَا يَظْلِمُنَا رَبُّنَا، وَمَا يَعْفُو عَنْهُ أَكْثَرُ مِمَّا بِهِ يُؤَاخِذُنَا [وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللهُ الْنَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ] {الْنَّحْلِ:61} وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ؛ خَلَقَ الْخَلْقَ فَدَبَّرَهُمْ، وَغَلَبَتْ قُدْرَتُهُ سُبْحَانَهُ قُدْرَتَهُمْ؛ فَهُمْ عَبِيدُهُ وَإِنْ رَغِمُوا، وَهُمْ أُسَرَاؤُهُ وَإِنْ أَنِفُوا، لَا خُرُوْجَ لَهُمْ عَنْ أَمْرِهِ، وَلَا حِيْلَةَ لَهُمْ أَمَامَ قَدَرِهِ [وَكَانَ أَمْرُ الله قَدَرَاً مَقْدُورَاً] {الْأَحْزَابُ:38}، وَأَشْهَدُ أَنْ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ؛ أَرْأَفُ الْأُمَّةِ بِالْأُمَّةِ، وَأَنْصَحُهُمْ لَهَا، وَأَصْدَقُهُمْ مَعَهَا، وَأَعْلَمُهُمْ بِمَا يُصْلِحُهَا، لَا خَيرَ إِلَّا دَلَّنَا عَلَيهِ، وَلَا شَرَّ إِلَّا حَذَّرَنَا مِنْهُ، تَرَكَنَا عَلَى بَيْضَاءَ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا إِلَّا هَالِكٌ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَزْوَاجِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَومِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَأُوصِي نَفْسِي وَإِيَّاكُمْ -عِبَادَ الله- بِتَقْوَى الله تَعَالَى فِي السِّرِّ وَالْعَلَنِ، وَإِخْلَاصِ الْعَمَلِ لَهُ وَحْدَهُ، وَتَعَلُّقِ الْقَلْبِ بِهِ دُوْنَ سِوَاهُ؛ فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ رَافِعُ الْبَلَاءِ، وَكَاشِفُ الضَّرَّاءِ، وَمُتَمِّمُ الْنَّعْمَاءِ، وَهُوَ المُسْتَعَانُ فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ [قَالَ رَبِّ احْكُمْ ‎بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الْرَّحْمَنُ المُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُوْنَ] {الْأَنْبِيَاءِ:112}.

أَيُّهَا الْنَّاسُ: مِنْ أَهَمِّ مُقَوِّمَاتِ الْعَيْشِ الْكَرِيمِ، وَنَيلِ القُوَّةِ وَالتَّمْكِيْنِ، وَالْرُّقِيِّ وَالْتَّعْمِيرِ: الِاسْتِقْرَارُ بِكُلِّ أَنْوَاعِهِ، وَفِي كُلِّ مَجَالَاتِهِ.. وَلَا سِيَّمَا فِي الَمجَالَينِ السِّيَاسِيِّ وَالاقْتِصَادِيِّ؛ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِ اضْطِرَابِهِمَا اضْطِرَابَ حَيَاةِ النَّاسِ؛ وَلِذَا يَكْثُرُ فِي الاسْتِعْمَالِ السِّيَاسِيِّ وَالْاقْتِصَادِيِّ اسْتِخْدَامُ كَلِمَةِ الِاسْتِقْرَارِ؛ ذَلِكَ أَنَّ الِاسْتِقْرَارَ ضَرُورَةٌ مِنْ ضَرُورَاتِ العَيْشِ.. وَأَدِلَّةُ ذَلِكَ مِنَ الْشَّرْعِ وَالْتَّارِيخِ وَالْوَاقِعِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَرَ.

وَالبِلَادُ التِي تَكُونُ مُسْتَقِرَّةً يَفِدُ النَّاسُ إِلَيهَا، وَيَرْغَبُونَ فِيْهَا، وَيَبْذُلُونَ الْغَالِي وَالنَّفِيسَ لِسُكْنَاهَا، وَمِنْ عَظِيمِ النِّعَمِ التِي بُشِّرَ بِهَا أَهْلُ الْجَنَّةِ: الِاسْتِقْرَارُ فِيْهَا، وَعَدَمُ الْخُرُوجِ مِنْهَا، [أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرَاً وَأَحْسَنُ مَقِيلَاً] {الْفُرْقَانَ:24} وَفِي آيَةٍ أُخْرَى[خَالِدِيْنَ فِيْهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرَاً وَمُقَامَاً] {الْفُرْقَانَ:76} وَلَولَا أَهَمِّيَّةُ الاسْتِقْرَارِ فِي الجَنَّةِ عِنْدَ أَهْلِهَا لمَا أَغْرَى اللهُ تَعَالَى عِبَادَهُ المُؤْمِنِينَ بِهِ.. وَلَولَا أَنَّ نَعِيْمَ الْجَنَّةِ لَا يُكَدِّرُهُ عِنْدَ أَهْلِهَا إِلَّا خَوْفُهُمْ مِنْ عَدَمِ اسْتِقْرَارِهِ لَهُمْ لمَا أَمَّنَهُمُ اللهُ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ، وَأَزَالَ الخَوفَ عَنْهُمْ [لَا يَمَسُّهُمْ فِيْهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِيْنَ] {الْحَجَرَ:48}.

وَكُلُّ بِلَادٍ تَفْقِدُ اسْتِقْرَارَهَا، وَتَضْطَرِبُ أَحْوَالُهَا؛ يَفِرُّ النَّاسُ مِنْهَا، وَيُفَارِقُونَهَا إِلَى غَيرِهَا، مُخَلِّفِينَ وَرَاءَهُمْ أَحِبَّتَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَدَورَهُمْ وَمَزَارِعَهُمْ.. يَتْرُكُونَ كُلَّ غَالٍ وَنَفِيسٍ يَنْشُدُونَ الأَمْنَ وَالاسْتِقْرِارَ، وَلَو شُرِّدُوا وَطُورِدُوا، وَلَو عَاشُوا لَاجِئِينَ عِنْدَ غَيرِهِمْ، مُغْتَرِبِينَ عَنِ بُلْدَانِهِمْ، مُعْدَمَينَ بَقِيَّةَ أَعْمَارِهِمْ، فَالَدُّنْيَا بِأَسْرِهَا لَا تُسَاوِيْ شَيئَاً بِلَا اسْتِقْرَارٍ..فَلَا قِيمَةَ لِلْقُصُورِ وَالدُورِ وَالأَمْوَالِ وَالضِّيَاعِ إِذَا ضَاعَ الِاسْتِقْرَارُ..وِلَا يَبْقَى فِي البِلَادِ المُضْطَرِبَةِ إِلَّا مَنْ عَجَزَ عَنِ الرَّحَيلِ عَنْهَا.. يَنْتَظِرُ المَوْتَ كُلَّ لَحْظَةٍ.. وَأَعْدَادُ اللَّاجِئِينَ وَالمُشَرَّدِينَ فِي الأَرْضِ قَدْ بَلَغَتْ عَشَرَاتِ المَلَايِيْنِ..أَتُرَاهُمْ يَفِرُّونَ لَو وَجَدُوا قَرَارَاً فِي بُلْدَانِهِمْ، وَاسْتِقْرَارَاً لِعَيشِهِمْ؟! لَا وَالله لَا يَرْضَى بِاللُّجُوءِ وَالتَشْرِيدِ، وَمُفَارَقَةِ البُلْدَانِ، وَغُرْبَةِ الدَارِ إِلَّا مَنْ لَمْ يَجِدْ قَرَارَاً فِي بَلَدِهِ التِي عَاشَ فِيْهَا، وَتَنَسَّمَ هَوَاءَهَا، وَأَلِفَ أَهْلَهَا.. وَلَهْفَةُ المُسَافِرِ أَثْنَاءَ عَوْدَتِهِ إِلَى بَلَدِهِ أَبْيَنُ دَلِيْلٍ عَلَى ذَلِكَ، فَتَرَى شَوقَهُ فِي عَوْدَتِهِ وَلَوْ إِلَى قَرْيَةٍ لَا تُذْكَرُ مِنْ مَدِيْنَةٍ هِيَ أَشْهَرُ.

وَإِذَا فُقِدَ الاسْتِقْرَارُ مِنْ بَلَدٍ وَعَجَزَ بَعْضُ مَنْ فِيْهَا عَنْ مُفَارَقَتِهَا كَانَ بَقَاؤُهُمْ فِيْهَا جَحِيْمَاً عَلَيْهِمْ؛ لِمَا يُلْاقُوْنَهُ مِنْ الْخَوْفِ وَالْنَّقْصِ وَالْجُوعِ، وَأَهْلُ النَّارِ لَو قَدَرُوا عَلَى الخُرُوجِ مِنْهَا لَخَرَجُوا، فَكَانَ عِلْمُهُمْ بِاسْتِقْرَارِهِمْ فِيْهَا عَذَابَاً مُضَاعَفَاً إِلَى عَذَابِهِمْ بِهَا؛ وَلِذَا وُصِفَ قَرَارُهُمْ فِيْهَا بِالسُّوءِ وَالبُؤسِ [جَهَنَّمَ يَصْلَونَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ] {إِبْرَاهِيْمَ:29} وَفِي آيَةٍ أُخْرَى [إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرَّاً وَمُقَامَاً] {الْفُرْقَانَ:66} فَلَا أَمَلَ لَهُمْ فِي الخُرُوجِ مِنْهَا [فَالْيَوْمَ لَا يُخْرَجُوْنَ مِنْهَا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ] {الْجَاثِيَةٌ:35} وَيَقُولُ لَهُمْ خَازِنُ النَّارِ [إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ] {الزُّخْرُفِ:77}.

وَهَذِهِ النِّعْمَةُ العَظِيمَةُ -أَعْنِي نِعْمَةَ الِاسْتِقْرَارِ- هِيَ الرُّكْنُ الأَعْظَمُ الذِي مَنَحَهُ اللهُ تَعَالَى لِلْبَشَرِ لِيَصِحَّ عَيْشُهُمْ فِي الأَرْضِ، وَيَسْتَطِيعُوا عِمَارَتَهَا، وَالقِيَامَ بِأَمْرِ الله تَعَالَى فِيهَا، وَفِي قِصَّةِ هُبُوطِ آدَمَ عَلَيهِ السَّلَامُ إِلَى الأَرْضِ، وَاسْتِخْلَافِهِ وَذُرِّيَّتَهُ فِيْهَا؛ كَانَ الِاسْتِقْرَارُ هُوَ الرُّكْنَ الأُوَّلَ مِنْ رُكْنَي عَيْشِ الإِنْسَانِ عَلَى الْأَرْضِ وَعِمَارَتِهَا [وَقُلْنَا اهْبِطُوْا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ] {الْبَقَرَةِ:36}، فَالمُسْتَقَرُّ هُوَ قَرَارُهَا لَهُمْ، وَأَمْنُهُمْ فِيْهَا، وَالمَتَاعَ هُوَ المآكِلُ وَالمَشَارِبُ وَالمَلَابِسُ وَالمَرَاكِبُ وَنَحْوُّهَا، وَفِي مِنَّةِ الله تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ [وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُم فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيْهَا مَعَايِشَ قَلِيلَاً مَا تَشْكُرُونَ] {الْأَعْرَافِ:10} أَيْ: أَقْدَرْنَاكُمْ عَلَى أُمُورِ الأَرْضِ، وَخَوَّلْنَاكُمُ التَّصَرُّفَ فِي مَخْلُوقَاتِهَا.. وَالتَّمْكِينُ فِي الأَرْضِ هُوَ المُسْتَقَرُّ المَذْكَورُ فِي الآيَةِ السَّالِفَةِ، كَمَا أَنَّ المَعَايِّشَ فِي هَذِهِ الآيَةِ هِيَ المَتَاعُ فِي السَّابِقَةِ، وَمِثْلُ الآيَتَينِ السَّابِقَتَينِ قَولُ الله تَعَالَى[هُوَ الَذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلَولَاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ] {الْمَلِكُ:15}.

وَمِنْ بَرَاعَةِ البَيَانِ فِي القُرْآنِ الكَرِيمِ أَنَّهُ يُقَدِّمُ الأَصْلَ عَلَى الفَرْعِ، وَالَأَهَمَّ عَلَى المُهِمِّ، وَكَانَ هَذَا الْأُسْلُوبُ البَلَاغِيُّ مُضْطَّرِدَاً فِي آيَاتِهِ، وَلَما كَانَ الِاسْتِقْرَارُ أَهَمَّ مِنَ المَعَايِّشِ وَالأَرْزَاقِ وَالمَتَاعِ، بَلْ لَا مَتَاعَ وَلَا مَعَايِّشَ إِلَّا بِاسْتِقْرَارٍ كَمَا دَلَّ عَلَيهِ اسْتِقْرَاءُ تَارِيخِ البَشَرِ وَوَاقِعُهُمْ؛ فَإِنَّ الآيَاتِ الكَرِيمَةِ قَدَّمَتْ الِاسْتِقْرَارَ عَلَى مَا سِوَاهُ، وَجَعَلَتِ المَعَايِّشَ تَالِيَةً لَهُ، وَجَاءَ هَذَا التَّرْتِيبُ وَالبَيَانُ فِي سَوْرَتِي البَقَرَةِ وَالمُلْكِ، وَفِي مَوضِعَينِ مِنْ سُورَةِ الأَعْرَافِ؛ لِيَعْلَمَ النَاسُ أَنَّهُ لَا قِيَامَ لِأُمُورِ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ، وَلَا عِمَارَةَ لِلْأَرْضِ الَّتِي اسْتُخْلِفُوا فِيهَا إِلَّا بِتَحْقِيقِ الِاسْتِقْرَارِ فِيهَا، وَأَنَّ أَيَّ اضْطِرَابٍ سَيَكُوْنُ لَهُ أَثَرٌ بِالِغٌ فِي رِعَايَةِ مَصَالِحِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا. وَفِي الامْتِنَانِ بِنَشْأَةِ البَشَرِ [وَهُوَ الَذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَودَعٌ] {الْأَنْعَامِ:98} قَالَ ابْنُ مَسْعُوْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:«مُسْتَقَرٌّ فِي الْأَرْضِ وَمُسْتَودَعٌ فِي القُبُورِ».

إِنَّ الأَرْضَ لَمْ تَكُنْ مُسْتَقَرَّاً لِلْبَشَرِ، وَلَمْ يُمَكَّنْ لَهُمْ فِيهَا إِلَّا لمَّا ذَلَّلَهَا اللهُ تَعَالَى لَهُمْ وَمَهَدَهَا وَمَدَّهَا وَأَرْسَاهَا فَلَا تَضْطَرِبُ [وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيْهَا رَوَاسِيَ] {الْرَّعْدُ:3} [أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ مِهَادَاً] {الْنَّبَأِ:6} وَكَانَ اسْتِقْرَارُ الْأَرْضِ لِلْبَشَرِ مِنْ دَلَائِلِ الرُّبُوبِيَّةِ [أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارَاً ....ثُمَّ خَتَمَ الآَيَةَ: أَئِلَهٌ مَعَ الله] {الْنَّمْلِ:61} وَفِي آيَةٍ أُخْرَى [اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ قَرَارَاً...وَخَتَمَهَا بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللهُ رَبُّ العَالَمِيْنَ] {غَافِرِ:64}.

وَمِنْ لَوَازِمِ هَذَا الِاسْتِقْرَارِ أَنْ يَكُونَ الإِنْسَانُ سَيِّدَ الْأَرْضِ وَمَلِكَهَا، وَيُدِيرُ المَخْلُوقَاتِ فِيهَا، فَسَخَّرَ اللهُ تَعَالَى لَهُ كُلَّ مَا فِي الأَرْضِ [وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعَاً مِنْهُ] {الْجَاثِيَةٌ:13} فَكَانَتْ مَخْلُوقَاتُ البَرِّ وَالبَحْرِ أَكْثَرَ مِنَ البَشَرِ، وَأَقْوَى مِنْهُمُ، وَمَعَ ذَلِكَ يَقُوْدُهَا الإِنْسَانُ، وَيَمْلِكُهَا وَيَتَصَرَّفُ فِيهَا، فَتَنْقَادُ لَهُ سُخْرَةً مِنَ الله تَعَالَى. فَلَا عُدْوَانَ عَلَى البَشَرِ إِلَّا مِنَ البَشَرِ، وَلَا خَوْفَ عَلَيهِمْ إِلَّا مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ سَادَةُ الأَرْضِ.. مَلَّكَهُمْ اللهُ تَعَالَى إِيَّاهَا، وَسَخَّرَ لَهُمْ مَا فِيْهَا؛ لِيُقِيمُوا دِينَهُ الَّذِي ارْتَضَاهُ عَلَيهَا، وَلِيَعْبُدُوهُ لَا يُشْرِكُونَ بِهِ شَيئَاً [كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُوْرٌ] {سَبَأٍ:15}.

اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنَ الشَّاكِرِينَ، وَجَنِّبْنَا سُبُلَ الهَالِكِينَ، وَزِدْنَا مِنَ النَّعِيمِ، وَاتْمِمْ لَنَا حَسَنَةَ الدُّنْيَا وَاجْمَعْ لَنَا مَعَهَا حَسَنَةَ الآخِرَةِ [رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ] {الْبَقَرَةِ:201}..

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ...







الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الحَمْدُ لله حَمْدَاً طَيِّبَاً كَثِيرَاً مُبَارَكَاً فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوُلُهُ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَومِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَاعْلَمُوا أَنَّ كُلَّ شَيءٍ بِقَدَرِ الله تَعَالَى لَحِكْمَةٍ يُرِيدُهَا، وَمَا تَمُوجُ بِهِ الأَرْضُ مِنْ مِحَنٍ وَفِتَنٍ وَابْتِلَاءَاتٍ لَا يَخْرُجُ عَنْ قَدَرِ الله تَعَالَى وَأَمْرِهِ [أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ] {الْأَعْرَافِ:54} وَتَمْتِينُ الإِيمَانِ بِالقَدَرِ فِي هَذِهِ الأَحْوَالِ مِنْ أَسْبَابِ الثَّبَاتِ عَلَى الحَقِّ؛ لِئَلَّا تَمِيدَ بِالعَبْدِ فِتْنَةٌ فَيَنْحَرِفَ إِلَى البَاطِلِ، قَالَ عَبْدُ الله بْنُ عَمْرِوٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا:«مَنْ كَانَ يَزْعُمُ أَنَّ مَعَ الله قَاضِيَاً أَوْ رَازِقَاً أَوْ يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ ضَرَّاً أَوْ نَفْعَاً، أَوْ مَوْتَاً أَوْ حَيَاةً أَوْ نُشُوْرَاً، لَقِيَ اللهَ فَأَدْحَضَ حُجَّتَهُ، وَأَخْرَقَ لِسَانَهُ، وَجَعَلَ صَلَاتَهُ وَصِيَامَهُ هَبَاءً، وَقَطَعَ بِهِ الأَسْبَابَ، وَأَكَبَّهُ عَلَى وَجْهِهِ فِي النَّارِ».

أَيُّهَا النَّاسُ: لمَّا كَانَ لِلاسْتِقَرَارِ هَذِهِ الْأَهَمِّيَّةُ البَالِغَةُ فِي صَلَاحِ أَحْوَالِ النَّاسِ، وَاسْتِقَامَةِ دِيَنِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ؛ جَاءَتِ الشَرِيعَةُ الرَّبَّانِيَّةُ تَدْعُو إِلَى كُلِّ مَا يُؤَدِّي إِلَى الِاسْتِقْرَارِ، وَتُرَغِّبُ فِيهِ، وَتَقْطَعُ كُلَّ طَرِيقٍ تُؤَدِّي إِلَى الفَوضَى وَالاضْطِرَابِ، وَتَنْهَى عَنْهَا، وَتَمْنَعُ مِنْهَا، وَكَانَ هَذَا أَصْلَاً مَتِيْنَاً دَلَّ عَلَيهِ القُرْآنُ وَالسُّنَّةُ فِي إِجْرَاءَاتٍ عِدَّةٍ، وَتَشْرِيعَاتٍ مُتَنَوِّعَةٍ، فَمِنْ تَشْرِيْعَاتِ الإِسْلَامِ لإِدَامَةِ الِاسْتِقْرَارِ: الأَمْرُ بِاجْتِمَاعِ الكَلِمَةُ، وَالنَّهْيُ عَنِ الِاخْتِلَافِ وَالفُرْقَةِ؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ يُؤَدِّي إِلَى الِاحْترَابِ وَالقِتَالِ، فَيَزُولُ الِاسْتِقْرَارُ [وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ الله جَمِيْعَاً وَلَا تَفَرَّقُوا] {آَلِ عِمْرَانَ:103} وَفِي آيَةٍ أُخْرَى [وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا] {آَلِ عِمْرَانَ:105} وَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: «يَدُ الله مَعَ الجَمَاعَةِ»رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ.

وَمِنْ تَشْرِيعَاتِ الإِسْلَامِ لإِدَامَةِ الِاسْتِقْرَارِ: مُجَانَبَةُ الفِتَنِ وَأَهْلِهَا، وَالتَحْذِيرُ مِنْ مَسَارِبِهَا، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ السَّعِيْدَ لَمَنْ جُنِّبَ الفِتَنَ إِنَّ السَّعِيْدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنَ إِنَّ السَّعِيْدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنَ وَلَمَنْ ابْتُلِىَ فَصَبَرَ فَوَاهَاً»رَوَاهُ أَبُوْ دَاوُدَ.

وَقَدْ يَظُنُّ الِإِنْسَانْ أَنَّ لَدَيهِ إِيمَانَاً يَعْصِمُهُ مِنَ الفِتْنَةِ، أَوْ عَقْلَاً يَدَلُّهُ عَلَى الصَّوَابِ فِيهَا، فَإِذَا قَلْبُهُ يَتَشَرَّبُهَا وَهُوَ لَا يَشْعُرُ، فَتَصْلَاهُ نَارُهَا، وَتُحْرِقُهُ أُتُونُهَا، وَيَغْرَقُ فِي لُجَّتِهَا. وَحِينَ حَذَّرَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ، وَوَصَفَهُ لِأُمَّتِهِ وَصَفْاً دَقِيقَاً يَعْرِفُونَهُ بِهِ أَمَرَ بِالهَرَبِ مِنْهُ؛ خَشْيَةَ الِافْتِتَانِ بِهِ فَقَالَ -صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ سَمِعَ بِالدَّجَّالِ فَلْيَنْأَ عَنْهُ فَوَالله إِنَّ الرَّجُلَ لَيَأْتِيهِ وَهُوَ يَحْسِبُ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ فَيَتَّبِعُهُ مِمَّا يَبْعَثُ بِهِ مِنْ الشُّبُهَاتِ»رَوَاهُ أَبُوْ دَاوُدَ.

فَإِذَا كَانَ هَذَا فِيمَنْ فِتْنَتُهُ مَعْلُومَةٌ، وَوَصْفُهُ لِلْمُؤمِنِ مَعْرُوفٌ، فَكَيفَ بِفِتْنَةٍ مُلْتَبِسَةٍ لَا يَعْلَمُ المُؤْمِنُ عَنْهَا شَيْئَاً، وَلَا يَدْرِي أَهِيَ خَيرٌ أَمْ شَرٌّ؟!

وَمِنْ تَشْرِيعَاتِ الإِسْلَامِ لإِدَامَةِ الِاسْتِقْرَارِ: الْأَمْرُ بِلُزُومِ الجَمَاعَةِ، وَالنَّهْيُ عَنْ شَقِّ عَصَا الطَّاعَةِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- لمَّا أَخْبَرَ عَنْ زَمَنِ اسْتِحْكَامِ الفِتَنِ، وَكَثْرَةِ الدُّعَاةِ إِلَى جَهَنَّمَ، سَأَلَهُ حُذَيْفَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَمَّا يَفْعَلُ إِنْ أَدْرَكَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ -صلى الله عليه وسلم-: «تَلْزَمُ جَمَاعَةَ المُسْلِمِيْنَ وَإِمَامَهُمْ»مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَأَمَرَ -صلى الله عليه وسلم- بِالْصَّبْرِ عَلَى الظُّلْمِ وَالْأَثَرَةِ، وَمُدَافَعَةِ المُنْكَرَاتِ بِالنَّصِيحَةِ وَالأَمْرِ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِّ عَنِ المُنْكَرِ فَقَالَ -صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّكُمْ سَتَرَونَ بَعْدِي أَثَرَةً وَأُمُورَاً تُنْكِرُونَهَا، قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا يَا رَسُولَ الله، قَالَ: أَدُّوا إِلَيهِمْ حَقَّهُمْ وَسَلُوا اللهَ الَّذِي لَكُمْ»رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَقَالَ -صلى الله عليه وسلم-: «مْنَ رَأَى مِنْ أَمِيْرِهِ شَيئَاً يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ عَلَيهِ فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الجَمَاعَةَ شِبْرَاً فَمَاتَ إِلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً»رَوَاهُ الشَّيخَانِ.

وَكُلُّ مَا يُؤَدِّي إِلَى تَبَاعُدِ القُلُوْبِ وَتَبَاغُضِهَا، وَاخْتِلَافِ الْكَلِمَةِ وَافْتِرَاقِهَا، وَسَفَكِ الْدِمَاءِ المَعْصُوْمَةِ مِنْ مُظَاهَرَاتِ وَاحْتِجَاجَاتِ وَخُرُوْجُ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَيُنْهَى عَنْهُ، وَيُحَذَّرُ مِنْهُ؛ لَأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى الِاضْطِرَابِ، وَيَقْضِي عَلَى الاسْتِقْرَارِ الَذِي هُوَ مَطْلَبٌ شَرْعِيٌّ ضَرُوْرِيٌ، وَيَتَأَكَّدُ ذَلِكَ فِي البِلَادِ الَّتِي تَشْرَأِبُّ أَعْنَاقُ أَهْلِ البِدْعَةِ لِافْتِرَاسِهَا، وَالسَّيطَرَةِ عَلَى أَجْزَاءٍ مِنْهَا، وَتُغْرِي الدُّوَلَ الِاسْتِعْمَارِيَّةَ بِاقْتِحَامِهَا وَنَهْبِ ثَرَوَاتِهَا؛ فَالخَيرُ لِأَهْلِهَا حُكَّامَاً وَّمَحْكُومِينَ أَنْ تَأْتَلِفَ قُلُوبُهُمْ، وَتَجْتَمِعَ كَلِمَتُهُمْ، وَيُطْفِئُوا مَشَاعِلَ الفِتْنَةِ فِيهِمْ، وَيُصْلِحُوا ذَاتَ بَينِهِمْ..

حَمَى اللهُ تَعَالَى بِلَادَنَا وَبِلَادَ المُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ سُوءٍ وَمَكْرُوهٍ، وَأَدَامَ عَلَينَا وَعَلَى المُسْلِمِينَ الأَمْنَ وَالاسْتِقْرَارَ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ..
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى