لبيك يا الله



حديث قدسىعن رب العزة جلا وعلاعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله إذا أحب عبداً دعا له جبريل، عليه السلام، فقال: إني أحب فلانا فأحبه، قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، قال: ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض الله عبداً، دعا جبريل، فيقول: إني أبغض فلانا فأبغضه، فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً، فأبغضوه، قال: فيبغضونه، ثم توضع له البغضاء في الأرض”.
المواضيع الأخيرة
كل عام وانتم بخيرالجمعة 23 أبريل - 16:08رضا السويسى
كل عام وانتم بخيرالخميس 7 مايو - 22:46رضا السويسى
المسح على رأس اليتيم و العلاج باللمسالأربعاء 22 أغسطس - 14:45البرنس
(16) ما أجمل الغنائمالجمعة 11 أغسطس - 18:51رضا السويسى
مطوية ( وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ)الأحد 9 أغسطس - 19:02عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ)السبت 8 أغسطس - 12:46عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ )الأربعاء 5 أغسطس - 18:34عزمي ابراهيم عزيز



اذهب الى الأسفل
رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

جريمة الاستخفاف بدماء الشعوب     Empty جريمة الاستخفاف بدماء الشعوب {الأربعاء 16 نوفمبر - 10:41}

الشيخ / إبراهيم بن محمد الحقيل
جريمة الاستخفاف بدماء الشعوب

29 / 3 / 1432هـ

الـحَمْدُ لله، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِيْنُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِالله مِنْ شُرُوْرِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مِنَ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ] {آَلِ عِمْرَانَ:102} [يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيْبًا] {النِّسَاء:1} [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُوْلُوْا قَوْلاً سَدِيْدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا] {الأَحْزَابُ:70-71}.





أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ خَيْرَ الكَلَامِ كِتَابُ الله تَعَالَى، وَخَيْرَ الهَدْيِّ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

أَيُّهَا الْنَّاسُ: حِيْنَ أَسْكَنَ الله تَعَالَى الْبَشَرَ فِي الْأَرْضِ، وَاسْتُخْلَفَهُمْ فِيْهَا؛ ابْتَلَى بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ، فَظَلَمَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَاعْتَدَى بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَقَدْ يَصِلُ الْاعْتِدَاءُ إِلَى سَفْكِ الدَّمِ، وَانْتِهَاكِ الْعِرْضِ، وَتَمْزِيقِ الجَسَدِ: [وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ] {الأَنْعَام: 53}، وَهَذَا مِنْ نَتَائِجِ الجَهْلِ وَالظُّلْمِ المُلَازِمَةِ لِلإِنْسَانِ مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ دِينٌ يَرْدَعُهُ، أَوْ خُلُقٌ يَزَعُهُ.

وَمَلَائِكَةُ الْرَّحْمَنِ جَلَّ وَعَلَا خَافُوا عَلَى الإِنْسَانِ مِنَ الْإِنْسَانِ: مِنَ ظُلْمِهِ لَهُ، وَبَغْيِّهِ عَلَيْهِ، وَبَطْشِهِ بِهِ؛ بِسَبَبِ أَثَرَتِهِ وَشَهْوَتِهُ، وَلَكِنَّ حُكْمَ اللهِ تَعَالَى نَافِذٌ، وَحِكْمَتَهُ سُبْحَانَهُ غَالِبَةٌ، وَحُجَّتَهُ -عَزَّ وَجَلَّ- بَالِغَةٌ: [قَالُوَا أَتَجْعَلُ فِيْهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيْهَا وَيَسْفِكُ الْدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ] {الْبَقَرَةِ:30}، قَالَ المَلَائِكَةُ عَلَيْهِمْ الْسَّلَامُ ذَلِكَ قَبْلَ إِسْكَانِ الْبِشْرِ فِي الْأَرْضِ. وَالْقَتْلُ بِغَيْرِ حَقٍّ يَدْخُلُ فِي الْإِفْسَادِ فِي الْأَرْضِ، لَكِنْ خَصَّهُ المَلَائِكَةُ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ بِالذِّكْرِ لِعِلْمِهِمْ بِعَظِيمِ أَمْرِهِ عِنْدَ الله تَعَالَى.

وَقَدْ قَصَّ الله تَعَالَى عَلَيْنَا فِي الْقُرْآَنِ الْكَرِيْمِ نَبَأَ أَوَّلِ دَمٍ بَشَرِيٍّ سُفِكَ عَلَى الْأَرْضِ ظُلْمًا وَعُدْوَانًا بِسَبَبِ حَسَدِ ابْنِ آَدَمَ لِأَخِيهِ: [قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ] {المَائِدَة: 27} فَنَفَّذَ بَعْدُ وَعِيْدَهُ: [فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيْهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الخَاسِرِيْنَ] {المَائِدَة:30}.

إِنَّ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيْمِ تَعْدَادًا لِأَنْوَاعٍ مِنَ الذُّنُوبِ وَالمُوبِقَاتِ؛ كَالشِّرْكِ وَالرِّبَا وَالزِّنَا وَالخَمْرِ وَالعُقُوقِ وَالْقَطِيعَةِ وَغَيرِهَا، لَكِنِّي لَا أَعْلَمُ أَنَّهُ ذُكِرَ فِي الْقُرْآنِ قِصَّةُ بِدَايَةِ ذَنْبٍ عَمِلَهُ ابْنُ آَدَمَ، وَلَا بَيَانُ أَوَّلِ مَنْ بَاشَرَهُ سِوَى الْقَتْلِ؛ فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى ذَكَرَهُ فِي قِصَّةٍ مُؤَثِّرَةٍ؛ لِيُرْدَعَ عَنْهُ مَنْ قَرَأَهَا وَسَمِعَهَا.

ثُمَّ ذُيِّلَتْ هَذِهِ الْقِصَّةُ الْعَظِيْمَةُ بِحُكْمٍ خَطِيْرٍ يُفِيْدُ أَنَّ مَنِ اسْتَحَلَّ قَتْلَ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ بِغَيْرِ حَقٍّ فَإِنَّمَا هُوَ مُسْتَحِلٌّ لِقَتْلِ الْبَشَرِ كُلِّهِمْ: [أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيْعًا] {المَائِدَة:32} فَسَنَّ ابْنُ آدَمَ الْأَوَّلُ الْقَتْلَ حِيْنَ قَتَلَ أَخَاهُ ظُلْمًا وَعُدْوَانًا، فَكَانَ عَلَيْهِ كِفْلُ كُلِّ نَفْسٍ تُقْتَلُ ظُلْمًا وَعُدْوَانًا؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ فِي الْبَشَرِ، كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الحَدِيثِ الصَّحِيحِ.

إِنَّ اسْتِحْلَالَ قَتْلِ الْنَّاسِ، وَالْاسَتِهَانَةَ بِأَرْوَاحِهِمْ، وَالْوُلُوغَ فِي دِمَائِهِمْ يَنْشَأُ عَنِ الجَهْلِ بِعَاقِبَةِ ذَلِكَ عِنْدَ الله تَعَالَى، وَعَنْ ظُلْمٍ فِي النَّفْسِ وَكِبْرٍ وَعُلُوٍّ عَلَى النَّاسِ، يَرَى الْقَاتِلُ فِيْهَا نَفْسَهُ فَوْقَ المَقْتُولِ، وَحِينَئِذٍ فَإِنَّهُ لَوِ اسْتَحَلَّ دِمَاءَ شُعُوْبٍ بِأَكْمَلِهَا؛ فَإِنَّ قَلْبَهَ لَا يَتَحَرَّكُ، وَلَا تَطْرِفُ عَيْنُهُ، وَلَا تَلُومُهْ نَفْسُهُ، كَأَنَّهُ يَرَى أَنَّ هَؤُلَاءِ الْبَشَرَ مَا خُلِقُوا إِلاَّ لِيَسْتَعْبِدَهُمْ أَوْ يُحَقِّقَ مُرَادَهُ مِنْهُمْ أَوْ يَقْتُلَهُمْ.

وَلِأَجْلِ مَا فِي النَّفْسِ الْبَشَرِيَّةِ مِنَ الظُّلْمِ وَالْعُدْوَانِ، وَالتَّعَطُّشِ لِسَفْكِ الدِّمَاءِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى ذَلِكَ؛ جَاءَتْ نُصُوْصُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ حَاسِمَةً قَوِيَّةً مُرْهِبَةً مِنَ الْقَتْلِ، تَعِدُ مَنِ اسْتَحَلَّ الدِّمَاءَ المَعْصُومَةَ فسَفكهَا، أَوِ اسْتَهَانَ بِهَا فَأَعَانَ عَلَى قَتْلِهَا، تَعِدُهُ بِأَشَدِّ الْوَعِيْدِ وَأَعْنَفِهِ: [وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيْهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا] {النِّسَاء:93}، فَجُمِعَ عَلَيْهِ الْغَضَبُ وَاللَّعْنَةُ وَالْوَعِيدُ بِالنَّارِ وَالْعَذَابِ الْعَظِيمِ الَّذِي لَا يُعْلَمُ عِظَمَهُ إِلَا اللهُ تَعَالَى، وَكَفَى بِذَلِكَ زَجَرًا عَنِ الْوُلُوغِ فِي الدِّمَاءِ المَعْصُومَةِ أَوِ الِاسْتِهَانَةِ بِأَمْرِهَا.

وَعَدَّ النَّبِيُّ ^ قَتْلَ نَفْسٍ بِغَيْرِ حَقٍّ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ، وَمِنَ السَّبْعِ المُوبِقَاتِ الَّتِي تُوبِقُ صَاحِبَهَا، وَفِي حَدِيْثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: «لَا يَزَالَ المُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِيْنِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى:«المَعْنَىْ: أَنَّهُ فِي أَيِّ ذَنْبٍ وَقَعَ كَانَ لَهُ فِي الدِّينِ وَالشَّرْعِ مَخْرَجٌ إِلَّا الْقَتْلَ؛ فَإِنَّ أَمْرَهُ صَعْبٌ، وَيُوَضِّحُ هَذَا مَا فِي تَمَامِ الحَدِيْثِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ مِنْ وَرَطَاتِ الْأُمُورِ الَّتِي لَا مَخْرَجَ لِمَنْ أَوْقَعَ نَفْسَهُ فِيْهَا سَفْكَ الدَّمِ الحَرَامِ بِغَيْرِ حِلِّهِ».اهـ.

وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيْثُ عُبَادَةَ بْنِ الْصَّامِتِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا فَاغْتَبَطَ بِقَتْلِهِ لَمْ يَقْبَلِ اللهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلاً». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. وَكَثِيْرٌ مِنَ المُفْسِدِيْنَ فِي الْأَرْضِ، المُسْتَعْلِينَ عَلَى الخَلْقِ، يَعِدُونَ النَّاسَ بِالْقَتْلِ، وَيُفَاخَرُونَ بِسَفْكِهِمْ لِدِمَائِهِمْ ظُلْمًا وَعُدْوَانًا، فَوَيْلٌ لَـهُمْ عَلَى اغْتِبَاطِهِمْ بِذَلِكَ.

وَسَفْكُ دَمِ مُسْلِمٍ أَعْظَمُ عِنْدَ الله تَعَالَى مِنَ الدُّنْيَا كُلِّهَا؛ لِـمَكَانَةِ المُؤْمِنُ عِنْدَ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ وَلِـهَوَانُ الْدُّنْيَا عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ، قَالَ عَبْدُ الله بْنُ عَمْرِوٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: «لِزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى الله مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ.

فَوَيْلٌ لِمَنِ اسْتَهَانَ بِدَمِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ فَسَفَكَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَيْلٌ لَهُ مِنْ يَوْمٍ عَبُوسٍ قَمْطَرِيرٍ يَقِفُ فِيْهِ بَيْنَ يَدَيِ الله تَعَالَى حِينَ يَقْضِي فِي أَمْرِ الدِّمَاءِ وَهِيَ أَعْظَمُ المَظَالِمِ بَيْنَ النَّاسِ، وَيُبْدَأُ بِهَا فِي الْفَصْلِ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ كَمَا فِي حَدِيْثِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: «أُوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الدِّمَاءِ». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

وَجَاءَ بَيَانُ كَيْفِيَّةِ ذَلِكَ بِمَا يَزْجُرُ عَنْ اسْتِحْلَالِ الدِّمَاءِ المَعْصُوْمَةِ أَوِ الِاسْتِهَانَةِ بِأَمْرِهَا لِمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِالبَعْثِ وَالجَزَاءِ، وَفِي حَدِيْثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «ثَكِلَتْهُ أُمُّهُ رَجُلٌ قَتَلَ رَجُلاً مُتَعَمِّدًا، يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ آخِذًا قَاتِلَهُ بِيَمِيْنِهِ أَوْ بِيَسَارِهِ، وَآخِذًا رَأْسَهُ بِيَمِينِهِ أَوْ شِمَالِهِ تَشْخُبُ أَوْدَاجُهُ دَمًا فِي قُبُلِ الْعَرْشِ، يَقُولُ: يَا رَبِّ: سَلْ عَبْدَكَ: فِيْمَ قَتَلَنِي». رَوَاهُ أَحْمَدُ.

يَا وَيْحَ جَبَابِرَةِ الْبَشْرِ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ الْعَظِيْمِ، وَيْحَهُمْ حِيْنَ يُقْدِمُوْنَ عَلَى رَبِّهِمْ سُبْحَانَهُ وَقَدْ اسْتَحَلُّوا دِمَاءَ عِبَادِهِ فَسَفَكُوهَا بِغَيْرِ حَقٍّ، قَدِ اسْتَهَانُوْا بِدِمَاءِ النَّاسِ فَأَرَاقُوهَا بِغَيْرِ جُرْمٍ اقْتَرَفُوهُ إِلَا إِشْبَاعَ شَهَوَاتِهِمُ الْعُدْوَانِيَّةِ.

وَيْحَهُمْ حِيْنَ يُحِيْطُ بِهِمْ ضَحَايَاهُمْ فِي عَرَصَاتِ الْقِيَامَةِ لِلْقِصَاصِ مِنْهُمْ، وَكَمْ مِنْ ظَالِمٍ جَبَّارٍ سَفَّاكٍ لِلدِّمَاءِ يُطَالِبُهُ بِالْقِصَاصِ مِئَاتٌ وَأُلُوْفٌ وَمَلَايِينُ مِنَ البَشَرِ قُتِلُوا فِي الدُّنْيَا بِيَدِهِ أَوْ بِأَمْرِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ.

فَمَنْ سَلَّمَهُ الله تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ فَلْيَحْمَدِ اللهَ تَعَالَى عَلَى عَافِيَتِهِ، وَلْيَسْأَلْهُ الْعِصْمَةَ فِيمَا بَقِيَ مِنْ عُمُرِهِ، وَلْيَنْأَ عَنْ كُلِّ فِتْنَةٍ؛ لِئَلَّا تَتَلَطَّخَ يَدُهُ بِدَمٍ يَسْفِكُهُ بِغَيْرِ حَقٍّ.

أَعُوْذُ بِالله مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ: [وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُوْنَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيْهِ مُهَانًا] {الْفُرْقَان: 68-0 69}.

بَارَكَ الله لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ...





الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الحَمْدُ لله حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيْهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، نَحْمَدُهُ كَمَا يَنْبَغِي لِجَلَالِهِ وَعَظِيمِ سُلْطَانِهِ، وَنَشْكُرُهُ عَلَى نِعَمِهِ وَآلَائِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آَلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّيِنِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ [وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَّفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُوْنَ] {الْبَقَرَة:123}.

أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: كُلَّمَا تَبَاعَدَ النَّاسُ عَنْ زَمَنِ الْوَحْيِّ كَانُوا أَكْثَرَ جَهْلاً بِالدِّيْنِ وَإِنْ فُتِحَ لَـهُمْ فِي عُلُومِ الدُّنْيَا، وَكَانوا أَقْسَى قُلُوْبًا وَإِنْ تَظَاهَرُوا بِالشِّعَارَاتِ البَرَّاقَةِ المُخَادِعَةِ مِنْ نَحْوِ الْإِنْسَانِيَّةِ وَالحُرِّيَّةِ وَالمُسَاوَاةِ وَالْإِخَاءِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ إِلَّا وَالَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ كَمَا ثَبَتَ فِي الحَدِيثِ الصَّحِيحِ، حَتَّى يَكُونَ قَتْلُ النَّاسِ عُدْوَانًا وَظُلْمًا مَنْهَجًا لِبَعْضِهِمْ يَنتَهِجُونَهُ، وَشَرِيعَةً يُطَبِّقُونَهَا. وَقَدْ أَخْبَرَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ فِي آَخِرِ الزَّمَانِ يَكْثُرُ الهَرْجُ، قَالُوْا: «وَمَا الهَرْجُ يَا رَسُولَ الله؟! قَالَ: الْقَتْلُ الْقَتْلُ». رَوَاهُ الْشَّيْخَانِ.

إِنَّ الحَدِيثَ عَنِ الْقِيَمِ الْإِنْسَانِيَّةِ، وَعَنِ السِّلْمِ الْعَالَمِيِّ الَّذِي يُخَيِّمُ عَلَى الْأَرْضِ لَيْسَ سِوَى أَحْلَامٍ وَأَوْهَامٍ مِمَّنْ يَعْتَقِدُهَا وَيَقُولُ بِهَا، أَوْ مُخَادَعَةٍ مِنَ الْأَقْوِيَاءِ ليُخَدِّرُوا بِهَا الضُّعَفَاءَ، وَإِلَّا فَإِنَّ حَقِيْقَةَ الْقِيَمِ الْإِنْسَانِيَّةِ هِيَ قِيَمُ الْقَتْلِ وَالْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ مُنْذُ أَنْ قَالَ المَلَائِكَةُ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ [أَتَجْعَلُ فِيْهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيْهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ] {الْبَقَرَةِ:30}، وَكَانَ التَّارِيْخُ الْبَشَرِيُّ شَاهِدًا عَلَى هَذِهِ الحَقِيْقَةِ الْقُرْآنِيَّةِ، فَقَدْ اسْتَقْرَأَ المُؤَرِّخُ الْأَمْرِيكِيُّ دِيُوْرَانَتْ التَّارِيْخَ الْبَشَرِيَّ كُلَّهُ ثُمَّ وَصَلَ إِلَى نَتِيْجَةٍ مَفَادُهَا: أَنَّ الحَرْبَ هِيَ أَحَدُ ثَوَابِتِ التَّارِيخِ... وَذَكَرَ أَنَّهُ مُنْذُ بَدَأَ تَدْوِينُ التَّارِيخِ البَشَرِيِّ قَبْلَ أَرْبَعَةٍ وَثَلَاثِينَ قَرْنًا لَمْ يَجِدْ مِنْهَا سِوَى قَرْنَيْنِ وَنِصْفٍ بِغَيْرِ حَرْبٍ، وَنَقَلَ عَنْ أَحَدِ الْفَلَاسِفَةِ قَوْلَهُ: الحَرْبُ هِيَ أَبُو كُلِّ شَيْءٍ، أَمَّا السَّلامُ فَهُوَ تَوَازُنٌ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ لَا يُمْكِنُ المُحَافَظَةُ عَلَيْهِ إِلَّا بِالْتَفَوّقِ المَقْبُولِ أَوِ الْقُوَّةِ المُعَادِلَةِ.اهـ.

إِنَّ الْنُّفُوسَ الْبَشَرِيَّةَ الجَامِحَةَ إِلَى الظُّلْمِ وَالطُّغْيَانِ، الجَاهِلَةَ بِحَقِيْقَتِهَا، المُسْتَعْلِيَةَ بِقُوَّتِهَا، المَغْرُورَةَ بِنَجَاحِهَا، المَخْدُوعَةَ بِمَنْ يُزَيِّنُ لَهَا عَمَلَهَا؛ لَا تَأْبَهُ بِأَرْوَاحِ النَّاسِ، وَلَا تَرِقُّ لِآلاَمِهِمْ، وَلَا تَكُفُّ عَنْ عَذَابِهِمْ؛ لِاعْتِقَادِهَا بِصَوَابِ فِعْلِهَا، وَظَنِّهَا أَنَّ البَشَرَ مِنْحَةٌ لَهَا تَفْعَلُ بِهَا مَا تَشَاءُ، وَحِينَ أَبَادَ الْقَائِدُ التَّتَرِيُّ تَيْمُورلَنْكُ أَهْلَ دِمَشْقَ، جَمَعَ أَطْفَالَـهُمْ مِنَ الخَامِسَةِ فَمَا دُوْنَ، وَكَانُوْا نَحْوَ عَشَرَةِ آلَافِ طِفْلٍ، فَوَقَفَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ عَلَى فَرَسِهِ سَاعَةً طَوِيلَةً، ثُمَّ أَمَرَ عَسَاكِرَهُ أَنْ تَسِيرَ عَلَيْهِمْ بِخُيولِهِ، فَمَاتُوا جَمِيعًا، فَقَالَ:«انْتَظَرْتُ أَنْ يُنَزِّلَ اللهُ عَلَى قَلْبِي رَحْمَةً بِهِمْ، فَمَا نَزَلَتِ الرَّحْمَةُ بِهِمْ».

وَكَانَ هُولَاكُو الَّذِي أَبَادَ أَهْلَ بَغْدَادَ يَقُوْلُ: «أَنَا غَضَبُ الله فِي أَرْضِهِ، يُسَلِّطُنِي عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ خَلْقِهِ». وَكُلُّ ظَالِمٍ وَطَاغِيَةٍ لَهُ فِي طُغْيَانِهِ وَإِفْسَادِهِ وَسَفَكِهِ لِلدِّمَاءِ قَنَاعَاتٌ يُمْلِيهَا عَلَيْهِ عَقْلُهُ، وَتُزَيِّنُهَا لَهُ نَفْسُهُ، وَلَا يَرَى خَطَأَ فَعْلِهِ.

كَمْ قُتِلَ مِنَ الْبَشَرِ فِي الحُرُوْبِ الصَّلِيبِيَّةِ؟! وَكَمْ قُتِلَ مِنْهُمْ فِي مَحَاكِمِ التَّفْتِيشِ الْأُورُوبِّيَّةِ فِي القُرُوْنِ الْوُسْطَى؟! وَكَمْ قُتِلَ مِنْهُمْ أَيَّامَ الْغَزْوِ التَّتَرِيِّ؟! وَكَمْ قُتِلَ مِنْ إِنْسَانٍ أَيَّامَ الاسْتِعْمَارِ الْبَغِيضِ؟! وَكَمْ أُبِيدَ مِنْ إِنْسَانٍ فِي الحَرْبَيْنِ الْكَونِيَّتَينِ، ثُمَّ فِي الحُرُوْبِ الَّتِي تَلَتْهَا إِلَى يَوْمِنَا هَذَا؟! وَكَمْ قُتِلَ مِنْ إِنْسَانٍ أَيَّامَ المَدِّ الشُّيُوعِيِّ؟! وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ ستَالِينَ أَبَادَ سِتِّينَ مِلْيُونَ إِنْسَانٍ، حَتَّى قَالَ صَدِيْقُهُ وَشَرِيكُهُ بِيريَا: «لَقَدِ ارْتَكَبَ ستَالِينُ أَفْعَالاً لَا تُغْفَرُ لِأَيِّ إِنْسَانٍ».

إِنَّهُ عُدْوَانُ الْأَقْوِيَاءِ عَلَى الضُّعَفَاءِ، عُدْوَانُ الدُّوَلِ الْقَوِيَّةِ عَلَى الدُّوَلِ الضَّعِيْفَةِ، وَعُدْوَانُ أَقْوِيَاءِ السُّلْطَةِ عَلَى عَامَّةِ أَفْرَادِ الدَّوْلَةِ؛ حَتَّىَ صَارَ سَفْكُ الدِّمَاءِ وَالْإِفْسَادُ فِي الْأَرْضِ هُوَ الْأَصْلَ فِي الْبَشَرِ، وَكَانَ السَّلَامُ عَجَزًا عَنِ الْقِيَامِ بِاسْتِبَاحَةِ دِمَاءٍ جَدِيْدَةٍ وَلَيْسَ قَنَاعَةً بِالْكَفِّ عَنْهَا، فَمَا أَشَدَّ جَهْلَ الْبَشَرِ وَظُلْمَهُمْ لِبَعْضِهِمْ، وَطُغْيَانَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ.

وَمَا رَأَيْنَاهُ فِي أَحْدَاثِ لِيبِيَا وَقَبْلَهَا فِي مِصْرَ وَتُونُسَ مِنَ اسْتِبَاحَةٍ لِدِمَاءِ النَّاسِ عَلَى أَيْدِي الطُّغَاةِ بِضَرْبِهِمْ بِالنَّارِ، وقَصْفِهِمْ بِالطَّائِرَاتِ، وَإِحْرَاقِهِمْ بِالْأَسْلِحَةِ الثَّقِيلَةِ، ودعسِهِمْ بِالسَّيَّارَاتِ، لَا يَخْرُجُ عَنْ سِيَاقِ الِاسْتِهَانَةِ بِالدِّمَاءِ، وَسَحْقِ الْأَقْوِيَاءِ لِلضُّعَفَاءِ، وَسَيُجَازَى كُلُّ مَنْ سَفَكَ دَمًا حَرَامًا بِغَيْرِ حَقٍّ، أَوْ أَعَانَ عَلَى سَفْكِهِ، فَإِنْ نَجَا فِي الدُّنْيَا فَلَنْ يَنْجُوَ مِنْ عَدْلِ الله تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي سَاحَةِ الْقِصَاصِ: [يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى الله مِنْهُمْ شَيْءٌ لِـمَنِ الْـمُلْكُ الْيَوْمَ لله الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ * الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ] {غَافِر:17}.

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى