رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
الشيخ / عبد الله بن محمد البصري
ألم يحيي الأمل وعزة في رحم الابتلاء
أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ]
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، وَمُنذُ اندِلاعِ التَّظَاهُرَاتِ العَارِمَةِ في تُونُسَ ثُمَّ في مِصرَ ، فَإِنَّ بَرَاكِينَ الغَضَبِ الشَّعبيِّ في عَالَمِنَا العَرَبيِّ ، مَا فَتِئَت تَندَفِعُ يَومًا بَعدَ آخَرَ ، تَثُورُ يَومًا في أَدنى الشَّرقِ ، وَتَنطَلِقُ مَرَّةً مِن أَقصَى الغَربِ ، وَتُرَى حِينًا في أَعلَى الشِّمَالِ وَحِينًا تَحُلُّ في أَعمَاقِ الجَنُوبِ ، غَيرَ أَنَّ أَشَدَّهَا إِيلامًا مَا حَدَثَ في الأَيَّامِ القَلِيلَةِ المَاضِيَةِ ، حَيثُ الاعتِدَاءَاتُ الآثِمَةُ وَالضَّرَبَاتُ المُوجِعَةُ وَالمَصَائِبُ المُفجِعَةُ ، الَّتي مُنِيَ بها إِخوَانُنَا اللِّيبِيُّونَ في عُقرِ دَارِهِم ، وَحَلَّت بهم بَينَ إِخوَانِهِم وَأَبنَائِهِم ، وَنَزَلَت بهم عَلَى مَرأًى مِن آبَائِهِم وَأُمَّهَاتِهِم ، لِتَشهَدَ بِوُضُوحٍ وَجَلاءٍ عَلَى مَا تَمتَلِئُ بِهِ صُدُورُ بَعضِ الحُكَّامِ مِن مَحَبَّةٍ لِلبَقَاءِ في سُدَّةِ الحُكمِ وَلَو عَلَى جُثَثِ شُعُوبِهِم وَهَامَاتِ المُستَضعَفِينَ مِن رَعِيَّتِهِم . إِنَّ هَذِهِ الأَحدَاثَ وَمَا قَبلَهَا ، مَعَ مَا حَصَلَ فِيهَا مِن قَتلٍ لأَنفُسٍ بَرِيئَةٍ وَإِزهَاقٍ لأَروَاحٍ كَرِيمَةٍ ، وَزَعزَعَةِ صُفُوفٍ وَإِخلالٍ بِأَمنٍ ، إِلاَّ أَنَّنَا نَرَى مِنَ خِلالِهَا شُعَاعًا يَبُثُّ في النُّفُوسِ رُوحًا مِنَ الأَمَلِ الصَّادِقِ بِنَصرِ اللهِ لِلدِّينِ الحَقِّ ، وَظُهُورِهِ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَو كَرِهَ المُشرِكُونَ ، إِنَّهُ أَمَلٌ يَشحَذُ هِمَمَ المُؤمِنِينَ لِلعَمَلِ عَلَى نُصرَةِ دِينِهِم ، وَيَدعُو الصَّادِقِينَ إِلى التَّمَسُّكِ بِهِ مَهمَا احلَولَكَتِ الفِتَنُ وَادلَهَمَّت الخُطُوبُ ، وَيَدفَعُهُمُ لِلذَّبِّ عَن حِيَاضِهِ مَهمَا عَمِلَ الطُّغَاةُ عَلَى حَربِهِ وَاستَمَاتُوا في إِطفَاءِ نُورِهِ ، مَعَ إِدرَاكٍ كَامِلٍ وَيَقِينٍ تَامٍّ بِأَنَّ نَصرَ اللهِ لأَولِيَائِهِ لَن يَحدُثَ عَلَى شَكلِ طَفرَةٍ مُفَاجِئَةٍ ، وَلَكِنَّهُ يَأتي عَبرَ سُنَنٍ جَارِيَةٍ وَنَوَامِيسَ مُحكَمَةٍ ، يَمتَحِنُ اللهُ فِيهَا عِبَادَهُ وَيَبتَلِيهِم ، وَتُسقَى فِيهَا جُذُورُ المَجدِ وَأَغصَانُ الشَّرَفِ بِدِمَاءِ الأَحرَارِ الطَّاهِرَةِ ، وَتُعَطَّرُ فِيهَا أَرجَاءُ البِلادِ بِأَروَاحِ الشُّهَدَاءِ الزَّكِيَّةِ ، وَيَصدُقُ فِيهَا قَولُ مَن قَالَ :
لا يَسلَمُ الشَّرَفُ الرَّفيعُ مِنَ الأَذَى ** حَتَّى يُرَاقَ عَلَى جَوَانِبِهِ الدَّمُ
لَقَد أَثبَتَتِ الأَحدَاثُ أَنَّ الأُمَّةَ مَا زَالَت حَيَّةَ القُلُوبِ مُتَيَقِّظَةَ الضَّمَائِرِ ، وَأَظهَرت أَنَّهَا مَا زَالَت مَرفُوعَةَ الرُّؤُوسِ عَالِيَةَ الهَامَاتِ ، لا تَقبَلُ الظُلمَ وَلا تَرضَى الضَّيمَ ، وَلا تَهُونُ عَلَيهَا عِزَّتُهَا وَلا تَرخُصُ كَرَامَتُهَا ، وَأَنَّ شِدَّةَ الضَّغطِ عَلَيهَا وَمُحَاوَلَةَ إِخفَاءِ تُدَيُّنِهَا ، لا يَزِيدُهَا إِلاَّ يَقظَةً وَحَيَوِيَّةً وَحَمَاسَةً ، لَقَد ثَبَتَ أَنَّ أُمَّتَنَا الإِسلامِيَّةَ أُمَّةٌ كَرِيمَةٌ ، قَد تَضعُفُ في مَرحَلَةٍ مَا ، فَتُؤَجِّلُ مُوَاجَهَةَ الطُّغَاةِ وَتُؤَخِّرُ مُنَاجَزَتَهُم ؛ لأَنَّهَا لم تَجِدِ الفُرصَةَ مُوَاتِيَةً ، إِلاَّ أَنَّهَا مَعَ هَذَا لا تَرضَى بِالدَّنِيَّةِ وَلا تَخلَعُ ثَوبَ العِزَّةِ ، وَلا تَتَخَلَّى عَنِ المَبَادِئِ وَلا تَنسَى الثَّوَابِتَ . لَقَد صَبَرَتِ الأُمَّةُ عَلَى الفَقرِ وَقِلَّةِ ذَاتِ اليَدِ ، وَطَوَى أَبنَاؤُهَا بُطُونَهُم عَلَى الجُوعِ وَتَحَمَّلُوا المَسكَنَةَ ، وَتَغَرَّبُوا سِنِينَ عَدَدًا وَسَافَرُوا عُقُودًا وَمُدَدًا ، هَجَرُوا الأَهلَ وَفَارَقُوا الأَوطَانَ ، وَتَجَرَّعُوا أَلَمَ التَّغَرُّبِ طَلَبًا لِلرِّزقِ وَسَدًّا لِحَاجَتِهِم وَحَاجَةِ أَبنَائِهِم وَمَن يَعُولُونَ ، وَهَاجَرُوا إِلى بِلادٍ لَيسَت لَهُم بِبِلادٍ ، وَتَرَكُوا بِلادًا وُلِدُوا فِيهَا وَتَرَعرَعُوا عَلَى أَرضِهَا ؛ لِئَلاَّ يَظَلُّوا يَنظُرُونَ لِلآخَرِينَ بِاستِجدَاءٍ وَتَوَسُّلٍ وَاستِعطَافٍ ، لَكِنَّهُم وَقَد ضُيِّقَ عَلَيهِم في دِينِهِم ، وَبَالَغَ الطُّغَاةُ في تَجوِيعِهِم وَتَركِيعِهِم ، لم يَجِدُوا بُدًّا مِنَ الانطِلاقِ نَحوَ المَجدِ وَصُعُودِ قِمَمِ الشَّرَفِ ، مُرخِصِينَ في ذَلِكَ دِمَاءَهُم ، بَاذِلِينَ مُهَجَهُم وَأَروَاحَهُم ، مُستَقبِلِينَ بِصُدُورٍ عَارِيَّةٍ وَأَيدٍ خَالِيَةٍ جُنُودَ الطُّغَاةِ وَفُلُولَ المُرتَزِقَةِ ، مِمَّن يَحمِلُونَ المَدَافِعَ وَالرَّشَّاشَاتِ وَمُضَادَّاتِ الطَّائِرَاتِ ، لِيَثبُتَ لِلعَالَمِ أَنَّ هَذِهِ الدُّوَلَ وَإِنْ هِيَ استَقَلَّت ظَاهِرًا مِنِ استِعمَارِ الغَربِ الكَافِرِ ، إِلاَّ أَنَّهَا مَا زَالَت تَعِيشُ استِعَمَارًا آخَرَ مُبَطَّنًا ، يَقُودُهُ حُكَّامٌ فَجَرَةٌ ، قُلُوبُهُم وَعُقُولُهُم غَربِيَّةٌ ، وَمَنَاهِجُهُم وَاتِّجَهَاتُهُم غَربِيَّةٌ ، يَأكُلُونَ دُنيَا النَّاسِ وَيُضَيِّقُونَ عَلَيهِم في دِينِهِم ، وَلا يَرقُبُونَ فِيهِم إِلاًّ وَلا ذِمَّةً ، يُرضُونَهُم بِأَفوَاهِهِم وَتَأبى قُلُوبُهُم وَأَكثَرُهُم فَاسِقُونَ .
لم تَكَدِ الشُّعُوبُ تُفِيقُ مِن ظُلمَةِ الاستِعمَارِ الأَجنَبيِّ البَغِيضِ ، الَّذِي عَاشَتهُ عُقُودًا وَعَانَت مِنهُ حِقَبًا ، وَبَذَلَت في التَّخَلُّصِ مِنهُ آلافَ الشُّهَدَاءِ ، حَتى دَخَلَت مَرحَلَةً أُخرَى مِن ظَلامِ استِعمَارِ الحُكَّامِ الظَّلَمَةِ ، فَكَانَ هَذَا هُوَ الظَّلامَ الَّذِي سَبَقَ بُزُوغَ الفَجرِ الصَّادِقِ ، فَجرِ النَّصرِ المُبِينِ ، وَالَّذِي نَرَى تَبَاشِيرَهُ اليَومَ ، فَالحَمدُ للهِ عَلَى مَا قَدَّرَ وَقَضَى .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لَقَد وَعَدَ اللهُ ـ تَعَالى ـ أَولِيَاءَهُ بِالنَصرِ وَالتَّمكِينِ فَقَالَ : [وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الغَالِبُونَ] وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : [كَتَبَ اللهُ لأَغلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي] وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : [إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا في الحَيَاةِ الدُّنيَا وَيَومَ يَقُومُ الأَشهَادُ] وَإِنَّهُ مَهمَا تَمَالأَت قُوَى الغَربِ وَالشَّرقِ عَلَى حَربِ الإِسلامِ ، وَمَهمَا خَطَّطَ الطُّغَاةُ في الخَارِجِ بِمَكرٍ وَكَيدٍ وَدَهَاءٍ ، وَنَفَّذَ أَذنَابُهُم في الدَّاخِلِ مُخَطَّطَاتِهِم بِاحتِرَافٍ وَدِقَّةٍ وَتَبَعِيَّةٍ ، إِلاَّ أَنَّ أَمَلَ المُؤمِنِينَ بِرَبِّهِم وَثِقَتَهُم بِنَصرِهِ إِيَّاهُم ، مَا زَالَت وَلَن تَزَالَ قَوِيَّةً مُتَّصِلَةً ، يُقَوِّيهَا حِرصُهُم عَلَى مَا يَنفَعُهُم وَاستِعَانَتُهُم بِاللهِ وَحُسنُ ظَنِّهِم بِهِ ، وَيُقَرِّبُهَا الفَألُ الحَسَنُ الَّذِي هُوَ جُزءٌ مِن عَقِيدَتِهِم ، بَل خُلُقٌ مِن أَخلاقِ قَائِدِهِم وَإِمَامِهِم ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ الَّذِي كَانَ يُعجِبُهُ الفَألُ الحَسَنُ ، وَيَعظُمُ أَمَلُهُ في رَبِّهِ حِينَ يَسمَعُ مَا يَسُرُّهُ ، وَمِن ثَمَّ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ فَإِنَّهُ وَمَعَ مَا نَرَاهُ اليَومَ مِن أَحدَاثٍ مُخِيفَةٍ وَزَعزَعَةٍ لِلأَمنِ ، وَاضطِرَابَاتٍ وَمُظَاهَرَاتٍ لا نَدرِي مَا نِهَايَتُهَا ، إِلاَّ أَنَّنَا يَجِبُ أَن نَتَفَاءَلَ وَنَستَبشِرَ خَيرًا ، وَمَالَنَا لا نَفعَلُ وَقَد قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ في الحَدِيثِ الَّذِي أَخرَجَهُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ : «بَشِّرْ هَذِهِ الأُمَّةَ بِالسَّنَاءِ وَالدِّينِ وَالرِّفعَةِ وَالنَّصرِ وَالتَّمكِينِ في الأَرضِ» وَإِنَّ الدَّهرَ قُلَّبٌ والأَيَّامَ دُوَلٌ ، وَرُبَّمَا صَحَّتِ الأَبدَانُ بِالعِلَلِ ، وَإِنَّ دِمَاءَ القَتلَى وَآهَاتِ الثَّكلَى ، سَتَكُونُ الطُّوفَانَ الَّذِي يُغرِقُ الطُّغيَانِ ، وَالشُّعلَةَ الَّتي تُحرِقُ الظُّلمَ وَالاستِبدَادَ ، وَإِنَّ دَوِيَّ المَدَافِعِ وَضَجِيجَ الطَّائِرَاتِ بِالقَصفِ ، وَبُرُوزَ أَلوَانِ الحِقدِ وَأَشكَالِ العُنفِ ، سَتُوقِظُ الأُمَّةَ مِن سُبَاتِهَا ، وَسَتُعَالِجُ الوَهنَ الَّذِي سَرَى في عُرُوقِهَا ، وَسَيَجُرُّ الظَّالِمُ البَاغِي أَذيَالَ الخَيبَةِ وَالهَزِيمَةِ كَمَا حَصَلَ لِمَن سَبَقَهُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا ، أَلا فَلْنَكُنْ عَلَى يَقِينٍ بِنَصرِ اللهِ لِهَذَا الدِّينِ ، وَلنَحذَرْ مِنِ استِعجَالِ النَّتَائِجِ وَاستِبطَاءِ النَّصرِ ، فَقَد قَالَ ـ تَعَالى ـ : [أَم حَسِبتُم أَن تَدخُلُوا الجَنَّةَ وَلَمَّا يَأتِكُم مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوا مِن قَبلِكُم مَسَّتهُمُ البَأسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصرُ اللهِ أَلا إِنَّ نَصرَ اللهِ قَرِيبٌ] وَلا يَستَنكِرَنَّ أَحَدٌ مَا يَحصُلُ مِن فَرَاعِنَةِ اليَومِ ، فَإِنَّمَا هُوَ سَبِيلُ مَن سَبَقَهُم مِن فَرَاعِنَةِ الأَمسِ ، وَإِنَّهُ لا سِلاحَ لِذَلِكَ بَعدَ الاستِعَانَةِ بِاللهِ ـ سُبحَانَهُ ـ وَالتَّوَكُّلِ عَلَيهِ مِثلُ الصَّبرِ ؛ فَإِنَّهُ لَمَّا قَالَ فِرعَونُ مِن قَبلُ : [سَنُقَتِّلُ أَبنَاءَهُم وَنَستَحيِي نِسَاءَهُم وَإِنَّا فَوقَهُم قَاهِرُونَ . قَالَ مُوسَى لِقَومِهِ استَعِينُوا بِاللهِ وَاصبِرُوا إِنَّ الأَرضَ للهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِن عِبَادِهِ وَالعَاقِبَةُ لِلمُتَّقِينَ]
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، المُسلِمُونَ جَسَدٌ وَاحِدٌ إِذَا اشتَكَى مِنهُ عُضوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الجَسَدِ بِالحُمَّى وَالسَّهَرِ ، وَهُم بُنيَانٌ مَرصُوصٌ يَشُدُّ بَعضُهُ بَعضًا ، وَإِنَّهُ وَإِنْ كُنَّا في هَذِهِ البِلادِ نَنعَمُ بِالخَيرَاتِ وَالأَمنِ في ظِلِّ الحُكمِ بِشَرِيعَةِ اللهِ ، فَإِنَّ لَنَا إِخوَانًا كَمَا رَأَيتُم وَنَقَلَتهُ وَسَائِلُ الإِعلامِ ، يُسَامُونَ خَسفًا وَظُلمًا وَهَضمًا ، قُتِلُوا وَشُرِّدُوا ، وَأُبِيحَت نِسَاؤُهُم لِلمُرتَزِقَةِ لِيَهتِكُوا أَعرَاضَهُنَّ ، وَفُعِلَت بهمُ الأفَاعِيلُ ممَّن كَانُوا أَحَقَّ بِنصرِهم وَحِمَايَتِهِم ، فَهَل نُبَرِّدُ قُلُوبَنَا وَنُغمِضُ أَعيُنَنَا وَنَمضِي وَكَأَنَّ الأَمرَ لا يَعنِينَا ؟! مَا هَذِهِ ـ وَرَبِّي ـ بِحَالِ المُؤمِنِينَ الصَّادِقِينَ ، رَوَى الشَّيخَانِ وَغَيرُهُمَا أَنَّهُ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ قَالَ : «لا يُؤمِنُ أَحَدُكُم حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفسِهِ» وَعِندَ ابنِ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ : «لا يَبلُغُ العَبدُ حَقِيقَةَ الإِيمَانِ حَتَّى يُحِبَّ لِلنَّاسِ مَا يُحِبُّ لِنَفسِهِ» وَلا يَقُولَنَّ قَائِلٌ : وَمَاذَا نَفعَلُ ؟! فَإِنَّ في أَيدِينَا جَمِيعًا أَقوَى عُدَّةٍ وَأَمضَى سِلاحٍ وَأَصوَبَ سِهَامٍ ، بِأَيدِينَا الدُّعَاءُ وَأَنعِمْ بِهِ وَأَكرِمْ ! بِأَيدِينَا الدُّعَاءُ الَّذِي لا أَعجَزَ ممَّن عَجَزَ عَنهُ ، وَكَيفَ يَعجَزُ عَنهُ مُؤمِنٌ أَو يَتَهَاوَنُ بِهِ وَيَترُكُهُ وَرَبُّنَا القَوِيُّ القَادِرُ هُوَ الَّذِي أَمَرَ بِهِ وَوَعَدَ بِإِجَابَتِهِ [وَقَالَ رَبُّكُمُ ادعُوني أَستَجِبْ لَكُم] فَلْنَرْفَعِ الأَكُفَّ وَلْنُخلِصِ الدُّعَاءَ للهِ ـ تَعَالى ـ وَلْنَسأَلْهُ نَصرَ إِخوَانِنَا المُستَضعَفِينَ عَلَى أَعدَائِهِم مِنَ الكَفَرَةِ وَالمُنَافِقِينَ وَالطُّغَاةِ وَالظَّالمِينَ . إِنَّ الأُمَّةَ لَن تَخلُوَ بِإِذنِ اللهِ مِن مُخلِصِينَ لَو أَقسَمُوا عَلَى رَبِّهِم لأَبَرَّهُم ، فَاجتَهِدُوا بِالدُّعَاءِ في السُّجُودِ وَأَدبَارِ الصَّلَوَاتِ ، وَكَرِّرُوهُ في الأَسحَارِ وَالخَلَوَاتِ ، وَكُونُوا عَلَى يَقِينٍ بِأَنَّ اللهَ لا يَرُدُّ دَاعِيًا وَلا يُخَيِّبُ رَاجِيًا ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسأَلُكُ العَافِيَةَ ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسأَلُكُ العَافِيَةَ ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسأَلُكُ العَافِيَةَ ، اللَّهُمَّ مُنزِلَ الكِتَابِ سَرِيعَ الحِسَابِ ، اِهزِمِ الأَحزَابَ ، اللَّهُمَّ اهزِمْهُم وَزَلْزِلْهُم ، اللَّهُمَّ عَلَيكَ بِمَن ظَلَمُوا إِخوَانَنَا وَاعتَدَوا عَلَيهِم ، اللَّهُمَّ اهزِمْهُم وَانْصرْ إِخوَانَنَا عَلَيهِم . اللَّهُمَّ أَنتَ عَضُدُهُم وَنَصِيرُهُم ، بِكَ يَحُولُونَ وَبِكَ يَصُولُونَ وَبِكَ يُقَاتِلُونَ . اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَعِنْهُم وَلا تُعِنْ عَلَيهِم ، وَانْصُرْهُم وَلا تَنصُرْ عَلَيهِم وَامكُرْ لَهُم وَلا تَمكُرْ عَلَيهِم ، وَاهدِهِم وَيَسِّرِ الهُدَى لهم ، وَانْصُرْهُم عَلَى مَن بَغَى عَلَيهِم .
الخطبة الثانية
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ، وَاحفَظُوا نِعَمَهُ عَلَيكُم وَاشكُرُوهُ [وَاتَّقُوا اللهَ وَاعلَمُوا أَنَّكُم مُلاقُوهُ]
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، مِن نِعمَةِ اللهُ عَلَينَا في هَذِهِ البِلادِ المُبَارَكَةِ ، أَنْ هَيَّأَ لَنَا وُلاةَ أَمرٍ نُحِبُّهُم وَيُحِبُّونَنَا ، وَنَدعُو لَهُم وَيَدعُونَ لَنَا ، يَحكُمُونَ بِالشَّرِيعَةِ وَالسَّوِيَّةِ ، وَيَعدِلُونَ في القَضِيَّةِ وَيُحسِنُونَ إِلى الرَّعِيَّةِ . أَلا وَإِنَّ مِن مُضَاعَفِ نِعَمِ اللهِ الَّتي تُذكَرُ لِتُشكَرَ ، مَا مَنَّ اللهُ بِهِ عَلَى وَليِّ أَمرِنَا مِنَ العَودَةِ إِلى البِلادِ سَالِمًا مُعَافى ، ثُمَّ مَا أَمَرَ بِهِ ـ حَفِظَهُ اللهُ ـ مِن أَوَامِرَ تَصُبُّ في مَصلَحَةِ البِلادِ وَالعِبَادِ ، فَجَزَاهُ اللهُ عَنَّا خَيرًا ، وَأَتَمَّ عَلَيهِ الصِّحَّةَ وَأَلبَسَهُ ثَوبَ العَافِيَةِ ، أَلا وَإِنَّ مِمَّا يَجدُرُ بِنَا تَذكُّرُهُ وَالتَّذكِيرُ بِهِ بهذِهِ المُنَاسَبَةِ ، أَنَّ أَولى مَا شُكِرَت بِهِ النِّعَمُ وَحُفِظَت ، طَاعَةُ اللهِ ـ تَعَالى ـ وَحِفظُ حُدُودِهِ ، وَالإِكثَارُ مِن حَمدِهِ وَذِكرِهِ وَشُكرِهِ ، وَالإِحسَانُ إِلى خَلقِهِ وَرَحمَةُ عِبَادِهِ ، وَأَمَّا التَّبذِيرُ وَتَبدِيدُ النِّعَمِ ، وَالمُبَالَغَةُ في الحَفَلاتِ وَالدَّعَوَاتِ ، وَإِعلانُ الفَرَحِ بِالرَّقصِ وَالغِنَاءِ والمَزَامِيرِ ، أَو بِرَفعِ الأَعلامِ وَتَعلِيقِ الصُّوَرِ وَاللاَّفِتَاتِ ، وَالغَفلَةِ مَعَ هَذَا عَن ذِكرِ اللهِ وَتَعَدِّي حُدُودِهِ ، فَإِنَّ هَذَا مِمَّا لا يُحمَدُ وَإِنْ كَثُرَ مُرَوِّجُوهُ وَالدَّاعُونَ إِلَيهِ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : [وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَريَةً كَانَت آمِنَةً مُطمَئِنَّةً يَأتِيهَا رِزقُهَا رَغَدًا مِن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَت بِأَنعُمِ اللهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الجُوعِ وَالخَوفِ بما كَانُوا يَصنَعُونَ . وَلَقَد جَاءَهُم رَسُولٌ مِنهُم فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ العَذَابُ وَهُم ظَالمُونَ . فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّبًا وَاشكُرُوا نِعمَةَ اللهِ إِنْ كُنتُم إِيَّاهُ تَعبُدُونَ] أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ فَإِنَّ مَحَبَّتَنَا لِوُلاةِ أَمرِنَا عَقِيدَةٌ رَاسِخَةٌ وَلَيسَت شِعَارَاتٍ زَائِفَةً ، إِنَّهَا دِينٌ نَدِينُ اللهَ بِهِ ، دِثَارُهُ الإِخلاصُ لَهُم وَمَحَبَّتُهُم وَالدُّعَاءُ لَهُم ، وَشِعَارُهُ طَاعَتُهُم وَالنُّصحُ لَهُم وَعَدَمُ مُنَازَعَتِهِمُ الأَمرَ ، عَن عُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : بَايَعنَا رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ عَلَى السَّمعِ وَالطَّاعَةِ في العُسرِ وَاليُسرِ وَالمَنشَطِ وَالمَكرَهِ ، وَعَلَى أَثَرَةٍ عَلَينَا ، وَأَلاَّ نُنَازِعَ الأَمرَ أَهلَهُ إِلاَّ أَن تَرَوا كُفرًا بَوَاحًا عِندَكُم مِنَ اللهِ فِيهِ بُرهَانٌ ، وَعَلَى أَن نَقُولَ بِالحَقِّ أَينَمَا كُنَّا لا نَخَافُ في اللهِ لَومَةَ لائِمٍ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ . اللَّهُمَّ احفَظْ وُلاةَ أَمرِنَا وَاحفَظْ بِهِمُ الإِسلامَ ، اللَّهُمَّ وَاجمَعْ بِهِمُ الكَلِمَةَ عَلَى الحَقِّ ، اللَّهُمَّ خُذْ بِنَوَاصِيهِم لِمَا تُحِبُّهَ وَتَرضَاهُ ، اللَّهُمَّ وَأَصلِحْ بِطَانَتَهُم ، اللَّهُمَّ قَرِّبْ إِلَيهِم مَن عَلِمتَ فِيهِ خَيرًا ، وَأَبعِدْ عَنهُم بِطَانَةَ السُّوءِ وَالفِتنَةِ وَالفَسَادِ يَا رَبَّ العَالمِينَ .
ألم يحيي الأمل وعزة في رحم الابتلاء
أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ]
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، وَمُنذُ اندِلاعِ التَّظَاهُرَاتِ العَارِمَةِ في تُونُسَ ثُمَّ في مِصرَ ، فَإِنَّ بَرَاكِينَ الغَضَبِ الشَّعبيِّ في عَالَمِنَا العَرَبيِّ ، مَا فَتِئَت تَندَفِعُ يَومًا بَعدَ آخَرَ ، تَثُورُ يَومًا في أَدنى الشَّرقِ ، وَتَنطَلِقُ مَرَّةً مِن أَقصَى الغَربِ ، وَتُرَى حِينًا في أَعلَى الشِّمَالِ وَحِينًا تَحُلُّ في أَعمَاقِ الجَنُوبِ ، غَيرَ أَنَّ أَشَدَّهَا إِيلامًا مَا حَدَثَ في الأَيَّامِ القَلِيلَةِ المَاضِيَةِ ، حَيثُ الاعتِدَاءَاتُ الآثِمَةُ وَالضَّرَبَاتُ المُوجِعَةُ وَالمَصَائِبُ المُفجِعَةُ ، الَّتي مُنِيَ بها إِخوَانُنَا اللِّيبِيُّونَ في عُقرِ دَارِهِم ، وَحَلَّت بهم بَينَ إِخوَانِهِم وَأَبنَائِهِم ، وَنَزَلَت بهم عَلَى مَرأًى مِن آبَائِهِم وَأُمَّهَاتِهِم ، لِتَشهَدَ بِوُضُوحٍ وَجَلاءٍ عَلَى مَا تَمتَلِئُ بِهِ صُدُورُ بَعضِ الحُكَّامِ مِن مَحَبَّةٍ لِلبَقَاءِ في سُدَّةِ الحُكمِ وَلَو عَلَى جُثَثِ شُعُوبِهِم وَهَامَاتِ المُستَضعَفِينَ مِن رَعِيَّتِهِم . إِنَّ هَذِهِ الأَحدَاثَ وَمَا قَبلَهَا ، مَعَ مَا حَصَلَ فِيهَا مِن قَتلٍ لأَنفُسٍ بَرِيئَةٍ وَإِزهَاقٍ لأَروَاحٍ كَرِيمَةٍ ، وَزَعزَعَةِ صُفُوفٍ وَإِخلالٍ بِأَمنٍ ، إِلاَّ أَنَّنَا نَرَى مِنَ خِلالِهَا شُعَاعًا يَبُثُّ في النُّفُوسِ رُوحًا مِنَ الأَمَلِ الصَّادِقِ بِنَصرِ اللهِ لِلدِّينِ الحَقِّ ، وَظُهُورِهِ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَو كَرِهَ المُشرِكُونَ ، إِنَّهُ أَمَلٌ يَشحَذُ هِمَمَ المُؤمِنِينَ لِلعَمَلِ عَلَى نُصرَةِ دِينِهِم ، وَيَدعُو الصَّادِقِينَ إِلى التَّمَسُّكِ بِهِ مَهمَا احلَولَكَتِ الفِتَنُ وَادلَهَمَّت الخُطُوبُ ، وَيَدفَعُهُمُ لِلذَّبِّ عَن حِيَاضِهِ مَهمَا عَمِلَ الطُّغَاةُ عَلَى حَربِهِ وَاستَمَاتُوا في إِطفَاءِ نُورِهِ ، مَعَ إِدرَاكٍ كَامِلٍ وَيَقِينٍ تَامٍّ بِأَنَّ نَصرَ اللهِ لأَولِيَائِهِ لَن يَحدُثَ عَلَى شَكلِ طَفرَةٍ مُفَاجِئَةٍ ، وَلَكِنَّهُ يَأتي عَبرَ سُنَنٍ جَارِيَةٍ وَنَوَامِيسَ مُحكَمَةٍ ، يَمتَحِنُ اللهُ فِيهَا عِبَادَهُ وَيَبتَلِيهِم ، وَتُسقَى فِيهَا جُذُورُ المَجدِ وَأَغصَانُ الشَّرَفِ بِدِمَاءِ الأَحرَارِ الطَّاهِرَةِ ، وَتُعَطَّرُ فِيهَا أَرجَاءُ البِلادِ بِأَروَاحِ الشُّهَدَاءِ الزَّكِيَّةِ ، وَيَصدُقُ فِيهَا قَولُ مَن قَالَ :
لا يَسلَمُ الشَّرَفُ الرَّفيعُ مِنَ الأَذَى ** حَتَّى يُرَاقَ عَلَى جَوَانِبِهِ الدَّمُ
لَقَد أَثبَتَتِ الأَحدَاثُ أَنَّ الأُمَّةَ مَا زَالَت حَيَّةَ القُلُوبِ مُتَيَقِّظَةَ الضَّمَائِرِ ، وَأَظهَرت أَنَّهَا مَا زَالَت مَرفُوعَةَ الرُّؤُوسِ عَالِيَةَ الهَامَاتِ ، لا تَقبَلُ الظُلمَ وَلا تَرضَى الضَّيمَ ، وَلا تَهُونُ عَلَيهَا عِزَّتُهَا وَلا تَرخُصُ كَرَامَتُهَا ، وَأَنَّ شِدَّةَ الضَّغطِ عَلَيهَا وَمُحَاوَلَةَ إِخفَاءِ تُدَيُّنِهَا ، لا يَزِيدُهَا إِلاَّ يَقظَةً وَحَيَوِيَّةً وَحَمَاسَةً ، لَقَد ثَبَتَ أَنَّ أُمَّتَنَا الإِسلامِيَّةَ أُمَّةٌ كَرِيمَةٌ ، قَد تَضعُفُ في مَرحَلَةٍ مَا ، فَتُؤَجِّلُ مُوَاجَهَةَ الطُّغَاةِ وَتُؤَخِّرُ مُنَاجَزَتَهُم ؛ لأَنَّهَا لم تَجِدِ الفُرصَةَ مُوَاتِيَةً ، إِلاَّ أَنَّهَا مَعَ هَذَا لا تَرضَى بِالدَّنِيَّةِ وَلا تَخلَعُ ثَوبَ العِزَّةِ ، وَلا تَتَخَلَّى عَنِ المَبَادِئِ وَلا تَنسَى الثَّوَابِتَ . لَقَد صَبَرَتِ الأُمَّةُ عَلَى الفَقرِ وَقِلَّةِ ذَاتِ اليَدِ ، وَطَوَى أَبنَاؤُهَا بُطُونَهُم عَلَى الجُوعِ وَتَحَمَّلُوا المَسكَنَةَ ، وَتَغَرَّبُوا سِنِينَ عَدَدًا وَسَافَرُوا عُقُودًا وَمُدَدًا ، هَجَرُوا الأَهلَ وَفَارَقُوا الأَوطَانَ ، وَتَجَرَّعُوا أَلَمَ التَّغَرُّبِ طَلَبًا لِلرِّزقِ وَسَدًّا لِحَاجَتِهِم وَحَاجَةِ أَبنَائِهِم وَمَن يَعُولُونَ ، وَهَاجَرُوا إِلى بِلادٍ لَيسَت لَهُم بِبِلادٍ ، وَتَرَكُوا بِلادًا وُلِدُوا فِيهَا وَتَرَعرَعُوا عَلَى أَرضِهَا ؛ لِئَلاَّ يَظَلُّوا يَنظُرُونَ لِلآخَرِينَ بِاستِجدَاءٍ وَتَوَسُّلٍ وَاستِعطَافٍ ، لَكِنَّهُم وَقَد ضُيِّقَ عَلَيهِم في دِينِهِم ، وَبَالَغَ الطُّغَاةُ في تَجوِيعِهِم وَتَركِيعِهِم ، لم يَجِدُوا بُدًّا مِنَ الانطِلاقِ نَحوَ المَجدِ وَصُعُودِ قِمَمِ الشَّرَفِ ، مُرخِصِينَ في ذَلِكَ دِمَاءَهُم ، بَاذِلِينَ مُهَجَهُم وَأَروَاحَهُم ، مُستَقبِلِينَ بِصُدُورٍ عَارِيَّةٍ وَأَيدٍ خَالِيَةٍ جُنُودَ الطُّغَاةِ وَفُلُولَ المُرتَزِقَةِ ، مِمَّن يَحمِلُونَ المَدَافِعَ وَالرَّشَّاشَاتِ وَمُضَادَّاتِ الطَّائِرَاتِ ، لِيَثبُتَ لِلعَالَمِ أَنَّ هَذِهِ الدُّوَلَ وَإِنْ هِيَ استَقَلَّت ظَاهِرًا مِنِ استِعمَارِ الغَربِ الكَافِرِ ، إِلاَّ أَنَّهَا مَا زَالَت تَعِيشُ استِعَمَارًا آخَرَ مُبَطَّنًا ، يَقُودُهُ حُكَّامٌ فَجَرَةٌ ، قُلُوبُهُم وَعُقُولُهُم غَربِيَّةٌ ، وَمَنَاهِجُهُم وَاتِّجَهَاتُهُم غَربِيَّةٌ ، يَأكُلُونَ دُنيَا النَّاسِ وَيُضَيِّقُونَ عَلَيهِم في دِينِهِم ، وَلا يَرقُبُونَ فِيهِم إِلاًّ وَلا ذِمَّةً ، يُرضُونَهُم بِأَفوَاهِهِم وَتَأبى قُلُوبُهُم وَأَكثَرُهُم فَاسِقُونَ .
لم تَكَدِ الشُّعُوبُ تُفِيقُ مِن ظُلمَةِ الاستِعمَارِ الأَجنَبيِّ البَغِيضِ ، الَّذِي عَاشَتهُ عُقُودًا وَعَانَت مِنهُ حِقَبًا ، وَبَذَلَت في التَّخَلُّصِ مِنهُ آلافَ الشُّهَدَاءِ ، حَتى دَخَلَت مَرحَلَةً أُخرَى مِن ظَلامِ استِعمَارِ الحُكَّامِ الظَّلَمَةِ ، فَكَانَ هَذَا هُوَ الظَّلامَ الَّذِي سَبَقَ بُزُوغَ الفَجرِ الصَّادِقِ ، فَجرِ النَّصرِ المُبِينِ ، وَالَّذِي نَرَى تَبَاشِيرَهُ اليَومَ ، فَالحَمدُ للهِ عَلَى مَا قَدَّرَ وَقَضَى .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لَقَد وَعَدَ اللهُ ـ تَعَالى ـ أَولِيَاءَهُ بِالنَصرِ وَالتَّمكِينِ فَقَالَ : [وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الغَالِبُونَ] وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : [كَتَبَ اللهُ لأَغلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي] وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : [إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا في الحَيَاةِ الدُّنيَا وَيَومَ يَقُومُ الأَشهَادُ] وَإِنَّهُ مَهمَا تَمَالأَت قُوَى الغَربِ وَالشَّرقِ عَلَى حَربِ الإِسلامِ ، وَمَهمَا خَطَّطَ الطُّغَاةُ في الخَارِجِ بِمَكرٍ وَكَيدٍ وَدَهَاءٍ ، وَنَفَّذَ أَذنَابُهُم في الدَّاخِلِ مُخَطَّطَاتِهِم بِاحتِرَافٍ وَدِقَّةٍ وَتَبَعِيَّةٍ ، إِلاَّ أَنَّ أَمَلَ المُؤمِنِينَ بِرَبِّهِم وَثِقَتَهُم بِنَصرِهِ إِيَّاهُم ، مَا زَالَت وَلَن تَزَالَ قَوِيَّةً مُتَّصِلَةً ، يُقَوِّيهَا حِرصُهُم عَلَى مَا يَنفَعُهُم وَاستِعَانَتُهُم بِاللهِ وَحُسنُ ظَنِّهِم بِهِ ، وَيُقَرِّبُهَا الفَألُ الحَسَنُ الَّذِي هُوَ جُزءٌ مِن عَقِيدَتِهِم ، بَل خُلُقٌ مِن أَخلاقِ قَائِدِهِم وَإِمَامِهِم ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ الَّذِي كَانَ يُعجِبُهُ الفَألُ الحَسَنُ ، وَيَعظُمُ أَمَلُهُ في رَبِّهِ حِينَ يَسمَعُ مَا يَسُرُّهُ ، وَمِن ثَمَّ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ فَإِنَّهُ وَمَعَ مَا نَرَاهُ اليَومَ مِن أَحدَاثٍ مُخِيفَةٍ وَزَعزَعَةٍ لِلأَمنِ ، وَاضطِرَابَاتٍ وَمُظَاهَرَاتٍ لا نَدرِي مَا نِهَايَتُهَا ، إِلاَّ أَنَّنَا يَجِبُ أَن نَتَفَاءَلَ وَنَستَبشِرَ خَيرًا ، وَمَالَنَا لا نَفعَلُ وَقَد قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ في الحَدِيثِ الَّذِي أَخرَجَهُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ : «بَشِّرْ هَذِهِ الأُمَّةَ بِالسَّنَاءِ وَالدِّينِ وَالرِّفعَةِ وَالنَّصرِ وَالتَّمكِينِ في الأَرضِ» وَإِنَّ الدَّهرَ قُلَّبٌ والأَيَّامَ دُوَلٌ ، وَرُبَّمَا صَحَّتِ الأَبدَانُ بِالعِلَلِ ، وَإِنَّ دِمَاءَ القَتلَى وَآهَاتِ الثَّكلَى ، سَتَكُونُ الطُّوفَانَ الَّذِي يُغرِقُ الطُّغيَانِ ، وَالشُّعلَةَ الَّتي تُحرِقُ الظُّلمَ وَالاستِبدَادَ ، وَإِنَّ دَوِيَّ المَدَافِعِ وَضَجِيجَ الطَّائِرَاتِ بِالقَصفِ ، وَبُرُوزَ أَلوَانِ الحِقدِ وَأَشكَالِ العُنفِ ، سَتُوقِظُ الأُمَّةَ مِن سُبَاتِهَا ، وَسَتُعَالِجُ الوَهنَ الَّذِي سَرَى في عُرُوقِهَا ، وَسَيَجُرُّ الظَّالِمُ البَاغِي أَذيَالَ الخَيبَةِ وَالهَزِيمَةِ كَمَا حَصَلَ لِمَن سَبَقَهُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا ، أَلا فَلْنَكُنْ عَلَى يَقِينٍ بِنَصرِ اللهِ لِهَذَا الدِّينِ ، وَلنَحذَرْ مِنِ استِعجَالِ النَّتَائِجِ وَاستِبطَاءِ النَّصرِ ، فَقَد قَالَ ـ تَعَالى ـ : [أَم حَسِبتُم أَن تَدخُلُوا الجَنَّةَ وَلَمَّا يَأتِكُم مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوا مِن قَبلِكُم مَسَّتهُمُ البَأسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصرُ اللهِ أَلا إِنَّ نَصرَ اللهِ قَرِيبٌ] وَلا يَستَنكِرَنَّ أَحَدٌ مَا يَحصُلُ مِن فَرَاعِنَةِ اليَومِ ، فَإِنَّمَا هُوَ سَبِيلُ مَن سَبَقَهُم مِن فَرَاعِنَةِ الأَمسِ ، وَإِنَّهُ لا سِلاحَ لِذَلِكَ بَعدَ الاستِعَانَةِ بِاللهِ ـ سُبحَانَهُ ـ وَالتَّوَكُّلِ عَلَيهِ مِثلُ الصَّبرِ ؛ فَإِنَّهُ لَمَّا قَالَ فِرعَونُ مِن قَبلُ : [سَنُقَتِّلُ أَبنَاءَهُم وَنَستَحيِي نِسَاءَهُم وَإِنَّا فَوقَهُم قَاهِرُونَ . قَالَ مُوسَى لِقَومِهِ استَعِينُوا بِاللهِ وَاصبِرُوا إِنَّ الأَرضَ للهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِن عِبَادِهِ وَالعَاقِبَةُ لِلمُتَّقِينَ]
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، المُسلِمُونَ جَسَدٌ وَاحِدٌ إِذَا اشتَكَى مِنهُ عُضوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الجَسَدِ بِالحُمَّى وَالسَّهَرِ ، وَهُم بُنيَانٌ مَرصُوصٌ يَشُدُّ بَعضُهُ بَعضًا ، وَإِنَّهُ وَإِنْ كُنَّا في هَذِهِ البِلادِ نَنعَمُ بِالخَيرَاتِ وَالأَمنِ في ظِلِّ الحُكمِ بِشَرِيعَةِ اللهِ ، فَإِنَّ لَنَا إِخوَانًا كَمَا رَأَيتُم وَنَقَلَتهُ وَسَائِلُ الإِعلامِ ، يُسَامُونَ خَسفًا وَظُلمًا وَهَضمًا ، قُتِلُوا وَشُرِّدُوا ، وَأُبِيحَت نِسَاؤُهُم لِلمُرتَزِقَةِ لِيَهتِكُوا أَعرَاضَهُنَّ ، وَفُعِلَت بهمُ الأفَاعِيلُ ممَّن كَانُوا أَحَقَّ بِنصرِهم وَحِمَايَتِهِم ، فَهَل نُبَرِّدُ قُلُوبَنَا وَنُغمِضُ أَعيُنَنَا وَنَمضِي وَكَأَنَّ الأَمرَ لا يَعنِينَا ؟! مَا هَذِهِ ـ وَرَبِّي ـ بِحَالِ المُؤمِنِينَ الصَّادِقِينَ ، رَوَى الشَّيخَانِ وَغَيرُهُمَا أَنَّهُ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ قَالَ : «لا يُؤمِنُ أَحَدُكُم حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفسِهِ» وَعِندَ ابنِ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ : «لا يَبلُغُ العَبدُ حَقِيقَةَ الإِيمَانِ حَتَّى يُحِبَّ لِلنَّاسِ مَا يُحِبُّ لِنَفسِهِ» وَلا يَقُولَنَّ قَائِلٌ : وَمَاذَا نَفعَلُ ؟! فَإِنَّ في أَيدِينَا جَمِيعًا أَقوَى عُدَّةٍ وَأَمضَى سِلاحٍ وَأَصوَبَ سِهَامٍ ، بِأَيدِينَا الدُّعَاءُ وَأَنعِمْ بِهِ وَأَكرِمْ ! بِأَيدِينَا الدُّعَاءُ الَّذِي لا أَعجَزَ ممَّن عَجَزَ عَنهُ ، وَكَيفَ يَعجَزُ عَنهُ مُؤمِنٌ أَو يَتَهَاوَنُ بِهِ وَيَترُكُهُ وَرَبُّنَا القَوِيُّ القَادِرُ هُوَ الَّذِي أَمَرَ بِهِ وَوَعَدَ بِإِجَابَتِهِ [وَقَالَ رَبُّكُمُ ادعُوني أَستَجِبْ لَكُم] فَلْنَرْفَعِ الأَكُفَّ وَلْنُخلِصِ الدُّعَاءَ للهِ ـ تَعَالى ـ وَلْنَسأَلْهُ نَصرَ إِخوَانِنَا المُستَضعَفِينَ عَلَى أَعدَائِهِم مِنَ الكَفَرَةِ وَالمُنَافِقِينَ وَالطُّغَاةِ وَالظَّالمِينَ . إِنَّ الأُمَّةَ لَن تَخلُوَ بِإِذنِ اللهِ مِن مُخلِصِينَ لَو أَقسَمُوا عَلَى رَبِّهِم لأَبَرَّهُم ، فَاجتَهِدُوا بِالدُّعَاءِ في السُّجُودِ وَأَدبَارِ الصَّلَوَاتِ ، وَكَرِّرُوهُ في الأَسحَارِ وَالخَلَوَاتِ ، وَكُونُوا عَلَى يَقِينٍ بِأَنَّ اللهَ لا يَرُدُّ دَاعِيًا وَلا يُخَيِّبُ رَاجِيًا ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسأَلُكُ العَافِيَةَ ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسأَلُكُ العَافِيَةَ ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسأَلُكُ العَافِيَةَ ، اللَّهُمَّ مُنزِلَ الكِتَابِ سَرِيعَ الحِسَابِ ، اِهزِمِ الأَحزَابَ ، اللَّهُمَّ اهزِمْهُم وَزَلْزِلْهُم ، اللَّهُمَّ عَلَيكَ بِمَن ظَلَمُوا إِخوَانَنَا وَاعتَدَوا عَلَيهِم ، اللَّهُمَّ اهزِمْهُم وَانْصرْ إِخوَانَنَا عَلَيهِم . اللَّهُمَّ أَنتَ عَضُدُهُم وَنَصِيرُهُم ، بِكَ يَحُولُونَ وَبِكَ يَصُولُونَ وَبِكَ يُقَاتِلُونَ . اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَعِنْهُم وَلا تُعِنْ عَلَيهِم ، وَانْصُرْهُم وَلا تَنصُرْ عَلَيهِم وَامكُرْ لَهُم وَلا تَمكُرْ عَلَيهِم ، وَاهدِهِم وَيَسِّرِ الهُدَى لهم ، وَانْصُرْهُم عَلَى مَن بَغَى عَلَيهِم .
الخطبة الثانية
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ، وَاحفَظُوا نِعَمَهُ عَلَيكُم وَاشكُرُوهُ [وَاتَّقُوا اللهَ وَاعلَمُوا أَنَّكُم مُلاقُوهُ]
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، مِن نِعمَةِ اللهُ عَلَينَا في هَذِهِ البِلادِ المُبَارَكَةِ ، أَنْ هَيَّأَ لَنَا وُلاةَ أَمرٍ نُحِبُّهُم وَيُحِبُّونَنَا ، وَنَدعُو لَهُم وَيَدعُونَ لَنَا ، يَحكُمُونَ بِالشَّرِيعَةِ وَالسَّوِيَّةِ ، وَيَعدِلُونَ في القَضِيَّةِ وَيُحسِنُونَ إِلى الرَّعِيَّةِ . أَلا وَإِنَّ مِن مُضَاعَفِ نِعَمِ اللهِ الَّتي تُذكَرُ لِتُشكَرَ ، مَا مَنَّ اللهُ بِهِ عَلَى وَليِّ أَمرِنَا مِنَ العَودَةِ إِلى البِلادِ سَالِمًا مُعَافى ، ثُمَّ مَا أَمَرَ بِهِ ـ حَفِظَهُ اللهُ ـ مِن أَوَامِرَ تَصُبُّ في مَصلَحَةِ البِلادِ وَالعِبَادِ ، فَجَزَاهُ اللهُ عَنَّا خَيرًا ، وَأَتَمَّ عَلَيهِ الصِّحَّةَ وَأَلبَسَهُ ثَوبَ العَافِيَةِ ، أَلا وَإِنَّ مِمَّا يَجدُرُ بِنَا تَذكُّرُهُ وَالتَّذكِيرُ بِهِ بهذِهِ المُنَاسَبَةِ ، أَنَّ أَولى مَا شُكِرَت بِهِ النِّعَمُ وَحُفِظَت ، طَاعَةُ اللهِ ـ تَعَالى ـ وَحِفظُ حُدُودِهِ ، وَالإِكثَارُ مِن حَمدِهِ وَذِكرِهِ وَشُكرِهِ ، وَالإِحسَانُ إِلى خَلقِهِ وَرَحمَةُ عِبَادِهِ ، وَأَمَّا التَّبذِيرُ وَتَبدِيدُ النِّعَمِ ، وَالمُبَالَغَةُ في الحَفَلاتِ وَالدَّعَوَاتِ ، وَإِعلانُ الفَرَحِ بِالرَّقصِ وَالغِنَاءِ والمَزَامِيرِ ، أَو بِرَفعِ الأَعلامِ وَتَعلِيقِ الصُّوَرِ وَاللاَّفِتَاتِ ، وَالغَفلَةِ مَعَ هَذَا عَن ذِكرِ اللهِ وَتَعَدِّي حُدُودِهِ ، فَإِنَّ هَذَا مِمَّا لا يُحمَدُ وَإِنْ كَثُرَ مُرَوِّجُوهُ وَالدَّاعُونَ إِلَيهِ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : [وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَريَةً كَانَت آمِنَةً مُطمَئِنَّةً يَأتِيهَا رِزقُهَا رَغَدًا مِن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَت بِأَنعُمِ اللهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الجُوعِ وَالخَوفِ بما كَانُوا يَصنَعُونَ . وَلَقَد جَاءَهُم رَسُولٌ مِنهُم فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ العَذَابُ وَهُم ظَالمُونَ . فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّبًا وَاشكُرُوا نِعمَةَ اللهِ إِنْ كُنتُم إِيَّاهُ تَعبُدُونَ] أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ فَإِنَّ مَحَبَّتَنَا لِوُلاةِ أَمرِنَا عَقِيدَةٌ رَاسِخَةٌ وَلَيسَت شِعَارَاتٍ زَائِفَةً ، إِنَّهَا دِينٌ نَدِينُ اللهَ بِهِ ، دِثَارُهُ الإِخلاصُ لَهُم وَمَحَبَّتُهُم وَالدُّعَاءُ لَهُم ، وَشِعَارُهُ طَاعَتُهُم وَالنُّصحُ لَهُم وَعَدَمُ مُنَازَعَتِهِمُ الأَمرَ ، عَن عُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : بَايَعنَا رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ عَلَى السَّمعِ وَالطَّاعَةِ في العُسرِ وَاليُسرِ وَالمَنشَطِ وَالمَكرَهِ ، وَعَلَى أَثَرَةٍ عَلَينَا ، وَأَلاَّ نُنَازِعَ الأَمرَ أَهلَهُ إِلاَّ أَن تَرَوا كُفرًا بَوَاحًا عِندَكُم مِنَ اللهِ فِيهِ بُرهَانٌ ، وَعَلَى أَن نَقُولَ بِالحَقِّ أَينَمَا كُنَّا لا نَخَافُ في اللهِ لَومَةَ لائِمٍ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ . اللَّهُمَّ احفَظْ وُلاةَ أَمرِنَا وَاحفَظْ بِهِمُ الإِسلامَ ، اللَّهُمَّ وَاجمَعْ بِهِمُ الكَلِمَةَ عَلَى الحَقِّ ، اللَّهُمَّ خُذْ بِنَوَاصِيهِم لِمَا تُحِبُّهَ وَتَرضَاهُ ، اللَّهُمَّ وَأَصلِحْ بِطَانَتَهُم ، اللَّهُمَّ قَرِّبْ إِلَيهِم مَن عَلِمتَ فِيهِ خَيرًا ، وَأَبعِدْ عَنهُم بِطَانَةَ السُّوءِ وَالفِتنَةِ وَالفَسَادِ يَا رَبَّ العَالمِينَ .
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى