لبيك يا الله



حديث قدسىعن رب العزة جلا وعلاعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله إذا أحب عبداً دعا له جبريل، عليه السلام، فقال: إني أحب فلانا فأحبه، قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، قال: ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض الله عبداً، دعا جبريل، فيقول: إني أبغض فلانا فأبغضه، فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً، فأبغضوه، قال: فيبغضونه، ثم توضع له البغضاء في الأرض”.
المواضيع الأخيرة
كل عام وانتم بخيرالجمعة 23 أبريل - 16:08رضا السويسى
كل عام وانتم بخيرالخميس 7 مايو - 22:46رضا السويسى
المسح على رأس اليتيم و العلاج باللمسالأربعاء 22 أغسطس - 14:45البرنس
(16) ما أجمل الغنائمالجمعة 11 أغسطس - 18:51رضا السويسى
مطوية ( وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ)الأحد 9 أغسطس - 19:02عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ)السبت 8 أغسطس - 12:46عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ )الأربعاء 5 أغسطس - 18:34عزمي ابراهيم عزيز



اذهب الى الأسفل
رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

خبيئة العمل  Empty خبيئة العمل {الأربعاء 16 نوفمبر - 10:47}

الشيخ / عبد الله بن محمد البصري
خبيئة العمل



أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ "

أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ مِن نِعَمِ اللهِ الَّتي يَجِبُ عَلَى العَبدِ شُكرُهَا وَحِفظُهَا ، أَن يُوَفِّقَهُ لِلالتِزَامِ بِالسُّنَّةِ في الظَّاهِرِ ، وَيُيَسِّرَ لَهُ الاستِقَامَةَ عَلَى الأَوَامِرِ الشَّرعِيَّةِ في العَلَنِ ، وَيَرزُقَهُ مِنَ الحَيَاءِ مَا يَمنَعُهُ مِنَ الإِسَاءَةِ أَمَامَ النَّاسِ وَالمُجَاهَرَةِ بِذَنبِهِ " وَالحَيَاءُ شُعبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ " وَ" إِنَّ مِمَّا أَدرَكَ النَّاسُ مِن كَلامِ النُّبُوَّةِ الأُولى إِذَا لم تَستَحيِ فَاصنَعْ مَا شِئتَ " غَيرَ أَنَّ المَحَكَّ الدَّقِيقَ الَّذِي يُجَلِّي حَقِيقَةَ تِلكَ الاستِقَامَةِ العَلَنِيَّةِ وَيُمَحِّصُهَا ، وَالاختِبَارَ الصَّعبَ الَّذِي يَتَحَطَّمُ عَلَيهِ مَا قَد يَشُوبُهَا مِن تَكَلُّفٍ وَتَصَنُّعٍ ، إِنَّمَا يَكُونُ بِعِبَادَاتِ السِّرِّ المَحضَةِ ، وَالَّتي تَكُونُ في الخَلوَةِ وَالخَفَاءِ ، حِينَ لا يَرَى العَبدَ أَحَدٌ غَيرُ رَبِّهِ ، وَلا يَطَّلِعُ عَلَى عَمَلِهِ إِلاَّ مَولاهُ ؛ ذَلِكَ أَنَّ عُبُودِيَّةَ القَلبِ وَاجِبَةٌ في كُلِّ وَقتٍ وَحِينٍ ، وَهِيَ أَعظَمُ مِن عُبُودِيَّةِ الجَوَارِحِ وَأَدوَمُ ، بَل إِنَّ عِبَادَةَ الجَوَارِحِ الظَّاهِرَةَ إِذَا خَلَت مِن تِلكَ العُبُودِيَّةِ البَاطِنَةِ ، لم تَكُنْ عِبَادَةً مَقبُولَةً نَافِعَةً ، وَقَد لا يُؤجَرُ صَاحِبُهَا عَلَيهَا وَلا يُثَابُ . وَإِنَّمَا يَتَمَيَّزُ المُؤمِنُ الصَّادِقُ عَنِ المُنَافِقِ المُخَادِعِ بِتِلكَ العُبُودِيَّةِ الخَفِيَّةِ ، وَاللهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ لا يَنظُرُ مِنَ النَّاسِ إِلى الصُّوَرِ وَالأَموَالِ ، وَإِنَّمَا يَنظُرُ إِلى القُلُوبِ وَالأَعمَالِ ، قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " إِنَّ اللهَ لا يَنظُرُ إِلى صُوَرِكُم وَأَموَالِكُم ، وَلَكِنْ يَنظُرُ إِلى قُلُوبِكُم وَأَعمَالِكُم " رَوَاهُ مُسلِمٌ . وَالإِيمَانُ لَيسَ بِالتَّمَنِّي وَلابِالتَّحَلِّي ، وَلَكِنَّهُ مَا وَقَرَ في القَلبِ ، وَصَدَّقَ القَولَ فِيهِ صَالحُ العَمَلِ . وَمَقصُودُ الشَّرعِ مِنَ الأَعمَالِ كُلِّهَا ظَاهِرِهَا وَبَاطِنِهَا ، إِنَّمَا هُوَ صَلاحُ القَلبِ وَكَمَالُهُ ، وَقِيَامُهُ بِالعُبُودِيَّةِ لِرَبِّهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " أَلا وَإِنَّ في الجَسَدِ مُضغَةً إِذَا صَلَحَت صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ ، وَإِذَا فَسَدَت فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ ، أَلا وَهِيَ القَلبُ " وَيَومَ تُبَعثَرُ القُبُورُ وَيُحَصَّلُ مَا في الصُّدُورِ وَتُبلَى السَّرَائِرُ ، إِذْ ذَاكَ لا يَنفَعُ عِندَ اللهِ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلاَّ مَن أَتَى اللهَ بِقَلبٍ سَلِيمٍ ، وَمِن ثَمَّ فَإِنَّ حِرصَ العَبدِ عَلَى صَلاحِ قَلبِهِ أَولى وَأَهَمُّ ، وَقِيَامَهُ بِعَمَلِهِ أَجَلُّ وَأَعظَمُ .

أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لَقَد جَاءَتِ الأَدِلَّةُ بِامتِدَاحِ عِبَادَاتِ الخَفَاءِ والتَّرغِيبِ في قُرُبَاتِ السِّرِّ ؛ إِذِ القَلبُ فِيهَا أَشَدُّ حُضُورًا وَاجتِمَاعًا ، وَالعَبدُ بها أَكثَرُ خُشُوعًا وَخُضُوعًا ، قَالَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ : " إِن تُبدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخفُوهَا وَتُؤتُوهَا الفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيرٌ لَكُم ، وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِن سَيِّئَاتِكُم وَاللهُ بما تَعمَلُونَ خَبِيرٌ " وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " صَدَقَةُ السِّرِّ تُطفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ " رَوَاهُ الطَّبَرَانيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ ، وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " الجَاهِرُ بِالقُرآنِ كَالجَاهِرِ بِالصَّدَقَةِ ، وَالمُسِرُّ بِالقُرآنِ كَالمُسِرِّ بِالصَّدَقَةِ " رَوَاهُ أَهلُ السُّنَنِ إِلاَّ ابنَ مَاجَه وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ ، وَفي حَدِيثِ السَّبعَةِ الَّذِينَ يُظِلُّهُمُ اللهُ في ظِلِّهِ يَومَ لاظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ ، قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللهَ خَالِيًا فَفَاضَت عَينَاهُ ، وَرَجُلٌ دَعَتهُ امرَأَةٌ ذَاتُ مَنصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخفَاهَا حَتَّى لا تَعلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنفِقُ يَمِينُهُ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ ، وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " صَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ في بُيُوتِكُم ؛ فَإِنَّ أَفضَلَ الصَّلاةِ صَلاةُ المَرءِ في بَيتِهِ إِلاَّ المَكتُوبَةَ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ ، وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " أَقرَبُ مَا يَكُونُ الرَّبُّ مِنَ العَبدِ في جَوفِ اللَّيلِ الآخِرِ ، فَإِنِ استَطَعتَ أَن تَكُونَ مِمَّن يَذكُرُ اللهَ في تِلكَ السَّاعَةِ فَكُنْ " رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " أَيُّهَا النَّاسُ ، أَفشُوا السَّلامَ ، وَأَطعِمُوا الطَّعَامَ ، وَصِلُوا الأَرحَامَ ، وَصَلُّوا بِاللَّيلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ ، تَدخُلُوا الجَنَّةَ بِسَلامٍ " رَوَاهُ التَّرمِذِيُّ وَابنُ مَاجَه وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . إِنَّهُ لم تُمدَحْ تِلكَ العِبَادَاتُ وَيُحَثَّ عَلَيهَا وَتُنزَلْ مَنازِلَ عَالِيَةً ، إِلاَّ لأَنَّ صَاحِبَهَا حِينَ فِعلِهَا يَبعُدُ عَن دَائِرَةِ الأَنظَارِ ، وَيَنأَى عَن مُلاحَظَةِ الأَعيُنِ لَهُ ، ويَتَمَحَّضُ قَلبُهُ لِمُطَالَعَةِ رَبِّهِ وَالإِخلاصِ لَهُ ، في لَحَظَاتٍ إِيمَانِيَّةٍ صَادِقَةٍ ، لا تَشُوبُهَا مِنَ الرِّيَاءِ وَالسُّمعَةٍ شَائِبَةٌ ، وَلا يُخَالِطُهَا مِن طَلَبِ المَدحِ وَالظُّهُورِ كَدَرٌ ، قَد تَوَجَّهَ القَلبُ فِيهَا للهِ ـ تَعَالى ـ مُعَظِّمًا ، وَاطمَأنَّتِ النَّفسُ إِلَيهِ وَتَمَّت مُرَاقَبَةُ العَبدِ لَهُ . وَإِنَّهُ حِينَ تَدفَعُ بَعضَ النَّاسِ إِلى العِبَادَاتِ الظَّاهِرَةِ في بَعضِ الأَحيَانِ دَوَافِعُ أَرضِيَّةٌ سُفلَى ، مِن مِثلِ حُبِّ المَدحِ أَو خَشيَةِ الذَّمِّ ، فَإِنَّ العِبَادَاتِ البَاطِنَةَ سِرٌّ بَينَ العَبدِ وَرَبِّهِ ، لا يَدفَعُهُ إِلَيهَا إِلاَّ مَحَبَّتُهُ ـ تَعَالى ـ وَالخَوفُ مِنهُ وَطَلَبُ مَا عِندَهُ ، وَتِلكَ هِيَ حَالُ أَهلِ الخَشيَةِ في السِّرِّ ، الَّذِينَ يَنتَفِعُونَ بِالذِّكرَى وَتُؤَثِّرُ في قُلُوبِهِمُ النَّذَارَةُ ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : " إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخشَونَ رَبَّهُم بِالغَيبِ " أَي يَخَافُونَهُ ـ سُبحَانَهُ ـ حَالَ خَلوَتِهِم بِهِ بَعِيدًا عَن أَعيُنِ الخَلقِ ، وَمِن ثَمَّ فَقَد كَانُوا أَحَقَّ النَّاسِ بِمَغفِرَتِهِ وَنَيلِ ثَوَابِهِ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ " وَأُزلِفَتِ الجَنَّةُ لِلمُتَّقِينَ غَيرَ بَعِيدٍ . هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ . مَن خَشِيَ الرَّحمَنَ بِالغَيبِ وَجَاءَ بِقَلبٍ مُنِيبٍ . ادخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَومُ الخُلُودِ . لَهُم مَا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَينَا مَزِيدٌ " وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " إِنَّ الَّذِينَ يَخشَونَ رَبَّهُم بِالغَيبِ لَهُم مَغفِرَةٌ وَأَجرٌ كَبِيرٌ "

أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ مَثَلَ العَلانِيَةِ مَعَ السَّرِيرَةِ ، كَمَثَلِ وَرَقِ الشَّجَرةِ مَعَ عِرقِهَا ، فَإِنْ نُخِرَ العِرقُ هَلَكَتِ الشَّجَرَةُ ، وَإِنْ صَلَحَ العِرقُ صَلَحَتِ الشَّجَرَةُ كُلُّهَا ، وَلا تَزَالُ الشَّجَرَةُ نَضِرَةً مَا كَانَ عِرقُهَا مُستَخفِيًا لا يُرَى مِنهُ شَيءٌ ، كَذَلِكُمُ الدِّينُ لا يَزَالُ صَالِحًا مَا كَانَ لِلعَبدِ سَرِيرَةٌ صَالِحَةٌ يُصَدِّقُ اللهُ بها عَلانِيَتَهُ ، وَمَعَ هَذَا فَإِنَّهُ كَمَا يُنتَفَعُ مِنَ الشَّجَرَةِ بِالوَرَقِ أَوِ الثَّمَرِ ، فَإِنَّ صَلاحَ عَلانِيَةِ المَرءِ ممَّا يَنفَعُ اللهُ بِهِ مَن حَولَهُ ، وَمِن ثَمَّ فَإِنَّ الحَثَّ عَلَى عِبَادَاتِ السِّرِّ وَاستِحبَابَ الطَّاعَاتِ في الخَلَوَاتِ ، لَيسَ مَقصُودًا بِهِ العُزلَةُ التَّامَّةُ عَنِ النَّاسِ وَاجتِنَابُ مَجَالِسِهِم وَهَجرُ مُنتَدَيَاتِهِم ، أَو عَدَمُ عَمَلِ أَيِّ خَيرٍ أَمَامَهُم ، فَإِنَّ هَذَا مِمَّا تَأبَاهُ نُصُوصُ الشَّرعِ المُطَهَّرَةُ وَلا تُقِرُّهُ قَوَاعِدُهُ المُقَرَّرَةُ ، فَثَمَّةَ جُمَعٌ وَجَمَاعَاتٌ لا بُدَّ مِن شُهُودِهَا مَعَ المُسلِمِينَ ، وَهُنَاكَ أَمرٌ بِالمَعرُوفِ وَنَهيٌ عَنِ المُنكَرِ بِاليَدِ وَاللِّسَانِ ، وَلا بُدَّ مِنَ التَّعَاوُنِ عَلَى البِرِّ وَالتَّقوَى ، وَ" يَدُ اللهِ عَلَى الجَمَاعَةِ " وَ" المُؤمِنُ لِلمُؤمِنِ كَالبُنيَانِ يَشُدُّ بَعضُهُ بَعضًا " وَ" مَن دَلَّ عَلَى خَيرٍ فَلَهُ مِثلُ أَجرِ فَاعِلِهِ " وَ" مَن سَنَّ في الإِسلامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجرُهَا وَأَجرُ مَن عَمِلَ بها مِن بَعدِهِ " وَالمَقصُودُ أَن يُصلِحَ العَبدُ مَا بَينَهُ وَبَينَ رَبِّهِ ، وَأَن يَكُونَ لَهُ خَبِيئَةٌ مِن عَمَلٍ يَرجُو أَجرَهَا وَيَحتَسِبُ ثَوَابَهَا ، أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ عِبَادَ اللهِ ـ وَاحرِصُوا عَلَى إِصلاحِ سَرَائِرِكُم وَعِمَارَةِ بَوَاطِنِكُم ، وَتَعَاهَدُوا أَنفُسَكُم في خَفَائِكُم وَسِرِّكُم ، فَإِنَّ صَلاحَ البَوَاطِنِ هُوَ طَرِيقُ الرِّفعَةِ في الدُّنيَا وَسَبِيلُ النَّجَاةِ في الآخِرَةِ ، وَإِيَّاكُم أَن يَأخُذَ بِكُم سَرَابُ الظُّهُورِ أَو يَفتِنَكُم غُرُورُ الشُّهرِةِ ، أَو يَغلِبَكُمُ الخُمُولُ ويُقعِدَكُمُ الكَسَلُ ، وَخَصِّصُوا لأَنفُسِكُم أَوقَاتًا تَخلُونَ فِيهَا بِاللهِ وَتَأنَسُونَ بِهِ وَتَعِيشُونَ في كَنَفِهِ ، بَينَ اعتِكَافٍ لِمُحَاسَبَةِ النَّفسِ ، وَخَلوَةٍ لِلتَّفَكُّرِ في مَلَكُوتِهِ ـ سُبحَانَهُ ـ ، وَذِكرٍ وَتَسبِيحٍ وَدُعَاءٍ ، وَقِيَامِ لَيلٍ وَاستِغفَارٍ بِالأَسحَارِ ، وَمُنَاجَاةٍ وَقِرَاءَةِ قُرآنٍ وَصَدَقَةِ سِرٍّ . في الحَدِيثِ : " مَنِ استَطَاعَ مِنكُم أَن يَكُونَ لَهُ خِبءٌ مِن عَمَلٍ صَالحٍ فَلْيَفعَلْ " رَوَاهُ الضِّيَاءُ المَقدِسِيُّ في المُختَارَةِ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ " إِنَّمَا يُؤمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بها خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمدِ رَبِّهِم وَهُم لايَستَكبِرُونَ . تَتَجَافى جُنُوبُهُم عَنِ المَضَاجِعِ يَدعُونَ رَبَّهُم خَوفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقنَاهُم يُنفِقُونَ . فَلا تَعلَمُ نَفسٌ مَا أُخفِيَ لَهُم مِن قُرَّةِ أَعيُنٍ جَزَاءً بما كَانُوا يَعمَلُونَ "





الخطبة الثانية

أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ " وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مَخرَجًا " ثُمَّ اعلَمُوا أَنَّهُ لا مُعِينَ لِلمَرءِ عَلَى إِخفَاءِ عَمَلِهِ وَتَجرِيدِ قَصدِهِ لِرَبِّهِ ، مِثلُ أَن يَعلَمَ أَنَّ مَن يُرَائِيهِم في الدُّنيَا وَقَد يَعمَلُ العَمَلَ مِن أَجلِهِم وَيُزَيِّنُهُ ، لَن يَنفَعُوهُ عِندَ اللهِ يَومَ القِيَامَةِ وَلَن يُغنُوا عَنهُ شَيئًا ، رَوَى الإِمَامُ أَحمَدُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ عَن محمودِ بنِ لَبِيدٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ : " إِنَّ أَخوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيكُمُ الشِّركُ الأَصغَرُ " قَالُوا : وَمَا الشِّركُ الأَصغَرُ يَا رَسُولَ اللهِ " قَالَ : الرِّيَاءُ ، يَقُولُ اللهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ إِذَا جَزَى النَّاسَ بِأَعمَالِهِم : اِذهَبُوا إِلى الَّذِينَ كُنتُم تُرَاؤُونَ في الدُّنيَا ، فَانظُرُوا هَل تَجِدُونَ عِندَهُم جَزَاءً " أَلا فَمَا أَجمَلَهُ أَن يَكُونَ لِلمَرءِ حَظٌّ مِن عِبَادَةٍ خَفِيَّةٍ لا يَعلَمُ بِهِ أَحَدٌ إِلاَّ البَرُّ الرَّحِيمُ ، وَأَن يَحذَرَ أَشَدَّ الحَذَرِ مِن ذُنُوبِ الخَلَوَاتِ ، وَلا سِيَّمَا الإِصرَارُ عَلَيهَا وَاعتِيَادُهَا ؛ فَإِنَّ مَا يُصَابُ بِهِ بَعضُ النَّاسِ اليَومَ مِن انتِكَاسٍ بَعدَ صَلاحٍ ، أَو فُتُورٍ بَعدَ قُوَّةِ عَزِيمَةٍ ، إِنَّ مِن أَهَمِّ أَسبَابِهِ التَّقصِيرَ في عِبَادَاتِ القُلُوبِ ، وَضَعفَ القِيَامِ بِكَثِيرٍ مِنَ القُرُبَاتِ في الخَفَاءِ ، مِمَّا وَرَّثَ الكَثِيرِينَ هَشَاشَةً في الاستِقَامَةِ وَضَعفًا في الالتِزَامِ ، فَكَيفَ بما بُلِيَ بِهِ بَعضُهُم مِن جَمعٍ بَينَ تَركِ العِبَادَاتِ في السِّرِّ وَالوُقُوعِ في ذُنُوبِ الخَلَوَاتِ ، فَيَظهَرُ أَمَامَ النَّاسِ بِمَظهَرِ الصَّالِحِ المُتَدَيِّنِ ، المُحَافِظِ عَلَى الأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي ، فَإِذَا خَلا بِنَفسِهِ لم يَقتَصِرْ عَلَى تَركِ العَمَلِ الصَّالِحِ حَتى يَقَعَ في المُحَرَّمِ ، فَمَاذَا بَقِيَ لَهُ مِن تَعظِيمِ رَبِّهِ وَإِجلالِهِ ؟! عَن ثَوبَانَ مَولى رَسُولِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " لأَعلَمَنَّ أَقوَامًا مِن أُمَّتي يَأتُونَ يَومَ القِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا ، فَيَجعَلُهَا اللهُ هَبَاءً مَنثُورًا " قَالَ ثَوبَانُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، صِفْهُم لَنَا ، جَلِّهِم لَنَا ، أَلاَّ نَكُونَ مِنهُم وَنَحنُ لا نَعلَمُ . قَالَ : " أَمَا إِنَّهُم إِخوَانُكُم وَمِن جِلدَتِكُم وَيَأخُذُونَ مِنَ اللَّيلِ كَمَا تَأخُذُونَ ، وَلَكِنَّهُم أَقوَامٌ إِذَا خَلَوا بِمَحَارِمِ اللهِ انتَهَكُوهَا " رَوَاهُ ابنُ مَاجَّه وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . فَيَا مَن لا يَصبِرُ لَحظَةً عَمَّا يَشتَهِي ، مَا أَحقَرَكَ وَأَصغَرَكَ وَأَقَلَّ عِلمَكَ بِرَبِّكَ ! أَلا تَستَحِيي مِن خَالِقِكَ وَتُرَاقِبُ مَولاكَ ! كَيفَ تَعصِيهِ ـ سُبحَانَهُ ـ وَهُوَ يَرَاكَ ؟! إِنَّكَ لَن تَنَالَ وِلايَتَهُ وَتَأيِيدَهُ وَحِفظَهُ حَتى تَكُونَ مُعَامَلَتُكَ لَهُ خَالِصَةً ، لَن تَنَالَ وِلايَتَهُ حَتى تَترُكَ شَهَوَاتِكَ وَتَصبِرَ عَلَى مَكرُوهَاتِكَ ، فاللهَ اللهَ في مُرَاقَبَتِهِ في الخَلَوَاتِ ، اللهَ للهَ بِعِمَارَةِ البَوَاطِنِ ، اللهَ اللهَ في النِّيَاتِ ، فَـ" إِنََّ عَلَيكُم لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ . يَعلَمُونَ مَا تَفعَلُونَ " " وَتَوَكَّلْ عَلَى العَزِيزِ الرَّحِيمِ . الَّذي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ . وَتَقَلُّبَكَ فى السَّاجِدِينَ . إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ "

الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى