عبير الروح
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
هذه
إجابة ثلاثة أسئلةٍ تتعلق بمكانة المرأة في الإسلام تقدم بها الشيخ الفاضل
والكاتب والداعية الإسلامي المعروف (علي نار) مدرس متقاعد وعضو رابطة
الأدب الإسلامي العالمية. وكنت أحد من قدم إليهم تلك الأسئلة وحملهم
مسؤولية الإجابة عليها فاستعنت بالله وكتبت ما حضرني من الجواب عليها أسال
الله أن ينفع به وفيما يلي الأسئلة وإجاباتها.
السؤال الأول:
هل يرتبط تشريع الحجاب للمرأة المسلمة بما ذكره بعض المفسرين والشراح بأنه:
لتمييز المرأة الحرة من الأمة؟ وهل يقتصر فرض الحجاب على هذا السبب بحيث
أنه يسقط إذا انتفت العلة الموجبة؟ أم أن له أسباباً أخرى تجعله ثابتاً في
كل زمان ومكان؟ وكيف تتحجب المرأة المسلمة؟.
الجواب وبالله التوفيق:
لا يرتبط تشريع الحجاب للمرأة المسلمة بما ذكره بعض المفسرين بأنه لتمييز
المرأة الحرة من الأمة، بل وليس هذا السبب الوحيد في تشريعه ولكنه شرع
للأسباب الدائمة الموجودة في كل زمان ومكان إلى قيام الساعة ومنها ما يأتي:
1- لكي لا تُعرف الحرة المعرفة المتعلقة بشخصيتها وبأسرتها والتي تؤدي إلى
أذيتها في نفسها وشرفها وأسرتها بل ودينها إذ أن من الأذى الذي يلحق أسرتها
من جراء معرفتها الناتجة عن ترك الحجاب أن الناس يتكلمون عن جمالها أو
قبحها ويذكرون اسمها واسم زوجها، أو اسم أبيها وأهلها إن لم تكن متزوجة بعد
متابعة الفساق لها لمعرفة منزلها وأهلها إن كانت جميلة، وهذه المعرفة
العامة الدائمة المؤدية إلى إلحاق الشر بالجنسين هي السبب المهم لأمر
المرأة المسلمة بالحجاب ولو كانت دميمة الخلقة لأن الأذى يلحقها كذلك حسياً
ومعنوياً بخوض الفساق في عرضها بأنها قبيحة وهذا جرح لها وتشويه لسمعتها
وأذية لأهلها ولزوجها بل ربما أدى سماع زوجها ذم الفساق لها بالاضافة إلى
نظره هو إلى النساء الجميلات إلى كراهيته لها وطلاقها بلا ذنب رغم أنه قد
اختارها في البداية لصفات أهم من الجمال.
أما بالنسبة للمرأة الجميلة فإنها إذا لم تتحجب تُعرف ثم تأخذ الأنظار في
ملاحقتها ثم تتعلق بها قلوب الفساق ثم تبدأ المحاولات الكبرى في الكيد لها
والوصول إليها بأي وسيلة وبأي حيلة.. فإذا لم يتم توصل الفساق إليها
بالإغراء حاولوا الوصول إليها بالقوة فكم من جميلة عفيفة ذهبت ضحية تركها
الحجاب فهتك المجرمون عرضها وداسوا شرفها وشرف أسرتها ومن الأدلة على ذلك:
الواقع المشهود الذي يكفي دليلاً على: أن الحجاب إنما شُرع لصيانة الحرة عن
الإجرام والمجرمين، بل ولصيانة الرجال المؤمنين والنساء المؤمنات عن
الوقوع في الفتنة التي منشؤها النظر.. ومن الأدلة أيضاً على أن مشروعية
الحجاب ليست من أجل أن تُعرف المرأة بأنها حرة فحسب:
• أن الأمة إذا اعتقت صارت حرة ووجب عليها الحجاب ولو كانت دميمة الخلقة.
أما ما دامت أمة فهي سلعة معروضة للبيع فلا تؤمر بالحجاب لكونها كذلك.
• إن الإسلام لم يبح بأي حال من الأحوال أن تؤذى الأمة بالنظر المشبوه
والملاحقة والمراودة وبالتالي بالجريمة الكبرى والعياذ بالله، ومن فسر
الأذى بذلك وقال: أُمرت الحرة بالحجاب لكي تُعرف بأنها حرة فلا يراودها
الفساق على نفسها فقد أخطأ ولو كان من المعروف عن الحرة في الجاهلية أنها
لا تزني.. لأن وقوع من تتعرض من الحرائر لأسباب الزنا في الزنا أمر معلوم
في كل زمان ومكان.
والدليل على ذلك من القرآن قوله تعالى: {وإذا سألتموهن متاعاً فسألوهن من وراء حجاب ذلك أطهر لقلوبكم وقلوبهن}
الآية (الأحزاب، 53) فإذا كان هذا الحجاب المأمور به في حق نساء النبي -
صلى الله عليه وسلم -اللاتي هن أشرف وأطهر النساء وأعفهن وفي حق أصحاب رسول
الله - صلى الله عليه وسلم -الذين هم أشرف وأطهر وأعف الناس فكيف لا يكون
ذلك في حق من سواهن وسواهم من المسلمات والمسلمين من باب أولى؟..
والدليل الثاني: أن آية الحجاب نزلت مُصَرِّحةً بفائدة الحجاب وهي
عدم معرفة الأجانب للمرأة الذي من فائدته سلامتها من أذاهم الذي ذكرتُه
آنفا.. ونزول الآية وافق رأي عمر رضي الله عنه لما أشار على النبي - صلى
الله عليه وسلم -أن يأمر نسائه وغيرهن من باب أولى بالحجاب. ورأي عمر رضي
الله عنه ناتج عن غيرته على المؤمنات وعلى رأسهن أمهات المؤمنين لما يعرفه
من خطر النظر الناتج عن السفور.
والدليل من السنة قوله - صلى الله عليه وسلم -في الحديث الصحيح «ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء» وأعظم ما يفتن في المرأة وجهها ويداها وربما يقول قائل: إذا كانت المرأة ليست جميلة فلماذا تتحجب؟ والجواب على ذلك بأمرين:
الأول: ما تقدم ذكره وهو منع الأذى عنها بالحجاب من قبل من لا تعجبهم لأنهم يؤذونها ويؤذون زوجها وأسرتها بذمها.
والأمر الثاني: أن بعض
الناس يعشقها وتكون جميلة في نظره ويتعلق بها قلبه.. بل إن منهم من تعجبه
السوداء ولا يرغب البيضاء وهكذا في الصفات الأخرى ولذا قيل: وللناس فيما
يعشقون مذاهب.
ومسك الختام أن الذي شرع الحجاب هو اللطيف الخبير العالم بما يصلح عباده سبحانه وتعالى.
وأما حديث أسماء الذي ورد فيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم -رآها في ثياب
رقاق (شفافة) وقد ظهرت بشرتها من ورائها.. فهذا حديث باطل سنداً ومتناً
فأما سنده فهو معلول بعدة علل كما هو معروف عند أهل الجرح والتعديل، وأما
متنه فهو باطل لأنه من المحال أن تخرج الصحابية الجليلة العفيفة الشريفة
بنت الصديق في ثياب تَهَتُّكٍ وعُرِي أمام المصطفى - صلى الله عليه وسلم
-أو أمام غيره بل إن من ينسب إليها ذلك مؤذٍ لها ولأبيها ومتهم لها بالتبرج
والتهتك وقلة الحياء رضي الله عنها وعن أبيها وأرضاهما والله أعلم.
وأما كيفية حجاب المرأة المسلمة فهو كما أمرها الله سبحانه في كتابه وعلى
لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم -وهو أن تدني عليها من جلبابها حتى تغطي
جميع رأسها ورقبتها ونحرها ووجهها وأن يكون ذلك الحجاب من جلباب أو غيره
كالعباءة والخمار صفيقاً أي سميكاً ليس شفافاً وأن يكون وافياً يغطي جميع
ما ذكر بالإضافة إلى ستر يديها لأنهما عورة وفتنة وكذلك تغطي قدميها وجميع
جسدها، وتخرج عيناً واحدة أو عينيها معاً بالفتح لهما في الخمار أو الجلباب
أو النقاب فتحتين صغيرتين على قدر ما ترى طريقها وحاجتها.
ولو نظر إليها أحد لم يرى شيئاً من حاجبيها أو وجنتيها وهذا ما فعلته أمهات
المؤمنين ونساء الصحابة رضي الله عنهن والمسلمات المؤمنات الصالحات
القانتات إلى يومنا هذا.
وأما سفور المسلمة وإظهارها لوجهها ويديها، ومثله بل ربما يكون أخطر منه ما
تفعله بعض النساء من اتخاذ البرقع (النقاب) الفاضح الذي تُخرج من خلال
فتحتين فيه واسعتين عينيها وحاجبيها وتكتحل مع هذا فإن هذا منكر كبير لا
يحل للمرأة المسلمة التي ترجو الله والدار الآخرة أن تفعله وعليها أن تتوب
إلى الله من هذا الصنيع ولا تعرض نفسها للفتنة والشر وعقوبة الله تعالى،
قال الله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}
[النور: 63]، وأما ما تفعله النساء المتهتكات الفاتنات المفتونات من كشف
رؤوسهن ونحورهن وسيقانهن فهذا من صنع الكافرات والعاهرات الفاجرات وفعله من
أعظم الكبائر المتوعد صاحبها بالنار والعياذ بالله فعلى من تفعل ذلك من
المسلمات أن تعلم أنها إذا خرجت إلى الشارع أو أمام الناس بهذا المظهر
فإنها والعياذ بالله ملعونة تمشي في غضب الله وسخطه ومن يرضى بصنيعها من
الرجال والنساء ولا ينكره فهو مثلها في الإثم والعياذ بالله.
فأنقذي نفسك أيتها المرأة المتبرجة المتشبهة بالكافرات وبالبغايا العاهرات
أنقذي نفسك من النار وتوبي إلى الله، ويا أيها المسلمون الذين تركتم نساءكم
يصنعن هذا الصنيع انقذوا أنفسكم من النار وخذوا على أيديهن وألزِمُوهن
الستر والحجاب والقرار في البيوت فلا يخرجن إلا لحاجة في حال من التحفظ
والتستر ولا تسمح المرأة المسلمة لنفسها بالخلوة برجل ليس محرماً لها سواءً
أكان سائقاً أو طبيباً أو مدرساً أو غير ذلك فإن هذا حرام لا يجوز وهو من
أعظم وسائل الزنا أعاذنا الله منه قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما خلا رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان» نسأل الله العافية.
وقد أوجب الله سبحانه وتعالى على ولاة أمر المسلمين وعلى الرجل في بيته
وعلى المرأة في بيت زوجها وعلى الخادم في مال سيده أوجب الله عليهم جميعاً
أن يحفظوا رعاياهم من وسائل الهلاك والشقاء في الدنيا ولآخرة وأن يؤدوا
الأمانة، وحذرهم الخيانة فقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}
[الأنفال: 27]، ووصف سبحانه المؤمنين والمؤمنات بأن بعضهم أولياء بعض
يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويؤمنون بالله، وقال الله سبحانه: {وَلْتَكُنْ
مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ
وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104]، وقال: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}
[آل عمران: 110]، فبين الله سبحانه في الآيتين أن الفلاح والخيرية لا
يحصلان إلا للمؤمنين الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر، وقال رسول الله -
صلى الله عليه وسلم -: « كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته.. الإمام راع ومسؤول عن رعيته (المراد بالإمام رئيس الدولة) والرجل راع ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها
(فهي مسؤولة كالرجل عن بناتها لابد أن تعلمهن الخير وتأمرهن بتوحيد الله
وبالصلاة وتنهاهن عن التبرج وعن كل شر وأن تكون قدوة صالحه لهن) والخادم راع في مال سيده ومسؤل عن رعيته، فكلكم راع وكلكم مسؤل عن رعيته» وقال سبحانه: {لُعِنَ
الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ
وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ *
كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا
يَفْعَلُونَ} [المائدة: 78 ، 79]، ولما قرأ النبي - صلى الله عليه وسلم -هذه الآيات قال: «كلا والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد السفيه (وفي رواية: على يد الظالم) ولتأطرنه على الحق أطرا (وفي رواية: ولتقصرنه على الحق قصرا)
أو ليوشكن الله أن يضرب قلوب بعضكم ببعض ثم يعنكم كما لعنهم» نسأل الله
العافية في الدنيا والآخرة ونعوذ بالله من غضبه وأليم
عقابه.
السؤال الثاني:
قال تعالى عن شهادة المرأة: {فَإِنْ
لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ
الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا
الْأُخْرَى} [البقرة : 282]، هل يقتصر تشريع مساواة شهادة المرأتين
بشهادة رجل على احتمال نسيان المرأة؟ أم أنه تشريع مطلق له أسباب وحكم أخرى
كثيرة؟ وهل يتغير الحكم إذا انتفى احتمال النسيان بحيث تكون الشهادة
مكتوبة وموثقه عند كاتب العدل مثلا؟
الجواب على هذا السؤال وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب من وجوه:
الأول: أنه لا يقتصر ضلال المرأة هنا على النسيان بل هو أعم! ومما هو أعظم ضلالاً من النسيان:
ضلالها بكتمان الشهادة أو تغييرها عن حقيقتها نتيجة إغراء أو تهديد لأن
الله سبحانه خلق المرأة وجعل لها صفات جسميه ونفسيه تختلف عن الرجل من ذلك
أن عاطفتها أعظم من عاطفة الرجل فهي لا تتحمل كالرجل أمام عاطفتها أن تشهد
على ابنها أو ابنتها أو قريبتها أو صديقتها كما يتحمل الرجل فيُخشى أن تضل
عن الحق بتغيير الشهادة أو كتمانها، فإذا صار معها أخرى ذكرتها بالله
واستحت من جانبها أن تكتم أو تغير لما في ذلك من مذمتها، أما الرجل فقد جعل
الله له من التركيب الجسمي والنفسي ما يعينه على الثبات والصمود ليقول
الحق وليتغلب على عاطفته ولهذا كتب عليه القتال ولم يكتبه على المرأة.
وهذا بالنسبة للرجل والمرأة المؤمنين المرضيين كما قال تعالى: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ}
[البقرة: 282]، أما الفاسق فشهادته مردودة رجلاً كان أو امرأة. وإذا وجد
من النساء من هي أقوى إيماناً وقلباً من بعض الرجال فهذا لا يغير الحكم لأن
لكل قاعدة شواذ.
الوجه الثاني هو: أن الله سبحانه أكرم المرأة وهو بها أرحم من نفسها
ومن أهلها ومن جميع الناس وذلك بأنه سبحانه جعل لها وظيفة تناسب خلقتها
الجسمية وحالاتها النفسية وهي القرار في البيت وتربية أولادها وخدمة زوجها
والتهيؤ له وذلك كله في عزلة عن الناس وأمن وحرية فهي تباشر وظيفتها الهامة
التي لا تقل عن وظيفة الرجل بكل طمأنينة وأمن وارتياح الأمر الذي يكون
سبباً في سعادتها وسعادة زوجها وأولادها وجعل العمل والكسب خارج المنزل
والمعاناة من أجل كسب المعيشة ومواجهة الرجال والاختلاط بهم والتعامل معهم
وظيفة الرجل لما جعل الله له من التركيب الجسمي والنفسي الملائم لذلك ومن
ذلك حضوره إلى المحاكم الشرعية ودوائر التحقيق ليدلي بشهادته وهذا أمر لو
طلب من المرأة لكان فيه حرج ومشقة عليها من ناحية وتعريضها للفتنة من ناحية
أخرى فصارت طبيعة وظيفتها في البيت تبعدها عن المشاكل التي تحصل بين الناس
وتستدعي شهادتها نتيجة حضورها تلك المشاكل.
وأما الأمور التي لا يطّلع عليها إلا النساء فقد جعل الله الشهادة المقبولة
لها لا للرجل كالكشف عن البكارة أو لها وللرجل على حدٍ سواء ولها الرجحان
على الرجل أحياناً كالشهادة على الرضاع، بل إن مما تختص به المرأة في
الشهادة دون الرجل شهادتها على المرأة التي تعرفها سابقاً إذا نظرت إلى
وجهها وهذا من أدلة مشروعية الحجاب التي تُلحق بجواب السؤال الأول.
الوجه الثالث: أن المرأة مأمورة بالحجاب والستر فأكرمها الله سبحانه
بعدم قبول شهادتها إلا في الأموال لأن ذلك مما تعم به البلوى وأن لا تكون
وحدها، وفي ما لا يطلع عليه إلا النساء كما تقدم.
أما لو قُبلت شهادتها في كل شي كالرجل لحصل بذلك عدة محاذير منها:
المحذور الأول: كثرة خروجها لمواجهة الرجال في المحاكم والدوائر وغير ذلك
للإدلاء بشهادتها وهذا فيه من المحاذير الشيء الكثير كما تقدم.
المحذور الثاني: مخافة حصول محذور الكتمان أو التغيير كما تقدم.
المحذور الثالث: إقحامها في مشاكل وهموم هي منها في سلامه إلى غير ذلك. والله أعلم.
السؤال الثالث:
هل يجوز أن تتولى المرأة الولاية العامة (الخلافة أو ما يقابلها من مناصب
الرئاسة المطلقة) على المسلمين؟ وهل يصح الاستشهاد لذلك بأن بلقيس كانت
ملكة؟ وأن السيدة عائشة رضي الله عنها تولت قيادة الجيش في وقعة الجمل؟
الجواب وبالله التوفيق وهو المستعان:
لا يجوز أن تتولى المرأة الولاية العامة أي لا يجوز أن تكون خليفة أو ملكة
أو رئيسة جمهورية للمسلمين والدليل على ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -في
الحديث الصحيح: «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة» لما بلغه أن الفرس ولوا على
أنفسهم ابنة ملكهم بعد موته، ولا يصح الاستشهاد على جواز ذلك بولاية بلقيس
لأن شرع من قبلنا ليس شرعاً لنا إذا جاء شرعنا بخلافه وقد جاء شرعنا
الكامل الذي ارتضاه الله لنا في هذه المسألة بخلاف شرع من قبلنا.. هذا من
ناحية ومن ناحية أخرى أن بلقيس لما تولت رئاسة قومها كانت من قوم كافرين
يعبدون غير الله.
وإن صح أن سليمان عليه السلام أقرها بعد إسلامها على ملكها لقومها فهذا لا حجة فيه من وجهين:
الوجه الأول: أنه شرع أتى شرعنا بخلافه.
والآخر: أن سليمان عليه السلام هو الإمام الأكبر وأنها ليست الرئيسة ولكنها مرؤوسة له.
ولا يصح الاستشهاد بتولي عائشة رضي الله عنها قيادة الجيش في موقعة الجمل لعدة أوجه:
الأول: أنها في هذا ليست رئيسة دولة.
والثاني: أن عملها هذا ليس رئاسة وقيادة كبرى للجيش وإنما هي من جملة قادته وبحكم ما لها من مكانة صارت توجه وتأمر وتنهى.
والوجه الثالث: أن عملها
هذا رضي الله عنها ليس مشروعاً ولم يقرها عليه المسلمون. بل إن النبي - صلى
الله عليه وسلم -قد قال لها في حياته قولاً يتضمن الإنكار عليها في ذلك
وهذا من أعلام نبوته - صلى الله عليه وسلم -حينما قال لها: «كيف بكِ إذا
نبحتك كلاب الحوأب» فلما نبحتها رجعت آسفة ولكنها في الأخير أُقنعت خطأً
بأنها على حق فرجعت وحصل المقدور وهذا إنما يدل على ضعف المرأة وهي ليست
معصومة رضي الله عنها كغيرها من الصحابة الأخيار رضي الله عنهم ولكننا
نعتقد أنهم كلهم مجتهدون فمنهم المجتهد المصيب الذي له أجران والمجتهد
المخطئ الذي له أجر اجتهاده.
وأما منع المرأة من رئاسة الدولة في الإسلام ومن المناصب التي ليست مؤهلة
لها جسمياً ونفسياً واجتماعياً فذلك كما تقدم إكرام لها وصيانة لأنها
كالجوهرة المصونة في صدفتها وصيانتها وحفظها وشرفها وسعادتها إنما تكون
بقرارها في بيتها وعدم تعرضها للرجال واختلاطها بهم إلا ما كان من خروج
لقضاء حاجة لابد منها في حال من التحفظ والحجاب والبعد عن الريبة ثم تعود،
أما لو جعلت رئيسة دولة أو ما هو أقل من ذلك من المناصب التي تواجه فيها
الرجال الأجانب وتتحمل فيها مسؤوليات العمل خارج البيت فلا شك أن هذا خروج
عن سنة الله سبحانه في خلقه وتعريض للأمة للهلاك وعدم الفلاح، ولو لم يدرك
ذلك الجهال أو المنافقين من العلمانيين وغيرهم وغالطوا بضرب الأمثال بنجاح
الرئيسة فلانة أو الوزيرة فلانة فإنا نقول لهم: إن الفشل والخسران بتولي
المرأة لرئاسة الدولة محقق حسياً ومعنوياً ولكن ذلك يخفى على من عميت
بصائرهم عن الحق، فأما الفشل والخسران المعنوي فمنه أن جميع الرجال الذين
تحت رئاستها قد حطت رئاستها لهم من رجولتهم وكرامتهم لأن الله سبحانه جعل
القوامة للرجل على المرأة.
ومن لايرى بذلك بأساً متأنث وما أحسن ما قال الحكيم في ذلك:
وما عجبٌ أن النساء تَرَجَّلتْ ولكن تأنيث الرجال عجاب
وإن لم يكن متأنثاً جاهلاً فهو علماني زنديق يدعو إلى الانحلال من تعاليم الإسلام ويدعو إلى التبعية لأعدائه.
ومن الخسران المعنوي والحسي معاً المؤديان لوقوع الدولة في قبضة أعدائها أن
الأعداء يواجهون رئيسة الدولة التي يعادونها بما يغريها ويلهب عاطفتها حتى
تنسى رئاستها وما يجب عليها من إخلاص وأمانة تجاه رعيتها هذا إن كانت
عارفة بذلك وذلك بتعريضها للفتنة باختيار الرسل إليها من أجمل الرجال
والشباب الذين لهم خبرة بالكيد والمكر واستمالة العواطف حتى يتمكن هذا
الشخص من استمالتها وتحصيل موافقتها على ما يريد مما هو ضار بشعبها بل ربما
تقع فريسة له فيخلو بها ويحصل منها على ما يريد شخصياً وسياسياً.
ومن الخسران الحسي أيضاً الحاصل برئاسة المرأة للدولة أنها في حال اعتداء
الأعداء والحاجة إلى حربهم لا تقدر كالرجال على المواجهة والصمود نفسياً
وجسمياً وعقلياً مما يؤدي إلى فشل جيش الدولة وهزيمته.
ومن الخسران أيضاً أن خلقتها الجسمية والنفسية لا تصلح لهذه الوظيفة ولا
تلائمها لما تحتاج إليه من تفكير ومواجهة الرجال والأزمات.. الخ مما ينتج
عنه فشلها في الرئاسة بالإضافة إلى أن من حولها من كبار الموظفين وضباط
الجيش والحراس والخدم يكون من بينهم من هو فاسق خبيث اجتمع له جمال وحيلة
ومكر فيجتمع عليها هو والشيطان فتتخذه خدناً لها ثم توليه ما يشاء من
المناصب وتقبل وساطته في تولية الأشرار أمثاله فيكون الفشل والخسران للجميع
والعياذ بالله، وما ينادي به العلمانيون الكفرة من ذلك ما هو إلا دعوة
لهلاك الأمة وشقائها.
أما ما ينادي به بعض من المسلمين الجهال وأقول جهالاً لأنه لا ينادي بتحرر
المرأة من قيود الإسلام المسعدة لها وللرجل وللأولاد وللأمة إلا جاهل مخدوع
قد وقع في محنة تؤدي به إلى الشقاء في الدنيا والآخرة إن لم يوفقه الله
للتوبة والمعرفة بالحق واتباعه، وما أحسن قول من قال:
يُقضى على المرء في أيام محنته حتى يرى حسناً ما ليس بالحسن
أسأل الله لنا ولجميع المسلمين الهداية وأن يجعل كيد الكائدين للإسلام في نحورهم وأن يهيئ للأمة الإسلامية من أمرها رشدا... آمين.
الشيخ عبدالرحمن بن حماد آل عمر
إجابة ثلاثة أسئلةٍ تتعلق بمكانة المرأة في الإسلام تقدم بها الشيخ الفاضل
والكاتب والداعية الإسلامي المعروف (علي نار) مدرس متقاعد وعضو رابطة
الأدب الإسلامي العالمية. وكنت أحد من قدم إليهم تلك الأسئلة وحملهم
مسؤولية الإجابة عليها فاستعنت بالله وكتبت ما حضرني من الجواب عليها أسال
الله أن ينفع به وفيما يلي الأسئلة وإجاباتها.
السؤال الأول:
هل يرتبط تشريع الحجاب للمرأة المسلمة بما ذكره بعض المفسرين والشراح بأنه:
لتمييز المرأة الحرة من الأمة؟ وهل يقتصر فرض الحجاب على هذا السبب بحيث
أنه يسقط إذا انتفت العلة الموجبة؟ أم أن له أسباباً أخرى تجعله ثابتاً في
كل زمان ومكان؟ وكيف تتحجب المرأة المسلمة؟.
الجواب وبالله التوفيق:
لا يرتبط تشريع الحجاب للمرأة المسلمة بما ذكره بعض المفسرين بأنه لتمييز
المرأة الحرة من الأمة، بل وليس هذا السبب الوحيد في تشريعه ولكنه شرع
للأسباب الدائمة الموجودة في كل زمان ومكان إلى قيام الساعة ومنها ما يأتي:
1- لكي لا تُعرف الحرة المعرفة المتعلقة بشخصيتها وبأسرتها والتي تؤدي إلى
أذيتها في نفسها وشرفها وأسرتها بل ودينها إذ أن من الأذى الذي يلحق أسرتها
من جراء معرفتها الناتجة عن ترك الحجاب أن الناس يتكلمون عن جمالها أو
قبحها ويذكرون اسمها واسم زوجها، أو اسم أبيها وأهلها إن لم تكن متزوجة بعد
متابعة الفساق لها لمعرفة منزلها وأهلها إن كانت جميلة، وهذه المعرفة
العامة الدائمة المؤدية إلى إلحاق الشر بالجنسين هي السبب المهم لأمر
المرأة المسلمة بالحجاب ولو كانت دميمة الخلقة لأن الأذى يلحقها كذلك حسياً
ومعنوياً بخوض الفساق في عرضها بأنها قبيحة وهذا جرح لها وتشويه لسمعتها
وأذية لأهلها ولزوجها بل ربما أدى سماع زوجها ذم الفساق لها بالاضافة إلى
نظره هو إلى النساء الجميلات إلى كراهيته لها وطلاقها بلا ذنب رغم أنه قد
اختارها في البداية لصفات أهم من الجمال.
أما بالنسبة للمرأة الجميلة فإنها إذا لم تتحجب تُعرف ثم تأخذ الأنظار في
ملاحقتها ثم تتعلق بها قلوب الفساق ثم تبدأ المحاولات الكبرى في الكيد لها
والوصول إليها بأي وسيلة وبأي حيلة.. فإذا لم يتم توصل الفساق إليها
بالإغراء حاولوا الوصول إليها بالقوة فكم من جميلة عفيفة ذهبت ضحية تركها
الحجاب فهتك المجرمون عرضها وداسوا شرفها وشرف أسرتها ومن الأدلة على ذلك:
الواقع المشهود الذي يكفي دليلاً على: أن الحجاب إنما شُرع لصيانة الحرة عن
الإجرام والمجرمين، بل ولصيانة الرجال المؤمنين والنساء المؤمنات عن
الوقوع في الفتنة التي منشؤها النظر.. ومن الأدلة أيضاً على أن مشروعية
الحجاب ليست من أجل أن تُعرف المرأة بأنها حرة فحسب:
• أن الأمة إذا اعتقت صارت حرة ووجب عليها الحجاب ولو كانت دميمة الخلقة.
أما ما دامت أمة فهي سلعة معروضة للبيع فلا تؤمر بالحجاب لكونها كذلك.
• إن الإسلام لم يبح بأي حال من الأحوال أن تؤذى الأمة بالنظر المشبوه
والملاحقة والمراودة وبالتالي بالجريمة الكبرى والعياذ بالله، ومن فسر
الأذى بذلك وقال: أُمرت الحرة بالحجاب لكي تُعرف بأنها حرة فلا يراودها
الفساق على نفسها فقد أخطأ ولو كان من المعروف عن الحرة في الجاهلية أنها
لا تزني.. لأن وقوع من تتعرض من الحرائر لأسباب الزنا في الزنا أمر معلوم
في كل زمان ومكان.
والدليل على ذلك من القرآن قوله تعالى: {وإذا سألتموهن متاعاً فسألوهن من وراء حجاب ذلك أطهر لقلوبكم وقلوبهن}
الآية (الأحزاب، 53) فإذا كان هذا الحجاب المأمور به في حق نساء النبي -
صلى الله عليه وسلم -اللاتي هن أشرف وأطهر النساء وأعفهن وفي حق أصحاب رسول
الله - صلى الله عليه وسلم -الذين هم أشرف وأطهر وأعف الناس فكيف لا يكون
ذلك في حق من سواهن وسواهم من المسلمات والمسلمين من باب أولى؟..
والدليل الثاني: أن آية الحجاب نزلت مُصَرِّحةً بفائدة الحجاب وهي
عدم معرفة الأجانب للمرأة الذي من فائدته سلامتها من أذاهم الذي ذكرتُه
آنفا.. ونزول الآية وافق رأي عمر رضي الله عنه لما أشار على النبي - صلى
الله عليه وسلم -أن يأمر نسائه وغيرهن من باب أولى بالحجاب. ورأي عمر رضي
الله عنه ناتج عن غيرته على المؤمنات وعلى رأسهن أمهات المؤمنين لما يعرفه
من خطر النظر الناتج عن السفور.
والدليل من السنة قوله - صلى الله عليه وسلم -في الحديث الصحيح «ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء» وأعظم ما يفتن في المرأة وجهها ويداها وربما يقول قائل: إذا كانت المرأة ليست جميلة فلماذا تتحجب؟ والجواب على ذلك بأمرين:
الأول: ما تقدم ذكره وهو منع الأذى عنها بالحجاب من قبل من لا تعجبهم لأنهم يؤذونها ويؤذون زوجها وأسرتها بذمها.
والأمر الثاني: أن بعض
الناس يعشقها وتكون جميلة في نظره ويتعلق بها قلبه.. بل إن منهم من تعجبه
السوداء ولا يرغب البيضاء وهكذا في الصفات الأخرى ولذا قيل: وللناس فيما
يعشقون مذاهب.
ومسك الختام أن الذي شرع الحجاب هو اللطيف الخبير العالم بما يصلح عباده سبحانه وتعالى.
وأما حديث أسماء الذي ورد فيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم -رآها في ثياب
رقاق (شفافة) وقد ظهرت بشرتها من ورائها.. فهذا حديث باطل سنداً ومتناً
فأما سنده فهو معلول بعدة علل كما هو معروف عند أهل الجرح والتعديل، وأما
متنه فهو باطل لأنه من المحال أن تخرج الصحابية الجليلة العفيفة الشريفة
بنت الصديق في ثياب تَهَتُّكٍ وعُرِي أمام المصطفى - صلى الله عليه وسلم
-أو أمام غيره بل إن من ينسب إليها ذلك مؤذٍ لها ولأبيها ومتهم لها بالتبرج
والتهتك وقلة الحياء رضي الله عنها وعن أبيها وأرضاهما والله أعلم.
وأما كيفية حجاب المرأة المسلمة فهو كما أمرها الله سبحانه في كتابه وعلى
لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم -وهو أن تدني عليها من جلبابها حتى تغطي
جميع رأسها ورقبتها ونحرها ووجهها وأن يكون ذلك الحجاب من جلباب أو غيره
كالعباءة والخمار صفيقاً أي سميكاً ليس شفافاً وأن يكون وافياً يغطي جميع
ما ذكر بالإضافة إلى ستر يديها لأنهما عورة وفتنة وكذلك تغطي قدميها وجميع
جسدها، وتخرج عيناً واحدة أو عينيها معاً بالفتح لهما في الخمار أو الجلباب
أو النقاب فتحتين صغيرتين على قدر ما ترى طريقها وحاجتها.
ولو نظر إليها أحد لم يرى شيئاً من حاجبيها أو وجنتيها وهذا ما فعلته أمهات
المؤمنين ونساء الصحابة رضي الله عنهن والمسلمات المؤمنات الصالحات
القانتات إلى يومنا هذا.
وأما سفور المسلمة وإظهارها لوجهها ويديها، ومثله بل ربما يكون أخطر منه ما
تفعله بعض النساء من اتخاذ البرقع (النقاب) الفاضح الذي تُخرج من خلال
فتحتين فيه واسعتين عينيها وحاجبيها وتكتحل مع هذا فإن هذا منكر كبير لا
يحل للمرأة المسلمة التي ترجو الله والدار الآخرة أن تفعله وعليها أن تتوب
إلى الله من هذا الصنيع ولا تعرض نفسها للفتنة والشر وعقوبة الله تعالى،
قال الله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}
[النور: 63]، وأما ما تفعله النساء المتهتكات الفاتنات المفتونات من كشف
رؤوسهن ونحورهن وسيقانهن فهذا من صنع الكافرات والعاهرات الفاجرات وفعله من
أعظم الكبائر المتوعد صاحبها بالنار والعياذ بالله فعلى من تفعل ذلك من
المسلمات أن تعلم أنها إذا خرجت إلى الشارع أو أمام الناس بهذا المظهر
فإنها والعياذ بالله ملعونة تمشي في غضب الله وسخطه ومن يرضى بصنيعها من
الرجال والنساء ولا ينكره فهو مثلها في الإثم والعياذ بالله.
فأنقذي نفسك أيتها المرأة المتبرجة المتشبهة بالكافرات وبالبغايا العاهرات
أنقذي نفسك من النار وتوبي إلى الله، ويا أيها المسلمون الذين تركتم نساءكم
يصنعن هذا الصنيع انقذوا أنفسكم من النار وخذوا على أيديهن وألزِمُوهن
الستر والحجاب والقرار في البيوت فلا يخرجن إلا لحاجة في حال من التحفظ
والتستر ولا تسمح المرأة المسلمة لنفسها بالخلوة برجل ليس محرماً لها سواءً
أكان سائقاً أو طبيباً أو مدرساً أو غير ذلك فإن هذا حرام لا يجوز وهو من
أعظم وسائل الزنا أعاذنا الله منه قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما خلا رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان» نسأل الله العافية.
وقد أوجب الله سبحانه وتعالى على ولاة أمر المسلمين وعلى الرجل في بيته
وعلى المرأة في بيت زوجها وعلى الخادم في مال سيده أوجب الله عليهم جميعاً
أن يحفظوا رعاياهم من وسائل الهلاك والشقاء في الدنيا ولآخرة وأن يؤدوا
الأمانة، وحذرهم الخيانة فقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}
[الأنفال: 27]، ووصف سبحانه المؤمنين والمؤمنات بأن بعضهم أولياء بعض
يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويؤمنون بالله، وقال الله سبحانه: {وَلْتَكُنْ
مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ
وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104]، وقال: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}
[آل عمران: 110]، فبين الله سبحانه في الآيتين أن الفلاح والخيرية لا
يحصلان إلا للمؤمنين الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر، وقال رسول الله -
صلى الله عليه وسلم -: « كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته.. الإمام راع ومسؤول عن رعيته (المراد بالإمام رئيس الدولة) والرجل راع ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها
(فهي مسؤولة كالرجل عن بناتها لابد أن تعلمهن الخير وتأمرهن بتوحيد الله
وبالصلاة وتنهاهن عن التبرج وعن كل شر وأن تكون قدوة صالحه لهن) والخادم راع في مال سيده ومسؤل عن رعيته، فكلكم راع وكلكم مسؤل عن رعيته» وقال سبحانه: {لُعِنَ
الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ
وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ *
كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا
يَفْعَلُونَ} [المائدة: 78 ، 79]، ولما قرأ النبي - صلى الله عليه وسلم -هذه الآيات قال: «كلا والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد السفيه (وفي رواية: على يد الظالم) ولتأطرنه على الحق أطرا (وفي رواية: ولتقصرنه على الحق قصرا)
أو ليوشكن الله أن يضرب قلوب بعضكم ببعض ثم يعنكم كما لعنهم» نسأل الله
العافية في الدنيا والآخرة ونعوذ بالله من غضبه وأليم
عقابه.
السؤال الثاني:
قال تعالى عن شهادة المرأة: {فَإِنْ
لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ
الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا
الْأُخْرَى} [البقرة : 282]، هل يقتصر تشريع مساواة شهادة المرأتين
بشهادة رجل على احتمال نسيان المرأة؟ أم أنه تشريع مطلق له أسباب وحكم أخرى
كثيرة؟ وهل يتغير الحكم إذا انتفى احتمال النسيان بحيث تكون الشهادة
مكتوبة وموثقه عند كاتب العدل مثلا؟
الجواب على هذا السؤال وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب من وجوه:
الأول: أنه لا يقتصر ضلال المرأة هنا على النسيان بل هو أعم! ومما هو أعظم ضلالاً من النسيان:
ضلالها بكتمان الشهادة أو تغييرها عن حقيقتها نتيجة إغراء أو تهديد لأن
الله سبحانه خلق المرأة وجعل لها صفات جسميه ونفسيه تختلف عن الرجل من ذلك
أن عاطفتها أعظم من عاطفة الرجل فهي لا تتحمل كالرجل أمام عاطفتها أن تشهد
على ابنها أو ابنتها أو قريبتها أو صديقتها كما يتحمل الرجل فيُخشى أن تضل
عن الحق بتغيير الشهادة أو كتمانها، فإذا صار معها أخرى ذكرتها بالله
واستحت من جانبها أن تكتم أو تغير لما في ذلك من مذمتها، أما الرجل فقد جعل
الله له من التركيب الجسمي والنفسي ما يعينه على الثبات والصمود ليقول
الحق وليتغلب على عاطفته ولهذا كتب عليه القتال ولم يكتبه على المرأة.
وهذا بالنسبة للرجل والمرأة المؤمنين المرضيين كما قال تعالى: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ}
[البقرة: 282]، أما الفاسق فشهادته مردودة رجلاً كان أو امرأة. وإذا وجد
من النساء من هي أقوى إيماناً وقلباً من بعض الرجال فهذا لا يغير الحكم لأن
لكل قاعدة شواذ.
الوجه الثاني هو: أن الله سبحانه أكرم المرأة وهو بها أرحم من نفسها
ومن أهلها ومن جميع الناس وذلك بأنه سبحانه جعل لها وظيفة تناسب خلقتها
الجسمية وحالاتها النفسية وهي القرار في البيت وتربية أولادها وخدمة زوجها
والتهيؤ له وذلك كله في عزلة عن الناس وأمن وحرية فهي تباشر وظيفتها الهامة
التي لا تقل عن وظيفة الرجل بكل طمأنينة وأمن وارتياح الأمر الذي يكون
سبباً في سعادتها وسعادة زوجها وأولادها وجعل العمل والكسب خارج المنزل
والمعاناة من أجل كسب المعيشة ومواجهة الرجال والاختلاط بهم والتعامل معهم
وظيفة الرجل لما جعل الله له من التركيب الجسمي والنفسي الملائم لذلك ومن
ذلك حضوره إلى المحاكم الشرعية ودوائر التحقيق ليدلي بشهادته وهذا أمر لو
طلب من المرأة لكان فيه حرج ومشقة عليها من ناحية وتعريضها للفتنة من ناحية
أخرى فصارت طبيعة وظيفتها في البيت تبعدها عن المشاكل التي تحصل بين الناس
وتستدعي شهادتها نتيجة حضورها تلك المشاكل.
وأما الأمور التي لا يطّلع عليها إلا النساء فقد جعل الله الشهادة المقبولة
لها لا للرجل كالكشف عن البكارة أو لها وللرجل على حدٍ سواء ولها الرجحان
على الرجل أحياناً كالشهادة على الرضاع، بل إن مما تختص به المرأة في
الشهادة دون الرجل شهادتها على المرأة التي تعرفها سابقاً إذا نظرت إلى
وجهها وهذا من أدلة مشروعية الحجاب التي تُلحق بجواب السؤال الأول.
الوجه الثالث: أن المرأة مأمورة بالحجاب والستر فأكرمها الله سبحانه
بعدم قبول شهادتها إلا في الأموال لأن ذلك مما تعم به البلوى وأن لا تكون
وحدها، وفي ما لا يطلع عليه إلا النساء كما تقدم.
أما لو قُبلت شهادتها في كل شي كالرجل لحصل بذلك عدة محاذير منها:
المحذور الأول: كثرة خروجها لمواجهة الرجال في المحاكم والدوائر وغير ذلك
للإدلاء بشهادتها وهذا فيه من المحاذير الشيء الكثير كما تقدم.
المحذور الثاني: مخافة حصول محذور الكتمان أو التغيير كما تقدم.
المحذور الثالث: إقحامها في مشاكل وهموم هي منها في سلامه إلى غير ذلك. والله أعلم.
السؤال الثالث:
هل يجوز أن تتولى المرأة الولاية العامة (الخلافة أو ما يقابلها من مناصب
الرئاسة المطلقة) على المسلمين؟ وهل يصح الاستشهاد لذلك بأن بلقيس كانت
ملكة؟ وأن السيدة عائشة رضي الله عنها تولت قيادة الجيش في وقعة الجمل؟
الجواب وبالله التوفيق وهو المستعان:
لا يجوز أن تتولى المرأة الولاية العامة أي لا يجوز أن تكون خليفة أو ملكة
أو رئيسة جمهورية للمسلمين والدليل على ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -في
الحديث الصحيح: «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة» لما بلغه أن الفرس ولوا على
أنفسهم ابنة ملكهم بعد موته، ولا يصح الاستشهاد على جواز ذلك بولاية بلقيس
لأن شرع من قبلنا ليس شرعاً لنا إذا جاء شرعنا بخلافه وقد جاء شرعنا
الكامل الذي ارتضاه الله لنا في هذه المسألة بخلاف شرع من قبلنا.. هذا من
ناحية ومن ناحية أخرى أن بلقيس لما تولت رئاسة قومها كانت من قوم كافرين
يعبدون غير الله.
وإن صح أن سليمان عليه السلام أقرها بعد إسلامها على ملكها لقومها فهذا لا حجة فيه من وجهين:
الوجه الأول: أنه شرع أتى شرعنا بخلافه.
والآخر: أن سليمان عليه السلام هو الإمام الأكبر وأنها ليست الرئيسة ولكنها مرؤوسة له.
ولا يصح الاستشهاد بتولي عائشة رضي الله عنها قيادة الجيش في موقعة الجمل لعدة أوجه:
الأول: أنها في هذا ليست رئيسة دولة.
والثاني: أن عملها هذا ليس رئاسة وقيادة كبرى للجيش وإنما هي من جملة قادته وبحكم ما لها من مكانة صارت توجه وتأمر وتنهى.
والوجه الثالث: أن عملها
هذا رضي الله عنها ليس مشروعاً ولم يقرها عليه المسلمون. بل إن النبي - صلى
الله عليه وسلم -قد قال لها في حياته قولاً يتضمن الإنكار عليها في ذلك
وهذا من أعلام نبوته - صلى الله عليه وسلم -حينما قال لها: «كيف بكِ إذا
نبحتك كلاب الحوأب» فلما نبحتها رجعت آسفة ولكنها في الأخير أُقنعت خطأً
بأنها على حق فرجعت وحصل المقدور وهذا إنما يدل على ضعف المرأة وهي ليست
معصومة رضي الله عنها كغيرها من الصحابة الأخيار رضي الله عنهم ولكننا
نعتقد أنهم كلهم مجتهدون فمنهم المجتهد المصيب الذي له أجران والمجتهد
المخطئ الذي له أجر اجتهاده.
وأما منع المرأة من رئاسة الدولة في الإسلام ومن المناصب التي ليست مؤهلة
لها جسمياً ونفسياً واجتماعياً فذلك كما تقدم إكرام لها وصيانة لأنها
كالجوهرة المصونة في صدفتها وصيانتها وحفظها وشرفها وسعادتها إنما تكون
بقرارها في بيتها وعدم تعرضها للرجال واختلاطها بهم إلا ما كان من خروج
لقضاء حاجة لابد منها في حال من التحفظ والحجاب والبعد عن الريبة ثم تعود،
أما لو جعلت رئيسة دولة أو ما هو أقل من ذلك من المناصب التي تواجه فيها
الرجال الأجانب وتتحمل فيها مسؤوليات العمل خارج البيت فلا شك أن هذا خروج
عن سنة الله سبحانه في خلقه وتعريض للأمة للهلاك وعدم الفلاح، ولو لم يدرك
ذلك الجهال أو المنافقين من العلمانيين وغيرهم وغالطوا بضرب الأمثال بنجاح
الرئيسة فلانة أو الوزيرة فلانة فإنا نقول لهم: إن الفشل والخسران بتولي
المرأة لرئاسة الدولة محقق حسياً ومعنوياً ولكن ذلك يخفى على من عميت
بصائرهم عن الحق، فأما الفشل والخسران المعنوي فمنه أن جميع الرجال الذين
تحت رئاستها قد حطت رئاستها لهم من رجولتهم وكرامتهم لأن الله سبحانه جعل
القوامة للرجل على المرأة.
ومن لايرى بذلك بأساً متأنث وما أحسن ما قال الحكيم في ذلك:
وما عجبٌ أن النساء تَرَجَّلتْ ولكن تأنيث الرجال عجاب
وإن لم يكن متأنثاً جاهلاً فهو علماني زنديق يدعو إلى الانحلال من تعاليم الإسلام ويدعو إلى التبعية لأعدائه.
ومن الخسران المعنوي والحسي معاً المؤديان لوقوع الدولة في قبضة أعدائها أن
الأعداء يواجهون رئيسة الدولة التي يعادونها بما يغريها ويلهب عاطفتها حتى
تنسى رئاستها وما يجب عليها من إخلاص وأمانة تجاه رعيتها هذا إن كانت
عارفة بذلك وذلك بتعريضها للفتنة باختيار الرسل إليها من أجمل الرجال
والشباب الذين لهم خبرة بالكيد والمكر واستمالة العواطف حتى يتمكن هذا
الشخص من استمالتها وتحصيل موافقتها على ما يريد مما هو ضار بشعبها بل ربما
تقع فريسة له فيخلو بها ويحصل منها على ما يريد شخصياً وسياسياً.
ومن الخسران الحسي أيضاً الحاصل برئاسة المرأة للدولة أنها في حال اعتداء
الأعداء والحاجة إلى حربهم لا تقدر كالرجال على المواجهة والصمود نفسياً
وجسمياً وعقلياً مما يؤدي إلى فشل جيش الدولة وهزيمته.
ومن الخسران أيضاً أن خلقتها الجسمية والنفسية لا تصلح لهذه الوظيفة ولا
تلائمها لما تحتاج إليه من تفكير ومواجهة الرجال والأزمات.. الخ مما ينتج
عنه فشلها في الرئاسة بالإضافة إلى أن من حولها من كبار الموظفين وضباط
الجيش والحراس والخدم يكون من بينهم من هو فاسق خبيث اجتمع له جمال وحيلة
ومكر فيجتمع عليها هو والشيطان فتتخذه خدناً لها ثم توليه ما يشاء من
المناصب وتقبل وساطته في تولية الأشرار أمثاله فيكون الفشل والخسران للجميع
والعياذ بالله، وما ينادي به العلمانيون الكفرة من ذلك ما هو إلا دعوة
لهلاك الأمة وشقائها.
أما ما ينادي به بعض من المسلمين الجهال وأقول جهالاً لأنه لا ينادي بتحرر
المرأة من قيود الإسلام المسعدة لها وللرجل وللأولاد وللأمة إلا جاهل مخدوع
قد وقع في محنة تؤدي به إلى الشقاء في الدنيا والآخرة إن لم يوفقه الله
للتوبة والمعرفة بالحق واتباعه، وما أحسن قول من قال:
يُقضى على المرء في أيام محنته حتى يرى حسناً ما ليس بالحسن
أسأل الله لنا ولجميع المسلمين الهداية وأن يجعل كيد الكائدين للإسلام في نحورهم وأن يهيئ للأمة الإسلامية من أمرها رشدا... آمين.
الشيخ عبدالرحمن بن حماد آل عمر
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى