رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
د.محمد بن عبد الله الهبدان
اتقوا النار
الخطبة الأولى:
[1]الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
فيقول النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنه سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ فَقَالَ : أَنْذَرْتُكُمُ النَّارَ ..أَنْذَرْتُكُمُ النَّارَ ..أَنْذَرْتُكُمُ النَّارَ ..فَمَا زَالَ يَقُولُهَا حَتَّى لَوْ كَانَ فِي مَقَامِي هَذَا لَسَمِعَهُ أَهْلُ السُّوقِ حَتَّى سَقَطَتْ خَمِيصَةٌ كَانَتْ عَلَيْهِ عِنْدَ رِجْلَيْهِ .
لم يدخرْ عليه الصلاةُ والسلام وسعاً في تحذيرِ أمته ، مما لا طاقةَ لها به ولا احتمال ..كما أبدى القرآنُ وأعاد وهو يصفُ حالَ النار ، وحالَ أهلها !! ويحذرُ ذوي العقولِ والأفهام ..من طَرْقِ السُبلِ الموصلةِ إليها !!
فلنتذاكرْ شيئاً من نصوصِ الوحيين العظيمين ، لعلها تحيا فينا القلوب ، وتتحركُ منا الضمائر !! ونُعد للأمرِ عدَّته !!
أمةَ الإسلام : لقد حذرَ القرآن الكريم ..الذين آمنوا من النار ..وأن يقوا أنفسَهَم وأهليهم حرَّها ولهيـَبها ..حيثُ لا طاقةَ لهم به ولا احتمال ] يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس و الحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون [ قوا أنفسكم الضعيفة ، وأجسادَكم النحيلة ، التي لا تتحملُ حرَّ الصيف ، ولفحَ السموم ..قوا أنفسكم وأهليكم من نساءٍ وولدان ..ناراً وقودها وحطبها هم الناسُ أنفسُهم ..وتذكروا بأنَّ على النار ملائكةٌ غلاظ شداد ، قال عكرمة : سودٌ وجوههم ، كالحةٌ أنيابهم ، قد نَزَعَ اللهُ من قلوبِهم الرحمة ، ليس في قلبِ واحد منهم مثقالُ ذرةٍ من الرحمة !! وأما عِظمُ جهنم ، وكبرُ حجمها ..فأمرٌ مهولٌ مخيف !!يقول عليه الصلاة والسلام : " يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا " رواه مسلم فسبحانك ربي ..ما أعظمَ قدرتك ..وما أشدَّ قوتك !! يقول أبو هريرة رضي الله عنه كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ سَمِعَ وَجْبَةً ـ أي : صوتاً ـ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَدْرُونَ مَا هَذَا ؟ قُلْنَا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : هَذَا حَجَرٌ رُمِيَ بِهِ فِي النَّارِ مُنْذُ سَبْعِينَ خَرِيفًا فَهُوَ يَهْوِي فِي النَّارِ الْآنَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى قَعْرِهَا "رواه مسلم ، فسبحان الله !! حجرٌ يُرمي به من شفير جهنم ، فلا يصلُ قعرَها إلا بعد سبعين عاماً فرحماكَ ربي !! رحماكَ رحماك .
وأما شدةُ حرها ، فلا يطاقُ ولا يُحتمل ..فما بالكم بنار أُوقِدَ عَلَيها أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى احْمَرَّتْ ثُمَّ أُوقِدَ عَلَيْهَا أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى ابْيَضَّتْ ثُمَّ أُوقِدَ عَلَيْهَا أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى اسْوَدَّتْ فَهِيَ سَوْدَاءُ مُظْلِمَةٌ ، مخيفة مرعبة !! وفي صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :" نَارُكُمْ هَذِهِ الَّتِي يُوقِدُ ابْنُ آدَمَ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ !! قَالُوا : وَاللَّهِ إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً يَا رَسُولَ اللَّهِ !! قَالَ : فَإِنَّهَا فُضِّلَتْ عَلَيْهَا بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا كُلُّهَا مِثْلُ حَرِّهَا !! "
فتأمل ..تأمل ..إنَّ نارَ الدنيا مع شدةِ حرهِا وحرقهِا والتي لا يقوى أشدُ الرجال ملامستُها ببنانِه ثانيةً واحدة ، فإنها مع ذلك لا تساوي إلا جزءاً واحداً من سبعين جزءاً من نارِ جهنم ، فضلاً عن إحاطتها بالجسد ..إحاطةَ السوارِ بالمعصم !! فغطاؤهم نار ..وفراشهم نار ..وعن أيمانهم نار ..وعن شمائلهم نار ..ومن فوقهم نار ..ومن تحتهم نار ] لهم من جهنم مهاد ، ومن فوقهم غواش وكذلك نجزي الظالمين [
ومع ذلك الإحراقِ العظيم ، والعذاب الموجعِ الأليم ، فإن من يغمس فيها غمسة واحدة ينسى لذائذ الدنيا وبهرجها وزخرفها وما فيها ..فكيف بمن يبقى فيها أحقابا ؟!! يقول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُصْبَغُ فِي النَّارِ صَبْغَةً ثُمَّ يُقَالُ : يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ ؟ فَيَقُولُ :لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ .." رواه مسلم ، فلا إله إلا الله كيف بمن يبقى في النارِ آماداً طويلة ،وأزمنةً مديدة ، يقول الله تعالى : ] إن جنهم كانت مرصادا للطاغيين مآبا . لابثين فيها أحقابا [ أي : مُدداً طويلة ، وقروناً عديدة !! فرحماك ربي رحماك رحماك !!
وفي مسندِ الإمامِ أحمد عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :" .. يُؤْتَى بِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَيَقُولُ لَهُ : يَا ابْنَ آدَمَ كَيْفَ وَجَدْتَ مَنْزِلَكَ ؟ فَيَقُولُ : أَيْ رَبِّ شَرَّ مَنْزِلٍ!! فَيَقُولُ : أَتَفْتَدِي مِنْهُ بِطِلَاعِ الْأَرْضِ ذَهَبًا ؟ فَيَقُولُ : نَعَمْ أَيْ رَبِّ !! فَيَقُولُ : كَذَبْتَ قَدْ سَأَلْتُكَ مَا هُوَ أَقُلُّ مِنْ ذَلِكَ فَلَمْ تَفْعَلْ فَيُرَدُّ إِلَى النَّارِ "
فهذا رجلٌ قد سلخته النارُ سلخا !! وأحرقته إحراقا !! يُؤتى به من بين الأجسادِ المحترقة ، واللحومِ المهترئة !! يُؤتى به من وسطِ ركام المعذَبين البائسين فيقفُ بين يدي الجبار جلَّ في علاه فيقولُ له : كيفَ وجدتَ منزلكَ ؟ فيقول : وقد أُسقِطَ في يديه ،ولم يعد يملكُ حجةً يتحجج بها !! ولا عذراً يعتذرُ به !! فيقول : أي ربِ شرُ منـزل !! فيقولُ اللهُ تعالى : أتفتدي منه بطلاعِ الأرضِ ذهباً ؟ فيقول : أي رب نعم !! فيقول الله تعالى : كذبت : قد سألتك أقلَّ من ذلك وأيسر فلم تفعل !! قد سألتك أن تكون موحداً لله تعالى لا تطوفَ بقبرٍ ، ولا تستغيثَ بميتٍ ، ولا تدعو ولياً ولا صالحاً ، ولا تنذرَ لغير الله ولا تتوكلَ على غير الله !! لقد سألتُك ذلك فأبيتَ إلا الشرك ..قد سألتُك أنَّ تؤديَ فرضك ، وتغضَ بَصَرك ، وتحفظَ فرجك ، وتصلَ رحَمك ، وتبرَ والديك !!
قد سألتُك أموراً يسيرةً هينة !! فأبيت إلا أن تتجاوز الحدود ، وتضيع الواجبات ، ثم يُؤمر به فيردُ إلى النار .
وأما طعامُ أهلِ النارِ وشرابُهم ، فشرُ طعامٍ وشراب ..يقول الله تعالى : ] تُسقى من عين آنية . ليس لهم طعام إلا من ضريع . لا يسمن ولا يغني من جوع [ ويقول سبحانه : ] إن شجرة الزقوم طعام الأثيم . كالمهل يغلي في البطون . كغلي الحميم [ و في موضع آخر : ] ثم إنكم أيها الضالون المكذبون لآكلون من شجر من زقوم فمالئون منها البطون فشاربون عليه من الحميم . فشاربون شرب الهيم . هذا نزلهم يومَ الدين [
وفي الترمذي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :" لَوْ أَنَّ قَطْرَةً مِنَ الزَّقُّومِ قُطِرَتْ فِي دَارِ الدُّنْيَا لَأَفْسَدَتْ عَلَى أَهْلِ الدُّنْيَا مَعَايِشَهُمْ فَكَيْفَ بِمَنْ يَكُونُ طَعَامَهُ" تأمل ..لو أن قطرة واحدة ، قُطرت على أهلِ الدنيا لأفسدتْ عليهم طعامَهم وشرابَهم !! فلا يهنئون بطعامٍ ولا بشراب !! فيا لحسرة من تكونُ طعامَه وشرابه !! أي عذابٍ ؟ وأي شقاء هذا ؟
وأما شرابُهم ، فهو الحميمُ المغلي ، الذي تناهى غليانُه ، واشتدَّ فورانُه ، فإذا قربوه إلى أفواههم تساقطتْ وجوههُم من شدةِ حرهِ وفيحه !! يقولُ الله تعالى : ] ثم إنكم لشاربون عليه من الحميم . فشاربون شرب الهيم [ فهو شرابٌ لا يُطفئ ظمأً ، ولا يُذهبُ عطشاً ، ولكنه يَحرقُ الوجوه ، ويُقطِّع الأكباد ، إنه شرابُ الذلِ والحسرةِ والعذاب !! ثم ماذا بعد ؟!! أَمَا من ثيابٍ ، تقي تلك الأجسادَ المحترقة ؟ وتخففُ عناءَ تلكَ اللحومِ المتفحمة ؟ بلى ..ولكنها ثيابٌ من نوعٍ آخر ..واسمع لقوله تعالى يبشرهم بها : ] فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار يصب من فوق رؤوسهم الحميم . يصهر به ما في بطونهم والجلود ولهم مقامع من حديد [ .
ثم إنَّ العذاب في جهنم لا يتوقفُ على الجانب البدني فقط ..كلا ..ولكنه عذابٌ نفسي كذلك ..فيه من الإذلال ما فيه ، واستمع إلى قولِ الله تعالى : ] خذوه فاعتلوه إلى سواء الجحيم ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم . ذق إنك أنت العزيز الكريم [
إنَّ الحميم ليصبُ من فوق تلك الرؤوس ..التي أبتْ أن تتذللَ بين يدي الله تعالى ساجدةً وراكعة خمسَ مراتٍ كل يوم!!
وإنَّ الحميمَ ليصبُ فوق تلك الرؤوسِ الخربة التي شمخت بأنوفها كبراً وغطرسة ،وصعّرت خدودها للناس بطراً وأشرا ..وإنَّ الحميم ليصب فوق تلك الرؤوسِ الخربة التي حَوَتْ عقولاً وأدمغةً شيطانية !! حاكت المؤامراتِ الخبيثة !!وصاغت الخططَ الجهنمية ، للوقيعة بأولياءِ الله الصالحين ،وجندهِ المفلحين ..إنَّ الحميمَ ليصبُ فوق رؤوسهِم جميعا ، ويقالُ للواحدِ منهم : ذق إنك أنت العزيز الكريم !! وما هو والله بعزيز ولا بكريم ، ولكنها سخريةٌ به ..وقهرٌ له !!
أقول ما تسمعون ..
الخطبة الثانية
فمن وسط ذاك العويل والصراخ والدموع ..يستغيثُ أولئك المعذبون بمالكْ خازنِ النار ] ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون [ فهي صيحةٌ من وراء الأبوابِ الموصدةِ في الجحيم ، إنهم لا يصيحون في طلبِ النجاة ، فهم مبلسون يائسون ..إنما يصيحون في طلبِ الهلاك ..الهلاكِ السريع الذي يُريح ..وحسبُ المنايا أن يكنَّ أمانيا ..وإننا لنكادُ نرى من وراء صرخةِ الاستغاثة نفوسا أطارَ صوابهَا العذاب ؟؟وأجساماً تجاوزَ الألمُ بها حدَّ الطاقة ، فانبعثت منها تلكُ الصيحةُ المريرة ] يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون ..أم أبرموا أمرا فإنا مبرمون ..أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم ..بلى ورسلنا لديهم يكتبون [
فيا من يعي الخطابَ..ويفهمُ القولَ ..إنَّ الأمرَ جدٌ وليس بالهزل..فالبدار البدار إلى التوبة ، مادامت الفرصة سانحة ..
فيا نساء المسلمين .. اتقين النار .. اتقين النار .. اتقين النار ..فإن النبي r رآكنَّ أكثرَ أهلها ..يا أمة الله ..اتقي النار ..فإن النبي r قال : " صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا "رواه مسلم .
وروى الأمام أحمد من حديث عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :" سَيَكُونُ فِي آخِرِ أُمَّتِي رِجَالٌ يَرْكَبُونَ عَلَى السُّرُوجِ كَأَشْبَاهِ الرِّجَالِ يَنْزِلُونَ عَلَى أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ نِسَاؤُهُمْ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ عَلَى رُءُوسِهِمْ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْعِجَافِ الْعَنُوهُنَّ فَإِنَّهُنَّ مَلْعُونَاتٌ لَوْ كَانَتْ وَرَاءَكُمْ أُمَّةٌ مِنَ الْأُمَمِ لَخَدَمْنَ نِسَاؤُكُمْ نِسَاءَهُمْ كَمَا يَخْدِمْنَكُمْ نِسَاءُ الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ "
وعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتِ اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ وَهُوَ يَقُولُ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مَا فُتِحَ اللَّيْلَةَ مِنَ الْخَزَائِنِ .. لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مَا أُنْزِلَ اللَّيْلَةَ مِنَ الْفِتْنَةِ مَنْ يُوقِظُ صَوَاحِبَ الْحُجَرِ يَا رُبَّ كَاسِيَاتٍ فِي الدُّنْيَا عَارِيَاتٍ فِي الْآخِرَةِ" رواه أحمد .
تأملي يا أمة الله في حالك الكثيرات ..ما حال حجابهن ؟ وما حال لباسهن ؟ وما حال قرارهن في بيوتهن ؟!! تخرج المرأة من بيتها بكامل زينتها ..عباءتها على كتفها ..نقابها قد أبدى جمال عينها الكحيلتين ..رائحة الطيب تفوح من بين جنبيها ..تخرج إلى أين ؟ إلى السوق فاتنة مفتونة ..تكلم الرجال بكلام ناعم رقيق ..فتميل قلوبهم ..لا تغض صوتها ..ولا تحترم أنوثتها ورجولة الرجال ..حذار يا من تلبسين نقاب الفتنة وعباءة الزينة ..حذار من مكر الله ..حذار من مقت الله وغضبه ..حذار..أن يفاجئك الموت وأنت امرأة متبرجة ..تختلطين بالرجال الأجانب ..خراجة ولاجة ..لا يقر لك قرار ولا يهدأ لك بال ..في كل سوق لك جولة ..وفي كل مجمع لك فيه صولة ..فالنار حرها شديد ..وقعرها بعيد ..وإن مقامعها من حديد .
ويا أصحاب القوامة ..يا من ولاكم الله المسئولية ..قوا أنفسكم وأهليكم نارا ..يا من أهمل الأمانة وترك لأهله الحبل على الغارب ..يا من أهمل نساءه فأصبحن في كل واد يهمن ..يا من أذن لنسائه أن يلبسن ثياب الزينة إذا خرجن للأسواق ونحوها ..أنذرتك النار ..أنذرتك النار ..يقول النبي r : " مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ " رواه مسلم ..أي غش أعظم من أن يأذن رجل لأهله بالذهاب إلى الأسواق بكامل زينتها وبهرجها ؟ أي غش أعظم من رجل يدع أهله مع السائق يذهبن حيث شئن وفي ساعات متأخرة من الليل ؟!!أي غش أعظم من أن يجلس الرجل مع أهله في أماكن مختلطة والتي تسمى بأماكن عائلية ؟!! أي غش أعظم من أن يجلب لأهله تلك القنوات الفضائية التي تجلب كل شيء إلا الفضيلة ..وتأتي بكل بشيء إلا العفة والكرامة !! وتعرض كل جديد في عالم الرذيلة !!
روى الإمام أحمد في مسنده من حديث عَبْد اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ثَلَاثَةٌ قَدْ حَرَّمَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَيْهِمُ الْجَنَّةَ مُدْمِنُ الْخَمْرِ وَالْعَاقُّ وَالدَّيُّوثُ الَّذِي يُقِرُّ فِي أَهْلِهِ الْخُبْثَ " .وأي خبث أشد من هذه القنوات الفضائية التي تثير الشهوات ..وتأجج الغرائز ؟!!
ويا من تخلف عن الصلاة ..يا من أهمل صلاته ..أنذرتك النار ..أنذرتك النار ..] ما سلككم في سقر ؟ قالوا : لم نك من المصلين [ ويقول الله تعالى : ] فويل للمصلين . الذين هم عن صلاتهم ساهون [ قال ابن مسعود رضي الله عنه : والله ما تركوها البتة ولو تركوها البتة كانوا كفارا ، ولكن تركوا المحافظة على أوقاتها ، وقال ابن عباس : يؤخرونها عن وقتها .
ويا آكل الربا ..أنذرتك النار ..أنذرتك النار .. ففي البخاري عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي فَأَخْرَجَانِي إِلَى أَرْضٍ مُقَدَّسَةٍ فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى نَهَرٍ مِنْ دَمٍ فِيهِ رَجُلٌ قَائِمٌ وَعَلَى وَسَطِ النَّهَرِ رَجُلٌ بَيْنَ يَدَيْهِ حِجَارَةٌ فَأَقْبَلَ الرَّجُلُ الَّذِي فِي النَّهَرِ فَإِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَخْرُجَ رَمَى الرَّجُلُ بِحَجَرٍ فِي فِيهِ فَرَدَّهُ حَيْثُ كَانَ فَجَعَلَ كُلَّمَا جَاءَ لِيَخْرُجَ رَمَى فِي فِيهِ بِحَجَرٍ فَيَرْجِعُ كَمَا كَانَ فَقُلْتُ مَا هَذَا فَقَالَ الَّذِي رَأَيْتَهُ فِي النَّهَرِ آكِلُ الرِّبَا "
ويا من أسبل إزاره ..ومنَّ في عطيته ..وأنفق سلعته بالحلف الكاذب ..أنذرتك النار ..ففي صحيح مسلم عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ : الْمَنَّانُ الَّذِي لَا يُعْطِي شَيْئًا إِلَّا مَنَّهُ وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْفَاجِرِ ، وَالْمُسْبِلُ إِزَارَهُ "
اللهم أجرنا من النار ..
اتقوا النار
الخطبة الأولى:
[1]الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
فيقول النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنه سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ فَقَالَ : أَنْذَرْتُكُمُ النَّارَ ..أَنْذَرْتُكُمُ النَّارَ ..أَنْذَرْتُكُمُ النَّارَ ..فَمَا زَالَ يَقُولُهَا حَتَّى لَوْ كَانَ فِي مَقَامِي هَذَا لَسَمِعَهُ أَهْلُ السُّوقِ حَتَّى سَقَطَتْ خَمِيصَةٌ كَانَتْ عَلَيْهِ عِنْدَ رِجْلَيْهِ .
لم يدخرْ عليه الصلاةُ والسلام وسعاً في تحذيرِ أمته ، مما لا طاقةَ لها به ولا احتمال ..كما أبدى القرآنُ وأعاد وهو يصفُ حالَ النار ، وحالَ أهلها !! ويحذرُ ذوي العقولِ والأفهام ..من طَرْقِ السُبلِ الموصلةِ إليها !!
فلنتذاكرْ شيئاً من نصوصِ الوحيين العظيمين ، لعلها تحيا فينا القلوب ، وتتحركُ منا الضمائر !! ونُعد للأمرِ عدَّته !!
أمةَ الإسلام : لقد حذرَ القرآن الكريم ..الذين آمنوا من النار ..وأن يقوا أنفسَهَم وأهليهم حرَّها ولهيـَبها ..حيثُ لا طاقةَ لهم به ولا احتمال ] يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس و الحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون [ قوا أنفسكم الضعيفة ، وأجسادَكم النحيلة ، التي لا تتحملُ حرَّ الصيف ، ولفحَ السموم ..قوا أنفسكم وأهليكم من نساءٍ وولدان ..ناراً وقودها وحطبها هم الناسُ أنفسُهم ..وتذكروا بأنَّ على النار ملائكةٌ غلاظ شداد ، قال عكرمة : سودٌ وجوههم ، كالحةٌ أنيابهم ، قد نَزَعَ اللهُ من قلوبِهم الرحمة ، ليس في قلبِ واحد منهم مثقالُ ذرةٍ من الرحمة !! وأما عِظمُ جهنم ، وكبرُ حجمها ..فأمرٌ مهولٌ مخيف !!يقول عليه الصلاة والسلام : " يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا " رواه مسلم فسبحانك ربي ..ما أعظمَ قدرتك ..وما أشدَّ قوتك !! يقول أبو هريرة رضي الله عنه كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ سَمِعَ وَجْبَةً ـ أي : صوتاً ـ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَدْرُونَ مَا هَذَا ؟ قُلْنَا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : هَذَا حَجَرٌ رُمِيَ بِهِ فِي النَّارِ مُنْذُ سَبْعِينَ خَرِيفًا فَهُوَ يَهْوِي فِي النَّارِ الْآنَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى قَعْرِهَا "رواه مسلم ، فسبحان الله !! حجرٌ يُرمي به من شفير جهنم ، فلا يصلُ قعرَها إلا بعد سبعين عاماً فرحماكَ ربي !! رحماكَ رحماك .
وأما شدةُ حرها ، فلا يطاقُ ولا يُحتمل ..فما بالكم بنار أُوقِدَ عَلَيها أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى احْمَرَّتْ ثُمَّ أُوقِدَ عَلَيْهَا أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى ابْيَضَّتْ ثُمَّ أُوقِدَ عَلَيْهَا أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى اسْوَدَّتْ فَهِيَ سَوْدَاءُ مُظْلِمَةٌ ، مخيفة مرعبة !! وفي صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :" نَارُكُمْ هَذِهِ الَّتِي يُوقِدُ ابْنُ آدَمَ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ !! قَالُوا : وَاللَّهِ إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً يَا رَسُولَ اللَّهِ !! قَالَ : فَإِنَّهَا فُضِّلَتْ عَلَيْهَا بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا كُلُّهَا مِثْلُ حَرِّهَا !! "
فتأمل ..تأمل ..إنَّ نارَ الدنيا مع شدةِ حرهِا وحرقهِا والتي لا يقوى أشدُ الرجال ملامستُها ببنانِه ثانيةً واحدة ، فإنها مع ذلك لا تساوي إلا جزءاً واحداً من سبعين جزءاً من نارِ جهنم ، فضلاً عن إحاطتها بالجسد ..إحاطةَ السوارِ بالمعصم !! فغطاؤهم نار ..وفراشهم نار ..وعن أيمانهم نار ..وعن شمائلهم نار ..ومن فوقهم نار ..ومن تحتهم نار ] لهم من جهنم مهاد ، ومن فوقهم غواش وكذلك نجزي الظالمين [
ومع ذلك الإحراقِ العظيم ، والعذاب الموجعِ الأليم ، فإن من يغمس فيها غمسة واحدة ينسى لذائذ الدنيا وبهرجها وزخرفها وما فيها ..فكيف بمن يبقى فيها أحقابا ؟!! يقول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُصْبَغُ فِي النَّارِ صَبْغَةً ثُمَّ يُقَالُ : يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ ؟ فَيَقُولُ :لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ .." رواه مسلم ، فلا إله إلا الله كيف بمن يبقى في النارِ آماداً طويلة ،وأزمنةً مديدة ، يقول الله تعالى : ] إن جنهم كانت مرصادا للطاغيين مآبا . لابثين فيها أحقابا [ أي : مُدداً طويلة ، وقروناً عديدة !! فرحماك ربي رحماك رحماك !!
وفي مسندِ الإمامِ أحمد عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :" .. يُؤْتَى بِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَيَقُولُ لَهُ : يَا ابْنَ آدَمَ كَيْفَ وَجَدْتَ مَنْزِلَكَ ؟ فَيَقُولُ : أَيْ رَبِّ شَرَّ مَنْزِلٍ!! فَيَقُولُ : أَتَفْتَدِي مِنْهُ بِطِلَاعِ الْأَرْضِ ذَهَبًا ؟ فَيَقُولُ : نَعَمْ أَيْ رَبِّ !! فَيَقُولُ : كَذَبْتَ قَدْ سَأَلْتُكَ مَا هُوَ أَقُلُّ مِنْ ذَلِكَ فَلَمْ تَفْعَلْ فَيُرَدُّ إِلَى النَّارِ "
فهذا رجلٌ قد سلخته النارُ سلخا !! وأحرقته إحراقا !! يُؤتى به من بين الأجسادِ المحترقة ، واللحومِ المهترئة !! يُؤتى به من وسطِ ركام المعذَبين البائسين فيقفُ بين يدي الجبار جلَّ في علاه فيقولُ له : كيفَ وجدتَ منزلكَ ؟ فيقول : وقد أُسقِطَ في يديه ،ولم يعد يملكُ حجةً يتحجج بها !! ولا عذراً يعتذرُ به !! فيقول : أي ربِ شرُ منـزل !! فيقولُ اللهُ تعالى : أتفتدي منه بطلاعِ الأرضِ ذهباً ؟ فيقول : أي رب نعم !! فيقول الله تعالى : كذبت : قد سألتك أقلَّ من ذلك وأيسر فلم تفعل !! قد سألتك أن تكون موحداً لله تعالى لا تطوفَ بقبرٍ ، ولا تستغيثَ بميتٍ ، ولا تدعو ولياً ولا صالحاً ، ولا تنذرَ لغير الله ولا تتوكلَ على غير الله !! لقد سألتُك ذلك فأبيتَ إلا الشرك ..قد سألتُك أنَّ تؤديَ فرضك ، وتغضَ بَصَرك ، وتحفظَ فرجك ، وتصلَ رحَمك ، وتبرَ والديك !!
قد سألتُك أموراً يسيرةً هينة !! فأبيت إلا أن تتجاوز الحدود ، وتضيع الواجبات ، ثم يُؤمر به فيردُ إلى النار .
وأما طعامُ أهلِ النارِ وشرابُهم ، فشرُ طعامٍ وشراب ..يقول الله تعالى : ] تُسقى من عين آنية . ليس لهم طعام إلا من ضريع . لا يسمن ولا يغني من جوع [ ويقول سبحانه : ] إن شجرة الزقوم طعام الأثيم . كالمهل يغلي في البطون . كغلي الحميم [ و في موضع آخر : ] ثم إنكم أيها الضالون المكذبون لآكلون من شجر من زقوم فمالئون منها البطون فشاربون عليه من الحميم . فشاربون شرب الهيم . هذا نزلهم يومَ الدين [
وفي الترمذي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :" لَوْ أَنَّ قَطْرَةً مِنَ الزَّقُّومِ قُطِرَتْ فِي دَارِ الدُّنْيَا لَأَفْسَدَتْ عَلَى أَهْلِ الدُّنْيَا مَعَايِشَهُمْ فَكَيْفَ بِمَنْ يَكُونُ طَعَامَهُ" تأمل ..لو أن قطرة واحدة ، قُطرت على أهلِ الدنيا لأفسدتْ عليهم طعامَهم وشرابَهم !! فلا يهنئون بطعامٍ ولا بشراب !! فيا لحسرة من تكونُ طعامَه وشرابه !! أي عذابٍ ؟ وأي شقاء هذا ؟
وأما شرابُهم ، فهو الحميمُ المغلي ، الذي تناهى غليانُه ، واشتدَّ فورانُه ، فإذا قربوه إلى أفواههم تساقطتْ وجوههُم من شدةِ حرهِ وفيحه !! يقولُ الله تعالى : ] ثم إنكم لشاربون عليه من الحميم . فشاربون شرب الهيم [ فهو شرابٌ لا يُطفئ ظمأً ، ولا يُذهبُ عطشاً ، ولكنه يَحرقُ الوجوه ، ويُقطِّع الأكباد ، إنه شرابُ الذلِ والحسرةِ والعذاب !! ثم ماذا بعد ؟!! أَمَا من ثيابٍ ، تقي تلك الأجسادَ المحترقة ؟ وتخففُ عناءَ تلكَ اللحومِ المتفحمة ؟ بلى ..ولكنها ثيابٌ من نوعٍ آخر ..واسمع لقوله تعالى يبشرهم بها : ] فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار يصب من فوق رؤوسهم الحميم . يصهر به ما في بطونهم والجلود ولهم مقامع من حديد [ .
ثم إنَّ العذاب في جهنم لا يتوقفُ على الجانب البدني فقط ..كلا ..ولكنه عذابٌ نفسي كذلك ..فيه من الإذلال ما فيه ، واستمع إلى قولِ الله تعالى : ] خذوه فاعتلوه إلى سواء الجحيم ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم . ذق إنك أنت العزيز الكريم [
إنَّ الحميم ليصبُ من فوق تلك الرؤوس ..التي أبتْ أن تتذللَ بين يدي الله تعالى ساجدةً وراكعة خمسَ مراتٍ كل يوم!!
وإنَّ الحميمَ ليصبُ فوق تلك الرؤوسِ الخربة التي شمخت بأنوفها كبراً وغطرسة ،وصعّرت خدودها للناس بطراً وأشرا ..وإنَّ الحميم ليصب فوق تلك الرؤوسِ الخربة التي حَوَتْ عقولاً وأدمغةً شيطانية !! حاكت المؤامراتِ الخبيثة !!وصاغت الخططَ الجهنمية ، للوقيعة بأولياءِ الله الصالحين ،وجندهِ المفلحين ..إنَّ الحميمَ ليصبُ فوق رؤوسهِم جميعا ، ويقالُ للواحدِ منهم : ذق إنك أنت العزيز الكريم !! وما هو والله بعزيز ولا بكريم ، ولكنها سخريةٌ به ..وقهرٌ له !!
أقول ما تسمعون ..
الخطبة الثانية
فمن وسط ذاك العويل والصراخ والدموع ..يستغيثُ أولئك المعذبون بمالكْ خازنِ النار ] ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون [ فهي صيحةٌ من وراء الأبوابِ الموصدةِ في الجحيم ، إنهم لا يصيحون في طلبِ النجاة ، فهم مبلسون يائسون ..إنما يصيحون في طلبِ الهلاك ..الهلاكِ السريع الذي يُريح ..وحسبُ المنايا أن يكنَّ أمانيا ..وإننا لنكادُ نرى من وراء صرخةِ الاستغاثة نفوسا أطارَ صوابهَا العذاب ؟؟وأجساماً تجاوزَ الألمُ بها حدَّ الطاقة ، فانبعثت منها تلكُ الصيحةُ المريرة ] يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون ..أم أبرموا أمرا فإنا مبرمون ..أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم ..بلى ورسلنا لديهم يكتبون [
فيا من يعي الخطابَ..ويفهمُ القولَ ..إنَّ الأمرَ جدٌ وليس بالهزل..فالبدار البدار إلى التوبة ، مادامت الفرصة سانحة ..
فيا نساء المسلمين .. اتقين النار .. اتقين النار .. اتقين النار ..فإن النبي r رآكنَّ أكثرَ أهلها ..يا أمة الله ..اتقي النار ..فإن النبي r قال : " صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا "رواه مسلم .
وروى الأمام أحمد من حديث عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :" سَيَكُونُ فِي آخِرِ أُمَّتِي رِجَالٌ يَرْكَبُونَ عَلَى السُّرُوجِ كَأَشْبَاهِ الرِّجَالِ يَنْزِلُونَ عَلَى أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ نِسَاؤُهُمْ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ عَلَى رُءُوسِهِمْ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْعِجَافِ الْعَنُوهُنَّ فَإِنَّهُنَّ مَلْعُونَاتٌ لَوْ كَانَتْ وَرَاءَكُمْ أُمَّةٌ مِنَ الْأُمَمِ لَخَدَمْنَ نِسَاؤُكُمْ نِسَاءَهُمْ كَمَا يَخْدِمْنَكُمْ نِسَاءُ الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ "
وعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتِ اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ وَهُوَ يَقُولُ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مَا فُتِحَ اللَّيْلَةَ مِنَ الْخَزَائِنِ .. لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مَا أُنْزِلَ اللَّيْلَةَ مِنَ الْفِتْنَةِ مَنْ يُوقِظُ صَوَاحِبَ الْحُجَرِ يَا رُبَّ كَاسِيَاتٍ فِي الدُّنْيَا عَارِيَاتٍ فِي الْآخِرَةِ" رواه أحمد .
تأملي يا أمة الله في حالك الكثيرات ..ما حال حجابهن ؟ وما حال لباسهن ؟ وما حال قرارهن في بيوتهن ؟!! تخرج المرأة من بيتها بكامل زينتها ..عباءتها على كتفها ..نقابها قد أبدى جمال عينها الكحيلتين ..رائحة الطيب تفوح من بين جنبيها ..تخرج إلى أين ؟ إلى السوق فاتنة مفتونة ..تكلم الرجال بكلام ناعم رقيق ..فتميل قلوبهم ..لا تغض صوتها ..ولا تحترم أنوثتها ورجولة الرجال ..حذار يا من تلبسين نقاب الفتنة وعباءة الزينة ..حذار من مكر الله ..حذار من مقت الله وغضبه ..حذار..أن يفاجئك الموت وأنت امرأة متبرجة ..تختلطين بالرجال الأجانب ..خراجة ولاجة ..لا يقر لك قرار ولا يهدأ لك بال ..في كل سوق لك جولة ..وفي كل مجمع لك فيه صولة ..فالنار حرها شديد ..وقعرها بعيد ..وإن مقامعها من حديد .
ويا أصحاب القوامة ..يا من ولاكم الله المسئولية ..قوا أنفسكم وأهليكم نارا ..يا من أهمل الأمانة وترك لأهله الحبل على الغارب ..يا من أهمل نساءه فأصبحن في كل واد يهمن ..يا من أذن لنسائه أن يلبسن ثياب الزينة إذا خرجن للأسواق ونحوها ..أنذرتك النار ..أنذرتك النار ..يقول النبي r : " مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ " رواه مسلم ..أي غش أعظم من أن يأذن رجل لأهله بالذهاب إلى الأسواق بكامل زينتها وبهرجها ؟ أي غش أعظم من رجل يدع أهله مع السائق يذهبن حيث شئن وفي ساعات متأخرة من الليل ؟!!أي غش أعظم من أن يجلس الرجل مع أهله في أماكن مختلطة والتي تسمى بأماكن عائلية ؟!! أي غش أعظم من أن يجلب لأهله تلك القنوات الفضائية التي تجلب كل شيء إلا الفضيلة ..وتأتي بكل بشيء إلا العفة والكرامة !! وتعرض كل جديد في عالم الرذيلة !!
روى الإمام أحمد في مسنده من حديث عَبْد اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ثَلَاثَةٌ قَدْ حَرَّمَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَيْهِمُ الْجَنَّةَ مُدْمِنُ الْخَمْرِ وَالْعَاقُّ وَالدَّيُّوثُ الَّذِي يُقِرُّ فِي أَهْلِهِ الْخُبْثَ " .وأي خبث أشد من هذه القنوات الفضائية التي تثير الشهوات ..وتأجج الغرائز ؟!!
ويا من تخلف عن الصلاة ..يا من أهمل صلاته ..أنذرتك النار ..أنذرتك النار ..] ما سلككم في سقر ؟ قالوا : لم نك من المصلين [ ويقول الله تعالى : ] فويل للمصلين . الذين هم عن صلاتهم ساهون [ قال ابن مسعود رضي الله عنه : والله ما تركوها البتة ولو تركوها البتة كانوا كفارا ، ولكن تركوا المحافظة على أوقاتها ، وقال ابن عباس : يؤخرونها عن وقتها .
ويا آكل الربا ..أنذرتك النار ..أنذرتك النار .. ففي البخاري عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي فَأَخْرَجَانِي إِلَى أَرْضٍ مُقَدَّسَةٍ فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى نَهَرٍ مِنْ دَمٍ فِيهِ رَجُلٌ قَائِمٌ وَعَلَى وَسَطِ النَّهَرِ رَجُلٌ بَيْنَ يَدَيْهِ حِجَارَةٌ فَأَقْبَلَ الرَّجُلُ الَّذِي فِي النَّهَرِ فَإِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَخْرُجَ رَمَى الرَّجُلُ بِحَجَرٍ فِي فِيهِ فَرَدَّهُ حَيْثُ كَانَ فَجَعَلَ كُلَّمَا جَاءَ لِيَخْرُجَ رَمَى فِي فِيهِ بِحَجَرٍ فَيَرْجِعُ كَمَا كَانَ فَقُلْتُ مَا هَذَا فَقَالَ الَّذِي رَأَيْتَهُ فِي النَّهَرِ آكِلُ الرِّبَا "
ويا من أسبل إزاره ..ومنَّ في عطيته ..وأنفق سلعته بالحلف الكاذب ..أنذرتك النار ..ففي صحيح مسلم عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ : الْمَنَّانُ الَّذِي لَا يُعْطِي شَيْئًا إِلَّا مَنَّهُ وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْفَاجِرِ ، وَالْمُسْبِلُ إِزَارَهُ "
اللهم أجرنا من النار ..
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى