رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
الشيخ / عبد الله بن محمد البصري
فلولا كانت قرية آمنت
الخطبة الأولى:
أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللهَ يَجعَلْ لَكُم فُرقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُم سَيِّئَاتِكُم وَيَغفِرْ لَكُم وَاللهُ ذُو الفَضلِ العَظِيمِ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، المُؤمِنُ الَّذِي رَضِيَ بِاللهِ ـ تَعَالى ـ رَبًّا ، وَاتَّخَذَهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ إِلهًا مَعبُودًا ، وَعَلِمَ حَقِيقَةَ الحَيَاةِ الدُّنيَا وَفَقِهَ سِرَّ وُجُودِهِ فِيهَا ، وَتَيَقَّنَ أَنَّهُ مُبتَلًى فِيهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ ، لا تَرَاهُ إِلاَّ مُتَّصِلاً بِرَبِّهِ في كُلِّ حِينٍ ، مُوَجِّهًا إِلَيهِ قَلبَهُ بِصَبرٍ وَيَقِينٍ ، شَاكِرًا في السَّرَّاءِ صَابِرًا في الضَّرَّاءِ " عَجَبًا لأَمرِ المُؤمِنِ ، إِنَّ أَمرَهُ لَهُ كُلُّهُ خَيرٌ ، وَلَيسَ ذَلِكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلمُؤمِنِ ، إِن أَصَابَتهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيرًا لَهُ ، وَإِن أَصَابَتهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيرًا لَهُ "
إِنَّ المُؤمِنَ العَاقِلَ الحَصِيفَ ، يَعلَمُ أَنَّهُ في ابتِلاءٍ مُستَمِرٍّ مَا بَقِيَت رُوحُهُ في جَسَدِهِ ، وَأَنَّ عَلَيهِ لِرَبِّهِ في كُلِّ حَالٍ وَظَائِفَ وَحُقُوقًا لا بُدَّ مِن أَدَائِهَا ، وَمِن ثَمَّ فَهُوَ لا يَنشَغِلُ بِنَعِيمِ الدُّنيَا وَعَافِيَتِهَا عَمَّا قَد يَحصُلُ لَهُ فِيهَا مِن مَصَائِبَ وَابتِلاءَاتٍ ، وَلا تُلهِيهِ أَيَّامُ سُرُورِهَا عَمَّا قَد يُمنَى بِهِ في دُرُوبِهَا مِن حَوَادِثَ وَنَكَبَاتٍ ، وَلا تُنسِيهِ سَعَةُ العَيشِ مَا قَد يَعقُبُهَا مِن ضِيقٍ أَو يُنَغِّصُهَا مِن مُشكِلاتٍ .
وَلَقَد شَهِدنَا في هَذِهِ البِلادِ المُبَارَكَةِ سِنِينَ عَدَدًا مِنَ الأَمنِ التَّامِّ وَالرَّخَاءِ الشَّامِلِ ، وَتَوَالَت عَلَينَا بِفَضلِ اللهِ أَعوَامُ الخَيرَاتِ وَالبَرَكَاتِ ، حَتى ظَنَّ بَعضُنَا أَنَّهُم قَد أُعطُوا كُلَّ هَذَا لِعُلُوِّ قَدرِهِم عِندَ رَبِّهِم ، وَخُيِّلَ لآخَرِينَ مِنَّا أَنَّ لَهُم مَا لَيسَ لِغَيرِهِم مِنَ النَّاسِ ، فَنَسُوا مَا أَصَابَ الآبَاءَ وَالأَجدَادَ ، بَل نَسُوا رَبَّهُمُ الَّذِي أَنعَمَ عَلَيهِم وَوَسَّعَ لَهُم في أَرزَاقِهِم ، فَأَصَابَهُمُ التَّرَهُّلُ وَاستَسلَمُوا لِلكَسَلِ ، وَرَكَنُوا إِلى الخُمُولِ وَاستَثقَلُوا العَمَلَ ، وَأَلهَتهُمُ الدُّنيَا عَنِ الدِّينِ ، وَتَمَادَى بِهِمُ الغُرُورُ حَتى ظَنُّوا أَن لَن يُقدَرَ عَلَيهِم ، ثُمَّ لَمَّا ظَهَرَتِ النُّذُرُ في الآوِنَةِ الأَخِيرَةِ مُذَكِّرَةً لِلنَّاسِينَ مُنَبِّهَةً لِلغَافِلِينَ ، وَعَلِمَ المُوَفَّقُونَ أَنَّ لِذُنُوبِهِم نَصِيبًا فِيمَا أَصَابَهُم وَحَلَّ بِهِم ، وَصَارُوا عَلَى خَوفٍ ممَّا قَدَّمُوا وَخَشيَةٍ ممَّا بَينَ أَيدِيهِم ، فَجَعَلَ بَعضُهُم يُذَكِّرُ بَعضًا بِوَاجِبِ التَّوبَةِ إِلى اللهِ وَلُزُومِ الرُّجُوعِ إِلى حِمَاهُ ، وَنَادَوا بِضَرُورَةِ العَودَةِ إِلى الطَّرِيقِ الصَّحِيحِ وَالتَّمَسُّكِ بِالصِّرَاطِ المُستَقِيمِ ، في هَذَا الوَقتِ الَّذِي لم يَبقَ فِيهِ مِن خِيَارٍ إِلاَّ التَّضَرُّعُ وَالاستِكَانَةُ ، وَرَفعُ الأَكُفِّ بِالدُّعَاءِ وَاللَّهَجُ بِالاستِغفَارِ ، يَخرُجُ مَن يَخرُجُ مُصِرًّا عَلَى رَبطِ النَّاسِ بِالأَسبَابِ المُادِيَّةِ البَحتَةِ ، مُزَيِّنًا لهم أَوضَاعَهُم مُمتَدِحًا أَحوَالَهُم ، وَكَأَنَّهُ يُرِيدُ أَن يُنسِيَهُم مَا ذُكِّرُوا بِهِ !! أَو كَأَنَّهُ يَرمِي إِلى أَن يُخدِّرَهُم وَيَخدَعَهُم لِيَتَمَادَوا في عِصيَانِهِم وَيَمضُوا في غَيِّهِم ، وَيَنسَوا رَبَّهُم إِلى أَن يُأخُذَهُم بِشَدِيدِ بَطشِهِ أَخذَ عَزِيزٍ مُقتَدِرٍ !! وَإِنَّ مِنَ الأَسَفِ أَن يَأخُذَ بَعضُ الصَّالِحِينَ في ذَلِكَ مَنهَجَ الغَافِلِينَ ، فَيَذهَبُوا في تَرَفٍ عِلمِيٍّ وَنِقَاشٍ لا طَائِلَ مِن وَرَائِهِ فَيَتَسَاءَلُوا : هَلْ تِلكَ السُّيُولُ الَّتي هَدَمَت أَحيَاءً بِأَكمَلِهَا وَأَهلَكَت كَثِيرًا مِنَ الأَنفُسِ : هَل هِيَ عَذَابٌ وَعُقُوبَةٌ نَزَلَت عَلَى أَصحَابِهَا عَلَى قَدرِ ذُنُوبِهِم ، أَم هُوَ ابتِلاءٌ شُدِّدَ عَلَيهِم عَلَى قَدرِ دِينِهِم ؟! وَيَكثُرُ النِّقَاشُ وَيَطُولُ الكَلامُ ، وَيُدلِي كُلٌّ بِرَأيِهِ وَيَستَدِلُّ ، وَيُنسَى في خِضَمِّ ذَلِكَ أَنَّ لِنَبِيِّنَا ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ وَهُوَ أَعلَمُ الخَلقِ بِرَبِّهِ إِزَاءَ هَذِهِ الظَّواهِرِ شُعُورًا ذَا دِلالَةٍ أَعمَقَ وَفِقهٍ أَدَقَّ ، مِلؤُهُ الرَّهبَةُ وَالخَوفُ مِنَ العَذَابِ ، وَأَنَّهُ لم يَمنَعْهُ مِن هَذَا الشُّعُورِ العَظِيمِ مَا كَانَ عَلَيهِ هُوَ وَمُجتَمَعُهُ مِن ظُهُورِ صَلاحٍ وَغَلَبَةِ طَاعَةٍ ، وَانتِشَارِ خَيرٍ وَتَحَرٍّ لِبِرٍّ ، وَسَيرٍ بِجِهَادٍ وَقِيَامٍ بِإِصلاحٍ ، وَأَمرٍ بِالمَعرُوفِ وَنَهيٍ عَنِ المُنكَرِ ، وَتَوبَةٍ وَاستِغفَارٍ وَتَقوَى .
فَفِي الصَّحِيحَينِ عَن عَائِشَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهَا ـ قَالَت : كَانَ النَّبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ إِذَا عَصَفَتِ الرِّيحُ قَالَ : " اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ خَيرَهَا وَخَيرَ مَا فِيهَا وَخَيرَ مَا أُرسِلَت بِهِ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِن شَرِّهَا وَشَرِّ مَا فِيهَا وَشَرِّ مَا أُرسِلَت بِهِ " وَإِذَا تَخَيَّلَتِ السَّمَاءُ تَغَيَّرَ لَونُهُ وَخَرَجَ وَدَخَلَ وَأَقبَلَ وَأَدبَرَ ، فَإِذَا مَطَرَت سُرِّيَ عَنهُ ، فَعَرَفَتْ ذَلِكَ عَائِشَةُ فَسَأَلَتهُ فَقَالَ : " لَعَلَّهُ يَا عَائِشَةُ كَمَا قَالَ قَومُ عَادٍ : " فَلَمَّا رَأَوهُ عَارِضًا مُستَقبِلَ أَودِيَتِهِم قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمطِرُنَا " هَكَذَا كَانَ أَعلَمُ الخَلقِ بِرَبِّهِ ، يَخَافُ العَذَابَ إِذَا رَأَى نُذُرَهُ ، لم يَبدُرْ إِلى ذِهنِهِ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ أَن يَتَمَدَّحَ بِأَنَّهُ رَسُولُ اللهِ ، وَأَنَّ الأُمَّةَ مُؤَمَّنَةٌ مِنَ العَذَابِ مَا دَامَ فِيهَا ، أَو أَنَّهُ يَعِيشُ في خَيرِ القُرُونِ بَينَ أُولَئِكَ الصَّحبِ الأَبرَارِ وَالثُّلَّةِ الأَخيَارِ . وَمِن ثَمَّ فَإِنَّ مِنَ الخَطَأِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ بَعضُ مَن بُلُوا بِتَزكِيَةِ النُّفُوسِ اليَومَ وَأَغرَقُوا في الأَخذِ بِجَانِبِ الرَّجَاءِ ، أَن زَعَمُوا أَنَّ العَذَابَ خَاصٌّ بِمَنِ ظَهَرَت مِنهُمُ الكَبَائِرُ وَانتَشَرَت فِيهِمُ المُوبِقَاتُ ، وَجَاهَرُوا بِالمَعَاصِي وَاستَمرَؤُوا السَّيِّئَاتِ ، وَعَمَّ فِيهِمُ الفَسَادُ وَطَمَّ ، وَانقَطَعَ فِيهِمُ الخَيرُ بِالكُلِّيَّةِ وَصَارَت حَالُهُم شَرًّا مَحضًا ، وَإِنَّهُ وَإِن سُلِّمَ بِأَنَّ مَن كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ أَولى بِوُقُوعِ العَذَابِ وَأَحَقُّ بِهِ ، إِلاَّ أَنَّنَا نُوقِنُ بِأَنَّ مِن تَزكِيَةِ النَّفسِ الَّتي لا مَكَانَ لها ، أَن يَزعُمَ أَحَدٌ أَنَّهُ بِمَفَازَةٍ مِنَ العَذَابِ أَو في مَأمَنٍ مِن وُقُوعِهِ ؛ لأَنَّ ذُنُوبَهُ صَغِيرَةٌ وَسَيِّئَاتِهِ قَلِيلَةٌ ، أوَ لأنَّ مُخَالَفَاتِهِ مَحدُودَةٌ وَأَخطَاءَهُ مَعدُودَةٌ ، وَإِنَّهُ لَو كَانَ الأَمرُ كَذَلِكَ لَمَا كَانَ لِخَوفِ أَعرَفِ الخَلقِ بِرَبِّهِ مَعنًى إِلاَّ سُوءُ الظَّنِّ بِرَبِّهِ وَحَاشَاهُ ذَلِكَ ، وَهَل يَستَطِيعُ أَحَدٌ مِن هَؤُلاءِ المُتَشَدِّقِينَ المُتَفَيهِقِينَ ، المُبتَلَينَ بِامتِدَاحِ أَنفُسِهِم وَالإِعجَابِ بِمَا هُم عَلَيهِ ، أَن يَزعُمَ أَنَّ مُجتَمَعًا أَنَّى كَانَت صِفتُهُ وَمُستَوَى الإِيمَانِ فِيهِ أَفضَلُ مِن مُجتَمَعِ مُحمَّدٍ وَأَصحَابِهِ أَو أَقَلُّ مِنهُم أَخطَاءً وَذُنُوبًا ؟! وَهَل كَانَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ بِخَوفِهِ مِنَ العَذَابِ مُتَّهِمًا لأَصحَابِهِ بِالسُّوءِ أَو حَاكِمًا عَلَيهِم بِالفَسَادِ ؟! سُبحَانَكَ ، هَذَا بُهتَانٌ عَظِيمٌ !! وَمِن هُنَا فَإِنَّهُ عِندَمَا تَحُلُّ بِالنَّاسِ عُقُوبَةٌ أَو يُبلَوا بِمُصِيبَةٍ ، فَإِنَّ الوَاجِبَ عَلَيهِم أَن يَتِّهِمُوا أَنفُسَهُم وَيَخشَوا ذُنُوبَهُم ، وَأَن يَتُوبُوا إِلى رَبِّهِم وَيَستَعتِبُوا ؛ فَإِنَّ التَّوبَةَ وَظِيفَةُ المُؤمِنِ في كُلِّ وَقتٍ ، وَقَد كَانَ نَبِيُّنَا ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ كَثِيرَ الاستِغفَارِ عَلَى كُلِّ أَحوَالِهِ ؛ قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " وَاللهِ إِنِّي لأَستَغفِرُ اللهَ وَأَتُوبُ إِلَيهِ في اليَومِ أَكثَرَ مِن سَبعِينَ مَرَّةً " رَوَاهُ البُخَارِيُّ .
وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، تُوبُوا إِلى اللهِ ؛ فَإِنِّي أَتُوبُ إِلَيهِ في اليَومِ مِئَةَ مَرَّةٍ " رَوَاهُ مُسلِمٌ . إِنَّ الاستِغفَارَ هُوَ الأَمَانُ لِلأُمَّةِ مِنَ العَذَابِ ، وَبِهِ يَكُونُ المَتَاعُ الحَسَنُ ، بِسَبَبِهِ تَدُرُّ الخَيرَاتُ وَتَنـزِلُ البَرَكَاتُ وَتَخضَرُّ الجَنَّاتُ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُم وَهُم يَستَغفِرُونَ " وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَأَنِ استَغفِرُوا رَبَّكُم ثُمَّ تُوبُوا إِلَيهِ يُمَتِّعْكُم مَتَاعًا حَسَنًا إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤتِ كُلَّ ذِي فَضلٍ فَضلَهُ وَإِن تَوَلَّوا فَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيكُم عَذَابَ يَومٍ كَبِيرٍ " وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " وَيَا قَومِ استَغفِرُوا رَبَّكُم ثُمَّ تُوبُوا إِلَيهِ يُرسِلِ السَّمَاءَ عَلَيكُم مِدرَارًا وَيَزِدْكُم قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُم وَلاَ تَتَوَلَّوا مُجرِمِينَ " وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " فَقُلتُ استَغفِرُوا رَبَّكُم إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا . يُرسِلِ السَّمَاءَ عَلَيكُم مِدرَارًا . وَيُمدِدْكُم بِأَموَالٍ وَبَنِينَ وَيَجعَلْ لَكُم جَنَّاتٍ وَيَجعَلْ لَكُم أَنهَارًا " وَلَقَد بَيَّنَ اللهُ ـ تَعَالى ـ لِعِبَادِهِ أَنَّ التَّضَرُّعَ وَالاستِكَانَةَ إِلَيهِ سَبَبٌ مِن أَسبَابِ دَفعِ العَذَابِ ، وَحَذَّرَ مِنَ الغَفلَةِ وَقَسوَةِ القُلُوبِ وَتَزيِينِ الشَّيَاطِينِ ، فَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " وَلَقَد أَخَذنَاهُم بِالعَذَابِ فَمَا استَكَانُوا لِرَبِّهِم وَمَا يَتَضَرَّعُونَ " وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَلَقَد أَرسَلنَا إِلى أُمَمٍ مِن قَبلِكَ فَأَخَذنَاهُم بِالبَأسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُم يَتَضَرَّعُونَ . فَلَولا إِذْ جَاءَهُم بَأسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِن قَسَت قُلُوبُهُم وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيطَانُ مَا كَانُوا يَعمَلُونَ . فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحنَا عَلَيهِم أَبوَابَ كُلِّ شَيءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذنَاهُم بَغتَةً فَإِذَا هُم مُبلِسُونَ . فَقُطِعَ دَابِرُ القَومِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ " وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " وَمَا أَرسَلنَا في قَريَةٍ مِن نَبِيٍّ إِلاَّ أَخَذنَا أَهلَهَا بِالبَأسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُم يَضَّرَّعُونَ " إِلى أَن قَالَ : " وَلَو أَنَّ أَهلَ القُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوا لَفَتَحنَا عَلَيهِم بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرضِ وَلَكِن كَذَّبُوا فَأَخَذنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكسِبُونَ . أَفَأَمِنَ أَهلُ القُرَى أَن يَأتِيَهُم بَأسُنَا بَيَاتًا وَهُم نَائِمُونَ . أَوَأَمِنَ أَهلُ القُرَى أَن يَأتِيَهُم بَأسُنَا ضُحىً وَهُم يَلعَبُونَ . أَفَأَمِنُوا مَكرَ اللهِ فَلا يَأمَنُ مَكرَ اللهِ إِلاَّ القَومُ الخَاسِرُونَ " أَلا فَأَينَ الضَّرَاعَةُ الَّتي ذَكَّرَ اللهُ بِهَا في كِتَابِهِ وَأَينَ الاستِكَانَةُ ؟ أَينَ الإِيمَانُ وَالتَّقوَى ؟ أَينَ الاستِغفَارُ وَالتَّوبَةُ وَالإِنَابَةُ ؟ لَقَد تُوُعِّدَ قَومُ يُونُسَ بِالعَذَابِ فَبَادَرُوا بِالإِيمَانِ فَنَجَّاهُمُ اللهُ ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : " فَلَولاَ كَانَت قَريَةٌ آمَنَت فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَومَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفنَا عَنهُم عَذَابَ الخِزيِ في الحَيَاةِ الدُّنيَا وَمَتَّعنَاهُم إِلى حِينٍ " أَلا فَلْنَعتَرِفْ بِذُنُوبِنَا وَلْنُقِرَّ بِعُيُوبِنَا ، وَلْنَحذَرِ الإِصرَارَ عَلَى التَّقصِيرِ وَالتَّمَادِي في الغَيِّ وَالضَّلالِ ، فَقَدَ قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " إِنَّ العَبدَ إِذَا اعتَرَفَ ثم تَابَ تَابَ اللهُ عَلَيهِ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . ثُمَّ لْنَأمُرْ بِالمَعرُوفِ وَلْنَنْهَ عَنِ المُنكَرِ ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ مِن أَسبَابِ دَفعِ العَذَابِ وَرَفعِهِ ، قَالَ ـ تَعَالى : " وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهلِكَ القُرَى بِظُلمٍ وَأَهلُهَا مُصلِحُونَ " وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأُوا الظَّالِمَ فَلَم يَأخُذُوا عَلَى يَدَيهِ أَوشَكَ أَن يَعُمَّهُمُ اللهُ بِعِقَابٍ مِنهُ "
الخطبة الثانية:
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ، وَكُونُوا مَعَهُ يَكُنْ مَعَكُم ، وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنسَاهُم أَنفُسَهُم أُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ عَيشَ المُؤمِنِ وَيَدُهُ عَلَى قَلبِهِ خَوفًا مِن أَن تُصِيبَهُ مُصِيبَةٌ بِسَبَبِ ذُنُوبِهِ وَمَعَاصِيهِ ، خَيرٌ لَهُ مِن أَن يَسرَحَ في دُنيَاهُ وَيَمرَحَ ، وَيَتَمَادَى في غَيِّهِ مُصِرًّا عَلَى ذُنُوبِهِ ، غَافِلاً عَمَّا يَجرِي حَولَهُ ؛ حَتى تَطرُقَهُ الحَوَادِثُ وَهُوَ نَائِمٌ .
يَا رَاقِدَ اللَّيلِ مَسرُورًا بِأَوَّلِهِ إِنَّ الحَوَادِثَ قَد يَطرُقْنَ أَسحَارَا
في البُخَارِيِّ عَنِ ابنِ مَسعُودٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : إِنَّ المُؤمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ قَاعِدٌ تَحتَ جَبَلٍ يَخَافُ أَن يَقَعَ عَلَيهِ ، وَإِنَّ الفَاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ مَرَّ عَلَى أَنفِهِ فَقَالَ بِهِ هَكَذَا .
وَهَذَا ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ هُوَ شَأنُ النَّاسِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا ، فَالمُسلِمُ المُتَيَقِّظُ الضَّمِيرِ الحَيُّ القَلبِ ، لا تَرَاهُ إِلاَّ دَائِمَ الخَوفِ وَالمُرَاقَبَةِ ، يَستَصغِرُ عَمَلَهُ الصَّالِحَ وَإِن كَثُرَ ، وَيَخشَى مِن عَمَلِهِ السَّيِّئِ وَإِن صَغُرَ ، وَأَمَّا الفَاجِرُ المُظلِمُ قَلبُهُ ، فَهُوَ قَلِيلُ المَعرِفَة بِرَبِّهِ ، فَلِذَلِكَ يَقِلُّ خَوفُهُ وَيَستَهِينُ بِالمَعصِيَةِ . قَالَ ابنُ بَطَّالٍ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ : يُؤخَذُ مِنهُ أَنَّهُ يَنبَغِي أَن يَكُونَ المُؤمِنُ عَظِيمَ الخَوفِ مِنَ اللهِ ـ تَعَالى ـ مِن كُلِّ ذَنبٍ صَغِيرًا كَانَ أَو كَبِيرًا ، لأَنَّ اللهَ ـ تَعَالى ـ قَد يُعَذِّبُ عَلَى القَلِيلِ ؛ فَإِنَّهُ لا يُسأَلُ عَمَّا يَفعَلُ ـ سُبحَانَهُ وَتَعَالى ـ
أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ ـ عِبَادَ اللهِ ـ وَلْنَتَأَمَّلْ قَولَهُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ مُحَذِّرًا مِنِ احتِقَارِ الذُّنُوبِ وَالاستِهَانَةِ بِالمَعَاصِي حَيثُ قَالَ : " إِيَّاكُم وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ ، فَإِنَّمَا مَثَلُ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ كَمَثَلِ قَومٍ نَزَلُوا بَطنَ وَادٍ ، فَجَاءَ ذَا بِعُودٍ وَجَاءَ ذَا بِعُودٍ ، حَتى حَمَلُوا مَا أَنضَجُوا بِهِ خُبزَهُم ، وَإِنَّ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ مَتى يُؤخَذْ بها صَاحِبُهَا تُهلِكْهُ " رَوَاهُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
فلولا كانت قرية آمنت
الخطبة الأولى:
أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللهَ يَجعَلْ لَكُم فُرقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُم سَيِّئَاتِكُم وَيَغفِرْ لَكُم وَاللهُ ذُو الفَضلِ العَظِيمِ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، المُؤمِنُ الَّذِي رَضِيَ بِاللهِ ـ تَعَالى ـ رَبًّا ، وَاتَّخَذَهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ إِلهًا مَعبُودًا ، وَعَلِمَ حَقِيقَةَ الحَيَاةِ الدُّنيَا وَفَقِهَ سِرَّ وُجُودِهِ فِيهَا ، وَتَيَقَّنَ أَنَّهُ مُبتَلًى فِيهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ ، لا تَرَاهُ إِلاَّ مُتَّصِلاً بِرَبِّهِ في كُلِّ حِينٍ ، مُوَجِّهًا إِلَيهِ قَلبَهُ بِصَبرٍ وَيَقِينٍ ، شَاكِرًا في السَّرَّاءِ صَابِرًا في الضَّرَّاءِ " عَجَبًا لأَمرِ المُؤمِنِ ، إِنَّ أَمرَهُ لَهُ كُلُّهُ خَيرٌ ، وَلَيسَ ذَلِكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلمُؤمِنِ ، إِن أَصَابَتهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيرًا لَهُ ، وَإِن أَصَابَتهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيرًا لَهُ "
إِنَّ المُؤمِنَ العَاقِلَ الحَصِيفَ ، يَعلَمُ أَنَّهُ في ابتِلاءٍ مُستَمِرٍّ مَا بَقِيَت رُوحُهُ في جَسَدِهِ ، وَأَنَّ عَلَيهِ لِرَبِّهِ في كُلِّ حَالٍ وَظَائِفَ وَحُقُوقًا لا بُدَّ مِن أَدَائِهَا ، وَمِن ثَمَّ فَهُوَ لا يَنشَغِلُ بِنَعِيمِ الدُّنيَا وَعَافِيَتِهَا عَمَّا قَد يَحصُلُ لَهُ فِيهَا مِن مَصَائِبَ وَابتِلاءَاتٍ ، وَلا تُلهِيهِ أَيَّامُ سُرُورِهَا عَمَّا قَد يُمنَى بِهِ في دُرُوبِهَا مِن حَوَادِثَ وَنَكَبَاتٍ ، وَلا تُنسِيهِ سَعَةُ العَيشِ مَا قَد يَعقُبُهَا مِن ضِيقٍ أَو يُنَغِّصُهَا مِن مُشكِلاتٍ .
وَلَقَد شَهِدنَا في هَذِهِ البِلادِ المُبَارَكَةِ سِنِينَ عَدَدًا مِنَ الأَمنِ التَّامِّ وَالرَّخَاءِ الشَّامِلِ ، وَتَوَالَت عَلَينَا بِفَضلِ اللهِ أَعوَامُ الخَيرَاتِ وَالبَرَكَاتِ ، حَتى ظَنَّ بَعضُنَا أَنَّهُم قَد أُعطُوا كُلَّ هَذَا لِعُلُوِّ قَدرِهِم عِندَ رَبِّهِم ، وَخُيِّلَ لآخَرِينَ مِنَّا أَنَّ لَهُم مَا لَيسَ لِغَيرِهِم مِنَ النَّاسِ ، فَنَسُوا مَا أَصَابَ الآبَاءَ وَالأَجدَادَ ، بَل نَسُوا رَبَّهُمُ الَّذِي أَنعَمَ عَلَيهِم وَوَسَّعَ لَهُم في أَرزَاقِهِم ، فَأَصَابَهُمُ التَّرَهُّلُ وَاستَسلَمُوا لِلكَسَلِ ، وَرَكَنُوا إِلى الخُمُولِ وَاستَثقَلُوا العَمَلَ ، وَأَلهَتهُمُ الدُّنيَا عَنِ الدِّينِ ، وَتَمَادَى بِهِمُ الغُرُورُ حَتى ظَنُّوا أَن لَن يُقدَرَ عَلَيهِم ، ثُمَّ لَمَّا ظَهَرَتِ النُّذُرُ في الآوِنَةِ الأَخِيرَةِ مُذَكِّرَةً لِلنَّاسِينَ مُنَبِّهَةً لِلغَافِلِينَ ، وَعَلِمَ المُوَفَّقُونَ أَنَّ لِذُنُوبِهِم نَصِيبًا فِيمَا أَصَابَهُم وَحَلَّ بِهِم ، وَصَارُوا عَلَى خَوفٍ ممَّا قَدَّمُوا وَخَشيَةٍ ممَّا بَينَ أَيدِيهِم ، فَجَعَلَ بَعضُهُم يُذَكِّرُ بَعضًا بِوَاجِبِ التَّوبَةِ إِلى اللهِ وَلُزُومِ الرُّجُوعِ إِلى حِمَاهُ ، وَنَادَوا بِضَرُورَةِ العَودَةِ إِلى الطَّرِيقِ الصَّحِيحِ وَالتَّمَسُّكِ بِالصِّرَاطِ المُستَقِيمِ ، في هَذَا الوَقتِ الَّذِي لم يَبقَ فِيهِ مِن خِيَارٍ إِلاَّ التَّضَرُّعُ وَالاستِكَانَةُ ، وَرَفعُ الأَكُفِّ بِالدُّعَاءِ وَاللَّهَجُ بِالاستِغفَارِ ، يَخرُجُ مَن يَخرُجُ مُصِرًّا عَلَى رَبطِ النَّاسِ بِالأَسبَابِ المُادِيَّةِ البَحتَةِ ، مُزَيِّنًا لهم أَوضَاعَهُم مُمتَدِحًا أَحوَالَهُم ، وَكَأَنَّهُ يُرِيدُ أَن يُنسِيَهُم مَا ذُكِّرُوا بِهِ !! أَو كَأَنَّهُ يَرمِي إِلى أَن يُخدِّرَهُم وَيَخدَعَهُم لِيَتَمَادَوا في عِصيَانِهِم وَيَمضُوا في غَيِّهِم ، وَيَنسَوا رَبَّهُم إِلى أَن يُأخُذَهُم بِشَدِيدِ بَطشِهِ أَخذَ عَزِيزٍ مُقتَدِرٍ !! وَإِنَّ مِنَ الأَسَفِ أَن يَأخُذَ بَعضُ الصَّالِحِينَ في ذَلِكَ مَنهَجَ الغَافِلِينَ ، فَيَذهَبُوا في تَرَفٍ عِلمِيٍّ وَنِقَاشٍ لا طَائِلَ مِن وَرَائِهِ فَيَتَسَاءَلُوا : هَلْ تِلكَ السُّيُولُ الَّتي هَدَمَت أَحيَاءً بِأَكمَلِهَا وَأَهلَكَت كَثِيرًا مِنَ الأَنفُسِ : هَل هِيَ عَذَابٌ وَعُقُوبَةٌ نَزَلَت عَلَى أَصحَابِهَا عَلَى قَدرِ ذُنُوبِهِم ، أَم هُوَ ابتِلاءٌ شُدِّدَ عَلَيهِم عَلَى قَدرِ دِينِهِم ؟! وَيَكثُرُ النِّقَاشُ وَيَطُولُ الكَلامُ ، وَيُدلِي كُلٌّ بِرَأيِهِ وَيَستَدِلُّ ، وَيُنسَى في خِضَمِّ ذَلِكَ أَنَّ لِنَبِيِّنَا ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ وَهُوَ أَعلَمُ الخَلقِ بِرَبِّهِ إِزَاءَ هَذِهِ الظَّواهِرِ شُعُورًا ذَا دِلالَةٍ أَعمَقَ وَفِقهٍ أَدَقَّ ، مِلؤُهُ الرَّهبَةُ وَالخَوفُ مِنَ العَذَابِ ، وَأَنَّهُ لم يَمنَعْهُ مِن هَذَا الشُّعُورِ العَظِيمِ مَا كَانَ عَلَيهِ هُوَ وَمُجتَمَعُهُ مِن ظُهُورِ صَلاحٍ وَغَلَبَةِ طَاعَةٍ ، وَانتِشَارِ خَيرٍ وَتَحَرٍّ لِبِرٍّ ، وَسَيرٍ بِجِهَادٍ وَقِيَامٍ بِإِصلاحٍ ، وَأَمرٍ بِالمَعرُوفِ وَنَهيٍ عَنِ المُنكَرِ ، وَتَوبَةٍ وَاستِغفَارٍ وَتَقوَى .
فَفِي الصَّحِيحَينِ عَن عَائِشَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهَا ـ قَالَت : كَانَ النَّبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ إِذَا عَصَفَتِ الرِّيحُ قَالَ : " اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ خَيرَهَا وَخَيرَ مَا فِيهَا وَخَيرَ مَا أُرسِلَت بِهِ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِن شَرِّهَا وَشَرِّ مَا فِيهَا وَشَرِّ مَا أُرسِلَت بِهِ " وَإِذَا تَخَيَّلَتِ السَّمَاءُ تَغَيَّرَ لَونُهُ وَخَرَجَ وَدَخَلَ وَأَقبَلَ وَأَدبَرَ ، فَإِذَا مَطَرَت سُرِّيَ عَنهُ ، فَعَرَفَتْ ذَلِكَ عَائِشَةُ فَسَأَلَتهُ فَقَالَ : " لَعَلَّهُ يَا عَائِشَةُ كَمَا قَالَ قَومُ عَادٍ : " فَلَمَّا رَأَوهُ عَارِضًا مُستَقبِلَ أَودِيَتِهِم قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمطِرُنَا " هَكَذَا كَانَ أَعلَمُ الخَلقِ بِرَبِّهِ ، يَخَافُ العَذَابَ إِذَا رَأَى نُذُرَهُ ، لم يَبدُرْ إِلى ذِهنِهِ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ أَن يَتَمَدَّحَ بِأَنَّهُ رَسُولُ اللهِ ، وَأَنَّ الأُمَّةَ مُؤَمَّنَةٌ مِنَ العَذَابِ مَا دَامَ فِيهَا ، أَو أَنَّهُ يَعِيشُ في خَيرِ القُرُونِ بَينَ أُولَئِكَ الصَّحبِ الأَبرَارِ وَالثُّلَّةِ الأَخيَارِ . وَمِن ثَمَّ فَإِنَّ مِنَ الخَطَأِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ بَعضُ مَن بُلُوا بِتَزكِيَةِ النُّفُوسِ اليَومَ وَأَغرَقُوا في الأَخذِ بِجَانِبِ الرَّجَاءِ ، أَن زَعَمُوا أَنَّ العَذَابَ خَاصٌّ بِمَنِ ظَهَرَت مِنهُمُ الكَبَائِرُ وَانتَشَرَت فِيهِمُ المُوبِقَاتُ ، وَجَاهَرُوا بِالمَعَاصِي وَاستَمرَؤُوا السَّيِّئَاتِ ، وَعَمَّ فِيهِمُ الفَسَادُ وَطَمَّ ، وَانقَطَعَ فِيهِمُ الخَيرُ بِالكُلِّيَّةِ وَصَارَت حَالُهُم شَرًّا مَحضًا ، وَإِنَّهُ وَإِن سُلِّمَ بِأَنَّ مَن كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ أَولى بِوُقُوعِ العَذَابِ وَأَحَقُّ بِهِ ، إِلاَّ أَنَّنَا نُوقِنُ بِأَنَّ مِن تَزكِيَةِ النَّفسِ الَّتي لا مَكَانَ لها ، أَن يَزعُمَ أَحَدٌ أَنَّهُ بِمَفَازَةٍ مِنَ العَذَابِ أَو في مَأمَنٍ مِن وُقُوعِهِ ؛ لأَنَّ ذُنُوبَهُ صَغِيرَةٌ وَسَيِّئَاتِهِ قَلِيلَةٌ ، أوَ لأنَّ مُخَالَفَاتِهِ مَحدُودَةٌ وَأَخطَاءَهُ مَعدُودَةٌ ، وَإِنَّهُ لَو كَانَ الأَمرُ كَذَلِكَ لَمَا كَانَ لِخَوفِ أَعرَفِ الخَلقِ بِرَبِّهِ مَعنًى إِلاَّ سُوءُ الظَّنِّ بِرَبِّهِ وَحَاشَاهُ ذَلِكَ ، وَهَل يَستَطِيعُ أَحَدٌ مِن هَؤُلاءِ المُتَشَدِّقِينَ المُتَفَيهِقِينَ ، المُبتَلَينَ بِامتِدَاحِ أَنفُسِهِم وَالإِعجَابِ بِمَا هُم عَلَيهِ ، أَن يَزعُمَ أَنَّ مُجتَمَعًا أَنَّى كَانَت صِفتُهُ وَمُستَوَى الإِيمَانِ فِيهِ أَفضَلُ مِن مُجتَمَعِ مُحمَّدٍ وَأَصحَابِهِ أَو أَقَلُّ مِنهُم أَخطَاءً وَذُنُوبًا ؟! وَهَل كَانَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ بِخَوفِهِ مِنَ العَذَابِ مُتَّهِمًا لأَصحَابِهِ بِالسُّوءِ أَو حَاكِمًا عَلَيهِم بِالفَسَادِ ؟! سُبحَانَكَ ، هَذَا بُهتَانٌ عَظِيمٌ !! وَمِن هُنَا فَإِنَّهُ عِندَمَا تَحُلُّ بِالنَّاسِ عُقُوبَةٌ أَو يُبلَوا بِمُصِيبَةٍ ، فَإِنَّ الوَاجِبَ عَلَيهِم أَن يَتِّهِمُوا أَنفُسَهُم وَيَخشَوا ذُنُوبَهُم ، وَأَن يَتُوبُوا إِلى رَبِّهِم وَيَستَعتِبُوا ؛ فَإِنَّ التَّوبَةَ وَظِيفَةُ المُؤمِنِ في كُلِّ وَقتٍ ، وَقَد كَانَ نَبِيُّنَا ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ كَثِيرَ الاستِغفَارِ عَلَى كُلِّ أَحوَالِهِ ؛ قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " وَاللهِ إِنِّي لأَستَغفِرُ اللهَ وَأَتُوبُ إِلَيهِ في اليَومِ أَكثَرَ مِن سَبعِينَ مَرَّةً " رَوَاهُ البُخَارِيُّ .
وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، تُوبُوا إِلى اللهِ ؛ فَإِنِّي أَتُوبُ إِلَيهِ في اليَومِ مِئَةَ مَرَّةٍ " رَوَاهُ مُسلِمٌ . إِنَّ الاستِغفَارَ هُوَ الأَمَانُ لِلأُمَّةِ مِنَ العَذَابِ ، وَبِهِ يَكُونُ المَتَاعُ الحَسَنُ ، بِسَبَبِهِ تَدُرُّ الخَيرَاتُ وَتَنـزِلُ البَرَكَاتُ وَتَخضَرُّ الجَنَّاتُ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُم وَهُم يَستَغفِرُونَ " وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَأَنِ استَغفِرُوا رَبَّكُم ثُمَّ تُوبُوا إِلَيهِ يُمَتِّعْكُم مَتَاعًا حَسَنًا إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤتِ كُلَّ ذِي فَضلٍ فَضلَهُ وَإِن تَوَلَّوا فَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيكُم عَذَابَ يَومٍ كَبِيرٍ " وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " وَيَا قَومِ استَغفِرُوا رَبَّكُم ثُمَّ تُوبُوا إِلَيهِ يُرسِلِ السَّمَاءَ عَلَيكُم مِدرَارًا وَيَزِدْكُم قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُم وَلاَ تَتَوَلَّوا مُجرِمِينَ " وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " فَقُلتُ استَغفِرُوا رَبَّكُم إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا . يُرسِلِ السَّمَاءَ عَلَيكُم مِدرَارًا . وَيُمدِدْكُم بِأَموَالٍ وَبَنِينَ وَيَجعَلْ لَكُم جَنَّاتٍ وَيَجعَلْ لَكُم أَنهَارًا " وَلَقَد بَيَّنَ اللهُ ـ تَعَالى ـ لِعِبَادِهِ أَنَّ التَّضَرُّعَ وَالاستِكَانَةَ إِلَيهِ سَبَبٌ مِن أَسبَابِ دَفعِ العَذَابِ ، وَحَذَّرَ مِنَ الغَفلَةِ وَقَسوَةِ القُلُوبِ وَتَزيِينِ الشَّيَاطِينِ ، فَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " وَلَقَد أَخَذنَاهُم بِالعَذَابِ فَمَا استَكَانُوا لِرَبِّهِم وَمَا يَتَضَرَّعُونَ " وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَلَقَد أَرسَلنَا إِلى أُمَمٍ مِن قَبلِكَ فَأَخَذنَاهُم بِالبَأسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُم يَتَضَرَّعُونَ . فَلَولا إِذْ جَاءَهُم بَأسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِن قَسَت قُلُوبُهُم وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيطَانُ مَا كَانُوا يَعمَلُونَ . فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحنَا عَلَيهِم أَبوَابَ كُلِّ شَيءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذنَاهُم بَغتَةً فَإِذَا هُم مُبلِسُونَ . فَقُطِعَ دَابِرُ القَومِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ " وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " وَمَا أَرسَلنَا في قَريَةٍ مِن نَبِيٍّ إِلاَّ أَخَذنَا أَهلَهَا بِالبَأسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُم يَضَّرَّعُونَ " إِلى أَن قَالَ : " وَلَو أَنَّ أَهلَ القُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوا لَفَتَحنَا عَلَيهِم بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرضِ وَلَكِن كَذَّبُوا فَأَخَذنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكسِبُونَ . أَفَأَمِنَ أَهلُ القُرَى أَن يَأتِيَهُم بَأسُنَا بَيَاتًا وَهُم نَائِمُونَ . أَوَأَمِنَ أَهلُ القُرَى أَن يَأتِيَهُم بَأسُنَا ضُحىً وَهُم يَلعَبُونَ . أَفَأَمِنُوا مَكرَ اللهِ فَلا يَأمَنُ مَكرَ اللهِ إِلاَّ القَومُ الخَاسِرُونَ " أَلا فَأَينَ الضَّرَاعَةُ الَّتي ذَكَّرَ اللهُ بِهَا في كِتَابِهِ وَأَينَ الاستِكَانَةُ ؟ أَينَ الإِيمَانُ وَالتَّقوَى ؟ أَينَ الاستِغفَارُ وَالتَّوبَةُ وَالإِنَابَةُ ؟ لَقَد تُوُعِّدَ قَومُ يُونُسَ بِالعَذَابِ فَبَادَرُوا بِالإِيمَانِ فَنَجَّاهُمُ اللهُ ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : " فَلَولاَ كَانَت قَريَةٌ آمَنَت فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَومَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفنَا عَنهُم عَذَابَ الخِزيِ في الحَيَاةِ الدُّنيَا وَمَتَّعنَاهُم إِلى حِينٍ " أَلا فَلْنَعتَرِفْ بِذُنُوبِنَا وَلْنُقِرَّ بِعُيُوبِنَا ، وَلْنَحذَرِ الإِصرَارَ عَلَى التَّقصِيرِ وَالتَّمَادِي في الغَيِّ وَالضَّلالِ ، فَقَدَ قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " إِنَّ العَبدَ إِذَا اعتَرَفَ ثم تَابَ تَابَ اللهُ عَلَيهِ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . ثُمَّ لْنَأمُرْ بِالمَعرُوفِ وَلْنَنْهَ عَنِ المُنكَرِ ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ مِن أَسبَابِ دَفعِ العَذَابِ وَرَفعِهِ ، قَالَ ـ تَعَالى : " وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهلِكَ القُرَى بِظُلمٍ وَأَهلُهَا مُصلِحُونَ " وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأُوا الظَّالِمَ فَلَم يَأخُذُوا عَلَى يَدَيهِ أَوشَكَ أَن يَعُمَّهُمُ اللهُ بِعِقَابٍ مِنهُ "
الخطبة الثانية:
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ، وَكُونُوا مَعَهُ يَكُنْ مَعَكُم ، وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنسَاهُم أَنفُسَهُم أُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ عَيشَ المُؤمِنِ وَيَدُهُ عَلَى قَلبِهِ خَوفًا مِن أَن تُصِيبَهُ مُصِيبَةٌ بِسَبَبِ ذُنُوبِهِ وَمَعَاصِيهِ ، خَيرٌ لَهُ مِن أَن يَسرَحَ في دُنيَاهُ وَيَمرَحَ ، وَيَتَمَادَى في غَيِّهِ مُصِرًّا عَلَى ذُنُوبِهِ ، غَافِلاً عَمَّا يَجرِي حَولَهُ ؛ حَتى تَطرُقَهُ الحَوَادِثُ وَهُوَ نَائِمٌ .
يَا رَاقِدَ اللَّيلِ مَسرُورًا بِأَوَّلِهِ إِنَّ الحَوَادِثَ قَد يَطرُقْنَ أَسحَارَا
في البُخَارِيِّ عَنِ ابنِ مَسعُودٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : إِنَّ المُؤمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ قَاعِدٌ تَحتَ جَبَلٍ يَخَافُ أَن يَقَعَ عَلَيهِ ، وَإِنَّ الفَاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ مَرَّ عَلَى أَنفِهِ فَقَالَ بِهِ هَكَذَا .
وَهَذَا ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ هُوَ شَأنُ النَّاسِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا ، فَالمُسلِمُ المُتَيَقِّظُ الضَّمِيرِ الحَيُّ القَلبِ ، لا تَرَاهُ إِلاَّ دَائِمَ الخَوفِ وَالمُرَاقَبَةِ ، يَستَصغِرُ عَمَلَهُ الصَّالِحَ وَإِن كَثُرَ ، وَيَخشَى مِن عَمَلِهِ السَّيِّئِ وَإِن صَغُرَ ، وَأَمَّا الفَاجِرُ المُظلِمُ قَلبُهُ ، فَهُوَ قَلِيلُ المَعرِفَة بِرَبِّهِ ، فَلِذَلِكَ يَقِلُّ خَوفُهُ وَيَستَهِينُ بِالمَعصِيَةِ . قَالَ ابنُ بَطَّالٍ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ : يُؤخَذُ مِنهُ أَنَّهُ يَنبَغِي أَن يَكُونَ المُؤمِنُ عَظِيمَ الخَوفِ مِنَ اللهِ ـ تَعَالى ـ مِن كُلِّ ذَنبٍ صَغِيرًا كَانَ أَو كَبِيرًا ، لأَنَّ اللهَ ـ تَعَالى ـ قَد يُعَذِّبُ عَلَى القَلِيلِ ؛ فَإِنَّهُ لا يُسأَلُ عَمَّا يَفعَلُ ـ سُبحَانَهُ وَتَعَالى ـ
أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ ـ عِبَادَ اللهِ ـ وَلْنَتَأَمَّلْ قَولَهُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ مُحَذِّرًا مِنِ احتِقَارِ الذُّنُوبِ وَالاستِهَانَةِ بِالمَعَاصِي حَيثُ قَالَ : " إِيَّاكُم وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ ، فَإِنَّمَا مَثَلُ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ كَمَثَلِ قَومٍ نَزَلُوا بَطنَ وَادٍ ، فَجَاءَ ذَا بِعُودٍ وَجَاءَ ذَا بِعُودٍ ، حَتى حَمَلُوا مَا أَنضَجُوا بِهِ خُبزَهُم ، وَإِنَّ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ مَتى يُؤخَذْ بها صَاحِبُهَا تُهلِكْهُ " رَوَاهُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى