رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
الشيخ / منصور بن محمد الصقعوب
ماحقات الحسنات
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وتغفر الذنوب وتكفر السيئات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له عالم السر والخفيات, ورب البريات وأشهد أن محمداً عبده ورسوله , الذي بعثه ربه إلى العباد بشيراً ونذيراً, وقدوةً وإماماً, فجلا الله بدعوته الظلام, وأنار الدرب للأنام , اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وصحابته الكرام , وسلم تسليماً مزيداً ما توالت الأيام.
عباد الله: إذا كان رواد النجاح يقولون: إن الوصول للقمة سهل لكن الصعوبة تكمن في المحافظة على تبوء القمم, وإذا كان أرباب التجارات يعدون كسب المال قد يتحقق لكن المشقة في المحافظة على رأس المال, فإن أرباب التجارة مع الله يعترفون بأن المحافظة على رصيد الحسنات أصعب من عمل الطاعات, وكم يحتاج الذين ارتادوا المساجد وتقلبوا في أنواع الطاعات, إن في رمضان أو على الدوام إلى أن يحافظوا على ما كسبوا أن لا يضيع منهم وهم لا يشعرون, فذاك غرس الآخرة وتلك أسباب السعادة, وكم من امرئ أطاع ربه ثم عطف على عمل فحصّ حسناته ومحا أثر طاعاته فأصبح بعد الربح خسراناً
فدعونا معاشر الأحبة اليوم نتناول أعمالاً تمحق الحسنات وتحبط الطاعات وتذهب بالقربات, ليكون العامل منها على وجل, لئلا يأتي يوم العرض وهو يظن أنه قد أحسن فإذا به قد أساء, قد ذهبت قرباته فأصبح من المفلسين
فأول هذه الماحقات: الرياء, يوم أن يتعبد المرء فيتطلب من عمله ثناء مخلوق عليه, وليت شعري ماذا بيد المخلوق ليبتغى ثناؤه, وكيف يطلب مدحه وليس عنده جنة ولا نار فنسأل الله الإخلاص
في الخبر عند مسلم\"قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَه ) ويقول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- : » من خلصت نيته في الحق ولو على نفسه كفاه الله ما بينه وبين الناس ، ومن تزين بما ليس فيه شانه الله ) .
إنه خطر على النفس, وداء عضال ولو كان العمل كالجبال, قال الإمام الطيّبي عن الرياء : » هو من أضر غوائل النفس ، وبواطن مكائدها ، يبتلى به العلماء والعباد ، والمشمرون عن ساق الجد لسلوك طريق الآخرة ، فإنهم مهما قهروا نفوسهم وفطموها عن الشهوات ، وصانوها عن الشبهات عجزت نفوسهم عن الطمع في المعاصي الظاهرة ، الواقعة على الجوارح ، فطلبت الاستراحة إلى التظاهر بالخير وإظهار العلم والعمل ، فوجدت مخلصاً من مشقة المجاهدة إلى لذة القبول عند الخلق ، ولم تقنع باطلاع الخالق تبارك وتعالى ، وفرحت بحمد الناس ، ولم تقنع بحمده الله وحده ، فأحبت مدحهم ، وتبركهم بمشاهدته وخدمته وإكرامه وتقديمه في المحافل ، فأصابت النفس في ذلك أعظم اللذات ، وأعظم الشهوات ، وهو يظن أن حياته بالله تعالى وبعبادته ، وإنما حياته هذه الشهوةُ الخفية التي تعمى عن دَرَكها العقولُ النافذة , فهلا سألنا أنفسنا عن قلوبنا عند العبادة أهي لله أو لعبد الله, قال سفيان الثوري : \" كم أجتهد في تخليص الرياء من قلبي كلما عالجته من جانب ظهر من جانب \"
عباد الله: والغرور بالعمل والعجب به ماحق لأجره, ولا يزال الشيطان بالعبد حتى يريه أنه قدّم وأكثر, فيظل يكبر له حسناته ويصغر سيئاته حتى يرى أنه من أولياء الله ولربما منّ على الله بعمله وما درى أن المنة لله في كل توفيقه ويظل يستكثر طاعاته وينسى قول مولاه(ولا تمنن تستكثر), وقد ذكر أبو نعيم في الحلية عن محمد بنِ مالك بنِ ضيغم قال لي الشيخ أبو أيوبَ يوما : يا أبا أيوب احذر نفسك على نفسك فإنى رأيت هموم المؤمنين فى الدنيا لاتنقضى ، وايم الله لئن لم تأت الآخرةُ المؤمنَ بالسرور لقد اجتمع عليه الأمران هم الدنيا وشقاء الآخرة ) قال : قلت بأبي أنت وكيف لا تأتيه الآخرة بالسرور وهو ينصب لله فى دار الدنيا ويدأب ؟ قال : يا أبا أيوب فكيف بالقبول ؟ وكيف بالسلامة ؟ كم من رجل يرى أنه قد أصلح شأنه قد أصلح قربانه قد أصلح همته قد أصلح عمله يجمع ذلك يوم القيامه ثم يضرب به وجهه ) وإن الرجل ليعمل السيئة تسوؤه حين يعملها وما عمل حسنة قط أنفع له منها, ويعمل الحسنة يعجب بها حين عملها وما عمل سيئة قط أضر عليه منها.
قال ابن القيم: والعارف من صغرت حسناته في عينه وعظمت ذنوبه عنده وكلما صغرت الحسنات فى عينك كبرت عند الله وكلما كبرت وعظمت في قلبك قلت وصغرت عند الله وسيئاتك بالعكس, ومن عرف الله وحقه وما ينبغى لعظمته من العبودية : تلاشت حسناته عنده وصغرت جدا في عينه ...وإذا كثرت في عينه وعظمت دل على أنه محجوب عن الله تعالى غير عارف به وبما ينبغي له .مدارج السالكين - (1 / 265)
فيا أيها المبارك أما إنك لو قضيت العمر كله ساجداً فما وفيت ربك أجرك نعمة من نعمه, وما عبدته حق عبادته, فاعرف قدرك واشكر ربك,وتأمل تلك الآية التي أرهبت الصحابة وأفزعتهم, وبينت وصف الصالحين وسمتهم, (والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة....)
عباد الله: والشرك بالله ماحق للطاعات مبطل للحسنات ففي مقول رب البريات( لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين)أجل, يوم أن يقع المرء في الشرك بالله ويموت على ذلك فإن ماقدم من طاعات تكون هباءً منثوراً, والمقرر عند أهل العلم أن الشرك الذي يبطل العمل هو الأكبر دون الشرك الأصغر, ومع هذا فكم نحتاج إلى مراجعة توحيدنا وتخليص اعتقادنا من كل دنس ولوثة, فلربما وقع البعض في الشرك الأصغر وهو لم يشعر, فالحلف بغير الله إما بالنبي أو بالذمة أو بغيرها, وتعليق القلب بغير الله والتوكل على غيره واللجوء إلى السحرة والعرافين وتصدقين الكهنة والمنجمين كلها أمورٌ تخل بعقيدة المسلم وتعرضه للخطر .
معشر الكرام: وسيئات الخلوات حين يقعُ المرء فيها وقد ظن أن لا يراه أحد, فأطاع الله أمام الخلق, وحين اختلى بنفسه استخف بربه وأقبل على ذنبه, فكم لهذه السيئات من أثر في محو الحسنات, ما أعظمها من خسارة يوم أن يأتي ذلك الرجل بحسنات أمثال الجبال وفي لحظة تحبط وتُمحى, والإشكال يتبين من قول المصطفى\"( لأعلمن أقواما من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضا . فيجعلها الله عز و جل هباء منثورا ) .
قال ثوبان يا رسول الله صفهم لنا جلهم لنا أن لا نكون منهم ونحن لانعلم .
قال ( أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم . ويأخذون من الليل كما تأخذون ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها ) رواه ابن ماجه
جميل أن تصدُق مع نفسك هل تراقب الله في الخلوات, إذا خلوت في سيارتك أو في بستانك أو بيتك هل تراقب الله أو أنك تستبيح ذنوباً وتفعل ما تشاء حين غاب رقيب الخلق؟أيها الفاضل كن من الله على وجل وضع الرقيب الذي لا تخفى عليه خافية نصب عينيك, واذكر قول الأول:
إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل خلوت ولكن قل على رقيب
ولا تحسبن الله يغفل ساعة ولا أن ما يخفى عليه يغيب
أقول ما سمعتم
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده
عباد الله: ما ظنك برجل جمع الأموال والكنوز ولما جاء أوان الاستمتاع بها أخذ يبعثرها ويلقيها على أعاديه ومن يبغضه, فكيف إذا كان المبعثر هي الحسنات, وكيف إذا كان هذا في يوم الكربات يوم يحتاج المرء ولو إلى ذرة من الحسنات, أليست خسارة أن يظل المرء يصوم وينفق ويقوم ثم تعطى حسناته غيره ممن لم يعملها, أما إن ذلك سيكون لمن تعدى على حقوق الناس وظلمهم وآذاهم, في الصحيح عن أبي هريرة أن رسول الله ; قال\"أتدرون ما المفلس ؟ قالوا المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع فقال إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار \"كم ترى من رجل صاحب طاعات لكنه يتعدى على الناس بلسانه بشتم أو غيبة أو تعيير أو سب,أو بيده بضرب فليكن من هذا الحديث على وجل, وليعلم أن الإفلاس الحقيقي هو الإفلاس الذي ليس بعده غنى وهو إفلاس الآخرة, وأن خير المسلمين من سلم الناس من لسانه ومن يده
عبد الله: وإذا كانت الحسنات الجارية يبقى أجرها فإن السيئات الجارية التي يعملها المرء يظل وزرها يريع عليه وهو في قبره حتى يرث الله الأرض, \"من سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها من غير أن ينقص من أوزارهم شيئا \" . ولذا فكل قتل ظلم يكون على ابن آدم نصيب من وزره لأنه أول من سن القتل, فكم هو وزر من سن عملاً سيئاً في المسلمين, أو أعان على معصية, فكل من مل بها من بعده كان على الأول مثل وزره, ومن تسبب في إيقاع الناس بمعصية كان عليه مثل أوزارهم, فليسمع هذا من تسبب في إسماعهم الخنا أو رؤيتهم الفسق, وليسمع هذا من ورّث لأولاده ما يعصى الله عن طريقه من أجهزة والآلات, وليسمع هذا كل من فتح على المسلمين باب شر وفسق, وليسمع هذا كل من ينادي للاختلاط أو لتقرير منكرٍ, وليعلم هؤلاء أنهم يبوءون بأوزار كل من فعل المنكر بعدهم فما أعظمها من تبعة, وما أسوأها من حالٍ حين يلقى العبد ربه بذنوب ما عملها لكنه كان هو السبب فيها, كم من أناسٍ ماتوا منذ سنين والذنوب تترى عليهم لأنهم ابتدؤوا المسلمين بباب شرّ, وأناسٍ ماتوا منذ سنين والأجور تترى عليهم لأنهم افتتحوا باب خير أو ساهموا في إغلاق باب شرّ, فما أبعد ما بين الفريقين
قال الشاطبي:وطوبى لمن مات وماتت معه ذنوبه، والويل الطويل لمن يموت وتبقى ذنوبه مائة سنة ومائتي سنة، يعذب بها في قبره، ويسأل عنها إلى انقراضها، الموافقات. ط ابن عفان - للشاطبي - (2 / 499)
اللهم صل وسلم على محمد
ماحقات الحسنات
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وتغفر الذنوب وتكفر السيئات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له عالم السر والخفيات, ورب البريات وأشهد أن محمداً عبده ورسوله , الذي بعثه ربه إلى العباد بشيراً ونذيراً, وقدوةً وإماماً, فجلا الله بدعوته الظلام, وأنار الدرب للأنام , اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وصحابته الكرام , وسلم تسليماً مزيداً ما توالت الأيام.
عباد الله: إذا كان رواد النجاح يقولون: إن الوصول للقمة سهل لكن الصعوبة تكمن في المحافظة على تبوء القمم, وإذا كان أرباب التجارات يعدون كسب المال قد يتحقق لكن المشقة في المحافظة على رأس المال, فإن أرباب التجارة مع الله يعترفون بأن المحافظة على رصيد الحسنات أصعب من عمل الطاعات, وكم يحتاج الذين ارتادوا المساجد وتقلبوا في أنواع الطاعات, إن في رمضان أو على الدوام إلى أن يحافظوا على ما كسبوا أن لا يضيع منهم وهم لا يشعرون, فذاك غرس الآخرة وتلك أسباب السعادة, وكم من امرئ أطاع ربه ثم عطف على عمل فحصّ حسناته ومحا أثر طاعاته فأصبح بعد الربح خسراناً
فدعونا معاشر الأحبة اليوم نتناول أعمالاً تمحق الحسنات وتحبط الطاعات وتذهب بالقربات, ليكون العامل منها على وجل, لئلا يأتي يوم العرض وهو يظن أنه قد أحسن فإذا به قد أساء, قد ذهبت قرباته فأصبح من المفلسين
فأول هذه الماحقات: الرياء, يوم أن يتعبد المرء فيتطلب من عمله ثناء مخلوق عليه, وليت شعري ماذا بيد المخلوق ليبتغى ثناؤه, وكيف يطلب مدحه وليس عنده جنة ولا نار فنسأل الله الإخلاص
في الخبر عند مسلم\"قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَه ) ويقول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- : » من خلصت نيته في الحق ولو على نفسه كفاه الله ما بينه وبين الناس ، ومن تزين بما ليس فيه شانه الله ) .
إنه خطر على النفس, وداء عضال ولو كان العمل كالجبال, قال الإمام الطيّبي عن الرياء : » هو من أضر غوائل النفس ، وبواطن مكائدها ، يبتلى به العلماء والعباد ، والمشمرون عن ساق الجد لسلوك طريق الآخرة ، فإنهم مهما قهروا نفوسهم وفطموها عن الشهوات ، وصانوها عن الشبهات عجزت نفوسهم عن الطمع في المعاصي الظاهرة ، الواقعة على الجوارح ، فطلبت الاستراحة إلى التظاهر بالخير وإظهار العلم والعمل ، فوجدت مخلصاً من مشقة المجاهدة إلى لذة القبول عند الخلق ، ولم تقنع باطلاع الخالق تبارك وتعالى ، وفرحت بحمد الناس ، ولم تقنع بحمده الله وحده ، فأحبت مدحهم ، وتبركهم بمشاهدته وخدمته وإكرامه وتقديمه في المحافل ، فأصابت النفس في ذلك أعظم اللذات ، وأعظم الشهوات ، وهو يظن أن حياته بالله تعالى وبعبادته ، وإنما حياته هذه الشهوةُ الخفية التي تعمى عن دَرَكها العقولُ النافذة , فهلا سألنا أنفسنا عن قلوبنا عند العبادة أهي لله أو لعبد الله, قال سفيان الثوري : \" كم أجتهد في تخليص الرياء من قلبي كلما عالجته من جانب ظهر من جانب \"
عباد الله: والغرور بالعمل والعجب به ماحق لأجره, ولا يزال الشيطان بالعبد حتى يريه أنه قدّم وأكثر, فيظل يكبر له حسناته ويصغر سيئاته حتى يرى أنه من أولياء الله ولربما منّ على الله بعمله وما درى أن المنة لله في كل توفيقه ويظل يستكثر طاعاته وينسى قول مولاه(ولا تمنن تستكثر), وقد ذكر أبو نعيم في الحلية عن محمد بنِ مالك بنِ ضيغم قال لي الشيخ أبو أيوبَ يوما : يا أبا أيوب احذر نفسك على نفسك فإنى رأيت هموم المؤمنين فى الدنيا لاتنقضى ، وايم الله لئن لم تأت الآخرةُ المؤمنَ بالسرور لقد اجتمع عليه الأمران هم الدنيا وشقاء الآخرة ) قال : قلت بأبي أنت وكيف لا تأتيه الآخرة بالسرور وهو ينصب لله فى دار الدنيا ويدأب ؟ قال : يا أبا أيوب فكيف بالقبول ؟ وكيف بالسلامة ؟ كم من رجل يرى أنه قد أصلح شأنه قد أصلح قربانه قد أصلح همته قد أصلح عمله يجمع ذلك يوم القيامه ثم يضرب به وجهه ) وإن الرجل ليعمل السيئة تسوؤه حين يعملها وما عمل حسنة قط أنفع له منها, ويعمل الحسنة يعجب بها حين عملها وما عمل سيئة قط أضر عليه منها.
قال ابن القيم: والعارف من صغرت حسناته في عينه وعظمت ذنوبه عنده وكلما صغرت الحسنات فى عينك كبرت عند الله وكلما كبرت وعظمت في قلبك قلت وصغرت عند الله وسيئاتك بالعكس, ومن عرف الله وحقه وما ينبغى لعظمته من العبودية : تلاشت حسناته عنده وصغرت جدا في عينه ...وإذا كثرت في عينه وعظمت دل على أنه محجوب عن الله تعالى غير عارف به وبما ينبغي له .مدارج السالكين - (1 / 265)
فيا أيها المبارك أما إنك لو قضيت العمر كله ساجداً فما وفيت ربك أجرك نعمة من نعمه, وما عبدته حق عبادته, فاعرف قدرك واشكر ربك,وتأمل تلك الآية التي أرهبت الصحابة وأفزعتهم, وبينت وصف الصالحين وسمتهم, (والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة....)
عباد الله: والشرك بالله ماحق للطاعات مبطل للحسنات ففي مقول رب البريات( لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين)أجل, يوم أن يقع المرء في الشرك بالله ويموت على ذلك فإن ماقدم من طاعات تكون هباءً منثوراً, والمقرر عند أهل العلم أن الشرك الذي يبطل العمل هو الأكبر دون الشرك الأصغر, ومع هذا فكم نحتاج إلى مراجعة توحيدنا وتخليص اعتقادنا من كل دنس ولوثة, فلربما وقع البعض في الشرك الأصغر وهو لم يشعر, فالحلف بغير الله إما بالنبي أو بالذمة أو بغيرها, وتعليق القلب بغير الله والتوكل على غيره واللجوء إلى السحرة والعرافين وتصدقين الكهنة والمنجمين كلها أمورٌ تخل بعقيدة المسلم وتعرضه للخطر .
معشر الكرام: وسيئات الخلوات حين يقعُ المرء فيها وقد ظن أن لا يراه أحد, فأطاع الله أمام الخلق, وحين اختلى بنفسه استخف بربه وأقبل على ذنبه, فكم لهذه السيئات من أثر في محو الحسنات, ما أعظمها من خسارة يوم أن يأتي ذلك الرجل بحسنات أمثال الجبال وفي لحظة تحبط وتُمحى, والإشكال يتبين من قول المصطفى\"( لأعلمن أقواما من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضا . فيجعلها الله عز و جل هباء منثورا ) .
قال ثوبان يا رسول الله صفهم لنا جلهم لنا أن لا نكون منهم ونحن لانعلم .
قال ( أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم . ويأخذون من الليل كما تأخذون ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها ) رواه ابن ماجه
جميل أن تصدُق مع نفسك هل تراقب الله في الخلوات, إذا خلوت في سيارتك أو في بستانك أو بيتك هل تراقب الله أو أنك تستبيح ذنوباً وتفعل ما تشاء حين غاب رقيب الخلق؟أيها الفاضل كن من الله على وجل وضع الرقيب الذي لا تخفى عليه خافية نصب عينيك, واذكر قول الأول:
إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل خلوت ولكن قل على رقيب
ولا تحسبن الله يغفل ساعة ولا أن ما يخفى عليه يغيب
أقول ما سمعتم
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده
عباد الله: ما ظنك برجل جمع الأموال والكنوز ولما جاء أوان الاستمتاع بها أخذ يبعثرها ويلقيها على أعاديه ومن يبغضه, فكيف إذا كان المبعثر هي الحسنات, وكيف إذا كان هذا في يوم الكربات يوم يحتاج المرء ولو إلى ذرة من الحسنات, أليست خسارة أن يظل المرء يصوم وينفق ويقوم ثم تعطى حسناته غيره ممن لم يعملها, أما إن ذلك سيكون لمن تعدى على حقوق الناس وظلمهم وآذاهم, في الصحيح عن أبي هريرة أن رسول الله ; قال\"أتدرون ما المفلس ؟ قالوا المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع فقال إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار \"كم ترى من رجل صاحب طاعات لكنه يتعدى على الناس بلسانه بشتم أو غيبة أو تعيير أو سب,أو بيده بضرب فليكن من هذا الحديث على وجل, وليعلم أن الإفلاس الحقيقي هو الإفلاس الذي ليس بعده غنى وهو إفلاس الآخرة, وأن خير المسلمين من سلم الناس من لسانه ومن يده
عبد الله: وإذا كانت الحسنات الجارية يبقى أجرها فإن السيئات الجارية التي يعملها المرء يظل وزرها يريع عليه وهو في قبره حتى يرث الله الأرض, \"من سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها من غير أن ينقص من أوزارهم شيئا \" . ولذا فكل قتل ظلم يكون على ابن آدم نصيب من وزره لأنه أول من سن القتل, فكم هو وزر من سن عملاً سيئاً في المسلمين, أو أعان على معصية, فكل من مل بها من بعده كان على الأول مثل وزره, ومن تسبب في إيقاع الناس بمعصية كان عليه مثل أوزارهم, فليسمع هذا من تسبب في إسماعهم الخنا أو رؤيتهم الفسق, وليسمع هذا من ورّث لأولاده ما يعصى الله عن طريقه من أجهزة والآلات, وليسمع هذا كل من فتح على المسلمين باب شر وفسق, وليسمع هذا كل من ينادي للاختلاط أو لتقرير منكرٍ, وليعلم هؤلاء أنهم يبوءون بأوزار كل من فعل المنكر بعدهم فما أعظمها من تبعة, وما أسوأها من حالٍ حين يلقى العبد ربه بذنوب ما عملها لكنه كان هو السبب فيها, كم من أناسٍ ماتوا منذ سنين والذنوب تترى عليهم لأنهم ابتدؤوا المسلمين بباب شرّ, وأناسٍ ماتوا منذ سنين والأجور تترى عليهم لأنهم افتتحوا باب خير أو ساهموا في إغلاق باب شرّ, فما أبعد ما بين الفريقين
قال الشاطبي:وطوبى لمن مات وماتت معه ذنوبه، والويل الطويل لمن يموت وتبقى ذنوبه مائة سنة ومائتي سنة، يعذب بها في قبره، ويسأل عنها إلى انقراضها، الموافقات. ط ابن عفان - للشاطبي - (2 / 499)
اللهم صل وسلم على محمد
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى