رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
الشيخ / عبد الله بن محمد البصري
الأخوّة في الله
الخطبة الأولى:
أَيُّهَا المُسلِمُونَ: الإِنسَانُ اجتِمَاعِيٌّ بِطَبعِهِ ، مَيَّالٌ بِفِطرَتِهِ إِلى بَني جِنسِهِ ، لا يُمكِنُ أَن يَعِيشَ في حَيَاتِهِ مُنفَرِدًا إِلاَّ مِن عِلَّةٍ ، وَلا تَتِمُّ سَعَادَتُهُ إِلاَّ بِأَن يَكُونَ لَهُ أَصدِقَاءُ وَأَصحَابٌ ، يُشَارِكُونَهُ سُرُورَهُ وَأَفرَاحَهُ ، وَيَحمِلُونَ عَنهُ في حُزنِهِ وَأَترَاحِهِ ، إِن حَضَرَ أَكرَمُوهُ ، وَإِن غَابَ افتَقَدُوهُ ، وَإِن ضَلَّ أَرشَدُوهُ ، وَإِن نَسِي ذَكَّرُوهُ وَإِنِ احتَاجَ وَاسَوهُ ، وَإِنَّ ممَّا يُمنى بِهِ بَعضُ النَّاسِ مِنَ الخَسَارَةِ الفَادِحَةِ أَن يُشغَلَ بِجَمعِ دُنيَاهُ وَتَنمِيَةِ أَموَالِهِ ، أَو مُطَارَدَةِ مَنَاصِبِهِ وَمُتَابَعَةِ أَعمَالِهِ ، ثم لا يَكُونَ لَهُ بِسَبَبِ ذَلِكَ رِفقَةٌ وَلا إِخوَةٌ ، إِنَّ مِثلَ هَذَا قَد فَقَدَ مِن الدُّنيَا لَذَّةً لا تَعدِلُهَا لَذَّةٌ ، وَفَرَّطَ في مَكسَبٍ لَن يُعَوِّضَهُ عَنهُ مَالٌ جَمَعَهُ ، وَلا شَهَادَةٌ حَازَهَا أَو وَظِيفَةٌ اكتَسَبَهَا .
وَتَتَعَدَّدُ العِلاقَاتُ بَينَ بَني الإِنسَانِ وَتَتَنَوَّعُ الصَّدَاقَاتُ ، فَتَطُولُ مُدَّتُهَا وَتَقصُرُ ، وَتَدُومُ حِبَالُهَا وَتَنقَطِعُ ، وَتَنمُو شَجَرَتُهَا وَتَضعُفُ ، بِحَسَبِ مَا يُغَذِّيهَا وَيَسقِيهَا ، مِن قَرَابَةِ رَحِمٍ أَو آصِرَةِ نَسَبٍ ، أَو عِلاقَةِ عَمَلٍ أَو رَابِطَةِ وَظِيفَةٍ ، أَو مَنفَعَةِ تِجَارَةٍ أَو مَصلَحَةِ دُنيًا ، إِلاَّ أَنَّ ثَمَّةَ صَدَاقَةً تَجمَعُ الدُّنيَا وَالدِّينَ ، وَتَستَمِرُّ في الحَيَاةِ وَلا تَنقَطِعُ بَعدَ المَمَاتِ ، بَل وَتَبقَى في الآخِرَةِ في رَوضَاتِ الجَنَّاتِ ، وَأَهلُهَا عَلَى مَنَابِرَ مِن نُورٍ يَومَ القِيَامَةِ ، إِنَّهَا الأُخُوَّةُ في اللهِ ، إِنَّهُ الحُبُّ في اللهِ " الأَخِلاَّءُ يَومَئِذٍ بَعضُهُم لِبَعضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ المُتَّقِينَ . يَا عِبَادِ لا خَوفٌ عَلَيكُمُ اليَومَ وَلا أَنتُم تَحزَنُونَ . الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسلِمِينَ . اُدخُلُوا الجَنَّةَ أَنتُم وَأَزوَاجُكُم تُحبَرُونَ . يُطَافُ عَلَيهِم بِصِحَافٍ مِن ذَهَبٍ وَأَكوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشتَهِيهِ الأَنفُسُ وَتَلَذُّ الأَعيُنُ وَأَنتُم فِيهَا خَالِدُونَ . وَتِلكَ الجَنَّةُ الَّتِي أُورِثتُمُوهَا بِمَا كُنتُم تَعمَلُونَ . لَكُم فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنهَا تَأكُلُونَ " وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " إِنَّ مِن عِبَادِ اللهِ عِبَادًا لَيسُوا بِأَنبِيَاءَ ، يَغبِطُهُمُ الأَنبِيَاءُ وَالشُّهَدَاءُ " قِيلَ : مَن هُم لَعَلَّنَا نُحِبُّهُم ؟ قَالَ : " هُم قَومٌ تَحَابُّوا بِنُورِ اللهِ مِن غَيرِ أَرحَامٍ وَلا أَنسَابٍ ، وُجُوهُهُم نُورٌ ، عَلَى مِنَابِرَ مِن نُورٍ ، لا يَخَافُونَ إِذَا خَافَ النَّاسُ ، وَلا يَحزَنُونَ إِذَا حَزِنَ النَّاسُ ، ثم قَرَأَ : " أَلا إِنَّ أَولِيَاءَ اللهِ لا خَوفٌ عَلَيهِم وَلا هُم يَحزَنُونَ " وَالمَحَبَّةُ في اللهِ مِن أَوثَقِ عُرَى الإِيمَانِ الَّتي مَن تَمَسَّكَ بها نَجَا ، وَصِفَةٌ مَن وَجَدَهَا في قَلبِهِ وَجَدَ حَلاوَةَ الإِيمَانَ وَذَاقَ لَذَّتَهُ ، وَمَن حُرِمَهَا حُرِمَ خَيرًا كَثِيرًا ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " أَوثَقُ عُرَى الإِيمَانِ الحُبُّ في اللهِ وَالبُغضُ في اللهِ " وَقَالَ : " ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاوَةَ الإِيمَانِ : أَنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيهِ مِمَّا سِوَاهُمَا ، وَأَنْ يُحِبَّ المَرءَ لا يُحِبُّهُ إِلاَّ للهِ ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ في الكُفرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ في النَّارِ" وَقَالَ : " مَن أَحَبَّ للهِ وَأَبغَضَ للهِ وَأَعطَى للهِ وَمَنَعَ للهِ فَقَدِ استَكمَلَ الإِيمَانَ " وَمَحَبَّةُ المُؤمِنِينَ في اللهِ سَبَبٌ لِمَحَبَّةِ اللهِ لِلعَبدِ وَاستِظلالِهِ بِظِلِّهِ يَومَ لا ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ ، في الحَدِيثِ القُدسِيِّ يَقُولُ ـ تَعَالى ـ : " وَجَبَت مَحَبَّتي لِلمُتَحَابِّينَ فيَّ وَلِلمُتَجَالِسِينَ فيَّ وَلِلمُتَبَاذِلِينَ فيَّ " وَعَن أَبي هُرَيرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ عَنِ النَّبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ أَنَّ رَجُلاً زَارَ أَخًا لَهُ في قَريَةٍ أُخرَى ، فَأَرصَدَ اللهُ عَلَى مَدرَجَتِهِ مَلَكًا فَلَمَّا أَتَى عَلَيهِ قَالَ : أَينَ تُرِيدُ ؟ قَالَ : أُرِيدُ أَخًا لي في هَذِهِ القَريَةِ . قَالَ : هَل لَكَ عَلَيهِ مِن نِعمَةٍ تَرُبُّهَا ؟ قَالَ : لا، غَيرَ أَني أُحِبُّهُ في اللهِ . قَالَ : فَإِني رَسُولُ اللهِ إِلَيكَ إِنَّ اللهَ قَد أَحَبَّكَ كَمَا أَحبَبتَهُ فِيهِ " وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " إِنَّ اللهَ ـ تَعَالى ـ يَقُولُ يَومَ القِيَامَةِ : أَينَ المُتَحَابُّونَ بِجَلالي ؟ اليَومَ أُظِلُّهُم في ظِلِّي يَومَ لا ظِلَّ إِلاَّ ظِلِّي " وَجَاءَ في حَدِيثِ السَّبعَةِ الَّذِينَ يُظِلُّهُمُ اللهُ في ظِلِّهِ " وَرَجُلانِ تَحَابَّا في اللهِ اجتَمَعَا عَلَيهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيهِ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ المَحَبَّةَ في اللهِ مَنزِلَةٌ عَالِيَةٌ وَمَرتَبَةٌ رَفِيعَةٌ ، لَيسَت كَلامًا يُزَوَّرُ أَو يُدَّعَى ، وَلا أَقوَالاً تُرَدَّدُ وَلا تُؤَكَّدُ ، وَلا يُمكِنُ أَن يَتَبَوَّأَهَا وَيَصِلَ إِلَيهَا إِلاَّ الرِّجَالُ المُخلِصُونَ ، ذَلِكَ أَنَّهَا تَستَلزِمُ حُقُوقًا لا بُدَّ مِنَ القِيَامِ بها ، وَتَستَدعِي وَاجِبَاتٍ لا مَفَرَّ مِن تَحَمُّلِهَا ، مِنَ الزِّيَارَةِ في اللهِ ، وَبَذلِ أَقصَى الجُهدِ في النُّصحِ لِلإِخوَانِ ، وَالصِّدقِ مَعَهُم وَالدُّعَاءِ لهم ، وَتَحَمُّلِ زَلاَّتِهِم وَالعَفوِ عَنهُم ، وَإِكرَامِهِم وَنُصرَتِهِم ، قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " دُعَاءُ المَرءِ المُسلِمِ مُستَجَابٌ لأَخِيهِ بِظَهرِ الغَيبِ ، عِندَ رَأسِهِ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ بِهِ كُلَّمَا دَعَا لأَخِيهِ بِخَيرٍ قَالَ المَلَكُ : آمِينَ وَلَكَ بِمِثلِ ذَلِكَ " وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " لا يُؤمِنُ أَحَدُكُم حَتى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفسِهِ " وَقَالَ : " المُسلِمُ أَخُو المُسلِمِ لا يَظلِمُهُ وَلا يَخذُلُهُ وَلا يَحقِرُهُ " وَقَالَ : " انصُرْ أَخَاكَ ظَالمًا أَو مَظلُومًا "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّنَا لَفِي زَمَنٍ قَلَّ فِيهِ مَن يُحِبُّ المَرءَ لا يُحِبُّهُ إِلاَّ للهِ ، وَاشتَكَى فِيهِ بَعضُ الصَّالحِينَ مِن تَقصِيرِ إِخوَانِهِم في حُقُوقِهِم ، وَنُفرَتِهِم مِنهُم بَعدَ أُنسٍ بِهِم ، إِلاَّ أَنَّ ذَلِكَ يَجِبُ أَلاَّ يَكُونَ دَاعِيًا لِليَأسِ وَالقُنُوطِ ، فَإِنَّهُ ابتِلاءٌ يَجِبُ الصَّبرُ عَلَيهِ ، وَبَذلُ أَقصَى الجُهدِ لِلإِبقَاءِ عَلَى العَلاقَةِ الأَخَوِيَّةِ ، وَلْيُبشِرْ مَن فَعَلَ ذَلِكَ بِمَحَبَّةِ اللهِ لَهُ ، فَقَد قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " مَا تَحَابَّ رَجُلانِ في اللهِ إِلاَّ كَانَ أَحَبُّهُمَا إِلى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ أَشَدَّهُمَا حُبًّا لِصَاحِبِهِ " وَقَالَ : " خَيرُ الأَصحَابِ عِندَ اللهِ خَيرُهُم لِصَاحِبِهِ " أَلا فَمَا أَسعَدَ مَن صَبَرَ عَلَى جَفَاءِ إِخوَانِهِ وَاستَدَامَ عِشرَتَهُم وَمَحَبَّتَهُم ! لِيُبشِرْ بِعَظِيمِ المَنزِلَةِ وَحُسنِ العَاقِبَةِ ، فَعَن أَنَسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : مَتى السَّاعَةُ ؟ قَالَ : " وَمَا أَعدَدتَ لها ؟ " قَالَ : لا شَيءَ إِلاَّ أَني أُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ . قَالَ : " أَنتَ مَعَ مَن أَحبَبتَ " قَالَ أَنَسٌ : فَمَا فَرِحنَا بِشَيءٍ فَرَحَنَا بِقَولِ النَّبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " أَنتَ مَعَ مَن أَحبَبتَ " قَالَ أَنَسٌ : فَأَنَا أُحِبُّ النَّبيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ وَأَبَا بَكرٍ وَعُمَرَ ، وَأَرجُو أَن أَكُونَ مَعَهُم بِحُبِّي إِيَّاهُم .
وَعَنِ ابنِ مَسعُودٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلى رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، كَيفَ تَرَى في رَجُلٍ أَحَبَّ قَومًا وَلم يَلْحَقْ بهم ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " المَرءُ مَعَ مَن أَحَبَّ " وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " ثَلاثٌ هُنَّ حَقٌّ : لا يَجعَلُ اللهُ مَن لَهُ سَهْمٌ في الإِسلامِ كَمَن لا سَهمَ لَهُ ، وَلا يَتَوَلَّى اللهُ عَبدًا فَيُوَلِّيهِ غَيرَهُ ، وَلا يُحِبُّ رَجُلٌ قَومًا إِلاَّ حُشِرَ مَعَهُم " أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ " إِنَّ المُتَّقِينَ في جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ . اُدخُلُوهَا بِسَلاَمٍ آمِنِينَ . وَنَزَعنَا مَا في صُدُورِهِم مِن غِلٍّ إِخوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ . لاَ يَمَسُّهُم فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُم مِنهَا بِمُخرَجِينَ "
الخطبة الثانية:
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ حَقَّ التَّقوَى ، وَتَمَسَّكُوا مِنَ الإِسلامِ بِالعُروَةِ الوُثقَى ، وَاحذَرُوا مَا يُسخِطُ رَبَّكُم فَإِنَّ أَجسَامَكُم عَلَى النَّارِ لا تَقوَى .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ الأُخُوَّةَ نِعمَةٌ عَظِيمَةٌ ، يَخُصُّ اللهُ بها مَن أَحَبَّ مِن عِبَادِهِ ، وَقَد مَنَّ بها عَلَى قَومٍ وَذَكَّرَهُم نِعمَتَهُ عَلَيهِم بِأَن جَمَعَ قُلُوبَهُم عَلَى الصَّفَاءِ ، وَرَدَّهَا بَعدَ الفُرقةِ إِلى الإِلفَةِ وَالإِخَاءِ ، فَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَاذكُرُوا نِعمَةَ اللهِ عَلَيكُم إِذْ كُنتُم أَعدَاءً فَأَلَّفَ بَينَ قُلوبِكُم فَأَصبَحتُم بِنِعمَتِهِ إِخوَانًا " وَجَعَلَ مِن نَعِيمِ الجَنَّةِ وَالكَرَامَةِ لأَولِيَائِهِ أَن أَجلَسَهُم إِخوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ ، وَذَكَرَ أَهلَ جَهَنَّمَ وَمَا يَلقَونَ فِيهَا مِنَ الأَلمِ إِذْ يَقُولُونَ : " فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ مِن لَوَازِمِ الأُخُوَّةِ في اللهِ التَّزَاوُرَ بَينَ الإِخوَانِ وَالأَحبَابِ ، زِيَارَةً إِلهِيَّةً خَالِصَةً لِوَجهِ اللهِ ، لا يَدفَعُ إِلَيهَا إِلاَّ الحُبُّ فِيهِ ، وَلا يَحمِلُ عَلَيهَا إِلاَّ طَلَبُ مَا عِندَهُ ، مَا أَجمَلَ تِلكَ الزِّيَارَةَ وَمَا أَلَذَّ طَعمَهَا ! وَمَا أَبرَكَ أَوقَاتًا تُبذَلُ فِيهَا وَخُطًى تُمشَى إِلَيهَا !
وَمَا أَحرَى المُسلِمَ بِتَطبِيقِهَا تَعَبُّدًا للهِ بها ، خَاصَّةً في هَذَا الزَّمَنِ الَّذِي قَلَّت فِيهِ الزِّيَارَةُ في اللهِ ، وَأَصبَحَ النَّاسُ لا يَتَزَاوَرُونَ في الغَالِبِ وَلا يَجتَمِعُونَ إِلاَّ لِمَصَالحَ دُنيَوِيَّةٍ أَو عِلاقَاتٍ دُونِيَّةٍ ! أَلا وَإِنَّ مِن آكَدِ أَنوَاعِ تِلكَ الزِّيَارَةِ زِيَارَةَ المَرضَى ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " مَن أَتَى أَخَاهُ المُسلِمَ عَائِدًا مَشَى في خِرَافَةِ الجَنَّةِ حَتى يَجلِسَ ، فَإِذَا جَلَسَ غَمَرَتهُ الرَّحمَةُ ، فَإِن كَانَ غُدوَةً صَلَّى عَلَيهِ سَبعُونَ أَلفَ مَلَكٍ حَتى يُمسِيَ ، وَإِن كَانَ مَسَاءً صَلَّى عَلَيهِ سَبعُونَ أَلفَ مَلَكٍ حَتى يُصبِحَ " وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " حَقُّ المُسلِمِ عَلَى المُسلِمِ سِتٌّ : إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيهِ ، وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ ، وَإِذَا استَنصَحَكَ فَانصَحْ لَهُ ، وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللهَ فَشَمِّتْهُ ، وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ ، وَإِذَا مَاتَ فَاتبَعْهُ "
أَلا فَلْنَتَزَاوَرْ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَلْنَدخُلْ بُيُوتَ بَعضِنَا ، وَلْنَطعَمْ ممَّا تَيَسَّرَ ، وَلْنَحرِصْ عَلَى صُحبَةِ المُتَّقِينَ وَزِيَارَةِ الصَّالحِينَ ، فَقَد قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " لا تُصَاحِبْ إِلاَّ مُؤمِنًا ، وَلا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلاَّ تَقِيٌّ " ثم لْنَحذَرْ مِنَ المَعَاصِي وَالذُّنُوبِ ، فَإِنَّهَا مِن أَعظَمِ أَسبَابِ تَغَيُّرِ الوُدِّ وَالمَحَبَّةِ وَحُصُولِ التَّفَرُّقِ وَالنُّفرَةِ ، قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ : " وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ مَا تَوَادَّ اثنَانِ فَيُفَرَّقَ بَينَهُمَا إِلاَّ بِذَنبٍ يُحدِثُهُ أَحَدُهُمَا ".
الأخوّة في الله
الخطبة الأولى:
أَيُّهَا المُسلِمُونَ: الإِنسَانُ اجتِمَاعِيٌّ بِطَبعِهِ ، مَيَّالٌ بِفِطرَتِهِ إِلى بَني جِنسِهِ ، لا يُمكِنُ أَن يَعِيشَ في حَيَاتِهِ مُنفَرِدًا إِلاَّ مِن عِلَّةٍ ، وَلا تَتِمُّ سَعَادَتُهُ إِلاَّ بِأَن يَكُونَ لَهُ أَصدِقَاءُ وَأَصحَابٌ ، يُشَارِكُونَهُ سُرُورَهُ وَأَفرَاحَهُ ، وَيَحمِلُونَ عَنهُ في حُزنِهِ وَأَترَاحِهِ ، إِن حَضَرَ أَكرَمُوهُ ، وَإِن غَابَ افتَقَدُوهُ ، وَإِن ضَلَّ أَرشَدُوهُ ، وَإِن نَسِي ذَكَّرُوهُ وَإِنِ احتَاجَ وَاسَوهُ ، وَإِنَّ ممَّا يُمنى بِهِ بَعضُ النَّاسِ مِنَ الخَسَارَةِ الفَادِحَةِ أَن يُشغَلَ بِجَمعِ دُنيَاهُ وَتَنمِيَةِ أَموَالِهِ ، أَو مُطَارَدَةِ مَنَاصِبِهِ وَمُتَابَعَةِ أَعمَالِهِ ، ثم لا يَكُونَ لَهُ بِسَبَبِ ذَلِكَ رِفقَةٌ وَلا إِخوَةٌ ، إِنَّ مِثلَ هَذَا قَد فَقَدَ مِن الدُّنيَا لَذَّةً لا تَعدِلُهَا لَذَّةٌ ، وَفَرَّطَ في مَكسَبٍ لَن يُعَوِّضَهُ عَنهُ مَالٌ جَمَعَهُ ، وَلا شَهَادَةٌ حَازَهَا أَو وَظِيفَةٌ اكتَسَبَهَا .
وَتَتَعَدَّدُ العِلاقَاتُ بَينَ بَني الإِنسَانِ وَتَتَنَوَّعُ الصَّدَاقَاتُ ، فَتَطُولُ مُدَّتُهَا وَتَقصُرُ ، وَتَدُومُ حِبَالُهَا وَتَنقَطِعُ ، وَتَنمُو شَجَرَتُهَا وَتَضعُفُ ، بِحَسَبِ مَا يُغَذِّيهَا وَيَسقِيهَا ، مِن قَرَابَةِ رَحِمٍ أَو آصِرَةِ نَسَبٍ ، أَو عِلاقَةِ عَمَلٍ أَو رَابِطَةِ وَظِيفَةٍ ، أَو مَنفَعَةِ تِجَارَةٍ أَو مَصلَحَةِ دُنيًا ، إِلاَّ أَنَّ ثَمَّةَ صَدَاقَةً تَجمَعُ الدُّنيَا وَالدِّينَ ، وَتَستَمِرُّ في الحَيَاةِ وَلا تَنقَطِعُ بَعدَ المَمَاتِ ، بَل وَتَبقَى في الآخِرَةِ في رَوضَاتِ الجَنَّاتِ ، وَأَهلُهَا عَلَى مَنَابِرَ مِن نُورٍ يَومَ القِيَامَةِ ، إِنَّهَا الأُخُوَّةُ في اللهِ ، إِنَّهُ الحُبُّ في اللهِ " الأَخِلاَّءُ يَومَئِذٍ بَعضُهُم لِبَعضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ المُتَّقِينَ . يَا عِبَادِ لا خَوفٌ عَلَيكُمُ اليَومَ وَلا أَنتُم تَحزَنُونَ . الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسلِمِينَ . اُدخُلُوا الجَنَّةَ أَنتُم وَأَزوَاجُكُم تُحبَرُونَ . يُطَافُ عَلَيهِم بِصِحَافٍ مِن ذَهَبٍ وَأَكوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشتَهِيهِ الأَنفُسُ وَتَلَذُّ الأَعيُنُ وَأَنتُم فِيهَا خَالِدُونَ . وَتِلكَ الجَنَّةُ الَّتِي أُورِثتُمُوهَا بِمَا كُنتُم تَعمَلُونَ . لَكُم فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنهَا تَأكُلُونَ " وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " إِنَّ مِن عِبَادِ اللهِ عِبَادًا لَيسُوا بِأَنبِيَاءَ ، يَغبِطُهُمُ الأَنبِيَاءُ وَالشُّهَدَاءُ " قِيلَ : مَن هُم لَعَلَّنَا نُحِبُّهُم ؟ قَالَ : " هُم قَومٌ تَحَابُّوا بِنُورِ اللهِ مِن غَيرِ أَرحَامٍ وَلا أَنسَابٍ ، وُجُوهُهُم نُورٌ ، عَلَى مِنَابِرَ مِن نُورٍ ، لا يَخَافُونَ إِذَا خَافَ النَّاسُ ، وَلا يَحزَنُونَ إِذَا حَزِنَ النَّاسُ ، ثم قَرَأَ : " أَلا إِنَّ أَولِيَاءَ اللهِ لا خَوفٌ عَلَيهِم وَلا هُم يَحزَنُونَ " وَالمَحَبَّةُ في اللهِ مِن أَوثَقِ عُرَى الإِيمَانِ الَّتي مَن تَمَسَّكَ بها نَجَا ، وَصِفَةٌ مَن وَجَدَهَا في قَلبِهِ وَجَدَ حَلاوَةَ الإِيمَانَ وَذَاقَ لَذَّتَهُ ، وَمَن حُرِمَهَا حُرِمَ خَيرًا كَثِيرًا ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " أَوثَقُ عُرَى الإِيمَانِ الحُبُّ في اللهِ وَالبُغضُ في اللهِ " وَقَالَ : " ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاوَةَ الإِيمَانِ : أَنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيهِ مِمَّا سِوَاهُمَا ، وَأَنْ يُحِبَّ المَرءَ لا يُحِبُّهُ إِلاَّ للهِ ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ في الكُفرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ في النَّارِ" وَقَالَ : " مَن أَحَبَّ للهِ وَأَبغَضَ للهِ وَأَعطَى للهِ وَمَنَعَ للهِ فَقَدِ استَكمَلَ الإِيمَانَ " وَمَحَبَّةُ المُؤمِنِينَ في اللهِ سَبَبٌ لِمَحَبَّةِ اللهِ لِلعَبدِ وَاستِظلالِهِ بِظِلِّهِ يَومَ لا ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ ، في الحَدِيثِ القُدسِيِّ يَقُولُ ـ تَعَالى ـ : " وَجَبَت مَحَبَّتي لِلمُتَحَابِّينَ فيَّ وَلِلمُتَجَالِسِينَ فيَّ وَلِلمُتَبَاذِلِينَ فيَّ " وَعَن أَبي هُرَيرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ عَنِ النَّبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ أَنَّ رَجُلاً زَارَ أَخًا لَهُ في قَريَةٍ أُخرَى ، فَأَرصَدَ اللهُ عَلَى مَدرَجَتِهِ مَلَكًا فَلَمَّا أَتَى عَلَيهِ قَالَ : أَينَ تُرِيدُ ؟ قَالَ : أُرِيدُ أَخًا لي في هَذِهِ القَريَةِ . قَالَ : هَل لَكَ عَلَيهِ مِن نِعمَةٍ تَرُبُّهَا ؟ قَالَ : لا، غَيرَ أَني أُحِبُّهُ في اللهِ . قَالَ : فَإِني رَسُولُ اللهِ إِلَيكَ إِنَّ اللهَ قَد أَحَبَّكَ كَمَا أَحبَبتَهُ فِيهِ " وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " إِنَّ اللهَ ـ تَعَالى ـ يَقُولُ يَومَ القِيَامَةِ : أَينَ المُتَحَابُّونَ بِجَلالي ؟ اليَومَ أُظِلُّهُم في ظِلِّي يَومَ لا ظِلَّ إِلاَّ ظِلِّي " وَجَاءَ في حَدِيثِ السَّبعَةِ الَّذِينَ يُظِلُّهُمُ اللهُ في ظِلِّهِ " وَرَجُلانِ تَحَابَّا في اللهِ اجتَمَعَا عَلَيهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيهِ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ المَحَبَّةَ في اللهِ مَنزِلَةٌ عَالِيَةٌ وَمَرتَبَةٌ رَفِيعَةٌ ، لَيسَت كَلامًا يُزَوَّرُ أَو يُدَّعَى ، وَلا أَقوَالاً تُرَدَّدُ وَلا تُؤَكَّدُ ، وَلا يُمكِنُ أَن يَتَبَوَّأَهَا وَيَصِلَ إِلَيهَا إِلاَّ الرِّجَالُ المُخلِصُونَ ، ذَلِكَ أَنَّهَا تَستَلزِمُ حُقُوقًا لا بُدَّ مِنَ القِيَامِ بها ، وَتَستَدعِي وَاجِبَاتٍ لا مَفَرَّ مِن تَحَمُّلِهَا ، مِنَ الزِّيَارَةِ في اللهِ ، وَبَذلِ أَقصَى الجُهدِ في النُّصحِ لِلإِخوَانِ ، وَالصِّدقِ مَعَهُم وَالدُّعَاءِ لهم ، وَتَحَمُّلِ زَلاَّتِهِم وَالعَفوِ عَنهُم ، وَإِكرَامِهِم وَنُصرَتِهِم ، قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " دُعَاءُ المَرءِ المُسلِمِ مُستَجَابٌ لأَخِيهِ بِظَهرِ الغَيبِ ، عِندَ رَأسِهِ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ بِهِ كُلَّمَا دَعَا لأَخِيهِ بِخَيرٍ قَالَ المَلَكُ : آمِينَ وَلَكَ بِمِثلِ ذَلِكَ " وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " لا يُؤمِنُ أَحَدُكُم حَتى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفسِهِ " وَقَالَ : " المُسلِمُ أَخُو المُسلِمِ لا يَظلِمُهُ وَلا يَخذُلُهُ وَلا يَحقِرُهُ " وَقَالَ : " انصُرْ أَخَاكَ ظَالمًا أَو مَظلُومًا "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّنَا لَفِي زَمَنٍ قَلَّ فِيهِ مَن يُحِبُّ المَرءَ لا يُحِبُّهُ إِلاَّ للهِ ، وَاشتَكَى فِيهِ بَعضُ الصَّالحِينَ مِن تَقصِيرِ إِخوَانِهِم في حُقُوقِهِم ، وَنُفرَتِهِم مِنهُم بَعدَ أُنسٍ بِهِم ، إِلاَّ أَنَّ ذَلِكَ يَجِبُ أَلاَّ يَكُونَ دَاعِيًا لِليَأسِ وَالقُنُوطِ ، فَإِنَّهُ ابتِلاءٌ يَجِبُ الصَّبرُ عَلَيهِ ، وَبَذلُ أَقصَى الجُهدِ لِلإِبقَاءِ عَلَى العَلاقَةِ الأَخَوِيَّةِ ، وَلْيُبشِرْ مَن فَعَلَ ذَلِكَ بِمَحَبَّةِ اللهِ لَهُ ، فَقَد قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " مَا تَحَابَّ رَجُلانِ في اللهِ إِلاَّ كَانَ أَحَبُّهُمَا إِلى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ أَشَدَّهُمَا حُبًّا لِصَاحِبِهِ " وَقَالَ : " خَيرُ الأَصحَابِ عِندَ اللهِ خَيرُهُم لِصَاحِبِهِ " أَلا فَمَا أَسعَدَ مَن صَبَرَ عَلَى جَفَاءِ إِخوَانِهِ وَاستَدَامَ عِشرَتَهُم وَمَحَبَّتَهُم ! لِيُبشِرْ بِعَظِيمِ المَنزِلَةِ وَحُسنِ العَاقِبَةِ ، فَعَن أَنَسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : مَتى السَّاعَةُ ؟ قَالَ : " وَمَا أَعدَدتَ لها ؟ " قَالَ : لا شَيءَ إِلاَّ أَني أُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ . قَالَ : " أَنتَ مَعَ مَن أَحبَبتَ " قَالَ أَنَسٌ : فَمَا فَرِحنَا بِشَيءٍ فَرَحَنَا بِقَولِ النَّبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " أَنتَ مَعَ مَن أَحبَبتَ " قَالَ أَنَسٌ : فَأَنَا أُحِبُّ النَّبيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ وَأَبَا بَكرٍ وَعُمَرَ ، وَأَرجُو أَن أَكُونَ مَعَهُم بِحُبِّي إِيَّاهُم .
وَعَنِ ابنِ مَسعُودٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلى رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، كَيفَ تَرَى في رَجُلٍ أَحَبَّ قَومًا وَلم يَلْحَقْ بهم ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " المَرءُ مَعَ مَن أَحَبَّ " وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " ثَلاثٌ هُنَّ حَقٌّ : لا يَجعَلُ اللهُ مَن لَهُ سَهْمٌ في الإِسلامِ كَمَن لا سَهمَ لَهُ ، وَلا يَتَوَلَّى اللهُ عَبدًا فَيُوَلِّيهِ غَيرَهُ ، وَلا يُحِبُّ رَجُلٌ قَومًا إِلاَّ حُشِرَ مَعَهُم " أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ " إِنَّ المُتَّقِينَ في جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ . اُدخُلُوهَا بِسَلاَمٍ آمِنِينَ . وَنَزَعنَا مَا في صُدُورِهِم مِن غِلٍّ إِخوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ . لاَ يَمَسُّهُم فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُم مِنهَا بِمُخرَجِينَ "
الخطبة الثانية:
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ حَقَّ التَّقوَى ، وَتَمَسَّكُوا مِنَ الإِسلامِ بِالعُروَةِ الوُثقَى ، وَاحذَرُوا مَا يُسخِطُ رَبَّكُم فَإِنَّ أَجسَامَكُم عَلَى النَّارِ لا تَقوَى .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ الأُخُوَّةَ نِعمَةٌ عَظِيمَةٌ ، يَخُصُّ اللهُ بها مَن أَحَبَّ مِن عِبَادِهِ ، وَقَد مَنَّ بها عَلَى قَومٍ وَذَكَّرَهُم نِعمَتَهُ عَلَيهِم بِأَن جَمَعَ قُلُوبَهُم عَلَى الصَّفَاءِ ، وَرَدَّهَا بَعدَ الفُرقةِ إِلى الإِلفَةِ وَالإِخَاءِ ، فَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَاذكُرُوا نِعمَةَ اللهِ عَلَيكُم إِذْ كُنتُم أَعدَاءً فَأَلَّفَ بَينَ قُلوبِكُم فَأَصبَحتُم بِنِعمَتِهِ إِخوَانًا " وَجَعَلَ مِن نَعِيمِ الجَنَّةِ وَالكَرَامَةِ لأَولِيَائِهِ أَن أَجلَسَهُم إِخوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ ، وَذَكَرَ أَهلَ جَهَنَّمَ وَمَا يَلقَونَ فِيهَا مِنَ الأَلمِ إِذْ يَقُولُونَ : " فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ مِن لَوَازِمِ الأُخُوَّةِ في اللهِ التَّزَاوُرَ بَينَ الإِخوَانِ وَالأَحبَابِ ، زِيَارَةً إِلهِيَّةً خَالِصَةً لِوَجهِ اللهِ ، لا يَدفَعُ إِلَيهَا إِلاَّ الحُبُّ فِيهِ ، وَلا يَحمِلُ عَلَيهَا إِلاَّ طَلَبُ مَا عِندَهُ ، مَا أَجمَلَ تِلكَ الزِّيَارَةَ وَمَا أَلَذَّ طَعمَهَا ! وَمَا أَبرَكَ أَوقَاتًا تُبذَلُ فِيهَا وَخُطًى تُمشَى إِلَيهَا !
وَمَا أَحرَى المُسلِمَ بِتَطبِيقِهَا تَعَبُّدًا للهِ بها ، خَاصَّةً في هَذَا الزَّمَنِ الَّذِي قَلَّت فِيهِ الزِّيَارَةُ في اللهِ ، وَأَصبَحَ النَّاسُ لا يَتَزَاوَرُونَ في الغَالِبِ وَلا يَجتَمِعُونَ إِلاَّ لِمَصَالحَ دُنيَوِيَّةٍ أَو عِلاقَاتٍ دُونِيَّةٍ ! أَلا وَإِنَّ مِن آكَدِ أَنوَاعِ تِلكَ الزِّيَارَةِ زِيَارَةَ المَرضَى ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " مَن أَتَى أَخَاهُ المُسلِمَ عَائِدًا مَشَى في خِرَافَةِ الجَنَّةِ حَتى يَجلِسَ ، فَإِذَا جَلَسَ غَمَرَتهُ الرَّحمَةُ ، فَإِن كَانَ غُدوَةً صَلَّى عَلَيهِ سَبعُونَ أَلفَ مَلَكٍ حَتى يُمسِيَ ، وَإِن كَانَ مَسَاءً صَلَّى عَلَيهِ سَبعُونَ أَلفَ مَلَكٍ حَتى يُصبِحَ " وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " حَقُّ المُسلِمِ عَلَى المُسلِمِ سِتٌّ : إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيهِ ، وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ ، وَإِذَا استَنصَحَكَ فَانصَحْ لَهُ ، وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللهَ فَشَمِّتْهُ ، وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ ، وَإِذَا مَاتَ فَاتبَعْهُ "
أَلا فَلْنَتَزَاوَرْ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَلْنَدخُلْ بُيُوتَ بَعضِنَا ، وَلْنَطعَمْ ممَّا تَيَسَّرَ ، وَلْنَحرِصْ عَلَى صُحبَةِ المُتَّقِينَ وَزِيَارَةِ الصَّالحِينَ ، فَقَد قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " لا تُصَاحِبْ إِلاَّ مُؤمِنًا ، وَلا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلاَّ تَقِيٌّ " ثم لْنَحذَرْ مِنَ المَعَاصِي وَالذُّنُوبِ ، فَإِنَّهَا مِن أَعظَمِ أَسبَابِ تَغَيُّرِ الوُدِّ وَالمَحَبَّةِ وَحُصُولِ التَّفَرُّقِ وَالنُّفرَةِ ، قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ : " وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ مَا تَوَادَّ اثنَانِ فَيُفَرَّقَ بَينَهُمَا إِلاَّ بِذَنبٍ يُحدِثُهُ أَحَدُهُمَا ".
- من فتاوى الشيخ (الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله ) اسكنه الله فسيح جناته
- الخلود الأبدي لأصحاب الجنة والنار 02/05/2009 عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ( يؤتى بالموت كهيئة كبش أملح، فينادي مناد: يا أهل الجنة فيشرئبون وينظرون، فيقول: هل تعرفون هذا ؟..
- الله معي الله ناظري الله شاهدي
- بنات النبى صلى الله عليه وسلم السيدة رقية رضي الله عنها
- تحريم رسول الله صلى الله عليه وسلم لآلات اللهو والمعازف
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى