رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
مراد عياش اللحياني
خلق الأمانة
الخطبة الأولى:
الحمد لله .. أما بعد :
من الأخلاق الاجتماعية التي تدل على سمو المجتمع وتماسك بنيانه، أن ينتشر بين أفراده: خلق الأمانة، ومن بواعث الشكوى والقلق وازدياد الخصومات والجرائم أن تكثر الخيانة في الناس، فلا يأمن صديق صديقه، ولا زوج زوجه، ولا أب ولده.
الأمانةُ خلُقٌ مِن أخلاق الأنبياءِ والمرسَلين، وفضيلةٌ من فضائل المؤمنين، عظَّم الله أمرَها ورفع شأنها وأعلى قدرَها، يقول جلّ وعلا(( إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً)) ، ويقول سبحانه في وَصفِ عبادِه المفلحين المؤمِنين: ((وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ)).
الأمانةُ أمر الله بحفظِها ورِعايَتِها، وفرَض أداءَها والقِيامَ بحقِّها ((فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ ))، ويقول جل وعلا: ((إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا))، ونبيُّنا يقول: ((أدِّ الأمانةَ إلى من ائتَمَنك، ولا تخُن من خانك)) رواه أبو داودَ والترمذيّ وسنده صحيح.
وفي قصّة هرقل مع أبي سفيان رضي الله عنه قال هِرَقل: سألتُك عن ماذا يأمركم ـ أي: النبي ـ فزعمتَ أنه يأمُر بالصلاة والصِّدق والعفاف والوفاءِ بالعهد وأداء الأمانة، وهذه صِفَة نبيّ. متّفق عليه.
وأخبر النبي أن أداءها والقيام بها إيمان، وأن تضييعَها والتهاون بها وخيانتها نفاق وعصيان, قال: ((لا إيمان لمن لا أمانة له)) رواه أحمد والبزار والطبراني في الأوسط وصححه الألباني.
وأخبر النبي أنه يؤتى يوم القيامة بجهنم والناس في عرصات يوم القيامة حفاة عراة غرلاً في ذلك الموقف العظيم يؤتى بجهنم تقاد بسبعين ألف زمام, مع كل زمام سبعون ألف ملك, فلا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا جثا على ركبتيه، ثم يضرب الصراط على متن جهنم, وينادي الله جل جلاله بأن يسير العبادُ عليه, وعندها تكون دعوة الأنبياء: ((اللهم سلم سلم)).
فإذا ضُرب الصراط على متن جهنم قال كما في الصحيح: [قامت الأمانة والرحم على جنبتي الصراط]، أما الأمانة فإنها تكبكب في نار جهنم كل من خانها، وأما الرحم فإنها تزل قدم من قطعها وظلمها.
إن الأمانة أول ما يفقده الناس من دينهم كما في الحديث: ((أوَّلُ ما تفقدون من دينكم الأمانة))صححه الحاكم ووافقه الذهبي.
وقال صلى الله عليه وسلم وقد سُئل: متى الساعة؟ قال: ((إذا ضُيِّعتِ الأمانة فانتظر الساعة))رواه البخاري.
أيها المسلمون :ما هي الأمانة التي أشفقت السموات والأرض والجبال، وخفن من عواقب حملها؟ وحملها الإنسان فكان بسبب ذلك ظلوماً جهولاً .
ما هذه الأمانة التي أمر الله بها من فوق سبع سموات ؟
ما هذه الأمانة التي أثنى الله على القائمين بها والمحافظين عليها ؟
ما هذه الأمانة التي أخبر النبي أن أداءها والقيام بها إيمان، وأن تضييعَها والتهاون بها وخيانتها نفاق وعصيان.
ما هذه الأمانة التي كل الناس موقوفون على الصراط حتى يثبت أداؤهم لهذه الأمانة؟
إنا يا عباد الله نقرأ هذه الآيات التي تتحدث عن الأمانة، ونسمع الأوامر بالمحافظة على الأمانة، والوعيد الشديد لِمن ضيعها، ولكن المشكلة أن كثيراً من الناس لا يدري ما هي هذه الأمانة؟!
ولذلك يضيع الأمانة وهو يظن أنه قائم بها، ينطبق عليه الوعيد وهو آمن مطمئن يظن أنه من الناجين !
إن الأمانة التي يتحدث عنها القرآن ليست هي الودائع كما يظن كثير من الناس.
فالوضوء أمانة. فبإمكانك أن تصلي وتقول للناس إنك على وضوء.
بإمكانك أن تتوضأ على عجل لا يحقق الطهارة, وأنت مؤتمن على ذلك.
وصلاتك أيها المسلم أمانة وكلها الله إليك، فهل تأتي مقبلا على الصلاة أم تأتي متثاقلاً متضايقاً متأففاً ؟
والصيام أمانة, والصدقة أمانة, كلها أمانات وكلها الله إليك وأنت المسؤول عنها, لا أحد يعلم بسريرتك, إنها أمانة تامة موكولة لك, والموعد هو الصراط المنصوب على جهنم.
أداؤك لعملك الوظيفي، هو جزء كبير من الأمانة التي وكلت إليك، تتصرف بموجب الصلاحيات الموكولة إليك، وهي وإن كان في ظاهرها منفعة فهي في باطنها حسرة وندامة لمن خان هذه الأمانة التي وكلها إليه ولي الأمر ووثق فيه، وإذا به يحابي فلاناً ويقدم فلاناً ويؤخر علاناً! يقدم هذا لمكانته أو قرابته، ويؤخر هذا ـ رغم استحقاقه ـ لخلاف شخصي.
أين الأمانة؟ ليس لك إلا أن تقول: الموعد هو الصراط, يوم لا يكون خصمك الشخص, بل خصمك الأمانة تقف تحاجك فهل من حجة؟
إحسان التعامل مع المراجعين أمانة! لست صاحب فضل عندما تؤدي حق مراجع، بل قد أخذت على هذا أجراً، هذه أمانة وكَلَها لك ولي الأمر،وأنت ممثله أمام أصحاب الحقوق، فهل تؤدي هذه الأمانة؟ أم تنسى الأمانة والثقة! وما أكثر خصوم من لم يبال بهذا؟ والموعد أخطر الأماكن, يوم الصراط يوم لا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا جثا على ركبتيه، من شدة الموقف، وأنت تتعلق بك الأمانة فهل تنجو أم تسقط والعياذ بالله من ذاك السقوط؟
تربيتك لأولادك أمانة، هل علمتهم دينهم، هل وجهتهم إلى طاعة إلى الله؟ أم يسرت لهم الفساد ؟
تلك أمانات والأب مسؤول عنها .
حياتك مع زوجتك أمانة، ومن الخيانة أن تتحدث عن أسرارها .
أصدقاؤك وما يخبرونك به من أسرارهم أمانة .
أيها المسلم الكريم: إذا رأيت الرجل يحفظ الأمانة، ورأيته يؤديها مراقباً الله في ذلك فاعلم أن وراء ذلك قلبًا سليماً، يخاف الله جل جلاله ويتقيه, وأن هذا العبد يعلمُ عِلمَ اليقين أن الله محاسبُهُ وسائِلُه ومجازيه، وأنه يتذكر وقفة الصراط, نسأل الله النجاة, فاعمل لذاك اليوم ولا تغفل عنه.
إنها الأمانة ـ عباد الله ـ التي أقضّت مضاجع الصالحين، وهان على الإنسان أن يُسفك دمه ولا يخون أمانتهُ, وهان على العبد الصالح أن يَلقى شدائد الدنيا ولا يخون الأمانة.
فيا أيها المسلمون: أدوا أماناتكم (( يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون)).
الخطبة الثانية
الحمدُ لله كثيرًا، وأشهَد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له في الآخرة والأولى، وأشهَد أنَّ سيّدَنا ونبيّنا محمَّدًا عبده ورسوله النبيّ المجتبى، اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارك عليه وعلى آلِه وأصحابه.
أمّا بعد: فأيها المؤمنون، خلق الأمانة تنتظم به شؤون الحياة كلها: من عقيدة وعبادة وأدب ومعاملة وتكافل اجتماعي وسياسة حكيمة رشيدة وخلق حسن كريم.
والأمانة بهذا المعنى وهذه الحدود، سر سعادة الأمم، ويوم كانت أمتنا من أصدق الشعوب والأمم في حمل هذه الأمانة والوفاء بها كانت أمتنا خير أمة أخرجت للناس.
سرقت امرأة في عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم في غزوة الفتح ففزع قومها إلى أسامة بن زيد يستشفعونه . قال عروة فلما كلمه أسامة فيها تلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ( أتكلمني في حد من حدود الله ) . قال أسامة استغفر لي يا رسول الله فلما كان العشي قام رسول الله خطيبا فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال ( أما بعد فإنما أهلك الناس قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد والذي نفس محمد بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ) .
ثم أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم بتلك المرأة فقطعت يدها ،فهذه هي أمانة الحاكم في تنفيذ الحدود على الناس جميعاً.
واستدان ابن عمر بن الخطاب من أبي موسى الأشعري حين كان والياً على الكوفة أموالاً من خزينة الدولة ليتاجر بها على أن يردها بعد ذلك كاملة غير منقوصة، واتجر ولد عمر فربح، فبلغ ذلك عمر فقال له: إنك حين اشتريت أنقص لك البائعون في الثمن لأنك ولد أمير المؤمنين، ولما بعت زاد لك المشترون في الثمن لأنك ولد أمير المؤمنين، فلا جرم أن كان للمسلمين نصيب فيما ربحت، فقاسمه نصف الربح، واسترد منه القرض وعنفه على ما فعل، واشتد في العقاب على أبي موسى لأنه أسرف من أموال الدولة ما لا يصح أن يقع مثله، وهذه أمانة الحاكم الذي يسهر على مال الأمة فلا يحابي فيه صديقاً ولا قريباً.
ويذكر التاريخ أن القائد المسلم صلاح الدين الأيوبي رحمه الله كان من أكثر ملوك عصره توفيقاً في الفتوح والنصر وكان نصيبه من الغنائم كبيراً جداً وقفه كله مدارس ومستشفيات ومساجد مما لا يزال بعض آثاره باقياً حتى اليوم، ولم يترك لنفسه ولأولاده شيئاً من ذلك حتى قالوا: إنه حين مات، مات وهو من أفقر الناس رحمه الله، وهذه هي أمانة القائد الذي يأبى أن يتاجر بجهاده، ويرضى بالله وجنته وثوابه بديلاً.
ومر علي بن أبي طالب في المسجد فرأى واعظاً يعظ الناس، فقال له: أتعرف أحكام القرآن وناسخه ومنسوخه، فقال: لا، فقال علي، هلكت وأهلكت، ثم منعه من التحدث إلى العامة لئلا يفسد عليهم دينهم بجهله، وهذه أمانة في صيانة العلم وحفظ عقائد الناس من أن يفسدها الجاهلون
خلق الأمانة
الخطبة الأولى:
الحمد لله .. أما بعد :
من الأخلاق الاجتماعية التي تدل على سمو المجتمع وتماسك بنيانه، أن ينتشر بين أفراده: خلق الأمانة، ومن بواعث الشكوى والقلق وازدياد الخصومات والجرائم أن تكثر الخيانة في الناس، فلا يأمن صديق صديقه، ولا زوج زوجه، ولا أب ولده.
الأمانةُ خلُقٌ مِن أخلاق الأنبياءِ والمرسَلين، وفضيلةٌ من فضائل المؤمنين، عظَّم الله أمرَها ورفع شأنها وأعلى قدرَها، يقول جلّ وعلا(( إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً)) ، ويقول سبحانه في وَصفِ عبادِه المفلحين المؤمِنين: ((وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ)).
الأمانةُ أمر الله بحفظِها ورِعايَتِها، وفرَض أداءَها والقِيامَ بحقِّها ((فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ ))، ويقول جل وعلا: ((إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا))، ونبيُّنا يقول: ((أدِّ الأمانةَ إلى من ائتَمَنك، ولا تخُن من خانك)) رواه أبو داودَ والترمذيّ وسنده صحيح.
وفي قصّة هرقل مع أبي سفيان رضي الله عنه قال هِرَقل: سألتُك عن ماذا يأمركم ـ أي: النبي ـ فزعمتَ أنه يأمُر بالصلاة والصِّدق والعفاف والوفاءِ بالعهد وأداء الأمانة، وهذه صِفَة نبيّ. متّفق عليه.
وأخبر النبي أن أداءها والقيام بها إيمان، وأن تضييعَها والتهاون بها وخيانتها نفاق وعصيان, قال: ((لا إيمان لمن لا أمانة له)) رواه أحمد والبزار والطبراني في الأوسط وصححه الألباني.
وأخبر النبي أنه يؤتى يوم القيامة بجهنم والناس في عرصات يوم القيامة حفاة عراة غرلاً في ذلك الموقف العظيم يؤتى بجهنم تقاد بسبعين ألف زمام, مع كل زمام سبعون ألف ملك, فلا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا جثا على ركبتيه، ثم يضرب الصراط على متن جهنم, وينادي الله جل جلاله بأن يسير العبادُ عليه, وعندها تكون دعوة الأنبياء: ((اللهم سلم سلم)).
فإذا ضُرب الصراط على متن جهنم قال كما في الصحيح: [قامت الأمانة والرحم على جنبتي الصراط]، أما الأمانة فإنها تكبكب في نار جهنم كل من خانها، وأما الرحم فإنها تزل قدم من قطعها وظلمها.
إن الأمانة أول ما يفقده الناس من دينهم كما في الحديث: ((أوَّلُ ما تفقدون من دينكم الأمانة))صححه الحاكم ووافقه الذهبي.
وقال صلى الله عليه وسلم وقد سُئل: متى الساعة؟ قال: ((إذا ضُيِّعتِ الأمانة فانتظر الساعة))رواه البخاري.
أيها المسلمون :ما هي الأمانة التي أشفقت السموات والأرض والجبال، وخفن من عواقب حملها؟ وحملها الإنسان فكان بسبب ذلك ظلوماً جهولاً .
ما هذه الأمانة التي أمر الله بها من فوق سبع سموات ؟
ما هذه الأمانة التي أثنى الله على القائمين بها والمحافظين عليها ؟
ما هذه الأمانة التي أخبر النبي أن أداءها والقيام بها إيمان، وأن تضييعَها والتهاون بها وخيانتها نفاق وعصيان.
ما هذه الأمانة التي كل الناس موقوفون على الصراط حتى يثبت أداؤهم لهذه الأمانة؟
إنا يا عباد الله نقرأ هذه الآيات التي تتحدث عن الأمانة، ونسمع الأوامر بالمحافظة على الأمانة، والوعيد الشديد لِمن ضيعها، ولكن المشكلة أن كثيراً من الناس لا يدري ما هي هذه الأمانة؟!
ولذلك يضيع الأمانة وهو يظن أنه قائم بها، ينطبق عليه الوعيد وهو آمن مطمئن يظن أنه من الناجين !
إن الأمانة التي يتحدث عنها القرآن ليست هي الودائع كما يظن كثير من الناس.
فالوضوء أمانة. فبإمكانك أن تصلي وتقول للناس إنك على وضوء.
بإمكانك أن تتوضأ على عجل لا يحقق الطهارة, وأنت مؤتمن على ذلك.
وصلاتك أيها المسلم أمانة وكلها الله إليك، فهل تأتي مقبلا على الصلاة أم تأتي متثاقلاً متضايقاً متأففاً ؟
والصيام أمانة, والصدقة أمانة, كلها أمانات وكلها الله إليك وأنت المسؤول عنها, لا أحد يعلم بسريرتك, إنها أمانة تامة موكولة لك, والموعد هو الصراط المنصوب على جهنم.
أداؤك لعملك الوظيفي، هو جزء كبير من الأمانة التي وكلت إليك، تتصرف بموجب الصلاحيات الموكولة إليك، وهي وإن كان في ظاهرها منفعة فهي في باطنها حسرة وندامة لمن خان هذه الأمانة التي وكلها إليه ولي الأمر ووثق فيه، وإذا به يحابي فلاناً ويقدم فلاناً ويؤخر علاناً! يقدم هذا لمكانته أو قرابته، ويؤخر هذا ـ رغم استحقاقه ـ لخلاف شخصي.
أين الأمانة؟ ليس لك إلا أن تقول: الموعد هو الصراط, يوم لا يكون خصمك الشخص, بل خصمك الأمانة تقف تحاجك فهل من حجة؟
إحسان التعامل مع المراجعين أمانة! لست صاحب فضل عندما تؤدي حق مراجع، بل قد أخذت على هذا أجراً، هذه أمانة وكَلَها لك ولي الأمر،وأنت ممثله أمام أصحاب الحقوق، فهل تؤدي هذه الأمانة؟ أم تنسى الأمانة والثقة! وما أكثر خصوم من لم يبال بهذا؟ والموعد أخطر الأماكن, يوم الصراط يوم لا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا جثا على ركبتيه، من شدة الموقف، وأنت تتعلق بك الأمانة فهل تنجو أم تسقط والعياذ بالله من ذاك السقوط؟
تربيتك لأولادك أمانة، هل علمتهم دينهم، هل وجهتهم إلى طاعة إلى الله؟ أم يسرت لهم الفساد ؟
تلك أمانات والأب مسؤول عنها .
حياتك مع زوجتك أمانة، ومن الخيانة أن تتحدث عن أسرارها .
أصدقاؤك وما يخبرونك به من أسرارهم أمانة .
أيها المسلم الكريم: إذا رأيت الرجل يحفظ الأمانة، ورأيته يؤديها مراقباً الله في ذلك فاعلم أن وراء ذلك قلبًا سليماً، يخاف الله جل جلاله ويتقيه, وأن هذا العبد يعلمُ عِلمَ اليقين أن الله محاسبُهُ وسائِلُه ومجازيه، وأنه يتذكر وقفة الصراط, نسأل الله النجاة, فاعمل لذاك اليوم ولا تغفل عنه.
إنها الأمانة ـ عباد الله ـ التي أقضّت مضاجع الصالحين، وهان على الإنسان أن يُسفك دمه ولا يخون أمانتهُ, وهان على العبد الصالح أن يَلقى شدائد الدنيا ولا يخون الأمانة.
فيا أيها المسلمون: أدوا أماناتكم (( يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون)).
الخطبة الثانية
الحمدُ لله كثيرًا، وأشهَد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له في الآخرة والأولى، وأشهَد أنَّ سيّدَنا ونبيّنا محمَّدًا عبده ورسوله النبيّ المجتبى، اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارك عليه وعلى آلِه وأصحابه.
أمّا بعد: فأيها المؤمنون، خلق الأمانة تنتظم به شؤون الحياة كلها: من عقيدة وعبادة وأدب ومعاملة وتكافل اجتماعي وسياسة حكيمة رشيدة وخلق حسن كريم.
والأمانة بهذا المعنى وهذه الحدود، سر سعادة الأمم، ويوم كانت أمتنا من أصدق الشعوب والأمم في حمل هذه الأمانة والوفاء بها كانت أمتنا خير أمة أخرجت للناس.
سرقت امرأة في عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم في غزوة الفتح ففزع قومها إلى أسامة بن زيد يستشفعونه . قال عروة فلما كلمه أسامة فيها تلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ( أتكلمني في حد من حدود الله ) . قال أسامة استغفر لي يا رسول الله فلما كان العشي قام رسول الله خطيبا فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال ( أما بعد فإنما أهلك الناس قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد والذي نفس محمد بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ) .
ثم أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم بتلك المرأة فقطعت يدها ،فهذه هي أمانة الحاكم في تنفيذ الحدود على الناس جميعاً.
واستدان ابن عمر بن الخطاب من أبي موسى الأشعري حين كان والياً على الكوفة أموالاً من خزينة الدولة ليتاجر بها على أن يردها بعد ذلك كاملة غير منقوصة، واتجر ولد عمر فربح، فبلغ ذلك عمر فقال له: إنك حين اشتريت أنقص لك البائعون في الثمن لأنك ولد أمير المؤمنين، ولما بعت زاد لك المشترون في الثمن لأنك ولد أمير المؤمنين، فلا جرم أن كان للمسلمين نصيب فيما ربحت، فقاسمه نصف الربح، واسترد منه القرض وعنفه على ما فعل، واشتد في العقاب على أبي موسى لأنه أسرف من أموال الدولة ما لا يصح أن يقع مثله، وهذه أمانة الحاكم الذي يسهر على مال الأمة فلا يحابي فيه صديقاً ولا قريباً.
ويذكر التاريخ أن القائد المسلم صلاح الدين الأيوبي رحمه الله كان من أكثر ملوك عصره توفيقاً في الفتوح والنصر وكان نصيبه من الغنائم كبيراً جداً وقفه كله مدارس ومستشفيات ومساجد مما لا يزال بعض آثاره باقياً حتى اليوم، ولم يترك لنفسه ولأولاده شيئاً من ذلك حتى قالوا: إنه حين مات، مات وهو من أفقر الناس رحمه الله، وهذه هي أمانة القائد الذي يأبى أن يتاجر بجهاده، ويرضى بالله وجنته وثوابه بديلاً.
ومر علي بن أبي طالب في المسجد فرأى واعظاً يعظ الناس، فقال له: أتعرف أحكام القرآن وناسخه ومنسوخه، فقال: لا، فقال علي، هلكت وأهلكت، ثم منعه من التحدث إلى العامة لئلا يفسد عليهم دينهم بجهله، وهذه أمانة في صيانة العلم وحفظ عقائد الناس من أن يفسدها الجاهلون
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى