رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
الشيخ / عبد الله بن محمد البصري
وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض
الخطبة الأولى:
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَّا جُزءٌ مِن هَذَا المُجتَمَعِ لا يَنفَكُّ عَنهُ ، وَلَبِنَةٌ مِن لَبِنَاتِ بُنيَانِهِ الَّتي لا يَقُومُ إِلاَّ عَلَيهَا ، وَهُوَ عُضوٌ مِن أَعضَاءِ هَذَا الجَسَدِ الوَاحِدِ ، يَرتَاحُ لِرَاحَتِهِ وَتُؤنِسُهُ قُوَّتُهُ ، وَيَألَمُ لأَلَمِهِ وَتُوجِعُهُ نَكبَتُهُ . وَالمُؤمِنُ يَهتَمُّ لأَمرِ إِخوَانِهِ وَيَعنِيهِ شَأنُهُم ، يَفرَحُ لما يُفرِحُهُم وَيُبهِجُهُ ما يَسُرُّهُم ، وَيَحزَنُ لِحُزنِهِم ويَعُزُّ عَلَيهِ مَا يُعنِتُهُم ، وَهُوَ يَعُدُّ كُلَّ صَلاحٍ لهم صَلاحًا لأَمرِهِ ، وَيَرَى كُلَّ فَسَادٍ فِيهِم فَسَادًا لِشَأنِهِ ، وَمِن ثَمَّ فَإِنَّهُ لا يُمكِنُ أَن يَعِيشَ في حِيَاتِهِ بَارِدَ القَلبِ مُغمِضَ العَينَينِ مَكتُوفَ اليَدَينِ ، لا يَأمُرُ بِمَعرُوفٍ وَلا يَنهَى عَن مُنكَرٍ ، وَلا يَدعُو لِخَيرٍ وَلا يَمنَعُ مِن شَرٍّ، وَلا يَدعَمُ إِصلاحًا وَلا يُحَارِبُ إِفسَادًا ، بَلْ لا تَرَاهُ إِلاَّ آمِرًا بِالمَعرُوفِ نَاهِيًا عَنِ المُنكَرِ ، دَاعِيًا إِلى اللهِ مُصلِحًا ، مُتَعَاوِنًا مَعَ إِخوَانِهِ عَلَى البِرِّ وَالتَّقوَى ، مُحِبًّا لهم مِنَ الخَيرِ مَا يُحِبُّهُ لِنَفسِهِ ، قَائِمًا فِيهِم بِأَمرِ اللهِ وَشَرعِهِ ، مُبتَغِيًا مَا عِندَهُ مِن أَجرٍ وَثَوَابٍ . أَلا وَإِنَّ ممَّا يَبعَثُ الخَوفَ في نَفسِ الغَيُورِ وَيُقلِقُ رَاحَتَهُ ، وَيُكَدِّرُ عَيشَهُ وَيَذهَبُ بِلَذَّةِ حَيَاتِهِ ، وَيَزِيدُ مِن مَسؤُولِيَّتِهِ تِجَاهَ أُمَّتِهِ وَمُجتَمَعِهِ ، مَا يَرَاهُ مِن تِلكَ الأَموَاجِ المُتَلاطِمَةِ وَذَلِكَ الزَّبَدِ المُتَطَايِرِ هُنَا وَهُنَاكَ ، ممَّا تَقذِفُهُ بِحَارُ التَّغرِيبِ القَذِرَةِ النَّتِنَةُ ، الَّتي فُتِحَت عَلَى بِلادِنَا بِقُوَّةٍ ؛ لِتَلتَهِمَ بِشَرَاهَةٍ عَجِيبَةٍ كَثِيرًا مِنَ المَبَادِئِ وَالقِيَمِ الإِسلامِيَّةِ الشَّرعِيَّةِ ، إِلاَّ أَنَّ المُؤمِنَ وَثِقَةً بِوَعدِ رَبِّهِ وَيَقِينًا بِنَصرِهِ لِمَن نَصَرَهُ ، يَرَى أَنَّ هَذَا الجُهدَ التَّغرِيبِيَّ الشَّيطَانيَّ لَن يَعدُوَ قَدرَهُ ، خَاصَّةً إِذَا قَابَلَهُ جُهدٌ إِصلاحِيٌّ رَبَّانيٌّ ، يَتَّقِي المُؤمِنُونَ فِيهِ رَبَّهُم ، وَيَبذُلُونَ مِن أَنفُسِهِم وَأَموَالِهِم ، وَيَصدَعُونَ بِالحَقِّ مُخلِصِينَ للهِ الحَقِّ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمكُثُ في الأَرضِ " وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " وَقُلْ جَاءَ الحَقُّ وَزَهَقَ البَاطِلُ إِنَّ البَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا " وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " بَلْ نَقذِفُ بِالحَقِّ عَلَى البَاطِلِ فَيَدمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ " وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ البَاطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ العَلِيُّ الكَبِيرُ " إِنَّ الدِّينَ نُورُ اللهِ ، وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلا بُدَّ ، وَمَهمَا حَاوَلَ الأَعدَاءُ في الخَارِجِ وَالمُدَاهِنِينَ لهم في الدَّاخِلِ أَن يَضَعُوا لِوَاءً رَفَعَهُ اللهُ ، أَو يُنَكِّسُوا عَلَمًا نَصَبَهُ اللهُ، أَو يَهدِمُوا بِنَاءً شَادَهُ أَو يَقتَلِعُوا جِبَالاً أَرسَاهَا ، أَو يَطمِسُوا شموسًا أَنَارَهَا أو يُهبِطُوا كَوَاكِبَ أَعلاهَا ، فَلَن يَصِلُوا إِلى مَا أَرَادُوا ، وَمَا مُحَاوَلاتُهُم اليَائِسَةُ البَائِسَةُ لِلقَضَاءِ عَلَى الإِسلامِ إِلاَّ نَفخٌ مِن أَفوَاهٍ ضَعِيفَةٍ لا تَعدُو أَن تَكُونَ أَذًى لأَهلِهِ " يُرِيدُونَ لِيُطفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفوَاهِهِم وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَو كَرِهَ الكَافِرُونَ . هُوَ الَّذِي أَرسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَو كَرِهَ المُشرِكُونَ " وَلَكِنْ ، وَلأَنَّ اللهَ قَد رَبَطَ المُسَبَّبَاتِ بِأَسبَابِهَا وَدَلَّ عَلَى النَّتَائِجِ بِمُقَدِّمَاتِهَا ، فَإِنَّهُ لا صَلاحَ بِغَيرِ إِصلاحٍ ، وَلا هِدَايَةَ دُونَ دَعوَةٍ ، وَلا استِقَامَةَ دُونَ أَمرٍ وَنَهيٍ ، وَلا غَلَبَةَ إِلاَّ بِبَذلٍ وَتَضحِيَةٍ ، وَمِن ثَمَّ فَلا بُدَّ مِنَ التَّحَرُّكِ العَمَلِيِّ لإِنقَاذِ المُجتَمَعِ ممَّا يُرَادُ بِهِ ، وَالسَّيرِ الجَادِّ في صَفٍّ وَاحِدٍ لِوَقفِ هَذَا الزَّحفِ المَاكِرِ وَإِبطَالِ ذَلِكَ الكَيدِ الفَاجِرِ ، الَّذِي يَجرِي لِلإِفسَادِ بِوَتِيرَةٍ مُتَسَارِعَةٍ يَومًا بَعدَ يَومٍ . وَإِنَّ ممَّا ظَهَرَ وَانجَلَى وَلم يَعُدْ خَافِيًا عَلَى أَهلِ البَصِيرَةِ ، ذَلِكُمُ التَّزامُنُ المَقصُودُ لِهَذِهِ الهَجَمَاتِ التَّغرِيبِيَّةِ الشَّيطَانِيَّةِ ، مَعَ المُحَاوَلاتِ المُستَمِيتَةِ لإِضعَافِ الأَعمَالِ الخَيرِيَّةِ ، وَتَحجِيمِ جُهُودِ المُؤَسَّسَاتِ الإِصلاحِيَّةِ ، وَالوُقُوفِ في وُجُوهِ أَهلِ الخَيرِ وَمُحَارَبَتِهِم ، وَوَصمِهِم مِن قِبَلِ أَعدَائِهِم بما هُم مِنهُ أَبرِيَاءُ ، وَإِلصَاقِ التُّهَمِ بهم دُونَ دَلِيلٍ أَو بَيِّنَةٍ ، كُلَّ ذَلِكَ قَصدًا لِتَفرِيقِ الكَلِمَةِ وَخَلخَلَةِ الصَّفِّ ، وَبَذرًا لِلتَّنَازُعِ وَالتَّضَادِّ وَاختِلافِ الكَلِمَةِ ، وَمِن ثَمَّ يَكُونُ الإِخفَاقُ وَالفَشلُ وَالسُّقُوطُ ، ممَّا يَستَدعِي عَودَةَ المُسلِمِينَ إِلى مُؤَسَّسَاتِهِمُ الخَيرِيَّةِ لإِنهَاضِهَا مِن كَبَوَاتِهَا ، وَالمُنَادَاةَ بِصَوتٍ عَالٍ لإِيقَاظِهَا مِن غَفَلاتِهَا ، إِنَّهُ لا بُدَّ مِن إِعلانِهَا صَرِيحَةً وَمِن بَابِ النَّصِيحَةِ ، لا بُدَّ مِن رَفعِ الصَّوتِ وَالمُنَادَاةِ بِوُضُوحٍ :
يَا أُمَّتَنَا وَيَا مُجتَمَعَنَا ، يَا آبَاءَنَا وَيَا إِخوَانَنَا ، يَا كُلَّ مَن تَجرِي دِمَاءُ الغَيرَةِ عَلَى دِينِهِ في عُرُوقِهِ ، يَا كُلَّ مَن لَهُ حِسٌّ وَفِيهِ بَقِيَّةٌ مِن حَيَاةٍ ، إِنَّ أَبنَاءَكُم وَبَنَاتِكُم مَعَ مَن عَزَّ وَغَلَبَ ، فَإِمَّا أَن يَنجَحَ أَهلُ الخَيرِ في اجتِذَابِهِم وَالتَّأثِيرِ فِيهِم بما يُقَدِّمُونَهُ مِن بَرَامِجَ تُوَاكِبُ مُتَغَيِّرَاتِ الحَيَاةِ وَيَشعُرُونَ بِنَفعِهَا وَفَائِدَتَهَا ، وَإِمَّا أَن يُسلَمُوا لأَهلِ الشَّرِّ فَيَقُودُوهُم لما لا يُرضِي اللهَ ، وَيوقِعُوهُم فِيمَا لا تُحمَدُ عُقبَاهُ ، فَمَاذَا أَنتُمُ فَاعِلُونَ لإِنقَاذِ أَبنَائِكُم وَبَنَاتِكُم مِن بَرَاثِنِ أَهلِ الشَّرِّ وَالفَسَادِ ؟!
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ مُؤَسَّسَاتِ الخَيرِ تَشكُو إِلى اللهِ عَجزَ العَامِلِينَ وَقِلَّةَ الدَّاعِمِينَ ، فَأَينَ مَن يَرفَعُ لِوَاءَ الإِصلاحِ ؟ أَينَ مَن يَحمِلُ الهَمَّ وَيَنهَضُّ بِالهِمَمِ ؟ إِنَّهُم لم يَزَالُوا ـ بِحَمدِ اللهِ ـ مَوجُودِينَ ، يَعمَلُونَ لَيلاً وَنَهَارًا وَلا يَكِلُّونَ ، وَقَد أَخَذُوا عَلَى عَوَاتِقِهِم تَحوِيلَ الإِصلاحِ مِن عَمَلٍ فَردِيٍّ ضَعِيفٍ مُتَقَطِّعٍ ، إِلى عَمَلٍ جَمَاعِيٍّ مُؤَسَّسِيٍّ قَوِيٍّ ، يَقُومُ بِنَفسِهِ مُستَقِلاًّ عَن غَيرِهِ ، وَيَرتَفِعُ عَن ذُلِّ السُّؤَالِ وَمَعَرَّةِ الاستِجدَاءِ في كُلِّ يَومٍ ، وَإِنَّ المُؤَسَّسَاتِ الخَيرِيَّةَ اليَومَ تَتَّجِهُ لِبِنَاءِ الأَوقَافِ وَزِيَادَةِ سُبُلِ الاستِثمَارِ ، وَتَعمَلُ عَلَى إِيجَادِ المَصَادِرِ الثَّابِتَةِ لِلدَّعمِ ، فَقَد ذَهَبَ وَقتُ الدَّعمِ المُتَقَطَّعِ وَوَلىَّ زَمَنُ الدَّفَقَاتِ الضَّعِيفَةِ ، وَجَاءَ الزَّمَنُ الَّذِي يَجِبُ أَن يَكُونَ عَطَاءُ المُسلِمِينَ فِيهِ لِدِينِهِم وَدَعمُهُم لِدَعوَةِ الحَقِّ غَيثًا مُتَرَادِفًا وَهَتَّانًا مُتَوَالِيًا ، جَاءَ زَمَنُ الصَّدَقَةِ الجَارِيَةِ ، الَّتي قَالَ فِيهَا النَّبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " إِذَا مَاتَ الإِنسَانُ انقَطَعَ عَمَلُهُ إِلاَّ مِن ثَلاثٍ : صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ ، أَو عِلمٌ يُنتَفَعُ بِهِ ، أَو وَلَدٌ صَالحٌ يَدعُو لَهُ " وَإِنَّ الحَاجَةَ إِلى تَكثِيفِ هَذِهِ الأَوقَافِ لِدَعمِ مَشرُوعَاتِ الإِصلاحِ وَتَقوِيَةِ بَرَامِجِهِ ، لَتَزدَادُ بِازدِيَادِ طُرُقِ الإِفسَادِ وَتَنَوُّعِ سُبُلِهِ وَإِصرَارِ أَهلِهِ عَلَى المُضِيِّ فِيهِ كَمَا هُوَ الحَاصِلُ في العَالَمِ اليَومَ ، وَقَد قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " لَقَد رَأَيتُ رَجُلاً يَتَقَلَّبُ في الجَنَّةِ في شَجَرَةٍ قَطَعَهَا مِن ظَهرِ الطَّرِيقِ كَانَت تُؤذِي النَّاسَ "
فَانظُرُوا ـ يَا رَعَاكُمُ اللهُ ـ كَيفَ دَخَلَ هَذَا الرَّجُلُ الجَنَّةَ لِمُجَرَّدِ قَطعِهِ شَجَرَةً وَإِزَالَتِهَا عَنِ الطَّرِيقِ وَقَد كَانَت تُؤذِي النَّاسَ ، فَمَا بَالُكُم بِمَن يُسَاهِمُ في إِزَالَةِ الأَذَى الدَّائِمِ عَن إِخوَانِهِ بَل عَنِ النَّاسِ جميعًا ، بِدَفعِ أَذَى الكَفَرَةِ وَمَن لَفَّ لَفَّهُم مِنَ العِلمَانِيِّينَ وَالمُنَافِقِينَ وَمُرَوِّجِي الشَّرِّ وَمُبتَغِي الفَسَادِ ، وَهُوَ الأَذَى الَّذِي إِنْ تُرِكَ لَهُ المَجَالُ وَغُفِلَ عَنهُ ، فَسَيَعُمُّ ضَرَرُهُ في الدَّارَينِ ، إِفسَادًا لِلدِّينِ وَهَتكًا لِلأَعرَاضِ ، وَنَشرًا لِلآفَاتِ وَنَقلاً لِلأَمرَاضِ ، وَتَعرِيضًا لِلنَّاسِ لِعَذَابِ اللهِ وَمَقتِهِ ، وَهُوَ مَا لا تَتَحَمَّلُهُ نَفسُ بَشَرٍ وَلا تُطِيقُهُ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ المَرحَلَةَ الَّتي تَمُرُّ بها الأُمَّةُ عَامَّةً وَهَذِهِ البِلادُ خَاصَّةً تَتَطَلَّبُ مُضَاعَفَةَ الجُهُودِ مِن قِبَلِ الدُّعَاةِ وَالمُصلِحِينَ بِالتَّخطِيطِ وَالعَمَلِ ، وَمِن قِبَلِ إِخوَانِهِم بِالمَالِ وَالإِنفَاقِ وَالعَطَاءِ ، وَإِنَّهُ لا أَحسَنَ قَولاً وَلا أَفضَلَ فِعلاً وَلا أَبرَكَ حَالاً وَمَالاً وَمَآلاً ، ممَّن يَدعُو إِلى اللهِ أَو يُعَلِّمُ كِتَابَهُ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَمَن أَحسَنُ قَولاً مِمَّن دَعَا إِلى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ المُسلِمِينَ " وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " خَيرُكُم مَن تَعَلَّمَ القُرآنَ وَعَلَّمَهُ " وَإِذَا كَانَ كَثِيرٌ مِنَّا لا يَستَطِيعُ أَن يَبذُلَ وَقتَهُ في دَعوَةٍ ، وَلَيسَ عِندَهُ مِنَ العِلمِ مَا يُسَاهِمُ بِهِ في إِصلاحٍ أَو هِدَايَةٍ ، وَلا يَتَمَكَّنُ مِن ثَنيِ رُكبَتِهِ في حَلَقَةِ قُرآنٍ لِتَعلِيمِ كِتَابِ اللهِ ، فَإِنَّ مَكَاتِبَ الدَّعوَةِ وَجَمعِيَّاتِ التَّحفِيظِ تُوَفِّرُ لَهُ الأَرضَ الخِصبَةَ وَالبِيئَةَ المُنَاسِبَةَ ؛ لِيَبذُرَ بِمَالِهِ مَا يَجِدُ أَثَرَهُ في الدُّنيَا صَلاحًا لأُمَّتِهِ ، وَيَجني ثِمَارَهُ في الآخِرَةِ أُجُورًا مُضَاعَفَةً ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ " مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَموَالَهُم في سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَت سَبعَ سَنَابِلَ في كُلِّ سُنبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ " وَلَقَد آتَانَا اللهُ المَالَ وَأَغدَقَ عَلَينَا مِنهُ وَابتَلانَا بِهِ ، وَ" مَا كَانَ اللهُ لِيَذَرَ المُؤمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُم عَلَيهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ "
نَعَم ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ مَا كَانَ اللهُ لَيَترُكَ النَّاسَ هَكَذَا مُختَلِطِينَ ، لا يُعرَفُ مُؤمِنُهُم مِن فَاسِقِهِم ، وَلا يَظهَرُ بَرُّهُم مِن فَاجِرِهِم ، بَلْ لا بُدَّ مِنَ الابتِلاءِ وَالامتِحَانِ ، لِيَظهَرَ مَن يُعِينُ أَهلَ الخَيرِ وَيَدعَمُ إِخوَانَهُ المُصلِحِينَ ، وَمَن هُوَ الآخَرُ الَّذِي سَيُعِينُ الضُّلاَّلَ المُضِلِّينَ وَيَلتَحِقُ بِرَكبِهِم ، فَيَفُتُّ بِذَلِكَ في عَضُدِ دَعوَةِ الحَقِّ وَيَمنَعُ مَسَاجِدَ اللهِ أن يُذكَرَ فِيهَا اسمُهُ وَيَسعَى في خَرَابِهَا ، فَكُلٌّ سَيُنفِقُ مَالَهُ وَيَقضِي بِهِ حَاجَةً في نَفسِهِ ، وَلَكِنْ شَتَّانَ بَينَ مَن يُنفِقُهُ في نُصرَةِ الحَقِّ لَيَرقَى ، وَبَينَ مَن يُهلِكُهُ في البَاطِلِ لِيَشقَى ، وَالقَضِيَّةُ تَوفِيقٌ مِنَ اللهِ لِمَن أَحَبَّ ، أَو خُذلانٌ مِنهُ لِمَن كَرِهَ انبِعَاثَهُ " إِنَّ سَعيَكُم لَشَتَّى . فَأَمَّا مَن أَعطَى وَاتَّقَى . وَصَدَّقَ بِالحُسنَى . فَسَنُيَسِّرُهُ لِليُسرَى . وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاستَغنَى . وَكَذَّبَ بِالحُسنَى . فَسَنُيَسِّرُهُ لِلعُسرَى . وَمَا يُغنِي عَنهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى " " مَن عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفسِهِ وَمَن أَسَاءَ فَعَلَيهَا ثُمَّ إِلى رَبِّكُم تُرجَعُونَ " .
أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَالتَحِقُوا بِرَكبِ الصَّالِحِينَ المُصلِحِينَ ، فَإِنَّهُ لا يُعقَلُ أَن يَخِفَّ أَهلُ البَاطِلِ لِدَفعِ بَاطِلِهِم وَرَفعِهِ وَهُم لا يَرجُونَ أَجرًا وَلا يَطلُبُونَ ثَوَابًا ، ثم يَتَثَاقَلَ أَهلُ الحَقِّ عَن إِظهَارِهِ وَنَصرِهِ وَهُم يَرجُونَ الفَوزَ بِالجَنَّةِ وَالنَّجَاةَ مِنَ النَّارِ ، فَاحذَرُوا مِن خُذلانِ أَهلِ الحَقِّ أَوِ التَّخَلِّي عَن نَصرِهِم وَدَعمِهِم ، وَلا يَغُرَّنَّكُمُ البَاطِلُ مَهمَا عَلا زَبَدُهُ أَوِ ارتَفَعَ دُخَانُهُ ، فَإِنَّمَا هِيَ دَنُيَا الغُرُورِ وَبُرُوقُ الأَمَانِيِّ ، وَالنَّاسُ عِندَ اللهِ لا يَستَوُونَ " لا يَستَوِي أَصحَابُ النَّارِ وَأَصحَابُ الجَنَّةِ ، أَصحَابُ الجَنَّةِ هُمُ الفَائِزُونَ " " أَمْ نَجعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالمُفسِدِينَ في الأَرضِ أَمْ نَجعَلُ المُتَّقِينَ كَالفُجَّارِ " " أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَن نَجعَلَهُم كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحيَاهُم وَمَمَاتُهُم سَاءَ مَا يَحكُمُونَ " " أَفَمَن كَانَ مُؤمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لا يَستَوُونَ . أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُم جَنَّاتُ المَأوَى نُزُلاً بِمَا كَانُوا يَعمَلُونَ . وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخرُجُوا مِنهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُم ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ " " قُل لاَّ يَستَوِي الخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَو أَعجَبَكَ كَثرَةُ الخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللهَ يَا أُولي الأَلبَابِ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ "
الخطبة الثانية:
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لا يَخفَى أَنَّ القُرآنَ هُوَ سَبِيلُ الإِصلاحِ وَطَرِيقُ الهِدَايَةِ وَالفَلاحِ ، وَأَنَّهُ الرُّوحُ الَّذِي تَحيَا بِهِ القُلُوبُ وَالعِلاجُ الَّذِي تُشفَى بِهِ الصُّدُورُ ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : " هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوعِظَةٌ لِلمُتَّقِينَ " وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَد جَاءَتكُم مَوعِظَةٌ مِن رَبِّكُم وَشِفَاءٌ لما في الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحمَةٌ لِلمُؤمِنِينَ . قُلْ بِفَضلِ اللهِ وَبِرَحمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفرَحُوا هُوَ خَيرٌ مِمَّا يَجمَعُونَ " وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " إِنَّ هَذَا القُرآنَ يِهدِي لِلَّتي هِيَ أَقوَمُ " وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَنُنَزِّلُ مِنَ القُرآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحمَةٌ لِلمُؤمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالمِينَ إَلاَّ خَسَارًا " وَقَالَ ـ عَزَّ شَأنُهُ ـ : " وَكَذَلِكَ أَوحَينَا إِلَيكَ رُوحًا مِن أَمرِنَا مَا كُنتَ تَدرِي مَا الكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلنَاهُ نُورًا نَهدِي بِهِ مَن نَشَاءُ مِن عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهدِي إِلى صِرَاطٍ مُستَقِيمٍ " وَإِذَا كَانَ هَذَا هُوَ شَأنَ القُرآنِ ، فَإِنَّ عَلَينَا أَن نَجعَلَهُ منطَلَقَنَا لِصَلاحِ أَنفُسِنَا وَإِصلاحِ غَيرِنَا ، وَأَن نَبدَأَ بِهِ مَنهَجَ التَّقوِيمِ وَالتَّغيِيرِ . وَإِنَّ ذَلِكَ لَمُوجُودٌ بَينَ أَيدِينَا في حَلَقَاتِ التَّحفِيظِ المُنتَشِرَةِ في كَثِيرٍ مِنَ الجَوَامِعِ وَالمَسَاجِدِ ، فَلْنُبَادِرْ إِلى دَعمِهَا ، وَلْنُسَارِعْ في دَفعِ مَسِيرَتِهَا ، وَلْنَحرِصْ عَلَى تَطوِيرِهَا وَرِعَايَتِهَا ، وَلا يَقُولَنَّ قَائِلٌ : وَمَا شَأنُنَا بِتِلكَ الحَلَقَاتِ ؟ فَجَمعِيَّاتُ التَّحفِيظِ مَوجُودَةٌ وَالتُّجَّارُ مُتَوَافِرُونَ ؟ فَيُقَالَ : بَل وَمَا الَّذِي يُخرِجُكَ مِن دَائِرَةِ المَسؤُولِيَّةِ عنها ؟ وَمَا الَّذِي يَمنَعُكَ أَن تَكُونَ مِن دَاعِمِيهَا وَالمُحَافِظِينَ عَلَى بَقَائِهَا ؟
أَو يَحُولُ بَينَكَ وَبَينَ أَن تَضرِبَ فِيهَا بِسَهمٍ وَتَكُونَ لَكَ فِيهَا مُشَارَكَةٌ ، وَإِنَّهَا لَفُرصَةٌ عَظِيمَةٌ طُوبى لِمَنِ اهتَبَلَهَا ، وَغَنِيمَةٌ سَعِدَ مَن حَرِصَ عَلَيهَا وَاغتَنَمَهَا ، إِنَّهُ لَمَيدَانٌ يَتَسَابَقُ فِيهِ المُتَسَابِقُونَ وَشَرَفٌ يَتَنَافَسُ عَلَيهِ المُتَنَافِسُونَ ، إِنَّهُ لَفَخرٌ لَكَ وَعِزٌّ أَن تَكُونَ مُنتَظِمًا في سِلكِ الخَيرِيَّةِ وَبِشَهَادَةِ خَيرِ البَرِيَّةِ ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " خَيرُكُم مَن تَعَلَّمَ القُرآنَ وَعَلَّمَهُ " نَعَم " خَيرُكُم مَن تَعَلَّمَ القُرآنَ وَعَلَّمَهُ "
أَوَتَظُنُّ ـ أَيُّهَا المُسلِمُ ـ أَنَّ الخَيرِيَّةَ قَاصِرَةٌ عَلَى مُعَلِّمِ الحَلَقَةِ وَطُلابِهَا ؟
لا ـ وَاللهِ ـ وَمَن ظَنَّ ذَلِكَ فَقَد حَجَّرَ وَاسِعًا مِن فَضلِ اللهِ ، لَقَد قَالَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ : " وَتَعَاوَنُوا عَلَى البرِّ وَالتَّقوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثمِ وَالعُدوَانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ " وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَالمُؤمِنُونَ وَالمُؤمِنَاتُ بَعضُهُم أَولِيَاءُ بَعضٍ ، يَأمُرُونَ بِالمَعرُوفِ وَيَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ ، أُولَئِكَ سَيرحَمُهُمُ اللهُ ، إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ "
فَيَا أُمَّةَ الإِسلامِ وَالقُرآنِ ، أَرغِمُوا الشَّيطَانَ وَأَعوَانَهُ ، أَغِيظُوا أَعدَاءَ الدِّينِ مِن مُرِيدِي الإِفسَادِ ، شَارِكُوا في أَعظَمِ المَشرُوعَاتِ وَأَكسَبِ التِّجَارَاتِ ، سَاهِمُوا في أَربَحِ البُيُوعِ وَأَقوَى المُسَاهَمَاتِ ، مَن لِكِتَابِ اللهِ إِن تَرَكنَاهُ ؟
مَن لِلقُرآنِ إِن تَجَاهَلْنَاهُ ؟ أَيَدفَعُ أَصحَابُ القَنَوَاتِ المَلايِينَ في عَرضِ المُسَلسَلاتِ وَالمَسرَحِيَّاتِ ، وَيُغدِقُونَ المَالَ لِبَثِّ الفَسَادِ وَنَشرِ الكُفرِ وَالإِلحَادِ ، ثم نَبخَلَ بِرِيَالاتٍ نَدفَعُهَا لِدَعمِ حِفظِ كِتَابِ اللهِ وَإِتقَانِ تِلاوَتِهِ وَإِصلاحِ القُلُوبِ بِهِ ؟
إِنَّ المَالَ مَالُ اللهِ ، نَعَمْ ، إِنَّ المَالَ مَالُ اللهِ ، أَنعَمَ بِهِ عَلَينا وَأَعطَانَا ، وَمِن كُلِّ مَا سَأَلنَاهُ آتَانَا ، ثم هُوَ بَعدَ ذَلِكَ يَستَقرِضُنَا لِيَجزِيَنَا " مَن ذَا الَّذِي يُقرِضُ اللهَ قَرضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضعَافًا كَثِيرَةً وَاللهُ يَقبِضُ وَيَبسُطُ وَإِلَيهِ تُرجَعُونَ "
وَاللهِ لَو تَحَرَّكَ في أَحَدِنَا عِرقٌ سَاكِنٌ أَو سَكَنَ فِيهِ مُتَحَرِّكُ ، أَو سُدَّ شِريَانٌ أَوِ انفَجَرَ آخَرُ ، أَو شُدَّت عَضَلَةٌ مُرتَخِيَّةٌ أَوِ ارتَخَى عَصَبٌ مَشدُودٌ ، أَو فَقَدَ سمعًا أَو بَصَرًا ، أَو مُنِعَ مِن شَرَابٍ أَو طَعَامٍ ، أَو تَعَسَّرَ عَلَيهِ إِخرَاجُ فَضَلاتٍ ، لَعَرَفَ قَدرَ نِعمَةِ اللهِ عَلَيهِ ، زُورُوا المُستَشفَيَاتِ لِتَتَّعِظُوا ، وَمُرُّوا بِأَقسَامِ الحَوَادِثِ لِتَعتَبِرُوا ، وَمَن دَاخَلَهُ في نَفسِهِ شَكٌّ أَو غُرُورٌ ، أَو أُصِيبَ بِنِسيَانٍ أَو أَخَذَتهُ غَفلَةُ ، فَلْيَمُرَّ بِتِلكَ المَقَابِرِ الصَّامِتَةِ السَّاكِنَةِ ، وَلْيَسأَلْ : أَينَ أَبُوهُ وَأَينَ جُدُّهُ ؟ وَأَينَ مَن كَانَ يَملِكُ المَالَ وَيَعتَمِدُ عَلَى الجَاهِ ؟ هَل نَفَعَهُم جَاهُهُم أَو أَغنَت عنهم مَكَانَتُهُم ؟ هَل رَدَّ عَنهُم مَالُهُم أَو ذَبَّت عَنهُم خَزَائِنُهُم ؟
أَتَى عَلَى الكُلِّ أَمرٌ لا عَزَاءَ لَهُ حَتى قَضَوا فَكَأَنَّ القَومَ مَا كَانُوا
أَيُّهَا الإِخوَةُ ، كِتَابُ اللهِ يُنَادِيكُم فَاسمَعُوهُ ، وَاللهُ يَدعُو إِلى دَارِ السَّلامِ فَأَجِيبُوهُ
" إِنَّ الَّذِينَ يَتلُونَ كِتَابَ اللهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقنَاهُم سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرجُونَ تِجَارَةً لَن تَبُورَ . لِيُوَفِّيَهُم أُجُورَهُم وَيَزِيدَهُم مِن فَضلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ " " وَاللهُ يَدعُو إِلى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهدِي مَن يَشَاءُ إِلى صِرَاطٍ مُستَقِيمٍ "
أَلا فَأَنفِقُوا ممَّا في الجُيُوبِ ، وَأَخلِصُوا لِعَلاَّمِ الغُيُوبِ ، وَلا تَحتَقِرُوا شَيئًا وَلَو قَلَّ ، فَرُبَّمَا سَبَقَ دِرهَمٌ مِئةَ أَلفِ دِرهَمٍ ، وَالمَقبُولُ مَن قَبِلَهُ اللهُ ، وَالمُوَفَّقُ مَن وَفَّقَهُ اللهُ .
وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض
الخطبة الأولى:
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَّا جُزءٌ مِن هَذَا المُجتَمَعِ لا يَنفَكُّ عَنهُ ، وَلَبِنَةٌ مِن لَبِنَاتِ بُنيَانِهِ الَّتي لا يَقُومُ إِلاَّ عَلَيهَا ، وَهُوَ عُضوٌ مِن أَعضَاءِ هَذَا الجَسَدِ الوَاحِدِ ، يَرتَاحُ لِرَاحَتِهِ وَتُؤنِسُهُ قُوَّتُهُ ، وَيَألَمُ لأَلَمِهِ وَتُوجِعُهُ نَكبَتُهُ . وَالمُؤمِنُ يَهتَمُّ لأَمرِ إِخوَانِهِ وَيَعنِيهِ شَأنُهُم ، يَفرَحُ لما يُفرِحُهُم وَيُبهِجُهُ ما يَسُرُّهُم ، وَيَحزَنُ لِحُزنِهِم ويَعُزُّ عَلَيهِ مَا يُعنِتُهُم ، وَهُوَ يَعُدُّ كُلَّ صَلاحٍ لهم صَلاحًا لأَمرِهِ ، وَيَرَى كُلَّ فَسَادٍ فِيهِم فَسَادًا لِشَأنِهِ ، وَمِن ثَمَّ فَإِنَّهُ لا يُمكِنُ أَن يَعِيشَ في حِيَاتِهِ بَارِدَ القَلبِ مُغمِضَ العَينَينِ مَكتُوفَ اليَدَينِ ، لا يَأمُرُ بِمَعرُوفٍ وَلا يَنهَى عَن مُنكَرٍ ، وَلا يَدعُو لِخَيرٍ وَلا يَمنَعُ مِن شَرٍّ، وَلا يَدعَمُ إِصلاحًا وَلا يُحَارِبُ إِفسَادًا ، بَلْ لا تَرَاهُ إِلاَّ آمِرًا بِالمَعرُوفِ نَاهِيًا عَنِ المُنكَرِ ، دَاعِيًا إِلى اللهِ مُصلِحًا ، مُتَعَاوِنًا مَعَ إِخوَانِهِ عَلَى البِرِّ وَالتَّقوَى ، مُحِبًّا لهم مِنَ الخَيرِ مَا يُحِبُّهُ لِنَفسِهِ ، قَائِمًا فِيهِم بِأَمرِ اللهِ وَشَرعِهِ ، مُبتَغِيًا مَا عِندَهُ مِن أَجرٍ وَثَوَابٍ . أَلا وَإِنَّ ممَّا يَبعَثُ الخَوفَ في نَفسِ الغَيُورِ وَيُقلِقُ رَاحَتَهُ ، وَيُكَدِّرُ عَيشَهُ وَيَذهَبُ بِلَذَّةِ حَيَاتِهِ ، وَيَزِيدُ مِن مَسؤُولِيَّتِهِ تِجَاهَ أُمَّتِهِ وَمُجتَمَعِهِ ، مَا يَرَاهُ مِن تِلكَ الأَموَاجِ المُتَلاطِمَةِ وَذَلِكَ الزَّبَدِ المُتَطَايِرِ هُنَا وَهُنَاكَ ، ممَّا تَقذِفُهُ بِحَارُ التَّغرِيبِ القَذِرَةِ النَّتِنَةُ ، الَّتي فُتِحَت عَلَى بِلادِنَا بِقُوَّةٍ ؛ لِتَلتَهِمَ بِشَرَاهَةٍ عَجِيبَةٍ كَثِيرًا مِنَ المَبَادِئِ وَالقِيَمِ الإِسلامِيَّةِ الشَّرعِيَّةِ ، إِلاَّ أَنَّ المُؤمِنَ وَثِقَةً بِوَعدِ رَبِّهِ وَيَقِينًا بِنَصرِهِ لِمَن نَصَرَهُ ، يَرَى أَنَّ هَذَا الجُهدَ التَّغرِيبِيَّ الشَّيطَانيَّ لَن يَعدُوَ قَدرَهُ ، خَاصَّةً إِذَا قَابَلَهُ جُهدٌ إِصلاحِيٌّ رَبَّانيٌّ ، يَتَّقِي المُؤمِنُونَ فِيهِ رَبَّهُم ، وَيَبذُلُونَ مِن أَنفُسِهِم وَأَموَالِهِم ، وَيَصدَعُونَ بِالحَقِّ مُخلِصِينَ للهِ الحَقِّ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمكُثُ في الأَرضِ " وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " وَقُلْ جَاءَ الحَقُّ وَزَهَقَ البَاطِلُ إِنَّ البَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا " وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " بَلْ نَقذِفُ بِالحَقِّ عَلَى البَاطِلِ فَيَدمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ " وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ البَاطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ العَلِيُّ الكَبِيرُ " إِنَّ الدِّينَ نُورُ اللهِ ، وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلا بُدَّ ، وَمَهمَا حَاوَلَ الأَعدَاءُ في الخَارِجِ وَالمُدَاهِنِينَ لهم في الدَّاخِلِ أَن يَضَعُوا لِوَاءً رَفَعَهُ اللهُ ، أَو يُنَكِّسُوا عَلَمًا نَصَبَهُ اللهُ، أَو يَهدِمُوا بِنَاءً شَادَهُ أَو يَقتَلِعُوا جِبَالاً أَرسَاهَا ، أَو يَطمِسُوا شموسًا أَنَارَهَا أو يُهبِطُوا كَوَاكِبَ أَعلاهَا ، فَلَن يَصِلُوا إِلى مَا أَرَادُوا ، وَمَا مُحَاوَلاتُهُم اليَائِسَةُ البَائِسَةُ لِلقَضَاءِ عَلَى الإِسلامِ إِلاَّ نَفخٌ مِن أَفوَاهٍ ضَعِيفَةٍ لا تَعدُو أَن تَكُونَ أَذًى لأَهلِهِ " يُرِيدُونَ لِيُطفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفوَاهِهِم وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَو كَرِهَ الكَافِرُونَ . هُوَ الَّذِي أَرسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَو كَرِهَ المُشرِكُونَ " وَلَكِنْ ، وَلأَنَّ اللهَ قَد رَبَطَ المُسَبَّبَاتِ بِأَسبَابِهَا وَدَلَّ عَلَى النَّتَائِجِ بِمُقَدِّمَاتِهَا ، فَإِنَّهُ لا صَلاحَ بِغَيرِ إِصلاحٍ ، وَلا هِدَايَةَ دُونَ دَعوَةٍ ، وَلا استِقَامَةَ دُونَ أَمرٍ وَنَهيٍ ، وَلا غَلَبَةَ إِلاَّ بِبَذلٍ وَتَضحِيَةٍ ، وَمِن ثَمَّ فَلا بُدَّ مِنَ التَّحَرُّكِ العَمَلِيِّ لإِنقَاذِ المُجتَمَعِ ممَّا يُرَادُ بِهِ ، وَالسَّيرِ الجَادِّ في صَفٍّ وَاحِدٍ لِوَقفِ هَذَا الزَّحفِ المَاكِرِ وَإِبطَالِ ذَلِكَ الكَيدِ الفَاجِرِ ، الَّذِي يَجرِي لِلإِفسَادِ بِوَتِيرَةٍ مُتَسَارِعَةٍ يَومًا بَعدَ يَومٍ . وَإِنَّ ممَّا ظَهَرَ وَانجَلَى وَلم يَعُدْ خَافِيًا عَلَى أَهلِ البَصِيرَةِ ، ذَلِكُمُ التَّزامُنُ المَقصُودُ لِهَذِهِ الهَجَمَاتِ التَّغرِيبِيَّةِ الشَّيطَانِيَّةِ ، مَعَ المُحَاوَلاتِ المُستَمِيتَةِ لإِضعَافِ الأَعمَالِ الخَيرِيَّةِ ، وَتَحجِيمِ جُهُودِ المُؤَسَّسَاتِ الإِصلاحِيَّةِ ، وَالوُقُوفِ في وُجُوهِ أَهلِ الخَيرِ وَمُحَارَبَتِهِم ، وَوَصمِهِم مِن قِبَلِ أَعدَائِهِم بما هُم مِنهُ أَبرِيَاءُ ، وَإِلصَاقِ التُّهَمِ بهم دُونَ دَلِيلٍ أَو بَيِّنَةٍ ، كُلَّ ذَلِكَ قَصدًا لِتَفرِيقِ الكَلِمَةِ وَخَلخَلَةِ الصَّفِّ ، وَبَذرًا لِلتَّنَازُعِ وَالتَّضَادِّ وَاختِلافِ الكَلِمَةِ ، وَمِن ثَمَّ يَكُونُ الإِخفَاقُ وَالفَشلُ وَالسُّقُوطُ ، ممَّا يَستَدعِي عَودَةَ المُسلِمِينَ إِلى مُؤَسَّسَاتِهِمُ الخَيرِيَّةِ لإِنهَاضِهَا مِن كَبَوَاتِهَا ، وَالمُنَادَاةَ بِصَوتٍ عَالٍ لإِيقَاظِهَا مِن غَفَلاتِهَا ، إِنَّهُ لا بُدَّ مِن إِعلانِهَا صَرِيحَةً وَمِن بَابِ النَّصِيحَةِ ، لا بُدَّ مِن رَفعِ الصَّوتِ وَالمُنَادَاةِ بِوُضُوحٍ :
يَا أُمَّتَنَا وَيَا مُجتَمَعَنَا ، يَا آبَاءَنَا وَيَا إِخوَانَنَا ، يَا كُلَّ مَن تَجرِي دِمَاءُ الغَيرَةِ عَلَى دِينِهِ في عُرُوقِهِ ، يَا كُلَّ مَن لَهُ حِسٌّ وَفِيهِ بَقِيَّةٌ مِن حَيَاةٍ ، إِنَّ أَبنَاءَكُم وَبَنَاتِكُم مَعَ مَن عَزَّ وَغَلَبَ ، فَإِمَّا أَن يَنجَحَ أَهلُ الخَيرِ في اجتِذَابِهِم وَالتَّأثِيرِ فِيهِم بما يُقَدِّمُونَهُ مِن بَرَامِجَ تُوَاكِبُ مُتَغَيِّرَاتِ الحَيَاةِ وَيَشعُرُونَ بِنَفعِهَا وَفَائِدَتَهَا ، وَإِمَّا أَن يُسلَمُوا لأَهلِ الشَّرِّ فَيَقُودُوهُم لما لا يُرضِي اللهَ ، وَيوقِعُوهُم فِيمَا لا تُحمَدُ عُقبَاهُ ، فَمَاذَا أَنتُمُ فَاعِلُونَ لإِنقَاذِ أَبنَائِكُم وَبَنَاتِكُم مِن بَرَاثِنِ أَهلِ الشَّرِّ وَالفَسَادِ ؟!
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ مُؤَسَّسَاتِ الخَيرِ تَشكُو إِلى اللهِ عَجزَ العَامِلِينَ وَقِلَّةَ الدَّاعِمِينَ ، فَأَينَ مَن يَرفَعُ لِوَاءَ الإِصلاحِ ؟ أَينَ مَن يَحمِلُ الهَمَّ وَيَنهَضُّ بِالهِمَمِ ؟ إِنَّهُم لم يَزَالُوا ـ بِحَمدِ اللهِ ـ مَوجُودِينَ ، يَعمَلُونَ لَيلاً وَنَهَارًا وَلا يَكِلُّونَ ، وَقَد أَخَذُوا عَلَى عَوَاتِقِهِم تَحوِيلَ الإِصلاحِ مِن عَمَلٍ فَردِيٍّ ضَعِيفٍ مُتَقَطِّعٍ ، إِلى عَمَلٍ جَمَاعِيٍّ مُؤَسَّسِيٍّ قَوِيٍّ ، يَقُومُ بِنَفسِهِ مُستَقِلاًّ عَن غَيرِهِ ، وَيَرتَفِعُ عَن ذُلِّ السُّؤَالِ وَمَعَرَّةِ الاستِجدَاءِ في كُلِّ يَومٍ ، وَإِنَّ المُؤَسَّسَاتِ الخَيرِيَّةَ اليَومَ تَتَّجِهُ لِبِنَاءِ الأَوقَافِ وَزِيَادَةِ سُبُلِ الاستِثمَارِ ، وَتَعمَلُ عَلَى إِيجَادِ المَصَادِرِ الثَّابِتَةِ لِلدَّعمِ ، فَقَد ذَهَبَ وَقتُ الدَّعمِ المُتَقَطَّعِ وَوَلىَّ زَمَنُ الدَّفَقَاتِ الضَّعِيفَةِ ، وَجَاءَ الزَّمَنُ الَّذِي يَجِبُ أَن يَكُونَ عَطَاءُ المُسلِمِينَ فِيهِ لِدِينِهِم وَدَعمُهُم لِدَعوَةِ الحَقِّ غَيثًا مُتَرَادِفًا وَهَتَّانًا مُتَوَالِيًا ، جَاءَ زَمَنُ الصَّدَقَةِ الجَارِيَةِ ، الَّتي قَالَ فِيهَا النَّبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " إِذَا مَاتَ الإِنسَانُ انقَطَعَ عَمَلُهُ إِلاَّ مِن ثَلاثٍ : صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ ، أَو عِلمٌ يُنتَفَعُ بِهِ ، أَو وَلَدٌ صَالحٌ يَدعُو لَهُ " وَإِنَّ الحَاجَةَ إِلى تَكثِيفِ هَذِهِ الأَوقَافِ لِدَعمِ مَشرُوعَاتِ الإِصلاحِ وَتَقوِيَةِ بَرَامِجِهِ ، لَتَزدَادُ بِازدِيَادِ طُرُقِ الإِفسَادِ وَتَنَوُّعِ سُبُلِهِ وَإِصرَارِ أَهلِهِ عَلَى المُضِيِّ فِيهِ كَمَا هُوَ الحَاصِلُ في العَالَمِ اليَومَ ، وَقَد قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " لَقَد رَأَيتُ رَجُلاً يَتَقَلَّبُ في الجَنَّةِ في شَجَرَةٍ قَطَعَهَا مِن ظَهرِ الطَّرِيقِ كَانَت تُؤذِي النَّاسَ "
فَانظُرُوا ـ يَا رَعَاكُمُ اللهُ ـ كَيفَ دَخَلَ هَذَا الرَّجُلُ الجَنَّةَ لِمُجَرَّدِ قَطعِهِ شَجَرَةً وَإِزَالَتِهَا عَنِ الطَّرِيقِ وَقَد كَانَت تُؤذِي النَّاسَ ، فَمَا بَالُكُم بِمَن يُسَاهِمُ في إِزَالَةِ الأَذَى الدَّائِمِ عَن إِخوَانِهِ بَل عَنِ النَّاسِ جميعًا ، بِدَفعِ أَذَى الكَفَرَةِ وَمَن لَفَّ لَفَّهُم مِنَ العِلمَانِيِّينَ وَالمُنَافِقِينَ وَمُرَوِّجِي الشَّرِّ وَمُبتَغِي الفَسَادِ ، وَهُوَ الأَذَى الَّذِي إِنْ تُرِكَ لَهُ المَجَالُ وَغُفِلَ عَنهُ ، فَسَيَعُمُّ ضَرَرُهُ في الدَّارَينِ ، إِفسَادًا لِلدِّينِ وَهَتكًا لِلأَعرَاضِ ، وَنَشرًا لِلآفَاتِ وَنَقلاً لِلأَمرَاضِ ، وَتَعرِيضًا لِلنَّاسِ لِعَذَابِ اللهِ وَمَقتِهِ ، وَهُوَ مَا لا تَتَحَمَّلُهُ نَفسُ بَشَرٍ وَلا تُطِيقُهُ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ المَرحَلَةَ الَّتي تَمُرُّ بها الأُمَّةُ عَامَّةً وَهَذِهِ البِلادُ خَاصَّةً تَتَطَلَّبُ مُضَاعَفَةَ الجُهُودِ مِن قِبَلِ الدُّعَاةِ وَالمُصلِحِينَ بِالتَّخطِيطِ وَالعَمَلِ ، وَمِن قِبَلِ إِخوَانِهِم بِالمَالِ وَالإِنفَاقِ وَالعَطَاءِ ، وَإِنَّهُ لا أَحسَنَ قَولاً وَلا أَفضَلَ فِعلاً وَلا أَبرَكَ حَالاً وَمَالاً وَمَآلاً ، ممَّن يَدعُو إِلى اللهِ أَو يُعَلِّمُ كِتَابَهُ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَمَن أَحسَنُ قَولاً مِمَّن دَعَا إِلى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ المُسلِمِينَ " وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " خَيرُكُم مَن تَعَلَّمَ القُرآنَ وَعَلَّمَهُ " وَإِذَا كَانَ كَثِيرٌ مِنَّا لا يَستَطِيعُ أَن يَبذُلَ وَقتَهُ في دَعوَةٍ ، وَلَيسَ عِندَهُ مِنَ العِلمِ مَا يُسَاهِمُ بِهِ في إِصلاحٍ أَو هِدَايَةٍ ، وَلا يَتَمَكَّنُ مِن ثَنيِ رُكبَتِهِ في حَلَقَةِ قُرآنٍ لِتَعلِيمِ كِتَابِ اللهِ ، فَإِنَّ مَكَاتِبَ الدَّعوَةِ وَجَمعِيَّاتِ التَّحفِيظِ تُوَفِّرُ لَهُ الأَرضَ الخِصبَةَ وَالبِيئَةَ المُنَاسِبَةَ ؛ لِيَبذُرَ بِمَالِهِ مَا يَجِدُ أَثَرَهُ في الدُّنيَا صَلاحًا لأُمَّتِهِ ، وَيَجني ثِمَارَهُ في الآخِرَةِ أُجُورًا مُضَاعَفَةً ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ " مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَموَالَهُم في سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَت سَبعَ سَنَابِلَ في كُلِّ سُنبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ " وَلَقَد آتَانَا اللهُ المَالَ وَأَغدَقَ عَلَينَا مِنهُ وَابتَلانَا بِهِ ، وَ" مَا كَانَ اللهُ لِيَذَرَ المُؤمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُم عَلَيهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ "
نَعَم ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ مَا كَانَ اللهُ لَيَترُكَ النَّاسَ هَكَذَا مُختَلِطِينَ ، لا يُعرَفُ مُؤمِنُهُم مِن فَاسِقِهِم ، وَلا يَظهَرُ بَرُّهُم مِن فَاجِرِهِم ، بَلْ لا بُدَّ مِنَ الابتِلاءِ وَالامتِحَانِ ، لِيَظهَرَ مَن يُعِينُ أَهلَ الخَيرِ وَيَدعَمُ إِخوَانَهُ المُصلِحِينَ ، وَمَن هُوَ الآخَرُ الَّذِي سَيُعِينُ الضُّلاَّلَ المُضِلِّينَ وَيَلتَحِقُ بِرَكبِهِم ، فَيَفُتُّ بِذَلِكَ في عَضُدِ دَعوَةِ الحَقِّ وَيَمنَعُ مَسَاجِدَ اللهِ أن يُذكَرَ فِيهَا اسمُهُ وَيَسعَى في خَرَابِهَا ، فَكُلٌّ سَيُنفِقُ مَالَهُ وَيَقضِي بِهِ حَاجَةً في نَفسِهِ ، وَلَكِنْ شَتَّانَ بَينَ مَن يُنفِقُهُ في نُصرَةِ الحَقِّ لَيَرقَى ، وَبَينَ مَن يُهلِكُهُ في البَاطِلِ لِيَشقَى ، وَالقَضِيَّةُ تَوفِيقٌ مِنَ اللهِ لِمَن أَحَبَّ ، أَو خُذلانٌ مِنهُ لِمَن كَرِهَ انبِعَاثَهُ " إِنَّ سَعيَكُم لَشَتَّى . فَأَمَّا مَن أَعطَى وَاتَّقَى . وَصَدَّقَ بِالحُسنَى . فَسَنُيَسِّرُهُ لِليُسرَى . وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاستَغنَى . وَكَذَّبَ بِالحُسنَى . فَسَنُيَسِّرُهُ لِلعُسرَى . وَمَا يُغنِي عَنهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى " " مَن عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفسِهِ وَمَن أَسَاءَ فَعَلَيهَا ثُمَّ إِلى رَبِّكُم تُرجَعُونَ " .
أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَالتَحِقُوا بِرَكبِ الصَّالِحِينَ المُصلِحِينَ ، فَإِنَّهُ لا يُعقَلُ أَن يَخِفَّ أَهلُ البَاطِلِ لِدَفعِ بَاطِلِهِم وَرَفعِهِ وَهُم لا يَرجُونَ أَجرًا وَلا يَطلُبُونَ ثَوَابًا ، ثم يَتَثَاقَلَ أَهلُ الحَقِّ عَن إِظهَارِهِ وَنَصرِهِ وَهُم يَرجُونَ الفَوزَ بِالجَنَّةِ وَالنَّجَاةَ مِنَ النَّارِ ، فَاحذَرُوا مِن خُذلانِ أَهلِ الحَقِّ أَوِ التَّخَلِّي عَن نَصرِهِم وَدَعمِهِم ، وَلا يَغُرَّنَّكُمُ البَاطِلُ مَهمَا عَلا زَبَدُهُ أَوِ ارتَفَعَ دُخَانُهُ ، فَإِنَّمَا هِيَ دَنُيَا الغُرُورِ وَبُرُوقُ الأَمَانِيِّ ، وَالنَّاسُ عِندَ اللهِ لا يَستَوُونَ " لا يَستَوِي أَصحَابُ النَّارِ وَأَصحَابُ الجَنَّةِ ، أَصحَابُ الجَنَّةِ هُمُ الفَائِزُونَ " " أَمْ نَجعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالمُفسِدِينَ في الأَرضِ أَمْ نَجعَلُ المُتَّقِينَ كَالفُجَّارِ " " أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَن نَجعَلَهُم كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحيَاهُم وَمَمَاتُهُم سَاءَ مَا يَحكُمُونَ " " أَفَمَن كَانَ مُؤمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لا يَستَوُونَ . أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُم جَنَّاتُ المَأوَى نُزُلاً بِمَا كَانُوا يَعمَلُونَ . وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخرُجُوا مِنهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُم ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ " " قُل لاَّ يَستَوِي الخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَو أَعجَبَكَ كَثرَةُ الخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللهَ يَا أُولي الأَلبَابِ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ "
الخطبة الثانية:
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لا يَخفَى أَنَّ القُرآنَ هُوَ سَبِيلُ الإِصلاحِ وَطَرِيقُ الهِدَايَةِ وَالفَلاحِ ، وَأَنَّهُ الرُّوحُ الَّذِي تَحيَا بِهِ القُلُوبُ وَالعِلاجُ الَّذِي تُشفَى بِهِ الصُّدُورُ ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : " هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوعِظَةٌ لِلمُتَّقِينَ " وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَد جَاءَتكُم مَوعِظَةٌ مِن رَبِّكُم وَشِفَاءٌ لما في الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحمَةٌ لِلمُؤمِنِينَ . قُلْ بِفَضلِ اللهِ وَبِرَحمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفرَحُوا هُوَ خَيرٌ مِمَّا يَجمَعُونَ " وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " إِنَّ هَذَا القُرآنَ يِهدِي لِلَّتي هِيَ أَقوَمُ " وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَنُنَزِّلُ مِنَ القُرآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحمَةٌ لِلمُؤمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالمِينَ إَلاَّ خَسَارًا " وَقَالَ ـ عَزَّ شَأنُهُ ـ : " وَكَذَلِكَ أَوحَينَا إِلَيكَ رُوحًا مِن أَمرِنَا مَا كُنتَ تَدرِي مَا الكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلنَاهُ نُورًا نَهدِي بِهِ مَن نَشَاءُ مِن عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهدِي إِلى صِرَاطٍ مُستَقِيمٍ " وَإِذَا كَانَ هَذَا هُوَ شَأنَ القُرآنِ ، فَإِنَّ عَلَينَا أَن نَجعَلَهُ منطَلَقَنَا لِصَلاحِ أَنفُسِنَا وَإِصلاحِ غَيرِنَا ، وَأَن نَبدَأَ بِهِ مَنهَجَ التَّقوِيمِ وَالتَّغيِيرِ . وَإِنَّ ذَلِكَ لَمُوجُودٌ بَينَ أَيدِينَا في حَلَقَاتِ التَّحفِيظِ المُنتَشِرَةِ في كَثِيرٍ مِنَ الجَوَامِعِ وَالمَسَاجِدِ ، فَلْنُبَادِرْ إِلى دَعمِهَا ، وَلْنُسَارِعْ في دَفعِ مَسِيرَتِهَا ، وَلْنَحرِصْ عَلَى تَطوِيرِهَا وَرِعَايَتِهَا ، وَلا يَقُولَنَّ قَائِلٌ : وَمَا شَأنُنَا بِتِلكَ الحَلَقَاتِ ؟ فَجَمعِيَّاتُ التَّحفِيظِ مَوجُودَةٌ وَالتُّجَّارُ مُتَوَافِرُونَ ؟ فَيُقَالَ : بَل وَمَا الَّذِي يُخرِجُكَ مِن دَائِرَةِ المَسؤُولِيَّةِ عنها ؟ وَمَا الَّذِي يَمنَعُكَ أَن تَكُونَ مِن دَاعِمِيهَا وَالمُحَافِظِينَ عَلَى بَقَائِهَا ؟
أَو يَحُولُ بَينَكَ وَبَينَ أَن تَضرِبَ فِيهَا بِسَهمٍ وَتَكُونَ لَكَ فِيهَا مُشَارَكَةٌ ، وَإِنَّهَا لَفُرصَةٌ عَظِيمَةٌ طُوبى لِمَنِ اهتَبَلَهَا ، وَغَنِيمَةٌ سَعِدَ مَن حَرِصَ عَلَيهَا وَاغتَنَمَهَا ، إِنَّهُ لَمَيدَانٌ يَتَسَابَقُ فِيهِ المُتَسَابِقُونَ وَشَرَفٌ يَتَنَافَسُ عَلَيهِ المُتَنَافِسُونَ ، إِنَّهُ لَفَخرٌ لَكَ وَعِزٌّ أَن تَكُونَ مُنتَظِمًا في سِلكِ الخَيرِيَّةِ وَبِشَهَادَةِ خَيرِ البَرِيَّةِ ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " خَيرُكُم مَن تَعَلَّمَ القُرآنَ وَعَلَّمَهُ " نَعَم " خَيرُكُم مَن تَعَلَّمَ القُرآنَ وَعَلَّمَهُ "
أَوَتَظُنُّ ـ أَيُّهَا المُسلِمُ ـ أَنَّ الخَيرِيَّةَ قَاصِرَةٌ عَلَى مُعَلِّمِ الحَلَقَةِ وَطُلابِهَا ؟
لا ـ وَاللهِ ـ وَمَن ظَنَّ ذَلِكَ فَقَد حَجَّرَ وَاسِعًا مِن فَضلِ اللهِ ، لَقَد قَالَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ : " وَتَعَاوَنُوا عَلَى البرِّ وَالتَّقوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثمِ وَالعُدوَانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ " وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَالمُؤمِنُونَ وَالمُؤمِنَاتُ بَعضُهُم أَولِيَاءُ بَعضٍ ، يَأمُرُونَ بِالمَعرُوفِ وَيَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ ، أُولَئِكَ سَيرحَمُهُمُ اللهُ ، إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ "
فَيَا أُمَّةَ الإِسلامِ وَالقُرآنِ ، أَرغِمُوا الشَّيطَانَ وَأَعوَانَهُ ، أَغِيظُوا أَعدَاءَ الدِّينِ مِن مُرِيدِي الإِفسَادِ ، شَارِكُوا في أَعظَمِ المَشرُوعَاتِ وَأَكسَبِ التِّجَارَاتِ ، سَاهِمُوا في أَربَحِ البُيُوعِ وَأَقوَى المُسَاهَمَاتِ ، مَن لِكِتَابِ اللهِ إِن تَرَكنَاهُ ؟
مَن لِلقُرآنِ إِن تَجَاهَلْنَاهُ ؟ أَيَدفَعُ أَصحَابُ القَنَوَاتِ المَلايِينَ في عَرضِ المُسَلسَلاتِ وَالمَسرَحِيَّاتِ ، وَيُغدِقُونَ المَالَ لِبَثِّ الفَسَادِ وَنَشرِ الكُفرِ وَالإِلحَادِ ، ثم نَبخَلَ بِرِيَالاتٍ نَدفَعُهَا لِدَعمِ حِفظِ كِتَابِ اللهِ وَإِتقَانِ تِلاوَتِهِ وَإِصلاحِ القُلُوبِ بِهِ ؟
إِنَّ المَالَ مَالُ اللهِ ، نَعَمْ ، إِنَّ المَالَ مَالُ اللهِ ، أَنعَمَ بِهِ عَلَينا وَأَعطَانَا ، وَمِن كُلِّ مَا سَأَلنَاهُ آتَانَا ، ثم هُوَ بَعدَ ذَلِكَ يَستَقرِضُنَا لِيَجزِيَنَا " مَن ذَا الَّذِي يُقرِضُ اللهَ قَرضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضعَافًا كَثِيرَةً وَاللهُ يَقبِضُ وَيَبسُطُ وَإِلَيهِ تُرجَعُونَ "
وَاللهِ لَو تَحَرَّكَ في أَحَدِنَا عِرقٌ سَاكِنٌ أَو سَكَنَ فِيهِ مُتَحَرِّكُ ، أَو سُدَّ شِريَانٌ أَوِ انفَجَرَ آخَرُ ، أَو شُدَّت عَضَلَةٌ مُرتَخِيَّةٌ أَوِ ارتَخَى عَصَبٌ مَشدُودٌ ، أَو فَقَدَ سمعًا أَو بَصَرًا ، أَو مُنِعَ مِن شَرَابٍ أَو طَعَامٍ ، أَو تَعَسَّرَ عَلَيهِ إِخرَاجُ فَضَلاتٍ ، لَعَرَفَ قَدرَ نِعمَةِ اللهِ عَلَيهِ ، زُورُوا المُستَشفَيَاتِ لِتَتَّعِظُوا ، وَمُرُّوا بِأَقسَامِ الحَوَادِثِ لِتَعتَبِرُوا ، وَمَن دَاخَلَهُ في نَفسِهِ شَكٌّ أَو غُرُورٌ ، أَو أُصِيبَ بِنِسيَانٍ أَو أَخَذَتهُ غَفلَةُ ، فَلْيَمُرَّ بِتِلكَ المَقَابِرِ الصَّامِتَةِ السَّاكِنَةِ ، وَلْيَسأَلْ : أَينَ أَبُوهُ وَأَينَ جُدُّهُ ؟ وَأَينَ مَن كَانَ يَملِكُ المَالَ وَيَعتَمِدُ عَلَى الجَاهِ ؟ هَل نَفَعَهُم جَاهُهُم أَو أَغنَت عنهم مَكَانَتُهُم ؟ هَل رَدَّ عَنهُم مَالُهُم أَو ذَبَّت عَنهُم خَزَائِنُهُم ؟
أَتَى عَلَى الكُلِّ أَمرٌ لا عَزَاءَ لَهُ حَتى قَضَوا فَكَأَنَّ القَومَ مَا كَانُوا
أَيُّهَا الإِخوَةُ ، كِتَابُ اللهِ يُنَادِيكُم فَاسمَعُوهُ ، وَاللهُ يَدعُو إِلى دَارِ السَّلامِ فَأَجِيبُوهُ
" إِنَّ الَّذِينَ يَتلُونَ كِتَابَ اللهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقنَاهُم سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرجُونَ تِجَارَةً لَن تَبُورَ . لِيُوَفِّيَهُم أُجُورَهُم وَيَزِيدَهُم مِن فَضلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ " " وَاللهُ يَدعُو إِلى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهدِي مَن يَشَاءُ إِلى صِرَاطٍ مُستَقِيمٍ "
أَلا فَأَنفِقُوا ممَّا في الجُيُوبِ ، وَأَخلِصُوا لِعَلاَّمِ الغُيُوبِ ، وَلا تَحتَقِرُوا شَيئًا وَلَو قَلَّ ، فَرُبَّمَا سَبَقَ دِرهَمٌ مِئةَ أَلفِ دِرهَمٍ ، وَالمَقبُولُ مَن قَبِلَهُ اللهُ ، وَالمُوَفَّقُ مَن وَفَّقَهُ اللهُ .
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى