رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
الشيخ / منصور بن محمد الصقعوب
الأمن الواقع والعلاج
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له واشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد فاتقوا الله أيها المؤمنون; يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ).
عباد الله:
ثمة أمر يرنو إليه كل إنسان, ويسعى لتحقيقه كل مجتمع,ويتسابق لنيله كل فرد من بني الإنسان.
إنه أمرٌإذا اجتمع مع العافية والقوت فكأن الدنيا حيزت لنائلها((من أصبح آمناً في سربه، معافىً في بدنه، عنده قوت يومه؛ فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها))
إنه أمر دعى ابراهيم عليه السلام ربه ان يجعله في مكة قبل ان يدعوا بالثمار والغذاء فقال(رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) [البقرة :126]لإن الخائف لايلتذ بالغذاء ولاينعم بالطمأنينة.. نعم إنه الأمن, في رحابه يأمن الناس على أموالهم ومحارمهم وأعراضهم .. وفي ظلاله ، يعبدون ربهم ويقيمون شريعته ويدعون إلى سبيله .
في رحابِ الأمن وظلِه تعم الطمأنينةُ النفوس ، ويسودها الهدوء ، وترفرف عليها السعادة ، وتؤدي الواجبات باطمئنان ، من غير خوفِ هضمٍ ولا حرمان .
في ظل الأمن والأمان تحلو العبادة، ويصير النوم سباتاً، والطعام هنيئاً، والشراب مريئاً، الأمن والأمان مطلب كل مسلم, بل هو مطلب الشعوب كافة بلا استثناء، ويشتد الأمر بخاصة في المجتمعات المسلمة، التي إذا آمنت أمنت، وإذا أمنت نمت؛ إذ لا أمن بلا إيمان، ولا نماء بلا أمن.
لو انفرط عقد الأمن ساعة لرأيت كيف تعم الفوضى وتتعطل المصالح ويكثر الهرج وتأمل فيمن حولك من البلاد ستجد الواقع ناطقاً ، واسأل العراق وغيرَ العراق تجدْه على هذه الحقيقة شاهداً.
إن أمراً هذا شأنه ، ونعمةً هذا أثرها ، لجديرةٌ بأن نبذِل في سبيلها كلَّ رخيص ونفيس ، وأن تُستثمَرَ الطاقات وتُسخَرَ الجهودُ والإمكانات ، في سبيل الحفاظ عليها وتعزيزها.
أيها المسلمون:
وهاهي المجتمعات اليوم تسعى لتحقيق الأمن ,وتعد القوى والإمكانيات لنيله,ومع هذا ترى أخبار وصور اختلال الأمن في أشد أحوالها في كثير من المجتمعات ,في حين أن بلاد المسلمين تنعم في كثير من أقطارها بالأمن .
إن الأمن لا يدرك بالبطش والجبروت والاستبداد والقهر ، ولو كان الأمر كذلك لكان من كان ذلك نهجهم أنعم الناس بالأمن .. وهو في المقابل لا يدرك بالتساهل والتسامح مع المجرمين والمفسدين ,وسن قوانين مبتكرة تخالف الشرع لعقابهم, وإلا لكانت بلاد الغرب أكثر بلاد العالم أمناً,ونحن نسمع أن هذه الدول قد ضربت الأرقام الخيالية في معدلات الجريمة . لقد فشلت الدول التي نالت الأسلحة الدقيقة وأعدت الجيوش الجرارة وترقت في طرق الحضارة عن تحقيق الأمن وأفلست حيل البشر ونظم الأرض فلم تستطع توفير الأمن كما نرى ونسمع ، وحينها: فيحق للمرء أن يتساءل عن السبب الذي أفقدهم الأمن في حين أن بلاد المسلمين وهي أقل عِدّة وعُدّة تتقيأ ظلاله إنه الدين.
أجل الدين الذي ضمن الله الأمن لمن حققه,الدين الذي جاء بحفظ مصالح العباد وضرورياتهم,فحفظ لهم الدين والمال والعقل والنسل والنفس,وجعل السياج المنيع والعقوبة الصارمة لمن تعدى على هذه الأشياء التي هي صمام أمن المجتمع
ففي الإسلام حُرم الخمر لأنه يغطي العقل وجُعلت العقوبة على شربة,وحُرمت السرقة وجُعلت الحدود لقطع دابر السارق بقطع يده وحُرم قتل النفس ,بل وحرم حتى الإشارة من المسلم على أخيه بالسلاح,ورتب على القتل أشد العقوبات دنيآ وآخرة(وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء : 93]وتعدى ذلك دائرة المسلمين فقال (( من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاما)رواه البخاري
إذن :فلا غير الدين يحقق الأمن في الأرض متى ما قام الناس به على الوجه الأكمل حكاما ومحكومين .
ولنا في تاريخ الأمة عبرة,فأي قومٍ كان العرب قبل الإسلام ,ألم يكونوا في حروب واضطراب وهلع وفزع ألم يصفهم جعفر بقوله: نأتي الفواحش ونقطع الأرحام ونسئ الجوار يأكل القوى منا الضعيف ، فلما جاء الله بدين محمد; ودخل الناس فيه عاشوا الأمن والرخاء,وكان مماقاله;( والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون) رواه البخاري.
وكان مماقال(إن طالت بك الحياة لترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف أحدا إلا الله)فكيف يكون ذلك في الجزيرة التي نشأ أهلها على السلب والقطع؟!ولكن ذلك كان لأنه من مقول رسول الله; حتى قال عدي بن حاتم: فرأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله.
ولئن كان دين الإسلام دين يحقق الأمن لأتباعه,فإن ذلك الأمن يحلّ بقدر تمسك الناس بدينهم ,ولقد بات الناس في هذه الأعصار المتأخرة والسنين القريبة يسمعون بين الفينة والأخرى عن أخبار تنافي الامن وتزعزع الصف وتخلخل المجتمع.فبينما كان الناس إلى عهد قريب لايسمعون أخبار الجرائم إلا لِماما ولايقع عندهم من الجرائم إلا قليلا,أصبح سماع أخبار السرقة والاختطاف والابتزاز والانتحار والتعدي على الحرمات ,والسحر والترويع للآمنين شيء تطالعهم به الصحف والإذاعات والمنتديات كل يوم ,ومايُعلم به وينشر قد يقصر كثيرا عما يقع,حتى ارتفعت معدلات الجريمة بشكل لافت للنظر في هذه البلاد,وبات الناس لكثرة مايطرقهم من هذه الأخبار ربما لم يستغربوها ,وبات البعض يخاف على أولاده وعلى بيته وعلى حرماته,واهتز الأمن الذي كنانفاخر به -وإن كنا لانزال أفضل من غيرنا- وإن ذلك كلَه لمؤذن بخطر عظيم ممالم يتداركه الجميع
أجل .إنه لمطلب مُلحّ أن نحاول في درء الأمر وأن لانخادع أنفسنا بأنها حوادث فردية أو انها طيش شباب فالأمر أكبر من ذلك.
وإذا كان دين الإسلام هو الدين الذي كفل للعباد الحياة الرغيدة فدعونا نتلمس أسباب الأمن من كتاب ربنا وسنة نبينا;ففيها كل خير والتحذير من كل شرّ .. ألا وإن من أعظم وسائل تحقيق الأمن في المجتمع ,الأمر بالمعروف والنهي عن المنكرات ,ذلكم الأمر الذي لو تكاتف الناس فيه ,وقام كل ٌُبدوره لارتدع الكثير عن الجرائم بشتى صورها ,وكم من امرئ بدأ طريق الجريمة والانحراف,فمامد أحدُ يده إليه ,حتى هوى في مكان سحيق في الإجرام,فاكتوى المجتمع من لظى طيشه ,فأين نحن منه,إن هؤلاء الشباب الذين لجؤوا إلى السرقة, أو إلى الاختطاف أو الانتحار وغيرها هم بأمس الحاجة إلى من يحمل لهم النصيحة الصادقة والنهي عن المنكر بالأسلوب المثمر ومهما بلغ إجرامهم ففيهم من الخير ما يحتاج لتجلية, ,فما هو دورنا تجاه هؤلاء
ومع ذلك ,فالوقوف في صف هيئات الأمر بالمعروف,ورجال الأمن بالتعاون والتواصل ,والتكاتف في وجه الجرائم والمنكرات,ولا أقل من أن نذب عنهم وعن هيئات الأمر بالمعروف ,فكم من جريمة أحبطوها ومجرم أسقطوه,وهم من يسهر لحفظ الأعراض والحرمات,فذاك سبب من أسباب تحقيق الأمن في المجتمع,يقدر كلٌ منا على التعاون فيه,وأقول ما سمعتم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده .. أمابعد :
عباد الله : فمن أسباب تحقيق الأمن,تحقيق شريعة الله في الأرض,فهي التي حفظت الحقوق وجاءت بالعقوبات لكل مفسد وتأمل كيف قال الله تعالى: ((وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)) ولا عجب ففي قتل مجرم واحد حياة هنيئة لأمة بأكملها ورادع لمن تسول له نفسه ذلك,فيقتل شخص وتحيا أمة ,وقديماً قيل: القتل أنفى للقتل.
وإنه حين يدب في الأمة داء التخاذل عن تطبيق أحكام الشرع ,لأي أمر من الأمور,فإنهم يفتحون الباب لكل مفسد ومجرم,ولله ماذا جنى الذين حادوا عن حدود الشرع التي شرعها من خلق العباد وعلم مايصلحهم إلى قوانين البشر أو إلى تمييع الحدود,وفي الأثر: ((حَدٌّ يُقَامُ فِي الْأَرْضِ خَيْرٌ لِلنَّاسِ مِنْ أَنْ يُمْطَرُوا ثَلَاثِينَ أَوْ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا))
عباد الله:ومحاربة البطالة والسعي في ربط الشباب بوظيفة,تكفه وتسد بعض حاجته سبب من أسباب تحقيق الأمن ,ومعلوم أنه إذا ضعف الإيمان ووجد الفراغ واحتيج للمال فقد يكون ذلك سببا للجريمة
وإن الشباب والفراغ والجدة مفسدة للمرء أي مفسدة
وهذا يؤكد على أولياء الأمور والمربين,الاهتمام بالنشء وعدم إحواجهم للمال بلا مبالغة ,وملء أوقاتهم بما ينفع,فإن الشباب طاقة متى ماوجهت للخير واستغلت وإلا فإنها نذير خطر على المجتمع
أيها المسلمون:
ولابد من القول بأن الإعلام الحديث في القنوات والأنترنت وكذا الألعاب الالكترونية ساهمت في الجريمة وتعليم طرائقها ,وذاك يعني أن على مسؤولي الإعلام ومن يتولون بيع مثل هذه على النشء دور في الرقابة والتنقية ,فكم تعلم الأبناء وتأثروا بمثل هذه ,ومن آخر ذلك جريمة قتل قام بها شاب في الخامسة عشرة من عمره كانت المصيبة حين اكتُشف انه بذلك يحاكي مارآه في فيلم يُعرض في بعض القنوات ,فكم نحتاج لدور الرقابة من الجميع وقبل ذلك وبعده لدور الآباء فدورهم أهم في مراقبة مايُعرض لأبنائهم منذ صغرهم .
معاشر الفضلاء:وأعظم مايُحقق به الأمن ليس في الدنيا فحسب بل في الدنيا وفي الآخرة كذلك,التمسك بالدين ونبذ أمور الشرك فذاك من أعظم أٍسباب إحلال الأمن ,ونقصه دليل على نقص الديانة والتمسك في المجتمع {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام : 82]إن الأمن من الله وليس بأعداد الشُرط ولا بالأجهزة المتطورة على أهميتها,بل بارتسام المنهج الذي رسمه الله بقوله(ولم يلبسوا إيمانهم بظلم)وأعظم الظلم الشرك صغيره وكبيره,لقد كان الأمن في بلاد المسلمين مضرب المثل وحينما قصر الناس وعصوا ربهم جاءهم من النقص بمقدار ذلك ,ونتساءل عن السبب والسبب والخلل من عندنا حين نقص الإيمان في القلوب ,وكم كان للإيمان دور في تهذيب الأخلاق ونبذ الإجرام,ودونك هذا المثال
لقد أصدرت أمريكا عام 1919م قرارا يقضي بمنع شرب الخمور وفرض العقوبات الصارمة على ذلك فماذا حصل,لقد قُتل المئات عقوبة,وسُجن الآلآف وبلغت العقوبة المالية عشرات الملايين من الدولارات ومع كل هذا استمر الناس في الشرب بل زادوا عليه إقبالا حتى ألغي القرار حين رأوا عدم إمكان تطبيقه
أما في الإسلام.فبآية واحدة قال الله فيه : ((فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ)) قال الصحابة:انتهينا ربنا انتهينا فأراقوا خمورا عاشوا على شربها سنينا متطاولة,ولم يعتذروا بعدم إمكان تركها ,حتى جرت طرق المدينة بما أُريق منها . إنها صورة تبين أن العقوبات لم تكن لتؤتي ثمارها مهما بلغت في الشدة مالم يكن في القلب رادع من إيمان
وإننا حين نخوّف الشاب بالعقوبة الدنيوية او برجل الأمن أو بغيره فإن هذا ربما لم يؤت جدواه,أما إذا عُلق الشاب بمراقبة الله فإنه يدع كل جريمة وإن غاب عن الخلق لأن الذي يخشاه يراه ويطلع عليه في كل حال وزمان
انطفأت الكهرباء في الليل في إحدى المدن في الغرب لمدة ساعات,ولماعادت الكهرباء وجدوا أن الجرائم عمت من قتل لأناس واختطاف لآخرين وسرقة لبنوك وممتلكات هكذا هي حال من يراقب الخلوق الضعيف,أما من يراقب الخالق الرقيب,فإنه ولو كان في الصحراء أو في الظلماء لن يقدم على مانهاه رب الأرض والسماء,فإذا أردنا قطع دابر الجريمة فلنحي واعظ الإيمان في القلوب ولنغرس في النشء مراقبة علام الغيوب
معاشر المسلمين : والدعوة إلى الله سبب لتحقيق الأمن وانتشال المجرمين ,فما الذي حوّل المجرمين في القديم وفي الحديث إلى علماء وأخيار وزهاد إلا الدعوة إلى الله,فعمر بن الخطاب كان سفاكا للدماء وائدا للبنات وبالدعوة صار مبشرا بالجنة وعمير بن وهب جاء ليقتل النبي وبالدعوة رجع صحابيآ يفدي النبي بماله ونفسه,والفضيل بن عياض كان سارقا قاطعا للطريق وبالهداية أصبح عابدا زاهدا,وكم من مجرم عجزت كل العقوبات أن تردعه فيوفق الله من يأتي ليدعوه إلى الله ويذكره بحق الله عليه ومقصده في الدنيا ومافي الآخرة من وعد ووعيد وإذا به يصير من أهل الخير وهكذا الإيمان إذا خالط بشاشة القلوب,فما أحرانا إلى أن ننطلق بالدعوة إلى الله في كل مكان لنزيل الغبار عن القلوب ونرفع الغشاوة عن أبصار من ابتعدوا عن الهداية ووقعوا في حبائل الإجرام وسبل الغواية,ولربما وجدنا فيهم من أمثال الفضيل وغيره من ينتظر الكلمة التي تكون سببا للهداية
وبعد معاشر المسلمين : فموضوع كبير كهذا لابد أن تقام لأجله اللجان ,وتعد من أجله الدراسات,ولاتكفيه كلمة من متكلم أو خطبة من خطيب أو دعاية في إذاعة أو حملة توعية في مدرسة على أهمية هذه الوسائل
وحسبنا أنها لفته صغيرة لموضوع كبير نملك كثيرا من علاجه بأيدينا,أسأل الله أن يرزقنا الأمن في ديننا وبلادنا وجميع بلاد المسلمين
الأمن الواقع والعلاج
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له واشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد فاتقوا الله أيها المؤمنون; يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ).
عباد الله:
ثمة أمر يرنو إليه كل إنسان, ويسعى لتحقيقه كل مجتمع,ويتسابق لنيله كل فرد من بني الإنسان.
إنه أمرٌإذا اجتمع مع العافية والقوت فكأن الدنيا حيزت لنائلها((من أصبح آمناً في سربه، معافىً في بدنه، عنده قوت يومه؛ فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها))
إنه أمر دعى ابراهيم عليه السلام ربه ان يجعله في مكة قبل ان يدعوا بالثمار والغذاء فقال(رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) [البقرة :126]لإن الخائف لايلتذ بالغذاء ولاينعم بالطمأنينة.. نعم إنه الأمن, في رحابه يأمن الناس على أموالهم ومحارمهم وأعراضهم .. وفي ظلاله ، يعبدون ربهم ويقيمون شريعته ويدعون إلى سبيله .
في رحابِ الأمن وظلِه تعم الطمأنينةُ النفوس ، ويسودها الهدوء ، وترفرف عليها السعادة ، وتؤدي الواجبات باطمئنان ، من غير خوفِ هضمٍ ولا حرمان .
في ظل الأمن والأمان تحلو العبادة، ويصير النوم سباتاً، والطعام هنيئاً، والشراب مريئاً، الأمن والأمان مطلب كل مسلم, بل هو مطلب الشعوب كافة بلا استثناء، ويشتد الأمر بخاصة في المجتمعات المسلمة، التي إذا آمنت أمنت، وإذا أمنت نمت؛ إذ لا أمن بلا إيمان، ولا نماء بلا أمن.
لو انفرط عقد الأمن ساعة لرأيت كيف تعم الفوضى وتتعطل المصالح ويكثر الهرج وتأمل فيمن حولك من البلاد ستجد الواقع ناطقاً ، واسأل العراق وغيرَ العراق تجدْه على هذه الحقيقة شاهداً.
إن أمراً هذا شأنه ، ونعمةً هذا أثرها ، لجديرةٌ بأن نبذِل في سبيلها كلَّ رخيص ونفيس ، وأن تُستثمَرَ الطاقات وتُسخَرَ الجهودُ والإمكانات ، في سبيل الحفاظ عليها وتعزيزها.
أيها المسلمون:
وهاهي المجتمعات اليوم تسعى لتحقيق الأمن ,وتعد القوى والإمكانيات لنيله,ومع هذا ترى أخبار وصور اختلال الأمن في أشد أحوالها في كثير من المجتمعات ,في حين أن بلاد المسلمين تنعم في كثير من أقطارها بالأمن .
إن الأمن لا يدرك بالبطش والجبروت والاستبداد والقهر ، ولو كان الأمر كذلك لكان من كان ذلك نهجهم أنعم الناس بالأمن .. وهو في المقابل لا يدرك بالتساهل والتسامح مع المجرمين والمفسدين ,وسن قوانين مبتكرة تخالف الشرع لعقابهم, وإلا لكانت بلاد الغرب أكثر بلاد العالم أمناً,ونحن نسمع أن هذه الدول قد ضربت الأرقام الخيالية في معدلات الجريمة . لقد فشلت الدول التي نالت الأسلحة الدقيقة وأعدت الجيوش الجرارة وترقت في طرق الحضارة عن تحقيق الأمن وأفلست حيل البشر ونظم الأرض فلم تستطع توفير الأمن كما نرى ونسمع ، وحينها: فيحق للمرء أن يتساءل عن السبب الذي أفقدهم الأمن في حين أن بلاد المسلمين وهي أقل عِدّة وعُدّة تتقيأ ظلاله إنه الدين.
أجل الدين الذي ضمن الله الأمن لمن حققه,الدين الذي جاء بحفظ مصالح العباد وضرورياتهم,فحفظ لهم الدين والمال والعقل والنسل والنفس,وجعل السياج المنيع والعقوبة الصارمة لمن تعدى على هذه الأشياء التي هي صمام أمن المجتمع
ففي الإسلام حُرم الخمر لأنه يغطي العقل وجُعلت العقوبة على شربة,وحُرمت السرقة وجُعلت الحدود لقطع دابر السارق بقطع يده وحُرم قتل النفس ,بل وحرم حتى الإشارة من المسلم على أخيه بالسلاح,ورتب على القتل أشد العقوبات دنيآ وآخرة(وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء : 93]وتعدى ذلك دائرة المسلمين فقال (( من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاما)رواه البخاري
إذن :فلا غير الدين يحقق الأمن في الأرض متى ما قام الناس به على الوجه الأكمل حكاما ومحكومين .
ولنا في تاريخ الأمة عبرة,فأي قومٍ كان العرب قبل الإسلام ,ألم يكونوا في حروب واضطراب وهلع وفزع ألم يصفهم جعفر بقوله: نأتي الفواحش ونقطع الأرحام ونسئ الجوار يأكل القوى منا الضعيف ، فلما جاء الله بدين محمد; ودخل الناس فيه عاشوا الأمن والرخاء,وكان مماقاله;( والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون) رواه البخاري.
وكان مماقال(إن طالت بك الحياة لترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف أحدا إلا الله)فكيف يكون ذلك في الجزيرة التي نشأ أهلها على السلب والقطع؟!ولكن ذلك كان لأنه من مقول رسول الله; حتى قال عدي بن حاتم: فرأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله.
ولئن كان دين الإسلام دين يحقق الأمن لأتباعه,فإن ذلك الأمن يحلّ بقدر تمسك الناس بدينهم ,ولقد بات الناس في هذه الأعصار المتأخرة والسنين القريبة يسمعون بين الفينة والأخرى عن أخبار تنافي الامن وتزعزع الصف وتخلخل المجتمع.فبينما كان الناس إلى عهد قريب لايسمعون أخبار الجرائم إلا لِماما ولايقع عندهم من الجرائم إلا قليلا,أصبح سماع أخبار السرقة والاختطاف والابتزاز والانتحار والتعدي على الحرمات ,والسحر والترويع للآمنين شيء تطالعهم به الصحف والإذاعات والمنتديات كل يوم ,ومايُعلم به وينشر قد يقصر كثيرا عما يقع,حتى ارتفعت معدلات الجريمة بشكل لافت للنظر في هذه البلاد,وبات الناس لكثرة مايطرقهم من هذه الأخبار ربما لم يستغربوها ,وبات البعض يخاف على أولاده وعلى بيته وعلى حرماته,واهتز الأمن الذي كنانفاخر به -وإن كنا لانزال أفضل من غيرنا- وإن ذلك كلَه لمؤذن بخطر عظيم ممالم يتداركه الجميع
أجل .إنه لمطلب مُلحّ أن نحاول في درء الأمر وأن لانخادع أنفسنا بأنها حوادث فردية أو انها طيش شباب فالأمر أكبر من ذلك.
وإذا كان دين الإسلام هو الدين الذي كفل للعباد الحياة الرغيدة فدعونا نتلمس أسباب الأمن من كتاب ربنا وسنة نبينا;ففيها كل خير والتحذير من كل شرّ .. ألا وإن من أعظم وسائل تحقيق الأمن في المجتمع ,الأمر بالمعروف والنهي عن المنكرات ,ذلكم الأمر الذي لو تكاتف الناس فيه ,وقام كل ٌُبدوره لارتدع الكثير عن الجرائم بشتى صورها ,وكم من امرئ بدأ طريق الجريمة والانحراف,فمامد أحدُ يده إليه ,حتى هوى في مكان سحيق في الإجرام,فاكتوى المجتمع من لظى طيشه ,فأين نحن منه,إن هؤلاء الشباب الذين لجؤوا إلى السرقة, أو إلى الاختطاف أو الانتحار وغيرها هم بأمس الحاجة إلى من يحمل لهم النصيحة الصادقة والنهي عن المنكر بالأسلوب المثمر ومهما بلغ إجرامهم ففيهم من الخير ما يحتاج لتجلية, ,فما هو دورنا تجاه هؤلاء
ومع ذلك ,فالوقوف في صف هيئات الأمر بالمعروف,ورجال الأمن بالتعاون والتواصل ,والتكاتف في وجه الجرائم والمنكرات,ولا أقل من أن نذب عنهم وعن هيئات الأمر بالمعروف ,فكم من جريمة أحبطوها ومجرم أسقطوه,وهم من يسهر لحفظ الأعراض والحرمات,فذاك سبب من أسباب تحقيق الأمن في المجتمع,يقدر كلٌ منا على التعاون فيه,وأقول ما سمعتم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده .. أمابعد :
عباد الله : فمن أسباب تحقيق الأمن,تحقيق شريعة الله في الأرض,فهي التي حفظت الحقوق وجاءت بالعقوبات لكل مفسد وتأمل كيف قال الله تعالى: ((وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)) ولا عجب ففي قتل مجرم واحد حياة هنيئة لأمة بأكملها ورادع لمن تسول له نفسه ذلك,فيقتل شخص وتحيا أمة ,وقديماً قيل: القتل أنفى للقتل.
وإنه حين يدب في الأمة داء التخاذل عن تطبيق أحكام الشرع ,لأي أمر من الأمور,فإنهم يفتحون الباب لكل مفسد ومجرم,ولله ماذا جنى الذين حادوا عن حدود الشرع التي شرعها من خلق العباد وعلم مايصلحهم إلى قوانين البشر أو إلى تمييع الحدود,وفي الأثر: ((حَدٌّ يُقَامُ فِي الْأَرْضِ خَيْرٌ لِلنَّاسِ مِنْ أَنْ يُمْطَرُوا ثَلَاثِينَ أَوْ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا))
عباد الله:ومحاربة البطالة والسعي في ربط الشباب بوظيفة,تكفه وتسد بعض حاجته سبب من أسباب تحقيق الأمن ,ومعلوم أنه إذا ضعف الإيمان ووجد الفراغ واحتيج للمال فقد يكون ذلك سببا للجريمة
وإن الشباب والفراغ والجدة مفسدة للمرء أي مفسدة
وهذا يؤكد على أولياء الأمور والمربين,الاهتمام بالنشء وعدم إحواجهم للمال بلا مبالغة ,وملء أوقاتهم بما ينفع,فإن الشباب طاقة متى ماوجهت للخير واستغلت وإلا فإنها نذير خطر على المجتمع
أيها المسلمون:
ولابد من القول بأن الإعلام الحديث في القنوات والأنترنت وكذا الألعاب الالكترونية ساهمت في الجريمة وتعليم طرائقها ,وذاك يعني أن على مسؤولي الإعلام ومن يتولون بيع مثل هذه على النشء دور في الرقابة والتنقية ,فكم تعلم الأبناء وتأثروا بمثل هذه ,ومن آخر ذلك جريمة قتل قام بها شاب في الخامسة عشرة من عمره كانت المصيبة حين اكتُشف انه بذلك يحاكي مارآه في فيلم يُعرض في بعض القنوات ,فكم نحتاج لدور الرقابة من الجميع وقبل ذلك وبعده لدور الآباء فدورهم أهم في مراقبة مايُعرض لأبنائهم منذ صغرهم .
معاشر الفضلاء:وأعظم مايُحقق به الأمن ليس في الدنيا فحسب بل في الدنيا وفي الآخرة كذلك,التمسك بالدين ونبذ أمور الشرك فذاك من أعظم أٍسباب إحلال الأمن ,ونقصه دليل على نقص الديانة والتمسك في المجتمع {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام : 82]إن الأمن من الله وليس بأعداد الشُرط ولا بالأجهزة المتطورة على أهميتها,بل بارتسام المنهج الذي رسمه الله بقوله(ولم يلبسوا إيمانهم بظلم)وأعظم الظلم الشرك صغيره وكبيره,لقد كان الأمن في بلاد المسلمين مضرب المثل وحينما قصر الناس وعصوا ربهم جاءهم من النقص بمقدار ذلك ,ونتساءل عن السبب والسبب والخلل من عندنا حين نقص الإيمان في القلوب ,وكم كان للإيمان دور في تهذيب الأخلاق ونبذ الإجرام,ودونك هذا المثال
لقد أصدرت أمريكا عام 1919م قرارا يقضي بمنع شرب الخمور وفرض العقوبات الصارمة على ذلك فماذا حصل,لقد قُتل المئات عقوبة,وسُجن الآلآف وبلغت العقوبة المالية عشرات الملايين من الدولارات ومع كل هذا استمر الناس في الشرب بل زادوا عليه إقبالا حتى ألغي القرار حين رأوا عدم إمكان تطبيقه
أما في الإسلام.فبآية واحدة قال الله فيه : ((فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ)) قال الصحابة:انتهينا ربنا انتهينا فأراقوا خمورا عاشوا على شربها سنينا متطاولة,ولم يعتذروا بعدم إمكان تركها ,حتى جرت طرق المدينة بما أُريق منها . إنها صورة تبين أن العقوبات لم تكن لتؤتي ثمارها مهما بلغت في الشدة مالم يكن في القلب رادع من إيمان
وإننا حين نخوّف الشاب بالعقوبة الدنيوية او برجل الأمن أو بغيره فإن هذا ربما لم يؤت جدواه,أما إذا عُلق الشاب بمراقبة الله فإنه يدع كل جريمة وإن غاب عن الخلق لأن الذي يخشاه يراه ويطلع عليه في كل حال وزمان
انطفأت الكهرباء في الليل في إحدى المدن في الغرب لمدة ساعات,ولماعادت الكهرباء وجدوا أن الجرائم عمت من قتل لأناس واختطاف لآخرين وسرقة لبنوك وممتلكات هكذا هي حال من يراقب الخلوق الضعيف,أما من يراقب الخالق الرقيب,فإنه ولو كان في الصحراء أو في الظلماء لن يقدم على مانهاه رب الأرض والسماء,فإذا أردنا قطع دابر الجريمة فلنحي واعظ الإيمان في القلوب ولنغرس في النشء مراقبة علام الغيوب
معاشر المسلمين : والدعوة إلى الله سبب لتحقيق الأمن وانتشال المجرمين ,فما الذي حوّل المجرمين في القديم وفي الحديث إلى علماء وأخيار وزهاد إلا الدعوة إلى الله,فعمر بن الخطاب كان سفاكا للدماء وائدا للبنات وبالدعوة صار مبشرا بالجنة وعمير بن وهب جاء ليقتل النبي وبالدعوة رجع صحابيآ يفدي النبي بماله ونفسه,والفضيل بن عياض كان سارقا قاطعا للطريق وبالهداية أصبح عابدا زاهدا,وكم من مجرم عجزت كل العقوبات أن تردعه فيوفق الله من يأتي ليدعوه إلى الله ويذكره بحق الله عليه ومقصده في الدنيا ومافي الآخرة من وعد ووعيد وإذا به يصير من أهل الخير وهكذا الإيمان إذا خالط بشاشة القلوب,فما أحرانا إلى أن ننطلق بالدعوة إلى الله في كل مكان لنزيل الغبار عن القلوب ونرفع الغشاوة عن أبصار من ابتعدوا عن الهداية ووقعوا في حبائل الإجرام وسبل الغواية,ولربما وجدنا فيهم من أمثال الفضيل وغيره من ينتظر الكلمة التي تكون سببا للهداية
وبعد معاشر المسلمين : فموضوع كبير كهذا لابد أن تقام لأجله اللجان ,وتعد من أجله الدراسات,ولاتكفيه كلمة من متكلم أو خطبة من خطيب أو دعاية في إذاعة أو حملة توعية في مدرسة على أهمية هذه الوسائل
وحسبنا أنها لفته صغيرة لموضوع كبير نملك كثيرا من علاجه بأيدينا,أسأل الله أن يرزقنا الأمن في ديننا وبلادنا وجميع بلاد المسلمين
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى