رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
عبدالله بن باتل الباتل
العيد مشاعر ومظاهر
الخطبة الأولى
الحمدلله على ما مَنَّ به علينا مِنْ مَواسِمِ الخَيْرات، ومَا تَفَضَّلَ به مِنْ جَزيلِ العَطايا والْهِبات، وأشهـدُ أنْ لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، مُسْبِغُ النِّعَم، ودافِعُ النِّقَم، وفَارِجُ الكُرُبات، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه أكملُ الخَلْقِ وأفضلُ البَرِيَّات، صلى اللهُ عليه وعلى آلِه وأصحابِه ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحْسانٍ ما دامتِ الأرضُ والسماواتُ وسلَّمَ تَسليمًا.
أما بعد:
فقد قيل: من أراد معرفة أخلاق الأمم، فليراقبها في أعيادها.
إذ تنطلق فيه السجايا على فطرتها، وتبرز العواطف والميول والعادات على حقيقتها. والمجتمع السعيد الصالح، هو الذي تسمو أخلاقه في العيد إلى أرفع ذروة. وتمتد فيه مشاعر الإخاء إلى أبعد مدى، حيث يبدو في العيد متماسكاً متعاوناً متراحماً، تخفق فيه القلوب بالحب والود والبر والصفاء.
أيها المسلمون، إن العيد في دين الإسلام، له مفهومه الخاص، وله معناه الذي يخصه دون سائر الأديان ودون سائر الملل والنحل.
إن العيد في الإسلام أيها الأخوة، غبطة في الدين، وطاعة لله، وبهجة في الدنيا ومظهر القوة والإخاء، إن العيد في الإسلام فرحة بانتصار الإرادة الخيرة على الأهواء والشهوات.
إن العيد في الإسلام، خلاص من إغواءات شياطين الإنس والجن، والرضا بطاعة المولى. والوعد الكريم بالفردوس والنجاة من النار.
إن العيد في الإسلام لا كما يتصوره البعض، انطلاقاً وراء الشهوات، وحلاً لزمام الأخلاق هنا أوهناك. إن العيد في الإسلام، ليس فيه ترك للواجبات، ولا إتيان للمنكرات.
في الناس ـ أيها الناس ـ من تطغى عليه فرحة العيد، فتستبد بمشاعره ووجدانه، لدرجة تنسيه واجب الشكر والاعتراف بالنعم، وتدفعه إلى الزهو بالجديد، والإعجاب بالنفس حتى يبلغ درجة المخيلة والتباهي. والكبر والتعالي.
وما علم هذا أن العيد قد يأتي على أناس قد ذلوا بعد عز، فتهيج في نفوسهم الأشجان، وتتحرك في صدورهم كثير من الأحزان.
قد يأتي العيد على أناس، ذاقوا من البؤس ألواناً بعد رغد العيش، قد يأتي العيد على أناس تجرعوا من العلقم كؤوساً بعد وفرة النعيم، فاستبدلوا الفرحة بالبكاء وحل محل البهجة، الأنين والعناء.
فاتقوا الله أيها المسلمون، اتقوا الله أيها المسلمون في عيدكم، لا تجعلوه أيام معصية لله، لا تتركوا فيه الواجبات، ولا تتساهلوا في المنكرات. لا يكن نتيجة عيدكم غضب ربكم عليكم. فإن غضب الله شديد، وعقوبة الله عز وجل، لا يتحملها الضعفاء أمثالنا.
اتقوا الله ـ أيها المسلمون ـ في عيدكم، واجعلوه عيد عبادة لله، عيد طاعة، عيد توبة صادقة، عيداً ترتفع فيه أخلاق الأمة. عيداً نثقل فيه ميزان حسناتنا، عيداً نكفر فيه عن خطايا سابقة، ارتكبتها جوارحنا. قال الله تعالى: قُلْ يٰعِبَادِىَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ [الزمر:53]. وقال سبحانه: وَإِنّى لَغَفَّارٌ لّمَن تَابَ وَامَنَ وَعَمِلَ صَـٰلِحَاً ثُمَّ ٱهْتَدَىٰ [طه:82]. وقال عز وجل: فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مّمَّا يَجْمَعُونَ [يونس:58].
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله الله أكبر الله أكبر ولله الحمد
كم هو جميل أن يقارن العيد، وفرحته استعداد لتفريج كربة، وملاطفة يتيم، ومواساة ثكلى. يقارنه تفتيش عن أصحاب الحوائج، فإن لم تستطع خيلاً ولا مالاً، فأسعفهم بكلمة طيبة وابتسامة حانية، ولفتة طاهرةٍ من قلب مؤمن.
إنك حين تأسو جراح إخوانك إنما تأسوا جراح نفسك، وحين تسد حاجة جيرانك إنما تسد حاجة نفسك، قال تعالى: وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فلأنفسكم [البقرة:272]. وقال سبحانه: مَّنْ عَمِلَ صَـٰلِحاً فَلِنَفْسِهِ [فصلت:46]. أسأل الله أن نكون بهذا المستوى.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله الله أكبر الله أكبر ولله الحمد
عيد الأضحى يرتبط بدلالات ذات أثر بعيد في حياة المسلمين؛ لأنها ترتبط بأحداث التضحية العظمى التي استعد للقيام بها أبو الأنبياء إبراهيم -عليه السلام- حينما أقدم على التضحية بابنه إسماعيل عليهما السلام إثر رؤيا رآها، ورؤيا الأنبياء حق؛ لأنها وحي من الله، ولم يحُل بينه وبين إتمام التضحية إلا الفداء الذي بعث الله به ليفتدي ابنه إسماعيل بعد أن اجتاز الامتحان بنجاح، وأخذ يشرع في تنفيذ الذبح بابنه استجابة لأمر الله سبحانه. ومَن هذا الابن؟ وما ظروف إنجابه؟ لقد رُزق به أبوه على كبر في السن، ولذلك فحينما نحتفل بعيد الأضحى المبارك فإنما نحيي هذه التضحية التي لم يعرف التاريخ لها مثيلا، ولنتعلم أن المؤمن يضحي في سبيل عقيدته بأغلى ما لديه من أموال وبنين، وقد سجل المولى سبحانه هذا الأمر الجليل في كتابه العزيز إشادة بأبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام، واستجابته لأمر الله، ورفعة لشأن ابنه إسماعيل الذي رضي بما أمر الله في شأنه، وقال: \"يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ\" (الصافات: آية 100)، وتقول الآيات من سورة الصافات مفصلة هذا الحدث الجلل: \".رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ*فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلاَمٍ حَلِيمٍ*فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ*فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ*وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ*قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ*إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاَءُ الْمُبِينُ*وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ\" (الصافات: آية 100-107).
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله الله أكبر الله أكبر ولله الحمد
عباد الله، اعتاد المسلمون الذين لم يكتب لهم الحج، أن يضحوا يوم العيد.
وهي من شعائر الإسلام بكتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع المسلمين. قال الله تعالى: فَصَلّ لِرَبّكَ وَٱنْحَرْ [التكاثر:2]، وقال سبحانه: قُلْ إِنَّ صَلاَتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى للَّهِ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162، 163]، وقال سبحانه: وَلِكُلّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لّيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مّن بَهِيمَةِ ٱلاْنْعَـٰمِ فَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وٰحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُواْ [الحج:34]. وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: أقام النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة عشر سنين يضحي. رواه أحمد والترمذي
عن قال :( ما عمل آدمي من عمل يوم النحر ، أحب إلى الله منe أن رسول الله tعائشة إهراق الدم ، إنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها ، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع من الأرض فطيبوا بها نفساً )
أيها المسلمون، ذهب جمهور العلماء إلى أن الأضحية سنة مؤكدة. وإن كان البعض يرى أنها واجبة والأصل في الأضحية أنها مشروعة في حق الأحياء كما كان رسول الله وأصحابه يضحون عن أنفسهم وأهليهم، وأما ما يظنه بعض العامة من اختصاص الأضحية بالأموات فلا أصل له، والأضحية عن الأموات على ثلاثة أقسام:
الأول: أن يضحي عنهم تبعاً للأحياء، مثل أن يضحي الرجل عنه وعن أهل بيته، وينوي بهم الأحياء والأموات، وأصل هذا تضحية النبي عنه وعن أهل بيته وفيهم من قد مات من قبل.
الثاني: أن يضحي عن الأموات بمقتضى وصاياهم، تنفيذاً لها، وأصل هذا قوله تعالى: فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى ٱلَّذِينَ يُبَدّلُونَهُ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة:181].
الثالث: أن يضحى عن الأموات تبرعاً مستقلين عن الأحياء، فهذه جائزة، وقد نص فقهاء الحنابلة على أن ثوابها يصل إلى الميت، وينتفع بها قياساً على الصدقة عنه، ولكن لا نرى أن تخصيص الميت بالأضحية من السنة، لأن النبي لم يضح عن عمه حمزة، وهو من أعز أقاربه عنده، ولا عن أولاده الذين ماتوا في حياته، وهن ثلاث بنات متزوجات وثلاثة أبناء صغار، ولا عن زوجته خديجة، وهي من أحب نسائه، ولم يرد عن أصحابه في عهده أن أحداً منهم ضحى عن أحد من أمواته.
ونرى أيضاً من الخطأ ما يفعله بعض الناس، يضحون عن الميت أول سنة يموت أضحية يسمونها أضحية الحفرة، ويعتقدون أنه لا يجوز أن يشرك معه في ثوابها أحد، أو يضحون عن أمواتهم تبرعاً أو بمقتضى وصاياهم، ولا يضحون عن أنفسهم وأهليهم، ولو علموا أن الرجل إذا ضحى من ماله عن نفسه وأهله شمل أهله الأحياء والأموات لما عدلوا عنه إلى عملهم ذلك.. أهـ.
وذبح الأضحية ـ أيها الأخوة ـ أفضل من الصدقة بثمنها لأن ذلك عمل النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه، ولأن الذبح من شعائر الله تعالى. فلو عدل الناس عنه إلى الصدقة لتعطلت هذه الشعيرة.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: \"الذبح في موضعه أفضل من الصدقة بثمنه قال: ولهذا لو يتصدق عن دم المتعة والقران أضعاف أضعاف القيمة لم يقم مقامه وكذلك الأضحية\".
أعوذُ باللهِ مِن الشيطانِ الرجيمِ: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ - الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ - وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ - لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ}[الحج: 34-37 ].
أقولُ قَوْلِي هذا، وأسْتَغْفِرُ اللهَ لي ولكم من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ الذي بعثَ نَبِيَّهُ محمدًا -صلى الله عليه وسلم- رحمةً للعالَمِين، وقُدوَةً لِلعامِلين، وحُجَّةً على العِبادِ أجمعين، بَعثَهُ بِدينِ الهدَى والرحْمَةِ، فأنْقَذَ اللهُ به مِن الهَلَكَةِ، وهَدَى به مِن الضلالَةِ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا الله وحدَه، أنْجَزَ وعْدَه، ونَصَر عَبْدَه، وهَزَمَ الأحزابَ وحْدَه. وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى الله عليه وعلى آلِه وأصحابِه ومَن تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين وسلَّم تسليمًا.
أما بعد:
فيشترط في الأضحية حتى تكون صحيحة شروط:
أن تكون من بهيمة الأنعام قال تعالى:( وَلِكُلّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لّيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مّن بَهِيمَةِ ٱلاْنْعَـٰمِ)
وأن تبلغ السن المحدود شرعاً. لقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تذبحو إلا مُسِّنة إلا أن تعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن)) رواه مسلم.
و أن تكون الأضحية خالية من العيوب لقول النبي صلى الله عليه وسلم حين سئل ماذا يُتقى من الضحايا فأشار بيده وقال: أربعاً، العرجاء البين ظلعها، والعوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعجفاء التي لا تنقى. رواه مالك في الموطأ.
و أن تكون الأضحية ملكاً للمضحي فلا تصح أضحية المغصوب والمسروق ونحو ذلك.
و أن يضحي بها في الوقت المحدد شرعاً. وهو من بعد صلاة العيد يوم النحر إلى غروب الشمس من آخر يوم من أيام التشريق.
أما من ذبح قبل الصلاة فإنه يعد من اللحم وليست أضحية. لما روى البخاري في صحيحه عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من ذبح قبل الصلاة فإنما هو لحم قدمه لأهله، وليس من النسك في شيء)).
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله الله أكبر الله أكبر ولله الحمد
اخوة العقيدة والدين : إن هناك أمورا ينبغي للمسلم أن يراعيها في أضحيته
أولاً : النية :وذلك بأن ينوي عند شراء البهيمة أنها أضحية ، وهذه النية تكفي إن شاء الله لأن الأضحية :( إنما الأعمال بالنيات وإنماeعبادة ، والعبادة لا تصح إلا بالنية ، لقول الرسول لكل امرئ ما نوى ) متفق عليه (1) .
ولو ذبحها غير صاحبها فلا يشترط أن يتلفظ بالنية عن صاحبها.
وقد اشترى ابن عمر رضي الله عنه شاة من راع فأنزلها من الجبل ، وأمره بذبحها فذبحها الراعي ، وقال : اللهم تقبل مني . فقال ابن عمر : ربك أعلم بمن أنزلها من الجبل ] (3) .
ثانياً : أن يسوق الأضحية إلى محل الذبح سوقاً جميلاً لا عنيفاً (5) ، فقد روى عبد الرزاق بسنده عن محمد بن سيرين قال :[ رأى عمر رجلاً يسحب شاة برجلها ليذبحها فقال له : ويلك ! قدها إلى الموت قوداًtبن الخطاب جميلاً ] (6) ورواه البيهقي ، وذكره الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة (7) .
ثالثاً : أن يحد السكين قبل الذبح (1) ، لأن المطلوب إراحة الحيوان بأسرع وقت أنt كما جاء في الحديث عن شداد بن أوس eممكن، وهذا من الإحسان الذي ذكره الرسول قال :( إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذاeالنبي ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته ) رواه مسلم .
رابعاً : أن لا يحد السكين أمام الحيوان الذي يريد ذبحه (2) ؛ لأن ذلك من الإحسان المأمور به كما جاء في الحديث السابق .
أن رجلاً أضجع شاة وهوt وعن ابن عباس :( أتريد أن تميتها موتات ؟ فقال النبي ؟ هلا أحددت شفرتك قبل أن تضجعهاeيحد شفرته) رواه الحاكم وقال : صحيح على شرط البخاري ووافقه الذهبي ، ورواه عبد الرزاق والبيهقي وصححه الشيخ الألباني (3) .
أمر بحد الشفار أن الرسول صلى الله عليه وسلم وعن ابن عمر وأن توارى عن البهائم وقال :( إذا ذبح أحدكم فليجهز ) رواه أحمد والبيهقي وابن ماجة وفيه ابن لهيعه وهو ضعيف ، ولكن يشهد له ما سبق من حديث شداد وحديث ابن عباس (4) .
وعن عاصم بن عبيد الله بن عاصم بن عمر بن الخطاب أن رجلاً حدَّ شفرته وأخذ الشاة ليذبحها فضربه عمر بالدرة وقال :[ أتعذب الروح ؟! ألا فعلت هذا قبل أن تأخذها ] رواه البيهقي (5) .
خامساً : استقبال القبلة من الذابح والذبيحة : يستحب أن يستقبل الذابح القبلة وأن يوجه مذبح الحيوان إلى القبلة .
قال الإمام النووي :[ استقبال الذابح القبلة وتوجيه الذبيحة إليها، وهذا مستحب في كل ذبيحة ، لكنه في الهدي والأضحية أشد استحباباً ، لأن الاستقبال في العبادات مستحب وفي بعضها واجب ] (5) .
سادساً : أن يتولى ذبحها بنفسه إن كان يحسن الذبح ، وإلا شهد ذبحها (3) ، ومما يدل على استحباب تولي الإنسان أضحيته بنفسه ، ما جاء في حديث أنس ضحى بكبشين أقرنين أملحين ، وكان يسمي ويكبر ، ولقد رأيته يذبحهما بيده صلىالله عليه و سلم أن النبي واضعاً رجله على صفاحهما ) رواه البخاري ومسلم
فإن أناب عنه فيستحب له أن يشهد قال لفاطمة رضي الله عنها :( قوميe أن الرسول tذبحها لما ورد في حديث أبي سعيد لأضحيتك فاشهديها فإنه بأول قطرة من دمها يغفر لك ما سلف من ذنبك ) رواه البيهقي والحاكم (5) .
وينبغي أن يوكل في ذبحها صاحب دين له معرفة بالذبح وأحكامه .
ولا ينبغي أن يوكل فاسقاً في ذبحها ، ولا ذمياً ، فإن فعل جاز مع الكراهة على أنه قال :[ لا يذبح نسيكة المسلمtقول جمهور أهل العلم (3) . وقد ورد عن علي اليهودي والنصراني ] .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كره أن يذبح نسيكة المسلم اليهوديُ والنصرانيُ .
وعن ابن عباس أيضاً رضي الله عنهما أنه قال :[ لا يذبح أضحيتك إلا مسلم ، وإذا ذبحت فقل باسم الله اللهم منك ولك ، اللهم تقبل من فلان ] (1) .
سابعاً : التسمية والتكبير عند الذبح (1) : كان إذا ذبح قال :( باسم الله والله أكبر ) كما جاء ذلك في روايةeثبت أن النبي صلىالله عليه وسلم عند مسلم :( قال: ويقول باسم الله والله أكبر ). وثبت في رواية أخرى منtلحديث أنس بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده وسمَّى وكبر … )eحديث أنس قال :( ضحى النبي الحديث رواه البخاري.
ثم اعلموا كذلك ـ رحمكم الله ـ أن الأفضل من الأضاحي جنساً: الإبل ثم البقر ثم الضأن ثم المعز ثم سُبُع بدنة ثم سُبُع بقرة.
والأفضل منها صفةً: الأسمن الأكثر لحماً، الأكمل خلقة الأحسن منظراً. وفي صحيح البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: ((كان يضحي بكبشين أقرنين أملحين)).
وتجزئ الأضحية الواحدة من الغنم عن الرجل وأهل بيته ومن شاء من المسلمين. إذا نوى بها ذلك. لما في حديث عائشة عند مسلم. أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بكبش أقرن ثم أمر بالسكين ثم قال: ((بسم الله، اللهم تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد)) ثم ضحى به صلى الله عليه وسلم.
ويشرع للمضحي أيها الأخوة، أن يأكل من أضحيته ويهدي ويتصدق، لقوله تعالى: فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ ٱلْبَائِسَ ٱلْفَقِيرَ [الحج:28]. والمختار أن يأكل ثلثاً ويتصدق ثلثاً ويهدي ثلثاً.
ويحرم أن يبيع شيئاً من الأضحية، لا لحماً ولا غيره ولا يجوز أن يعطى الجزار شيئاً منها في مقابلة الأجر، أو بعضها، لأن ذلك بمعنى البيع.
لكن لو أعطى الجزار شيئاً كهدية أو صدقة بعد إعطائه أجره كاملاً فله ذلك.
واعلموا -رحِمكم الله- أنَّ هذه الأيامَ الثلاثةَ الْمُقبِلَةَ هي أيامُ التشريقِ التي لا يَجوزُ صِيامُها، كما لا يَجوزُ صِيامُ يَومِ العِيد، وهي التي قال فيها النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: (( أيَّامُ التَّشريقِ: أيامُ أكلٍ وشُربٍ وذِكرٍ للهِ عز وجل ))؛ فأكْثِروا فيها مِن ذِكرِ اللهِ بالتَّكبيرِ والتَّهليلِ والتَّحميدِ في أدْبارِ الصَّلواتِ وفي جَميعِ الأوقاتِ.
واعلمُوا أنَّ خيرَ الحديثِ كتابُ اللهِ، وخيرَ الْهَدْيِ هديُ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- وشرَّ الأمورِ مُحدَثاتُها، وإيَّاكم والانْجِرافَ خَلفَ التيَّاراتِ الْمُنْحرِفةِ التي تَصُدُّكُم عن دِينكمْ، وتَعُوقُكم في السَّيْرِ إلى ربِّكم خَلفَ نَبِيِّكُم؛ فإنَّ كُلَّ مُحدَثَةٍ في دِينِ اللهِ بِدعةٌ، وكلَّ بِدعةٍ ضَلالةٌ.
اللهمَّ حَبِّبْ إلينا الإيمانَ وزَيِّنْهُ في قلوبِنا، وكَرِّهْ إلينا الكُفرَ والفُسوقَ والعِصيانَ، واجْعلنا مِن الراشِدين. اللهمَّ انْصُرنا على أعْدائِنا، وأصْلِحْ أمُورَنا، واهْدِ وُلاتَنا لِمَا فيه الْخَيْرُ والصّلاحُ في دِينِنا ودُنيانا، إنَّك جَوادٌ كَريم. وكل عام وانتم بخير وتقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
العيد مشاعر ومظاهر
الخطبة الأولى
الحمدلله على ما مَنَّ به علينا مِنْ مَواسِمِ الخَيْرات، ومَا تَفَضَّلَ به مِنْ جَزيلِ العَطايا والْهِبات، وأشهـدُ أنْ لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، مُسْبِغُ النِّعَم، ودافِعُ النِّقَم، وفَارِجُ الكُرُبات، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه أكملُ الخَلْقِ وأفضلُ البَرِيَّات، صلى اللهُ عليه وعلى آلِه وأصحابِه ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحْسانٍ ما دامتِ الأرضُ والسماواتُ وسلَّمَ تَسليمًا.
أما بعد:
فقد قيل: من أراد معرفة أخلاق الأمم، فليراقبها في أعيادها.
إذ تنطلق فيه السجايا على فطرتها، وتبرز العواطف والميول والعادات على حقيقتها. والمجتمع السعيد الصالح، هو الذي تسمو أخلاقه في العيد إلى أرفع ذروة. وتمتد فيه مشاعر الإخاء إلى أبعد مدى، حيث يبدو في العيد متماسكاً متعاوناً متراحماً، تخفق فيه القلوب بالحب والود والبر والصفاء.
أيها المسلمون، إن العيد في دين الإسلام، له مفهومه الخاص، وله معناه الذي يخصه دون سائر الأديان ودون سائر الملل والنحل.
إن العيد في الإسلام أيها الأخوة، غبطة في الدين، وطاعة لله، وبهجة في الدنيا ومظهر القوة والإخاء، إن العيد في الإسلام فرحة بانتصار الإرادة الخيرة على الأهواء والشهوات.
إن العيد في الإسلام، خلاص من إغواءات شياطين الإنس والجن، والرضا بطاعة المولى. والوعد الكريم بالفردوس والنجاة من النار.
إن العيد في الإسلام لا كما يتصوره البعض، انطلاقاً وراء الشهوات، وحلاً لزمام الأخلاق هنا أوهناك. إن العيد في الإسلام، ليس فيه ترك للواجبات، ولا إتيان للمنكرات.
في الناس ـ أيها الناس ـ من تطغى عليه فرحة العيد، فتستبد بمشاعره ووجدانه، لدرجة تنسيه واجب الشكر والاعتراف بالنعم، وتدفعه إلى الزهو بالجديد، والإعجاب بالنفس حتى يبلغ درجة المخيلة والتباهي. والكبر والتعالي.
وما علم هذا أن العيد قد يأتي على أناس قد ذلوا بعد عز، فتهيج في نفوسهم الأشجان، وتتحرك في صدورهم كثير من الأحزان.
قد يأتي العيد على أناس، ذاقوا من البؤس ألواناً بعد رغد العيش، قد يأتي العيد على أناس تجرعوا من العلقم كؤوساً بعد وفرة النعيم، فاستبدلوا الفرحة بالبكاء وحل محل البهجة، الأنين والعناء.
فاتقوا الله أيها المسلمون، اتقوا الله أيها المسلمون في عيدكم، لا تجعلوه أيام معصية لله، لا تتركوا فيه الواجبات، ولا تتساهلوا في المنكرات. لا يكن نتيجة عيدكم غضب ربكم عليكم. فإن غضب الله شديد، وعقوبة الله عز وجل، لا يتحملها الضعفاء أمثالنا.
اتقوا الله ـ أيها المسلمون ـ في عيدكم، واجعلوه عيد عبادة لله، عيد طاعة، عيد توبة صادقة، عيداً ترتفع فيه أخلاق الأمة. عيداً نثقل فيه ميزان حسناتنا، عيداً نكفر فيه عن خطايا سابقة، ارتكبتها جوارحنا. قال الله تعالى: قُلْ يٰعِبَادِىَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ [الزمر:53]. وقال سبحانه: وَإِنّى لَغَفَّارٌ لّمَن تَابَ وَامَنَ وَعَمِلَ صَـٰلِحَاً ثُمَّ ٱهْتَدَىٰ [طه:82]. وقال عز وجل: فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مّمَّا يَجْمَعُونَ [يونس:58].
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله الله أكبر الله أكبر ولله الحمد
كم هو جميل أن يقارن العيد، وفرحته استعداد لتفريج كربة، وملاطفة يتيم، ومواساة ثكلى. يقارنه تفتيش عن أصحاب الحوائج، فإن لم تستطع خيلاً ولا مالاً، فأسعفهم بكلمة طيبة وابتسامة حانية، ولفتة طاهرةٍ من قلب مؤمن.
إنك حين تأسو جراح إخوانك إنما تأسوا جراح نفسك، وحين تسد حاجة جيرانك إنما تسد حاجة نفسك، قال تعالى: وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فلأنفسكم [البقرة:272]. وقال سبحانه: مَّنْ عَمِلَ صَـٰلِحاً فَلِنَفْسِهِ [فصلت:46]. أسأل الله أن نكون بهذا المستوى.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله الله أكبر الله أكبر ولله الحمد
عيد الأضحى يرتبط بدلالات ذات أثر بعيد في حياة المسلمين؛ لأنها ترتبط بأحداث التضحية العظمى التي استعد للقيام بها أبو الأنبياء إبراهيم -عليه السلام- حينما أقدم على التضحية بابنه إسماعيل عليهما السلام إثر رؤيا رآها، ورؤيا الأنبياء حق؛ لأنها وحي من الله، ولم يحُل بينه وبين إتمام التضحية إلا الفداء الذي بعث الله به ليفتدي ابنه إسماعيل بعد أن اجتاز الامتحان بنجاح، وأخذ يشرع في تنفيذ الذبح بابنه استجابة لأمر الله سبحانه. ومَن هذا الابن؟ وما ظروف إنجابه؟ لقد رُزق به أبوه على كبر في السن، ولذلك فحينما نحتفل بعيد الأضحى المبارك فإنما نحيي هذه التضحية التي لم يعرف التاريخ لها مثيلا، ولنتعلم أن المؤمن يضحي في سبيل عقيدته بأغلى ما لديه من أموال وبنين، وقد سجل المولى سبحانه هذا الأمر الجليل في كتابه العزيز إشادة بأبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام، واستجابته لأمر الله، ورفعة لشأن ابنه إسماعيل الذي رضي بما أمر الله في شأنه، وقال: \"يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ\" (الصافات: آية 100)، وتقول الآيات من سورة الصافات مفصلة هذا الحدث الجلل: \".رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ*فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلاَمٍ حَلِيمٍ*فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ*فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ*وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ*قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ*إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاَءُ الْمُبِينُ*وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ\" (الصافات: آية 100-107).
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله الله أكبر الله أكبر ولله الحمد
عباد الله، اعتاد المسلمون الذين لم يكتب لهم الحج، أن يضحوا يوم العيد.
وهي من شعائر الإسلام بكتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع المسلمين. قال الله تعالى: فَصَلّ لِرَبّكَ وَٱنْحَرْ [التكاثر:2]، وقال سبحانه: قُلْ إِنَّ صَلاَتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى للَّهِ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162، 163]، وقال سبحانه: وَلِكُلّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لّيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مّن بَهِيمَةِ ٱلاْنْعَـٰمِ فَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وٰحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُواْ [الحج:34]. وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: أقام النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة عشر سنين يضحي. رواه أحمد والترمذي
عن قال :( ما عمل آدمي من عمل يوم النحر ، أحب إلى الله منe أن رسول الله tعائشة إهراق الدم ، إنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها ، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع من الأرض فطيبوا بها نفساً )
أيها المسلمون، ذهب جمهور العلماء إلى أن الأضحية سنة مؤكدة. وإن كان البعض يرى أنها واجبة والأصل في الأضحية أنها مشروعة في حق الأحياء كما كان رسول الله وأصحابه يضحون عن أنفسهم وأهليهم، وأما ما يظنه بعض العامة من اختصاص الأضحية بالأموات فلا أصل له، والأضحية عن الأموات على ثلاثة أقسام:
الأول: أن يضحي عنهم تبعاً للأحياء، مثل أن يضحي الرجل عنه وعن أهل بيته، وينوي بهم الأحياء والأموات، وأصل هذا تضحية النبي عنه وعن أهل بيته وفيهم من قد مات من قبل.
الثاني: أن يضحي عن الأموات بمقتضى وصاياهم، تنفيذاً لها، وأصل هذا قوله تعالى: فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى ٱلَّذِينَ يُبَدّلُونَهُ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة:181].
الثالث: أن يضحى عن الأموات تبرعاً مستقلين عن الأحياء، فهذه جائزة، وقد نص فقهاء الحنابلة على أن ثوابها يصل إلى الميت، وينتفع بها قياساً على الصدقة عنه، ولكن لا نرى أن تخصيص الميت بالأضحية من السنة، لأن النبي لم يضح عن عمه حمزة، وهو من أعز أقاربه عنده، ولا عن أولاده الذين ماتوا في حياته، وهن ثلاث بنات متزوجات وثلاثة أبناء صغار، ولا عن زوجته خديجة، وهي من أحب نسائه، ولم يرد عن أصحابه في عهده أن أحداً منهم ضحى عن أحد من أمواته.
ونرى أيضاً من الخطأ ما يفعله بعض الناس، يضحون عن الميت أول سنة يموت أضحية يسمونها أضحية الحفرة، ويعتقدون أنه لا يجوز أن يشرك معه في ثوابها أحد، أو يضحون عن أمواتهم تبرعاً أو بمقتضى وصاياهم، ولا يضحون عن أنفسهم وأهليهم، ولو علموا أن الرجل إذا ضحى من ماله عن نفسه وأهله شمل أهله الأحياء والأموات لما عدلوا عنه إلى عملهم ذلك.. أهـ.
وذبح الأضحية ـ أيها الأخوة ـ أفضل من الصدقة بثمنها لأن ذلك عمل النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه، ولأن الذبح من شعائر الله تعالى. فلو عدل الناس عنه إلى الصدقة لتعطلت هذه الشعيرة.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: \"الذبح في موضعه أفضل من الصدقة بثمنه قال: ولهذا لو يتصدق عن دم المتعة والقران أضعاف أضعاف القيمة لم يقم مقامه وكذلك الأضحية\".
أعوذُ باللهِ مِن الشيطانِ الرجيمِ: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ - الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ - وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ - لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ}[الحج: 34-37 ].
أقولُ قَوْلِي هذا، وأسْتَغْفِرُ اللهَ لي ولكم من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ الذي بعثَ نَبِيَّهُ محمدًا -صلى الله عليه وسلم- رحمةً للعالَمِين، وقُدوَةً لِلعامِلين، وحُجَّةً على العِبادِ أجمعين، بَعثَهُ بِدينِ الهدَى والرحْمَةِ، فأنْقَذَ اللهُ به مِن الهَلَكَةِ، وهَدَى به مِن الضلالَةِ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا الله وحدَه، أنْجَزَ وعْدَه، ونَصَر عَبْدَه، وهَزَمَ الأحزابَ وحْدَه. وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى الله عليه وعلى آلِه وأصحابِه ومَن تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين وسلَّم تسليمًا.
أما بعد:
فيشترط في الأضحية حتى تكون صحيحة شروط:
أن تكون من بهيمة الأنعام قال تعالى:( وَلِكُلّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لّيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مّن بَهِيمَةِ ٱلاْنْعَـٰمِ)
وأن تبلغ السن المحدود شرعاً. لقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تذبحو إلا مُسِّنة إلا أن تعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن)) رواه مسلم.
و أن تكون الأضحية خالية من العيوب لقول النبي صلى الله عليه وسلم حين سئل ماذا يُتقى من الضحايا فأشار بيده وقال: أربعاً، العرجاء البين ظلعها، والعوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعجفاء التي لا تنقى. رواه مالك في الموطأ.
و أن تكون الأضحية ملكاً للمضحي فلا تصح أضحية المغصوب والمسروق ونحو ذلك.
و أن يضحي بها في الوقت المحدد شرعاً. وهو من بعد صلاة العيد يوم النحر إلى غروب الشمس من آخر يوم من أيام التشريق.
أما من ذبح قبل الصلاة فإنه يعد من اللحم وليست أضحية. لما روى البخاري في صحيحه عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من ذبح قبل الصلاة فإنما هو لحم قدمه لأهله، وليس من النسك في شيء)).
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله الله أكبر الله أكبر ولله الحمد
اخوة العقيدة والدين : إن هناك أمورا ينبغي للمسلم أن يراعيها في أضحيته
أولاً : النية :وذلك بأن ينوي عند شراء البهيمة أنها أضحية ، وهذه النية تكفي إن شاء الله لأن الأضحية :( إنما الأعمال بالنيات وإنماeعبادة ، والعبادة لا تصح إلا بالنية ، لقول الرسول لكل امرئ ما نوى ) متفق عليه (1) .
ولو ذبحها غير صاحبها فلا يشترط أن يتلفظ بالنية عن صاحبها.
وقد اشترى ابن عمر رضي الله عنه شاة من راع فأنزلها من الجبل ، وأمره بذبحها فذبحها الراعي ، وقال : اللهم تقبل مني . فقال ابن عمر : ربك أعلم بمن أنزلها من الجبل ] (3) .
ثانياً : أن يسوق الأضحية إلى محل الذبح سوقاً جميلاً لا عنيفاً (5) ، فقد روى عبد الرزاق بسنده عن محمد بن سيرين قال :[ رأى عمر رجلاً يسحب شاة برجلها ليذبحها فقال له : ويلك ! قدها إلى الموت قوداًtبن الخطاب جميلاً ] (6) ورواه البيهقي ، وذكره الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة (7) .
ثالثاً : أن يحد السكين قبل الذبح (1) ، لأن المطلوب إراحة الحيوان بأسرع وقت أنt كما جاء في الحديث عن شداد بن أوس eممكن، وهذا من الإحسان الذي ذكره الرسول قال :( إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذاeالنبي ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته ) رواه مسلم .
رابعاً : أن لا يحد السكين أمام الحيوان الذي يريد ذبحه (2) ؛ لأن ذلك من الإحسان المأمور به كما جاء في الحديث السابق .
أن رجلاً أضجع شاة وهوt وعن ابن عباس :( أتريد أن تميتها موتات ؟ فقال النبي ؟ هلا أحددت شفرتك قبل أن تضجعهاeيحد شفرته) رواه الحاكم وقال : صحيح على شرط البخاري ووافقه الذهبي ، ورواه عبد الرزاق والبيهقي وصححه الشيخ الألباني (3) .
أمر بحد الشفار أن الرسول صلى الله عليه وسلم وعن ابن عمر وأن توارى عن البهائم وقال :( إذا ذبح أحدكم فليجهز ) رواه أحمد والبيهقي وابن ماجة وفيه ابن لهيعه وهو ضعيف ، ولكن يشهد له ما سبق من حديث شداد وحديث ابن عباس (4) .
وعن عاصم بن عبيد الله بن عاصم بن عمر بن الخطاب أن رجلاً حدَّ شفرته وأخذ الشاة ليذبحها فضربه عمر بالدرة وقال :[ أتعذب الروح ؟! ألا فعلت هذا قبل أن تأخذها ] رواه البيهقي (5) .
خامساً : استقبال القبلة من الذابح والذبيحة : يستحب أن يستقبل الذابح القبلة وأن يوجه مذبح الحيوان إلى القبلة .
قال الإمام النووي :[ استقبال الذابح القبلة وتوجيه الذبيحة إليها، وهذا مستحب في كل ذبيحة ، لكنه في الهدي والأضحية أشد استحباباً ، لأن الاستقبال في العبادات مستحب وفي بعضها واجب ] (5) .
سادساً : أن يتولى ذبحها بنفسه إن كان يحسن الذبح ، وإلا شهد ذبحها (3) ، ومما يدل على استحباب تولي الإنسان أضحيته بنفسه ، ما جاء في حديث أنس ضحى بكبشين أقرنين أملحين ، وكان يسمي ويكبر ، ولقد رأيته يذبحهما بيده صلىالله عليه و سلم أن النبي واضعاً رجله على صفاحهما ) رواه البخاري ومسلم
فإن أناب عنه فيستحب له أن يشهد قال لفاطمة رضي الله عنها :( قوميe أن الرسول tذبحها لما ورد في حديث أبي سعيد لأضحيتك فاشهديها فإنه بأول قطرة من دمها يغفر لك ما سلف من ذنبك ) رواه البيهقي والحاكم (5) .
وينبغي أن يوكل في ذبحها صاحب دين له معرفة بالذبح وأحكامه .
ولا ينبغي أن يوكل فاسقاً في ذبحها ، ولا ذمياً ، فإن فعل جاز مع الكراهة على أنه قال :[ لا يذبح نسيكة المسلمtقول جمهور أهل العلم (3) . وقد ورد عن علي اليهودي والنصراني ] .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كره أن يذبح نسيكة المسلم اليهوديُ والنصرانيُ .
وعن ابن عباس أيضاً رضي الله عنهما أنه قال :[ لا يذبح أضحيتك إلا مسلم ، وإذا ذبحت فقل باسم الله اللهم منك ولك ، اللهم تقبل من فلان ] (1) .
سابعاً : التسمية والتكبير عند الذبح (1) : كان إذا ذبح قال :( باسم الله والله أكبر ) كما جاء ذلك في روايةeثبت أن النبي صلىالله عليه وسلم عند مسلم :( قال: ويقول باسم الله والله أكبر ). وثبت في رواية أخرى منtلحديث أنس بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده وسمَّى وكبر … )eحديث أنس قال :( ضحى النبي الحديث رواه البخاري.
ثم اعلموا كذلك ـ رحمكم الله ـ أن الأفضل من الأضاحي جنساً: الإبل ثم البقر ثم الضأن ثم المعز ثم سُبُع بدنة ثم سُبُع بقرة.
والأفضل منها صفةً: الأسمن الأكثر لحماً، الأكمل خلقة الأحسن منظراً. وفي صحيح البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: ((كان يضحي بكبشين أقرنين أملحين)).
وتجزئ الأضحية الواحدة من الغنم عن الرجل وأهل بيته ومن شاء من المسلمين. إذا نوى بها ذلك. لما في حديث عائشة عند مسلم. أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بكبش أقرن ثم أمر بالسكين ثم قال: ((بسم الله، اللهم تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد)) ثم ضحى به صلى الله عليه وسلم.
ويشرع للمضحي أيها الأخوة، أن يأكل من أضحيته ويهدي ويتصدق، لقوله تعالى: فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ ٱلْبَائِسَ ٱلْفَقِيرَ [الحج:28]. والمختار أن يأكل ثلثاً ويتصدق ثلثاً ويهدي ثلثاً.
ويحرم أن يبيع شيئاً من الأضحية، لا لحماً ولا غيره ولا يجوز أن يعطى الجزار شيئاً منها في مقابلة الأجر، أو بعضها، لأن ذلك بمعنى البيع.
لكن لو أعطى الجزار شيئاً كهدية أو صدقة بعد إعطائه أجره كاملاً فله ذلك.
واعلموا -رحِمكم الله- أنَّ هذه الأيامَ الثلاثةَ الْمُقبِلَةَ هي أيامُ التشريقِ التي لا يَجوزُ صِيامُها، كما لا يَجوزُ صِيامُ يَومِ العِيد، وهي التي قال فيها النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: (( أيَّامُ التَّشريقِ: أيامُ أكلٍ وشُربٍ وذِكرٍ للهِ عز وجل ))؛ فأكْثِروا فيها مِن ذِكرِ اللهِ بالتَّكبيرِ والتَّهليلِ والتَّحميدِ في أدْبارِ الصَّلواتِ وفي جَميعِ الأوقاتِ.
واعلمُوا أنَّ خيرَ الحديثِ كتابُ اللهِ، وخيرَ الْهَدْيِ هديُ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- وشرَّ الأمورِ مُحدَثاتُها، وإيَّاكم والانْجِرافَ خَلفَ التيَّاراتِ الْمُنْحرِفةِ التي تَصُدُّكُم عن دِينكمْ، وتَعُوقُكم في السَّيْرِ إلى ربِّكم خَلفَ نَبِيِّكُم؛ فإنَّ كُلَّ مُحدَثَةٍ في دِينِ اللهِ بِدعةٌ، وكلَّ بِدعةٍ ضَلالةٌ.
اللهمَّ حَبِّبْ إلينا الإيمانَ وزَيِّنْهُ في قلوبِنا، وكَرِّهْ إلينا الكُفرَ والفُسوقَ والعِصيانَ، واجْعلنا مِن الراشِدين. اللهمَّ انْصُرنا على أعْدائِنا، وأصْلِحْ أمُورَنا، واهْدِ وُلاتَنا لِمَا فيه الْخَيْرُ والصّلاحُ في دِينِنا ودُنيانا، إنَّك جَوادٌ كَريم. وكل عام وانتم بخير وتقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى