رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
الشيخ / إبراهيم بن محمد الحقيل
الحسبة والمحتسبون (2)
الحسبة فيصل بين الحق والباطل
الخطبة الأولى
الحمد لله العليم الحكيم؛ ابتلى عباده فجعل للحق منهم أنصارا، وجعل للباطل منهم أعوانا، وكتب الصراع بينهم فتنة لهم واختبارا [وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا] {الفرقان:20} نحمده على ما هدانا، ونشكره على ما أعطانا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ كتب العز لمن نصر دينه، وقضى بالذل على من حارب شريعته [إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ] {غافر:51} وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ ختم الله تعالى به الرسالات، فلا دين إلا دينه إلى آخر الزمان، ولا تزال طائفة من أمته على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله تعالى وهم على ذلك، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وأتباعه إلى يوم الدين.
أما بعد: فأوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله عز وجل؛ فإنها الأنيس في الغربة، والنجاة من الكربة، والجليس في القبر حين الوحشة [وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى الله فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا] {الطَّلاق:3}.
أيها الناس: من حكمة الله تعالى في البشر تكليفهم بالشرائع، ومن رحمته تعالى بهم هدايتهم لها، ودلالتهم عليها بما أرسل لهم من الرسل، وما أنزل عليهم من الكتب، فأقام بها حجته عليهم، وقطع أعذارهم [رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى الله حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ] {النساء:165}.
والرسل - عليهم السلام - جاءوا أقوامهم بما لم يعهدوا، ونهوهم عما تعودوا؛ ولذا أنكر المشركون ما جاءتهم به رسلهم، وقال قائلهم [أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا] {الأعراف:70} وأخبر الله تعالى عنهم أنهم قدَّموا ما توارثوه عن آبائهم على ما جاءتهم به رسلهم [وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا] {المائدة:104}.
إن الظاهر من أحوال المشركين في كل الأمم السالفة أنهم ما رفضوا تنسك الأنبياء وتعبدهم، ولا أنكروا عليهم عدم مشاركتهم في شركهم، ولا ألزموهم بعبادة أصنامهم، وإنما أنكروا عليهم أمرهم بالمعروف الذي رأسه توحيد الله تعالى، ونهيهم عن المنكر الذي غايته شركهم بالله تعالى؛ مما يدل على أن ما يسمى في العصر الحاضر بالحرية الدينية كان موجودا عند المشركين، وهذا ما لا يفهمه كثير من الناس فيستغربونه وقد ينكرونه.
إن الرسل - عليهم السلام - ما نزلوا من السماء، ولا جاءوا إلى الأرض من غيرها، ولا نزحوا إلى قبائلهم من خارجها، بل هم من صليبة أقوامهم: ولدوا فيهم، وعاشوا بينهم، حتى أرسلهم الله تعالى إليهم، وقبل بعثهم أنبياء كانوا يرون أقوامهم على الشرك، وما كانت الرسل لتشرك بالله تعالى شيئا فقد عصمهم الله تعالى من الشرك قبل بعثتهم وبعدها، ولو قُدِّر وقوعُ الشرك منهم لاحتج به المشركون عليهم لما دعتهم رسلهم إلى التوحيد، ولقالوا لهم: أتنهوننا أن نعبد ما كنتم تعبدون معنا؟ ولما احتاج المشركون إلى إحالتهم على ما كان يعبد الآباء.
إن المشركين ما كانوا يجبرون الرسل قبل مبعثهم على عبادة أصنامهم وإلا لوجدت العداوة بين المشركين وبين الرسل قبل أن يبعثوا، ولنقل ذلك. بل ما حكاه القرآن يدل على أن الرسل كانوا على وفاق مع أقوامهم قبل أن يأمروهم بالمعروف وينهوهم عن المنكر، ومن أدلة ذلك قول قوم صالح - عليه السلام - [يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ] {هود:62}.
فهذه تزكية منهم لصالح - عليه السلام - ، وثناء عليه إلى أن أمرهم ونهاهم، فرفضوه، وتنكروا له، وانقلبوا عليه.
ونبينا محمد - عليه الصلاة والسلام - تحكي سيرته الخالدة أنه اجتنب المشركين وما يعبدون، وكان يتعبد لله تعالى في غار حراء، وما نُقل أن المشركين أنكروا ذلك عليه ، أو ضايقوه في عبادته، أو ألزموه بشركهم. بل كان - عليه الصلاة والسلام - محل إعجابهم وثنائهم، وموضع تقديرهم وثقتهم؛ حتى إنهم كانوا يستودعونه أماناتهم، ويُحكِّمونه بينهم، ولقبوه بالأمين.
وكان في مكة قبل المبعث بعض الحنفاء الذين بقوا على دين إبراهيم -عليه السلام -، ومنهم من تنصر وقرأ الإنجيل بالعبرانية كورقة بن نوفل، وما عُرف أن أهل الشرك من كبار قريش كانوا يؤذونهم، أو يجبرونهم على الشرك، أو يحولون بينهم وبين عبادتهم.
كل هذا يدل على أن المشركين كانوا يتحلَّون بما يسمى في هذا العصر بالحرية الدينية، وما نقموا على من يوحد الله تعالى أن يوحده إذا لم يأمرهم أو ينههم، كما يدل على أن الذي نقمه المشركون من رسلهم، وعارضوهم فيه، وآذوهم من أجله هو ما يسمى في هذا العصر بالتدخل في الخصوصيات، وهي التي أمر الشارع الحكيم رسله - عليهم السلام - أن يتدخلوا فيها بالأمر والنهي، فيأمروهم بكل معروف، وينهوهم عن كل منكر، وقد أنكر المشركون هذا الأمر والنهي بشدة، وحاربوا رسلهم من أجله، قال قوم شعيب -عليه السلام- له [أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ] {هود:87}.
فهم ما نقموا عليه إلا تدخله في خصوصياتهم، وتقييده لحرياتهم في عباداتهم وأموالهم، وهذا ما يرى المشركون أنه عين الإفساد لأقوامهم، كما قال فرعون -أخزاه الله تعالى - [ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الفَسَادَ] {غافر:26}.
إن الاحتساب على الناس، وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر، هو دين الله تعالى الذي جاءت به الرسل، وهو سبب العداوة بين أهل الحق وأهل الباطل منذ أن وجد على الأرض حق وباطل، وأهل الحسبة من الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر في كل زمان ومكان هم أتباع الرسل ، والمعارضون للحسبة والأمر والنهي الشرعيين هم أتباع المشركين، أعداء المرسلين، أو فيهم شبه بهم.
ومن نظر في سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، واطلع على أوامره ونواهيه علم أنه إنما جاء بالاحتساب على الناس، وغرض احتسابه عليهم إصلاح أحوال معاشهم ومعادهم؛ وذلك بإصلاح عقائدهم وتطهيرها من أدران الشرك إلى التوحيد، وإصلاح عباداتهم بتنقيتها من أوضار البدع والخرافات، وإصلاح معاملاتهم وأخلاقهم بتخليصها من كل ما يوجب الظلم والفساد. وذلك لا يكون إلا بأمر ونهي وتدخل فيما يسمى بالخصوصيات، وذلك هو مقتضى كلمة التوحيد، ولازم شهادة الحق بأن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ولا يكون الله تعالى معبودا للناس لا شريك له حتى يخضعوا لأمره ونهيه، ولا يكون الرسول - عليه الصلاة والسلام - متبوعا إلا بطاعته في أمره ونهيه.
ورسولنا - عليه الصلاة والسلام - لم يجعل الاحتساب على الناس من انتهاك الخصوصيات، أو من التدخل فيما لا يعني، بل جعله من الدين ومن التدخل فيما يعني، وأخبرنا بما أُنزل عليه من الكتاب أن الاحتساب على الناس، وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر، هو من الخيرية التي فضلت بها هذه الأمة [كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِالله] {آل عمران:110}.
وأمرنا - عليه الصلاة والسلام - بذلك فقال:(من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) رواه مسلم من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -.
وعن قيس بن أبي حازم - رحمه الله تعالى - قال: قرأ أبو بكر الصديق هذه الآية [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ] {المائدة:105} قال: إن الناس يضعون هذه الآية على غير موضعها، ألا وإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه -أو قال: المنكر فلم يغيروه- عمهم الله بعقابه)رواه أحمد وصححه ابن حبان.
وفي حديث جرير بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال: سمعت رسول الله صلى الله لعيه وسلم يقول:(ما من رجل يكون في قوم يُعمل فيهم بالمعاصي يَقْدرون على أن يغيروا عليه فلا يغيروا إلا أصابهم الله بعذاب من قبل أن يموتوا)رواه أبو داود.
فهل نطيع في هذا الأمر العظيم ربنا جل جلاله، ونطيع رسولنا الذي أُمرنا باتباعه - عليه الصلاة والسلام - ، أم نطيع ثلة من منحرفي الإعلام والصحافة، تاريخهم حافل بترويج التخلف والانحلال والضياع، ومحاربة ما جاءت به الرسل -عليهم السلام - من الهدى والنور والرشاد؟! نسأل الله تعالى أن يكفي المسلمين شرهم، وأن يشغلهم في أنفسهم، إنه سميع مجيب.
[وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ البَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ] {آل عمران:105}.
بارك الله لي ولكم...
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين؛ وفق من شاء من عباده لفعل الخيرات وترك المنكرات، فكان سعيهم مشكورا، وعملهم مأجورا، نحمده حمد الشاكرين، ونستغفره استغفار المذنبين، ونسأله من فضله العظيم، وأشهد أن لا إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله ربكم، وأخلصوا له دينكم، واستسلموا لأمره، واجتنبوا نهيه، واحذروا عقابه [وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ] {الأنفال:25}.
أيها المسلمون: لا يستغرب على دعاة الفساد والإفساد والانحلال، وخفافيش التخلف والظلام والضياع في هذا العصر من المنافقين والشهوانيين؛ حملتهم المسعورة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومحاولة إبطاله في الأمة، وتقرير مذهب أئمة الشرك المتقدمين والمتأخرين في الحرية الدينية، ومطالبتهم بعدم التدخل فيما يسمونه الخصوصيات، مع سعيهم الجاد في نشر المنكرات بكل وسيلة، والأمر بها، والدعوة إليها، والنهي عن المعروف الذي جاءت به الرسل -عليهم السلام - من عند الله تعالى، وما هم إلا المذكورون في قول الله تعالى [المُنَافِقُونَ وَالمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ المُنَافِقِينَ هُمُ الفَاسِقُونَ] {التوبة:67}.
إن الواحد من المؤمنين لو أمر بمعروف أو نهى عن منكر لزلقوه بأبصارهم، وسلقوه بألسنتهم، ورموه بالتدخل فيما لا يعنيه، واحتجوا عليه بأن لهذه المهمة جهة مسئولة وهو ينتهك تخصصها، ويتدخل في عملها.
ثم إذا هم لم يحترموا هذه الجهة المسئولة، ولا يتركونها لتقوم بعملها، بل يحاربونها سرا وعلانية، وينفرون الناس منها، ويفترون الكذب عليها، ويضخمون أخطاءها، ويظهرون معايبها، ويخفون محاسنها، وفي النهاية يطالبون بإلغائها، فبذلك علم ماذا يريدون؟ وإلى أي مدى سينتهون؟
إنهم يسعون جادين لإبطال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما حاول إبطاله أعداء الرسل من قبلهم، ومطلوبهم الأكبر من هذه الحملة الصليبية الليبرالية رأس هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى امتدت رأفتهم وشفقتهم إلى قتلة الشباب من مروجي المخدرات، ولم يرحموا ضحايا هؤلاء المجرمين، فمن هو المفسد؟ ومن هو المصلح؟
إنها حملة إعلامية فاجرة تركز على بعض الأخطاء التي هي محل البحث والنظر لدى جهات التحقيق، وتتعامى عن سيل من المنجزات والإبداعات، في كشف شبكات ترويج الخمور والمخدرات والتزوير والدعارة وغيرها.
ويا ليت أن هذا التركيز على الأخطاء القليلة المحتملة كان بدافع الإصلاح، ورفع الضرر، وإحقاق الحق، ومحاسبة المخطئين والمقصرين، ولو كان الأمر كذلك لكانوا محل الشكر والثناء والتأييد والمعونة ، ولكنهم قوم لا خلاق لهم قد تسلقوا على هذه الأخطاء المحتملة، التي يقع ما هو أكثر وأكبر منها في جهات أخرى؛ لتحقيق مآرب خسيسة، من نفوس خبيثة، تريد وأد الفضيلة، ونشر الرذيلة، وإغراق الناس في لجج من الفساد والانحلال والضياع!!
والعجب كل العجب من صفاقتهم ووقاحتهم حين جعلوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مجالا لتصويت الناس عليه، وأخذ رأيهم فيه، وهو شعيرة كبرى من شعائر الله تعالى، ورأس في دينه عز وجل!! يصوتون عليه في قنوات لو صُوِّت عليها في بلاد المسلمين لأغلقت في لحظتها؛ لأنها لا تمثلهم وإنما تمثل أعداءهم، وتروج لكل دين ونحلة خلا الإسلام، وتدافع عن جرائم الأعداء أكثر من دفاعها عن حقوق من تنطق بلسانهم، وتتسمى باسمهم.
يا له من فساد في العقول، وخلل في التفكير، وانحراف في الفطر من قوم ما عُرف عنهم إلا أنهم الآمرون بالمنكر، الناهون عن المعروف، وما لسانهم إلا لسان قوم لوط حين قالوا [أَخْرِجُوا آَلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ] {النمل:56}.
العهر عندهم فضيلة، والآمرون به مطاعون ومقدسون، والطهر في مذهبهم رذيله، والآمرون بالطهر المحافظون عليه غير مرغوب فيهم؛ ولذا يريدون إغلاق مؤسستهم، كما نادى قوم لوط بإخراجه - عليه السلام - من قريتهم.
إن حقدهم على الفضيلة، وضغينتهم على الآمرين بها قد بلغ بهم حدا أغلق عقولهم وأسماعهم وأبصارهم، فجعلهم ينطقون بما لا يعقلون، ويهرفون بما لا يعرفون، وإلا هل ينادي عاقل بإغلاق جهاز الحسبة لأن أخطاء محتملة وقعت من بعض أفراده، لولا أن مطلوبهم الأكبرَ شعيرةُ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر!!
ماذا لو أن بعض الأطباء أخطئوا فقتلوا بعض المرضى فكتب بعض الناس أن تُغلق المستشفيات، وتُلغى كليات الطب ووزارة الصحة؟ أليس حق المطالب بذلك أن يُحجر عليه ويعالج في مستشفيات الصحة النفسية، لا أن يُصَدَّر في وسائل الإعلام المختلفة؟! وقل مثل ذلك في كل الدوائر والمؤسسات والوزارات، تُلغى لأجل ما فيها من الأخطاء والتجاوزات، أيقول عقلاءٌ من البشر بذلك، فالحمد لله على نعمة العقل.
إنها -يا عباد الله- مواجهة بين أتباع الرسل الذين ينادون بالطهر والعفاف، ويحافظون على نقاء المجتمع وتماسكه وبين أعداء الرسل الذين يروجون للخنا والمواخير، ويحاولون جر الناس إلى الرذائل والموبقات، وليختر كل مسلم مع أي الفريقين يكون، وإلى أي الطائفتين ينحاز، أإلى أتباع الرسل، وأنصار الفضيلة أم إلى أتباع المشركين، وأنصار الرذيلة؟!
حمى الله بلادنا وبلاد المسلمين من شر الفاسدين المفسدين، وردهم على أعقابهم خاسرين، إنه سميع مجيب.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد....
الحسبة والمحتسبون (2)
الحسبة فيصل بين الحق والباطل
الخطبة الأولى
الحمد لله العليم الحكيم؛ ابتلى عباده فجعل للحق منهم أنصارا، وجعل للباطل منهم أعوانا، وكتب الصراع بينهم فتنة لهم واختبارا [وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا] {الفرقان:20} نحمده على ما هدانا، ونشكره على ما أعطانا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ كتب العز لمن نصر دينه، وقضى بالذل على من حارب شريعته [إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ] {غافر:51} وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ ختم الله تعالى به الرسالات، فلا دين إلا دينه إلى آخر الزمان، ولا تزال طائفة من أمته على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله تعالى وهم على ذلك، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وأتباعه إلى يوم الدين.
أما بعد: فأوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله عز وجل؛ فإنها الأنيس في الغربة، والنجاة من الكربة، والجليس في القبر حين الوحشة [وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى الله فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا] {الطَّلاق:3}.
أيها الناس: من حكمة الله تعالى في البشر تكليفهم بالشرائع، ومن رحمته تعالى بهم هدايتهم لها، ودلالتهم عليها بما أرسل لهم من الرسل، وما أنزل عليهم من الكتب، فأقام بها حجته عليهم، وقطع أعذارهم [رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى الله حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ] {النساء:165}.
والرسل - عليهم السلام - جاءوا أقوامهم بما لم يعهدوا، ونهوهم عما تعودوا؛ ولذا أنكر المشركون ما جاءتهم به رسلهم، وقال قائلهم [أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا] {الأعراف:70} وأخبر الله تعالى عنهم أنهم قدَّموا ما توارثوه عن آبائهم على ما جاءتهم به رسلهم [وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا] {المائدة:104}.
إن الظاهر من أحوال المشركين في كل الأمم السالفة أنهم ما رفضوا تنسك الأنبياء وتعبدهم، ولا أنكروا عليهم عدم مشاركتهم في شركهم، ولا ألزموهم بعبادة أصنامهم، وإنما أنكروا عليهم أمرهم بالمعروف الذي رأسه توحيد الله تعالى، ونهيهم عن المنكر الذي غايته شركهم بالله تعالى؛ مما يدل على أن ما يسمى في العصر الحاضر بالحرية الدينية كان موجودا عند المشركين، وهذا ما لا يفهمه كثير من الناس فيستغربونه وقد ينكرونه.
إن الرسل - عليهم السلام - ما نزلوا من السماء، ولا جاءوا إلى الأرض من غيرها، ولا نزحوا إلى قبائلهم من خارجها، بل هم من صليبة أقوامهم: ولدوا فيهم، وعاشوا بينهم، حتى أرسلهم الله تعالى إليهم، وقبل بعثهم أنبياء كانوا يرون أقوامهم على الشرك، وما كانت الرسل لتشرك بالله تعالى شيئا فقد عصمهم الله تعالى من الشرك قبل بعثتهم وبعدها، ولو قُدِّر وقوعُ الشرك منهم لاحتج به المشركون عليهم لما دعتهم رسلهم إلى التوحيد، ولقالوا لهم: أتنهوننا أن نعبد ما كنتم تعبدون معنا؟ ولما احتاج المشركون إلى إحالتهم على ما كان يعبد الآباء.
إن المشركين ما كانوا يجبرون الرسل قبل مبعثهم على عبادة أصنامهم وإلا لوجدت العداوة بين المشركين وبين الرسل قبل أن يبعثوا، ولنقل ذلك. بل ما حكاه القرآن يدل على أن الرسل كانوا على وفاق مع أقوامهم قبل أن يأمروهم بالمعروف وينهوهم عن المنكر، ومن أدلة ذلك قول قوم صالح - عليه السلام - [يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ] {هود:62}.
فهذه تزكية منهم لصالح - عليه السلام - ، وثناء عليه إلى أن أمرهم ونهاهم، فرفضوه، وتنكروا له، وانقلبوا عليه.
ونبينا محمد - عليه الصلاة والسلام - تحكي سيرته الخالدة أنه اجتنب المشركين وما يعبدون، وكان يتعبد لله تعالى في غار حراء، وما نُقل أن المشركين أنكروا ذلك عليه ، أو ضايقوه في عبادته، أو ألزموه بشركهم. بل كان - عليه الصلاة والسلام - محل إعجابهم وثنائهم، وموضع تقديرهم وثقتهم؛ حتى إنهم كانوا يستودعونه أماناتهم، ويُحكِّمونه بينهم، ولقبوه بالأمين.
وكان في مكة قبل المبعث بعض الحنفاء الذين بقوا على دين إبراهيم -عليه السلام -، ومنهم من تنصر وقرأ الإنجيل بالعبرانية كورقة بن نوفل، وما عُرف أن أهل الشرك من كبار قريش كانوا يؤذونهم، أو يجبرونهم على الشرك، أو يحولون بينهم وبين عبادتهم.
كل هذا يدل على أن المشركين كانوا يتحلَّون بما يسمى في هذا العصر بالحرية الدينية، وما نقموا على من يوحد الله تعالى أن يوحده إذا لم يأمرهم أو ينههم، كما يدل على أن الذي نقمه المشركون من رسلهم، وعارضوهم فيه، وآذوهم من أجله هو ما يسمى في هذا العصر بالتدخل في الخصوصيات، وهي التي أمر الشارع الحكيم رسله - عليهم السلام - أن يتدخلوا فيها بالأمر والنهي، فيأمروهم بكل معروف، وينهوهم عن كل منكر، وقد أنكر المشركون هذا الأمر والنهي بشدة، وحاربوا رسلهم من أجله، قال قوم شعيب -عليه السلام- له [أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ] {هود:87}.
فهم ما نقموا عليه إلا تدخله في خصوصياتهم، وتقييده لحرياتهم في عباداتهم وأموالهم، وهذا ما يرى المشركون أنه عين الإفساد لأقوامهم، كما قال فرعون -أخزاه الله تعالى - [ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الفَسَادَ] {غافر:26}.
إن الاحتساب على الناس، وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر، هو دين الله تعالى الذي جاءت به الرسل، وهو سبب العداوة بين أهل الحق وأهل الباطل منذ أن وجد على الأرض حق وباطل، وأهل الحسبة من الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر في كل زمان ومكان هم أتباع الرسل ، والمعارضون للحسبة والأمر والنهي الشرعيين هم أتباع المشركين، أعداء المرسلين، أو فيهم شبه بهم.
ومن نظر في سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، واطلع على أوامره ونواهيه علم أنه إنما جاء بالاحتساب على الناس، وغرض احتسابه عليهم إصلاح أحوال معاشهم ومعادهم؛ وذلك بإصلاح عقائدهم وتطهيرها من أدران الشرك إلى التوحيد، وإصلاح عباداتهم بتنقيتها من أوضار البدع والخرافات، وإصلاح معاملاتهم وأخلاقهم بتخليصها من كل ما يوجب الظلم والفساد. وذلك لا يكون إلا بأمر ونهي وتدخل فيما يسمى بالخصوصيات، وذلك هو مقتضى كلمة التوحيد، ولازم شهادة الحق بأن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ولا يكون الله تعالى معبودا للناس لا شريك له حتى يخضعوا لأمره ونهيه، ولا يكون الرسول - عليه الصلاة والسلام - متبوعا إلا بطاعته في أمره ونهيه.
ورسولنا - عليه الصلاة والسلام - لم يجعل الاحتساب على الناس من انتهاك الخصوصيات، أو من التدخل فيما لا يعني، بل جعله من الدين ومن التدخل فيما يعني، وأخبرنا بما أُنزل عليه من الكتاب أن الاحتساب على الناس، وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر، هو من الخيرية التي فضلت بها هذه الأمة [كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِالله] {آل عمران:110}.
وأمرنا - عليه الصلاة والسلام - بذلك فقال:(من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) رواه مسلم من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -.
وعن قيس بن أبي حازم - رحمه الله تعالى - قال: قرأ أبو بكر الصديق هذه الآية [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ] {المائدة:105} قال: إن الناس يضعون هذه الآية على غير موضعها، ألا وإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه -أو قال: المنكر فلم يغيروه- عمهم الله بعقابه)رواه أحمد وصححه ابن حبان.
وفي حديث جرير بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال: سمعت رسول الله صلى الله لعيه وسلم يقول:(ما من رجل يكون في قوم يُعمل فيهم بالمعاصي يَقْدرون على أن يغيروا عليه فلا يغيروا إلا أصابهم الله بعذاب من قبل أن يموتوا)رواه أبو داود.
فهل نطيع في هذا الأمر العظيم ربنا جل جلاله، ونطيع رسولنا الذي أُمرنا باتباعه - عليه الصلاة والسلام - ، أم نطيع ثلة من منحرفي الإعلام والصحافة، تاريخهم حافل بترويج التخلف والانحلال والضياع، ومحاربة ما جاءت به الرسل -عليهم السلام - من الهدى والنور والرشاد؟! نسأل الله تعالى أن يكفي المسلمين شرهم، وأن يشغلهم في أنفسهم، إنه سميع مجيب.
[وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ البَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ] {آل عمران:105}.
بارك الله لي ولكم...
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين؛ وفق من شاء من عباده لفعل الخيرات وترك المنكرات، فكان سعيهم مشكورا، وعملهم مأجورا، نحمده حمد الشاكرين، ونستغفره استغفار المذنبين، ونسأله من فضله العظيم، وأشهد أن لا إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله ربكم، وأخلصوا له دينكم، واستسلموا لأمره، واجتنبوا نهيه، واحذروا عقابه [وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ] {الأنفال:25}.
أيها المسلمون: لا يستغرب على دعاة الفساد والإفساد والانحلال، وخفافيش التخلف والظلام والضياع في هذا العصر من المنافقين والشهوانيين؛ حملتهم المسعورة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومحاولة إبطاله في الأمة، وتقرير مذهب أئمة الشرك المتقدمين والمتأخرين في الحرية الدينية، ومطالبتهم بعدم التدخل فيما يسمونه الخصوصيات، مع سعيهم الجاد في نشر المنكرات بكل وسيلة، والأمر بها، والدعوة إليها، والنهي عن المعروف الذي جاءت به الرسل -عليهم السلام - من عند الله تعالى، وما هم إلا المذكورون في قول الله تعالى [المُنَافِقُونَ وَالمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ المُنَافِقِينَ هُمُ الفَاسِقُونَ] {التوبة:67}.
إن الواحد من المؤمنين لو أمر بمعروف أو نهى عن منكر لزلقوه بأبصارهم، وسلقوه بألسنتهم، ورموه بالتدخل فيما لا يعنيه، واحتجوا عليه بأن لهذه المهمة جهة مسئولة وهو ينتهك تخصصها، ويتدخل في عملها.
ثم إذا هم لم يحترموا هذه الجهة المسئولة، ولا يتركونها لتقوم بعملها، بل يحاربونها سرا وعلانية، وينفرون الناس منها، ويفترون الكذب عليها، ويضخمون أخطاءها، ويظهرون معايبها، ويخفون محاسنها، وفي النهاية يطالبون بإلغائها، فبذلك علم ماذا يريدون؟ وإلى أي مدى سينتهون؟
إنهم يسعون جادين لإبطال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما حاول إبطاله أعداء الرسل من قبلهم، ومطلوبهم الأكبر من هذه الحملة الصليبية الليبرالية رأس هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى امتدت رأفتهم وشفقتهم إلى قتلة الشباب من مروجي المخدرات، ولم يرحموا ضحايا هؤلاء المجرمين، فمن هو المفسد؟ ومن هو المصلح؟
إنها حملة إعلامية فاجرة تركز على بعض الأخطاء التي هي محل البحث والنظر لدى جهات التحقيق، وتتعامى عن سيل من المنجزات والإبداعات، في كشف شبكات ترويج الخمور والمخدرات والتزوير والدعارة وغيرها.
ويا ليت أن هذا التركيز على الأخطاء القليلة المحتملة كان بدافع الإصلاح، ورفع الضرر، وإحقاق الحق، ومحاسبة المخطئين والمقصرين، ولو كان الأمر كذلك لكانوا محل الشكر والثناء والتأييد والمعونة ، ولكنهم قوم لا خلاق لهم قد تسلقوا على هذه الأخطاء المحتملة، التي يقع ما هو أكثر وأكبر منها في جهات أخرى؛ لتحقيق مآرب خسيسة، من نفوس خبيثة، تريد وأد الفضيلة، ونشر الرذيلة، وإغراق الناس في لجج من الفساد والانحلال والضياع!!
والعجب كل العجب من صفاقتهم ووقاحتهم حين جعلوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مجالا لتصويت الناس عليه، وأخذ رأيهم فيه، وهو شعيرة كبرى من شعائر الله تعالى، ورأس في دينه عز وجل!! يصوتون عليه في قنوات لو صُوِّت عليها في بلاد المسلمين لأغلقت في لحظتها؛ لأنها لا تمثلهم وإنما تمثل أعداءهم، وتروج لكل دين ونحلة خلا الإسلام، وتدافع عن جرائم الأعداء أكثر من دفاعها عن حقوق من تنطق بلسانهم، وتتسمى باسمهم.
يا له من فساد في العقول، وخلل في التفكير، وانحراف في الفطر من قوم ما عُرف عنهم إلا أنهم الآمرون بالمنكر، الناهون عن المعروف، وما لسانهم إلا لسان قوم لوط حين قالوا [أَخْرِجُوا آَلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ] {النمل:56}.
العهر عندهم فضيلة، والآمرون به مطاعون ومقدسون، والطهر في مذهبهم رذيله، والآمرون بالطهر المحافظون عليه غير مرغوب فيهم؛ ولذا يريدون إغلاق مؤسستهم، كما نادى قوم لوط بإخراجه - عليه السلام - من قريتهم.
إن حقدهم على الفضيلة، وضغينتهم على الآمرين بها قد بلغ بهم حدا أغلق عقولهم وأسماعهم وأبصارهم، فجعلهم ينطقون بما لا يعقلون، ويهرفون بما لا يعرفون، وإلا هل ينادي عاقل بإغلاق جهاز الحسبة لأن أخطاء محتملة وقعت من بعض أفراده، لولا أن مطلوبهم الأكبرَ شعيرةُ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر!!
ماذا لو أن بعض الأطباء أخطئوا فقتلوا بعض المرضى فكتب بعض الناس أن تُغلق المستشفيات، وتُلغى كليات الطب ووزارة الصحة؟ أليس حق المطالب بذلك أن يُحجر عليه ويعالج في مستشفيات الصحة النفسية، لا أن يُصَدَّر في وسائل الإعلام المختلفة؟! وقل مثل ذلك في كل الدوائر والمؤسسات والوزارات، تُلغى لأجل ما فيها من الأخطاء والتجاوزات، أيقول عقلاءٌ من البشر بذلك، فالحمد لله على نعمة العقل.
إنها -يا عباد الله- مواجهة بين أتباع الرسل الذين ينادون بالطهر والعفاف، ويحافظون على نقاء المجتمع وتماسكه وبين أعداء الرسل الذين يروجون للخنا والمواخير، ويحاولون جر الناس إلى الرذائل والموبقات، وليختر كل مسلم مع أي الفريقين يكون، وإلى أي الطائفتين ينحاز، أإلى أتباع الرسل، وأنصار الفضيلة أم إلى أتباع المشركين، وأنصار الرذيلة؟!
حمى الله بلادنا وبلاد المسلمين من شر الفاسدين المفسدين، وردهم على أعقابهم خاسرين، إنه سميع مجيب.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد....
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى