مسلم
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
الشيخ /صالح بن عبد الرحمن الخضيري
الاستغفار
الخطبة الأولى
الحمد لله الواحد القهار , العزيز الغفار , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولو كره الكافرون , ربٌّ رحيم , جوادٌ كريم , أثنى على التائبين وأشاد بالمستغفرين فقال وهو أصدق القائلين: {الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ }آل عمران17 , أحمده على نعمه الغِزار , وأشكره على فضله المدرار.
وأشهد أن نبينا محمَّداً عبد الله ورسوله المختار, أرشد أمته ودلَّهم على خير ما يعلمهم لهم ومن ذلك الاستغفار, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه البررة الأطهار وعلى التابعين لهم بإحسان ما تعاقب الليل والنهار.
أمَّا بعدُ فيا أيُّها المُسلمون : اتقوا الله تعالى وراقبوه , واستقيموا إليه واستغفروه , إن ربي رحيم ودود.
أيُّها الإخوةُ في الله: ما أكثر ما نقع في المخالفات , ونجترح السيئات , وما أكثر ما نرتكب من المنهيات , ولهذا فإن من رحمة ربنا بنا وفضله علينا أن شرع لنا ما يكفر هذه السيئات ويحولها إلى حسنات , إنه علاج ناجع , ودواء للذنوب نافع , من لَزِمَهُ وداوم عليه جعل الله له من كل هم فرجاً , ومن كل ضيق مخرجاً , ومن كل بلاء عافيةً ذلكم يا عباد الله هو: الاستغفار , وهو طلب العبد وسؤاله لله بأن يمحو عنه الآثام والذنوب , وأن يصونه من أن يمسه العذاب أو يناله العقاب , يقول ذلك العبد بلسانه وفِعاله , ولقد أمر الله بالاستغفار وأمر رسوله بأن يستغفر للمؤمنين والمؤمنات , فقال تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ }محمد19, وقال سبحانه آمراً رسوله بالاستغفار: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً }النصر3, وقال: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ }غافر55
وقال سبحانه مخبراً عن الملائكة المقربين واستغفارهم للمؤمنين: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ }غافر7.
وأخبر جل وعلا عن أنبيائه الأخيار ورسله الأبرار أنهم كانوا يستغفرون الله ويأمرون بذلك أقوامهم:
- فقال عن نوح عليه السلام : {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً }نوح12. فأخبر أن الاستغفار سبب لنزول الأمطار وكثرة الأموال والأولاد والخيرات.
- وقال عن هود عليه السلام أنه قال لقومه: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ } (52) سورة هود .
- وقال عن صالح عليه السلام أنه قال لقومه: { يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ } (61) سورة هود.
- وقال شعيب عليه السلام لقومه: {وَاسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ} (90) سورة هود, وأخبر أن الاستغفار من موجبات الرحمة , فقال مخبراً عن صالح u أنه قال لقومه: { لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (46) سورة النمل .
- وأخبر عن داوود عليه السلام بقوله: { فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ * فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ }ص25
ودعا- سبحانه- إلى التوبة والاستغفار كل من وقع في الذنوب والأوزار , ولو كانت من العظائم الكبار , فقال داعياً أهل الكتاب الذين جعلوا له ولداً تعالى عن ذلك: {أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى اللّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (74) سورة المائدة ,وقال جل وعلا: {وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا} (110) سورة النساء .
والاستغفار أمانٌ من العذاب , قال تعالى: { وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} (33) سورة الأنفال. وفي صحيح مسلم عن النبي r أنه قال: ((والذي نفسي بيَده لو لَم تُذنبوا لذهب الله تعالى بكم وَلَجاء بقومٍ يذنبون فيستغفرون الله تعالى فيغفرُ لهم)).
ولقد كان سيد المستغفرين وإمام المتقين نبينا محمد r يستغفر الله في اليوم مائة مرة كما خرجه مسلم في الصحيح , وعند البخاري عند أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله r يقول: ((واللهِ إنِّي لأستغفر الله وأتوبُ إليه في اليوم أكثر من سبعينَ مرة)), وفي السنن أن الصحابة كانوا يعدون له r في المجلس الواحد مائة مرة يقول: ((ربِّ اغفرْ لي وتُبْ عليَّ إنَّك أنت التَّواب الرَّحيم)). [رواه أبوداوود والترمذي وقال حدي حسن صحيح أنظر رياض الصالحين 596 ت الألباني]
ولقد أثنى الله عز وجل على طائفة من المؤمنين فقال: {كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ }(17-18) سورة الذاريات, وقال: { وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ} (17) سورة آل عمران, وقال: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُون * أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} (134-135) سورة آل عمران .
قال القرطبي رحمه الله: ( الاستغفار عظيم , وثوابه جسيم , قال النبي r : ((من قال أَسْتَغفرُ اللهَ الذي لا إله إلا هو الحيُّ القيُّوم وأتوب إليه غفرْتُ ذنوبه وإن كان قد فرَّ من الزَّحف)). والاستغفار المطلوب هو الذي يحل عقد الإصرار , ويثبت معناه في الجَنان , لا التلفظ باللسان فحسب , فأما من قال بلسانه: أستغفر الله , وقلبه مصرٌّ على معصيته فاستغفاره ذلك يحتاج إلى استغفار , وصغيرته لاحقة بالكبائر . وروي عن الحسن البصري رحمه الله أنه قال: ( استغفارنا يحتاج إلى استغفار ). قلت: هذا يقوله في زمانه فكيف في زماننا هذا الذي يرى فيه الإنسان مكبَّاً على الظلم حريصاً عليه لا يقلع ...) أهـ كلامه رحمه الله.
فالله المُستعان: هذا كلام القرطبيِّ في القرن السابع , فماذا عسى أن نقول في عصرنا هذا وقد استولت الغفلة على القلوب , وران عليها كدر الذنوب , وأصبحت كثير من البيوت والمؤسسات تعجُّ بآلات اللهو , والمعازف والمنكرات , من الأجهزة المفسدة التي تصد عن ذكر الله وعن الصلاة , وتفسد أخلاق البنين والبنات , ولا حول ولا قوة إلا بالله لقد أصبحت بيوت بعض المسلمين مقرَّاً للشياطين , فلا ذكر ولا استغفار بل يسمع من داخلها الغناء المحرم والسبُّ واللعن .
ولهذا فلا عجب أن تكثر الشكوى من مسِّ الجن والإصابة بالعين وتعقد الأمور { إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ } (11) سورة الرعد . إن ذكر الله واستغفاره يطرد الشياطين ويدني الملائكة المقربين , قال النبي r : ((إذا دخَل الرَّجلُ بيتَه فذكرَ اللهَ تعالى عندَ دخوله وعند طعامِهِ , قال الشيطان لأصحابه لا مَبِيتَ لكم ولا عشاء , وإذا دخلَ فلمْ يذكرِ اللهَ تعالى عند دخوله قال الشيطان أدركتم المَبيت , وإذا لم يذكر الله عند طعامه قال أدركتم المَبيت والعَشَاء)). [رواه مسلم].
أيُّها المُسلمون: ما أكثر فوائد الاستغفار وما أعظم بركته على العبد , إنه سبب لغُفران الذنوب مهما عظمت وكثُرت , ففي الحديث الصحيح يقول r : ((قال اللهُ تعالى: يا ابن آدم إنك ما دَعوتَني ورجَوتَني غفرْتُ لك على ما كان منك ولا أبالي , يا ابن آدم لو بلَغَتْ ذنوبُك عَنان السماء ثم استغفرتني غفرتُ لك , يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقُراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تُشرك بي شيئا لأتيتك بقُرابها مغفرة)).
إن الاستغفار سبب لتفريج الكروب وطرد الهموم والغموم , وفي سنن أبي داوود: ((من لَزِمَ الاستغفار جعل له من كل ضيقٍ مخرجاً , ومن كلِّ همٍّ فرجاً, ورزقه من حيث لا يحتسب)). [صححه أحمد شاكر].
إن على المرء أن يلزم الاستغفار في جميع أحواله, فلربما صادف ساعة إجابة مع خضوع وانكسار فيحظى بمغفرة الله ورضوانه وذلك هو الفوز العظيم , قال لقمان لابنه: (يا بني عوِّد لسانك الاستغفار فإن لله ساعات لا يرد فيها سائلا). وقال الحسن : (أكثروا من الاستغفار في بيوتكم وعلى موائدكم وفي طرقكم وفي أسواقكم ومجالسكم أينما كنتم فإنكم لا تدرون متى تنزل المغفرة).
وأفضل أنواع الاستغفار أن يبدأ العبد بالثناء على ربه , ثم يثنِّي بالاعتراف بذنبه , ثم يسأل الله المغفرة كما جاء ذلك في سيد الاستغفار , وهو الدعاء الجامع لمعاني التوبة كلها , فقد روى البخاري عن شداد بن أوس رضي الله عنه عن النبي r قال: ((سيِّد الاستغفار أن يقول العبد: اللهم أنت ربِّي لا إله إلا أنت , خلقتني وأنا عبدُك , وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت , أعوذ بك من شرِّ ما صنعتُ , أبوء لك بنعمتك عليَّ وأبوء بذنبي , فاغفر لي فإنَّه لا يغفر الذنوب إلا أنت . قال: من قالها من النهار موقناً بها فمات من يومه قبل أن يُمسي فهو من أهل الجنة , ومن قالها من الليل وهو موقنٌ بها فمات قبل أن يُصبح فهو من أهل الجنة)).
وللاستغفار أوقاتٌ يتأكد فيها مع أنه مشروع ومستحبٌّ في كل وقت وحال , فمن هذه الأوقات التي يُستحب فيها ويتأكد: بعد الفراغ من الصلاة وبعد الإفاضة من عرفات وأداء جميع العبادات , كما يُشرع في ختام المجالس أن يقول العبد كفَّارة المجلس: (سبحانك اللهم وبحمدك , أشهد أن لا إله إلا أنت , أستغفرك اللهمَّ وأتوب إليك).
وكل مجلسٍ لا ذكر فيه فإنه لا يسلم صاحبه من تبعته , ففي الحديث الصحيح عنه r أنه قال: ((ما جلسَ قومٌ مجلساً لم يذكروا الله تعالى فيه , ولم يصلُّوا على نبيِّهم فيه إلا كان عليهم تِرَة ٌ- أي نقصٌ- فإن شاء عذَّبهم وإن شاء غفر لهم)). [الترمذي وقال حسن].
اللهم إنا نسألك مغفرة الذنوب, وستر العيوب, ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. اللهم إنا نستغفرك وأنت الغفور الرحيم فاغفر لنا أجمعين يا خير الغافرين والحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية
إنَّ الحمد لله نحمده , ونستعينه ونستغفره , ونعوذ بالله من شرور أنفسنا, ومن سيئات أعمالنا , من يهده الله فلا مضل له , ومن يضلل فلا هادي له , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , وأشهد أن محمَّداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
أمَّا بعدُ فيا أيُّها المُسلمون : اتقوا ربكم وتوبوا إليه واستغفروه إنه رحيم ودود يحب التوابين والمستغفرين.
أيُّها الإخوةُ في الله : أنفع الاستغفار ما كان مقارناً للتوبة من الذنوب والأوزار , فإذا قال المرء : أستغفر الله , فمعنى هذا أنه طلب مغفرة ربه فهو مثل قوله : اللهم اغفر لي , وبناءً على هذا فإن من تَرَكَ الذنب وسأل المغفرة فهو حري بالإجابة والمغفرة , وأما إن قال بلسانه : أستغفر الله , وهو غير تاركٍ للذنب بقلبه فهو داعٍ بالمغفرة وقد يرجى له الإجابة وإن كان الأول أفضل وأحسن.
عباد الله : لقد كان الاستغفار والذكر من أوثق الأعمال التي يداوم عليها سلفنا الصالح ويحثُّون عليها , فهذا أبو هريرة رضي الله عنه يقول: (إني لأستغفر الله وأتوب إليه كلَّ يومٍ ألف مرَّة وذلك على قدر ديتي). وكان أبو مسلم الخولاني رحمه الله كثير الذكر والاستغفار فرآه بعض الناس فأنكر حاله , فقال لأصحابه : أمجنونٌ صاحبكم ؟ فسمعه أبو مسلم فقال: لا يا أخي ولكن هذا دواء الجنون . وأمر الحجاج بصلب (ماهان العابد) فرُفع على خشبةٍ وهو يسبح ويهلل ويعقد بيده حتى بلغ تسعاً وعشرين فبقي شهراً بعد موته ويده على ذلك العقد مضمومة . وهذا يحيى بن معاذ الرَّازي يقول مشوِّقاً لدوام الذكر والاستغفار : (يا غَفول يا جَهول لو سمعت صرير الأقلام في اللوح المحفوظ وهي تكتب اسمك عند ذكرك لمولاك ((لما غفلت)) -زيادة مني للتوضيح- ولمُتَّ شوقاً إلى مولاك). وكان أحمد بن حرب إذا جلس بين يدي الحجَّام ليحفي شاربه يستغفر ويسبح فيقول له الحجَّام: اسكت ساعة , فيقول: اعمل أنت عملك ((وأنا في عملي)) فربما قطع من شفته وهو لا يعلم.
وكانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تقول: (طوبى لمن وُجد في صحيفته استغفاراً كثيراً). وقال بعض السلف: ما جاور عبدٌ في قبره من جارٍ أحبَّ إليه من استغفارٍ كثير. وقال قتادة: (إن هذا القرآن يدلُّكم على دائكم ودوائكم , فأما داؤكم فالذنوب , وأما دواؤكم فالاستغفار). وكان بعض السلف يقول : إنما معوَّل المذنبين البكاء والاستغفار , فمن أهمته ذنوبه أكثر لها من الاستغفار.
اللهم وفقنا للتوبة والاستغفار وأعذنا من الغفلة وأحوال الغافلين.
الاستغفار
الخطبة الأولى
الحمد لله الواحد القهار , العزيز الغفار , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولو كره الكافرون , ربٌّ رحيم , جوادٌ كريم , أثنى على التائبين وأشاد بالمستغفرين فقال وهو أصدق القائلين: {الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ }آل عمران17 , أحمده على نعمه الغِزار , وأشكره على فضله المدرار.
وأشهد أن نبينا محمَّداً عبد الله ورسوله المختار, أرشد أمته ودلَّهم على خير ما يعلمهم لهم ومن ذلك الاستغفار, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه البررة الأطهار وعلى التابعين لهم بإحسان ما تعاقب الليل والنهار.
أمَّا بعدُ فيا أيُّها المُسلمون : اتقوا الله تعالى وراقبوه , واستقيموا إليه واستغفروه , إن ربي رحيم ودود.
أيُّها الإخوةُ في الله: ما أكثر ما نقع في المخالفات , ونجترح السيئات , وما أكثر ما نرتكب من المنهيات , ولهذا فإن من رحمة ربنا بنا وفضله علينا أن شرع لنا ما يكفر هذه السيئات ويحولها إلى حسنات , إنه علاج ناجع , ودواء للذنوب نافع , من لَزِمَهُ وداوم عليه جعل الله له من كل هم فرجاً , ومن كل ضيق مخرجاً , ومن كل بلاء عافيةً ذلكم يا عباد الله هو: الاستغفار , وهو طلب العبد وسؤاله لله بأن يمحو عنه الآثام والذنوب , وأن يصونه من أن يمسه العذاب أو يناله العقاب , يقول ذلك العبد بلسانه وفِعاله , ولقد أمر الله بالاستغفار وأمر رسوله بأن يستغفر للمؤمنين والمؤمنات , فقال تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ }محمد19, وقال سبحانه آمراً رسوله بالاستغفار: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً }النصر3, وقال: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ }غافر55
وقال سبحانه مخبراً عن الملائكة المقربين واستغفارهم للمؤمنين: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ }غافر7.
وأخبر جل وعلا عن أنبيائه الأخيار ورسله الأبرار أنهم كانوا يستغفرون الله ويأمرون بذلك أقوامهم:
- فقال عن نوح عليه السلام : {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً }نوح12. فأخبر أن الاستغفار سبب لنزول الأمطار وكثرة الأموال والأولاد والخيرات.
- وقال عن هود عليه السلام أنه قال لقومه: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ } (52) سورة هود .
- وقال عن صالح عليه السلام أنه قال لقومه: { يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ } (61) سورة هود.
- وقال شعيب عليه السلام لقومه: {وَاسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ} (90) سورة هود, وأخبر أن الاستغفار من موجبات الرحمة , فقال مخبراً عن صالح u أنه قال لقومه: { لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (46) سورة النمل .
- وأخبر عن داوود عليه السلام بقوله: { فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ * فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ }ص25
ودعا- سبحانه- إلى التوبة والاستغفار كل من وقع في الذنوب والأوزار , ولو كانت من العظائم الكبار , فقال داعياً أهل الكتاب الذين جعلوا له ولداً تعالى عن ذلك: {أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى اللّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (74) سورة المائدة ,وقال جل وعلا: {وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا} (110) سورة النساء .
والاستغفار أمانٌ من العذاب , قال تعالى: { وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} (33) سورة الأنفال. وفي صحيح مسلم عن النبي r أنه قال: ((والذي نفسي بيَده لو لَم تُذنبوا لذهب الله تعالى بكم وَلَجاء بقومٍ يذنبون فيستغفرون الله تعالى فيغفرُ لهم)).
ولقد كان سيد المستغفرين وإمام المتقين نبينا محمد r يستغفر الله في اليوم مائة مرة كما خرجه مسلم في الصحيح , وعند البخاري عند أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله r يقول: ((واللهِ إنِّي لأستغفر الله وأتوبُ إليه في اليوم أكثر من سبعينَ مرة)), وفي السنن أن الصحابة كانوا يعدون له r في المجلس الواحد مائة مرة يقول: ((ربِّ اغفرْ لي وتُبْ عليَّ إنَّك أنت التَّواب الرَّحيم)). [رواه أبوداوود والترمذي وقال حدي حسن صحيح أنظر رياض الصالحين 596 ت الألباني]
ولقد أثنى الله عز وجل على طائفة من المؤمنين فقال: {كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ }(17-18) سورة الذاريات, وقال: { وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ} (17) سورة آل عمران, وقال: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُون * أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} (134-135) سورة آل عمران .
قال القرطبي رحمه الله: ( الاستغفار عظيم , وثوابه جسيم , قال النبي r : ((من قال أَسْتَغفرُ اللهَ الذي لا إله إلا هو الحيُّ القيُّوم وأتوب إليه غفرْتُ ذنوبه وإن كان قد فرَّ من الزَّحف)). والاستغفار المطلوب هو الذي يحل عقد الإصرار , ويثبت معناه في الجَنان , لا التلفظ باللسان فحسب , فأما من قال بلسانه: أستغفر الله , وقلبه مصرٌّ على معصيته فاستغفاره ذلك يحتاج إلى استغفار , وصغيرته لاحقة بالكبائر . وروي عن الحسن البصري رحمه الله أنه قال: ( استغفارنا يحتاج إلى استغفار ). قلت: هذا يقوله في زمانه فكيف في زماننا هذا الذي يرى فيه الإنسان مكبَّاً على الظلم حريصاً عليه لا يقلع ...) أهـ كلامه رحمه الله.
فالله المُستعان: هذا كلام القرطبيِّ في القرن السابع , فماذا عسى أن نقول في عصرنا هذا وقد استولت الغفلة على القلوب , وران عليها كدر الذنوب , وأصبحت كثير من البيوت والمؤسسات تعجُّ بآلات اللهو , والمعازف والمنكرات , من الأجهزة المفسدة التي تصد عن ذكر الله وعن الصلاة , وتفسد أخلاق البنين والبنات , ولا حول ولا قوة إلا بالله لقد أصبحت بيوت بعض المسلمين مقرَّاً للشياطين , فلا ذكر ولا استغفار بل يسمع من داخلها الغناء المحرم والسبُّ واللعن .
ولهذا فلا عجب أن تكثر الشكوى من مسِّ الجن والإصابة بالعين وتعقد الأمور { إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ } (11) سورة الرعد . إن ذكر الله واستغفاره يطرد الشياطين ويدني الملائكة المقربين , قال النبي r : ((إذا دخَل الرَّجلُ بيتَه فذكرَ اللهَ تعالى عندَ دخوله وعند طعامِهِ , قال الشيطان لأصحابه لا مَبِيتَ لكم ولا عشاء , وإذا دخلَ فلمْ يذكرِ اللهَ تعالى عند دخوله قال الشيطان أدركتم المَبيت , وإذا لم يذكر الله عند طعامه قال أدركتم المَبيت والعَشَاء)). [رواه مسلم].
أيُّها المُسلمون: ما أكثر فوائد الاستغفار وما أعظم بركته على العبد , إنه سبب لغُفران الذنوب مهما عظمت وكثُرت , ففي الحديث الصحيح يقول r : ((قال اللهُ تعالى: يا ابن آدم إنك ما دَعوتَني ورجَوتَني غفرْتُ لك على ما كان منك ولا أبالي , يا ابن آدم لو بلَغَتْ ذنوبُك عَنان السماء ثم استغفرتني غفرتُ لك , يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقُراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تُشرك بي شيئا لأتيتك بقُرابها مغفرة)).
إن الاستغفار سبب لتفريج الكروب وطرد الهموم والغموم , وفي سنن أبي داوود: ((من لَزِمَ الاستغفار جعل له من كل ضيقٍ مخرجاً , ومن كلِّ همٍّ فرجاً, ورزقه من حيث لا يحتسب)). [صححه أحمد شاكر].
إن على المرء أن يلزم الاستغفار في جميع أحواله, فلربما صادف ساعة إجابة مع خضوع وانكسار فيحظى بمغفرة الله ورضوانه وذلك هو الفوز العظيم , قال لقمان لابنه: (يا بني عوِّد لسانك الاستغفار فإن لله ساعات لا يرد فيها سائلا). وقال الحسن : (أكثروا من الاستغفار في بيوتكم وعلى موائدكم وفي طرقكم وفي أسواقكم ومجالسكم أينما كنتم فإنكم لا تدرون متى تنزل المغفرة).
وأفضل أنواع الاستغفار أن يبدأ العبد بالثناء على ربه , ثم يثنِّي بالاعتراف بذنبه , ثم يسأل الله المغفرة كما جاء ذلك في سيد الاستغفار , وهو الدعاء الجامع لمعاني التوبة كلها , فقد روى البخاري عن شداد بن أوس رضي الله عنه عن النبي r قال: ((سيِّد الاستغفار أن يقول العبد: اللهم أنت ربِّي لا إله إلا أنت , خلقتني وأنا عبدُك , وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت , أعوذ بك من شرِّ ما صنعتُ , أبوء لك بنعمتك عليَّ وأبوء بذنبي , فاغفر لي فإنَّه لا يغفر الذنوب إلا أنت . قال: من قالها من النهار موقناً بها فمات من يومه قبل أن يُمسي فهو من أهل الجنة , ومن قالها من الليل وهو موقنٌ بها فمات قبل أن يُصبح فهو من أهل الجنة)).
وللاستغفار أوقاتٌ يتأكد فيها مع أنه مشروع ومستحبٌّ في كل وقت وحال , فمن هذه الأوقات التي يُستحب فيها ويتأكد: بعد الفراغ من الصلاة وبعد الإفاضة من عرفات وأداء جميع العبادات , كما يُشرع في ختام المجالس أن يقول العبد كفَّارة المجلس: (سبحانك اللهم وبحمدك , أشهد أن لا إله إلا أنت , أستغفرك اللهمَّ وأتوب إليك).
وكل مجلسٍ لا ذكر فيه فإنه لا يسلم صاحبه من تبعته , ففي الحديث الصحيح عنه r أنه قال: ((ما جلسَ قومٌ مجلساً لم يذكروا الله تعالى فيه , ولم يصلُّوا على نبيِّهم فيه إلا كان عليهم تِرَة ٌ- أي نقصٌ- فإن شاء عذَّبهم وإن شاء غفر لهم)). [الترمذي وقال حسن].
اللهم إنا نسألك مغفرة الذنوب, وستر العيوب, ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. اللهم إنا نستغفرك وأنت الغفور الرحيم فاغفر لنا أجمعين يا خير الغافرين والحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية
إنَّ الحمد لله نحمده , ونستعينه ونستغفره , ونعوذ بالله من شرور أنفسنا, ومن سيئات أعمالنا , من يهده الله فلا مضل له , ومن يضلل فلا هادي له , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , وأشهد أن محمَّداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
أمَّا بعدُ فيا أيُّها المُسلمون : اتقوا ربكم وتوبوا إليه واستغفروه إنه رحيم ودود يحب التوابين والمستغفرين.
أيُّها الإخوةُ في الله : أنفع الاستغفار ما كان مقارناً للتوبة من الذنوب والأوزار , فإذا قال المرء : أستغفر الله , فمعنى هذا أنه طلب مغفرة ربه فهو مثل قوله : اللهم اغفر لي , وبناءً على هذا فإن من تَرَكَ الذنب وسأل المغفرة فهو حري بالإجابة والمغفرة , وأما إن قال بلسانه : أستغفر الله , وهو غير تاركٍ للذنب بقلبه فهو داعٍ بالمغفرة وقد يرجى له الإجابة وإن كان الأول أفضل وأحسن.
عباد الله : لقد كان الاستغفار والذكر من أوثق الأعمال التي يداوم عليها سلفنا الصالح ويحثُّون عليها , فهذا أبو هريرة رضي الله عنه يقول: (إني لأستغفر الله وأتوب إليه كلَّ يومٍ ألف مرَّة وذلك على قدر ديتي). وكان أبو مسلم الخولاني رحمه الله كثير الذكر والاستغفار فرآه بعض الناس فأنكر حاله , فقال لأصحابه : أمجنونٌ صاحبكم ؟ فسمعه أبو مسلم فقال: لا يا أخي ولكن هذا دواء الجنون . وأمر الحجاج بصلب (ماهان العابد) فرُفع على خشبةٍ وهو يسبح ويهلل ويعقد بيده حتى بلغ تسعاً وعشرين فبقي شهراً بعد موته ويده على ذلك العقد مضمومة . وهذا يحيى بن معاذ الرَّازي يقول مشوِّقاً لدوام الذكر والاستغفار : (يا غَفول يا جَهول لو سمعت صرير الأقلام في اللوح المحفوظ وهي تكتب اسمك عند ذكرك لمولاك ((لما غفلت)) -زيادة مني للتوضيح- ولمُتَّ شوقاً إلى مولاك). وكان أحمد بن حرب إذا جلس بين يدي الحجَّام ليحفي شاربه يستغفر ويسبح فيقول له الحجَّام: اسكت ساعة , فيقول: اعمل أنت عملك ((وأنا في عملي)) فربما قطع من شفته وهو لا يعلم.
وكانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تقول: (طوبى لمن وُجد في صحيفته استغفاراً كثيراً). وقال بعض السلف: ما جاور عبدٌ في قبره من جارٍ أحبَّ إليه من استغفارٍ كثير. وقال قتادة: (إن هذا القرآن يدلُّكم على دائكم ودوائكم , فأما داؤكم فالذنوب , وأما دواؤكم فالاستغفار). وكان بعض السلف يقول : إنما معوَّل المذنبين البكاء والاستغفار , فمن أهمته ذنوبه أكثر لها من الاستغفار.
اللهم وفقنا للتوبة والاستغفار وأعذنا من الغفلة وأحوال الغافلين.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى