مسلم
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
أسباب العصمة من شياطين الجن والإنس
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي جعل الشمس ضياء، والقمر نورا، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة؛ لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا‘ وأثني عليه، وأذكره ذكرا كثيرا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ لم يتخذ ولدا، ولم يكن له شريكا، ولم يتخذ ندا، ولا وزيرا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله بعثه بالحق والهدى وبالنور والضياء؛ بشيرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه، وسراجا منيرا صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وإخوانه وسلم تسليما كثيرا
أما بعد:-
فاتقوا الله عباد الله، واقتدوا برسولكم - صلى الله عليه وسلم -، واحذروا مخالفة هديه، واجتناب أمره؛( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )[63النور].
واتقوا الله ربكم، وقفوا عند حدوده، واجتنبوا محارمه؛ ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ )[102آل عمران].
( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ )[33لقمان].
معشر الإخوة الأفاضل: إن المتأمل في أحوال الناس اليوم في مجتمعات المسلمين؛ أو كثير منها؛ يجد أنه تفشت كثير من حالات الأمراض العصبية، والنفسية، وحالات الصرع، ومس الشياطين، والجنون، وحوادث السحر وما أشبه ذلك، ويتبين هذا بمشاهدة كثير من المصابين بذلك الذين يترددون على أئمة المساجد، والجوامع؛ ليرقوهم بكلمات الله، وبكتابه؛ والذين يترددون على العيادات النفسية - أجارنا الله وإياكم من كل شر -، وهذه الأمراض والحالات؛ قد انتشرت انتشارا كثيرا؛ كما ذكرت، وأصابت كثيرا من الناس؛ الرجال والنساء على حد سواء.
ولا شك من سبب انتشارها، وكثرتها في مجتمعات المسلمين؛ أسباب عدة، ومختلفة وخطيرة، تجمعها ويحيط بها وينتظمها:
( قلة الخوف من الله سبحانه، وضعف الوازع والإيمان، وضعف التوكل واليقين على الله سبحانه وتعالى )، وما يتبع ذلك من تفشي لكثير من ( حالات الحسد والحقد، وقطيعة الأرحام، والكراهية والتباغض، والتدابر بين المسلمين ) والعياذ بالله.
وهذا الأمر( أعني الحسد والقطيعة والجهل وضعف العلم بالدين )؛ وضعف العلم بكتاب الله، وبسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - كل هذا وراء هذه الأمور؛ فهذا الأمر قد يدفع ببعض الناس جهلا، وظلما وعدوانا؛ إلى ارتكاب أمور منكرة؛ يقترفونها في حق إخوانهم المسلمين؛ فيفسدون بها حياتهم والعياذ بالله.
وقد يدفع بعض الناس؛ وخصوصا ( النساء الجاهلات ) إلى ارتكاب شناعات، وجرائم قبيحة في حق أزواجهن، وفي حق كثير من المسلمين؛ بالتردد على السحرة، والعرافين، والمنجمين، والكهنة والعياذ بالله.
وقد ظهرت حوادث كثيرة من هذا الصنف؛ وأقرب حادث أذكره:
جاءني قبل فترة وجيزة أحد الناس، وذكر لي أن قريبه كان عنده، زوجتين فارق إحداهما، وبقيت في عصمته الأخرى، وأنه منذ سبع سنوات لا يعرف الفراش مع زوجته الثانية الباقية في عصمته، وأن حياته انقلبت إلى جحيم! والعياذ بالله.
ثم قال: ففتشنا؛ فوجدنا في الوسادة التي كان ينام عليها، وكان حريصا على إبقاء هذه الوسادة عنده سنين طويلة؛ فتشنا؛ فإذا فيها وفي لفائفها وداخلها ( حرز )؛ فأخرجناه، ولا ندري ما هو؛ فطلبت منه إحضار هذا الحرز، وفتحته؛ فتبين لي أنه سحر من زوجته الأولى لزوجته الثانية - والعياذ بالله - هذا السحر أو الأطر قد أفسد حياة هذا الرجل، وجعله يكره زوجته سبع سنين - والعياذ بالله - والجميل في الأمر أنه لم يتسرع لتقواه، ويفصل العلاقة بينه وبين زوجته ويطلقها، فأحرقت هذه الورقة، وهذا السحر؛ فجاءني الرجل، وأخبرني بأن حياة قريبه قد تبدلت، وصارت حسنة طيبة مع أهله ولله الحمد.
والحاصل أيها الإخوان: أن الحسد والجهل؛ قد يدفع كثيرا من الناس لا سيما الزوجات الجاهلات؛ إلى ارتكاب هذه الأعمال القبيحة؛ فيبوءوا بالإثم العظيم، وقد يرتكبوا إثم قتل نفس معصومة ظلما وعدوانا - والعياذ بالله -؛ فيكونوا من أهل قوله عز وجل:
( وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا)[93النساء].
وفي مثل هذه التربة، وفي مثل هذه المجتمعات التي يقل فيها الخوف من الله سبحانه وتعالى، وضعف اليقين والتوكل؛ تكون تربة صالحة لانتشار الدجالين، والكهنة والمشعوذين والعرافين؛ الذين انتشروا انتشارا كبيرا في مجتمعات المسلمين، وللأسف الشديد،
ونظرا لقلة العلم الشرعي، ونسيان السنن؛ بدل أن يفزع هؤلاء المصابون بهذه الحوادث من الصرع والجنون والسحر؛ بدل أن يفزعوا إلى كتاب الله، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - الذي هو شفاء من كل داء، والذي هو عافية من كل بلاء؛ كما بين الله سبحانه وتعالى، وبين رسوله - صلى الله عليه وسلم - بدل ذلك كله؛ يطرقون أبواب هؤلاء الكهان والمنجمين، ويزدحمون عند أبواب هؤلاء السحرة والعرافين والعياذ بالله؛ ليشتروا الضلالة بالهدى، وليخرج بعضهم عن دين الإسلام والعياذ بالله؛ وليكفر بما أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم.
فقد جاء في أحاديث كثيرة منها قوله - صلى الله عليه وسلم-: ( من أتى كاهنا أو عرافا فسأله؛ فصدقه فيما يقول؛ فقد كفر بما أنزل على محمد ) - صلى الله عليه وسلم - وفي رواية ( لم تقبل له صلاة أربعين يوما ).
ومع ذلك نظرا لضعف العلم الشرع، ولضعف الدين في نفوس كثير من هؤلاء؛ تراهم يذهبون إلى هؤلاء السحرة والمنجمين؛ غير مكترثين بما جاء في ذلك من الوعيد الشديد الذي تنهد له الجبال، وكان الأجدر بهم أن يهربوا إلى الله سبحانه، وأن يلجئوا إلى كتابه، وسنة رسوله.
والله سبحانه قد يظهر كثيرا من حالات الشفاء على أيدي هؤلاء من السحرة والمنجمين؛ ليبتلي عباده، ويختبرهم، وينظر من يكفر بعد إيمانه، ومن يثبت على إيمانه؛
وكان الأولى بهم والأجدر؛ أن يهربوا إلى كتاب الله الذي قال فيه سبحانه:
(وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا )[82الإسراء]
وقال سبحانه وتعالى:
( قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء )[44فصلت] وقال تبارك وتعالى على لسان نبيه إبراهيم - صلى الله عليه وسلم -: (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ)[80الشعراء].
وقال سبحانه: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ، قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ )[57، 58يونس]
ولكن ذلك يحتاج إلى يقين وصدق، وقوة توكل على الله سبحانه وتعالى؛ فإنه إذا حصل ذلك؛ حصل الشفاء بإذن الله، قال بن القيم – رحمه الله – كلاما معناه :
" وكيف تقوى هذه الأدواء والأمراض على مدافعة كتاب الله الذي لو أنزله الله على جبل لتقطع، لو أنزله على جبل لتصدع، ولو أنزله على أرض لتقطع "
يشير إلى قوله عز وجل: (لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا )[21الحشر] وإلى قوله سبحانه: ( وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى )[31الرعد]
أحب في هذه الخطبة أن أذكر الأمور، والأسباب التي تعصم من كيد الشياطين: ( شياطين الإنس والجن )،والتي بها بإذن الله الحماية، والشفاء والعصمة، من كيد السحرة والشياطين، والمس والجان، لمن صدق في ذلك التوكل على الله سبحانه وتعالى، والتي أدى جهل كثير من المسلمين بها، وتركهم للتمسك بها؛ إلى مثل هذه الحالات المرضية الكثيرة المتفشية في كثير من مجتمعات، وبيوت المسلمين.
الأسباب التي تعصم من كيد الشياطين
وأنا أذكر بعضها ليس على سبيل الحصر، فأول هذه الأسباب التي فيها العصمة بإذن الله من كيد شياطين الإنس والجن، ومن كيد الشياطين والسحرة والكهان والمنجمين، أولها ويجمعها:
- إحياء العلم الشرعي: ( علم كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم –):
هذا الأمر الذي جهله كثير من المسلمين؛ بل جهلوا كثيرا من أصول الدين، وقواعد العبادات، وقواعد العقائد، فتجد بعضهم يفزع إلى مثل هذه الأعمال الكفرية والعياذ بالله.
ولو أن كل مسلم أحيى علم كتاب الله، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وبث هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيته وأولاده وزوجه؛ ما حصلت مثل هذه الأمراض والكوارث بإذن الله.
الأمر الثاني: التوكل على الله سبحانه وتعالى:
فإنه إذا حصل عند الشخص من قوة التوكل على الله سبحانه، وتفويض الأمر إليه، والاعتماد عليه، وصدق الالتجاء إليه سبحانه وتعالى؛ ما مسه كيد شيطان، سواء من شياطين الجن، أو الإنس.
والله سبحانه وتعالى يقول في أمر الشيطان:
( فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ )[98، 99النحل]
ليس له سلطان على هؤلاء، وليس له حيلة على هذا الصنف من الناس، ولكن إذا حصل التوكل على الله صدقا وحقا؛ إنما سلطانه على الذين يتولونه، والذين هم به مشركون، فمثل هؤلاء هم الذين يستبد بهم الشيطان، ويتلاعب بحياتهم، ويسبب لهم كثيرا من الأسقام، والأمراض والعياذ بالله.
أما الذي يتوكل على الله حق التوكل، ويخافه حق المخافة، توكلا صادقا، ويقينا جازما، واعتمادا مخلصا على الله؛ فإن الشيطان لا يستطيعه بإذن الله سبحانه وتعالى.
وليعلم المسلم أن من لوازم التوكل على الله؛ أن يحرص الإنسان على فعل كل ما أمر الله، وعلى ترك كل ما نهى عنه، ولا سيما المحافظة على الصلاة، وعلى قراءة كتاب الله، والالتزام بهدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وترك المواطن التي يعصى الله عز وجل بها.
أما أن يقول الإنسان بلسانه: ( إني متوكل على الله )، وهو مخالف لما أمر الله؛ فذلك لا شك توكل كاذب لا ينفع صاحبه شيئا، ولا يجزي عنه شيئا.
ثم ليعلم المسلم أن من لوازم التوكل على الله؛ ألا يهاب إلا الله، ولا يخاف إلا إياه، ولا يخاف كيد شياطين الجن والإنس، وإنما يجعل خوفه من الله سبحانه وتعالى وحده، إذا فعل ذلك كفاه الله كل شر؛ قال سبحانه وتعالى:
( فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ )[175آل عمران]، وقال سبحانه: ( فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ )[3المائدة] إلى غير ذلك من الآيات المثيرة العديدة.
ومن الأمور التي هي أمان وعصمة من كيد شياطين الجن والإنس ومن السحرة والمنجمين وأعداء الله:
- الحرص على ذكر الله سبحانه وتعالى:
فإن ذكر الله إذا حافظ عليه العبد؛ كان أمانا من الشياطين، وعصمة من السحرة، والعرافين، وكان أمانا للإنسان من كل مكروه.
ولهذا السبب كان نبينا - صلى الله عليه وسلم - الذي يجب أن يكون قدوة لنا جميعا، كان يذكر الله سبحانه وتعالى في كل أحيانه.
ولو أن العبد حرص على ذكر الله سبحانه وتعالى؛ قائما وقاعدا وراكدا، وداخلا وخارجا، ما مسه الشيطان أبدا؛ يقول سبحانه وتعالى:
( وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ )[36الزخرف]
فهذا جزاء من يعش عن ذكر الله، ومن يغفل عن ذكر الله سبحانه وتعالى،
ونحن أيها الإخوان: لو تأملنا حالنا، وأنفسنا وبيوتنا؛ لوجدنا أنفسنا بعيدين كل البعد عن ذكر الله سبحانه، بدل من أن تكون بيوتنا عامرة بذكر الله؛ نجد أن بيوت كثيرا من المسلمين عامرة بأصوات الشياطين؛ من الموسيقى الفاجرة، ومن الأغاني الماجنة التي تملأ بيوت الكثير من المسلمين والعياذ بالله،
ولهذا السبب أيها الإخوان كثرت الأمراض العصبية، وكثرت حالات مس الشياطين، وكثرت حالات السحر؛ لأن بيوتنا لا يذكر الله فيها إلا قليلا، فكيف نرجو أمانا وعصمة من الشياطين!.
ولقد سمعت بعض المصابين بالمس - أجارنا الله وإياكم - يتكلم الشيطان على لسانه، ويقول: إنهم: ( أي الشياطين ) يردون بالمجتمعات التي تحفل بالموسيقى والغناء كثيرا، ويترددون عليها، ويسهل عليهم السيطرة والهيمنة على أهلها والعياذ بالله، وأما الأماكن التي يتلى فيها كتاب الله، ويذكر فيها الله؛ فهم أبعد الناس عنها.
وبلغني عن أحد الإخوان؛ الذي قرأ عن امرأة مصابة بمس الشياطين؛ ذكر أنها كانت تتجرد عن بعض ملابسها، وترقص على صوت الموسيقى والعياذ بالله.
ففي مثل هذه الحالات، وفي حالة الجهل بذكر الله عز وجل، والإعراض عن ذكر الله؛ يسهل على شياطين الجن والإنس الدخول لبني آدم، ومسهم، والسيطرة عليهم، والتحكم فيهم، وجلب الأمراض المختلفة فيهم؛ نسأل الله العافية والسلامة.
أيها الأحباب: يجب أن نتعلم سنة نبينا - صلى الله عليه وسلم - يجب أن نتعلم ديننا، فإننا ولله الحمد أهل كتاب وأهل سنة، وإن الشارع الحكيم ما ترك شيئا إلا بينه لنا، وحثنا عليه، ورغبنا فيه، وما ترك حالة من حالات الإنسان؛ إلا ووضع لها الأذكار المناسبة اللائقة بها.
بين وشرع لنا الأذكار حالة الدخول، وحالة الخروج، وحالة دخول الخلاء الذي هو مورد الشياطين، وأكثر ما يصاب فيه المصابون فيه، ومنزل الشياطين، وبين لنا الذكر عند الجماع، وعند الأكل والشرب، وعند لبس الثوب، وعند النوم، وفي كل حالة من حالات الإنسان.
فوالله الذي لا إله غيره؛ لو أن الإنسان حافظ على هذه الأوراد والأذكار؛ ما مسه الشيطان أبدا، ولا ناله السحر أبدا بإذن الله سبحانه؛ إذا حافظ على هذه الأشياء.
على سبيل المثال بين لنا - صلى الله عليه وسلم - أن المحافظ على ذكر الله؛ إذا دخل الخلاء لا تصيبه الشياطين أبدا بما يكره؛ يقول - صلى الله عليه وسلم -: ( إذا دخل أحدكم الخلاء فليقل بسم الله بسم الله اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث ) أي من ذكور الشياطين وإناثهم.
وقال - صلى الله عليه وسلم - في الحديث المتفق عليه: ( لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال: – أي عند الجماع – بسم الله؛ اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا؛ فإن قدر بينهما ولد؛ لم يضره الشيطان أبدا )؛ والمراد لا يضره في أمر دينه ودنياه، حتى يتوفاه الله عز وجل.
فهل نحن محافظون على مثل هذه الأذكار؟! لا شك أن الجواب: ( لا )؛ إلا عند القليل ممن عصم الله سبحانه وتعالى.
وبين لنا - صلى الله عليه وسلم - أن ذكر دخول البيت: ( بسم الله، توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، بسم الله ولجنا، وبسم الله خرجنا، اللهم إني أسألك خير المولج، وخير المخرج )
يقول - صلى الله عليه وسلم - في بعض الأحاديث: ( إذا ذكر الإنسان هذا الذكر؛ اعتزل الشيطان وقال: لا مبيت لك اليوم )
وأما إذا دخل الإنسان ولم يذكر هذا الذكر؛ دخل الشيطان وبات عنده والعياذ بالله، فإن جامع أهله جامع معه؛ وإن أكل أكل معه؛ ولهذا بين - صلى الله عليه وسلم - وأرشدنا وحثنا؛ إذا ما أراد أحدنا الأكل؛ فليسم الله عز وجل، فإنه إذا فعل ذلك؛ اعتزل الشيطان وقال لنفسه: لا مبيت لك اليوم ولا طعام، وخرج وهرب من هذا البيت الذي ذكر اسم الله عز وجل فيه،
وأما إذا أكل بدون ذكر الله؛ فإن الشيطان يأكل معه، ويقوى سلطانه عليه، نسأل الله العافية والسلامة.
وهكذا إذا خرج الإنسان من البيت؛ فقد بين لنا - صلى الله عليه وسلم - ذكر الخروج، وأن على الإنسان إذا خرج من بيته أن يقول: ( بسم الله، توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أضل، أو أذل أو أذل، أو أظلم أو أظلم، أو أجهل أو يجهل علي )؛ فإنه إذا قال ذلك حفظه الله عز وجل من شر الشياطين.
وكذلك فاتحة الكتاب، فهي عافية من كل بلاء، لمن قالها وتلاها بصدق وإخلاص؛ فلقد تلاها أحد الصحابة مرة واحدة على رجل ملدوغ؛ كما جاء في الصحيحين؛ قرأها عليه مرة واحدة، ولكن بيقين وصدق؛ فقام ونشط؛ كأنما نشط من عقال، وبين صلى الله عليه وسلم أنها الشافية الكافية.
ومن ذلك آية الكرسي: ( اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ )[255البقرة] على الإنسان أن يرددها إذا أصبح، وإذا أمسى، وعند نومه، فإنها أمان من الشياطين، وعصمة من شياطين الإنس والجن، ولا تستطيعها شياطين الجن والإنس؛ كما جاء ذلك في الصحيحين.
والقصة المشهورة؛ وهي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وضع أبا هريرة – رضي الله عنه - على حد الصدقة، فبينما هو في الليل عند الصدقة يحرسها؛ جاء الشيطان في صورة شيخ كبير، فلم يدر أبو هريرة من أين دخل، ولم يره إلا وهو يحثو من الصدقة، فأمسكه أبو هريرة، وقال:
إنك شيطان؛ والله لأذهبن بك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم –
فقال: إني رجل ذو أهل وعيال؛ فأطلقني، وأعدك ألا أعود، فأطلقه،
فلما كان الفجر جاء رسول - الله صلى الله عليه وسلم - وقال لأبي هريرة: ( ما فعل أثيرك البارحة؟ )
قال: ذكر حاله وعياله فأطلقته، ( فقال: كذبك وسيعود )
فعاد من الليلة الثانية، فأمسكه أبو هريرة، فقال له مثل ما قال، فأطلقه، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: ( كذبك وسيعود ).
فعاد من الليلة الثالثة، فقال أبو هريرة: والله لا أطلقك هذه المرة حتى أذهب بك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم.
فقال له: إذا علمتك كلمة ينفعك الله بها؛ تطلقني؟
قال: نعم
قال: آية الكرسي ( اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ) إذا قلتها عند نومك؛ لم يزل عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان، حتى تصبح من ليلتك هذه.
قال أبو هريرة: حتى أطلقته، فذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتبسم - صلى الله عليه وسلم – وقال: صدقك وهو كذوب ) أو كما قال - صلى الله عليه وسلم.
والشياطين أعلم بما يردهم ويدفع كيدهم، علم الشيطان أبا هريرة؛ أن من قرأ هذه الآية العظيمة التي شيعها سبعون ألف ملك من تحت العرش ( اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ) لم تقربه الشياطين حتى يصبح.
فهل تعلمنا هذه الآية وحفظناها؟ وهل قرأناها على أولادنا؟ وهل حفظناها أهلنا؟ أم أننا جلبنا لهم أصوات الشياطين من الأمور التي تبعدهم عن ذكر الله، وتحيي في نفوسهم قلة الخوف من الله عز وجل؟.
أيها الإخوة: هذه الأذكار النافعة؛ علينا أن نتعلمها، وأن نعلمها أهلنا، وأن نحييها في نفوسهم، ومن ذلك خواتيم سورة البقرة، الآيتان من أخر سورة البقرة: ( آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ )[285البقرة] إلى أخرها، آيتان بسيطتان خفيفتان؛ لمن أراد أن يحفظهما؛ قال - صلى الله عليه وسلم - فيهما في الحديث الصحيح: ( من قرأ الآيتين الأخيرتين من سورة البقرة في ليلة كفتاه ) أي كفتاه من كل شر وبلاء، أو كما قال - صلى الله عليه وسلم.
ومن ذلك المعوذتان: ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ)[1الفلق] و( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ )[1الناس].
لما سحر النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث المتفق عليه؛ نزل جبريل وميكال، ورقياه بهاتين السورتين العظيمتين: ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ) و ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ )؛ وقد كان - صلى الله عليه وسلم - يقولهما ثلاث مرات؛ إذا أصبح وإذا أمسى، كما جاء ذلك في أحاديث كثيرة عنه - صلى الله عليه وسلم - في دبر صلاة الفجر، وصلاة المغرب، فعلينا أن نحافظ على هاتين السورتين العظيمتين.
ولما قرء عليه هاتين السورتين؛ برئ - صلى الله عليه وسلم - من هذا السحر، وقام كأنما نشط من عقال، وقد كان - صلى الله عليه وسلم - قبل أن تنزلا عليه؛ كان يتعوذ بالله من كل شيطان، ومن عين الإنسان، فلما نزلت عليه هاتان السورتان العظيمتان؛ صار يتعوذ بهما، وترك ما سواهما، كما ورد ذلك عند النسائي وغيره بإسناد صحيح.
ومن أسباب العصمة من الشياطين أيضا الأوراد من سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم:
فقد كان - صلوات الله وسلامه عليه - يعوذ الحسن والحسين – رضي الله عنهما – ويقول:
( أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة )
وثبت عند الترمذي وغيره؛ من حديث خولة بنت حكيم؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ( إذا نزل أحدكم منزلا؛ فقال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق؛ لم يضره شيء، حتى يتحول من منزله ذلك)
وجاءه رجل نزل منزلا فلدغ، فقال - صلى الله عليه وسلم -: ( لو أنك قلت: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق؛ ما ضرك ذلك )أو كما قال صلوات الله وسلامه عليه.
وكان يرقي بعض أهله ويقول: ( اللهم رب الناس؛ أذهب البأس، اشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقما ) كما ثبت ذلك في الصحيحين عنه - صلى الله عليه وسلم.
وأحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كثيرة وعديدة، والموفق من وفق لتعلمها، ورددها في الصباح والمساء، فسيعصم بإذن الله من شر شياطين الإنس والجن ،علاوة على ما يحوز عليه من الأجر العظيم، والرضوان المقيم، والأجر العظيم الجزيل عند الله سبحانه وتعالى.
أيها الإخوة: سورة البقرة، وآل عمران، الزهراوان، السورتان العظيمتان؛ تعلموهما، واقرؤوهما، وحثوا أهلكم على قراءتهما؛ اقرءوا هاتين السورتين في بيوتكم، فقد صح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في شأن سورة البقرة: ( إن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البطلة ) ( أي الشياطين ) وقال - صلى الله عليه وسلم-: ( لا يدخل الشيطان بيت تقرأ فيه سورة البقرة، وآل عمران ) وقال - صلى الله عليه وسلم - في رواية: ( بيت تقرأ فيه البقرة وآل عمران؛ لا يقربه الشيطان أبدا ).
فعباد الله: اقرءوا هاتين السورتين في بيوتكم؛ تأمنوا من شر شياطين الجن والإنس بإذن الله، أخرجوا أصوات الشر والباطل، فوالله إنها سبب كل شر وبلاء في الدنيا والآخرة، وسبب كل سقم ومرض، واقرءوا كتاب الله، وأحيوا الصلاة في بيوتكم، ولا تجعلوا بيوتكم كالمقابر؛ لا يذكر اسم الله عز وجل فيها إلا قليلا، واقتدوا برسولكم - صلى الله عليه وسلم.
ذكر أحد الدعاة في بلاد مجاورة؛ أن رجلا جاء إليه يشكو من فعل الجن بأهله، فذكر أنهم كانوا يؤذون أهله في بيوتهم، وذكر أنهم يأخذون التراب، ويضعونه على رأس أمه، وأنهم يفسدون طعامهم وشرابهم، ويفعلون لهم كل شر، فذهب ذلك الداعية، وقد قصها بلسانه، قال: " وقرأت سورة البقرة وآل عمران في بيتهم، فوالله لم تقربهم الجن بعد ذلك أبدا "
وصدق الله عز وجل ورسوله، هذا كتاب الله عز وجل، وهذه سنة رسولكم - صلى الله عليه وسلم -،وهذا علم الشريعة؛ فأحيوه في نفوسكم، وأحيوه في قلوبكم، واتركوا الأسباب المحرمة، والذهاب إلى السحرة والمنجمين، وعلينا أن نخبر عنهم، ونبلغ عنهم الجهات المسئولة، لا أن نطرق أبوابهم، ونذهب إليهم؛ لنشتري الضلالة بالهدى والعياذ بالله.
اللهم احفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا، ومن أيماننا وعن شمائلنا، واحفظنا اللهم من فوقنا، ونعوذ بعظمتك أن نغتال من تحتنا، اللهم احفظنا واحرسنا من شر شياطين الجن والإنس، اللهم احفظنا واحرسنا، واكلأنا بعينك التي لا تنام، واحرسنا بجنابك الذي لا يضام، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم اهد شباب المسلمين، وبنات المسلمين ونساءهم، وجميع المسلمين، وشيبهم وشبابهم، اللهم اهدي ولاة أمر المسلمين، واجعلهم هداة مهتديين، غير ضالين ولا مضلين، اللهم أعلي بهم الدين، وأعلي بهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
اللهم اكبت بهم الشر والضلال، وغير بهم المنكر، اللهم اجعلهم هداة مهتدين؛ لا ضالين ولا مضلين، وارزقهم البطانة الصالحين الناصحين؛ الذين يعينونهم على الحق؛ ويذكرونهم إذا نسوا؛ ولا يخافون فيك لومة لائم يا سميع الدعاء.
اللهم انصر المجاهدين وأعلي رايتهم، اللهم انصر المجاهدين في أفغان، اللهم قر عيوننا وعيونهم بقيام دولة إسلامية في بلادهم، وعلى أرضهم، اللهم أتم عليهم نصرك، وأخذل أعداءهم، وأخلع شوكتهم، واخضض حصادهم، اللهم أنزل عليهم سخطك، وأحل بهم مقتك، وأنزل عليهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين؛ إنك على ذلك قدير.
ألا: وصلوا على نبي الهدى وإمام التقى، فقد أمركم الله بذلكم، فقال تعالى قولا كريما: ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا )[56الأحزاب]
وقال - صلى الله عليه وسلم -: ( من صلى علي صلاة واحدة؛ صلى الله بها عليه عشرة )
اللهم صلى وسلم على نبينا محمد، كما صليت وسلمت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي جعل الشمس ضياء، والقمر نورا، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة؛ لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا‘ وأثني عليه، وأذكره ذكرا كثيرا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ لم يتخذ ولدا، ولم يكن له شريكا، ولم يتخذ ندا، ولا وزيرا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله بعثه بالحق والهدى وبالنور والضياء؛ بشيرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه، وسراجا منيرا صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وإخوانه وسلم تسليما كثيرا
أما بعد:-
فاتقوا الله عباد الله، واقتدوا برسولكم - صلى الله عليه وسلم -، واحذروا مخالفة هديه، واجتناب أمره؛( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )[63النور].
واتقوا الله ربكم، وقفوا عند حدوده، واجتنبوا محارمه؛ ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ )[102آل عمران].
( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ )[33لقمان].
معشر الإخوة الأفاضل: إن المتأمل في أحوال الناس اليوم في مجتمعات المسلمين؛ أو كثير منها؛ يجد أنه تفشت كثير من حالات الأمراض العصبية، والنفسية، وحالات الصرع، ومس الشياطين، والجنون، وحوادث السحر وما أشبه ذلك، ويتبين هذا بمشاهدة كثير من المصابين بذلك الذين يترددون على أئمة المساجد، والجوامع؛ ليرقوهم بكلمات الله، وبكتابه؛ والذين يترددون على العيادات النفسية - أجارنا الله وإياكم من كل شر -، وهذه الأمراض والحالات؛ قد انتشرت انتشارا كثيرا؛ كما ذكرت، وأصابت كثيرا من الناس؛ الرجال والنساء على حد سواء.
ولا شك من سبب انتشارها، وكثرتها في مجتمعات المسلمين؛ أسباب عدة، ومختلفة وخطيرة، تجمعها ويحيط بها وينتظمها:
( قلة الخوف من الله سبحانه، وضعف الوازع والإيمان، وضعف التوكل واليقين على الله سبحانه وتعالى )، وما يتبع ذلك من تفشي لكثير من ( حالات الحسد والحقد، وقطيعة الأرحام، والكراهية والتباغض، والتدابر بين المسلمين ) والعياذ بالله.
وهذا الأمر( أعني الحسد والقطيعة والجهل وضعف العلم بالدين )؛ وضعف العلم بكتاب الله، وبسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - كل هذا وراء هذه الأمور؛ فهذا الأمر قد يدفع ببعض الناس جهلا، وظلما وعدوانا؛ إلى ارتكاب أمور منكرة؛ يقترفونها في حق إخوانهم المسلمين؛ فيفسدون بها حياتهم والعياذ بالله.
وقد يدفع بعض الناس؛ وخصوصا ( النساء الجاهلات ) إلى ارتكاب شناعات، وجرائم قبيحة في حق أزواجهن، وفي حق كثير من المسلمين؛ بالتردد على السحرة، والعرافين، والمنجمين، والكهنة والعياذ بالله.
وقد ظهرت حوادث كثيرة من هذا الصنف؛ وأقرب حادث أذكره:
جاءني قبل فترة وجيزة أحد الناس، وذكر لي أن قريبه كان عنده، زوجتين فارق إحداهما، وبقيت في عصمته الأخرى، وأنه منذ سبع سنوات لا يعرف الفراش مع زوجته الثانية الباقية في عصمته، وأن حياته انقلبت إلى جحيم! والعياذ بالله.
ثم قال: ففتشنا؛ فوجدنا في الوسادة التي كان ينام عليها، وكان حريصا على إبقاء هذه الوسادة عنده سنين طويلة؛ فتشنا؛ فإذا فيها وفي لفائفها وداخلها ( حرز )؛ فأخرجناه، ولا ندري ما هو؛ فطلبت منه إحضار هذا الحرز، وفتحته؛ فتبين لي أنه سحر من زوجته الأولى لزوجته الثانية - والعياذ بالله - هذا السحر أو الأطر قد أفسد حياة هذا الرجل، وجعله يكره زوجته سبع سنين - والعياذ بالله - والجميل في الأمر أنه لم يتسرع لتقواه، ويفصل العلاقة بينه وبين زوجته ويطلقها، فأحرقت هذه الورقة، وهذا السحر؛ فجاءني الرجل، وأخبرني بأن حياة قريبه قد تبدلت، وصارت حسنة طيبة مع أهله ولله الحمد.
والحاصل أيها الإخوان: أن الحسد والجهل؛ قد يدفع كثيرا من الناس لا سيما الزوجات الجاهلات؛ إلى ارتكاب هذه الأعمال القبيحة؛ فيبوءوا بالإثم العظيم، وقد يرتكبوا إثم قتل نفس معصومة ظلما وعدوانا - والعياذ بالله -؛ فيكونوا من أهل قوله عز وجل:
( وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا)[93النساء].
وفي مثل هذه التربة، وفي مثل هذه المجتمعات التي يقل فيها الخوف من الله سبحانه وتعالى، وضعف اليقين والتوكل؛ تكون تربة صالحة لانتشار الدجالين، والكهنة والمشعوذين والعرافين؛ الذين انتشروا انتشارا كبيرا في مجتمعات المسلمين، وللأسف الشديد،
ونظرا لقلة العلم الشرعي، ونسيان السنن؛ بدل أن يفزع هؤلاء المصابون بهذه الحوادث من الصرع والجنون والسحر؛ بدل أن يفزعوا إلى كتاب الله، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - الذي هو شفاء من كل داء، والذي هو عافية من كل بلاء؛ كما بين الله سبحانه وتعالى، وبين رسوله - صلى الله عليه وسلم - بدل ذلك كله؛ يطرقون أبواب هؤلاء الكهان والمنجمين، ويزدحمون عند أبواب هؤلاء السحرة والعرافين والعياذ بالله؛ ليشتروا الضلالة بالهدى، وليخرج بعضهم عن دين الإسلام والعياذ بالله؛ وليكفر بما أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم.
فقد جاء في أحاديث كثيرة منها قوله - صلى الله عليه وسلم-: ( من أتى كاهنا أو عرافا فسأله؛ فصدقه فيما يقول؛ فقد كفر بما أنزل على محمد ) - صلى الله عليه وسلم - وفي رواية ( لم تقبل له صلاة أربعين يوما ).
ومع ذلك نظرا لضعف العلم الشرع، ولضعف الدين في نفوس كثير من هؤلاء؛ تراهم يذهبون إلى هؤلاء السحرة والمنجمين؛ غير مكترثين بما جاء في ذلك من الوعيد الشديد الذي تنهد له الجبال، وكان الأجدر بهم أن يهربوا إلى الله سبحانه، وأن يلجئوا إلى كتابه، وسنة رسوله.
والله سبحانه قد يظهر كثيرا من حالات الشفاء على أيدي هؤلاء من السحرة والمنجمين؛ ليبتلي عباده، ويختبرهم، وينظر من يكفر بعد إيمانه، ومن يثبت على إيمانه؛
وكان الأولى بهم والأجدر؛ أن يهربوا إلى كتاب الله الذي قال فيه سبحانه:
(وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا )[82الإسراء]
وقال سبحانه وتعالى:
( قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء )[44فصلت] وقال تبارك وتعالى على لسان نبيه إبراهيم - صلى الله عليه وسلم -: (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ)[80الشعراء].
وقال سبحانه: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ، قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ )[57، 58يونس]
ولكن ذلك يحتاج إلى يقين وصدق، وقوة توكل على الله سبحانه وتعالى؛ فإنه إذا حصل ذلك؛ حصل الشفاء بإذن الله، قال بن القيم – رحمه الله – كلاما معناه :
" وكيف تقوى هذه الأدواء والأمراض على مدافعة كتاب الله الذي لو أنزله الله على جبل لتقطع، لو أنزله على جبل لتصدع، ولو أنزله على أرض لتقطع "
يشير إلى قوله عز وجل: (لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا )[21الحشر] وإلى قوله سبحانه: ( وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى )[31الرعد]
أحب في هذه الخطبة أن أذكر الأمور، والأسباب التي تعصم من كيد الشياطين: ( شياطين الإنس والجن )،والتي بها بإذن الله الحماية، والشفاء والعصمة، من كيد السحرة والشياطين، والمس والجان، لمن صدق في ذلك التوكل على الله سبحانه وتعالى، والتي أدى جهل كثير من المسلمين بها، وتركهم للتمسك بها؛ إلى مثل هذه الحالات المرضية الكثيرة المتفشية في كثير من مجتمعات، وبيوت المسلمين.
الأسباب التي تعصم من كيد الشياطين
وأنا أذكر بعضها ليس على سبيل الحصر، فأول هذه الأسباب التي فيها العصمة بإذن الله من كيد شياطين الإنس والجن، ومن كيد الشياطين والسحرة والكهان والمنجمين، أولها ويجمعها:
- إحياء العلم الشرعي: ( علم كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم –):
هذا الأمر الذي جهله كثير من المسلمين؛ بل جهلوا كثيرا من أصول الدين، وقواعد العبادات، وقواعد العقائد، فتجد بعضهم يفزع إلى مثل هذه الأعمال الكفرية والعياذ بالله.
ولو أن كل مسلم أحيى علم كتاب الله، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وبث هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيته وأولاده وزوجه؛ ما حصلت مثل هذه الأمراض والكوارث بإذن الله.
الأمر الثاني: التوكل على الله سبحانه وتعالى:
فإنه إذا حصل عند الشخص من قوة التوكل على الله سبحانه، وتفويض الأمر إليه، والاعتماد عليه، وصدق الالتجاء إليه سبحانه وتعالى؛ ما مسه كيد شيطان، سواء من شياطين الجن، أو الإنس.
والله سبحانه وتعالى يقول في أمر الشيطان:
( فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ )[98، 99النحل]
ليس له سلطان على هؤلاء، وليس له حيلة على هذا الصنف من الناس، ولكن إذا حصل التوكل على الله صدقا وحقا؛ إنما سلطانه على الذين يتولونه، والذين هم به مشركون، فمثل هؤلاء هم الذين يستبد بهم الشيطان، ويتلاعب بحياتهم، ويسبب لهم كثيرا من الأسقام، والأمراض والعياذ بالله.
أما الذي يتوكل على الله حق التوكل، ويخافه حق المخافة، توكلا صادقا، ويقينا جازما، واعتمادا مخلصا على الله؛ فإن الشيطان لا يستطيعه بإذن الله سبحانه وتعالى.
وليعلم المسلم أن من لوازم التوكل على الله؛ أن يحرص الإنسان على فعل كل ما أمر الله، وعلى ترك كل ما نهى عنه، ولا سيما المحافظة على الصلاة، وعلى قراءة كتاب الله، والالتزام بهدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وترك المواطن التي يعصى الله عز وجل بها.
أما أن يقول الإنسان بلسانه: ( إني متوكل على الله )، وهو مخالف لما أمر الله؛ فذلك لا شك توكل كاذب لا ينفع صاحبه شيئا، ولا يجزي عنه شيئا.
ثم ليعلم المسلم أن من لوازم التوكل على الله؛ ألا يهاب إلا الله، ولا يخاف إلا إياه، ولا يخاف كيد شياطين الجن والإنس، وإنما يجعل خوفه من الله سبحانه وتعالى وحده، إذا فعل ذلك كفاه الله كل شر؛ قال سبحانه وتعالى:
( فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ )[175آل عمران]، وقال سبحانه: ( فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ )[3المائدة] إلى غير ذلك من الآيات المثيرة العديدة.
ومن الأمور التي هي أمان وعصمة من كيد شياطين الجن والإنس ومن السحرة والمنجمين وأعداء الله:
- الحرص على ذكر الله سبحانه وتعالى:
فإن ذكر الله إذا حافظ عليه العبد؛ كان أمانا من الشياطين، وعصمة من السحرة، والعرافين، وكان أمانا للإنسان من كل مكروه.
ولهذا السبب كان نبينا - صلى الله عليه وسلم - الذي يجب أن يكون قدوة لنا جميعا، كان يذكر الله سبحانه وتعالى في كل أحيانه.
ولو أن العبد حرص على ذكر الله سبحانه وتعالى؛ قائما وقاعدا وراكدا، وداخلا وخارجا، ما مسه الشيطان أبدا؛ يقول سبحانه وتعالى:
( وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ )[36الزخرف]
فهذا جزاء من يعش عن ذكر الله، ومن يغفل عن ذكر الله سبحانه وتعالى،
ونحن أيها الإخوان: لو تأملنا حالنا، وأنفسنا وبيوتنا؛ لوجدنا أنفسنا بعيدين كل البعد عن ذكر الله سبحانه، بدل من أن تكون بيوتنا عامرة بذكر الله؛ نجد أن بيوت كثيرا من المسلمين عامرة بأصوات الشياطين؛ من الموسيقى الفاجرة، ومن الأغاني الماجنة التي تملأ بيوت الكثير من المسلمين والعياذ بالله،
ولهذا السبب أيها الإخوان كثرت الأمراض العصبية، وكثرت حالات مس الشياطين، وكثرت حالات السحر؛ لأن بيوتنا لا يذكر الله فيها إلا قليلا، فكيف نرجو أمانا وعصمة من الشياطين!.
ولقد سمعت بعض المصابين بالمس - أجارنا الله وإياكم - يتكلم الشيطان على لسانه، ويقول: إنهم: ( أي الشياطين ) يردون بالمجتمعات التي تحفل بالموسيقى والغناء كثيرا، ويترددون عليها، ويسهل عليهم السيطرة والهيمنة على أهلها والعياذ بالله، وأما الأماكن التي يتلى فيها كتاب الله، ويذكر فيها الله؛ فهم أبعد الناس عنها.
وبلغني عن أحد الإخوان؛ الذي قرأ عن امرأة مصابة بمس الشياطين؛ ذكر أنها كانت تتجرد عن بعض ملابسها، وترقص على صوت الموسيقى والعياذ بالله.
ففي مثل هذه الحالات، وفي حالة الجهل بذكر الله عز وجل، والإعراض عن ذكر الله؛ يسهل على شياطين الجن والإنس الدخول لبني آدم، ومسهم، والسيطرة عليهم، والتحكم فيهم، وجلب الأمراض المختلفة فيهم؛ نسأل الله العافية والسلامة.
أيها الأحباب: يجب أن نتعلم سنة نبينا - صلى الله عليه وسلم - يجب أن نتعلم ديننا، فإننا ولله الحمد أهل كتاب وأهل سنة، وإن الشارع الحكيم ما ترك شيئا إلا بينه لنا، وحثنا عليه، ورغبنا فيه، وما ترك حالة من حالات الإنسان؛ إلا ووضع لها الأذكار المناسبة اللائقة بها.
بين وشرع لنا الأذكار حالة الدخول، وحالة الخروج، وحالة دخول الخلاء الذي هو مورد الشياطين، وأكثر ما يصاب فيه المصابون فيه، ومنزل الشياطين، وبين لنا الذكر عند الجماع، وعند الأكل والشرب، وعند لبس الثوب، وعند النوم، وفي كل حالة من حالات الإنسان.
فوالله الذي لا إله غيره؛ لو أن الإنسان حافظ على هذه الأوراد والأذكار؛ ما مسه الشيطان أبدا، ولا ناله السحر أبدا بإذن الله سبحانه؛ إذا حافظ على هذه الأشياء.
على سبيل المثال بين لنا - صلى الله عليه وسلم - أن المحافظ على ذكر الله؛ إذا دخل الخلاء لا تصيبه الشياطين أبدا بما يكره؛ يقول - صلى الله عليه وسلم -: ( إذا دخل أحدكم الخلاء فليقل بسم الله بسم الله اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث ) أي من ذكور الشياطين وإناثهم.
وقال - صلى الله عليه وسلم - في الحديث المتفق عليه: ( لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال: – أي عند الجماع – بسم الله؛ اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا؛ فإن قدر بينهما ولد؛ لم يضره الشيطان أبدا )؛ والمراد لا يضره في أمر دينه ودنياه، حتى يتوفاه الله عز وجل.
فهل نحن محافظون على مثل هذه الأذكار؟! لا شك أن الجواب: ( لا )؛ إلا عند القليل ممن عصم الله سبحانه وتعالى.
وبين لنا - صلى الله عليه وسلم - أن ذكر دخول البيت: ( بسم الله، توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، بسم الله ولجنا، وبسم الله خرجنا، اللهم إني أسألك خير المولج، وخير المخرج )
يقول - صلى الله عليه وسلم - في بعض الأحاديث: ( إذا ذكر الإنسان هذا الذكر؛ اعتزل الشيطان وقال: لا مبيت لك اليوم )
وأما إذا دخل الإنسان ولم يذكر هذا الذكر؛ دخل الشيطان وبات عنده والعياذ بالله، فإن جامع أهله جامع معه؛ وإن أكل أكل معه؛ ولهذا بين - صلى الله عليه وسلم - وأرشدنا وحثنا؛ إذا ما أراد أحدنا الأكل؛ فليسم الله عز وجل، فإنه إذا فعل ذلك؛ اعتزل الشيطان وقال لنفسه: لا مبيت لك اليوم ولا طعام، وخرج وهرب من هذا البيت الذي ذكر اسم الله عز وجل فيه،
وأما إذا أكل بدون ذكر الله؛ فإن الشيطان يأكل معه، ويقوى سلطانه عليه، نسأل الله العافية والسلامة.
وهكذا إذا خرج الإنسان من البيت؛ فقد بين لنا - صلى الله عليه وسلم - ذكر الخروج، وأن على الإنسان إذا خرج من بيته أن يقول: ( بسم الله، توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أضل، أو أذل أو أذل، أو أظلم أو أظلم، أو أجهل أو يجهل علي )؛ فإنه إذا قال ذلك حفظه الله عز وجل من شر الشياطين.
وكذلك فاتحة الكتاب، فهي عافية من كل بلاء، لمن قالها وتلاها بصدق وإخلاص؛ فلقد تلاها أحد الصحابة مرة واحدة على رجل ملدوغ؛ كما جاء في الصحيحين؛ قرأها عليه مرة واحدة، ولكن بيقين وصدق؛ فقام ونشط؛ كأنما نشط من عقال، وبين صلى الله عليه وسلم أنها الشافية الكافية.
ومن ذلك آية الكرسي: ( اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ )[255البقرة] على الإنسان أن يرددها إذا أصبح، وإذا أمسى، وعند نومه، فإنها أمان من الشياطين، وعصمة من شياطين الإنس والجن، ولا تستطيعها شياطين الجن والإنس؛ كما جاء ذلك في الصحيحين.
والقصة المشهورة؛ وهي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وضع أبا هريرة – رضي الله عنه - على حد الصدقة، فبينما هو في الليل عند الصدقة يحرسها؛ جاء الشيطان في صورة شيخ كبير، فلم يدر أبو هريرة من أين دخل، ولم يره إلا وهو يحثو من الصدقة، فأمسكه أبو هريرة، وقال:
إنك شيطان؛ والله لأذهبن بك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم –
فقال: إني رجل ذو أهل وعيال؛ فأطلقني، وأعدك ألا أعود، فأطلقه،
فلما كان الفجر جاء رسول - الله صلى الله عليه وسلم - وقال لأبي هريرة: ( ما فعل أثيرك البارحة؟ )
قال: ذكر حاله وعياله فأطلقته، ( فقال: كذبك وسيعود )
فعاد من الليلة الثانية، فأمسكه أبو هريرة، فقال له مثل ما قال، فأطلقه، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: ( كذبك وسيعود ).
فعاد من الليلة الثالثة، فقال أبو هريرة: والله لا أطلقك هذه المرة حتى أذهب بك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم.
فقال له: إذا علمتك كلمة ينفعك الله بها؛ تطلقني؟
قال: نعم
قال: آية الكرسي ( اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ) إذا قلتها عند نومك؛ لم يزل عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان، حتى تصبح من ليلتك هذه.
قال أبو هريرة: حتى أطلقته، فذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتبسم - صلى الله عليه وسلم – وقال: صدقك وهو كذوب ) أو كما قال - صلى الله عليه وسلم.
والشياطين أعلم بما يردهم ويدفع كيدهم، علم الشيطان أبا هريرة؛ أن من قرأ هذه الآية العظيمة التي شيعها سبعون ألف ملك من تحت العرش ( اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ) لم تقربه الشياطين حتى يصبح.
فهل تعلمنا هذه الآية وحفظناها؟ وهل قرأناها على أولادنا؟ وهل حفظناها أهلنا؟ أم أننا جلبنا لهم أصوات الشياطين من الأمور التي تبعدهم عن ذكر الله، وتحيي في نفوسهم قلة الخوف من الله عز وجل؟.
أيها الإخوة: هذه الأذكار النافعة؛ علينا أن نتعلمها، وأن نعلمها أهلنا، وأن نحييها في نفوسهم، ومن ذلك خواتيم سورة البقرة، الآيتان من أخر سورة البقرة: ( آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ )[285البقرة] إلى أخرها، آيتان بسيطتان خفيفتان؛ لمن أراد أن يحفظهما؛ قال - صلى الله عليه وسلم - فيهما في الحديث الصحيح: ( من قرأ الآيتين الأخيرتين من سورة البقرة في ليلة كفتاه ) أي كفتاه من كل شر وبلاء، أو كما قال - صلى الله عليه وسلم.
ومن ذلك المعوذتان: ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ)[1الفلق] و( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ )[1الناس].
لما سحر النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث المتفق عليه؛ نزل جبريل وميكال، ورقياه بهاتين السورتين العظيمتين: ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ) و ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ )؛ وقد كان - صلى الله عليه وسلم - يقولهما ثلاث مرات؛ إذا أصبح وإذا أمسى، كما جاء ذلك في أحاديث كثيرة عنه - صلى الله عليه وسلم - في دبر صلاة الفجر، وصلاة المغرب، فعلينا أن نحافظ على هاتين السورتين العظيمتين.
ولما قرء عليه هاتين السورتين؛ برئ - صلى الله عليه وسلم - من هذا السحر، وقام كأنما نشط من عقال، وقد كان - صلى الله عليه وسلم - قبل أن تنزلا عليه؛ كان يتعوذ بالله من كل شيطان، ومن عين الإنسان، فلما نزلت عليه هاتان السورتان العظيمتان؛ صار يتعوذ بهما، وترك ما سواهما، كما ورد ذلك عند النسائي وغيره بإسناد صحيح.
ومن أسباب العصمة من الشياطين أيضا الأوراد من سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم:
فقد كان - صلوات الله وسلامه عليه - يعوذ الحسن والحسين – رضي الله عنهما – ويقول:
( أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة )
وثبت عند الترمذي وغيره؛ من حديث خولة بنت حكيم؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ( إذا نزل أحدكم منزلا؛ فقال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق؛ لم يضره شيء، حتى يتحول من منزله ذلك)
وجاءه رجل نزل منزلا فلدغ، فقال - صلى الله عليه وسلم -: ( لو أنك قلت: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق؛ ما ضرك ذلك )أو كما قال صلوات الله وسلامه عليه.
وكان يرقي بعض أهله ويقول: ( اللهم رب الناس؛ أذهب البأس، اشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقما ) كما ثبت ذلك في الصحيحين عنه - صلى الله عليه وسلم.
وأحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كثيرة وعديدة، والموفق من وفق لتعلمها، ورددها في الصباح والمساء، فسيعصم بإذن الله من شر شياطين الإنس والجن ،علاوة على ما يحوز عليه من الأجر العظيم، والرضوان المقيم، والأجر العظيم الجزيل عند الله سبحانه وتعالى.
أيها الإخوة: سورة البقرة، وآل عمران، الزهراوان، السورتان العظيمتان؛ تعلموهما، واقرؤوهما، وحثوا أهلكم على قراءتهما؛ اقرءوا هاتين السورتين في بيوتكم، فقد صح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في شأن سورة البقرة: ( إن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البطلة ) ( أي الشياطين ) وقال - صلى الله عليه وسلم-: ( لا يدخل الشيطان بيت تقرأ فيه سورة البقرة، وآل عمران ) وقال - صلى الله عليه وسلم - في رواية: ( بيت تقرأ فيه البقرة وآل عمران؛ لا يقربه الشيطان أبدا ).
فعباد الله: اقرءوا هاتين السورتين في بيوتكم؛ تأمنوا من شر شياطين الجن والإنس بإذن الله، أخرجوا أصوات الشر والباطل، فوالله إنها سبب كل شر وبلاء في الدنيا والآخرة، وسبب كل سقم ومرض، واقرءوا كتاب الله، وأحيوا الصلاة في بيوتكم، ولا تجعلوا بيوتكم كالمقابر؛ لا يذكر اسم الله عز وجل فيها إلا قليلا، واقتدوا برسولكم - صلى الله عليه وسلم.
ذكر أحد الدعاة في بلاد مجاورة؛ أن رجلا جاء إليه يشكو من فعل الجن بأهله، فذكر أنهم كانوا يؤذون أهله في بيوتهم، وذكر أنهم يأخذون التراب، ويضعونه على رأس أمه، وأنهم يفسدون طعامهم وشرابهم، ويفعلون لهم كل شر، فذهب ذلك الداعية، وقد قصها بلسانه، قال: " وقرأت سورة البقرة وآل عمران في بيتهم، فوالله لم تقربهم الجن بعد ذلك أبدا "
وصدق الله عز وجل ورسوله، هذا كتاب الله عز وجل، وهذه سنة رسولكم - صلى الله عليه وسلم -،وهذا علم الشريعة؛ فأحيوه في نفوسكم، وأحيوه في قلوبكم، واتركوا الأسباب المحرمة، والذهاب إلى السحرة والمنجمين، وعلينا أن نخبر عنهم، ونبلغ عنهم الجهات المسئولة، لا أن نطرق أبوابهم، ونذهب إليهم؛ لنشتري الضلالة بالهدى والعياذ بالله.
اللهم احفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا، ومن أيماننا وعن شمائلنا، واحفظنا اللهم من فوقنا، ونعوذ بعظمتك أن نغتال من تحتنا، اللهم احفظنا واحرسنا من شر شياطين الجن والإنس، اللهم احفظنا واحرسنا، واكلأنا بعينك التي لا تنام، واحرسنا بجنابك الذي لا يضام، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم اهد شباب المسلمين، وبنات المسلمين ونساءهم، وجميع المسلمين، وشيبهم وشبابهم، اللهم اهدي ولاة أمر المسلمين، واجعلهم هداة مهتديين، غير ضالين ولا مضلين، اللهم أعلي بهم الدين، وأعلي بهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
اللهم اكبت بهم الشر والضلال، وغير بهم المنكر، اللهم اجعلهم هداة مهتدين؛ لا ضالين ولا مضلين، وارزقهم البطانة الصالحين الناصحين؛ الذين يعينونهم على الحق؛ ويذكرونهم إذا نسوا؛ ولا يخافون فيك لومة لائم يا سميع الدعاء.
اللهم انصر المجاهدين وأعلي رايتهم، اللهم انصر المجاهدين في أفغان، اللهم قر عيوننا وعيونهم بقيام دولة إسلامية في بلادهم، وعلى أرضهم، اللهم أتم عليهم نصرك، وأخذل أعداءهم، وأخلع شوكتهم، واخضض حصادهم، اللهم أنزل عليهم سخطك، وأحل بهم مقتك، وأنزل عليهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين؛ إنك على ذلك قدير.
ألا: وصلوا على نبي الهدى وإمام التقى، فقد أمركم الله بذلكم، فقال تعالى قولا كريما: ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا )[56الأحزاب]
وقال - صلى الله عليه وسلم -: ( من صلى علي صلاة واحدة؛ صلى الله بها عليه عشرة )
اللهم صلى وسلم على نبينا محمد، كما صليت وسلمت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى