مسلم
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
الشيخ/ إبراهيم بن صالح العجلان
عمر والقدس
الخطبة الأولى
معاشر المسلمين :
تأمل التاريخ استنار قبله ورشد عقله وحسن رأيه هو مصباح يستنار به لمعرفة سنن الله في أيامه
والأقوام والشعوب لها تاريخها الذي يظل شاهداً لها أوعليهــا والأمة التي لا تعرف تاريخها لا تحسن بناء مستقبلها .
الأمة التي لا تقرأ أمجاد أسلافها تبيع أمجادها ودماءهم بثمن بخس دراهم معدودة .
فتعالوا إخوة الإيمان :
لنقلب صفحة من صفحات تاريخها المطوية ووثائقنا المنسية لنكشف الحقائق ونحيي روح العزة الإسلامية التي كانت مشرقة خفاقة في معاني العباد ومعالي البلاد .
كنا جبالاً في الجبال وربمـــــا سرنا على موج البحار بحاراً
كنا نرى الأصنام من ذهـــــبٍ فنهدمها ونهدم فوقها الكفــارا
لو كان غيرُ المسلمين لحازها كنزاً وصاغ الحليَّ والدينـــارا
حديثنا إخوة الإيمان :
مع صفحة بيضاء من صفحات الفاروق رضي الله عنه وكل صفحاته بيضاء صفحة تظهر العدل في أسمى معانيه والشموخ في أبهى مراميه .
صفحة تبرز سماحة هذا الدين لمن سالمه وتصور حقوق الإنسان واقعاً ملموساً وحريته شاهداً محسوساً .
نحن مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه وفتحه لبيت المقدس .
ومن يجاري أبا حفصٍ في سيرته أمَّـن يُحاول للفاروق تشبيهاً
إخوة الإسلام :
ها هي جيوش الإسلام ورايات التوحيد ترفرفُ في أرض العراق والشام بعد أن أسقطت أعظم إمبراطوريتين في زمانها الروم وفارس .
وتستمر قوافل الرحمن تفتح المدن والحصون تنشر العدل والسلام وتُخرجُ العباد من جور الأديان إلى عدل الإسلام حتى وقفت كتائب الإسلام على أسوار بيت المقدس الشامخة المنيعة .
وشدد المسلمون حصارها ومنعوا وصول الإمدادات إليها حتى طال عليهم الحصار , واستمر مدة أربعة أشهر وأيقنوا بسقوط المدينة ،عند ذلك طلب النصارى الأمان والصلح ، وتسليم المدينة سلماً ، ولكن.. رفضوا تسليم هذه المدينة المقدسة لعمرو بن العاص قائد المسلمين ، لأنهم يجدون في كتبهم عند أساقفتهم أن الذي يفتح القدس رجلٌ اسمه من ثلاثة أحرف وأن وصفه كذا وكذا ، وذكروا صفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
هنا أبرق عمرو بن العاص برسالةٍ إلى المدينة يعرض على الفاروق خبر الروم ويستحثه على القدوم ، وجاء في الرسالة إني أُعالجُ حرباً كؤودا صدوماً وبلاداً ادخرت لك ، فرأيك !
فجمــع عمر رضي الله عنه كبار الصحابة واستشارهم في خروجــــــه فأشــــار عثمان بعدم الخروج لأنهم أحقر وأرغم لأنوفهم .
وأشار عليـــه علي بن أبي طالـــــب بالمسير إليهم فأخذ عمر برأي علي رضي اللـــه عنه . وكتب لقادة المسلمين في الشام أن يوافوه بمدينة الجابية على هضبة الجولان بسوريا في يوم حدده لهم .
وعرض الصحابة على عمر أن يصحبوه في سفره فأبى وقال : من لم يصحبه الله فلا يصحبه أحد ثم قالوا : يا أمير المؤمنين إنك تَـفِدُ على قومٍ من النصارى كُثُــر ، وتريد أن تكون لك شارة أي هيئةٌ حسنة فقال : لاشارة لمن لا تقوى له ثــــــم أخذ عمر ناقته وصحبه غلام له .
خرج أمير المؤمنين من مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطع الفيافي والقفار لم يُسيـــر المواكب ولم تتقدمه الشرط إنما خرج هو وغلامه والله ثالثهما يتناوبان لركوب الناقة ، فيركب هو مرحلةً من الطريق وغلامه مرحلة أخرى فليـــأت لنـــــا التاريخ ولتحضـــر لنا البشرية بمثل عمر عَقِمـت النساء أن يلدن مثل عمـــر .
يا مـن يرى عمراً تكسوه بردته
والزيت أدمٌ له والكــــــوخ مأواه
يهتز كســـرى على كرسيه فرقاً
من خوفه وملوك الروم تخشــاه
وتقــــف عساكر الجهاد وقــــادة الفتح في أرض الشام أبو عبيدة بن الجراح ، وخالد بن الوليــــــد وعمرو بن العاص ينتظـرون مقـــــدم خليفــــة خليفــــة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وتلوح في الأفق صلعة الفاروق على ناقته متوجهاً إليهم ، فيعلوا التكبير وتتعانق الرقاب ، وتختلط الدموع في العيون فرحاً بمقدم أمير المؤمنين ليرى بعينه تلك الديار التي رأت النور ودخلت الإسلام في عهده الميمون .
ويقترب عمر من تلك الجموع قد اشرأبت نحوه الأعناق وأحدقت إليه الأبصار وقبل أن يصل إليهم كانت بينه وبينهم مخاضة ماء فنزل عمر من ناقته وخلع خفيه وأخذ بزمام الناقة فخاض بها الماء .
وكان هذا الموقف مثار حرج لقادة المسلمين الذين كانوا يودون أن يظهروا مكانة خليفتهم عند بني الأصفر ، فيقول أبو عبيدة له : يا أمير المؤمنين أأنت تفعل هذا ، ما يسرني أن أهل البلد استشرفوك ونظروا إليك على هذه الهيئة !! فصكَّ عمر صدر أبي عبيدة وقال : أوِّه , لو يقل ذا غيرك يا أبا عبيدة جعلته نكالاً لأمة محمد
ثـــم قال الفاروق بضع كلمات سجلها التاريــــخ وتناقلها الأجيال جيلاً بعد جيل , قـــــال : نحن قومٌ أعزنا الله بالإسلام ، ومهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله .
ويتأمل عمر في قادته فاستنكر هيئتهم رأى خيولهم مطهَّمَّـــة أي حسنة جميلة ولباسهم فاخرة يكسوها الحرير والديباج فظن أنهم تغيروا بعد .
فأخذ حصوات من الأرض فرماهم بها وقال : ما أسرع ما رجعتهم ,, أأياي تستقبلوني في هذا الزي وإنما شبعتم منذ سنتين !! فأخبره القادة بأنهم لبسوا ذلك من أجل السلاح الذي عليهم ليكون أخف على أبدانهم فسكت عنهم وقال : فنعم إذن .
وتطير الأخبار في الأمصار أن أنَّ أمير المؤمنين في أرض الجولان فيأتيـــه رجل من اليهود فمحص النظر فيه ، ثم قال : السلام عليك يا فاروق ، أنت صاحب إيليا ( أي القدس ) وتأتي جماعة من فرسان الروم وإذا هم وفد من أهل بين المقدس يدعون عمر إلى الصلح وطلب الأمان لأنفسهم وأموالهم مصالحهم الفاروق ، وكتب معهم معاهدة كان من بنودها :
ــ أن لأهل المدينة الأمان التام لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم ، لا تسكن كنائسهم ولا تهدم ولا يُكرهون بالخروج من دينهم ولا يساكنهم اليهود في مدينتهم وأن عليهم إعطاء الجزية .
لقد كان بإمكان الفاروق أن يفرض عليهم ما شاء ويجبرهم بما يريــــــــد ولكــــن عاملهـــــم بعدالة السماء ورحمــــة الإسلام التي تلقّهــــــا من مدرســـــة محمد صلى الله عليه وسلم .
في السنـــــة الخامســــة عشر كانت القدس على موعد تاريخي مع الفاروق رضي الله عنه . موعد طالما خفقت إليه أفئدة المؤمنين فها هو اسراهم يُفك من أسره ليعود عزيزاً شامخاً في حمى المسلمين إنها لحظاتٌ لا يمكن أن يعبرها لسان أو أن يخطها بنان
ويسير موكب الفاروق إلى بيت المقدس فتلفظ إليه القدس برجالها ونسائها وأطفالها واسقفتها ورهبانها ,, خرجوا يستقبلونه استقبالاً يليق به ، وبما اسداه إليهم من الفضل والعدل الذي ما عرفوه في عهد قياصرتهم .
ولما دنا الفاروق من بيت المقدس ، ترجّل عن ناقته ، ثم قال لغلامه : اركب . فقـــال : لقد وصلنا يا أمير المؤمنين .
فقال : اركب لقد انتهت نوبتـــــي .
فلما رأى الناس هذا الموكب المتواضع قالوا : أهذا مبشرٌ بقدوم الخليفة ؟ فقـــــال بعض المسلمين : لا بل هو الخليفة . فقالوا متعجبين : أهذا الخليفة الذي على الجمل !
قالوا : لا , بل الذي يقود صاحب الجمل ,,, فتأثر الناس ، وتحجرت دموعهم في مآقيهم وأيقنوا أن هذه أخلاق ورثة الأنبياء لا أخلاق الملوك والأكاســــــــــرة .
دخل الفاروق بين المقدس ليــلاً وتوجه فوراً إلى المسجد الأقصــى ، ودخله من الباب الذي دخل من رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الأسراء فصلـى فيه تحيـة المسجد .
ولما حان وقت الفجر جلل نداءُ التوحيد بين جنبات المسجد الأقصـى ، ويُصدع بالآذان أول مرة في مدينة الأنبياء ومســـرى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فلا تسل بعد ذلك عن الفرح والسرور والدموع والأشجان ، ويتقدم الفاروق ويؤم المسلمين فيقرأ بهم سورتي ( ص ) و ( الإسراء) ، وفي ضحى ذلك اليوم أخذ الفاروق يتجول في أنحاء المدينة المقدسة ، ويتنقل بين آثارها وعجائبها .
وفي تجواله ذاك رأى كنيسة القيامة من أكبر وأقدم كنائس النصارى فدخلها عمـــر رضي الله عنه ومعه البطريق الأكبر للنصارى فطفق يحدثه عن تاريخ كنسيتهم وتعظيم النصارى لها ثم حانت صلاة الظهر فدعـا البطريق عمر إلى الصلاة داخل الكنيسة فأبى عمر أن يصلي فيها كي لا تكون سنةً للمسلمين من بعده ويقولوا : هنا صلى أمير المؤمنين فيخرجوا النصارى من كنائسهم فيخلفوا بذلك شروط الصلح معهم .
قضى الخليفة عشرة أيام في القدس اهتم فيها بتنظيف المسجد الأقصى الذي امتهنه النصارى ، وتفقد فيها جند المسلمين وأحوال المعاهدين وقسّـم البلاد إلى أقسام لتسهيل إدارتها وإمارتها وحصل له في تلك الأيام مواقف وقصص وعبر يضيق المقام عن ذكرها .
ثم رجع أمير المؤمنين بعد ذلك إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ففـــرح المسلمون بعودته فرحاً عظيماً وازدادوا يقيناً أن خليفتهم لم ولن تستطيع الدنيا بزخرفها وزينتها أن تُبهــره وتصرفه عن طبيعته وإيمانه .
عباد الله :
هذا طرفٌ من تاريخ عمر رضي الله عنه مع القدس وشـئ من أخباره .
والله ما ادّكـــرت روحي لسيرتـــه
إلا تمنيت في دنياي لقيـــــــاه
نسأل الله عز وجل بمنه وكرمه أن ينفعنا بما سمعنا وأن يعلمنا ما ينفعنا ، وينفعنا بما علمنا .
واستغفر الله العظيـم ...
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين ، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين . أما بعد :-
فيا عباد الله :
إن من أسباب ضعف الأمة الإسلامية غفلتها وتغفلها عن تاريخها وتراثها ومصدر عِـــزِّها ، ولن تصلح الأمة ويستقيم شأنها إلا إذا رجعت إلى جيلها الأول فاهتدت بمنارهم واقتفت آثارهم وسارت على نهجهم .
ومن تلك الغفلة التي جثمت على قلوب كثير من المسلمين إلا ما رحم ربي .... مكانة أقصاهم وبيتهم المقدس في دينهم وعقيدتهم هذه المكانة وتلك الشمعة قد طفئت عن قلوب الكثيرين ، فلم يعد لها نصيب في قائمة للاهتمامات والأحاديث .
فتعالوا عباد الله نقف سريعاً مع منزلة المسجد الأقصــى في ديننا الإسلامي ، لعلها تحيا بذلك جذوة الأمل وتتحرك القلوب غيرةً وحرقة على مقدسات المسلمين.
إخوة الايمان :
من فضائل المسجد الأقصى :
أن أرضه وما حوله أرضٌ مباركة فيها الخيراتُ والمنح والحبات .
ــ يقول سبحانه عن نبيه محمد ( سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصـــى الذي باركنا حوله ) .
ــ وهي الأرض التي عاش فيه إبراهيم عليه السلام ردحاً من الزمن يقول سبحانه عن خليله إبراهيم ( ونجيناه ولوطاً إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين ) .
ــ وهي الأرض التي كان يفد إليها سليمان عليه السلام حيناً بعد حين قال سبحانه (ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها ) .
ووصف سبحانه أرضها بأنها ربوةٌ ذات خصوبة ولذا اسكنها نبـيَّــه عيسى عليه السلام وأمه مريم بنت عمران ( وجعلنا ابن مريم وأمه آية وأويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعيــــــن ) .
قال الضحاك وقتادة : وهو بين المقدس .
وقال ابن كثير : وهو الأظهر .
ومن فضائل الأقصى : أنه مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، صلى فيه بالأنبياء ، ومن أرضه عُرج به إلى السماء .
ــ ومن فضائل المسجد الأقصى :
أنه ثاني مسجدٍ بني في الأرض ، كما ثبت في الصحيحين من حديث أبي ذر رضي الله عنه قال : قلت يا رسول الله أي مسجد وضع في الأرض أول ، قال : المسجد الحرام ، قلت : ثم أي ؟ قال : المسجد الأقصى ، قلت : كم بينهما ؟ قال : أربعون سنــــــــة .
ــ ومن الفضائل أيضاً :
أن الأقصى قد كان قبلة المسلمين قبل تحويلها إلى الكعبة صلّى نحوه المسلمون ستة عشر شهراً .
ــ ومن أهم الفضائل :
أن الصلاة فيه مضاعفة على غيره من المساجد ,, وأصح ما ورد في فضل الصلاة فيـــــه
ما أخرجه الطحاوي والطبراني والحاكم وغيرهم عن أبي ذر رضي الله عنه قال : تذاكرنا ونحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أيهما أفضل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أم مسجد بين المقدس ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( صلاةٌ في مسجدي هذا أفضل من أربع صلوات فيه ، ولنعلم المصلى ) وفي حديث آخر أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم أن الصلاة في مسجده تعدل ألف صلاة في غيره فهذا يدل على أن الصلاة في الأقصى تعدل وتقارب مئتين وخمسين مرةً في غيره .
ومن فضائل المسجد الأقصى : أنه أحدُ الأماكن الثلاثة التي يشرع السفر إليها بقصد التعبد ، كما ثبت في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد " المسجد الحرام ، ومسجدي هذا والمسجد الأقصى "
ـــ ومن فضائله أيضاً :
أنه أحد الأماكن التي يمنع الدجال من دخولها ، كما صح بذلك الخبر عند الإمام أحمد وغيره . ــ ومن خصائصه أيضاً :
أنه المكان الذي يُنادي فيه منادي الملائكة لاجتماع الخلائق ليوم القيامة ، كما نصّ على ذلك غير واحد من أهل التفسير عند قوله سبحانه ( واستمع يوم ينادي المنادي من مكان قريب يوم يسمعون الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج )
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله تعالى :
والإسلام في آخر الزمان يكون أظهر بالشام كما أن مكة أفضل من بين المقدس فأول الأمة خير من آخرها ، كما أسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى . أ . هـ ـ رحمه الله .
وبعد ذلك كله فحق على أهل الإسلام أن يستشعروا عظمة قُـدّسهم فتمتلئ صدورهم تعظيماً له ويشتاقون لرؤيته وتحت قلوبهم بوصاله ، ومناجاة الرحمن في فنائه .
يا مسجد الأقصــى .. الذي أحببته ; حباً عميقاً في دمي يتغلــــل
من أي أبواب جـــدكِ ادخــل ; وبأي ثوب في رحابك ارفـــل
يا مسجد الأقصى جزيرتنا بهــا ; شوق إليك وقلبها لا يغفـــل
يا مسجد الأقصى عواصف أمتـي ; عصفت وربَّـان السفينة اعزل
عفواً فإن قلوبنــا مجروحـــة ٌ ; والصدق في وضـح النهار يجندل
ها نحن في زمن المصائب لم نزل ; نلقى الخطوب بضعفنا ونحوقل
عذراً فقد يصحو النؤوم ويمتطـي ; ظهر البطولة من لديــه المِـشْعلُ
نسعى وننذر قومنا .. وإلهنـــا ; يقضي ـ ويكتب ما يشاءُ ويفعـلُ
عمر والقدس
الخطبة الأولى
معاشر المسلمين :
تأمل التاريخ استنار قبله ورشد عقله وحسن رأيه هو مصباح يستنار به لمعرفة سنن الله في أيامه
والأقوام والشعوب لها تاريخها الذي يظل شاهداً لها أوعليهــا والأمة التي لا تعرف تاريخها لا تحسن بناء مستقبلها .
الأمة التي لا تقرأ أمجاد أسلافها تبيع أمجادها ودماءهم بثمن بخس دراهم معدودة .
فتعالوا إخوة الإيمان :
لنقلب صفحة من صفحات تاريخها المطوية ووثائقنا المنسية لنكشف الحقائق ونحيي روح العزة الإسلامية التي كانت مشرقة خفاقة في معاني العباد ومعالي البلاد .
كنا جبالاً في الجبال وربمـــــا سرنا على موج البحار بحاراً
كنا نرى الأصنام من ذهـــــبٍ فنهدمها ونهدم فوقها الكفــارا
لو كان غيرُ المسلمين لحازها كنزاً وصاغ الحليَّ والدينـــارا
حديثنا إخوة الإيمان :
مع صفحة بيضاء من صفحات الفاروق رضي الله عنه وكل صفحاته بيضاء صفحة تظهر العدل في أسمى معانيه والشموخ في أبهى مراميه .
صفحة تبرز سماحة هذا الدين لمن سالمه وتصور حقوق الإنسان واقعاً ملموساً وحريته شاهداً محسوساً .
نحن مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه وفتحه لبيت المقدس .
ومن يجاري أبا حفصٍ في سيرته أمَّـن يُحاول للفاروق تشبيهاً
إخوة الإسلام :
ها هي جيوش الإسلام ورايات التوحيد ترفرفُ في أرض العراق والشام بعد أن أسقطت أعظم إمبراطوريتين في زمانها الروم وفارس .
وتستمر قوافل الرحمن تفتح المدن والحصون تنشر العدل والسلام وتُخرجُ العباد من جور الأديان إلى عدل الإسلام حتى وقفت كتائب الإسلام على أسوار بيت المقدس الشامخة المنيعة .
وشدد المسلمون حصارها ومنعوا وصول الإمدادات إليها حتى طال عليهم الحصار , واستمر مدة أربعة أشهر وأيقنوا بسقوط المدينة ،عند ذلك طلب النصارى الأمان والصلح ، وتسليم المدينة سلماً ، ولكن.. رفضوا تسليم هذه المدينة المقدسة لعمرو بن العاص قائد المسلمين ، لأنهم يجدون في كتبهم عند أساقفتهم أن الذي يفتح القدس رجلٌ اسمه من ثلاثة أحرف وأن وصفه كذا وكذا ، وذكروا صفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
هنا أبرق عمرو بن العاص برسالةٍ إلى المدينة يعرض على الفاروق خبر الروم ويستحثه على القدوم ، وجاء في الرسالة إني أُعالجُ حرباً كؤودا صدوماً وبلاداً ادخرت لك ، فرأيك !
فجمــع عمر رضي الله عنه كبار الصحابة واستشارهم في خروجــــــه فأشــــار عثمان بعدم الخروج لأنهم أحقر وأرغم لأنوفهم .
وأشار عليـــه علي بن أبي طالـــــب بالمسير إليهم فأخذ عمر برأي علي رضي اللـــه عنه . وكتب لقادة المسلمين في الشام أن يوافوه بمدينة الجابية على هضبة الجولان بسوريا في يوم حدده لهم .
وعرض الصحابة على عمر أن يصحبوه في سفره فأبى وقال : من لم يصحبه الله فلا يصحبه أحد ثم قالوا : يا أمير المؤمنين إنك تَـفِدُ على قومٍ من النصارى كُثُــر ، وتريد أن تكون لك شارة أي هيئةٌ حسنة فقال : لاشارة لمن لا تقوى له ثــــــم أخذ عمر ناقته وصحبه غلام له .
خرج أمير المؤمنين من مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطع الفيافي والقفار لم يُسيـــر المواكب ولم تتقدمه الشرط إنما خرج هو وغلامه والله ثالثهما يتناوبان لركوب الناقة ، فيركب هو مرحلةً من الطريق وغلامه مرحلة أخرى فليـــأت لنـــــا التاريخ ولتحضـــر لنا البشرية بمثل عمر عَقِمـت النساء أن يلدن مثل عمـــر .
يا مـن يرى عمراً تكسوه بردته
والزيت أدمٌ له والكــــــوخ مأواه
يهتز كســـرى على كرسيه فرقاً
من خوفه وملوك الروم تخشــاه
وتقــــف عساكر الجهاد وقــــادة الفتح في أرض الشام أبو عبيدة بن الجراح ، وخالد بن الوليــــــد وعمرو بن العاص ينتظـرون مقـــــدم خليفــــة خليفــــة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وتلوح في الأفق صلعة الفاروق على ناقته متوجهاً إليهم ، فيعلوا التكبير وتتعانق الرقاب ، وتختلط الدموع في العيون فرحاً بمقدم أمير المؤمنين ليرى بعينه تلك الديار التي رأت النور ودخلت الإسلام في عهده الميمون .
ويقترب عمر من تلك الجموع قد اشرأبت نحوه الأعناق وأحدقت إليه الأبصار وقبل أن يصل إليهم كانت بينه وبينهم مخاضة ماء فنزل عمر من ناقته وخلع خفيه وأخذ بزمام الناقة فخاض بها الماء .
وكان هذا الموقف مثار حرج لقادة المسلمين الذين كانوا يودون أن يظهروا مكانة خليفتهم عند بني الأصفر ، فيقول أبو عبيدة له : يا أمير المؤمنين أأنت تفعل هذا ، ما يسرني أن أهل البلد استشرفوك ونظروا إليك على هذه الهيئة !! فصكَّ عمر صدر أبي عبيدة وقال : أوِّه , لو يقل ذا غيرك يا أبا عبيدة جعلته نكالاً لأمة محمد
ثـــم قال الفاروق بضع كلمات سجلها التاريــــخ وتناقلها الأجيال جيلاً بعد جيل , قـــــال : نحن قومٌ أعزنا الله بالإسلام ، ومهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله .
ويتأمل عمر في قادته فاستنكر هيئتهم رأى خيولهم مطهَّمَّـــة أي حسنة جميلة ولباسهم فاخرة يكسوها الحرير والديباج فظن أنهم تغيروا بعد .
فأخذ حصوات من الأرض فرماهم بها وقال : ما أسرع ما رجعتهم ,, أأياي تستقبلوني في هذا الزي وإنما شبعتم منذ سنتين !! فأخبره القادة بأنهم لبسوا ذلك من أجل السلاح الذي عليهم ليكون أخف على أبدانهم فسكت عنهم وقال : فنعم إذن .
وتطير الأخبار في الأمصار أن أنَّ أمير المؤمنين في أرض الجولان فيأتيـــه رجل من اليهود فمحص النظر فيه ، ثم قال : السلام عليك يا فاروق ، أنت صاحب إيليا ( أي القدس ) وتأتي جماعة من فرسان الروم وإذا هم وفد من أهل بين المقدس يدعون عمر إلى الصلح وطلب الأمان لأنفسهم وأموالهم مصالحهم الفاروق ، وكتب معهم معاهدة كان من بنودها :
ــ أن لأهل المدينة الأمان التام لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم ، لا تسكن كنائسهم ولا تهدم ولا يُكرهون بالخروج من دينهم ولا يساكنهم اليهود في مدينتهم وأن عليهم إعطاء الجزية .
لقد كان بإمكان الفاروق أن يفرض عليهم ما شاء ويجبرهم بما يريــــــــد ولكــــن عاملهـــــم بعدالة السماء ورحمــــة الإسلام التي تلقّهــــــا من مدرســـــة محمد صلى الله عليه وسلم .
في السنـــــة الخامســــة عشر كانت القدس على موعد تاريخي مع الفاروق رضي الله عنه . موعد طالما خفقت إليه أفئدة المؤمنين فها هو اسراهم يُفك من أسره ليعود عزيزاً شامخاً في حمى المسلمين إنها لحظاتٌ لا يمكن أن يعبرها لسان أو أن يخطها بنان
ويسير موكب الفاروق إلى بيت المقدس فتلفظ إليه القدس برجالها ونسائها وأطفالها واسقفتها ورهبانها ,, خرجوا يستقبلونه استقبالاً يليق به ، وبما اسداه إليهم من الفضل والعدل الذي ما عرفوه في عهد قياصرتهم .
ولما دنا الفاروق من بيت المقدس ، ترجّل عن ناقته ، ثم قال لغلامه : اركب . فقـــال : لقد وصلنا يا أمير المؤمنين .
فقال : اركب لقد انتهت نوبتـــــي .
فلما رأى الناس هذا الموكب المتواضع قالوا : أهذا مبشرٌ بقدوم الخليفة ؟ فقـــــال بعض المسلمين : لا بل هو الخليفة . فقالوا متعجبين : أهذا الخليفة الذي على الجمل !
قالوا : لا , بل الذي يقود صاحب الجمل ,,, فتأثر الناس ، وتحجرت دموعهم في مآقيهم وأيقنوا أن هذه أخلاق ورثة الأنبياء لا أخلاق الملوك والأكاســــــــــرة .
دخل الفاروق بين المقدس ليــلاً وتوجه فوراً إلى المسجد الأقصــى ، ودخله من الباب الذي دخل من رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الأسراء فصلـى فيه تحيـة المسجد .
ولما حان وقت الفجر جلل نداءُ التوحيد بين جنبات المسجد الأقصـى ، ويُصدع بالآذان أول مرة في مدينة الأنبياء ومســـرى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فلا تسل بعد ذلك عن الفرح والسرور والدموع والأشجان ، ويتقدم الفاروق ويؤم المسلمين فيقرأ بهم سورتي ( ص ) و ( الإسراء) ، وفي ضحى ذلك اليوم أخذ الفاروق يتجول في أنحاء المدينة المقدسة ، ويتنقل بين آثارها وعجائبها .
وفي تجواله ذاك رأى كنيسة القيامة من أكبر وأقدم كنائس النصارى فدخلها عمـــر رضي الله عنه ومعه البطريق الأكبر للنصارى فطفق يحدثه عن تاريخ كنسيتهم وتعظيم النصارى لها ثم حانت صلاة الظهر فدعـا البطريق عمر إلى الصلاة داخل الكنيسة فأبى عمر أن يصلي فيها كي لا تكون سنةً للمسلمين من بعده ويقولوا : هنا صلى أمير المؤمنين فيخرجوا النصارى من كنائسهم فيخلفوا بذلك شروط الصلح معهم .
قضى الخليفة عشرة أيام في القدس اهتم فيها بتنظيف المسجد الأقصى الذي امتهنه النصارى ، وتفقد فيها جند المسلمين وأحوال المعاهدين وقسّـم البلاد إلى أقسام لتسهيل إدارتها وإمارتها وحصل له في تلك الأيام مواقف وقصص وعبر يضيق المقام عن ذكرها .
ثم رجع أمير المؤمنين بعد ذلك إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ففـــرح المسلمون بعودته فرحاً عظيماً وازدادوا يقيناً أن خليفتهم لم ولن تستطيع الدنيا بزخرفها وزينتها أن تُبهــره وتصرفه عن طبيعته وإيمانه .
عباد الله :
هذا طرفٌ من تاريخ عمر رضي الله عنه مع القدس وشـئ من أخباره .
والله ما ادّكـــرت روحي لسيرتـــه
إلا تمنيت في دنياي لقيـــــــاه
نسأل الله عز وجل بمنه وكرمه أن ينفعنا بما سمعنا وأن يعلمنا ما ينفعنا ، وينفعنا بما علمنا .
واستغفر الله العظيـم ...
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين ، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين . أما بعد :-
فيا عباد الله :
إن من أسباب ضعف الأمة الإسلامية غفلتها وتغفلها عن تاريخها وتراثها ومصدر عِـــزِّها ، ولن تصلح الأمة ويستقيم شأنها إلا إذا رجعت إلى جيلها الأول فاهتدت بمنارهم واقتفت آثارهم وسارت على نهجهم .
ومن تلك الغفلة التي جثمت على قلوب كثير من المسلمين إلا ما رحم ربي .... مكانة أقصاهم وبيتهم المقدس في دينهم وعقيدتهم هذه المكانة وتلك الشمعة قد طفئت عن قلوب الكثيرين ، فلم يعد لها نصيب في قائمة للاهتمامات والأحاديث .
فتعالوا عباد الله نقف سريعاً مع منزلة المسجد الأقصــى في ديننا الإسلامي ، لعلها تحيا بذلك جذوة الأمل وتتحرك القلوب غيرةً وحرقة على مقدسات المسلمين.
إخوة الايمان :
من فضائل المسجد الأقصى :
أن أرضه وما حوله أرضٌ مباركة فيها الخيراتُ والمنح والحبات .
ــ يقول سبحانه عن نبيه محمد ( سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصـــى الذي باركنا حوله ) .
ــ وهي الأرض التي عاش فيه إبراهيم عليه السلام ردحاً من الزمن يقول سبحانه عن خليله إبراهيم ( ونجيناه ولوطاً إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين ) .
ــ وهي الأرض التي كان يفد إليها سليمان عليه السلام حيناً بعد حين قال سبحانه (ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها ) .
ووصف سبحانه أرضها بأنها ربوةٌ ذات خصوبة ولذا اسكنها نبـيَّــه عيسى عليه السلام وأمه مريم بنت عمران ( وجعلنا ابن مريم وأمه آية وأويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعيــــــن ) .
قال الضحاك وقتادة : وهو بين المقدس .
وقال ابن كثير : وهو الأظهر .
ومن فضائل الأقصى : أنه مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، صلى فيه بالأنبياء ، ومن أرضه عُرج به إلى السماء .
ــ ومن فضائل المسجد الأقصى :
أنه ثاني مسجدٍ بني في الأرض ، كما ثبت في الصحيحين من حديث أبي ذر رضي الله عنه قال : قلت يا رسول الله أي مسجد وضع في الأرض أول ، قال : المسجد الحرام ، قلت : ثم أي ؟ قال : المسجد الأقصى ، قلت : كم بينهما ؟ قال : أربعون سنــــــــة .
ــ ومن الفضائل أيضاً :
أن الأقصى قد كان قبلة المسلمين قبل تحويلها إلى الكعبة صلّى نحوه المسلمون ستة عشر شهراً .
ــ ومن أهم الفضائل :
أن الصلاة فيه مضاعفة على غيره من المساجد ,, وأصح ما ورد في فضل الصلاة فيـــــه
ما أخرجه الطحاوي والطبراني والحاكم وغيرهم عن أبي ذر رضي الله عنه قال : تذاكرنا ونحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أيهما أفضل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أم مسجد بين المقدس ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( صلاةٌ في مسجدي هذا أفضل من أربع صلوات فيه ، ولنعلم المصلى ) وفي حديث آخر أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم أن الصلاة في مسجده تعدل ألف صلاة في غيره فهذا يدل على أن الصلاة في الأقصى تعدل وتقارب مئتين وخمسين مرةً في غيره .
ومن فضائل المسجد الأقصى : أنه أحدُ الأماكن الثلاثة التي يشرع السفر إليها بقصد التعبد ، كما ثبت في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد " المسجد الحرام ، ومسجدي هذا والمسجد الأقصى "
ـــ ومن فضائله أيضاً :
أنه أحد الأماكن التي يمنع الدجال من دخولها ، كما صح بذلك الخبر عند الإمام أحمد وغيره . ــ ومن خصائصه أيضاً :
أنه المكان الذي يُنادي فيه منادي الملائكة لاجتماع الخلائق ليوم القيامة ، كما نصّ على ذلك غير واحد من أهل التفسير عند قوله سبحانه ( واستمع يوم ينادي المنادي من مكان قريب يوم يسمعون الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج )
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله تعالى :
والإسلام في آخر الزمان يكون أظهر بالشام كما أن مكة أفضل من بين المقدس فأول الأمة خير من آخرها ، كما أسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى . أ . هـ ـ رحمه الله .
وبعد ذلك كله فحق على أهل الإسلام أن يستشعروا عظمة قُـدّسهم فتمتلئ صدورهم تعظيماً له ويشتاقون لرؤيته وتحت قلوبهم بوصاله ، ومناجاة الرحمن في فنائه .
يا مسجد الأقصــى .. الذي أحببته ; حباً عميقاً في دمي يتغلــــل
من أي أبواب جـــدكِ ادخــل ; وبأي ثوب في رحابك ارفـــل
يا مسجد الأقصى جزيرتنا بهــا ; شوق إليك وقلبها لا يغفـــل
يا مسجد الأقصى عواصف أمتـي ; عصفت وربَّـان السفينة اعزل
عفواً فإن قلوبنــا مجروحـــة ٌ ; والصدق في وضـح النهار يجندل
ها نحن في زمن المصائب لم نزل ; نلقى الخطوب بضعفنا ونحوقل
عذراً فقد يصحو النؤوم ويمتطـي ; ظهر البطولة من لديــه المِـشْعلُ
نسعى وننذر قومنا .. وإلهنـــا ; يقضي ـ ويكتب ما يشاءُ ويفعـلُ
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى