مسلم
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
فضل الدعاء في رد البلاء
الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور انفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له: (ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ * لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ). [سورة الأنعام، الآيات: 102- 103]
وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله، وأمينه وخليله، ومصطفاه ومجتباه، بعثه بالهدى ودين الحق بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً، فبلغ الرسالة، وأدّى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وما مات حتى ترك أمته على البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها الا هالك، فجزاه الله خير ما يجزى نبياً عن أمته، وصلى الله عليه وعلى اله وأصحابه وأزواجه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل، وطاعته واتباع أوامره، والوقوف عند حدوده، والبعد عن محارمه، والتمسك بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ). [سورة آل عمران، الآية: 102].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا). [سورة النساء، الآية: 1].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا). [سورة الأحزاب، الآيات: 70- 71].
اللهم وفقنا للقول السديد، والعمل الرشيد، وما تحب وترضى.
معشر الأحباب:
لقد بين لنا الله عز وجل في كتابه على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم أموراً كثيرة تعين على دفع البلاء ورفع العقوبة، فمن المناسب أن يعلمها الناس ويعملوا بها، لا سيما في هذه الأيام، التي نسال الله سبحانه وتعالى أن يلطف فيها بنا وبالمسلمين جميعًا، وأن يدفع عنا البلاء وعن المسلمين، وأن يرفع العقوبة عن جميع عباده الموحدين.
أما هذه الأسباب التي بإذن المولى تدفع البلاء وترفع العقوبة، فهي كثيرة، ولكن يجمعها ويحيط بها تقوى الله سبحانه وتعالى، والتي هي فعل كل أمر مأمور به، وترك كل ما نهى الله عزّ وجل عنه وزجر، فهي فعل جميع المأمورات، وترك المنهيات، وفعل المستحبات مع المأمورات، وترك المكروهات مع المحرمات.
فهذه هي تقوى الله عز وجل، وهي كفيلة برد البلاء، ورفع العقوبة، وإيجاد المخارج من المضايق، وجلب اليسر بعد العسر، والفرج بعد الشدة، كما قال مولانا سبحانه وتعالى: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ). [سورة الطلاق، الآية: 2]. وكما قال عزّ وجل: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً * ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً). [سورة الطلاق، الآيات: 4- 5].
ومن هذه الأمور التي تدفع البلاء، وترفع العقوبة:
الدعاء: تلك العبادة التي غفل عنها كثير من الناس، في خضم هذه الاحداث الأليمة التي تمرّ بالأمة انصرف الناس عن الدعاء والتضرع والخضوع لله عز وجل، فترى الناس في مجالسهم غارقين في الأحاديث، وسرد الأحداث، وتتبع الأخبار/ وماذا قالت الجريدة، وماذا قال المذياع، وماذا أخبرت به الوكالة الفلانية، وماذا ظهر في التلفاز... إلى غير ذلك، وترى أحدهم مصغياً إلى الإذاعة بأذنيه، وشاخصاً إلى التلفاز بعينه طيلة ساعات ليله أو نهاره، فأين دعاء الله سبحانه وتعالى.
أيّها الأحباب:
إنّ الدعاء مقام عظيم، وشعيرة جليلة، وعبادة فاضلة، وهو من أفضل العبادات، ومن أعظم مقامات الألوهية، ومن أعظم ما يرفع البلاء والعقوبات بإذن الله سبحانه وتعالى، بل إن الله عز وجل أخبر إن الدعاء هو العبادة، لأنه ركنها الركين، وأساسها المتين، وقال سبحانه: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ). [سورة غافر، الآية: 60].
وسمى سبحانه وتعالى الدعاء عبادة، و تكفل بالإجابة لمن دعا، (وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ). [سورة التوبة، الآية: 111]. (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً). [سورة النساء، الآية: 122]. فقد قال سبحانه: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إذا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ). [سورة البقرة، الآية: 186].
وقد سأل أعرابي الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أقريب ربنا فنناجيه، أم بعيد فنناديه؟! فسكت النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إذا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ). [سورة البقرة، الآية: 186].
والدعاء - بإذن الله - كفيل برد العقوبة، ودفع البلاء إذا صدر من قلب مؤمن متقٍ خاشعٍ مخبتٍ لله عز وجل، ومن لسان متضرع، ومن كف صادق لله عز وجل. يقول الله عز وجل: (وَلَقَدْ أَرْسَلنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَـكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ * فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إذا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ). [سورة الأنعام، الآيات: 42- 45].
(فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَـكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ). [سورة الأنعام، الآيات: 43]. أي: فهلا إذا رأوا العقوبة تنزل بجيرانهم، يشردون من أوطانهم، تستلب أموالهم، تنتهك حرماتهم، تحتل بلادهم، تهدم مقدساتهم تحتل بلادهم، فهلا إذا رأوا ذلك رجعوا وجأروا إلى الله.
هلا تابوا وتركوا ما القوم عليه سائرون خشية أن يصيبهم ما أصابهم؟!.
لا، ولكنهم لجّوا في طغيانهم يعمهون، فترى أهل الربا على الربا، وأهل التلفاز على التلفاز، وأهل الخنا على الخنا، وأهل الغناء على الغناء، وأهل ترك الصلاة على تركها، والنساء المتبرجات هن هن، فلم يغيروا ولم يبدلوا هذا وإنهم يرون عقوبة الله عز وجل.
أخرج الإمام أحمد في تفسير هذه الآية: (فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إذا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ). [سورة الأنعام، الآيات: 44]. عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا رأيت الله يُعْطِي العبدَ من الدنيا على مَعاصيه ما يُحِبُّ، فإنما هو اسْتِدْرَاج. ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إذا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ) . [سورة الأنعام، الآيات: 44].
وقال سبحانه وتعالى: (فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ فِي الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ). [سورة يونس، الآية: 98]. ذلك أن قوم يونس عليه السلام لما عصوا، وخرج نبيهم ذي النون مغاضباً، وترك قومه ووعدهم بالعقوبة بعد ثلاث ليالي، وقد علموا أنّه لا يكذب لأنه نبي من عند الله عزّ وجل، فخشوا العقوبة وأخذوا نساءهم وأطفالهم وأنعامهم وإبلهم وبقرهم وغنمهم، وجأروا إلى الله عز وجل ثلاثة أيام، وقيل: أربعين ليلة، ونادوا الله سبحانه وتعالى بأسمائه، واستغاثوا، وتابوا إلى الله عزّ وجل، فصرف الله سبحانه وتعالى عنهم العقوبة، وقد أوشكت أن تحل بهم.
أيها الأحباب:
والحاصل أنّ الدعاء بإذن الله نافع في رفع البلاء ودفع العقوبة إذا ما صدر من قلب مؤمن صادق لله عز وجل. ولقد كان نبيكم عليه الصلاة والسلام أفزعُ الناس إلى الدعاء، وخصوصاً إذا ألمت مصيبة أو نزلت نازلة، حتى أنه إذا رأى تغيّراً في أفق الجو لجأ إلى الله عز وجل بالدعاء، وجأر إلى الله سبحانه وتعالى بالتضرّع: (ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ). [سورة الأعراف، الآية: 55].
واسمعوا واقرأوا قصته صلى الله عليه وسلم عند غزوة الأحزاب، وفي بدر لما خرج لملاقاة المشركين، فقد بات ليلته والناس نائمون، بات ليلته كلها وهو يدعو الله عزّ وجل، وقد وعده الله عزّ وجل أن ينصره، ومع ذلك بات يدعو الله طيلة تلك الليلة، يدعو الله بقلب خاشع، وبكف ضارع يجأر إلى الله عز وجل، ويبكي ويتضرع، ويمرّغ وجهه بين يدي رب العالمين في ظلمات الليالي صلوات الله عليه، ففي الحديث "لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ وَأَصْحَابُهُ ثَلَاثُ مِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِبْلَةَ ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي اللَّهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي اللَّهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لَا تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ وَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ كَفَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ). [سورة الأنفال، الآية: 9]."
والقصص مشهورة ومعروفة، فحينما يلجأ العبد إلى ربّه وقت الشدة، ويكشف الله عزّ وجل عنه ما يجد: (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إذا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ). [سورة النمل، الآية: 62].
وقد ذُكر عن بعض الصالحين وغيرهم أنهم دعوا الله عز وجل وقت الشدة، وقد صدقوا اللجأ والاضطرار إلى الله عز وجل، فرفع الله عز وجل عنهم البلاء.
وقد ذُكر عن أيوب السختياني عليه رحمة الله، وهو أحد رجال الصحيحين، وأحد الأئمة الأثبات أنّه خرج مع قومه وأهل بلده في الحج، فأصابهم في الصحراء عطش شديد، ونفدت مياههم، فقالوا له: يا أيوب، ألا تستغيث الله عز وجل لنا؟! قال: ومن أنا حتى استغيث الله عز وجل لكم؟! فألحوا عليه، وحلفوا، فاقسم عليهم أن لا يخبروا أحداً بما يحصل. فقالوا: نعم فخط خطاً بعمامته، ودعا الله عزّ وجل، فما أن فرغ من دعائه حتى ثارت تلك الخطة التي خطها بعمامته ماءاً، وشربوا وسقوا، وانصرفوا إلى حجهم. والقصص في ذلك كثيرة ومشهورة.
والحاصل - يا عباد الله - أن المسلم في مثل هذه الأحوال، وفي مثل هذه الظروف عليه أن يلجا إلى الله بالدعاء والتضرع، فإن الله عز وجل يحب الملحّين من عباده في الدعاء. وفي الحديث: "إن الله يحب الملحّين في الدعاء" وفي الآخر: "من لم يسأل الله يغضب عليه".
وما أحسن ما قال الشاعر
لا تسألن بُني ابن ادم حاجة ** وسل الذي أبوابه لا تحجب
الله يغضب إن تركت سؤاله ** وبُنيّ آدم حين يُسأل يغضب
سبحانه وتعالى وتقدس، نسال الله تعالى أن يجعلنا أفقر عباده إليه، وأغنى خلقه عمن سواه.
معشر الأحباب في الله:
إنّ هناك شروطاً وآداب للدعاء، إذا رعاها العبد استجاب الله له، وإنما يحجب الله عز وجل دعوات كثير من الناس لأنهم فرطوا في هذه الآداب والشروط أو أكثرها.
فمن هذه الشروط التي ينبغي على العبد مراعاتها: أن يدعو بدعوة بر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم اخبر أنّ الله سبحانه وتعالى لا يستجيب إلا دعوة البر، وأمّا دعوة الإثم وقطيعة الرحم فلا مكان لها في الإجابة.
وأمر آخر، وهو: أن يدعو الله عزّ وجل، فلا يدعو غيره، لأنّ الدعاء عبادة لا تكون إلا لله، وصرفها لغير الله - كائناً من كان – إنّما هو شرك بالله العظيم: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ). [سورة الأحقافن الآية: 5].
أيها الأحباب:
والشرط الثالث لضمان الإجابة: أن يتخلّص العبد من الذنوب والمعاصي والسيئات، وان يتوب إلى الله توبة صادقة، فلا يليق أن يدعو الله عز وجل وكله سيئات ذنوب ومعاصي وآفات كبيرات وصغيرات، بل عليه قبل ذلك أن يتخلّص من كل ذنب، وان يقبل إلى الله بقلب طاهر أبيض قبل أن يمدّ يده إلى الله عزّ وجل.
جاء في بعض الآثار: "أن قوما من بني إسرائيل أصابتهم عقوبة، فخرجوا يدعون الله عز وجل، فأوحى الله عز وجل إلى نبيهم أن قل لهم إنكم خرجتم إلى الصعدات بأجساد نجسة، ورفعتم أكفاً طالما سفكتم بها الدماء، وملأتم بيوتكم وبطونكم من الحرام، ألان بعد ما اشتد عليكم غضبي لم تزدادوا مني إلا بعداً".
فقبل أن يجأر العبد إلى الله بالدعاء فعليه أن يتفقّد نفسه، وأن يتوب من كل ذنب صغيراً كان أم كبيراً.
الأمر الرابع: أن يحرص العبد على أن يطيب مطعمه، فلا يأكل إلا طيباً، فان أكل الحرام والمشتبه من أعظم ما يمنع ويحجب الدعاء، والعياذ بالله.
وهذه من آفات الناس اليوم، فإنّ كثيراً من الناس لا يسأل من أين أتى هذا الطعام، أَمِن بلاد الكفر والشرك والإلحاد، أم مِن بلاد المسلمين؟!.
ولقد أكل كثيرٌ من الناس ذبائح المغضوب عليهم، الذين هم إلى الإباحية أقرب من التمسك بالكتاب، وأكلوا ذبائح الملحدين، الذين لا يعترفون بالله، وأكلوا كثيراً من الأطعمة التي خالطها الخنزير، وخالطها كثير من الحرام من المسكر وغيره، ولو بنسبة قليلة، وهم يعلمون ذلك، ولكن لا يسالون عنه، فأنى يستجيب الله عز وجل لهم؟!.
ولما جاءه سعد بن أبي وقاص، وقال: "يا رسول الله، ادعُ الله أن يجعلني مجاب الدعوة. قال: يا سعد، أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة".
فأطاب سعد مطعمه، فكان بعد ذلك لا يدعو دعوة إلا استجاب الله عز وجل عنه، والقصة معروفة عنه ومشهورة، لا نذكرها خشية الإطالة.
وجاء في الحديث الآخر الذي أخرجه مسلم وغيره أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: "أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ). [سورة المؤمنون، الآية: 51] وَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ). [سورة البقرة، الآية: 172].
ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ، يَا رَبِّ. وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ".
وقد ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث قصة سعد: "والذي نفس محمد بيده، إن العبد ليقذف اللقمة الحرام في جوفه ما يتقبل منه عمل أربعين يوماً، وأيّما عبد نبت لحمه من السحت، والربا فالنار أولى به".
أيّها الأحباب:
ومن الشروط أن تكون الأمة آمرة بالمعروف ناهية عن المنكر، تأخذ على يد السفيه وتأطره على الحق أطراً، وتردعه ردعاً، وتقصره قصراً.
فإن الأمة إذا تركت هذا الأمر عاقبها الله بعقوبة أعظمها أن يسد الله عزّ وجل بابه عنهم، وان يمنع قبول دعوتهم، كما جاء في الحديث الصحيح: "لتأمرن بالمعروف ولتنهونّ عن المنكر، أو ليسلطن الله عليكم شراركم، ثم يدعوا خياركم فلا يستجاب لهم".
ومن آداب الدعاء - أيها الأحباب - أن يدعو المؤمن بقلب صادق خاشع حاضر، وان لا يدعوا بقلب ساهٍ لاهٍ، وان يدعو وهو موقن بالإجابة، كما جاء في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ادعوا الله وانتم موقنون بالإجابة، واعلموا أنّ الله لا يستجيب الدعاء من قلب غافل لاه".
ومن آدابه: أن يصدق العبد اللجأ والاضطرار إليه سبحانه، لأنّ الله عز وجل يستجيب دعوة المضطر ولو كان كافراً كما قال العلماء، وهو فهم منتزع من قوله عز وجل: (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إذا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ). [سورة النمل، الآية: 62].
وقال عز وجل عن المشركين: (فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ). [سورة العنكبوت، الآية: 65]. وغير ذلك من الآيات، وهي كثيرة معروفة.
والدعاء أمر يعترف به الكفار الملاحدة، فقد عرفوا جدواه، واعترفوا بجدواه وأثره قبل المسلمين، وإن كانوا يؤولون ذلك فراراً من إثبات الخالق عز وجل، فلقد اشتهرت مقولتهم: "ضجيج الأصوات في هياكل العبادات بأفنان اللغات تحلل ما عقدته الأفلاك الدائرات!".
فينبغي على العبد أن يصدق اللجأ والطلب إلى الله عز وجل، حتى يستجيب الله عز وجل له.
أيها الأحباب:
ومن آداب الدعاء: ألا يستعجل العبد الإجابة أو يقول دعوت ودعوت فلم أره يستجب لي. قال الرسول صلى الله عليه وسام في الحديث المتفق عليه: "يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، قالوا: يا رسول الله، وكيف يعجل؟! قال: يقول: دعوت، ودعوت، فلم يستجب لي فيستحسر عند ذلك، ويدع المسالة".
ومن الآداب - أيها الأحباب - أنّ يستفتح العبد الدعاء بالثناء على الله عزّ وجل، ويختمه بالصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم.
وهكذا علّمنا الله عز وجل في صورة الفاتحة، فأوّلها ثناء على الله تعالى، وآخرها دعاء لله عز وجل، وغير ذلك.
وكذلك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي قوله صلى الله عليه وسلم: "يا حي يا قيوم بك استغيث".
وجاء رجل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى وانصرف ولم يصل عليه صلى الله عليه وسلم، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: "عجل هذا، ثم دعاه، فقال له: يا هذا، إذا دعوت فأثني على الله في أوله وصلي على رسول الله في آخره".
وأخبر الرسول صلى الله صلى الله عليه أنّ الدعاء يكون معلقاً بين السماوات والأرض حتى يصلي صاحبه على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن آداب الدعاء - أيها الأحباب - أن يتحين العبد أوقات الإجابة، ومن أوقات الإجابة: بين الأذان والإقامة، وبعد الصلوات المكتوبات، وفي الثلث الأخير من الليل، في وقت التنزّل الإلهي، وقوله لعباده: "من يدعوني فأستجيب له، من يستغفرني فأغفر له، من يسألني فأعطيه" وذلك حتى يطلع الفجر.
ومن أوقات الإجابة - أيها الأحباب - ومن الأوقات التي يرجى أن يستجاب فيها الدعاء أن يدعو العبد وهو ساجد، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا فيه من الدعاء". أو كما قال صلوات الله وسلامه عليه.
وعلى العبد أن يكون دائما وأبداً حريصاً على الدعاء، فان الدعاء - بإذن الله - يرفع البلاء ويدفع العقوبة، كما جاء في الحديث الصحيح: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ولا يرد القضاء الا الدعاء".
وكما اخرج الحاكم عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يغني حذر من قدر، وإن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، وان الدعاء ليصعد في السماء فيلقى البلاء فيعتلجان بين السماء الأرض إلى قيام الساعة".
وكما قال صلى الله عليه وسلم الدعاء: "سلاح المؤمن".
والحاصل - أيها الأحباب – أنّ العبد ينبغي أن يفزع إلى الله في الدعاء، لا سيما في هذه الأوقات العصيبة، لا يشغلنا تتبع الأخبار وتلقف الأنباء، والتلفاز وغير ذلك من بعض هذه المحرمات عن دعاء الله عز وجل، فإننا في وقت عصيب أحوج ما نكون فيه إلى الاتصال بالله عز وجل. بارك الله لي ولكم في القرءان العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول ما تسمعون، واستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضى. أحمده سبحانه وأشكره، وأثني عليه.
واشهد ألا إله إلا الله، وحده لا شريك له، شهادة أرجو بها الفوز والنجاح والفلاح والنجاة يوم لقائه، يوم يبعث من في القبور، ويحصّل ما في الصدور.
واشهد أنّ محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه، وعلى آله وأصحابه وأزواجه، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين، أمّا بعد:
فاتقوا الله يا عباد الله، فإن تقوى الله تعالى وصية منه سبحانه للأولين والآخرين من خلقه: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللّهُ غَنِيّاً حَمِيداً). [سورة النساء، الآية: 131].
معشر الإخوة الأفاضل:
ومن الأمور الكفيلة بدفع البلاء ورد العقوبة: كثرة الاستغفار، وذلك بأن يكثر العبد الاستغفار والذكر والرجوع والإنابة لله عزّ وجل.
ولقد ذكر الله عز وجل في كتابه أن هذا مانع من العقوبة، ورافع لها، ودافع للبلاء - بإذن الله - قال سبحانه وتعالى: (وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ). [سورة الأنفال، الآية: 33].
وأخرج الإمام الترمذي وغيره من حديث أبي موسى الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيَّ أَمَانَيْنِ لِأُمَّتِي: (وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ). [سورة الأنفال، الآية: 33]. فَإِذَا مَضَيْتُ تَرَكْتُ فِيهِمْ الِاسْتِغْفَارَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ".
وقال عزّ وجل: (وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ). [سورة هود، الآية: 3]. وهذا على لسان نبينا صلوات الله وسلامه عليه.
وقال على لسان هود: (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ). [سورة هود، الآية: 52].
والحاصل أن الاستغفار - بإذن الله - دواء نافع وناجع لدفع البلاء ورفع العقوبة، كما قال الأبوان لما ابتُلي آدم وحواء عليهما السلام: (قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ). [سورة الأعراف، الآية: 23]. وقال الله عز وجل عنهما: (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ). [سورة البقرة، الآية: 37].
وقال الله عز وجل على لسان موسى وقومه لما أصابهم البلاء: (وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاء وَتَهْدِي مَن تَشَاء أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ). [سورة الأعراف، الآية: 155].
وقال الله عز وجل على لسان موسى لما أذنب واستغفر ربه: (قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ). [سورة القصص، الآية: 16].
وعلى لسان أيّوب عليه السلام: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ). [سورة الأنبياء، الآيات 83- 84].
وقد مكث أيوب في البلاء أكثر من سبع سنين، وقد فقد بيته وأهله وزوجه وأولاده، وأصابه بلاء عظيم، ومرض شديد، فدعا الله عز وجل بهذه الدعوة: (ربِ إني مسني الضر، وأنت ارحم الراحمين، يا عالماً بحالي، علمك بحالي يغني عن سؤالي). فاستجاب الله عز وجل له.
وكذلك ذو النون عليه السلام: (وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ). [سورة الأنبياء، الآيات 87- 88].
فيا عباد الله:
لجوّا بالاستغفار والتضرع إلى الله عز وجل والتوبة من كل الذنوب كبيرها وصغيرها، لجوا فإننا على ذنوب عظيمة، ولا يكفي الدعاء وحده ما لم يستغفر العبد ربه ويتوب إليه:
يا ناظراً يرنو بعيني راقد ** ومشاهداً لأمر غير مشاهد
تصل الذنوب إلى الذنوب وترتجي ** درجاً بنعم نيل أجر العابد
ونسيت ربك حين أخرج آدما منـ ** ــها إلى الدنيا بذنب واحد
ومن الأمور التي هي - بإذن الله - كفيلة بدفع البلاء ورفع العقوبة: المسارعة إلى القربات والى الخيرات والحرص على الطاعات، لا سيما الصلوات المكتوبات والزكوات المفروضات، والمستحبات وغيرها من أفعال العبادة؛ ككثرة الذكر، وقراءة القرءان وغيرها.
اللهم ارزقنا توبتك .اللهم ارزقنا الانابة اليك اللهم ارزقنا الرجوع اليك يا رب العالمين
الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور انفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له: (ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ * لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ). [سورة الأنعام، الآيات: 102- 103]
وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله، وأمينه وخليله، ومصطفاه ومجتباه، بعثه بالهدى ودين الحق بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً، فبلغ الرسالة، وأدّى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وما مات حتى ترك أمته على البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها الا هالك، فجزاه الله خير ما يجزى نبياً عن أمته، وصلى الله عليه وعلى اله وأصحابه وأزواجه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل، وطاعته واتباع أوامره، والوقوف عند حدوده، والبعد عن محارمه، والتمسك بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ). [سورة آل عمران، الآية: 102].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا). [سورة النساء، الآية: 1].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا). [سورة الأحزاب، الآيات: 70- 71].
اللهم وفقنا للقول السديد، والعمل الرشيد، وما تحب وترضى.
معشر الأحباب:
لقد بين لنا الله عز وجل في كتابه على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم أموراً كثيرة تعين على دفع البلاء ورفع العقوبة، فمن المناسب أن يعلمها الناس ويعملوا بها، لا سيما في هذه الأيام، التي نسال الله سبحانه وتعالى أن يلطف فيها بنا وبالمسلمين جميعًا، وأن يدفع عنا البلاء وعن المسلمين، وأن يرفع العقوبة عن جميع عباده الموحدين.
أما هذه الأسباب التي بإذن المولى تدفع البلاء وترفع العقوبة، فهي كثيرة، ولكن يجمعها ويحيط بها تقوى الله سبحانه وتعالى، والتي هي فعل كل أمر مأمور به، وترك كل ما نهى الله عزّ وجل عنه وزجر، فهي فعل جميع المأمورات، وترك المنهيات، وفعل المستحبات مع المأمورات، وترك المكروهات مع المحرمات.
فهذه هي تقوى الله عز وجل، وهي كفيلة برد البلاء، ورفع العقوبة، وإيجاد المخارج من المضايق، وجلب اليسر بعد العسر، والفرج بعد الشدة، كما قال مولانا سبحانه وتعالى: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ). [سورة الطلاق، الآية: 2]. وكما قال عزّ وجل: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً * ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً). [سورة الطلاق، الآيات: 4- 5].
ومن هذه الأمور التي تدفع البلاء، وترفع العقوبة:
الدعاء: تلك العبادة التي غفل عنها كثير من الناس، في خضم هذه الاحداث الأليمة التي تمرّ بالأمة انصرف الناس عن الدعاء والتضرع والخضوع لله عز وجل، فترى الناس في مجالسهم غارقين في الأحاديث، وسرد الأحداث، وتتبع الأخبار/ وماذا قالت الجريدة، وماذا قال المذياع، وماذا أخبرت به الوكالة الفلانية، وماذا ظهر في التلفاز... إلى غير ذلك، وترى أحدهم مصغياً إلى الإذاعة بأذنيه، وشاخصاً إلى التلفاز بعينه طيلة ساعات ليله أو نهاره، فأين دعاء الله سبحانه وتعالى.
أيّها الأحباب:
إنّ الدعاء مقام عظيم، وشعيرة جليلة، وعبادة فاضلة، وهو من أفضل العبادات، ومن أعظم مقامات الألوهية، ومن أعظم ما يرفع البلاء والعقوبات بإذن الله سبحانه وتعالى، بل إن الله عز وجل أخبر إن الدعاء هو العبادة، لأنه ركنها الركين، وأساسها المتين، وقال سبحانه: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ). [سورة غافر، الآية: 60].
وسمى سبحانه وتعالى الدعاء عبادة، و تكفل بالإجابة لمن دعا، (وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ). [سورة التوبة، الآية: 111]. (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً). [سورة النساء، الآية: 122]. فقد قال سبحانه: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إذا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ). [سورة البقرة، الآية: 186].
وقد سأل أعرابي الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أقريب ربنا فنناجيه، أم بعيد فنناديه؟! فسكت النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إذا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ). [سورة البقرة، الآية: 186].
والدعاء - بإذن الله - كفيل برد العقوبة، ودفع البلاء إذا صدر من قلب مؤمن متقٍ خاشعٍ مخبتٍ لله عز وجل، ومن لسان متضرع، ومن كف صادق لله عز وجل. يقول الله عز وجل: (وَلَقَدْ أَرْسَلنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَـكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ * فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إذا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ). [سورة الأنعام، الآيات: 42- 45].
(فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَـكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ). [سورة الأنعام، الآيات: 43]. أي: فهلا إذا رأوا العقوبة تنزل بجيرانهم، يشردون من أوطانهم، تستلب أموالهم، تنتهك حرماتهم، تحتل بلادهم، تهدم مقدساتهم تحتل بلادهم، فهلا إذا رأوا ذلك رجعوا وجأروا إلى الله.
هلا تابوا وتركوا ما القوم عليه سائرون خشية أن يصيبهم ما أصابهم؟!.
لا، ولكنهم لجّوا في طغيانهم يعمهون، فترى أهل الربا على الربا، وأهل التلفاز على التلفاز، وأهل الخنا على الخنا، وأهل الغناء على الغناء، وأهل ترك الصلاة على تركها، والنساء المتبرجات هن هن، فلم يغيروا ولم يبدلوا هذا وإنهم يرون عقوبة الله عز وجل.
أخرج الإمام أحمد في تفسير هذه الآية: (فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إذا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ). [سورة الأنعام، الآيات: 44]. عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا رأيت الله يُعْطِي العبدَ من الدنيا على مَعاصيه ما يُحِبُّ، فإنما هو اسْتِدْرَاج. ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إذا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ) . [سورة الأنعام، الآيات: 44].
وقال سبحانه وتعالى: (فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ فِي الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ). [سورة يونس، الآية: 98]. ذلك أن قوم يونس عليه السلام لما عصوا، وخرج نبيهم ذي النون مغاضباً، وترك قومه ووعدهم بالعقوبة بعد ثلاث ليالي، وقد علموا أنّه لا يكذب لأنه نبي من عند الله عزّ وجل، فخشوا العقوبة وأخذوا نساءهم وأطفالهم وأنعامهم وإبلهم وبقرهم وغنمهم، وجأروا إلى الله عز وجل ثلاثة أيام، وقيل: أربعين ليلة، ونادوا الله سبحانه وتعالى بأسمائه، واستغاثوا، وتابوا إلى الله عزّ وجل، فصرف الله سبحانه وتعالى عنهم العقوبة، وقد أوشكت أن تحل بهم.
أيها الأحباب:
والحاصل أنّ الدعاء بإذن الله نافع في رفع البلاء ودفع العقوبة إذا ما صدر من قلب مؤمن صادق لله عز وجل. ولقد كان نبيكم عليه الصلاة والسلام أفزعُ الناس إلى الدعاء، وخصوصاً إذا ألمت مصيبة أو نزلت نازلة، حتى أنه إذا رأى تغيّراً في أفق الجو لجأ إلى الله عز وجل بالدعاء، وجأر إلى الله سبحانه وتعالى بالتضرّع: (ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ). [سورة الأعراف، الآية: 55].
واسمعوا واقرأوا قصته صلى الله عليه وسلم عند غزوة الأحزاب، وفي بدر لما خرج لملاقاة المشركين، فقد بات ليلته والناس نائمون، بات ليلته كلها وهو يدعو الله عزّ وجل، وقد وعده الله عزّ وجل أن ينصره، ومع ذلك بات يدعو الله طيلة تلك الليلة، يدعو الله بقلب خاشع، وبكف ضارع يجأر إلى الله عز وجل، ويبكي ويتضرع، ويمرّغ وجهه بين يدي رب العالمين في ظلمات الليالي صلوات الله عليه، ففي الحديث "لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ وَأَصْحَابُهُ ثَلَاثُ مِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِبْلَةَ ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي اللَّهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي اللَّهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لَا تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ وَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ كَفَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ). [سورة الأنفال، الآية: 9]."
والقصص مشهورة ومعروفة، فحينما يلجأ العبد إلى ربّه وقت الشدة، ويكشف الله عزّ وجل عنه ما يجد: (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إذا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ). [سورة النمل، الآية: 62].
وقد ذُكر عن بعض الصالحين وغيرهم أنهم دعوا الله عز وجل وقت الشدة، وقد صدقوا اللجأ والاضطرار إلى الله عز وجل، فرفع الله عز وجل عنهم البلاء.
وقد ذُكر عن أيوب السختياني عليه رحمة الله، وهو أحد رجال الصحيحين، وأحد الأئمة الأثبات أنّه خرج مع قومه وأهل بلده في الحج، فأصابهم في الصحراء عطش شديد، ونفدت مياههم، فقالوا له: يا أيوب، ألا تستغيث الله عز وجل لنا؟! قال: ومن أنا حتى استغيث الله عز وجل لكم؟! فألحوا عليه، وحلفوا، فاقسم عليهم أن لا يخبروا أحداً بما يحصل. فقالوا: نعم فخط خطاً بعمامته، ودعا الله عزّ وجل، فما أن فرغ من دعائه حتى ثارت تلك الخطة التي خطها بعمامته ماءاً، وشربوا وسقوا، وانصرفوا إلى حجهم. والقصص في ذلك كثيرة ومشهورة.
والحاصل - يا عباد الله - أن المسلم في مثل هذه الأحوال، وفي مثل هذه الظروف عليه أن يلجا إلى الله بالدعاء والتضرع، فإن الله عز وجل يحب الملحّين من عباده في الدعاء. وفي الحديث: "إن الله يحب الملحّين في الدعاء" وفي الآخر: "من لم يسأل الله يغضب عليه".
وما أحسن ما قال الشاعر
لا تسألن بُني ابن ادم حاجة ** وسل الذي أبوابه لا تحجب
الله يغضب إن تركت سؤاله ** وبُنيّ آدم حين يُسأل يغضب
سبحانه وتعالى وتقدس، نسال الله تعالى أن يجعلنا أفقر عباده إليه، وأغنى خلقه عمن سواه.
معشر الأحباب في الله:
إنّ هناك شروطاً وآداب للدعاء، إذا رعاها العبد استجاب الله له، وإنما يحجب الله عز وجل دعوات كثير من الناس لأنهم فرطوا في هذه الآداب والشروط أو أكثرها.
فمن هذه الشروط التي ينبغي على العبد مراعاتها: أن يدعو بدعوة بر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم اخبر أنّ الله سبحانه وتعالى لا يستجيب إلا دعوة البر، وأمّا دعوة الإثم وقطيعة الرحم فلا مكان لها في الإجابة.
وأمر آخر، وهو: أن يدعو الله عزّ وجل، فلا يدعو غيره، لأنّ الدعاء عبادة لا تكون إلا لله، وصرفها لغير الله - كائناً من كان – إنّما هو شرك بالله العظيم: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ). [سورة الأحقافن الآية: 5].
أيها الأحباب:
والشرط الثالث لضمان الإجابة: أن يتخلّص العبد من الذنوب والمعاصي والسيئات، وان يتوب إلى الله توبة صادقة، فلا يليق أن يدعو الله عز وجل وكله سيئات ذنوب ومعاصي وآفات كبيرات وصغيرات، بل عليه قبل ذلك أن يتخلّص من كل ذنب، وان يقبل إلى الله بقلب طاهر أبيض قبل أن يمدّ يده إلى الله عزّ وجل.
جاء في بعض الآثار: "أن قوما من بني إسرائيل أصابتهم عقوبة، فخرجوا يدعون الله عز وجل، فأوحى الله عز وجل إلى نبيهم أن قل لهم إنكم خرجتم إلى الصعدات بأجساد نجسة، ورفعتم أكفاً طالما سفكتم بها الدماء، وملأتم بيوتكم وبطونكم من الحرام، ألان بعد ما اشتد عليكم غضبي لم تزدادوا مني إلا بعداً".
فقبل أن يجأر العبد إلى الله بالدعاء فعليه أن يتفقّد نفسه، وأن يتوب من كل ذنب صغيراً كان أم كبيراً.
الأمر الرابع: أن يحرص العبد على أن يطيب مطعمه، فلا يأكل إلا طيباً، فان أكل الحرام والمشتبه من أعظم ما يمنع ويحجب الدعاء، والعياذ بالله.
وهذه من آفات الناس اليوم، فإنّ كثيراً من الناس لا يسأل من أين أتى هذا الطعام، أَمِن بلاد الكفر والشرك والإلحاد، أم مِن بلاد المسلمين؟!.
ولقد أكل كثيرٌ من الناس ذبائح المغضوب عليهم، الذين هم إلى الإباحية أقرب من التمسك بالكتاب، وأكلوا ذبائح الملحدين، الذين لا يعترفون بالله، وأكلوا كثيراً من الأطعمة التي خالطها الخنزير، وخالطها كثير من الحرام من المسكر وغيره، ولو بنسبة قليلة، وهم يعلمون ذلك، ولكن لا يسالون عنه، فأنى يستجيب الله عز وجل لهم؟!.
ولما جاءه سعد بن أبي وقاص، وقال: "يا رسول الله، ادعُ الله أن يجعلني مجاب الدعوة. قال: يا سعد، أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة".
فأطاب سعد مطعمه، فكان بعد ذلك لا يدعو دعوة إلا استجاب الله عز وجل عنه، والقصة معروفة عنه ومشهورة، لا نذكرها خشية الإطالة.
وجاء في الحديث الآخر الذي أخرجه مسلم وغيره أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: "أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ). [سورة المؤمنون، الآية: 51] وَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ). [سورة البقرة، الآية: 172].
ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ، يَا رَبِّ. وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ".
وقد ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث قصة سعد: "والذي نفس محمد بيده، إن العبد ليقذف اللقمة الحرام في جوفه ما يتقبل منه عمل أربعين يوماً، وأيّما عبد نبت لحمه من السحت، والربا فالنار أولى به".
أيّها الأحباب:
ومن الشروط أن تكون الأمة آمرة بالمعروف ناهية عن المنكر، تأخذ على يد السفيه وتأطره على الحق أطراً، وتردعه ردعاً، وتقصره قصراً.
فإن الأمة إذا تركت هذا الأمر عاقبها الله بعقوبة أعظمها أن يسد الله عزّ وجل بابه عنهم، وان يمنع قبول دعوتهم، كما جاء في الحديث الصحيح: "لتأمرن بالمعروف ولتنهونّ عن المنكر، أو ليسلطن الله عليكم شراركم، ثم يدعوا خياركم فلا يستجاب لهم".
ومن آداب الدعاء - أيها الأحباب - أن يدعو المؤمن بقلب صادق خاشع حاضر، وان لا يدعوا بقلب ساهٍ لاهٍ، وان يدعو وهو موقن بالإجابة، كما جاء في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ادعوا الله وانتم موقنون بالإجابة، واعلموا أنّ الله لا يستجيب الدعاء من قلب غافل لاه".
ومن آدابه: أن يصدق العبد اللجأ والاضطرار إليه سبحانه، لأنّ الله عز وجل يستجيب دعوة المضطر ولو كان كافراً كما قال العلماء، وهو فهم منتزع من قوله عز وجل: (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إذا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ). [سورة النمل، الآية: 62].
وقال عز وجل عن المشركين: (فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ). [سورة العنكبوت، الآية: 65]. وغير ذلك من الآيات، وهي كثيرة معروفة.
والدعاء أمر يعترف به الكفار الملاحدة، فقد عرفوا جدواه، واعترفوا بجدواه وأثره قبل المسلمين، وإن كانوا يؤولون ذلك فراراً من إثبات الخالق عز وجل، فلقد اشتهرت مقولتهم: "ضجيج الأصوات في هياكل العبادات بأفنان اللغات تحلل ما عقدته الأفلاك الدائرات!".
فينبغي على العبد أن يصدق اللجأ والطلب إلى الله عز وجل، حتى يستجيب الله عز وجل له.
أيها الأحباب:
ومن آداب الدعاء: ألا يستعجل العبد الإجابة أو يقول دعوت ودعوت فلم أره يستجب لي. قال الرسول صلى الله عليه وسام في الحديث المتفق عليه: "يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، قالوا: يا رسول الله، وكيف يعجل؟! قال: يقول: دعوت، ودعوت، فلم يستجب لي فيستحسر عند ذلك، ويدع المسالة".
ومن الآداب - أيها الأحباب - أنّ يستفتح العبد الدعاء بالثناء على الله عزّ وجل، ويختمه بالصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم.
وهكذا علّمنا الله عز وجل في صورة الفاتحة، فأوّلها ثناء على الله تعالى، وآخرها دعاء لله عز وجل، وغير ذلك.
وكذلك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي قوله صلى الله عليه وسلم: "يا حي يا قيوم بك استغيث".
وجاء رجل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى وانصرف ولم يصل عليه صلى الله عليه وسلم، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: "عجل هذا، ثم دعاه، فقال له: يا هذا، إذا دعوت فأثني على الله في أوله وصلي على رسول الله في آخره".
وأخبر الرسول صلى الله صلى الله عليه أنّ الدعاء يكون معلقاً بين السماوات والأرض حتى يصلي صاحبه على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن آداب الدعاء - أيها الأحباب - أن يتحين العبد أوقات الإجابة، ومن أوقات الإجابة: بين الأذان والإقامة، وبعد الصلوات المكتوبات، وفي الثلث الأخير من الليل، في وقت التنزّل الإلهي، وقوله لعباده: "من يدعوني فأستجيب له، من يستغفرني فأغفر له، من يسألني فأعطيه" وذلك حتى يطلع الفجر.
ومن أوقات الإجابة - أيها الأحباب - ومن الأوقات التي يرجى أن يستجاب فيها الدعاء أن يدعو العبد وهو ساجد، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا فيه من الدعاء". أو كما قال صلوات الله وسلامه عليه.
وعلى العبد أن يكون دائما وأبداً حريصاً على الدعاء، فان الدعاء - بإذن الله - يرفع البلاء ويدفع العقوبة، كما جاء في الحديث الصحيح: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ولا يرد القضاء الا الدعاء".
وكما اخرج الحاكم عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يغني حذر من قدر، وإن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، وان الدعاء ليصعد في السماء فيلقى البلاء فيعتلجان بين السماء الأرض إلى قيام الساعة".
وكما قال صلى الله عليه وسلم الدعاء: "سلاح المؤمن".
والحاصل - أيها الأحباب – أنّ العبد ينبغي أن يفزع إلى الله في الدعاء، لا سيما في هذه الأوقات العصيبة، لا يشغلنا تتبع الأخبار وتلقف الأنباء، والتلفاز وغير ذلك من بعض هذه المحرمات عن دعاء الله عز وجل، فإننا في وقت عصيب أحوج ما نكون فيه إلى الاتصال بالله عز وجل. بارك الله لي ولكم في القرءان العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول ما تسمعون، واستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضى. أحمده سبحانه وأشكره، وأثني عليه.
واشهد ألا إله إلا الله، وحده لا شريك له، شهادة أرجو بها الفوز والنجاح والفلاح والنجاة يوم لقائه، يوم يبعث من في القبور، ويحصّل ما في الصدور.
واشهد أنّ محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه، وعلى آله وأصحابه وأزواجه، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين، أمّا بعد:
فاتقوا الله يا عباد الله، فإن تقوى الله تعالى وصية منه سبحانه للأولين والآخرين من خلقه: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللّهُ غَنِيّاً حَمِيداً). [سورة النساء، الآية: 131].
معشر الإخوة الأفاضل:
ومن الأمور الكفيلة بدفع البلاء ورد العقوبة: كثرة الاستغفار، وذلك بأن يكثر العبد الاستغفار والذكر والرجوع والإنابة لله عزّ وجل.
ولقد ذكر الله عز وجل في كتابه أن هذا مانع من العقوبة، ورافع لها، ودافع للبلاء - بإذن الله - قال سبحانه وتعالى: (وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ). [سورة الأنفال، الآية: 33].
وأخرج الإمام الترمذي وغيره من حديث أبي موسى الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيَّ أَمَانَيْنِ لِأُمَّتِي: (وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ). [سورة الأنفال، الآية: 33]. فَإِذَا مَضَيْتُ تَرَكْتُ فِيهِمْ الِاسْتِغْفَارَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ".
وقال عزّ وجل: (وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ). [سورة هود، الآية: 3]. وهذا على لسان نبينا صلوات الله وسلامه عليه.
وقال على لسان هود: (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ). [سورة هود، الآية: 52].
والحاصل أن الاستغفار - بإذن الله - دواء نافع وناجع لدفع البلاء ورفع العقوبة، كما قال الأبوان لما ابتُلي آدم وحواء عليهما السلام: (قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ). [سورة الأعراف، الآية: 23]. وقال الله عز وجل عنهما: (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ). [سورة البقرة، الآية: 37].
وقال الله عز وجل على لسان موسى وقومه لما أصابهم البلاء: (وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاء وَتَهْدِي مَن تَشَاء أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ). [سورة الأعراف، الآية: 155].
وقال الله عز وجل على لسان موسى لما أذنب واستغفر ربه: (قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ). [سورة القصص، الآية: 16].
وعلى لسان أيّوب عليه السلام: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ). [سورة الأنبياء، الآيات 83- 84].
وقد مكث أيوب في البلاء أكثر من سبع سنين، وقد فقد بيته وأهله وزوجه وأولاده، وأصابه بلاء عظيم، ومرض شديد، فدعا الله عز وجل بهذه الدعوة: (ربِ إني مسني الضر، وأنت ارحم الراحمين، يا عالماً بحالي، علمك بحالي يغني عن سؤالي). فاستجاب الله عز وجل له.
وكذلك ذو النون عليه السلام: (وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ). [سورة الأنبياء، الآيات 87- 88].
فيا عباد الله:
لجوّا بالاستغفار والتضرع إلى الله عز وجل والتوبة من كل الذنوب كبيرها وصغيرها، لجوا فإننا على ذنوب عظيمة، ولا يكفي الدعاء وحده ما لم يستغفر العبد ربه ويتوب إليه:
يا ناظراً يرنو بعيني راقد ** ومشاهداً لأمر غير مشاهد
تصل الذنوب إلى الذنوب وترتجي ** درجاً بنعم نيل أجر العابد
ونسيت ربك حين أخرج آدما منـ ** ــها إلى الدنيا بذنب واحد
ومن الأمور التي هي - بإذن الله - كفيلة بدفع البلاء ورفع العقوبة: المسارعة إلى القربات والى الخيرات والحرص على الطاعات، لا سيما الصلوات المكتوبات والزكوات المفروضات، والمستحبات وغيرها من أفعال العبادة؛ ككثرة الذكر، وقراءة القرءان وغيرها.
اللهم ارزقنا توبتك .اللهم ارزقنا الانابة اليك اللهم ارزقنا الرجوع اليك يا رب العالمين
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى