مسلم
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
الشيخ/ جماز بن عبدالرحمن الجماز
شهر المواساة
الخطبة الأولى
الحمد لله نعمه تترى ، أحمده سبحانه وأشكره ، وأتوب إليه واستغفره ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، عليه المعول وإليه المستند ، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله ، عبد شكور يواسي الأحمر والأسود ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ،
أما بعد :
فأوصيكم ونفسي عباد الله بتقوى الله ، فمن اتقى الله وقاه ، ومن لاذ به حماه ، وأسعده ولا أشقاه .
معاشر المسلمين : في رمضان المعظم يجتمع شمل الأسرة المسلمة على مائدة الإفطار ، اجتماعاً ينتظم عقده ، ويظهر جماله على هذه المائدة ، وفي هذا الوقت المحدَّد ، ولا يكون ذلك غالباً إلا في هذا الشهر الكريم المبارك ، أمسياتٌ وأنسٌ يعيشها الصالحون مع أسرهم وإخوانهم وذويهم، نفوسهم غبطة ، وتنشرح قلوبهم بَهْجة، يستشعرون فيها السرور والفَرحَة ، كما قال صلى الله عليه وسلم : (( للصائم فرحتان ، فرحة عند فطره ، وفرحة عند لقاء ربه )) رواه البخاري و مسلم .
إنه التفاف أَسري محبب للنفوس ، حتى إن الأسرة لتشعر بلوعة الفقد وألم الفراق ، عند غياب عزيز لديها ، سوء كان أباً أو أماً ميتاً ، أو ابناً مغترباً ، أو أخاً مسافراً ، أو صديقاً مفارقاً ، تشعر بفقد هؤلاء في هذه المناسبات الرمضانية ، أكثر من أي مناسبات أخرى .
أيها الأخوة إن حقاً على من اجتمع شمله ، وانتظم عقد أهله في هذه الأيام المباركة ، أن يحمد الله ويشكره ، ويعرف لربه فضلَه ونعمته ، هذه النعمة التي تعيشها مع أسرتك وإخوانك ورفاقك ، في أمن وأمان ، وعزٍ وهناء ، هل فكّرت في إخوان لك ، حلَّت بهم ظروف ووقعت بهم نكبات ، ودالت عليهم الأيام ، هل تأملتَ بارك الله فيك وفي أهلك ، وحفظ عليك شملك ، هل تأملت، كم في الناس من فقراء ليسوا بأقل ذكاءً من الأغنياء ؟ وبؤساء ليسوا بأقل علماً بأمور الحياة من السعداء غير أنّ ظروفاً أحاطت بهم ، فعاشوا تحت وطأة البؤس وهموم الحاجة ، وعوامل التشريد ، إنّ جلوسك مع أحبابك وذويك في هناء وسعادة ، أدام الله سعادتك ، ينبغي أن يبعث فيك تفقد أصنافٍ من البؤساء ، وألوان من التعساء ، فيهم ، فقراء ، لا مورد لهم ، ونسوة لا عائل لها ، وأيتام لا آباء لهم ، ومشردون لا أوطان لهم . يتامى فقدوا أحضان من يرعاهم ، أطفالٌ يتضورون جوعاً ، آباءٌ يتقطعون حَسرات ، أمهاتٌ مكلومات ، مشردون ولاجئون ، وأبناء سبيل وغرباء ، هؤلاء البؤساء فيهم المنفي الذي يتقلب في بلاد الأعداء ، والضعيف الذي يتلّهى بالبكاء ، والطريد الذي يهيم في الصحراء ، يفترشون الأرض ، ويلتحفون السماء يعيشون أياماً قاسية ، ويذوقون مرارات متنوعة ، وممن حولكم محتاجون وملهوفون ، غلّت هذه النكبات أيديهم ، وأكلت لحومهم ، وشربت دماءهم ، ثقلت عليهم أعباء الحياة ، وتوالت عليهم نوائب الدهر ، واشتد عليهم شظف العيش ، من ذا يسمع هذه الأنباء ، فلا يذوب قلبه حُزناً .
أيها المسلمون : إن تذكرتم نعمَ الله ، وتذكرتم شهركم شهر المواساة ، فتذكروا هؤلاء ، ليس بالصدقة والجود فحسب ، ولكن ضموا إلى ذلك الدعاء ، فشهركم هذا هو شهر الدعاء ، وهل يرحم الله من عباده إلا الرحماء ؟ مدّوهم بالغذاء ، وأحسنوا إليهم بالكساء ، وأسعفوهم بالدواء ، فبالمواساة والإنفاق ، والجود والسخاء تبلغ الأمة سؤددها وسيادتها ، وتحفظ دينها ، وتصون أعراضها ،
وتحمي ديارها ، أين الصالحون المحسنون ، الصائمون القائمون الذين بين جوانحهم أفئدة رقيقة ، ونفوس إلى الخير سبّاقة ، يؤمنون حقاً بأخوة الإسلام ، وحق الجوار ، ووشائج القربى ، من هو هذا السعيد الذي يصوم لله ، ويتفقد عيال الله ، ليطعم جائعاً ، ويسعد عائلاً ، ويُكفكف عبرة ، وينصر طريداً ، وينقذ شريداً ، وجميلٌ منكم ، المبادرة بتفقد ذوي الحاجات وإغاثة الملهوفين ، من قبل أن يلجئوا إلى مسألة ، فيمدوا أيديهم ، ويريقوا ماء وجوههم ، يا صائماً جاع بطنه ، إن آلاف البطون جوعا ، تنتظر لقمة فهل من مُطعم ، يا صائماً ظمئت كبده ، إنّ آلاف الأكباد ظمأى ، تنتظر جرعة من ماء فهل من ساقي ، يا صائماً يرتدي أجمل اللباس ، إنّ آلاف الناس في عُري ينتظرون قطعة من قماش،فهل من كاس.
أيها الصائم: إنك بذلك وعطائك تقرض ربَّك ليوم فقرك وحاجتك وضرورتك ، يوم الفقر والمسكنة ، يوم التغابن .
أيها الصائم : شربة ماء ، و مذقةُ لبن ، وحفنة تمر، وقليلٌ من الطعام والمال واللباس والفاكهة ، تسديها إلى محتاج هي طريقك إلى الجنة ، والصالحون يزيد كرمهم في رمضان ، فيبذلون ويعطون وينفقون ، وكان كثيرٌ من الأخيار يتكفل بإفطار جماعات من الفقراء والمساكين ، طلباً للأجر العظيم والثواب الجزيل ، كانت مساجد السلف تمتلئ بالطعام المُقدَّم للفقراء ، فلا تجد جائعاً ولا محتاجاً ، وقد صحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( من فطَّر صائماً كان له مثل أجره دون أن ينقص من أجر الصائم شيئاً )).
أيها الصائم : تالله لا يحفظ المال مثل الصدقة ، ولا يزكي المال مثل الزكاة ، والعجيب أن كل ما ينفقه العبد في أكله وشربه ولباسه فانٍ زائل لا محالة ، إلا ما ينفقه في مرضات الله عز وجل. كان عثمان بن عفان رضي الله عنه صاحب مال وعنده ثراء ، فجعل ماله وثراءه في مرضات ربه تبارك وتعالى ، جهّز جيش تبوك وشرا بئر رومة للمسلمين ، وتصدَّق وأعطى ، ولسوف يرضى ، وكان عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه غنياً موسراً ، فتصدّق مرة واحدة بحمل سبعمائة جمل على فقراء المدينة ، ليكافئه الله على ما فعل ، وجاءت امرأة إلى عبد الله بن جعفر ، فسألته فأعطاها وأجزل لها العطاء فعاتبه بعض أصحابه ، وقالوا : إنها لا تعرفك ، وقد كان يرضيها اليسير ، فقال : إن كانت ترضى باليسير ، فإني لا أرضى إلا بالكثير ، وإن كانت لا تعرفني ، فأنا أعرف نفسي وأعرف ربي .
معاشر الإخوة : شهر رمضان ، موسمٌ للمتصدقين ، وفرصة سانحة للباذلين والمعطين ، فما أجمل البذل ، وما أحسن الصدقة ، وما أجلّ العطاء ، مات كثير من الأثرياء ، وتركوا من الأموال والكنوز والدور والقصور ، ما الله به عليم ، والكانزون لأموالهم لا يُتوقع لهم إلا الضياع ، وإن الأموال المستخفية في الخزائن المختبئ فيها حق المسكين والبائس ، شر جسيم على صاحبها في الدنيا والآخرة ، إنها أشبه شيء بالثعابين الكامنة في جحورها ، وكأنها رصيد الأذى للناس ، وغداً يظهر لك الربح من الخسران ، والله المستعان .
وفقكم الله وبارك لكم فيما أعطاكم ، وأحسن إلينا وإليكم ، ورزقنا ذكره وشكره ، وتقواه وحسن عبادته .
أقول ما تسمعون ، واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه ، إنه كان للأوابين غفوراً .
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي هدانا للإسلام ، ووفقنا لإدراك شهر الصيام والقيام ، أحمده تعالى وأشكره ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله ، خير من صام وقام ، وعبدَ الله حق عبادته ، صلى الله وسلم عليه ، وعلى آله وأصحابه وأتباعه ، وسلم تسليماً كثيراً
أما بعد :
فاتقوا الله أيها المسلمون ، وأدوا فريضة الصيام بإخلاص وصبر ، أدُّوها كما يؤديها المؤمنون الخُلّص ، محفوظة عن كل ما يُشينُها ، فالصوم الحقيقي ليس مجرّد الإمساك عن الأكل والشرب والتمتع الجنسي فحسب، ولكنه مع ذلك ، إمساكٌ وكفٌ عن اللغو والرفث والصخب والجدال في غير حق ، إمساكٌ وكفٌ عن الغيبة والنميمة وقول الزور وشهادة الزور ، إمساكٌ وكفٌ عن الكذب والبهتان،والهمز واللمز والأيمان الكاذبة،إمساكٌ عن إرسال النظر إلى ما لا يحل. فالصائم حقيقة من خاف الله في عينيه ، فلم ينظر بها نظرة محرّمة ، واتقاه تعالى في لسانه فكفه عن الكذب والشتم والغيبة وكل قولٍ محرّم، وخشيه في أذنه فلم يَسمع بها منكراً ، خشيه في يديه ، فمنعها من السرقة والغش والإيذاء ، خشيه في رجليه ، فلم يمش بها ليرتكب منكراً ، خشيه في قلبه ، فطهّره من الحقد والغل والحسد والبغضاء ، وربّ صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش ، وربَّ قائم ليس له من قيامه إلا السهر والتعب ، وفقني الله وإياكم لما فيه أسبابُ رحمته، وجنَّبنا موارد سُخطه ونقمته . ونسأله العفو والعافية وسوابغ نعمته .
شهر المواساة
الخطبة الأولى
الحمد لله نعمه تترى ، أحمده سبحانه وأشكره ، وأتوب إليه واستغفره ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، عليه المعول وإليه المستند ، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله ، عبد شكور يواسي الأحمر والأسود ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ،
أما بعد :
فأوصيكم ونفسي عباد الله بتقوى الله ، فمن اتقى الله وقاه ، ومن لاذ به حماه ، وأسعده ولا أشقاه .
معاشر المسلمين : في رمضان المعظم يجتمع شمل الأسرة المسلمة على مائدة الإفطار ، اجتماعاً ينتظم عقده ، ويظهر جماله على هذه المائدة ، وفي هذا الوقت المحدَّد ، ولا يكون ذلك غالباً إلا في هذا الشهر الكريم المبارك ، أمسياتٌ وأنسٌ يعيشها الصالحون مع أسرهم وإخوانهم وذويهم، نفوسهم غبطة ، وتنشرح قلوبهم بَهْجة، يستشعرون فيها السرور والفَرحَة ، كما قال صلى الله عليه وسلم : (( للصائم فرحتان ، فرحة عند فطره ، وفرحة عند لقاء ربه )) رواه البخاري و مسلم .
إنه التفاف أَسري محبب للنفوس ، حتى إن الأسرة لتشعر بلوعة الفقد وألم الفراق ، عند غياب عزيز لديها ، سوء كان أباً أو أماً ميتاً ، أو ابناً مغترباً ، أو أخاً مسافراً ، أو صديقاً مفارقاً ، تشعر بفقد هؤلاء في هذه المناسبات الرمضانية ، أكثر من أي مناسبات أخرى .
أيها الأخوة إن حقاً على من اجتمع شمله ، وانتظم عقد أهله في هذه الأيام المباركة ، أن يحمد الله ويشكره ، ويعرف لربه فضلَه ونعمته ، هذه النعمة التي تعيشها مع أسرتك وإخوانك ورفاقك ، في أمن وأمان ، وعزٍ وهناء ، هل فكّرت في إخوان لك ، حلَّت بهم ظروف ووقعت بهم نكبات ، ودالت عليهم الأيام ، هل تأملتَ بارك الله فيك وفي أهلك ، وحفظ عليك شملك ، هل تأملت، كم في الناس من فقراء ليسوا بأقل ذكاءً من الأغنياء ؟ وبؤساء ليسوا بأقل علماً بأمور الحياة من السعداء غير أنّ ظروفاً أحاطت بهم ، فعاشوا تحت وطأة البؤس وهموم الحاجة ، وعوامل التشريد ، إنّ جلوسك مع أحبابك وذويك في هناء وسعادة ، أدام الله سعادتك ، ينبغي أن يبعث فيك تفقد أصنافٍ من البؤساء ، وألوان من التعساء ، فيهم ، فقراء ، لا مورد لهم ، ونسوة لا عائل لها ، وأيتام لا آباء لهم ، ومشردون لا أوطان لهم . يتامى فقدوا أحضان من يرعاهم ، أطفالٌ يتضورون جوعاً ، آباءٌ يتقطعون حَسرات ، أمهاتٌ مكلومات ، مشردون ولاجئون ، وأبناء سبيل وغرباء ، هؤلاء البؤساء فيهم المنفي الذي يتقلب في بلاد الأعداء ، والضعيف الذي يتلّهى بالبكاء ، والطريد الذي يهيم في الصحراء ، يفترشون الأرض ، ويلتحفون السماء يعيشون أياماً قاسية ، ويذوقون مرارات متنوعة ، وممن حولكم محتاجون وملهوفون ، غلّت هذه النكبات أيديهم ، وأكلت لحومهم ، وشربت دماءهم ، ثقلت عليهم أعباء الحياة ، وتوالت عليهم نوائب الدهر ، واشتد عليهم شظف العيش ، من ذا يسمع هذه الأنباء ، فلا يذوب قلبه حُزناً .
أيها المسلمون : إن تذكرتم نعمَ الله ، وتذكرتم شهركم شهر المواساة ، فتذكروا هؤلاء ، ليس بالصدقة والجود فحسب ، ولكن ضموا إلى ذلك الدعاء ، فشهركم هذا هو شهر الدعاء ، وهل يرحم الله من عباده إلا الرحماء ؟ مدّوهم بالغذاء ، وأحسنوا إليهم بالكساء ، وأسعفوهم بالدواء ، فبالمواساة والإنفاق ، والجود والسخاء تبلغ الأمة سؤددها وسيادتها ، وتحفظ دينها ، وتصون أعراضها ،
وتحمي ديارها ، أين الصالحون المحسنون ، الصائمون القائمون الذين بين جوانحهم أفئدة رقيقة ، ونفوس إلى الخير سبّاقة ، يؤمنون حقاً بأخوة الإسلام ، وحق الجوار ، ووشائج القربى ، من هو هذا السعيد الذي يصوم لله ، ويتفقد عيال الله ، ليطعم جائعاً ، ويسعد عائلاً ، ويُكفكف عبرة ، وينصر طريداً ، وينقذ شريداً ، وجميلٌ منكم ، المبادرة بتفقد ذوي الحاجات وإغاثة الملهوفين ، من قبل أن يلجئوا إلى مسألة ، فيمدوا أيديهم ، ويريقوا ماء وجوههم ، يا صائماً جاع بطنه ، إن آلاف البطون جوعا ، تنتظر لقمة فهل من مُطعم ، يا صائماً ظمئت كبده ، إنّ آلاف الأكباد ظمأى ، تنتظر جرعة من ماء فهل من ساقي ، يا صائماً يرتدي أجمل اللباس ، إنّ آلاف الناس في عُري ينتظرون قطعة من قماش،فهل من كاس.
أيها الصائم: إنك بذلك وعطائك تقرض ربَّك ليوم فقرك وحاجتك وضرورتك ، يوم الفقر والمسكنة ، يوم التغابن .
أيها الصائم : شربة ماء ، و مذقةُ لبن ، وحفنة تمر، وقليلٌ من الطعام والمال واللباس والفاكهة ، تسديها إلى محتاج هي طريقك إلى الجنة ، والصالحون يزيد كرمهم في رمضان ، فيبذلون ويعطون وينفقون ، وكان كثيرٌ من الأخيار يتكفل بإفطار جماعات من الفقراء والمساكين ، طلباً للأجر العظيم والثواب الجزيل ، كانت مساجد السلف تمتلئ بالطعام المُقدَّم للفقراء ، فلا تجد جائعاً ولا محتاجاً ، وقد صحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( من فطَّر صائماً كان له مثل أجره دون أن ينقص من أجر الصائم شيئاً )).
أيها الصائم : تالله لا يحفظ المال مثل الصدقة ، ولا يزكي المال مثل الزكاة ، والعجيب أن كل ما ينفقه العبد في أكله وشربه ولباسه فانٍ زائل لا محالة ، إلا ما ينفقه في مرضات الله عز وجل. كان عثمان بن عفان رضي الله عنه صاحب مال وعنده ثراء ، فجعل ماله وثراءه في مرضات ربه تبارك وتعالى ، جهّز جيش تبوك وشرا بئر رومة للمسلمين ، وتصدَّق وأعطى ، ولسوف يرضى ، وكان عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه غنياً موسراً ، فتصدّق مرة واحدة بحمل سبعمائة جمل على فقراء المدينة ، ليكافئه الله على ما فعل ، وجاءت امرأة إلى عبد الله بن جعفر ، فسألته فأعطاها وأجزل لها العطاء فعاتبه بعض أصحابه ، وقالوا : إنها لا تعرفك ، وقد كان يرضيها اليسير ، فقال : إن كانت ترضى باليسير ، فإني لا أرضى إلا بالكثير ، وإن كانت لا تعرفني ، فأنا أعرف نفسي وأعرف ربي .
معاشر الإخوة : شهر رمضان ، موسمٌ للمتصدقين ، وفرصة سانحة للباذلين والمعطين ، فما أجمل البذل ، وما أحسن الصدقة ، وما أجلّ العطاء ، مات كثير من الأثرياء ، وتركوا من الأموال والكنوز والدور والقصور ، ما الله به عليم ، والكانزون لأموالهم لا يُتوقع لهم إلا الضياع ، وإن الأموال المستخفية في الخزائن المختبئ فيها حق المسكين والبائس ، شر جسيم على صاحبها في الدنيا والآخرة ، إنها أشبه شيء بالثعابين الكامنة في جحورها ، وكأنها رصيد الأذى للناس ، وغداً يظهر لك الربح من الخسران ، والله المستعان .
وفقكم الله وبارك لكم فيما أعطاكم ، وأحسن إلينا وإليكم ، ورزقنا ذكره وشكره ، وتقواه وحسن عبادته .
أقول ما تسمعون ، واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه ، إنه كان للأوابين غفوراً .
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي هدانا للإسلام ، ووفقنا لإدراك شهر الصيام والقيام ، أحمده تعالى وأشكره ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله ، خير من صام وقام ، وعبدَ الله حق عبادته ، صلى الله وسلم عليه ، وعلى آله وأصحابه وأتباعه ، وسلم تسليماً كثيراً
أما بعد :
فاتقوا الله أيها المسلمون ، وأدوا فريضة الصيام بإخلاص وصبر ، أدُّوها كما يؤديها المؤمنون الخُلّص ، محفوظة عن كل ما يُشينُها ، فالصوم الحقيقي ليس مجرّد الإمساك عن الأكل والشرب والتمتع الجنسي فحسب، ولكنه مع ذلك ، إمساكٌ وكفٌ عن اللغو والرفث والصخب والجدال في غير حق ، إمساكٌ وكفٌ عن الغيبة والنميمة وقول الزور وشهادة الزور ، إمساكٌ وكفٌ عن الكذب والبهتان،والهمز واللمز والأيمان الكاذبة،إمساكٌ عن إرسال النظر إلى ما لا يحل. فالصائم حقيقة من خاف الله في عينيه ، فلم ينظر بها نظرة محرّمة ، واتقاه تعالى في لسانه فكفه عن الكذب والشتم والغيبة وكل قولٍ محرّم، وخشيه في أذنه فلم يَسمع بها منكراً ، خشيه في يديه ، فمنعها من السرقة والغش والإيذاء ، خشيه في رجليه ، فلم يمش بها ليرتكب منكراً ، خشيه في قلبه ، فطهّره من الحقد والغل والحسد والبغضاء ، وربّ صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش ، وربَّ قائم ليس له من قيامه إلا السهر والتعب ، وفقني الله وإياكم لما فيه أسبابُ رحمته، وجنَّبنا موارد سُخطه ونقمته . ونسأله العفو والعافية وسوابغ نعمته .
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى