رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
د. رياض بن محمد المسيميري
المحاكمة الجائرة
إنَّ الحمدَ لِله نحمدهُ ونستعينهُ, ونستغفرهُ, ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسنا, ومن سيِّئاتِ أعمالِنا, منْ يَهدهِ اللهُ فلا مُضلَ لـهُ, ومنْ يُضلل فلا هاديَ لـه. وأشهدُ أنَّ لا إله إلا الله وحدهُ لا شريكَ لـه, وأشهدُ أنَّ محمداً عبدهُ ورسوله. (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَـمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)) (آل عمران:102). (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)) (النساء:1). ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)) (الأحزاب:70-71).
أما بعدُ : فإنَّ أصدقَ الحديثِ كتابُ الله, وخيرُ الهدي هديُ محمدٍ ص وشرُّ الأمورِ مـُحدثاتُها, وكل محدثةٍ بدعة, وكلَّ بدعةٍ ضلالة, وكلَّ ضلالةٍ في النار .
أما بعدُ أيها المسلمون:
فإنَّ من المظاهرِ البشعة والثمراتِ المرة للطغيانِ البشري, والانحطاطِ الإنساني, ظهورَ الاستبداد بأشكالهِ المتنوعةِ, وأنماطهِ المختلفة, وما ينتجُ عنه ممَّا يمكنُ تسميتهُ بالمحاكماتِ الجائرة, والتي يذهبُ ضحيتَها عادةً أولئكَ المتصدون للباطل, الراغبون في تصحيح الأوضاعِ المنحرفة, والقيمِ الفاسدة, واستنقاذِ البشرية من سفولِها وانحطاطِها .
ويعرضُ القرآن الكريم أنموذجاً لإحدى المحاكم الطاغوتيةِ المتسلطة, والتي أصدرتْ يوماً ما حكمَها الجائرَ البشع, في قضيةٍ لا يختلفُ فيها منصفان, بأنَّها قضيةٌ مفتعلةٌ بكلٍّ ملابساتِها, مفتقدةٌ للمصداقيةِ في كلِّ جوانبِها.
إنَّها محاكمةُ إبراهيمَ عليه السلام, لجريمتهِ التي هزَّت كيانَ المجتمعِ الجاهليِ آنذاك, وأحدثتْ ردودَ فعلٍ مدوية, وكانتْ محلَّ اختبارٍ حقيقي لمدى قدرةِ الملأِ, والكبراء , على ضبطِ الأمور, وحماية الدستورِ الوثني الذي ركَلَهُ إبراهيمُ بأقدامهِ الشريفةِ الطاهرة, وقبل أن ننتقلَ إلى حديثِ القرآنِ الكريم, وهو ينقلُ وقائعَ تلكَ المحاكمةِ الطاغوتية التي عُقدتْ للنظرِ في قضيةِ إبراهيمَ, لسائلٍ أن يسأل، ما هي الجريمةُ التي ارتكبَها الخليل عليه السلام ؟! وما هو الذنب الذي اقترفه ؟! هل تزعم عصابةً لقطعِ الطريق ؟! هل كوَّن خليةً لترويجِ السمومِ البيضاء ؟! هل فكَّر بانتزاعِ السيادةِ من أهلها, وتنصيبِ نفسهِ على رأسِ السلطة ؟! كلاَّ إنَّ الجريمةَ التي اقترفها إبراهيم لم تكن شيئاً من ذلك ألبته, إنَّ كلَّ الذي فَعَله عليه السلام, أنَّه تناولَ مِعولَه يوماً ما, وقصد مجموعةً من الأحجارِ المنحوتة, والأخشابِ المصفوفة, فحطَّمها حجراً حجراً, وصنماً صنماً, وتركها أثراً بعد عين, فجُنَّ جنونُ قومهِ التافهين, واستشاطوا حنقاً وغضباً, وثارت في نفوسِهم الحميةَ حميةُ الجاهليةِ الأولى, وبدلاً من أن يطبعوا قبلةً على جبينِ ذلك الناصحِ الأمين الراغبِ في تخليصهِم من وثنيتهمِ الهابطةِ, وجاهليتهمِ المتخلفة, راحوا ينتصرون لآلهةٍ محطمةٍ مفتتة, ناطقةٍ بعجزِها وضعفِها عن حمايةِ نفسِها من معولِ إبراهيم لا شُلَّت يمينُه, لقد كانتْ فرصةَ القوم لمراجعةِ حساباتهم, ومراجعةِ عقولهم, والاعترافِ بحماقتِهم وجهلهم حين رأوا أصنامهم وآلهَتهم قدْ أصبحتْ كومةً من التراب تسفها الريحُ يمنةً ويسره, لكنَّه العنادُ المتأصل, والجهلُ المطبق ؟! ألا إنَّها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور .
فإلى حديث القرآن وهو يكشفُ خيوطَ المؤامرة بكلِّ حذافيرِها: ((وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ )) (الأنبياء 52,51) ؟! .
هكذا بدأت المواجهةُ بين إبراهيم والملأ, فقد ساءَه ذلك الإسفافُ الذي بلغه قومُه, وتلك الممارساتُ الخاطئة التي تلبس بها مجتمعه. فهو يسألُ باستنكار, ما هذه التماثيلُ التي أنتم لها عاكفون ؟! وهو من خلال سؤالهِ يُسمِّي الأشياءَ بأسمائِها الحقيقية, دون مُدارة أو مُداهنة, يُسميها تماثيلاً ولم يسمها آلهةً، وإن غضب قومُه البائسون المتعصبون, وهذا التجاهلُ المقصودُ من إبراهيم عليه السلام لألوهيةِ تلكَ الأصنام, يُعبرُ عن مدى شجاعةِ الخليل في مواجهةِ الباطل, وعدم اكتراثهِ به, فليس بغائبٍ عنه مقدارُ القداسةِ والتعظيم التي تحظى بها تلك الأصنام في نفوسِ القوم, ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون ؟! قالوا وجدنا آباءَنا لها عابدين, وهو جوابٌ يكشف عن مدى التحجرِ العقلي والنفسي, داخلَ قوالبِ التقليدِ المتيه. التي اعتاد ها أولئك المغفلون !
وهو جوابٌ يكشفُ كذلكَ, عن مدى السفولِ الذي ينحطُ إليه الإنسان, يوم يرضى لنفسهِ أن يضلَّ أسيراً لأوضاعٍ منحرفةٍ صنعها الآخرون . وأنماطِ حياةٍ بالية, افتعلها المجرمون, وهو جوابٌ يكشف كذلك عن مدى الذلِّ الذي يصيرُ إليه الإنسان, يوم يرضى أنْ يؤجَّر عقلَه للآخرين, ويُضفي على أفعالِ بشرٍ مثلِه قداسةً لم يأذن بها الله, وتعظيماً لا مبرر َله, قال لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين, هكذا بكلِّ صراحةٍ ووضوحٍ , وبكلِّ شجاعةٍ ورجولةٍ, يواجهُ إبراهيمُ قومَهُ, ويعلنُ ضلالهم وضلالَ آبائِهم, وآباءِ آباءِهم , غير هيابٍ ولا وجل .
فما كانتْ عبادةُ الآباءِ يوماً من الأيام لتكسبَ هذه التماثيل قيمةً ليست لها, ولا تخلعَ عليها قداسةً لا تستحقُها, فالقيمُ لا تنبعُ من تقليد الآباء وتقديسهم, ولا من قولِ فلانٍ وفلان, إنما تنبع القيم من قال اللهُ, وقال رسول, ((قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ)) (الأنبياء : 55) ؟!
فهو سؤالُ المزعزعِ في عقيدته, المنحرفِ في إيمانه, الذي لا يطمئنُ إلى سلوكِه, ولا يثقُ بتصرفاتِه, ذلك لأنَه معطلُ الفكرِ والروح، بتأثيرِ الوهمِ والتقليد, ولسانُ حاله, أتيتُ لا أدري من أين ولكنِّي أتيت. ولقد أبصرت قدَّامي طريقاً فمشيتْ, كيف جئتُ ؟ كيف أبصرتُ طريقي ؟! لستُ أدري , لستُ أدري .
وفي مقابلِ هذا الغموضِ والتيه, وفي مقابل هذه الحيرة, يقفُ إبراهيمُ على الجانب الآخر بأقدامٍ راسخة, لا يتزعزعُ ولا يضطربْ, عارفاً بربه مطمئناً بإيمانه, يجيبُهم بكلِّ ثقة, ويجادلهم بكل ثبات : ((قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ)) (الأنبياء:56) .
إنَّه يصححُ لهم مفاهيمَهم الخاطئة, ويصوبُ لهم اعتقاداتِهم الباطلة, ويؤكدُ لهم بأنَّ ربهم: هو ربُ السماوات والأرض, وليس كومةَ الترابِ والحجارة, ثم يعلنُ إبراهيمُ قرارَه الجريء, بالتصدِّي لذلك الإسفاف, ووضعِ حدٍ لذلك السفه, ويقسمُ باللهِ ربِّ العالمين ليغيرنَّ المنكرَ, وليأخذنَّ على يدِ السفيه وليأطرنَّهم على الحقِّ أطراً : ((وَتَاللَّهِ لَأَكِيد َنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ )) (الأنبياء : 57) .
وإعلانُ إبراهيم أنَّه سيضطلعُ بمسؤوليةِ التغيير, ومهمةِ التصدي للباطل, إشارةٌ واضحة الدلالة بأنَّ حملةَ الحقِّ والنور لا يعملون في الخفاء, ولا يستترون في الظلام, وإنَّما يعرضونَ بضاعتَهم على الملأ, ولا يصطادون في الماء العكر .
((فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً إِلَّا كَبِيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ )) (الأنبياء:58 ) .
وهكذا تحولتْ الآلهةُ المعبودةُ, إلى قطعٍ صغيرةٍ من الحجارةِ والأخشابِ المهشمة, إلا كبيرَ الأصنام, فقد تركهُ إبراهيمُ عمداً , لعلهم إليه يرجعون, لعلهم إليه يرجعون فيسألونه كيف وقعتْ الواقعة, وكيف هوتْ الأصنامُ الصغيرة, وهو حاضرٌ موجود, فلمْ يحركْ ساكناً, ولم يدفع عنها شيئاً, لقد تركَ إبراهيمُ الصنمَ الأكبر, لعلَّ القوم يستيقظون ويرجعون إلى عقولهم, ويدركون ما هم فيه من سخفٍ وهُراء, وزيف وضلال, عاد القوم إلى معبدهم ليروا آلهتَهم جذا ذاً محطمةً, قطعاً مبعثرةً إلا ذلك الكبير, لكنَّهم لم يرجعوا إليه يسألونه, ولا إلى أنفسهِم يسألونها إن كانت هذه آلهةً فكيف وقعَ لَها ما وقع, دون أن تدفعَ عن أنفسِها شيئاً؟ لم يسألوا أنفسهم هذا السؤال, لأنَّ الخرافةَ قد عطَّلت عقولَهم عن التفكير, ولأنَّ التقليد قد غلَّ أفكارَهم عن التأمل, فإذا هم يَدَعُونَ هذا السؤالَ الطبيعي, ويعودون ناقمين على من حطَّم آلهتهم, وأذلَّ أوثانَهم, قالوا من فعل هذا بآلهتِنا إنَّه لمن الظالمين !؟ عندئذٍ تذكر الذين سمعوا إبراهيمَ ينكرُ على أبيه وقومهِ عبادتَهم وسخافَتهم, تذكروا توعدَه لأصنامِهم, وتهديده لأوثانهم : ((قَالُوا سَمِعْنَا فَتىً يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ )) (الأنبياء:60). تأمل رعاك اللهُ عبارَتهم ((يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ)) .
وهي عبارةٌ لم تأتِ من فراغٍ, وإنَّما قُصد بها تصغيرُ شأنهِ, وتحقيرُ أمرهِ, والتقليلُ من أهميتهِ : ((يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ )) قالوا : (( قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ)).
وهنا يُستدعى إبراهيم إلى المحكمةِ الطاغوتية, في محاكمةٍ علنية, ولا بأس من إعلانِ المحاكمةِ لأنَّ النتيجةَ معروفةٌ سلفاً, ولأنَّ المجتمعَ بأسرهِ لا يقوى على الاحتجاج, وهو الذي استمرأ الذل, وألف الهوان, ويقف إبراهيمُ أمام محاكميه, ويسألونه جميعاً أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم؟ وانتبه رعاك الله، أنَّهم ما زالوا يصرون على أنَّها آلهة, وهي جذ اذٌ مهشمة, وأوصالٌ محطمة, ولا يملكُ إبراهيمُ إزاءَ هذا السفه, وحيالَ هذا السُخف إلا أن يهزأَ بهم, ويسخرَ من عقولِهم, ويجيبَهم بتهكمٍ وازدراء : ((قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ )) (الأنبياء:63) , ويبدو أنَّ التهكمَ قد هزهم شيئاً ما, وردَّهم إلى شيءٍ من التفكر : ((فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ )) (الأنبياء:64).
وكانت بادرةَ خيرٍ أن يستشعروا ما في موقفهِم من سُخفٍ, وما في عبادتِهم تلك التماثيلِ من ظُلمٍ, وأن تتفتحَ بصيرتُهم لأولِ مرة, فيتدبروا ذلكَ السخفِ الذي يأخذونَ به أنفسَهم, وذلك الظلمَ الذي هم فيه سادرون، ولكنَّها لم تكن إلاّ ومضةً واحدة أعقبها الظلامُ, وإلاّ خفقةً واحدة، عادت بعدها قلوبُهم إلى الخمود : ((ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُؤُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنْطِقُونَ )) (الأنبياء:65) .
وكم هو بديعٌ تعبيرُ القرآنِ وتصويرُه, فحقاً لقد كانتْ الأولى رجعةً إلى النفوس, وكانت الثانية نكسةً على الرؤوس, كانت الأولى: حركةً في النفسِ للنظرِ والتدبر, أما الثانية : فكانتْ انقلاباً على الرأس, فلا عقلٌ ولا تفكر, وإلاّ فإنَّ إقرارَهم بعجزِ آلهتهِم عن النطق أكبرُ حجةٍ عليهم , وأقوى حجةٍ لإبراهيم في وجاهة ِما صنع, وهنا يصرخُ الخليلُ في وجوههِم : ((قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ * أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ )) (الأنبياء:67,66) .
وهذا الردُ الصارمُ القوي من إبراهيم, وهذا الانتصارُ العظيمُ في الحجةِ والبرهان, كان كافياً لأنْ يعتذرَ القومُ من شخصهِ الكريم, ويعلنوا أسفَهم وندمَهم على ما فرَّطوا في جنبِ الله, وكان مُنتظراً أن يشكروا لإبراهيمَ إيضاحَه الطريقَ لهم, ودلالتَه إياهم إلى سبيلِ النجاة, لكنَّ شيئاً من ذلك لم يحدث أبداً, بل أخذتهم العزةُ بالإثم, كما تأخذُ الطغاةَ دائماً, حين يفقدونَ الحجةَ, ويعوزهم الدليل, فيلجئُون إلى القوةِ الغاشمة, والانتقامِ السريع : ((قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ)) (الأنبياء:68) .
هكذا أصدرتْ المحكمةُ الظالمة حُكمَها الجائرَ المستبد , بكلِ جرأةٍ, وصفاقة, مغترينَ بسلطتهمِ وجبروتِهم, وإمهالُ اللهِ لهم, وانظارهُ إياهم, فالإعدامُ حرقاً بالنار, كان جزاءَ ذلك النبيِ الكريم, لأنَّه رفضَ أن يسكتَ على الأوضاعِ البالية, والممارساتِ الخاطئة, وأبتْ عليه مروءتُه وشهامتُه, أنْ يحجبَ مقولةَ الحق, ويدعَ المنكرَ الظاهرَ المتفشي في وضحِ النهار, وكان مستعداً لتحمل تبعاتِ مواجهةِ الباطل, رضيَ الناسُ أم سخطوا, ويساقُ إبراهيم مكبلاً بالقيود إلى ساحةِ الإعدام, وتُضرم النيران الهائلة, ويقذفُ إبراهيمُ فيها من بعيد , لكن هنا تتدخل يدُ العنايةِ الإلهية : ((قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ )) (الأنبياء:69).
لقد أراد الطغاةُ الحرقَ بالنار, وأراد اللهُ ألاّ يُحرقَ بالنار, فكان ما أراد الله , وهل يمكن أن يكون إلا ما يريده الله ؟!
إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلبٌ, أو ألقى السمع وهو شهيد .
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وأيَّا كم بالذكرِ الحكيم، واستغفر الله لي ولكم إنَّهُ هو الغفورُ الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله يُعطي ويمنع, ويخفضُ ويرفع, ويضرُ وينفع, ألا إلى اللهِ تصيرُ الأمور. وأُصلي وأسلمُ على الرحمةِ المهداة, والنعمةِ المُسداة, وعلى آلهِ وأصحابه والتابعين .
أما بعد أيها المسلمون :
فإنَّ القرآن الكريم حين يُعرضُ قصةَ محاكمةِ إبراهيم فإنَّه لا يعرضُها كمجردِ حدثٍ تاريخي, حدثَ وانتهى, ولا يعرضُها للتسليةِ, وشَغْلِ الفراغ , وإنَّما يعرضُها تبعاً لمنهجهِ المُعلن : ((فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)) .
: أي واللهِ لعلَّهم يتفكرون, لعلَّهم يتدبرون, لعلَّهم يتنبهون, لعلَّهم يستيقضون, ولو تفكر المسلمون دعاةً ومدعوين, في قصةِ إبراهيم, لخرجوا بفوائدٍ ودروسٍ لا تُعد ولا تحصى .
وأذكرك أخي المسلمَ شيئاً منها, والذكرى تنفع المؤمنين :
أولاً : أنَّ قضيةٌ الصراع بين الحق والباطل هي قضية أزلية، ضاربةٌ جذورَها في أعماقِ التاريخ. وإنَّه وإن تغيرتْ الوجوهُ والشخصيات, والأسماءُ والمسميات, فإنَّ جوهرَ النزاع سيظلُ باقياً كما هو, لا تزيدُه الأيامُ إلاّ احتداماً .
ثانياً : أنَّ التصدي للأنماطِ الجاهليةِ السائدة, والوقوفُ بوجهِ الانحرافاتِ السلوكيةِ الدارجةِ في المجتمعات, هو منهجُ الأنبياء, وأولي العزم من الرسل، فلا عبرةَ بخنوعِ الخانعين, وانجفال الخائبين .
ثالثاً : أنَّ العداوةَ بين المهتدينَ والمنحرفين يشتعلُ فَتيلُها, وتضطرمُ نارُها, منذ اللحظةِ الأولى التي يعلنُ فيها الحقُ عن قدومهِ إلى الساحة, ورفضهِ الركوعَ للباطل, والاستسلامَ للأمرِ الواقع .
رابعاً : من خلالِ القصة، يتبين مقدارُ الانحراف الذي يصلهُ الإنسان، حين ينجرفُ مع التقاليدِ البالية التي صنعها آباؤهُ وأجداد, وكبراءُ قومه, ومنحرفو أمته ، حتى يبلغَ به انحدارُه مرتبةً لا يتبوؤها إلا خانعُ النفس, ميتُ الإحساسِ, عديمُ الضميرِ, قد اعتراه اللؤمُ ولفَّه الهوانُ.
خامساً : شجاعةُ إبراهيمْ عليه السلام, واستخفافهُ بكثرةِ قومهِ وجبروتهم, , فقد وقف مجادلاً ومناظراً, بمفردهِ أمامَ جموعٍ من الطواغيت, متوكلاً على الله وحده, متبرئاً من حولهِ, وقوته .
سادساً : لقد كانت حجةُ إبراهيم باهرةً, وبرهانه ناصعاً, واستطاع أن يثبتَ بالدليلِ العملي بطلانَ الاعتقادِ السائدِ لدى القوم, بألوهيةِ الأصنام حين حطَّمها, وفتَّتها واحداً بعد الآخر، فلم تنتصرْ لنفسِها, وظلَّ كبيرُ الأصنام شاهداً على عجزهِ وعجزهم, وضعفهِ وضعفهم, ورغمَ ذلك الانتصارِ النبوي في الحجةِ والبرهان, تعامى الطواغيت, واستكبروا من الإذعان للحق, وجمَعوا كيدَهم أشراً وبطراً, ورئاء الناس
سابعاً : أنَّ القضيةَ في صراعِ الحقِ والباطل، ليست قضيةَ من المحقِ, ومن المبطل؟ ومن على صوابٍ, ومن على خطأ ؟ كلاَّ , إنَّ القضيةَ هي الاستبدادُ, والرغبةُ في استعبادِ العباد, وممارسةِ الطغيان بكل اطمئنان,
ثامناً : أنَّ الخصم قد يصدرُ حكمَه الجائر, ويشتهي البطشَ بخصمهِ, والتشفي منه, لكنْ ليس بالضرورةِ أنْ يحققَ الخصمُ مرادَه, فأنتَ ترى كيف حكمَ الطواغيتُ على إبراهيم حكمَهم الجائرَ الظالم، من خلالِ إلقاءه في النار, حتى يموتَ محترقاً, لكنَّ الله جلَّ جلاله قد يحولُ متى شاء بين الخصومِ وبين ما يشتهون, وأنَّ ما يتحققُ على أيديهم لو تحقق إنَّما يجري بقدرِ الله, وليس بغائبٍ عن عينِ الله, ولكنْ قصرت عقولُنا عن إدراكِ كلِّ الحِكَم, وللهِ الأمرُ من قبلُ ومن بعد .
تاسعاً : أنَّ الابتلاءَ والامتحان، مرحلةٌ من عمرِ الزمن, لا تلبثُ أنْ تنقضي وتزول، طال الزمنُ أم قصر .
ولكنَّ العاقبةَ للمتقين، لقد ابتُلي إبراهيم فصبرَ, ولم يتراجعْ ولم ينهزمْ أمامَ خصومهِ من المجرمين, فانتهى البلاء ومرَّ العناء, وذهب إبراهيمُ وذهب المجرمون، لكن شتَّان بين من ذهب مسنداً ظهره إلى البيتِ المعمورِ في السماء السابعة, وبين من قال اللهُ عنهم : ((كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ * كِتَابٌ مَرْ قُومٌ)) (المطففين: 20.19.18) .
وأخيراً أيها الأخُ المسلمُ الكريم, أذكركَ بقولـهِ جلَّ جلاله : ((قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ )) (الممتحنة : 4) .
اللهمَّ إنَّا نسألُك إيماناً يُباشرُ قلوبنا، ويقيناً صادقاً، وتوبةً قبلَ الموتِ، وراحةً بعد الموتِ، ونسألُكَ لذةَ النظرِ إلى وجهكَ الكريمِ, والشوق إلى لقائِكَ في غيِر ضراءَ مُضرة، ولا فتنةً مضلة،
اللهمَّ زينا بزينةِ الإيمانِ، واجعلنا هُداةً مهتدين,لا ضاليَن ولا مُضلين, بالمعروف آمرين, وعن المنكر ناهين، يا ربَّ العالمين, ألا وصلوا وسلموا على من أُمرتم بالصلاة عليه، إمام المتقين، وقائد الغرِّ المحجلين وعلى ألهِ وصحابته أجمعين.
اللهمَّ آمنا في الأوطانِ والدُور، وأصلحِ الأئمةَ وولاةِ الأمورِ, يا عزيزُ يا غفور, سبحان ربك رب العزة عما يصفون.
المحاكمة الجائرة
إنَّ الحمدَ لِله نحمدهُ ونستعينهُ, ونستغفرهُ, ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسنا, ومن سيِّئاتِ أعمالِنا, منْ يَهدهِ اللهُ فلا مُضلَ لـهُ, ومنْ يُضلل فلا هاديَ لـه. وأشهدُ أنَّ لا إله إلا الله وحدهُ لا شريكَ لـه, وأشهدُ أنَّ محمداً عبدهُ ورسوله. (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَـمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)) (آل عمران:102). (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)) (النساء:1). ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)) (الأحزاب:70-71).
أما بعدُ : فإنَّ أصدقَ الحديثِ كتابُ الله, وخيرُ الهدي هديُ محمدٍ ص وشرُّ الأمورِ مـُحدثاتُها, وكل محدثةٍ بدعة, وكلَّ بدعةٍ ضلالة, وكلَّ ضلالةٍ في النار .
أما بعدُ أيها المسلمون:
فإنَّ من المظاهرِ البشعة والثمراتِ المرة للطغيانِ البشري, والانحطاطِ الإنساني, ظهورَ الاستبداد بأشكالهِ المتنوعةِ, وأنماطهِ المختلفة, وما ينتجُ عنه ممَّا يمكنُ تسميتهُ بالمحاكماتِ الجائرة, والتي يذهبُ ضحيتَها عادةً أولئكَ المتصدون للباطل, الراغبون في تصحيح الأوضاعِ المنحرفة, والقيمِ الفاسدة, واستنقاذِ البشرية من سفولِها وانحطاطِها .
ويعرضُ القرآن الكريم أنموذجاً لإحدى المحاكم الطاغوتيةِ المتسلطة, والتي أصدرتْ يوماً ما حكمَها الجائرَ البشع, في قضيةٍ لا يختلفُ فيها منصفان, بأنَّها قضيةٌ مفتعلةٌ بكلٍّ ملابساتِها, مفتقدةٌ للمصداقيةِ في كلِّ جوانبِها.
إنَّها محاكمةُ إبراهيمَ عليه السلام, لجريمتهِ التي هزَّت كيانَ المجتمعِ الجاهليِ آنذاك, وأحدثتْ ردودَ فعلٍ مدوية, وكانتْ محلَّ اختبارٍ حقيقي لمدى قدرةِ الملأِ, والكبراء , على ضبطِ الأمور, وحماية الدستورِ الوثني الذي ركَلَهُ إبراهيمُ بأقدامهِ الشريفةِ الطاهرة, وقبل أن ننتقلَ إلى حديثِ القرآنِ الكريم, وهو ينقلُ وقائعَ تلكَ المحاكمةِ الطاغوتية التي عُقدتْ للنظرِ في قضيةِ إبراهيمَ, لسائلٍ أن يسأل، ما هي الجريمةُ التي ارتكبَها الخليل عليه السلام ؟! وما هو الذنب الذي اقترفه ؟! هل تزعم عصابةً لقطعِ الطريق ؟! هل كوَّن خليةً لترويجِ السمومِ البيضاء ؟! هل فكَّر بانتزاعِ السيادةِ من أهلها, وتنصيبِ نفسهِ على رأسِ السلطة ؟! كلاَّ إنَّ الجريمةَ التي اقترفها إبراهيم لم تكن شيئاً من ذلك ألبته, إنَّ كلَّ الذي فَعَله عليه السلام, أنَّه تناولَ مِعولَه يوماً ما, وقصد مجموعةً من الأحجارِ المنحوتة, والأخشابِ المصفوفة, فحطَّمها حجراً حجراً, وصنماً صنماً, وتركها أثراً بعد عين, فجُنَّ جنونُ قومهِ التافهين, واستشاطوا حنقاً وغضباً, وثارت في نفوسِهم الحميةَ حميةُ الجاهليةِ الأولى, وبدلاً من أن يطبعوا قبلةً على جبينِ ذلك الناصحِ الأمين الراغبِ في تخليصهِم من وثنيتهمِ الهابطةِ, وجاهليتهمِ المتخلفة, راحوا ينتصرون لآلهةٍ محطمةٍ مفتتة, ناطقةٍ بعجزِها وضعفِها عن حمايةِ نفسِها من معولِ إبراهيم لا شُلَّت يمينُه, لقد كانتْ فرصةَ القوم لمراجعةِ حساباتهم, ومراجعةِ عقولهم, والاعترافِ بحماقتِهم وجهلهم حين رأوا أصنامهم وآلهَتهم قدْ أصبحتْ كومةً من التراب تسفها الريحُ يمنةً ويسره, لكنَّه العنادُ المتأصل, والجهلُ المطبق ؟! ألا إنَّها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور .
فإلى حديث القرآن وهو يكشفُ خيوطَ المؤامرة بكلِّ حذافيرِها: ((وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ )) (الأنبياء 52,51) ؟! .
هكذا بدأت المواجهةُ بين إبراهيم والملأ, فقد ساءَه ذلك الإسفافُ الذي بلغه قومُه, وتلك الممارساتُ الخاطئة التي تلبس بها مجتمعه. فهو يسألُ باستنكار, ما هذه التماثيلُ التي أنتم لها عاكفون ؟! وهو من خلال سؤالهِ يُسمِّي الأشياءَ بأسمائِها الحقيقية, دون مُدارة أو مُداهنة, يُسميها تماثيلاً ولم يسمها آلهةً، وإن غضب قومُه البائسون المتعصبون, وهذا التجاهلُ المقصودُ من إبراهيم عليه السلام لألوهيةِ تلكَ الأصنام, يُعبرُ عن مدى شجاعةِ الخليل في مواجهةِ الباطل, وعدم اكتراثهِ به, فليس بغائبٍ عنه مقدارُ القداسةِ والتعظيم التي تحظى بها تلك الأصنام في نفوسِ القوم, ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون ؟! قالوا وجدنا آباءَنا لها عابدين, وهو جوابٌ يكشف عن مدى التحجرِ العقلي والنفسي, داخلَ قوالبِ التقليدِ المتيه. التي اعتاد ها أولئك المغفلون !
وهو جوابٌ يكشفُ كذلكَ, عن مدى السفولِ الذي ينحطُ إليه الإنسان, يوم يرضى لنفسهِ أن يضلَّ أسيراً لأوضاعٍ منحرفةٍ صنعها الآخرون . وأنماطِ حياةٍ بالية, افتعلها المجرمون, وهو جوابٌ يكشف كذلك عن مدى الذلِّ الذي يصيرُ إليه الإنسان, يوم يرضى أنْ يؤجَّر عقلَه للآخرين, ويُضفي على أفعالِ بشرٍ مثلِه قداسةً لم يأذن بها الله, وتعظيماً لا مبرر َله, قال لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين, هكذا بكلِّ صراحةٍ ووضوحٍ , وبكلِّ شجاعةٍ ورجولةٍ, يواجهُ إبراهيمُ قومَهُ, ويعلنُ ضلالهم وضلالَ آبائِهم, وآباءِ آباءِهم , غير هيابٍ ولا وجل .
فما كانتْ عبادةُ الآباءِ يوماً من الأيام لتكسبَ هذه التماثيل قيمةً ليست لها, ولا تخلعَ عليها قداسةً لا تستحقُها, فالقيمُ لا تنبعُ من تقليد الآباء وتقديسهم, ولا من قولِ فلانٍ وفلان, إنما تنبع القيم من قال اللهُ, وقال رسول, ((قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ)) (الأنبياء : 55) ؟!
فهو سؤالُ المزعزعِ في عقيدته, المنحرفِ في إيمانه, الذي لا يطمئنُ إلى سلوكِه, ولا يثقُ بتصرفاتِه, ذلك لأنَه معطلُ الفكرِ والروح، بتأثيرِ الوهمِ والتقليد, ولسانُ حاله, أتيتُ لا أدري من أين ولكنِّي أتيت. ولقد أبصرت قدَّامي طريقاً فمشيتْ, كيف جئتُ ؟ كيف أبصرتُ طريقي ؟! لستُ أدري , لستُ أدري .
وفي مقابلِ هذا الغموضِ والتيه, وفي مقابل هذه الحيرة, يقفُ إبراهيمُ على الجانب الآخر بأقدامٍ راسخة, لا يتزعزعُ ولا يضطربْ, عارفاً بربه مطمئناً بإيمانه, يجيبُهم بكلِّ ثقة, ويجادلهم بكل ثبات : ((قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ)) (الأنبياء:56) .
إنَّه يصححُ لهم مفاهيمَهم الخاطئة, ويصوبُ لهم اعتقاداتِهم الباطلة, ويؤكدُ لهم بأنَّ ربهم: هو ربُ السماوات والأرض, وليس كومةَ الترابِ والحجارة, ثم يعلنُ إبراهيمُ قرارَه الجريء, بالتصدِّي لذلك الإسفاف, ووضعِ حدٍ لذلك السفه, ويقسمُ باللهِ ربِّ العالمين ليغيرنَّ المنكرَ, وليأخذنَّ على يدِ السفيه وليأطرنَّهم على الحقِّ أطراً : ((وَتَاللَّهِ لَأَكِيد َنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ )) (الأنبياء : 57) .
وإعلانُ إبراهيم أنَّه سيضطلعُ بمسؤوليةِ التغيير, ومهمةِ التصدي للباطل, إشارةٌ واضحة الدلالة بأنَّ حملةَ الحقِّ والنور لا يعملون في الخفاء, ولا يستترون في الظلام, وإنَّما يعرضونَ بضاعتَهم على الملأ, ولا يصطادون في الماء العكر .
((فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً إِلَّا كَبِيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ )) (الأنبياء:58 ) .
وهكذا تحولتْ الآلهةُ المعبودةُ, إلى قطعٍ صغيرةٍ من الحجارةِ والأخشابِ المهشمة, إلا كبيرَ الأصنام, فقد تركهُ إبراهيمُ عمداً , لعلهم إليه يرجعون, لعلهم إليه يرجعون فيسألونه كيف وقعتْ الواقعة, وكيف هوتْ الأصنامُ الصغيرة, وهو حاضرٌ موجود, فلمْ يحركْ ساكناً, ولم يدفع عنها شيئاً, لقد تركَ إبراهيمُ الصنمَ الأكبر, لعلَّ القوم يستيقظون ويرجعون إلى عقولهم, ويدركون ما هم فيه من سخفٍ وهُراء, وزيف وضلال, عاد القوم إلى معبدهم ليروا آلهتَهم جذا ذاً محطمةً, قطعاً مبعثرةً إلا ذلك الكبير, لكنَّهم لم يرجعوا إليه يسألونه, ولا إلى أنفسهِم يسألونها إن كانت هذه آلهةً فكيف وقعَ لَها ما وقع, دون أن تدفعَ عن أنفسِها شيئاً؟ لم يسألوا أنفسهم هذا السؤال, لأنَّ الخرافةَ قد عطَّلت عقولَهم عن التفكير, ولأنَّ التقليد قد غلَّ أفكارَهم عن التأمل, فإذا هم يَدَعُونَ هذا السؤالَ الطبيعي, ويعودون ناقمين على من حطَّم آلهتهم, وأذلَّ أوثانَهم, قالوا من فعل هذا بآلهتِنا إنَّه لمن الظالمين !؟ عندئذٍ تذكر الذين سمعوا إبراهيمَ ينكرُ على أبيه وقومهِ عبادتَهم وسخافَتهم, تذكروا توعدَه لأصنامِهم, وتهديده لأوثانهم : ((قَالُوا سَمِعْنَا فَتىً يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ )) (الأنبياء:60). تأمل رعاك اللهُ عبارَتهم ((يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ)) .
وهي عبارةٌ لم تأتِ من فراغٍ, وإنَّما قُصد بها تصغيرُ شأنهِ, وتحقيرُ أمرهِ, والتقليلُ من أهميتهِ : ((يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ )) قالوا : (( قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ)).
وهنا يُستدعى إبراهيم إلى المحكمةِ الطاغوتية, في محاكمةٍ علنية, ولا بأس من إعلانِ المحاكمةِ لأنَّ النتيجةَ معروفةٌ سلفاً, ولأنَّ المجتمعَ بأسرهِ لا يقوى على الاحتجاج, وهو الذي استمرأ الذل, وألف الهوان, ويقف إبراهيمُ أمام محاكميه, ويسألونه جميعاً أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم؟ وانتبه رعاك الله، أنَّهم ما زالوا يصرون على أنَّها آلهة, وهي جذ اذٌ مهشمة, وأوصالٌ محطمة, ولا يملكُ إبراهيمُ إزاءَ هذا السفه, وحيالَ هذا السُخف إلا أن يهزأَ بهم, ويسخرَ من عقولِهم, ويجيبَهم بتهكمٍ وازدراء : ((قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ )) (الأنبياء:63) , ويبدو أنَّ التهكمَ قد هزهم شيئاً ما, وردَّهم إلى شيءٍ من التفكر : ((فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ )) (الأنبياء:64).
وكانت بادرةَ خيرٍ أن يستشعروا ما في موقفهِم من سُخفٍ, وما في عبادتِهم تلك التماثيلِ من ظُلمٍ, وأن تتفتحَ بصيرتُهم لأولِ مرة, فيتدبروا ذلكَ السخفِ الذي يأخذونَ به أنفسَهم, وذلك الظلمَ الذي هم فيه سادرون، ولكنَّها لم تكن إلاّ ومضةً واحدة أعقبها الظلامُ, وإلاّ خفقةً واحدة، عادت بعدها قلوبُهم إلى الخمود : ((ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُؤُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنْطِقُونَ )) (الأنبياء:65) .
وكم هو بديعٌ تعبيرُ القرآنِ وتصويرُه, فحقاً لقد كانتْ الأولى رجعةً إلى النفوس, وكانت الثانية نكسةً على الرؤوس, كانت الأولى: حركةً في النفسِ للنظرِ والتدبر, أما الثانية : فكانتْ انقلاباً على الرأس, فلا عقلٌ ولا تفكر, وإلاّ فإنَّ إقرارَهم بعجزِ آلهتهِم عن النطق أكبرُ حجةٍ عليهم , وأقوى حجةٍ لإبراهيم في وجاهة ِما صنع, وهنا يصرخُ الخليلُ في وجوههِم : ((قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ * أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ )) (الأنبياء:67,66) .
وهذا الردُ الصارمُ القوي من إبراهيم, وهذا الانتصارُ العظيمُ في الحجةِ والبرهان, كان كافياً لأنْ يعتذرَ القومُ من شخصهِ الكريم, ويعلنوا أسفَهم وندمَهم على ما فرَّطوا في جنبِ الله, وكان مُنتظراً أن يشكروا لإبراهيمَ إيضاحَه الطريقَ لهم, ودلالتَه إياهم إلى سبيلِ النجاة, لكنَّ شيئاً من ذلك لم يحدث أبداً, بل أخذتهم العزةُ بالإثم, كما تأخذُ الطغاةَ دائماً, حين يفقدونَ الحجةَ, ويعوزهم الدليل, فيلجئُون إلى القوةِ الغاشمة, والانتقامِ السريع : ((قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ)) (الأنبياء:68) .
هكذا أصدرتْ المحكمةُ الظالمة حُكمَها الجائرَ المستبد , بكلِ جرأةٍ, وصفاقة, مغترينَ بسلطتهمِ وجبروتِهم, وإمهالُ اللهِ لهم, وانظارهُ إياهم, فالإعدامُ حرقاً بالنار, كان جزاءَ ذلك النبيِ الكريم, لأنَّه رفضَ أن يسكتَ على الأوضاعِ البالية, والممارساتِ الخاطئة, وأبتْ عليه مروءتُه وشهامتُه, أنْ يحجبَ مقولةَ الحق, ويدعَ المنكرَ الظاهرَ المتفشي في وضحِ النهار, وكان مستعداً لتحمل تبعاتِ مواجهةِ الباطل, رضيَ الناسُ أم سخطوا, ويساقُ إبراهيم مكبلاً بالقيود إلى ساحةِ الإعدام, وتُضرم النيران الهائلة, ويقذفُ إبراهيمُ فيها من بعيد , لكن هنا تتدخل يدُ العنايةِ الإلهية : ((قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ )) (الأنبياء:69).
لقد أراد الطغاةُ الحرقَ بالنار, وأراد اللهُ ألاّ يُحرقَ بالنار, فكان ما أراد الله , وهل يمكن أن يكون إلا ما يريده الله ؟!
إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلبٌ, أو ألقى السمع وهو شهيد .
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وأيَّا كم بالذكرِ الحكيم، واستغفر الله لي ولكم إنَّهُ هو الغفورُ الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله يُعطي ويمنع, ويخفضُ ويرفع, ويضرُ وينفع, ألا إلى اللهِ تصيرُ الأمور. وأُصلي وأسلمُ على الرحمةِ المهداة, والنعمةِ المُسداة, وعلى آلهِ وأصحابه والتابعين .
أما بعد أيها المسلمون :
فإنَّ القرآن الكريم حين يُعرضُ قصةَ محاكمةِ إبراهيم فإنَّه لا يعرضُها كمجردِ حدثٍ تاريخي, حدثَ وانتهى, ولا يعرضُها للتسليةِ, وشَغْلِ الفراغ , وإنَّما يعرضُها تبعاً لمنهجهِ المُعلن : ((فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)) .
: أي واللهِ لعلَّهم يتفكرون, لعلَّهم يتدبرون, لعلَّهم يتنبهون, لعلَّهم يستيقضون, ولو تفكر المسلمون دعاةً ومدعوين, في قصةِ إبراهيم, لخرجوا بفوائدٍ ودروسٍ لا تُعد ولا تحصى .
وأذكرك أخي المسلمَ شيئاً منها, والذكرى تنفع المؤمنين :
أولاً : أنَّ قضيةٌ الصراع بين الحق والباطل هي قضية أزلية، ضاربةٌ جذورَها في أعماقِ التاريخ. وإنَّه وإن تغيرتْ الوجوهُ والشخصيات, والأسماءُ والمسميات, فإنَّ جوهرَ النزاع سيظلُ باقياً كما هو, لا تزيدُه الأيامُ إلاّ احتداماً .
ثانياً : أنَّ التصدي للأنماطِ الجاهليةِ السائدة, والوقوفُ بوجهِ الانحرافاتِ السلوكيةِ الدارجةِ في المجتمعات, هو منهجُ الأنبياء, وأولي العزم من الرسل، فلا عبرةَ بخنوعِ الخانعين, وانجفال الخائبين .
ثالثاً : أنَّ العداوةَ بين المهتدينَ والمنحرفين يشتعلُ فَتيلُها, وتضطرمُ نارُها, منذ اللحظةِ الأولى التي يعلنُ فيها الحقُ عن قدومهِ إلى الساحة, ورفضهِ الركوعَ للباطل, والاستسلامَ للأمرِ الواقع .
رابعاً : من خلالِ القصة، يتبين مقدارُ الانحراف الذي يصلهُ الإنسان، حين ينجرفُ مع التقاليدِ البالية التي صنعها آباؤهُ وأجداد, وكبراءُ قومه, ومنحرفو أمته ، حتى يبلغَ به انحدارُه مرتبةً لا يتبوؤها إلا خانعُ النفس, ميتُ الإحساسِ, عديمُ الضميرِ, قد اعتراه اللؤمُ ولفَّه الهوانُ.
خامساً : شجاعةُ إبراهيمْ عليه السلام, واستخفافهُ بكثرةِ قومهِ وجبروتهم, , فقد وقف مجادلاً ومناظراً, بمفردهِ أمامَ جموعٍ من الطواغيت, متوكلاً على الله وحده, متبرئاً من حولهِ, وقوته .
سادساً : لقد كانت حجةُ إبراهيم باهرةً, وبرهانه ناصعاً, واستطاع أن يثبتَ بالدليلِ العملي بطلانَ الاعتقادِ السائدِ لدى القوم, بألوهيةِ الأصنام حين حطَّمها, وفتَّتها واحداً بعد الآخر، فلم تنتصرْ لنفسِها, وظلَّ كبيرُ الأصنام شاهداً على عجزهِ وعجزهم, وضعفهِ وضعفهم, ورغمَ ذلك الانتصارِ النبوي في الحجةِ والبرهان, تعامى الطواغيت, واستكبروا من الإذعان للحق, وجمَعوا كيدَهم أشراً وبطراً, ورئاء الناس
سابعاً : أنَّ القضيةَ في صراعِ الحقِ والباطل، ليست قضيةَ من المحقِ, ومن المبطل؟ ومن على صوابٍ, ومن على خطأ ؟ كلاَّ , إنَّ القضيةَ هي الاستبدادُ, والرغبةُ في استعبادِ العباد, وممارسةِ الطغيان بكل اطمئنان,
ثامناً : أنَّ الخصم قد يصدرُ حكمَه الجائر, ويشتهي البطشَ بخصمهِ, والتشفي منه, لكنْ ليس بالضرورةِ أنْ يحققَ الخصمُ مرادَه, فأنتَ ترى كيف حكمَ الطواغيتُ على إبراهيم حكمَهم الجائرَ الظالم، من خلالِ إلقاءه في النار, حتى يموتَ محترقاً, لكنَّ الله جلَّ جلاله قد يحولُ متى شاء بين الخصومِ وبين ما يشتهون, وأنَّ ما يتحققُ على أيديهم لو تحقق إنَّما يجري بقدرِ الله, وليس بغائبٍ عن عينِ الله, ولكنْ قصرت عقولُنا عن إدراكِ كلِّ الحِكَم, وللهِ الأمرُ من قبلُ ومن بعد .
تاسعاً : أنَّ الابتلاءَ والامتحان، مرحلةٌ من عمرِ الزمن, لا تلبثُ أنْ تنقضي وتزول، طال الزمنُ أم قصر .
ولكنَّ العاقبةَ للمتقين، لقد ابتُلي إبراهيم فصبرَ, ولم يتراجعْ ولم ينهزمْ أمامَ خصومهِ من المجرمين, فانتهى البلاء ومرَّ العناء, وذهب إبراهيمُ وذهب المجرمون، لكن شتَّان بين من ذهب مسنداً ظهره إلى البيتِ المعمورِ في السماء السابعة, وبين من قال اللهُ عنهم : ((كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ * كِتَابٌ مَرْ قُومٌ)) (المطففين: 20.19.18) .
وأخيراً أيها الأخُ المسلمُ الكريم, أذكركَ بقولـهِ جلَّ جلاله : ((قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ )) (الممتحنة : 4) .
اللهمَّ إنَّا نسألُك إيماناً يُباشرُ قلوبنا، ويقيناً صادقاً، وتوبةً قبلَ الموتِ، وراحةً بعد الموتِ، ونسألُكَ لذةَ النظرِ إلى وجهكَ الكريمِ, والشوق إلى لقائِكَ في غيِر ضراءَ مُضرة، ولا فتنةً مضلة،
اللهمَّ زينا بزينةِ الإيمانِ، واجعلنا هُداةً مهتدين,لا ضاليَن ولا مُضلين, بالمعروف آمرين, وعن المنكر ناهين، يا ربَّ العالمين, ألا وصلوا وسلموا على من أُمرتم بالصلاة عليه، إمام المتقين، وقائد الغرِّ المحجلين وعلى ألهِ وصحابته أجمعين.
اللهمَّ آمنا في الأوطانِ والدُور، وأصلحِ الأئمةَ وولاةِ الأمورِ, يا عزيزُ يا غفور, سبحان ربك رب العزة عما يصفون.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى