رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
الشيخ /صالح بن عبد الرحمن الخضيري
من آداب الحج وفضل العشر
الحمد لله سبحانه، أنعم على العباد بدينه ودعوته ، وأكرمهم بتوضيح الطريق إلى مرضاته ((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً)) (المائدة:3) . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له دعوة الحق ((وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)) (آل عمران:85) .
سبحانه يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ، يسبح له الليل إذا عسعس، والصبح إذا تنفس، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، قائد المجاهدين، وإمام المتقين ، قضى دهره لله عابداً، وأفنى فيه مجاهداً ، فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه الأتقياء البررة، وعلى التابعين لهم بإحسان .
أما بعد :
فأوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله عز وجل، وكثرة حمده على آلائه إليكم، ونعمائه عليكم، وبلائه لديكم ، فكم خصكم بنعمة ، وأزال عنكم من نقمة، وتدارككم برحمة، أعورتم له فستركم، وتعرضتم لأخذه فأمهلكم، فإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم .
أيها المؤمنون بالله :
اتقوا الله وعظموا أمره ، ففي هذه الأيامِ يستقبلُ أهلُ الإسلام شعائرَ عظيمة . حجٌ إلى بيت الله الحرام، وقوفٌ بالمشاعر المقدسة ، عشرُ ذي الحجة ، ويوم النحر ، ويوم عرفه ، الأضحية ، فيالها من أيام عظيمة ، ولحظات مشرفة ، وميادينَ للمسابقة بالأعمال الصالحة .
أيها المسلمون :
كم نُضيِّعُ من الأوقات هدراً ، وسيندم كل مفرط غداً ، وإذا كنا قد فرطنا فيما مضى ، فهاهي فرصة سانحةٌ تتاح لنا ، يعظم الله لنا فيها الأجور ، فهل من مسابقٍ إلى لخيرات ، والله تعالى يقول : ((فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ)) (البقرة:148) .
أيها المؤمنون :
وقت الإنسان ، وساعاتُ ليله ونهاره، هي حياتُهُ ورأسُ ماله .
والعاقل، هو الذي يحافظ على رأس المال وعلى الحياة .
ألا وإن هذه الأيامَ المقبلةَ، فرصةٌ لحرث الآخرة، وفرصة لكسب الحسنات الباقية .
يا أخا الإسلام ! قف، وسائل نفسك : ماذا ستقدم لأخرتك في هذه الأيام الفاضلة ، وبماذا ستخصها ؟ وهل أيام الدهر عندك سواء ؟
إنها فرصة العمر ، فقد لا تدركها في عام آخر . نعم . يا باغي الخير هذه عشر ذي الحجة ستنزل بكم ، وهي أفضل أيام العام ، فماذا أعددتم لها من أعمال .
يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ((ما من أيام العمل الصالح فيهن أحبُّ إلى الله من هذه الأيام العشر )) قالوا : ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال : (( ولا الجهاد في سبيل الله ، إلا رجل خرج بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشيء )) [1] .
أيها المسلمون :
لقد شرع لكم ربكم في هذه الأيام شعائرَ عظيمة ، ومناسكَ جليلة ، وعلى رأسها حج بيت الله الحرام .
فالحج ركنٌ عظيمٌ من أركان الإسلام يجب ، أداؤه مرةً واحدةً في العمر ، على كل مسلم ومسلمة استطاعا إلى ذلك سبيلا .
قال تعالى : (( وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)) (آل عمران:97)
وقال صلى الله عليه وسلم : (( يا أيها الناس : إن الله قد فرض عليكم الحج فحجوا ))[2].
فمن قام بأداء هذا الركن العظيم بإخلاص واقتداءٍ بالمصطفى صلى الله عليه وسلم فهو موعودٌ بالأجور العظيمة . يقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( الحج المبرور ليس له جزاءٌ إلا الجنة )) [3].
وقال صلى الله عليه وسلم : (( من حجَّ البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه ))[4].
فيجب على المرء إذا وجب عليه الحج وكان مستطيعاً ببدنه وماله أن يبادر إلى ذلك قبل أن ينزل به ما يمنعه من موت أو مرض أو غيرهما من العوائق . وفي مسند الإمام أحمد مرفوعا : (( تعجلوا إلى الحج ـ فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له )) فليحذر الإنسان من التفريط في أداء الفرائض ولا سيما الحج .
يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه : (( من أطاق الحج فلم يحج فسواء عليه مات يهودياً أو نصرانياً ))
أيها المسلمون : ومع عظمة هذه الأيام ، فقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم وحث على كثرة الذكر والتسبيح والتهليل في هذه العشر فقال : (( ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر فأكثروا فيهن التهليل والتكبير والتحميد )) .
وقال تعالى : ((وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ )) (الحج:28) .
وقد فسرت هذه الآية بأنها أيام العشر .
فأحيوا هذه السنة، وليكن لكم في سلف الأمة أسوة وقدوة ، فقد أخرج البخاري في صحيحه أن ابن عمر وأبا هريرة رضي الله عنهما كانا يخرجان إلى السوق أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما)) .
والمراد أنهما يذكران الناس فيتذكرون ويذكرون ، ولا يعني التكبير بصوت واحد جماعي فهذا غير مشروع . حيث لم ينقل ذلك عن السلف ، وإنما السنة أن يكبر كل واحد بمفرده .
ومن الصفات المشروعة في التكبير : الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد .
إخوةَ الإسلامِ : ومن الأعمال الفاضلة في هذه الأيام الصيام فيستحب صيامها أو ما تيسر منها - وبالأخص يوم عرفة . والصيام من الأعمال التي اصطفاها الله لنفسه كما في الحديث القدسي : ((الصوم لي وأنا أجزي به ، إنه ترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي))
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله r : (( ما من عبد يصوم يوماً في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفاً ( أي مسيرة سبعين عاما ) . )) متفق عليه .
وعن هنيدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : (( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة ، ويوم عاشورا ، وثلاثة أيام من كل شهر ))[5].
وروى مسلم رحمه الله عن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والتي بعده ))[6] .
أيها المسلمون :
ويستحب في هذه الأيام الفاضلة ، الإكثار من الأعمال الصالحة من نوافل العبادات كالصلاة، والصدقة والجهاد وقراءة القرآن والدعاء والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونحو ذلك من الأعمال التي تضاعف في هذه الأيام .
أيها المسلمون :
كما تحرصون على استثمار هذه الأيام الفاضلة بالأعمال الصالحة ، فاحذروا المعاصي، وبادروا بالتوبة النصوح ، وللتوبة في الأزمنة الفاضلة شأن عظيم، وإن كان باب التوبة مفتوحاً على الدوام ، وإذا كان العقل السليم ينفر من المعاصي على الدوام فنفرته منها وقت المواسم والفضائل أشد .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : ((ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ)) (الحج:30) .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم .أقول ما سمعتم وما تسمعون واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين فضَّل الشهور والأيام، وأسبغ على الخلق من آلائه ونعمه ما يشهد به ألو البصائر والأفهام، وأشهد محمداً عبده ورسوله أفضل من صلى وحج وصام، اللهم صلِّ وسلم عليه وعلى سائر المرسلين .
أيها المسلمون : ومما شرعه الله في هذه الأيام الأضحية في يوم النحر وأيام التشريق، وهي سنة أبينا إبراهيم عليه الصلاة والسلام حين فدى الله ولده بذبح عظيم .
وقد ثبت ((أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده وسمى وكبر ووضع رجله على صفاحهما))[7].
فمن عزم على الأضحية فليمسك عن شعره وأظفاره إذا دخلت العشر لقوله صلى الله عليه وسلم : ((إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره حتى يضحي)) .
وفي رواية : ((فلا يمسَّ من شعره وبشرته شيئاً))[8].
فهذا دليل على تحريم أخذِ شيء من شعر أو جلد أو ظفر هذا الإنسان الذي يريد أن يضحي حتى يذبح أضحيته تعبداً لله وطاعة له . لكن يجوز غسل الرأس والجسد للرجل والمرأة أيام العشر ولو كانا يريدان الأضحية.
وهذا النهي عن أخذ الشعر والظفر للمضحي ولا يعم زوجته وأولاده إلا إذا كان لأحدهم أضحية تخصه والله أعلم .
عباد الله : سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض .. وتعرضوا لنفحات الله في هذه الأيام الفاضلة، فإن الزاد قليل، والرحيل قريب، والطريق مخوف، والاغترار غالبٌ، والخطر عظيم، والناقد بصير ، وربك بالمرصاد ولا يظلم ربك أحدا (( فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ)) (الزلزلة:7-8)
هذا وصلوا على خير البرية وأزكى البشرية فقد أمركم بذلك ربكم فقال عز من قائل : ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)) (الأحزاب:56) .
اللهم صلى وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين
اللهم اسلك بنا طريق المتقين الأبرار، وأعذنا من خزي الدنيا وعذاب النار وتقبل منا واغفر لنا يا كريم ياغفار .
اللهم إنا نسألك رحمة تهدي بها قلوبنا وتلم بها شعثنا وتذهب بها الفتن عنا.
اللهم احفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا وعن أيماننا وعن شمائلنا ونعوذ بعظمتك أن نغتال من تحتنا .
اللهم احفظنا بالإيمان والهدى قائمين وقاعدين وراقدين ولا تشمت بنا الأعداء ولا الحاسدين يا رحمان يا رحيم .
اللهم أعز الإسلام والمسلمين .. وأذل الشرك والمشركين اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك الصالحين .
اللهم انصر إخواننا المجاهدين في سبيلك في كل مكان، اللهم انصر إخواننا المجاهدين في الشيشان اللهم انصرهم على عدوك وعدوهم .اللهم عليك بأعدائك وأعداء دينك من اليهود والنصرى والشيوعيين والرافضة والمنافقين والعلمانين اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك .. اللهم زلزل الأرض من تحت أقدامهم واجعلهم هم وأموالهم غنيمة للإسلام والمسلمين يا قوي يا عزيز .
اللهم وأبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل الطاعة ويذل فيه أهل المعصية ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر يا سميع الدعاء .اللهم ارفع عنا الغلا والربا والزنا والزلازل والمحن عن بلدنا هذا وعن سائر بلاد المسلمين يا أرحم الراحمين .
اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا وجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا أرحم الراحمين
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت أنت الغني ونحن الفقراء إليك اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ..اللهم أغثنا مغيثاً هنيئاً مريئاً سحاً غدقاً عاجلاً مجللاً نافعاً غير ضار .
اللهم اسقنا سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا هدم ولا غرق .
ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين . ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .
عباد الله : ((إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ )) (النحل:90) .
وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون
[1] أخرجه البخاري وأبو داود والترمذي وهذا لفظه ورواه ابن ماجة وأحمد
[2] رواه مسلم
[3] رواه البخاري ومسلم .
[4] رواه البخاري ومسلم .
[5] رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي
[6] رواه مسلم
[7] متفق عليه.
[8] أخرجه مسلم في صحيحه .
من آداب الحج وفضل العشر
الحمد لله سبحانه، أنعم على العباد بدينه ودعوته ، وأكرمهم بتوضيح الطريق إلى مرضاته ((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً)) (المائدة:3) . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له دعوة الحق ((وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)) (آل عمران:85) .
سبحانه يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ، يسبح له الليل إذا عسعس، والصبح إذا تنفس، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، قائد المجاهدين، وإمام المتقين ، قضى دهره لله عابداً، وأفنى فيه مجاهداً ، فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه الأتقياء البررة، وعلى التابعين لهم بإحسان .
أما بعد :
فأوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله عز وجل، وكثرة حمده على آلائه إليكم، ونعمائه عليكم، وبلائه لديكم ، فكم خصكم بنعمة ، وأزال عنكم من نقمة، وتدارككم برحمة، أعورتم له فستركم، وتعرضتم لأخذه فأمهلكم، فإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم .
أيها المؤمنون بالله :
اتقوا الله وعظموا أمره ، ففي هذه الأيامِ يستقبلُ أهلُ الإسلام شعائرَ عظيمة . حجٌ إلى بيت الله الحرام، وقوفٌ بالمشاعر المقدسة ، عشرُ ذي الحجة ، ويوم النحر ، ويوم عرفه ، الأضحية ، فيالها من أيام عظيمة ، ولحظات مشرفة ، وميادينَ للمسابقة بالأعمال الصالحة .
أيها المسلمون :
كم نُضيِّعُ من الأوقات هدراً ، وسيندم كل مفرط غداً ، وإذا كنا قد فرطنا فيما مضى ، فهاهي فرصة سانحةٌ تتاح لنا ، يعظم الله لنا فيها الأجور ، فهل من مسابقٍ إلى لخيرات ، والله تعالى يقول : ((فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ)) (البقرة:148) .
أيها المؤمنون :
وقت الإنسان ، وساعاتُ ليله ونهاره، هي حياتُهُ ورأسُ ماله .
والعاقل، هو الذي يحافظ على رأس المال وعلى الحياة .
ألا وإن هذه الأيامَ المقبلةَ، فرصةٌ لحرث الآخرة، وفرصة لكسب الحسنات الباقية .
يا أخا الإسلام ! قف، وسائل نفسك : ماذا ستقدم لأخرتك في هذه الأيام الفاضلة ، وبماذا ستخصها ؟ وهل أيام الدهر عندك سواء ؟
إنها فرصة العمر ، فقد لا تدركها في عام آخر . نعم . يا باغي الخير هذه عشر ذي الحجة ستنزل بكم ، وهي أفضل أيام العام ، فماذا أعددتم لها من أعمال .
يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ((ما من أيام العمل الصالح فيهن أحبُّ إلى الله من هذه الأيام العشر )) قالوا : ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال : (( ولا الجهاد في سبيل الله ، إلا رجل خرج بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشيء )) [1] .
أيها المسلمون :
لقد شرع لكم ربكم في هذه الأيام شعائرَ عظيمة ، ومناسكَ جليلة ، وعلى رأسها حج بيت الله الحرام .
فالحج ركنٌ عظيمٌ من أركان الإسلام يجب ، أداؤه مرةً واحدةً في العمر ، على كل مسلم ومسلمة استطاعا إلى ذلك سبيلا .
قال تعالى : (( وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)) (آل عمران:97)
وقال صلى الله عليه وسلم : (( يا أيها الناس : إن الله قد فرض عليكم الحج فحجوا ))[2].
فمن قام بأداء هذا الركن العظيم بإخلاص واقتداءٍ بالمصطفى صلى الله عليه وسلم فهو موعودٌ بالأجور العظيمة . يقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( الحج المبرور ليس له جزاءٌ إلا الجنة )) [3].
وقال صلى الله عليه وسلم : (( من حجَّ البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه ))[4].
فيجب على المرء إذا وجب عليه الحج وكان مستطيعاً ببدنه وماله أن يبادر إلى ذلك قبل أن ينزل به ما يمنعه من موت أو مرض أو غيرهما من العوائق . وفي مسند الإمام أحمد مرفوعا : (( تعجلوا إلى الحج ـ فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له )) فليحذر الإنسان من التفريط في أداء الفرائض ولا سيما الحج .
يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه : (( من أطاق الحج فلم يحج فسواء عليه مات يهودياً أو نصرانياً ))
أيها المسلمون : ومع عظمة هذه الأيام ، فقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم وحث على كثرة الذكر والتسبيح والتهليل في هذه العشر فقال : (( ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر فأكثروا فيهن التهليل والتكبير والتحميد )) .
وقال تعالى : ((وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ )) (الحج:28) .
وقد فسرت هذه الآية بأنها أيام العشر .
فأحيوا هذه السنة، وليكن لكم في سلف الأمة أسوة وقدوة ، فقد أخرج البخاري في صحيحه أن ابن عمر وأبا هريرة رضي الله عنهما كانا يخرجان إلى السوق أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما)) .
والمراد أنهما يذكران الناس فيتذكرون ويذكرون ، ولا يعني التكبير بصوت واحد جماعي فهذا غير مشروع . حيث لم ينقل ذلك عن السلف ، وإنما السنة أن يكبر كل واحد بمفرده .
ومن الصفات المشروعة في التكبير : الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد .
إخوةَ الإسلامِ : ومن الأعمال الفاضلة في هذه الأيام الصيام فيستحب صيامها أو ما تيسر منها - وبالأخص يوم عرفة . والصيام من الأعمال التي اصطفاها الله لنفسه كما في الحديث القدسي : ((الصوم لي وأنا أجزي به ، إنه ترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي))
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله r : (( ما من عبد يصوم يوماً في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفاً ( أي مسيرة سبعين عاما ) . )) متفق عليه .
وعن هنيدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : (( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة ، ويوم عاشورا ، وثلاثة أيام من كل شهر ))[5].
وروى مسلم رحمه الله عن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والتي بعده ))[6] .
أيها المسلمون :
ويستحب في هذه الأيام الفاضلة ، الإكثار من الأعمال الصالحة من نوافل العبادات كالصلاة، والصدقة والجهاد وقراءة القرآن والدعاء والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونحو ذلك من الأعمال التي تضاعف في هذه الأيام .
أيها المسلمون :
كما تحرصون على استثمار هذه الأيام الفاضلة بالأعمال الصالحة ، فاحذروا المعاصي، وبادروا بالتوبة النصوح ، وللتوبة في الأزمنة الفاضلة شأن عظيم، وإن كان باب التوبة مفتوحاً على الدوام ، وإذا كان العقل السليم ينفر من المعاصي على الدوام فنفرته منها وقت المواسم والفضائل أشد .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : ((ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ)) (الحج:30) .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم .أقول ما سمعتم وما تسمعون واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين فضَّل الشهور والأيام، وأسبغ على الخلق من آلائه ونعمه ما يشهد به ألو البصائر والأفهام، وأشهد محمداً عبده ورسوله أفضل من صلى وحج وصام، اللهم صلِّ وسلم عليه وعلى سائر المرسلين .
أيها المسلمون : ومما شرعه الله في هذه الأيام الأضحية في يوم النحر وأيام التشريق، وهي سنة أبينا إبراهيم عليه الصلاة والسلام حين فدى الله ولده بذبح عظيم .
وقد ثبت ((أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده وسمى وكبر ووضع رجله على صفاحهما))[7].
فمن عزم على الأضحية فليمسك عن شعره وأظفاره إذا دخلت العشر لقوله صلى الله عليه وسلم : ((إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره حتى يضحي)) .
وفي رواية : ((فلا يمسَّ من شعره وبشرته شيئاً))[8].
فهذا دليل على تحريم أخذِ شيء من شعر أو جلد أو ظفر هذا الإنسان الذي يريد أن يضحي حتى يذبح أضحيته تعبداً لله وطاعة له . لكن يجوز غسل الرأس والجسد للرجل والمرأة أيام العشر ولو كانا يريدان الأضحية.
وهذا النهي عن أخذ الشعر والظفر للمضحي ولا يعم زوجته وأولاده إلا إذا كان لأحدهم أضحية تخصه والله أعلم .
عباد الله : سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض .. وتعرضوا لنفحات الله في هذه الأيام الفاضلة، فإن الزاد قليل، والرحيل قريب، والطريق مخوف، والاغترار غالبٌ، والخطر عظيم، والناقد بصير ، وربك بالمرصاد ولا يظلم ربك أحدا (( فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ)) (الزلزلة:7-8)
هذا وصلوا على خير البرية وأزكى البشرية فقد أمركم بذلك ربكم فقال عز من قائل : ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)) (الأحزاب:56) .
اللهم صلى وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين
اللهم اسلك بنا طريق المتقين الأبرار، وأعذنا من خزي الدنيا وعذاب النار وتقبل منا واغفر لنا يا كريم ياغفار .
اللهم إنا نسألك رحمة تهدي بها قلوبنا وتلم بها شعثنا وتذهب بها الفتن عنا.
اللهم احفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا وعن أيماننا وعن شمائلنا ونعوذ بعظمتك أن نغتال من تحتنا .
اللهم احفظنا بالإيمان والهدى قائمين وقاعدين وراقدين ولا تشمت بنا الأعداء ولا الحاسدين يا رحمان يا رحيم .
اللهم أعز الإسلام والمسلمين .. وأذل الشرك والمشركين اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك الصالحين .
اللهم انصر إخواننا المجاهدين في سبيلك في كل مكان، اللهم انصر إخواننا المجاهدين في الشيشان اللهم انصرهم على عدوك وعدوهم .اللهم عليك بأعدائك وأعداء دينك من اليهود والنصرى والشيوعيين والرافضة والمنافقين والعلمانين اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك .. اللهم زلزل الأرض من تحت أقدامهم واجعلهم هم وأموالهم غنيمة للإسلام والمسلمين يا قوي يا عزيز .
اللهم وأبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل الطاعة ويذل فيه أهل المعصية ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر يا سميع الدعاء .اللهم ارفع عنا الغلا والربا والزنا والزلازل والمحن عن بلدنا هذا وعن سائر بلاد المسلمين يا أرحم الراحمين .
اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا وجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا أرحم الراحمين
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت أنت الغني ونحن الفقراء إليك اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ..اللهم أغثنا مغيثاً هنيئاً مريئاً سحاً غدقاً عاجلاً مجللاً نافعاً غير ضار .
اللهم اسقنا سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا هدم ولا غرق .
ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين . ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .
عباد الله : ((إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ )) (النحل:90) .
وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون
[1] أخرجه البخاري وأبو داود والترمذي وهذا لفظه ورواه ابن ماجة وأحمد
[2] رواه مسلم
[3] رواه البخاري ومسلم .
[4] رواه البخاري ومسلم .
[5] رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي
[6] رواه مسلم
[7] متفق عليه.
[8] أخرجه مسلم في صحيحه .
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى